رقم ( 27 ) : الباب الأساس
الفصل السابع عشر : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام 841

ir="RTL">تعليق

1 ـ هذا (المقام الجمالى يوسف ابن السلطان  )، سيصير في نهاية هذا العام هو السلطان ( مؤقتا ) الى أن يعزله جقمق ويتولى مكانه . كان هذا الغدر شريعة سنية معتادة قبل برسباى ، وسيكون بعد جقمق .

مقالات متعلقة :

2 ـ يتوالى المسلسل المعتاد في تآمر أكابر المجرمين بأنفسهم ، قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)  الانعام ). مسلسل يتكرر ، وهو معلوم بالتكرار وبالعادة ، ومع ذلك فأكابر المجرمين لا يشعرون ، لا يشعرون في التاريخ الماضى ، ولا يشعرون في التاريخ الحاضر ، ولن يشعروا في المستقبل . فالمستبد يفقد عقله وهو على كرسى العرش ، يظن نفسه خالدا فيه ، ولو اقترب منه الموت يحرص على توريثه لابنه ، كما يورّث الشخص بيتا أو ضيعة . المستبد يرى إنه يملك الأرض ومن عليها ، ويتصرّف مع الناس على هذا الأساس ، ويريد نقل ملكية الأرض والناس لابنه . ينسى أنها لو دامت لغيره ما وصلت اليه .! يؤيده أكابر المجرمين من رجال الدين .

نائب الشام يرسل هداياه الى السلطان برسباى

النيل

( وفي يوم الخميس سادس عشرينه: كان نوروز القبط. بمصر، وهو أول توت رأس سنتهم، فنودى على النيل بزيادة أصبعين لتتمة تسعة عشر ذراعًا وأصبع من عشرين ذراعا. وهذا في زيادة النيل مما يندر وقوعه، وللّه الحمد.)

وباء في حلب

( وفي هذا الشهر: والذى قبله كثر الوباء بحلب وأعمالها، حتى تجاوزت عدة الأموات. بمدينة حلب في اليوم مائة.)

تعليق

1 ـ هنا بداية الوباء ، ومن ( حلب ) سينتقل ، واثق الخطوة يمشى ملكا .

2 ـ جاءت الأخبار للمقريزى بكثرة الوباء في حلب وما حولها . ومن الطبيعى أن يمتد الى ( حماة ) . عرف بها السلطان ولم يهتم .!.

شهر ربيع الأول، أوله يوم الثلاثاء:

 وظائف أكابر المجرمين

1 ـ  القاضي محمد إبن قاضى القضاة ابن حجر العسقلانى يتولى بالواسطة والمحسوبية ناظرا للجامع الطولونى :

اكتمال جامع برسباى في سرياقوس ( الخانكة الآن )

 ( وفيه كملت عمارة الجامع الذى أنشأه السلطان بناحية خانكاة سرياقوس على الدرب المسلوك، وذرعه خمسون ذراعًا في خمسين ذراعًا. ورتب فيه إماما للصلوات الخمس، وخطيبًا وقراء يتناوبون القراءة في مصاحف .).

تعليق

1 ـ هنا التعاون على الإثم والعدوان بين أكابر المجرمين من المستبدين وأكابر المجرمين من رجال الدين . السلطان برسباى يجمع المال السُّحت ويبنى به هذا المسجد  ، يديره له رجال الدين ، يقومون بالدعاء له ليزداد إثما ، فقد إشترى الجنة بأمواله الحرام .  من المال السُّحت كان السلاطين المماليك يبنون المساجد والعمائر الدينية ويوظفون فيها دروسا ومدرسين في علوم دينهم الأرضى من تفسير وحديث وتصوف ، ويقوم الصوفية بالدعاء للسلطان ..

2 ـ هل يذكّرنا هذا بمسجد الفتاح العليم للسيسى ومساجد أخرى لأكابر المجرمين في عصرنا اللعين ؟

3 ـ لمجرد التذكير لم يقم السلطان بأى جهد لمواجهة الطاعون . إذ واصل زحفه فوصل حماة . قال المقريزى :  ( وفي هذا الشهر( ربيع الثانى ) : شنع الوباء بحماة، حتى تجاوزت عدة الأموات عندهم في كل يوم ثلاثمائة إنسان، ولم يعهدوا مثل ذلك في هذه الأزمنة )

وباء في حماة

( وفي هذا الشهر: والذى قبله فشا الموت في الناس ،  بمدينة حماة وأعمالها، حتى تجاوز عدة من يموت في كل يوم مائة وخمسين إنسانًا. )

تعليق

المقريزى يتابع مسيرة الطاعون وانتقاله من حلب الى حماه ، واثق الخطوة يمشى ملكا.!!

حروب وحرائق في اليمن  جهادا في سبيل الشيطان كما هي العادة :

( وقدم الخبر بأن عدن من بلاد اليمن إحترقت بأًجمعها، وأحرقت دار الملك بزبيد مع جانب من المدينة، وأن الملك الظاهر يحيى ملك اليمن كانت بينه وبين المعازبة من عرب اليمن وقعة، وقتل فيها عدة من عسكره، ونجا بنفسه إلى تعز. وأن العرب اليمانية إنتقضت عليه من باب عدن إلى الشحر، وأنه قبض على كبير دولته الأمير سيف الدين برقوق وسلبه ماله وسجنه، ثم أفرج عنه. )

حروب بين ملك البرتغال وملك طنجة جهادا في سبيل الشيطان كما هي العادة :

(  وفيه أيضًا كانت بين المسلمين وبين ملك البرتغال وقعة على مدينة طنجة ، من أعمال المغرب.). 

 شهر جمادى الأولى، أوله يوم الخميس:

نزهة السلطان :

برسباى يتنزّه برغم معرفته بالوباء القادم نحو مصر

1 ـ ( في ثالثه: ركب السلطان من قلعة الجبل، وشق القاهرة من باب زويلة، وخرج من باب القنطرة، فمضى إلى القليوبية لصيد الكراكى ، وهذه أول ركبة ركبها في هذه السنة للصيد.)

2 ـ ( وفي خامسه: قدم السلطان من الصيد، وعبر من باب القنطرة، وشق القاهرة حتى خرج من باب زويلة إلى القلعة، ولم يقع له صيد ألبتة.)

3 ـ ( وفي ثامنه: ركب السلطان ليصطاد من بركة الحجاج ومضى إلى جامعه بخانكاة سرياقوس، وعاد من يومه. ثم ركب في ليلة السبت عاشرة يريد أطفيح. فاصطاد، وعاد في يوم الإثنين ثانى عشرة.)

4 ـ ( وفي تاسع عشرة: ركب السلطان إلى الصيد بالقليوبية، وعاد من الغد.  )

وظائف أكابر المجرمين
محنة الأمير تمراز نائب غزة : عزله وسجنه وتعيين غيره نائبا على غزّة :

1 ـ ( وفيه ( 3 جمادى الأولى ) قدم الأمير تمراز المؤيدى نائب غزة.)

2 ـ ( وفي سادسه: قبض على الأمير تمراز نائب غزة، وحمل مقيدًا إلى الإسكندرية فسجن بها. وإستدعى الأمير جرباش قاشق من دمياط، وهو مسجون بها ليلى نيابة غزة، فلم يتم له ذلك. ورجع إلى دمياط.)

3 ـ ( وفي سابع عشرة: خلع على الأمير آقبردى القجماسى، وإستقر في نيابة غزة.  )

ملك الحبشة يتودد لبرسباى ليرفع الاضطهاد عن الأقباط

( وفيه ( 19 جمادى الأولى ) ورد كتاب الحطى ملك الحبشة، وهو الناصر يعقوب بن داود ابن سيف أرعد، ومعه هدية، ما بين ذهب وزباد وغير ذلك، فتضمن كتابه السلام والتودد، والوصية بالنصارى وكنائسهم.)

تعليق

1 ـ ملك الحبشة يلتمس من برسباى ان يترفق بالأقباط ، وإن كان هو الذى يضطهد ( المحمديين ) في مملكته .

2 ـ في عصرنا الردىء نرى موقفا مشابها للغرب ، الذى يمُدُّ المستبد الشرقى بالسلاح والعتاد ليقاتل مستبدين آخرين ، ويمُدُّه أيضا بتكنولوجيا التعذيب ليقهر بها الأحرار المناضلين سلميا . ثم يرتفع صوته داعيا المستبد بمرايلة الإثنين ويوم الإثنين خامسه شنائع. وذلك أن مماليك السلطان سكان الطباق بالقلعة نشأوا على مقت السلطان لرعيته، مع ما عندهم من بغض الناس، فنزل كثير منهم في أول الليل، وأخذوا في نهب الناس، وخطف النساء والصبيان للفساد. وإجتمع عدد كثير من العبيد السود، وقاتلوا المماليك فقتل من العبيد خمسة نفر، وجرح عدة من المماليك، وخطف من العمائم وأخذ من الأمتعة شىء كثير، فكان ذلك من أقبح ما سمعنا به. )

تعليق

1 ـ قلنا إن دوران المحمل شريعة سُنّية يملكها أصحاب الدين السُنّى وأكابر مجرميه ؛ السلطان ورجال الدين . ولهم أن يغيّروا في توقيته وفى مساره ما شاءوا .

2 ـ وعلى هامش شريعة دوران المحمل جدّت شريعة جديدة ، لم ينكرها رجال الدين السُنّى ، مع أنهم كانوا شهودا عليها ، ويمكنهم لو أرادوا أن يحتجُّوا عليها ، ولم يحتجُّوا عليها ، وهى قيام المماليك السلطانية ( الجلبان ) في نهب الناس ، وخطف النساء والصبيان لاغتصابهن وإغتصابهم ، واضطرار العبيد المملوكين لبعض الناس الى الدفاع عن أسيادهم .

3 ـ نلاحظ هنا نبرة جديدة للمقريزى في الاحتجاج ، هو هنا لا ينسب إجرام المماليك السلطانية الى رب العزة جل وعلا حسبما تعودنا منه من تأثره بعقيدة ( وحدة اا مثله .

3 ـ ( شهر جمادى الآخرة : وقدم الخبر بوقوع الوباء في مدينة طرابلس الشام ) ( ..  وفيه وقع الوباء بدمشق، وفشا الموت بالطاعون   ) ، أي إمتد الطاعون زاحفا غربا فوصل طرابلس ثم دمشق .

الطاعون في شهرى :  رجب  وشعبان  :

يقول المقريزى :

  1 :  ( وفي هذا الشهر وقع الوباء ببلاد الصعيد من أرض مصر وكثر بدمشق، وشنع بحلب وأعمالها، فأظهر أهلها التوبة، وأغلقوا حانات الخمارين، ومنعوا البغايا الواقفات للبغاء، والشباب المرصدين لعمل الفاحشة، بضرائب تحمل لنائب حلب وغيره من أرباب الدولة فتناقص الموت وخف الوباء، حتى كاد يرتفع. ففرح أهل حلب بذلك، وجعلوا شكر هذه النعمة أن فتحوا الخمارات، وأوقفوا البغايا والأحداث للفساد بالضرائب المقررة عليهم، فأصبحوا وقد مات من الناس ثمانمائة إنسان. وإستمر الوباء الشنيع، والموت الذريع فيهم، رجب، وشعبان، وما بعده.. )

التعليق

1 ـ : كان البغاء مُباحا يوافق عليه قضاة القضاة الأربعة ورئيسهم القاضي الشافعى إبن حجر العسقلانى . كان البغاء يشمل الزنا بأجر بالنساء والشذوذ بالشباب والصبيان أو بتعبير العصر ( الأحداث / المُردان في التعبير الصوفى )  . وكان هناك ديوان رسمي لتحصيل الضرائب من هذا النشاط . وكالعادة يتولى أحدهم أو إحداهن دفع مبلغ من المال للديوان، ثم يقوم بجباية أضعافه من طالبى المتعة الحرام من البغايا والصبيان المُستأجرين للفاحشة في الشوارع والميادين والحانات ، وكان للبغايا زى مخصوص ذكره المقريزى في ( الخطط ) . وإشتهرت وظيفة ( ضامنة المغانى ) ، ونظرا لكثرة الضرائب المفروضة على هذا النشاط ( الشرعى ) فبعض من كان يدخل الحانات أو الحارات المشهورة بالبغاء كانوا يرغمونه على الفسق ، أو أن يفتدى نفسه منهم بمال .

  2 : بسبب فتك الطاعون بأهل حلب ( المملوكية ) تابوا ،قال المقريزى عنهم : ( .. وأغلقوا حانات الخمارين، ومنعوا البغايا الواقفات للبغاء، والشباب المرصدين لعمل الفاحشة، بضرائب تحمل لنائب حلب وغيره من أرباب الدولة، فتناقص الموت وخف الوباء، حتى كاد يرتفع. ففرح أهل حلب بذلك، وجعلوا شكر هذه النعمة أن فتحوا الخمارات، وأوقفوا البغايا والأحداث للفساد بالضرائب المقررة عليهم، فأصبحوا وقد مات من الناس ثمانمائة إنسان. ) . هذا معتاد في العُصاة ، عند المحنة يتوبون توبة وقتية ، ثم إذا انجلت المحنة رجعوا للعصيان .!

  3 : عن إنتشار الوباء من حيث المكان يقول المقريزى ( وفي هذا الشهر وقع الوباء ببلاد الصعيد من أرض مصر وكثر بدمشق، وشنع بحلب وأعمالها، ) ، أي إنبثق في صعيد مصر ودمشق وحلب . ومن حيث الزمان قال المقريزى : ( وإستمر الوباء الشنيع، والموت الذريع فيهم، رجب، وشعبان، وما بعده. )

4  : ( وفيه قدم الخبر بأن الوباء شنع بدمشق، وأنه مات من الغرباء الذين قدموا من بغداد وتبريز والحلة والمشهد وتلك الديار ــ فرارا من الجور والظلم الذى هنالك وسكنوا حلب وحماة ودمشق ــ عالم عظيم، لا يحصرهم العادُّ لكثرتهم ). كان العراق وقتها يسوده الخراب بسبب حكامه المُتنازعين ، وكان ظلمهم يفوق ظلم المماليك بدليل أن الناس فروا من العراق الى الشام وسكنوا حلب وحماة ودمشق ، وكانوا ضحايا للطاعون  ، مات منهم ما لا يمكن إحصاؤه .!

5 : ( وفيه أيضا حدثت بالقاهرة زلزلة عند أذان العصر، إهتز بى البيت مرتين، إلا أنها كانت خفيفة جدًا وللّه الحمد ) . حدث زلزال بالقاهرة ، إهتز المقريزى ببيته مرتين. أي : ( زلزال + طاعون ). المقريزى لا يتحدث عن نفسه الا اذا كان شاهدا على حدث جرى للجميع حوله .

6 : ( وفي يوم الجمعة تاسع عشرة: هبت بدمشق ريح شديدة في غاية من القوة. وإستمرت يوم الجمعة ويوم السبت، فاقتلعت من شجر الجوز الكبار ما لا يمكن حصره لكثرته. وألقت أعالى دور عديدة، زة، وما بين ذلك، حتى شنعت الأخبار بكثرة من يموت، وسرعة موتهم. وشناعة الموتان أيضًا ببلاد الواحات من أرض مصر، ووقوعه قليلا بصعيد مصر ). أي إستمر الطاعون ساريا من حلب الى الواحات والصعيد بمصر ، وتميز بسرعة الموت وكثرة الموت بدون إحصاءات .

3 :  قراءة البخارى في ميعاده في حضور السلطان فى ليالى رمضان تحت قصف الطاعون :

( وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه: ختمت قراءة صحيح البخارى بين يدى السلطان بقلعة الجبل، وقد حضر قضاة القضاة الأربع، وعدة من مشايخ العلم وجماعة من الطلبة، كما جرت العادة من الأيام المؤيدية شيخ. وهو منكر في صورة معروف، ومعصية في زى طاعة. وذلك أنه يتصدى للقراءة من لا عهد له بمارسة العلم، لكنه يصحح ما يقرأه، فيكثر مع ذلك لحنه وتصحيفه وخطؤه وتحريفه. هذا، ومن حضر لا ينصتون لسماعه، بل دائما دأبهم أن يأخذوا في البحث عن مسأله يطول صياحهم فيها، حتى يمضى بهم الحال إلى الإساءات التى تؤول الى أشد العداوات. وربما كفّر بعضهم بعضًا، وصاروا ضحكة لمن عساه يحضرهم من الأمراء والمماليك. و اتفق في يوم هذا الختم أن السلطان ــ لما كثر الوباء قلق من مداخلة الوهم له ــ فسأل من حضر من القضاة والفقهاء عن الذنوب التى إذا إرتكبها الناس عاقبهم اللّه بالطاعون، فقال له بعض الجماعة: "إن الزنا إذا فشا في الناس ظهر فيهم الطاعون، وأن النساء يتزين ويمشين في الطرقات ليلًا ونهارًا في الأسواق." ،  فأشار آخر : " أن المصلحة منع النساء من المشى في الأسواق." ،  ونازعه آخر فقال : " لا يمنع إلا المتبرجات، وأما العجائز ومن ليس لها من يقوم بأمرها لا تمنع من تعاطى حاجتها." .  وجروا في ذلك على عادتهم في معارضة بعضهم بعضاً، فمال السلطان إلى منعهن من الخروج إلى الطرقات مطلقًا، ظناً منه أن بمنعهن يرتفع الوباء. وأمر بإجتماعهم عنده من الغد، فاجتمعوا في يوم الخميس، وإتفقوا على ما مال إليه السلطان. فنودى بالقاهرة ومصر وظواهرهما ، بمنع جميع النساء بأسرهن من الخروج من بيوتهن، وألا تمر إمرأة في شارع ولا سوق ألبتة، وتهدد من خرجت من بيتها بالقتل . فامتنع عامة النساء، فتياتهن وعجائزهن وإمائهن من الخروج إلى الطرقات. وأخذ والى القاهرة وبعض الحجاب في تتبع الطرقات، وضرب من وجدوا من النساء، وأكدوا من الغد يوم الجمعة في منعهن، وتشددوا في الردع والتهديد، فلم تُر إمرأة في شىء من الطرقات. فنزل بعدة من الأرامل وربات الصنائع، ومن لا قيم لها يقوم بشأنها، ومن تطوف على الأبواب تسأل الناس ــ ضيق وضرر شديد. ومع ذلك فتعطل بيع كثير من البضائع والثياب والعطر، فإزداد الناس وقوف حال، وكساد معايش، وتعطل أسواق، وقلة مكاسب ) .

تعليق :

 1 : كان البخارى ( كتابا وشخصا ) الإله الأكبر في دين التصوف السنى الذى ساد من عصر صلاح الدين الأيوبى بديلا عن دين التشيع . وفى البخارى أحاديث صوفية اشهرها حديث ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) . ومن مظاهر تقديس البخارى قيام بعضهم بشرحه مثل ابن حجر والعينى والقسطلانى . وفى الوقت الذى لم يكن فيه للقرآن الكريم إحتفال إعتادوا  إقامة إحتفال رسمي حمل إسم ( ميعاد البخارى ) في رمضان من كل عام ، كما لو كان رمضان هو الذى أُنزل فيه البخارى وليس القرآن . . وفيه يقومون بتلاوة البخارى وليس تلاوة القرآن ، ويتم ختمه في 23 رمضان ، والمكان هو مقر الحكم وهو القلعة ، والحاضرون هم السلطان وكبار الأمراء المماليك والقضاة الأربعة ، ومنهم في هذا الوقت ابن حجر ، وبقية القضاة ، ويطلق عليهم نوّاب القضاة الأربعة ، وكبار الفقهاء . أي يجتمع في تقديس البخارى وعبادته أكابر المجرمين من المماليك ورجال الدين .

  2 : المقريزى من وجهة نظره وبعقليته الناقدة يعلّق على ( ميعاد البخارى) قائلا : (  . وهو منكر في صورة معروف، ومعصية في زى طاعة. وذلك أنه يتصدى للقراءة من لا عهد له بمارسة العلم، لكنه يصحح ما يقرأه، فيكثر مع ذلك لحنه وتقاب كان هو سيد الموقف ، وبه ينتشر الزنا ، العاهرة تتنقب وترتدى زيّا خاصا يعلن عنها وهى واقفة تعرض نفسها ، وقد وصف المقريزى زىّ العاهرات في الخطط . وبحماية النقاب أيضا تمارس الزنا النساء الأخريات ، وكانت المناسبات الدينية والمؤسسات الدينية فرصة للانحلال الخلقى ، فإلى الموالد وعند القبور المقدسة وفى القرافة ( مدافن القاهرة ) تأتى النساء منقبات ، فإذا وصلن خلعن النقاب ، وتصرفن كما يحلو لهن ، فلا أحد يتعرف عليهن . كما ذكر الفقيه ابن الحاج المغربى في كتابه ( المدخل ). والتفاصيل في كتابنا عن الانحلال الخلقى بتأثير التصوف ، وهو منشور هنا.

5 ـ : ( وفيه إبتدأ إنتشار الجراد الكثير بالقاهرة وضواحيها، وإستمر عدة أيام.). جراد + طاعون. 

6 ـ انتشار الطاعون جعلهم يضطهدون الأقباط .

قال المقريزى :

6 / 1 : ( وفيه ( رمضان ) أُقيم بعض سفلة العامة الأشرار في التحدث على مواريث اليهود والنصارى، وخلع عليه، وكانت العادة أن بطرك النصارى ورئيس اليهود يتولى كل منهما أمر مواريث طائفته، فتوصل هذا السفلة إلى السلطان، والتزم له أن يحصل من هذه الطائفتين مالًا كبيراً، فجرى السلطان على عادته في الشره في جمع المال، وولّاه.  )

6 / 2 : ( وفيه كشف عن بيوت اليهود والنصارى، وأحضروا ما فيها من جرار الخمر لتراق.)

6 / 3 : ( وفي هذا الشهر: هدم للنصارى دير المغطس عند الملاحات، قريب من بحيرة البرلس وكانت نصارى الإقليم قبليا وبحريا تحج إلى هذا الدير كما يحجون إلى كنيسة القيامة بالقدس، وذلك في عيده من شهر بشنس، ويسمونه عيد الظهور، وقد بسطت الكلام على هذا عند ذكر الكنائس والديارات من كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار.)

تعليق

1 ـ هذا تطرف في ظُلم أهل الكتاب ، استنكره المقريزى نفسه وهو المتعصب دينيا ضد أهل الكتاب ، في قوله : ( أُقيم بعض سفلة العامة الأشرار في التحدث على مواريث اليهود والنصارى، ).

2 ـ استغل هؤلاء السّفلة طمع برسباى فعيّنه السلطان قيّما على مواريث أهل الكتاب ليسلب مواريثهم ، يقول المقريزى عن برسباى ( فجرى السلطان على عادته في الشره في جمع المال، وولّاه.). ولم يعترض أكابر المجرمين من الفقهاء ، فالظلم أساس شريعتهم الشيطانية .

3 ـ هدموا أيضا دير المغطس المقدس عند الأقباط ، وكان معبدا مشهورا وقتها يحُجُّون اليه فيما يسمونه ب ( عيد الظهور ). لقد تشابهت مظاهر الحياة الدينية لدى المحمديين والمسيحيين ، كانت لهم قبورهم المقدسة التي يعكفون عليها ، والتي يقيمون عندها الموالد والأعياد . ما هو شعور المقريزى لو هدم الأقباط الأضرحة والقبور المقدسة للمحمديين مثل قبر الحسين والسيد البدوى والسيدة نفيسة ؟ ( ملاحظة : قبر السيدة زينب لم يكن قد تم إختراعه بعدُ ) .

7 : انتشار الطاعون شرقا وغربا ، يقول المقريزى : ( وفي هذا الشهر: شنع الموت بالطاعون في بلد عانة من بلاد العراق، بحيث لم يبق بها أحد.  . وشنع الموت أيضاً في أهل الرحبة، حتى عجزوا عن مواراة الأموات، وألقوا منهم عددًا كثيراً في الفرات. وشنع الموت أيضًا في أزواق ( تجمعات ) التركمان، وبيوت العربان بنواحي بلاد الفرات، حتى صار الفريق من العرب، أو الزوق من التركمان، ليس به إنسان. ودوابهم مهملة، لا راعى لها. وأحصى من مات بمدينة غزة في هذا الشهر، فبلغوا إثني عشر ألفًا ونيف، ووردت الأخبار بخلو عدة مدن ببلاد المشرق لموت أهلها، وبكثرة الوباء ببلاد الفرنج ) .

 6 ـ ( شهر شوال، أُهلّ بيوم الخميس ) : " يوم عيد الفطر وليلته ."

6 / 1 : ( وقد كلّ الناس بالقاهرة ومصر من القبض والأنكاد ما لا يوصف، وذلك من تزايد عدة الأموات في كل يوم، فكانت عدة من رفع ذكرماة وحلب وديار بكر، إلى أرزن كان، وقد صقعت أشجارهم، بحيث لم يبق عليها ورقة خضراء إلا إسودت، ما عدا شجر الصفصاف، والجوز فتلفت الباقلاء المزروعة، والشعير والبيقياء والهليون وعامة الخضروات، فزادهم ذلك بلاء على بلائهم بكثرة الموتان الفاشى في الناس وهبت مع ذلك بصفد ريح باردة، هلك بعدها من الناس والدواب ما شاء اللّه. وتلفت بها الزروع والأشجار. وإتفق أيضًا في ليلة عيد الفطر أن هجم على مدينة فاس من بلاد المغرب الأقصى، سيل عظيم جداً، فأخذ خلائق وهدم عدة مساكن، فكان أمرًا مهولاً وحادثًا شنيعًا ).

نلاحظ : 

6 / 2 / 1 : هنا : صقيع  وريح قاتلة + تلف المحاصيل + طاعون أهلك الناس والأنعام. هذا في المشرق.

6 / 2 / 2 : يضاف الى ذلك سيل عظيم في المغرب أغرق الناس وهدم المساكن .!

6 / 3 :( وفي يوم الثلاثاء سادسه: خلع على الإمام الحافظ شهاب الدين أبى الفضل أسد ابن على بن حجر، وأعيد إلى قضاء الشافعية بديار مصر، عوضاً عن قاضى القضاة علم الدين  البلقينى. وألزم أن يقوم لعلم الدين صالح بما حمله إلى الخزانة. هذا، وقد أظهر السلطان أنه لا يولى أحدًا من القضاة بمال، فإنه داخله وهم عظيم من كثرة تزايد الموت الوحى السريع في الناس، وموت كثر من المماليك السلطانية سكان الطباق من القلعة، وموت الكثير من خدام السلطان الطواشية، ومن جواريه وحظاياه وأولاده ) .

نلاحظ :

6 / 3 / 1 : تعيين القضاة بالرشوة ، لا بد للقاضى أن يدفع للسلطان مالا ليتولى المنصب ، يسرى هذا على قضاة القضاة ونوابهم من القضاء العاديين . وابن حجر العسقلانى كان يتولى منصبه بالرشوة ، وبعد أن يتولى لا بد أن يعوّض ما دفع بأخذ الرشوة من الناس ، ولا عيب ولا حرج في هذه ، فهى شريعة أكابر المجرمين . ولا يمكن أن يكون هناك عدل وقاضى القضاء يتعين بالرشوة ، وكذلك القضاة التابعون له .  كان ابن حجر قاضى القضاة الشافعية فعزله السلطان برسباى وعيّن مكانه علم الدين البلقينى ، ثم عزل السلطان البلقينى وأعاد ابن حجر . وألزم السلطان برسباى قاضى القضاة الشافعى إبن حجر أن يدفع للبلقينى ما سبق أن دفعه البلقينى من رشوة للسلطان .

6 / 3 / 2 : لم يشعر ابن حجر بتأنيب الضمير وهو يدفع رشوة للقاضى السابق حتى يتولى مكانه ، ولكن الذى شعر بتأنيب الضمير هو السلطان برسباى . هذا شأن العاصى الذى يتعرض لإبتلاء فيتوب توبة وقتية . برسباى رأى الطاعون يفتك بالناس ويصل الى ( المماليك السلطانية) أي المماليك الذين إشتراهم السلطان بنفسه لحمايته ( مثل الحرس الجمهورى والحرس الملكى ) ويفتك بالمماليك  (الطواشية ) القائمين بخدمة السلطان ، ويفتك بجواريه وحظاياه وأولاده . خاف أن يصل الطاعون اليه فأعلن أنه لن يولى القضاة بالرشوة ، ولم يأخذ لنفسه رشوة من ابن حجر ، فأمره أن يدفع الرشوة للقاضى المعزول. السلطان برسباى أصابه مرض ــ ليس الطاعون ــ بل أشد ألما من الطاعون . الطاعون يقضى سريعا على المريض فلا يتألم كثيرا ، أما السلطان برسباى فقد تصالحت عليه أمراض مزمنة مات منها بعد عذاب هائل .

6 / 4 : ( وإتفق مع ذلك كله حوادث مؤلمة منها أن امرأة مات ولدها بالطاعون، ولم يكن لها سواه ، فلما غُسل وكُفّن وأُخرج به ليوضع في التابوت ليدفن في الصحراء أرادت أمه أن تخرج وراء جنازته، فمنعت من ذلك لأن السلطان رسم ألا تخرج امرأة من منزلها. فشق عليها منعها من تشنيع جنازة ولدها، وألقت نفسها من أعلى الدار إلى الأرض، فماتت. وخرجت امرأة أخرى من دارها لأمر مهم طرأ لها، فصدفها دولت خجا متولى الحسبة، فصاح بأعوانه بأن يأتوه بها ليضربها، فما هو إلا أن قبضوا عليها، إذ ذهب عقلها وسقطت مغشيًا عليها من شدة الخوف، فشفع فيها بعض من حضر ألا يعاقبها، فتركها، وانصرف عنها. فحملت إلى دارها وقد إختلت وفسد عقلها فمرضت مع ذلك مدة ). من لم يمت بالطاعون مات بظلم أكابر المجرمين .!

6 / 5 :   ( وفي يوم الجمعة تاسعه: إتفقت حادثه لم ندرك مثلها، وهو أن الخطيب بالجامع الأزهر رقي المنبر فخطب، وأسمع الناس الخطبة، وأنا فيهم ، حتى أتمها على العادة. وجلس للإستراحة بين الخطبتين، فلم يقم حتى طال جلوسه. ثم قام وجلس سريعًا، وإستند إلى جانب المنبر ساعة قدر ما يقرأ القارىء ربع حزب من القرآن، والناس في إنتظار قيامه، وإذا برجل من الحاضرين يقول: مات الخطيب. فإرتج الجامع وضج الناس، وضربوا أيديهم بعضها على بعض أسفًا وحزنا ، وأخذنى البكاء، وقد إختلت الصفوف، وقام كثير من الناس يريدون المنبر، فقام الخطيب على قدميه، ونزل عن المنبر، فدخل المحراب وصلى من غير أن يجهر بالقراءة، وأوجز في صلاته حتى أتم الركعتين، وقدمت عدة جنائز فلم أدر من صلى بنا عليها. وإذا بالناس في حركة وإضطراب، وعدة منهم يجهرون بأن الجمعة ما صحت. وتقدم رجل فأقام وصلى الظهر أربعًا، وجماعة يأتمون به. فما هو إلا أن قضي هؤلاء صلاتهم إذا بجماعة أخر قد وثبوا وأمروا فأذن المؤذنين على سدة المؤذنين بين يدى المنبر، ورقي رجل المنبر، فخطب خطبتين، ونزل ليصلى فمنعوه من التقدم إلى المحراب، وأتوا بإمام الخمس، فقدموه حتى صلى بالناس جمعة ثانية. فلما إنقضت صلاته بالناس ثار آخرون وصاحوا بأن هذه الجمعة الثانية لم تصح، وأقاموا الصلاة، وصلى بهم رجل صلاة الظهر أربع ركعات، وكان في هذا اليوم بالجامع الأزهر إقامة خطبتين وصلاة الجمعة مرتين، وصلاة الظهر مرتين، وإنصرف الناس، وكل طائفة تخطىء الأخرى، وتطيّر ( أي تشاءم )  كثير منهم على السلطان بزواله من أجل إقامة خطبتين في موضع واحد هذا، وقد كان الناس عندما قيل: مات الخطيب، قد ملكهم الوهم، فأرعد بعضهم، وبكى جماعة منهم، ودهش آخرون. وهبت عند ذلك ريح باردة، فظنوا أنهم جميعًا ميتون، حتى أنه لو قدر اللّه موت الخطيب على المنبر لهلك جماعة من الوهم. وللّه عاقبة الأمور ) .

 نلاحظ:

6 / 5 / 1 : المقريزى كان حاضرا هذه الحادثة ، وهى تؤكّد على :

6 / 5 / 1 / 1 : الرُّعب الذى حلّ بالناس من الطاعون . أصيب الخطيب بإغماء فحدث ما يشبه الإغماء للحاضرين .

6 / 5 / 1 / 2 : سرعة الإختلافات الدينية ، وهى عادة سيئة في المجتمعات التي يسيطر عليها التدين السطحى الشكلى المظهرى الإحترافى . ظهر هذا في عدم الإعتراف بصلاة الجمعة ، وصلاتها أكثر من مرة مع صياح وشقاق .

6 / 5 / 1 / 3 : لأنهم صلوا الجمعة مرتين فقد إعتقدوا بموت السلطان برسباى عاجلا . كان هناك إعتقاد أنه إذا جاء يوم العيد في يوم الجمعة وصارت خطبتين للعيد والجمعة فالمعنى أنه نذير( المشهور بالبخل والجشع ) إضطر للتصدق حين إشتد عليه المرض . وهكذا شأن أكابر المجرمين عند المحنة .

استمرار اضطهاد أهل الكتاب مع الطاعون ومرض السلطان .

قال المقريزى :

  1 :(  وفيه ( أول شوال ) خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطيارى، وإستقر حاجب ميسرة، عوضاً عن جانبك الناصرى المتوفى بمكة، فأراق الخمور من دور النصارى وغيرهم.  ). إفتتح عمله بالهجوم على بيوت الأقباط معتقدا أن هذا سيوقف الطاعون ، وبه سيتم شفاء السلطان . 

  2 :( وفي هذه الأيام: إشتد البلاء بأهل الذمة من اليهود والنصارى، وألزمهم الذى ولّى أمر مواريثهم أن يعملوا له حساب من مات منهم من أول هذه الدولة الأشرفية، وإلى يوم ولايته. وأخرق بهم وأهانهم. وألزمهم أيضًا أن يوقفوه على مستنداتهم في الأملاك التى بأيديهم، فكثرت الشناعة عليه، وساءت القالة في الدولة.) .

تعليق

1 ـ سبق أنه في شهر رمضان قام برسباى بتعيين بعض سفلة العوام قيّما على مواريث أهل الكتاب ليسلب مواريثهم ، وهجموا على بيوتهم بحجة إراقة الخمور وهدموا دير المغطس للاقباط  .

2 ـ مرض السلطان الشديد لم يمنعه من ظلم أهل الكتاب وسلب تركات من يموت منهم . بل أخذ في فحص وثائق ممتلكاتهم من بداية سلطنته حتى ذلك الوقت . كان ظلما هائلا إستوجب التشنيع عليه حتى من غير أهل الكتاب.

مرض السلطان يغلب السلطان

( وفي هذه الأيام: تزايد بالسلطان مرضه. ومنذ إبتدأ به المرض، وهو أخذ في التزايد، إلا أنه يتجلد، ويظهر أنه عوفي. ويخلع على الأطباء، ويركب وسحنته متغيرة، ولونه مصفراً، إلى أن عجز عن القيام من ليلة الأربعاء سابعه.  ).

تعليق

الله جل وعلا يعذّب أكابر المجرمين في الدنيا قبل الآخرة . قال جل وعلا : (  مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) 123 ) النساء ) . المستبد الذى يقهر شعبه بالتعذيب لا بد أن يتعرض لآلام التعذيب في حياته ؛ نفسيا وجسديا . وهو يتحمل الألم حتى يبدو قويا أمام أصدقائه وأعدائه و (أعدقائه )، يتألّم وهو يبتسم حتى لا يظهر ضعفه ويطمع فيه الطموحون للسلطة . يظل المستبد يتظاهر بالقوة والعافية يكتم الآهات ويمنع نفسه من الصراخ إلى أن يقهره مرضه فيصرخ ويسقط .!. ضحاياه الذين يعذبهم هم أفضل حالا ، هم تحت التعذيب يخففون عن أنفسهم بالصراخ . في النهاية لم يتحمل برسباى ، وعجز ..وصرخ .!

الطاعون يطارد حُجّاج المحمل

  ( وفي يوم الإثنين تاسع عشرة: خرج محمل الحاج مع الأمير أقبغا الناصرى أحد الطبلخاناه ، ونزل بركة الحجاج على العادة، فمات عدة ممن خرج بالطاعون، منهم ابن أمير الحاج وأبيه، في هذا اليوم ومن الغد بعده.) .

تعليق

 إن كانت للطاعون فائدة فإنه قد قضى على أشرس المماليك ، وهم المماليك الجلبان السلطانية ( الأشرفية ). وكانوا يتسلطون على المصريين بالسلب والنهب والإغتصاب والإهانة .

السلطان يكرّم طبيبيه ثم يأمر بتوسيطهما

1 ـ ( وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: خلع على الأطباء لعافية السلطان.)، عافية مؤقتة فرح بها السلطان فكافأ الأطباء .

2 ـ ثم كانت الكارثة بعدها مباشرة، وهى توسيط إثنين من أكابر الأطباء . التوسيط هو قتل الضحية بقطعه نصفين ، أي يضربونه بالسيف في منتصف جسده ، فيصبح جسده نصفين منفصلين ، وتنهار أحشاؤه على الأرض ، ويظل يعانى الى أن يموت . موتة فظيعة إشتهر بها أكابر المجرمين المماليك.  قطع الرقبة أخف ألما . يقول المقريزى :

( وفي يوم السبت رابع عشرينه: وسّط السلطان طبيبيه اللذين خلع عليهما بالأمس( يقصد أمس الأول )، وهما العفيف وزين خضر، وذلك أنه حرص على الحياة، وصار يستعجل في طلب العافية، فلما لم تحصل له العافية ساءت أخلاقه، وتوهم أن الأطباء مقصرون في مداواته، وأنهم أخطأوا التدبير في علاجه، فطلب عمر بن سيفا والى القاهرة، فلما مثل بين يديه، وهو جالس وبين يديه جماعة من خواصه، منهم صلاح الدين محمد بن نصر اللّه كاتب السر، والأمير صفى الدين جوهر الخازندار ...، وفيهم العفيف وخضر . أمره أن يأخذ العفيف ويوسطه بالقلعة. فأقامه ليمضي فيه ما أمر به، وإذا الخضر فأمره أن يوسط خضر أيضًا، فأخذ الآخر وهو يصيح. فقام أهل المجلس يقبلون الأرض، ومنهم من يقبل رجل السلطان، ويضرعون إليه في العفو، فلم يقبل، وبعث واحدًا بعد أخر يستعجل الوالى في توسيطهما وهو يتباطاً، رجاء أن يقع العفو عنهما. فلما طال الأمر بعث السلطان من أشد أعوانه من يحضر توسيطهما ، فخرج وأغلظ للوالى في القول. فقدم لعفيف فاستسلم، وثبت حتى وُسّط قطعتين بالسيف. وقدم خضر، فجزع جزعا شديداً، ودافع عن نفسه، وصاح، فتكاثروا عليه فوسّطوه توسيطًا شنيعا، لتلوّيه وإضطرابه. ثم حُملاً إلى أهليهما بالقاهرة. فساء الناس ذلك، ونفرت قلوبهم من السلطان، وكثرت قالتهم، فكانت حادثة لم ندرك مثلها.) .!

تعليق

ثم كانت رشوة من ظل حيا من المماليك السلطانية إتّقاء شرّهم .

8 ـ  (وفيه خلع على تغرى بردى ، أحد أتباع التاج الشويكى ، وإستقر في ولاية القاهرة، عوضًا عن عمر بن سيفا أخى التاج ، فإنه مرض بالطاعون ، من آخر نهار الجمعة.)

تعليق

مات بالطعون أحد أكابر المجرمين ، وهو عمر أخ تاج الدين ، وقد كان مشهورا بالفساد . وتولى مكانه أحد أتباعه الذى كان بالطبع مشاركا له في الفساد . الطاعون يلتهمهم وهم لا يتوبون ولا يتذكرون ، شأن ما يحدث الآن تحت قصف كورونا ، ولا يعتبر أكابر المجرمين في كوكب المحمديين .

 9 ـ ( وفي يوم الجمعة سادسه: إستدعى الصاحب بدر الدين حسن بن نصر اللّه إلى القلعة. فلما مثل بين يدى مولانا السلطان أمر به، فخلع عليه، وإستقر به في كتابة السر، عوضًا عن ولده صلاح الدين محمد، وقد توفي. فنزل في موكب جليل على فرس رائع بقماش ذهب، أخرج له من الاصطبل السلطانى. وخلع معه أيضاً على نور الدين على بن السويفي، وإستقر في حسبة القاهرة، عوضًا عن دولت خجا، وقد مات في أول الشهر .).

تعليق

1 ـ برسباى لا يزال يمارس سلطاته رغم مرضه وتولية إبنه العهد .

2 ـ الطاعون لا يزال يتخطف أكابر المجرمين .

10 ـ ثم أسقط المرض برسباى . يقول المقريزى :

( ومن يوم السبت خامس عشرة: إشتد مرض السلطان، ثم حجب عن الناس، فلم يدخل إليه أحد من الأمراء والمباشرين عدة أيام، سوى الأمير أينال شاد الشربخاناه، والأمير على بيه، والأمير صفى الدين جوهر الخازندار، والأمير جوهر الزمام. فإذا صعد القاضى زين الدين عبد الباسط والمباشرون إلى القلعة، أعلمهم هؤلاء بحال السلطان. هذا، والإرجاف يقوى، والأمراء والمماليك السلطانية في حركة، وقد صاروا فرقًا مختلفة الآراء. والناس على تخوف من وقوع الحرب، وقد وزعوا في دورهم، وأخفى أهل الدولة أولادهم ونساءهم خوفًا من النهب، وأهل النواحى بالصعيد والوجه البحرى قد نجم النفاق فيهم، وخيفت السبل، شامًا ومصراً. وقد تناقصت عدة الأموات بالقاهرة ومصر منذ أهل هذا الشهر، كما تقدم.) .

تعليق

 1 : تغير الموقف حين منعت شدة المرض برسباى من الظهور للناس ، فإحتجب عن مقابلة أكابر المجرمين في دولته ، أحاط به أربعة من خواصّه ، من أكابر المجرمين ، ومنعوا القاضي عبد الباسط من الدخول عليه ، فإنتشرت الشائعات ، وبدأ المماليك في التحزّب كالعادة ، وتكوين مراكز قوى توطئة لصراع قادم ، يكون فيه السلطان الصغير إبن برسباى مجرد فترة إنتقالية ، حتى ينتصر الأقوى من المماليك ويتولى السلطنة مكانه . وهذا الصراع سيكون من ضحاياه أكابر المجرمين من الجناح المدنى ، لذا تحسبوا للأمر مقدما فأخفوا أولادهم ونساءهم خوف الإغتصاب ، وأخفوا أموالهم خوف السلب والنهب . والقائمون بالسلب والنهب والإغتصاب هم المماليك السلطانية ، وغيرهم أيضا ، فالوليمة حافلة ، والذئاب كثيرون .

  2 : إذا كان هذا هو الحال عن صرعى الطاعون والانهيار الأمني في القاهرة ، فالوضع خارجها أفظع وأضل سبيلا ، ولكنها بعيدة عن مسامع المؤرخين ، ومنهم شيخنا المقريزى ، فقال كلاما عامّا فضفاضا : ( وأهل النواحى بالصعيد والوجه البحرى قد نجم النفاق فيهم، وخيفت السبل، شامًا ومصراً ).!

شهر ذى الحجة، أهل بيوم الإثنين:

يصف المقريزى أحوال الناس في مصر وغيرها ، فيقول :

( والناس بديار مصر من قلة الخدم في عناء وجهد، فإنه مات بالقاهرة ومصر وما بينهما في مدة شهر رمضان وشوال وذى القعدة زيادة على مائة ألف إنسان، معظمهم الأطفال، وأكثر الأطفال البنات، ويلي الأطفال في كثرة من مات الرقيق، وأكثر من مات من الرقيق الإماء، بحيث كادت الدور أن تخلو من الأطفال والإماء والعبيد. وكذلك جميع بلاد الشام بأسرها.)
 تعليق

1 ـ هنا أكثر من  100 الف ضحية للطاعون في القاهرة وضواحيها ، أما في كل أنحاء مصر فلا تعداد لهم ، ولا وزن لهم أيضا . ونفس الحال في جميع بلاد الشام بأسرها ، ومعظم الضحايا من الأطفال والرقيق ، خصوصا البنات ، بحيث كادت تخلو البيوت منهم ومنهن .

وعن تطور مرض برسباى يقول : ( وأما السلطان فحدث له مع سقوط شهوة الغذاء مدة أشهر، ومع إنحطاط قواه ماليخوليا ، فكثر هذيانه وتخليطه، ولولا أن اللّه تعالى أضعف قوته لما كان يؤمن مع ذلك من إفساد شىء كثير بيده، إلا أنه في أكثر الأوقات غائب، فإذا أفاق هذى وخلط. ) .

تعليق

  1 : دخل برسباى في الإغماء والهذيان بسبب شدة آلامه وإستمرارها . ومع تفاقم حالته وهذيانه صار ابنه هو السلطان الفعلى ، كما سيظهر في الأحداث التالية .

 2 : ويكتب المقريزى تعليقا مؤلما وظريفا أيضا ، يقول : ( ولولا أن اللّه تع العزيز جمال الدين، أبى المحاسن ، وأن النفقة في يوم الإثنين مائة دينار، لكل واحد من المماليك، فإزداد الناس طمأنينة. ولم يكن شىء مما كان يتوقع من الشر، والحمد لله.)

السلطان الجديد يكافىء الخليفة والمماليك  .

قال المقريزى

1 ـ  (  وفيه عملت الخدمة السلطانية بالقصر، وحضر الأمير الكبير وسائر أهل الدولة على العادة، فزاد السلطان الخليفة جزيرة الصابونى زيادة على ما بيده.)

2 ـ ( وفيه كتبت البشائر إلى البلاد الشامية وأعمال مصر، بسلطة الملك العزيز.)

3 ـ ( وفى يوم الإثنين خامس عشره: جلس السلطان بالحوش من القلعة، وعنده الأمراء والمباشرون، وابتدئ في النفقة على المماليك، فأنفق فيهم مائة دينار لكل واحد. )

4 ـ ( وفي سادس عشره: أنفق فيمن بقى من المماليك. ).

بدء الخلاف بين خال السلطان الأمير جكم والأمير اينال شاد الشرابخاناه

قال المقريزى :

( وفي يوم السبت عشرينه: وقع بين جكم الخاصكى خال السلطان وبين الأمير أينال مفاوضة، آلت إلى شرّ . وسبب ذلك أن الكلام والتحدث فى أمور المملكة صار بين ثلاثة الأمير الكبير نظام الملك جقمق، والقاضي زين الدين عبد الباسط، والأمير أينال. ولزم السلطان السكوت، فلا يتكلم ، فأنكر جكم على أينال أمره ونهيه فيما يتعلق بأمر الدولة، وكونه أقام بالقلعة ، وصار يبيت بها، فغضب منه أينال، ونزل من القلعة إلى داره، فكان هذا ابتداء وقرع الخلف الذى آل إلى ما سيأتى ذكره، إن شاء اللّه تعالى.)

المماليك الجلبان يريدون الفتك بناظر الجيش عبد الباسط والأمير الكبير جقمق

1 ـ ( وفيه ( السبت عشرين  من ذي القعدة ) تجمع كثير من المماليك تحت القلعة، وأرادوا أن يفتكوا بالقاضي زين الدين عبد الباسط  ، فلما نزل من القلعة أحاطوا به، وجرت بينهم وبينه مقاولات، أغلظوا فيها عليه، ولم يقدروا على غير ذلك، وخلص منهم إلى بيته.)

2 ـ ( 29 ذي الحجة ) وفيه تجمع كثير من المماليك تحت القلعة، وأحاطوا بالأمير الكبير نظام الملك عند نزوله من الخدمة السلطانية بالقلعة إلى جهة بيته، ليوقعوا به، فتخلص منهم من غير سوء، هذا والقاضى زين الدين عبد الباسط من المماليك في عناء شديد.) .

أخيرا

1 ـ باشر يوسف بن برسباى مهامه سلطانا في عيد الأضحى عام 841 ، ومشى في خدمته الأمير الكبير جقمق.

2 ـ  بعدها بحوالي مائة يوم عزله جقمق ، وتولى السلطنة بدلا منه . يقول المقريزى عنه : ( فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول: هذا، إستدعى الخليفة والأمراء والقضاة وجميع أرباب الدولة إلى الحراقة بالاصطبل، وأثبت عدم أهلية الملك العزيز يوسف لأنه لا يحسن التصرف، فخلعه الخليفة، وفوض السلطة للأمير نظام الملك جقمق في أخر الساعة الثانية، وتلقب بالملك الظاهر أبى سعيد، وأفيضت عليه الخلع الخليفتية، وقلد بالسيف. وركب من الحراقة، والجميع مشاة في خدمته، وقد دقت البشائر حتى صعد إلى القصر. وجلس على تخت الملك فقبل الأمراء الأرض وإنصرفوا. ونودى في القاهرة وظواهرها بالدعاء للملك الظاهر، وأن النفقة مائة دينار لكل مملوك.وسجن العزيز في بعض دور القلعة. )

3 ـ وتكررت نفس الحكاية . حين مات جقمق عهد لابنه عثمان بن جقمق بوصاية اينال ، فعزله أينال وتسلطن مكانه . وهكذا يمكرون بأنفسهم وما يشعرون .!.

4 ــ وصدق الله جل وعلا العظيم : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) الانعام ) .

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more