رقم ( 6 )
المقريزى : أعظم المؤرخين الذى لم يكن من أكابر المجرمين

المقريزى : أعظم المؤرخين الذى لم يكن من أكابر المجرمين

الباب التمهيدى : عن الدولة المملوكية ومؤرخيها وما قبل السلطان برسباى 

الفصل الثانى :(  مؤرخو عصر برسباى )

مقالات متعلقة :

  المقريزى مؤرخا 

1 ـ المقريزى هو :( تقى الدين أحمد بن على (766- 845 ) ، تفرّغ معظم حياته للكتابة التاريخية. تعددت وتكاثرت مؤلفات المقريزى. كتب في معظم مراحل التاريخ حتى عصره ، وفى التاريخ العام والتاريخ العالمي بالإضافة إلى المؤلفات المتخصصة في شتى نواحى الحياة والحضارة المصرية والمعارف المصرية،  نعرض لبعضها :

1 / 1 : في التاريخ العام : كتب المقريزى مؤلفاته الضخمة مثل (الخبر عن البشر)، (الدرر المضيئة في تاريخ الدولة الإسلامية)، (أمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأحوال والحفدة والمتاع).

1 / 2 : وفي التراجم ( تاريخ الأشخاص ) : وضع المقريزى كتابين للترجمة لرجال مصر، هما (المقفي الكبير) ويقع فى أربع مجلدات مخطوطة، وقد جمع فيه تراجم لكل من وفد على مصر منذ الفتح أو عاش فيها. وله أيضا ( درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة)، عن يوم الأحد سابع عشر ذي الحجة، بعد عقوبات شديدة، وقد أخرب في حروبه هذه حلب وما حولها، وأكثر من الفساد، وقتل العباد.. ).

 ( ومات الأمير طوخ مازي في ليلة السبت خامس شهر رجب، 843 ، نائب غزة، وأحد المماليك الناصرية فرج، ومُستراح منه، فقد كان من شرار خلق اللّه، فسقًا، وظلمًا، وطمعًا. )

وأخيرا :

 .( ومات السلطان الملك الأشرف برسباى الدقماقى الظاهرى في يوم السبت ثالث عاشر ذى الحجة، 841 وقد أناف على الستين... إلا أنه كان له في الشح والبخل والطمع، مع الجبن والجور وسوء الظن ومقت الرعية وكثرة التلون وسرعة التقلب في الأمور وقلة الثبات ــ أخبار لم نسمع بمثلها، وشمل بلاد مصر والشام في أيامه الخراب، وقلة الأموال بها. وإفتقر الناس وساءت سير الحكام والولاة، مع بلوغه آماله ونيله أغراضه، وقهر أعدائه وقتلهم بيد غيره . لتعلموا أن اللّه على كل شىء قدير. ).

تعليق

تناقض هائل بين شهادة المقريزى على السلطان برسباى وبين دفاع أبى المحاسن عنه . وشهادة المقريزى ستأتى خلال تسجيله لأحداث عصر برسباى كل عام من 825 الى 841 .

عبد الواحد بن العماد محمد ابن قاضي القضاة علم الدين أحمد الأخناي المالكي، أحد نواب الحكم بالقاهرة عن المالكية، وهو بمكة في ثالث ذي الحجة، 830 عن ثلاث وستين سنة. وكان بالنسبة إلى سواه مشكوراً ).

 تعليق

 يصفه بالظلم ، ولكنه كان أقل ظلما من غيره من القُضاة بحيث صار مشكورا بالنسبة لمن سواه . 

    عن تحيّز المقريزى ، مدحا أو ذمّا :

 تحيّز المقريزى للأشراف ( زاعمى الانتساب للنبى محمد عليه السلام )

 هل ينتمى المقريزى نسبا الى الفاطميين ؟

1 ـ قال ابن حجر في ترجمة المقريزى في كتابه ( إنباء الغُمر ): ( وقد رأيت بعض المكيين قرأ عليه شيئا من تصانيفه فكتب في أوله نسبه إلى تميم بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله القائم بالمغرب قبل الثلاثمائة، والمعز هو الذي بنيت له القاهرة وهو أول من ملك من العبيديين ( الفاطميين )  - فالله أعلم، ثم إنه كشط ما كتبه ذلك المكي من أول المجلد، وكان في تصانيفه لا يتجاوز في نسبه عبد الصمد بن تميم، ووقفت على ترجمة جده عبد القادرلمحرمات، بمخرجه من بنوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالولد ولد على حال، عقّ أو فجر ).  هذا أيضا يفسّر موقفه من الفاطميين في تشيعهم المتطرف ( المُغالى ) .

2 ـ على أي حال فالمقريزى كان متأثرا بثقافة عصره . فالطعن في الأشراف قد يوجب القتل . قال المقريزى عن الأمير يخشى بك : ( ومات الأمير يخشي بك، 842   .. ضرب عنقه في يوم الجمعة ثامن ذي الحجة، ( عام 842 )  بحكم بعض نواب قاضي المالكية بقتله ، من أجل أنه سب والديّ بعض الأشراف .). أمير مملوكى سبّ والدى أحد الأشراف فحكموا بقتله .!

3 ـ وسيأتى فيما بعد أن قافلة للحج هاجمتها عصابة تقطع الطريق ، يقودها ( الشريف زهير ) . ومات هذا اللص قاطع الطريق مقتولا ، فسجّل المقريزى هذا في وفيات عام 838 . قال : ( وقتل الشريف زهير بن سليمان بن زيان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني في محاربة أمير المدينة النبوية مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة في شهر رجب  . وقتل معه عدة من بني حسين، منهم ولد عزيز بن هيازع بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة. ) ثم قال عن ( الشريف زهير ) : ( ، وكان زهير هذا فاتكاً، يسير في بلاد نجد، وبلاد العراق، وأرض الحجاز، في جمع كبير فيه نحو ثلاثمائة فرس، وعدة رماة بالسهام، فيأخذ ال به حتى سمح بأن من أسلم منهم يستقر في خدمته ومن امتنع ضربت عنقه. فأخرجهم إلى دار النيابة وقال لهم‏:‏ يا جماعة ما وصلت قدرتي مع السلطان في أمركم إلاّ على شرط وهو أن من اختار دينه قُتل ، ومن اختار الإسلام خُلع عليه وباشر) أى باشر وظيفته كالمعتاد، فأسلموا رسميا . ويقول المقريزى معلّقا:( فصار الذليل منهم بإظهار الإسلام عزيزًا ، يبدي من إذلال المسلمين والتسلط عليهم بالظلم ما كان يمنعه نصرانيته من إظهاره.)أى أصبح أولئك المسلمون الجُدد أكثر نفوذا وأكثر جرأة فى ظلم المسلمين المحكومين. ويقول المقريزى ( وما هو إلا كما كتب به بعضهم إلى الأمير بيدرا النائب‏:‏
أسلمَ الكافرونَ بالسيفِ قهرًا    وإذا ما خلوا فهُم مُجرمونا
سلِموا مِن رواحِ مال وروحٍ    فهم سالِمون لا مُسلمونا .).

هذا تعليق المقريزى في ( الخطط ) ، وهو يعبر عن تعصبه ضد الأقباط المصريين . لقد ذكر بعض الاضطهاد الذى تعرضوا له، دون أن يتعاطف معهم .

في تاريخ ( السلوك )

ونفس الحال في تعرضه في تاريخ ( السلوك ) لبعض الشخصيات القبطية في عصر برسباى . فقد قال في أحداث عام 830 : ( وضرب عنق نصراني في يوم الاثنين سادس عشرين شهر ربيع الآخر، على أنه ساحر، وقد حكم بعض نواب الحكم المالكية بقتله، واتهم أنه قتله لغرض، ولله العلم ).

تعليق

هذا يعبّر عن التعصّب . القاضي المالكى حكم بقتله بتهمة السحر ، مع أن السائد وقتها الاعتقاد في جدوى السحر والاستعانة به حتى في قصور المماليك وفى الحريم المملوكى . أكثر من هذا ، فقد تخصص شيوخ التصوف بعمل السحر فيما كان معروفا بالكيمياء والسيماء ، والكشف عن ( المطالب ) أو الكنوز بالتعاويذ السحرية. وبينما كان أولئك الشيوخ المحتالون يتمتعون بالتصديق ويكسبون الأموال السُّحت إذ بهذا القاضي المالكى يحكم بقتل ( نصرانى ) لغرض في نفسه ، وهذا ما قاله المقريزى : ( واتهم أنه قتله لغرض، ولله العلم ). .! يعترف المقريزى بتعصب القاضي المالكى ، ولكن المقريزى نفسه لم ينج المقريزى من وباء التعصب هذا ، فتلوّنت نظرته بالتحامل على أهل الكتاب فيما ذكره في سرد بعض أخبارهم ، وسيأتى هذا في حينه .

ونعطى هنا نماذج مما ذكره في الوفيات في عصر برسباى .

1 ـ يقول فى وفيات عام 830 ، قال : ( وهلك بطرك النصارى اليعاقبة غبريال، في يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول ، وكان أولاً من جملة الكتاب، ثم ترقى حتى ولي البطركية. وكانت أيامه شر أيام مرت بالنصارى. ولقي هو شدائد، وأهين مراراً، وصار يمشي في الطرقات على قدميه، وإذا دخل إلى مجلس السلطان أو الأمراء يقف، وقلّت ذات يده ( أي افتقر )، وخرج إلى القرى مراراً يستجدي النصارى، فلم يظفر منهم بطائل، لما نزل بهم من القلة والفاقة، وكانت للبطاركة عوائد على الحطي ملك الحبشة، يحمل إليهم منه الأموال العظيمة، فانقطعت في أيام غبريال هذا، لاحتقارهم له وقلة اكتراثهم به، وطعنهم فيه، بأنه كان كاتباً، وذمته مشغولة بمظالم العباد. وبالجملة فما أدركنا بطركاً أخمل منه حركة، ولا أقل منه بركة. ) .

تعليق

تعرض هذا البطرك لاضطهاد هائل سيأتى تفصيله مما ذكره المقريزى نفسه ، ونرى المقريزى هنا متحاملا عليه ، لم يشفق عليه ، بل تكلم عنه كأنه السبب فيما تعرض له من إهانة واحتقار وإجبار على التسول ليدفع الغرامات المفروضة عليه.

 2 ـ وبعضهم أسلم وترقّى في الوظائف ، ولم يرحمه المقريزى ، فنراه أحيانا:

2 / 1 : يذكر محاسن هذا الذى أسلم مع الهجوم عليه كقوله عن كاتب السّر ابن الكويز الكركى فى وفيات عام 826 : (  ومات علم الدين داود بن زين عبد الرحمن بن الكويز الكركي، كاتب السر، في يوم الاثنين سلخه، ولم يبلغ الخمسين سنة.) وذكر المقريزى أنه أسلم ، واعترف بأنه : ( وكانت تؤثر عنه فضائل، منها أنه يلازم الصلاة، وصيام أيام البيض من كل شهر، ويتنزه عن القاذورات المحرمة كالخمر واللواط والزنا، ويتصدق كل يوم على الفقراء، ) ، ثم يسارع بالهجوم عليه قائلا : ( إلا أنه كان متعاظماً، صاحب حجاب وإعجاب، مع بُعد عن جميع العلوم. ولكنه في الألفاظ ذو شح زائد، وحفظت عليه ألفاظ تكلم بها سخر الناس منها زماناً، وهم يتناقلونها،) ثم يعود يمدحه فيقول : (  وكان مهاباً إلى الغاية متمكناً في الدولة، موثوقاً به فيها، بحيث مات ولا أحد أعلا رتبة منه ) .

تعليق

مآخذ المقريزى عليه هي وجهات نظر تتناقض مع ما ذكره من فضائله . ثم أين هو من أكابر المجرمين وقتها ؟

2 / 2 : يشّكك في إيمان بعضهم بالإسلام . فى وفيات عام 835 ، قال المقريزى : ( ومات الصاحب علم الدين يحيى أبو كم الأسلمي، في ليلة الخميس ثاني عشرين رمضان، وقد أناف على السبعين، فباشر نظر الأسواق، وتنقل حتى ولي الوزارة في الأيام الناصرية فرج، وكان يريد الانتفاء من النصرانية، فح

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more