رقم ( 5 )
المؤرخ أبو المحاسن (813 :874 ) الذى كان من أكابر المجرمين

 المؤرخ أبو المحاسن (813 :874 ) الذى كان من أكابر المجرمين

الباب التمهيدى : عن الدولة المملوكية ومؤرخيها وما قبل السلطان برسباى 

الفصل الثانى :(  مؤرخو عصر برسباى )

 لمحة عن أبى المحاسن

مقالات متعلقة :

1 ـ من أصل مملوكى ، كان ابوه من أكابر المجرمين ، وهو الامير تغري بردي. كان ( اتابك ) ، أي كان قائدا للجيش المملوكي ، ثم نائبا للسلطان علي الشام ، أي واليا للشام. ينتمى أبو المحاسن الى طبقة ( أولاد الناس ) ، وهم أبناء المماليك الذين وُلدوا أحرارا ، وتكونت بهم طبقة ارستقراطية متغطرسة ، وحتى الآن يقال في مصر ( فلان إبن ناس ) . الى هذه الطبقة ينتمى أيضا المؤرخ ابن إياس ، وإن كان إبن إياس معبرا عن ثقافة الشارع المصرى ، وليس مترفعا عنه مثل أبى المحاسن .

2 ـ إشتهر أبو المحاسن بكتابه : ( النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة )  بلغ به  16 جزءا ، وبدأه من الفتح العربى ، وسار بعده متخصصا فى التاريخ المصرى ، ينقل فيه شذرات عن السابقين ، وممّن نقل عنهم استاذه المقريزى ، وواصل كتابة التاريخ بعد عصر المقريزى من واقع المشاهدة الى قبيل موته بعام واحد ، أى أتم التأريخ لمصر في النجوم الزاهرة حتي 873 هـ ومات عام 8 أي أن السلطان من شؤمه أبطل التعامل بالعملة التي أصدرها وهي النصف الإينالي ، والنصف اسم للعملة الفضية الاينالية ) وقالوا أيضا " إذا كان نصفك إينالي لا تقف على دكاني " ( أى إذا كانت العملة التى معك هى الدرهم الذى اصدره السلطان إينال فلا تقف على دكانى ) .وألفوا عبارات أخرى ، وأشياء أخرى من هذا من غير مراعاة وزن ولا قافية.! )

تعليق

1 ـ قاموا بتأليف شعارات بعضها موزون وله قافية والآخر بدون وزن وقافية . وهى نفس العادة المصرية المتمكنة فى فنّ تأليف الشعارات فى المظاهرات . وهذا الشّعر لم يحظ باعجاب المؤرخ أبى المحاسن ، كما لو كان ينتظر من الجماهير الساخطة أن تنطق شعرا فصيحا ، يمدح السلطان الغشّاش الذى يسرق أقوات المستضعفين في الأرض .!

2 ـ ونرجع للمؤرخ أبى المحاسن وهو يصف تلك المظاهرة الفريدة التى ثار فيها شعب القاهرة على السلطان الفاسد إينال و بطانته من أكابر المجرمين من الشيوخ والأمراء والأعيان حسب وصف أبى المحاسن . .

2 / 1 : يقول أبو المحاسن : (  وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان وأرباب الدولة ) أى انطلقوا فى مظاهراتهم يلعنون السلطان وأعوانه من القُضاة وكبار الموظفين أرباب دولته فأضاعوا حرمته وانتهكوا مكانته . ووصل هجومهم الى أكبر قاض للقضاة وقتها ، يقول أبو المحاسن : ( وأجتاز بهم قاضي القضاة علم الدين البلقيني وهو طالع إلى القلعة ، فسلّم على بعضهم بباب زويلة ، فلم يرد عليه أحد السلام ، بل انطلقت الألسن بالسب له وتوبيخه من كل جانب ، لكونه لا يتكلم في مصالح المسلمين ، واستمر على هذه الصورة إلى أن طلع إلى القلعة.) ، أي إنهم أدركوا التحالف بين أكابر المجرمين من المماليك ورجال الدين .

2 / 2 : وخشى السلطان اينال من جرأة مماليكه عليه ، خصوصا  المماليك الجلبان ، أى المماليك الذين كان يؤتى بهم كبارا وليس من مرحلة الطفولة ، أى كانوا يتطوعون بالوقوع فى الاسترقاق ليؤتى بهم الى مصر فيصيروا فيها مماليك متخصّصين في الشّغب والفتن ، خشى اينال أن يتحالف العوام مع المماليك الجلبان . يقول ابو المحاسن عن محنة السلطان اينال بعد أن أضاعت مظاهرات الحرافيش مكانته وحرمته وهيبته : ( وخاف السلطان من قيام المماليك الجلبان بالفتنة وأن تساعدهم العامة وجميع الناس ، فرجع عما كان قصده . ) أى كان يريد ان يستخدم المماليك الجلبان ضد المصريين الأحرار ، الذين يسميهم أبو المحاسن بالعوام ، فخاف ان يتحد ضده المصريون والجلبان، لأن غشّ العُملة يدفع ثمنه أولئك الجنود الجلبان وغيرهم .

2 / 3 : وبهذا تطورت المظاهرات ضد السلطان اينال . ووجد المتظاهرون فرصتهم الكاملة فى سبّ وتحقير أعوان السلطان ممن كان يقوم بالسلب والنهب والمصادرات باسم السلطان ، يقول ابو المحاسن : ( وقد أفحش العامة في سباب ناظر الخاص ، ورجموه ،وكادوا يقتلونه ،) ناظر الخاص هو المشرف على ثروة السلطان وأملاكه . وقد اضطر الى الفرار من أمامهم ومعه أعوانه وفرق حراسته.

2 / 4 : يقول ابو المحاسن باستعلاء وحقد يصف انتصار المصريين الأحرار : ( وعظُمت الغوغاء ، فأرسل إليهم ابن السلطان ، فسألهم عن غرضهم فقالوا : " النداء بأن كل شيء على حاله" ، فقال لهم : " غدا أكلم السلطان ويفعل قصدكم ."، فأبوا ، وصمموا على النداء في هذا اليوم . فأرسل لأبيه ، فتردد ، ثم أجاب . ) يقول أبو المحاسن معلّقا : ( وحصل بالنداء غاية الوهن في المملكة ، وطغى العامة وتجبروا .). واضح هنا أن المؤرخ الأرستقراطي المملوكي الأصل أبا المحاسن ينتمى الى أكابر المجرمين ، لم يكن من رجال الدين ، ولكن من الملأ المملوكى المحيط بالسلطان ، لذا لم يسترح إلى رضوخ السلطان إينال للمصريين ، وهم عند هذا المؤرخ ( غوغاء وعوام ) .!

أمثلة للخلاف بين أبى المحاسن ( الذى ينتمى لأكابر المجرمين ) وشيخه المقريزى ( الذى لم يكن من المجرمين )

المثال الأول

1 ـ يذكر المقريزى في ( السلوك ) في أحداث شهر شوال 841 : ( وفيه ركب السلطان من القلعة، وأقام يومه بخليج الزعفران خارج القاهرة. وعاد من آخره بعد أن فرق مالاً في الفقراء، فتكاثروا على متولى تفرقة ذلك، حتى سقط عن فرسه، فغضب السلطان من ذلك، وطلب سلطان الحرافيش، وشيخ الطوائف، وألزمهما بمنع الجعيدية أجمعين من السؤال في الطرقات، وإلزامهم بالتكسب، وأن من شحذ منهم يقبض الوالى عليه، وأُخرج ليعمل في الحفير. فامتنعوا من الشحاذة، وخلت الطرقات منهم، ولم يبق من السؤّال إلا العميان والزمناء وأرباب العاهات، ولم نسمع بمثل ذلك. فعم الضيق كل أحد، وانطلقت الألسنة بالدعاء على السلطان، وتمنى زواله، فأصبح في يوم الأربعاء سابعه مريضًا قد إنتكس، ولزم الفراش.) .

تعليق

   أكابر المجرمين من المماليك وأعوانهم نظروا بإحتقار الى فقراء القاهرة الذين لا يجدون ما ينفقون ، وكانوا طوائف أطلق عليهم أكابر المجرمين أوصافا تحقيرية ، مثل الحرافيش والعوام والجعيدية . هذا يذكرنا بالملأ من قوم نوح الذين قالوا له : ( أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ (111) الشعراء ) ( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُ هؤلاء الغوغاء بإرادة الملك الأشرف ولا عن أمره ولا عن حضوره‏. وقد تقدم أن نواب البلاد الشامية وأكابر الأمراء منعوهم من دخول القلعة بالجملة فلم يقدروا على ذلك لكثرة من كان اجتمع بالعسكر من التركمان والعرب النهابة كما هي عادة العساكر‏. وإن كان كون الأشرف جهز العسكر إلى جهة الرها فهذا أمر وقع فيه كل أحد من ملوك الأقطار قديمًا وحديثًا ولا زالت الملوك على ذلك من مبدأ الزمان إلى آخره معروف ذلك عند كل أحد‏. انتهى‏. ).

ونقول : سنعرض لتفصيلات مذبحة الرها كما كتبها المقريزى في الباب الختامي

لهذا الكتاب . وما قاله المقريزى منتقدا هو أقل مما يجب قوله استنكارا لقتل المدنيين المستضعفين . أما دفاع أبى المحاسن عن برسباى فهو عار ، يليق بأكابر المجرمين من المؤرخين . 

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more