رقم ( 23 ) : الباب الأساس
الفصل الثالث عشر : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام 837

 الفصل الثالث عشر : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام 837   

قراءة في تاريخ السلوك للمقريزى  / المقريزى شاهدا على العصر 

قال المقريزى في التأريخ لسنة 837

مقالات متعلقة :

( عن مناصب أكابر المجرمين :

( سنة سبع وثلاثين وثمانمائة :

أهلت هذه السنة وخليفة الوقت المعتضد بالله داود‏. وسلطان الإسلام بمصر والشام والحجاز وقبرس الملك الأشرف برسباي‏. والأمير الكبير سودن من عبد الرحمن‏. وأمير سلاح أينال الجكمي‏. وأمير مجلس أقبغا التمرازي‏. ورأس نوبة الأمير تمراز القرمشي .  وأمير أخور جقمق‏. والدوادار أركماس الظاهري‏. وحاجب الحجاب قرقماس‏. والوزير وأستادار كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ‏. وكاتب السر كمال الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن البارزي‏.  وناظر الجيش القاضي زين الدين عبد الباسط ، وهو عظيم الدولة وصاحب تدبيرها‏. وناظر الخاص سعد الدين إبراهيم ابن كاتب حكم‏. وقضاة القضاة على حالهم‏. ونواب السلطنة وملوك الأطراف كما تقدم في السنة الخالية‏. )

لمحة عن تأخر وفاء النيل والقلق وارتفاع الأسعار

( والنيل قد تأخر وفاءه ( الصحيح أن يقول المقريزى : وفاؤه ) ،  والناس لذلك في قلق وتخوف،  وقد كثر تكالبهم على شراء الغلة ، وبلغ القمح إلى مائة وأربعين درهماً الأردب‏. على أن الذهب بمائتين وخمسة وثمانين درهماً الدينار‏. )

التفاصيل :

( شهر الله المحرم أوله الثلاثاء‏:

أخبار النيل

1 ـ زيادة النيل وفرح الناس وغيظ من قام بتخزين الغلال :

( ‏ فيه نودي على النيل برد ما نقص وزيادة ثلاثة أصابع، فعظُم سرور الناس بذلك ، وباتوا على ترجي الوفاء . فنودي من الغد - يوم الأربعاء ثانيه وسادس عشرين مسرى - بوفاء النيل ستة عشر ذراعاً وزيادة إصبعين من سبعة عشر ذراعاً ، فكاد معظم الناس يطير فرحاً‏. وغيظ ( أي إغتاظ ) من عنده غلال يتربص بها الغلاء.  ففُتح الخليج على العادة‏.‏ )

2 ـ ( ووافق هذا اليوم ( 12 محرم ) أول ( شهر ) ،  توت وهو نوروز أهل القبط بمصر‏. وماء النيل على سبعة عشر ذراعاً وثمانية أصابع‏. )

3 ـ أمطار صيفية نادرة مع نقصان النيل ، وبوار بعض الأراضى الزراعية بسبب فساد الجسور واهمال حفر الترع :

( وفيه ( 14 محرم ) أمطرت السماء.  ولم نعهد قبله مطراً في فصل الصيف،  فأشفق أهل المعرفة على النيل أن ينقص ، فإن العادة جرت بأن المطر إذا نزل في أيام الزيادة هبط ماء النيل ، فكان كذلك ، ونقص في يوم الجمعة ثامن عشره ، وقد بلغت زيادته سبعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً‏. وكان نقصه في هذا اليوم ستة وعشرين إصبعاً ، فشرق من أجل هذا كثير من أراضي مصر،  لفساد الجسور وإهمال حفر الترع‏. ). قلقهم حول النيل جعلهم يعتقدون أن نزول المطر في أيام زيادة النيل يجعل النيل تنقص مياهه .

الحج

1 ـ قدوم مبشرون بقرب وصول الحجاج

( وفي ثالثه‏:‏ قدم مبشرو الحاج‏. )

2 ـ موت حُجّاج من شدة الحرارة : ( وفي ثاني عشرينه‏:‏ قدم سوابق الحاج‏. ونزل المحمل ببركة الحاج في غده ، وقد مات من الحاج بطريق المدينة من شدة الحر عدة كثيرة‏. )

وظائف أكابر المجرمين

( وفيه خلع على الأمير تاج الدين الشوبكي وأعيد إلى ولاية القاهرة على عادته ، مع ما بيده من شد الدواوين وغيره‏. ).هذا الشوبكى هو نديم برسباى ، وقد جمع بين وظائف كثيرة .

‏شهر صفر‏:‏ أهل بيوم الخميس

النيل : نقصان وقلق وارتفاع الأسعار وتخزين الحبوب ( كالمعتاد )

( أهل بيوم الخميس.  وقلق الناس متزايد ، فإن النيل تراجع نقصه حتى صار على سبعة عشر ذراعاً‏. ثم نقص تسعة أصابع ، فشره الناس في ابتياع الغلال وشحّ أربابها بها‏ ، فبلغ الأردب القمح مائة وثمانين درهماً والشعير مائة وأربعين‏. وفُقد الخبز من الأسواق عدة ليالي . )

تجميع طعام الخيول ( العليق ) وتخزينه ( الوقود العسكرى وقتها )

( وفيه ألزم السلطان الوزير الصاحب كريم الدين أستادار بحمل ما توفر من العليق بالديوان المفرد في مدة السفر ، وهو خمسون ألف أردب، وما توفر من العليق بديوان الوزارة ، وهو عشرون ألف أردب ، وبعث إلى النواحي من يتسلمها منه‏. ). بعد رجوع حملة برسباى كان تجميع علف الدواب .

‏عزل وعقاب أحد أكابر المجرمين : ( شيء معتاد )

( وفي ثاني عشرينه‏:‏ عزل داود التركماني من كشف الوجه القبلي ، وسُلّم إلى الأمير أقبغا الجمالي أستادار - كان - وقد أنعم عليه بإمرة طبلخاناه عوضاً عن تنبك المصارع‏. ) ( استادار ـ كان ـ ) يعنى الاستادار السابق الذى كان .

مناخ وكواكب

( وفي هذا الشهر‏:‏ ظهر في جهة المغرب بالعشايا كوكب الذؤابة وطوله نحو الرمحين ورأسه في قدر نجم مضيء ، ثم برق حتى تبقى ذنبه كشعب برقة الشعر، وذنبه مما يلي المشرق‏.‏

وفيه أيضاً توالت بروق ورعود وأمطار غزيرة متوالية بالوجه البحري وفي بلاد غزة والقدس‏. )

‏الصراع الحربى البحرى مع الصليبيين

( وفيه أيضاً أخذ الفرنج قريباً من طرابلس الغرب تسع مراكب تحمل رجالاً وبضائع بآلاف دنانير، وتصرفوا في ذلك بما أحبوا‏. ) . جميل هذا التعبير من المقريزى عن الفرنجة : ( وتصرفوا في ذلك بما أحبوا‏. ) ‏

شهر ربيع الأول ، أوله الجمعة‏:‏

المولد النبوى شعيرة دينية رسمية

( في ليلة الجمعة ثامنه‏:‏ عمل السلطان المولد النبوي على العادة‏. )

‏هبوط الأسعار

( وفي هذه الأيام انحل سعر الغلال لقلة طالبها‏. وكان ظن الناس خلاف ذلك‏. )

‏عقوبات سلطانية لبعض أكابر المجرمين دون أن نعرف السبب

( وفيها طلب السلطان بعض الكتاب ، فهرب منه ، فرسم بهدم داره ، فهدمت حتى سوّى بها الأرض‏. )

( وفيها أمر بإحراق معصرة بعض المماليك ، فأحرقت بالنار حتى ذهبت كلها.  )

نزهة صيد للسلطان

( وفي ثاني عشره‏:‏ ركب السلطان في موكب ملوكي،  وسار من قلعة الجبل ، فعبر من باب زويلة ، وخرج من باب القنطرة يريد الرماية بالجوارح لصيد الكراكي. ثم عاد في آخر رابع عشره‏. ).

‏عرض عسكرى وتجربة مدفع

( وفي خامس عشره‏:‏ نصب المدفع الذي أعد لحصار آمد ، وهو مكحلة من نحاس زنتها مائة وعشرون قنطاراً مصرياً‏. وكان نصبها فيما بين باب القرافة وباب الدرفيل . فرمت إلى جهة الجبل بعدة أحجار ، منها ما زنته خمسمائة وسبعون رطلاً‏. وقد جلس السلطان بأعلا سور القلعة لمشاهدة ذلك ، واجتمع الناس‏. واستمر الرمي بها عدة أيام‏. )

‏عزل سودون الأمير الكبير ومصادرة إقطاعه وخروجه على المعاش معتكفا في داره 

( وفي تاسع عشره‏:‏ رسم أن يخرج الأمير الكبير سودن بن عبد الرحمن إلى القدس بطالاً ، فاستعفى من سفره، وسأل أن يقيم بداره بطالا ، فأجيب إلى ذلك ، ولزم داره . وأنعم بإقطاعه زيادة في الديوان المفرد‏. و لم يقرر أحد عوضه في الإمرة‏. )

مناخ : رياح وصواعق ومطر وتلف مزروعات

( وفي هذا الشهر‏:‏ ثارت رياح عاصفة بمدينة دمياط ، فتقصفت نخيل كثيرة ، وتلف كثير من قصب السكر المزروع ، وهدمت عدة دور، وخرج الناس إلى ظاهر البلد لهول ما هم فيه‏. وسقطت صاعقة فأحرقت شيئاً كثيراً ، ونزل مطر مغرق‏. ولم يكن بالقاهرة شيء من هذا‏. )

‏تنقلات في وظائف أكابر المجرمين

1 ـ ( وفt"> 4 ـ ( وفي حادي عشره‏:‏ خلع على الأمير أقبغا الجمالي ، واستقر كاشف الوجه البحري ، عوضاً عن حسن باك بن سقل سيز التركماني ، وأضيف له كشف الجسور أيضاً‏. ) .

تعليق

 أقبغا الجمالى المشهور بالفساد والقسوة يتقلب في المناصب ليمارس هوايته في تعذيب الفلاحين وفى اهمال كشف الجسور والترع .  

 يومان نزهة صيد للسلطان

( وفي ثالثه سرح السلطان للصيد ، وعاد في خامسه )

برسباى يحقق بنفسه في أحوال المارستان ( المستشفى ) المنصورى قلاوون :

( وفي ثالث عشره‏:‏ ركب السلطان بعد الخدمة ، ومعه ناظر الجيش وكاتب السر والتاج الشوبكي‏.  ونزل إلى المارستان المنصوري للنظر في أحواله،  ليلى التحدث فيه بنفسه ، فإنه لم يول نظره أحداً بعد الأمير سودن بن عبد الرحمن‏. وأقام الطواشي صفي الدين جوهر الخازندار لما عساه يحدث من الأمور فاستمر على ذلك‏. )

تعليق

1 ـ المارستان المنصورى أشهر المستشفيات في العصر المملوكى ، أسّسه السلطان المنصور قلاوون ، ويقع في منطقة بين القصرين بالقاهرة .

2 ـ  ذرية المنصور قلاوون حكمت الدولة المملوكية البحرية الى أن أسّس الظاهر برقوق الدولة المملوكية البرجية ، نسبة لأبراج القلعة ، مركز الحكم ، والتي عاش في ابراجها مماليك ذرية قلاوون ثم خلفوهم في الحكم .

شهر جمادى الأولى‏:‏ أوله الاثنين‏.

وظائف أكابر المجرمين

( في سادسه‏:‏ خلع على نظام الدين بن مفلح وأعيد إلى قضاء الحنابلة بدمشق‏. عوضاً عن عز الدين عبد العزيز البغدادي‏. )

2 ـ ( وفي ثامن عشرينه‏:‏ استقر حسين الكردي في كشف الوجه البحري عوضاً عن أقبغا الجمالي ، بعد قتله في خامس عشرينه في حرب كانت بينه وبين عرب البحيرة‏.‏ وقتل معه جماعة من مماليكه ومن العربان . )

3 ـ  ( وخُلع على الوزير أستادار كريم الدين جبه بفرو سمور، ليتوجه إلى البحيرة - ومعه حسين الكردي - لعمل مصالحها ، واسترجاع ما نهبه أهلها من متاع أقبغا الجمالي‏. وكتب إليهم بالعفو عنهم ، وأن أقبغا تعدى عليهم في تحريمصر ؛ العسكر المصرى الخائن الخائب الذى يحتلُّ مصر من عام 1952 وصل به الفساد الى أن يحتكر الصناعة والتجارة لحسابه ، فأضعف الصناعة الوطنية وسبّب تهميش الطبقة الوسطى ، وتعاظم الفجوة بين أقلية الأقلية من المترفين والأغلبية الساحقة من  أفقر الفقراء . وهذا الفقر المنتشر المتزايد يصاحبه نشر السجون المحلية في كل قسم شرطة ، وتكميم الأفواه ، بما يُنذر بانفجار من الداخل . ! . ونحذّر ونُنذر ، وبلا فائدة .!

لمجرد التذكير :

وعظا للجيش المصرى قبل فوات الأوان 

أولا : عن الاحتكار

1 ـ لن نكتفي بالقول بأن الاحتكار حرام وأن المحتكر يجرم في حق المجتمع  ومأواه جهنم وبئس المصير ، فكم تكلم الآخرون علي هذا المنوال  وما ازداد الاحتكار إلا انتشارا علي انتشار. سنتحدث عن الاحتكار في فلسفة الأخلاق وأخلاق السوق .

2 ـ إن مجاوزة الاعتدال والوسطية توقع الإنسان في الرذائل ، لأن الفضيلة وسط بين رذيلتين ، ففضيلة الكرم تتوسط الإسراف والبخل ، وفضيلة الشجاعة وسط بين التهور والجبن ، فهل ينطبق هذا الميزان الأخلاقي أكثر من عشرة جنيهات ، وكان يستطيع هذا الخريج الجامعى اذا توظف أن يسكن فى شقة فى الأحياء الراقية في القاهرة بشرط ان يكون ذلك فى احلام اليقظة فحسب . من وقتها وحتى الآن ، فكل الأمور متاحة أمام خريج الجامعة المصرى  ( المستقيم ) الذى لا يجد عملا خارج مصر ـ لأن يحلم فقط ، أحلام يقظة ؛ يحلم بمرتب يكفيه وشقه تؤويه وعروس تؤنسه ، إذ أن الدولة ـ مشكورة ـ لم تتدخل بعد بقوانينها وقرارتها لتتحكم فى أحلام اليقظة التى لم يعد أمام الشباب الضائع سواها.!. وبعض الشباب الضائع تمرد على أحلام اليقظة ، فلبس عمامة الدين وانطلق يدمر المعبد على من فيه . وهؤلاء لا يعلمون أنهم بهذا يطيلون حكم العسكر ، فالعسكر يحتاج الى فزّاعة يخيف بها من هم داخل مصر ومن هم خارجها .

أخيرا

لا حلّ لمصر إلا برجوع الجيش الى ثكناته ، كما أراد الرئيس الراحل محمد نجيب من قبل . لا حلّ لمصر إلا بوجود نظام مدنى ديمقراطى ليبرالى حقوقى .  ونحلم ـ حُلم يقظة ـ أن يتحقق هذا سلميا بدون إراقة الدماء . لأن الدماء المُراقة سيكون معظمها من المستضعفين في الأرض ، ونحن نضع المستضعفين في قلوبنا . 

تنقلات في وظائف أكابر المجرمين

( وفي ثاني عشره‏:‏ رسم بإعادة أبي السعادات جلال الدين محمد بن أبي البركات ابن أبي السعود بن زهيرة إلى قضاء الشافعية بمكة ،عوضاً عن جمال الدين محمد بن علي بن الشيبي بعد موته‏. ). قاض فاسد تعرض للعزل واعادته للمنصب .

المماليك الجلبان في القلعة يرجمون كبار الموظفين المسئولين عن مرتباتهم

( وفي سابع عشره‏:‏ رجم مماليك الطباق بالقلعة المباشرين عند خروجهم من الخدمة السلطانية ، لتأخر جوامكهم بالديوان المفرد عن وقت إنفاقها‏. )

ليسوا مسئولين عن تأخر الصرف للكرتبات . السلطان هو المسئول ، ومماليكه السلطانية ( الجلبان ) ينفّسون عن غضبهم في الموظفين ( المباشرين ) الذين لاحول لهم ولا قوة .

مرض السلطان برسباى

( وفي يوم السبت سادس عشرينه‏:‏ أصبح السلطان ملازماً للفراش من آلام حدثت في باطنه من ليلة الخميس ، وهو يتجلد لها ، إلى عصر يوم الجمعة ، فاشتد به الألم ، وطلب رئيس الأطباء فحقنه في الليل مراراً‏. وأصبح لما به فلم يدخل إليه أحد من المباشرين‏ ، وبعث بمال فرقه في الفقراء‏ . وما زال محجوباً عن كل أحد ، وعنده نديماه ولي الدين محمد بن قاسم والتاج الشوبكي فقط‏. ثم دخل في يوم الثلاثاء تاسع عشرينه الأمراء لعيادته وقد تزايد ألمه‏ ، ثم خرجوا سريعاً ، فأبلّ تلك الليلة من مرضه‏. ).

تعليق

1 ـ لا يجوز للمستبد أن يقع في المرض ، لا يجوز للمستبد أن يبدو ضعيفا حتى لا يفترسه بعض خدمه من أكابر المجرمين . لذا لا بد أن يتحمّل ما استطاع ألم المرض ويبتسم . في النهاية تغلبه الآلام فيأتيه الطبيب . عبد الناصر تعذّب من المرض ، وتعذّب أكثر من تجلّده وإخفائه لضعفه وآلامه . وعندما أشار طبيبه د أنور المفتى الى مرضه سقوه السُّم ، فمات سريعا . مرض المستبد وأحواله الصحية من أخطر أسرار الدولة. السبب بسيط جدا ومؤلم جدا : لأن المستبد هو الدولة.!!

2 ـ عندما إشتدّ مرض برسباى تصدّق على الفقراء ، أي تذكّر أن هناك فقراء هو الذى أضاع حقوقهم وأفقرهم . العادة السيئة للإنسان العاصى أنه إذا أصابه المرض إستغاث برب العزة جل وعلا ، فإذا كشف الله سبحانه وتعالى عنه ضرّه عاد الى ما كان عليه من عصيان . هكذا فعل برسباى ، وهكذا فعل سابقوه ، وهكذا فعل ويفعل وسيفعل لاحقوه . ‏

شهر رجب الفرد أوله الخميس‏:

شفاء برسباى ومباشرته مهامه علنا ليؤكد أنه في تمام صحته

1 ـ (  فيه عملت الخدمة السلطانية بالبيسرية ،  وقد زال عن السلطان ما كان به من الألم‏. )‏

2 ـ ( وشهد الجمعة من الغد بالجامع على العادة‏. وخلع على الأطباء في يوم السبت ثالثه‏. ثم ركب في يوم الخميس ثامنه ، وشق القاهرة من باب زويلة ، ومضى إلى خليج الزعفران بالريدانية وعاد إلى القلعة‏. )

السفر للحج

( وفي خامس عشره‏:‏ نودي في القاهرة بسفر الناس إلى مكة صحبة الأمير أرنبغا ، وقد عين أن يسافر بطائفة من المماليك ، فأخذ طائفة من الناس في التأهب للسفر‏. )

عودة الوزير من البحيرة بعد نجاح مهمته

( وفيه قدم الوزير من البحيرة وقد مهد أمورها على ما يجب‏. ). تمهيد المهمة كان على حساب الفلاحين المستضعفين لصالح أكابر المجرمين . أكاد أسمع أنينهم بين هذه السطور.!!

موت نائب برسباى في الشام ، وتعيين نائب حلب مكانه

  ( وقد ألزم السلطان في غيبة الوزير عظيم الدولة القاضي زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش بإقامة دواداره جانبك أستادار ، فلم يرض بذلك خوف العاقبة ، وأخذ يسعى في دفع ذلك عنه ، حتى أعفي ، فعين سعد الدين إبراهيم بن كاتب حكم ناظر الخاص أستادار، فما زال يسعى في الإعفاء حتى ظهر الوزير كريم الدين فتنفس خناق الجميع‏. )

‏ برسباى يلزم داودار ناظر الجيش بأن يكون الاستادار بدل الوزير الهارب ، فيرفض هذا الشخص خوفا ، فيعين ناظر الخاص استادار فيرجو الاستعفاء . وأخير ظهر الاستادار الهارب فأراح الجميع.!

الخروج للحج

( وفى تاسعه‏:‏ برزت المماليك المتوجهة إلى مكة صحبة الأمير أرنبغا ، ورافقهم عدة كبيرة من الرجال والنساء ، يريدون الحج والعمرة‏. )

‏ الظلم يؤدى للخراب : إحصائية تثبت ذلك

( وفي هذا الشهر‏:‏ - والذي قبله - فرض السلطان على جميع بلاد الشرقية والغربية والمنوفية والبحيرة وسائر الوجه القبلى خيولا تؤخذ من أهل النواحى . وكان يؤخذ من كل قرية خمسة آلاف درهم فلوساً عن ثمن فرس ، ويؤخذ من بعض النواحى عشرة آلاف عن ثمن فرسين‏. ويحتاج أهل الناحية مع ذلك إلى مغرم لمن يتولى أخذ ذلك منهم‏. وأحصي كُتاب ديوان الجيش قرى أرض مصر كلها - قبليها وبحريها - فكانت ألفين ومائة وسبعين قرية‏. وقد ذكر المسَّبحي أنها عشرة آلاف قرية. فانظر تفاوت ما بين الزمنين‏. ) .!! . علامات التعجب من عندنا .

تعليق

1 ـ يُحسبُ للمقريزى تنوع المادة التاريخية التي يذكرها في كتابه ( السلوك ) ، ومع أن كتابه  في التاريخ الحولى الذى يؤرخ لكل عام أو بالحول إلا إنه ــ خلافا للمؤرخين ــ  يورد الأخبار الاقتصادية ، منها الأسعار وارتباطها بالنيل ، ويشير الى التدهور الاقتصادى للأيام التي يعيشها مقارنة بأيام سلفت . وهنا يشير الى عدد القرى المصرية في العصر الفاطمى وفق ما ذكره المسبحى مقارنة بتعدادها في عصره. كانت عشرة آلاف قرية ، فأصبحت في عهده 2170 فقط . والسبب هو الظلم المُسبب للخراب . والمقريزى في هذا متأثر بما كتبه أستاذه عبد الرحمن بن خلدون في ( المقدمة / مقدمة ابن خلدون )، وفيها كتب ابن خلدون يحذر من عمل السلطان بالتجارة ، لأن هذا يؤدى الى الظلم ، والظلم يؤدى للخراب. ولنا كتاب منشور هنا عن مقدمة ابن خلدون في دراسة تحليلية . 

2 ـ فساد برسباى تخطّى الحدود ، ليس فقط في الاحتكار، ولكن أيضا في المصادرات ، بعضها يقوم بها أعوانه كالاستادار والكُشّاف ، وبعضها يقوم بها بنفسه مثلما جاء في هذا الخبر عن مصادرته للخيول في الريف المصرى . والقرية التي لا خيول فيها عليها أن تدفع  ثمن الخيول المقررة عليها ، ثم ــ طبقا للفساد السائد ــ عليها أن تقدم رشوة لزبانية برسباى أيضا . مصادرة الخيول ليس الهدف منها فقط المكسب المادى ، ولكن الأهم هو إحتكار السلطان للخيول ومصادرة ما يوجد منها عند الأعراب . فالخيول أهم عتاد حربى . الفلاح المصرى لا شأن له بهذا ، فليست لديه خيول .

3 ـ قضاة الشرع ( الشريف ) لا يعترضون على هذا ، لأن ( سلطان الإسلام ) عندهم يقوم بتطبيق المعلوم من الدين بالضرورة . 

4  ـ هو نفس الحال في مصر تحت حكم العسكر من عام 1952 ، نهبوا الثروة المصرية بالمصادرة والتأميم والتمصير ، وجعلوها قطاعا عاما لصالحهم ، ثم باعوه أو خصخصوه ، أيضا لصالحهم ، ثم ترزح مصر اليوم تحت حكم ضابط مخابرات، يبتزُّ رجال الأعمال ، ويرهبهم حتى يتبرعوا له ، ويصادر الأموال والشركات والمصانع الناجحة ويهدد أصحابها أو يسجنهم. وشيوخ الأزهر يسبحون بحمده آناء الليong>

( وفيه قدم الحمل من قبرس على العادة في البحر في كل سنة‏. )

وباء في مكة

( وفي هذا الشهر‏:‏ اشتد الوباء بمكة وأوديتها ، حتى بلغ بمكْة في اليوم عدة من يموت خمسين ما بين رجل وامرأة‏. )‏

شهر رمضان أوله السبت‏:‏

الكاتيلان الفرنجة ينتقمون من إحتكار برسباى بالقرصنة

( في ثامنه‏:‏ ورد الخبر من دمياط بأخذ الكيتلان من الفرنج خمس مراكب من ساحل بيروت فيها بضائع كثيرة ورجال عديدة‏. وبعث ملكهم إلى والي دمياط كتاباً ليوصله إلى السلطان ، يتضمن جفاء ومخاشنة في المخاطبة ، بسبب إلزام الفرنج أن يشتروا الفلفل المعد للمتجر السلطاني فغضب السلطان لما قرئ عليه ومزقه‏. ).

‏بمناسبة رمضان : قطع المرتبات المالية والعينية : مصادرة من نوع آخر

( وفي هذه الأيام‏:‏ قطع عدة مرتبات للناس على الديوان المفرد وعلى الاصطبل السلطاني وعلى ديوان الوزارة‏. وذلك ما بين نقد فى كل شهر ولحم في كل يوم وقمح في كل سنة‏. فاغتمّ لذاللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الانفال  ). (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) البينة  ). شرُّ البرية ، شرُّ الدواب يتمتعون بالتقديس في الأديان الأرضية الشيطانية .!

‏تحركات عسكرية مملوكية :

   تجريدة مملوكية نهرية في النيل

(  وفي ثامنه‏:‏ سارت التجريدة في النيل ، وهي مائتا مملوك من المماليك السلطانية ومائة من مماليك الأمراء‏ ، وعليهم ثلاثة أمراء من أمراء العشرات ، بعد ما أنفق في كل مملوك ألف وخمسمائة درهم فلوساً عنها خمسة دنانير وكسر‏. )  .

ترتب عليها اعتقال شيخ الأعراب من لواته وتوسيطه ، فقد قال المقريزى : ( وفي يوم الأربعاء ثالثه‏:‏ وُسّط الأمير علم الدين حذيفة بن الأمير نور الدين علي بن نصير الدين ، شيخ لواته خارج القاهرة‏. )

خروج محمل الحج

( وفي عشرينه‏:‏ خرج محمل الحاج صحبة الأمير قرا سنقر إلى بركة الحاج ، وصحبته كسوة الكعبة علىْ العادة‏. )

لحوق الحجاج من المغرب وبلاد التكرور بالمحمل

( وقد قدم من بلاد المغرب ومن التكرور ومن الإسكندرية وأعمال مصر حاج كثير، فتلاحقوا بالمحمل شيئاً بعد شيء‏. ثم استقل الركب الأول بالمسير من البركة في ثاني عشرينه‏. ورحل الأمير قرا سنقر بالمحمل وبقية الحاج في ثالث عشرينه‏. )

وظائف أكابر المجرمين

  نائب السلطان في الإسكندرية يصبح بالرشوة الحاجب الذى يقف على باب النائب .!!

( وفيه أيضاً كتب باستقرار خليل بن شاهين ناظر الإسكندرية وحاجبها في نيابة الثغر مع النظر والحجوبية‏. وكان قد بعث بثلاثة آلاف دينار، ووعد بحمل مثلها ، وسأل في ذلك فأجيب إليه‏. ولم ندرك مثل ذلك ، وهو أن يكون النائب حاجباً . فإن موضع الحاجب الوقوف بين يدي النائب والتصرف بأمره . هي الأيام كلها قد صرن عجائب ، حتى ليس فيها عجائب. ).

تعليق

1 ـ خليل بن شاهين عرف أثر المال السحرى في الوصول الى المناصب ، فتقلّب فيها ، بلا استحقاق ، سوى قدرته على الرشوة .

2 ـ بالمال كان يمكن شراء أي منصب في عصر برسباى، وفى عصر الفرعون الحالي لمصر.

3 ـ خايل بن شاهين كان نائب السلطان على الإسكندرية فاشترى منصب الحاجب أيضا ليكون حاجبا على نفسه ، وهذا لكى يجمع أكبر قدر من الأموال ، فالحاجب هو الواقف على باب الأمير ليبتزّ الأموال من أصحاب الحاجات .

4 ـ يقول المقريزى متعجبا : ( هي الأيام كلها قد صرن عجائب، حتى ليس فيها عجائب. )..

فماذا نقول عن أعاجيب عصرنا الردىء ؟ حيث يوضع الأحرار في السجون ، ويُجبر العباقرة على الهجرة والنفى ، ويصبح المجرمون اللصوص أراذل الناس هم أسياد البلد .!! ويتربع على قمة السُّلطة خائن فاشل خائب معتوه .!! هنا لا تكفى مئات العلامات من التعجّب .!!!!!

‏أوامر من برسباى الى ملك المغرب ، وملك المغرب يسمع ويطيع . لماذا ؟

( وفيه قدم جنيد - أحد أمراء أخورية - وقد توجه إلى أبي فارس عبد العزيز ملك المغرب ، وعلى يده كتاب السلطان بمنع التجار من حمل الثياب المغربية المحشاة بالحرير من ملابس النساء ، وأن يلزمهم بقود الخيول بدل ذلك&"RTL">1 ـ  في عصر كان يعتقد في اساطير الكرامات لا بد أن يشيع الايمان بالتنجيم ، يدل على هذا قول المقريزى : ( وشنع بأمر الكسوف ، وما يدل عليه ، حتى اشتهر إرجافه وتشنيعه ، وداخل بعض الناس الوهم‏. ) . وكان يتم استغلال هذا سياسيا ، وقد شرحناه في موسوعة التصوف في أثر التصوف السياسى . وخوفا من تأثير هذا على سلطانه سارع برسباى بتهديد المنجمين .

2 ـ أكثر الناس ظلما هو أشدهم خوفا ورُعبا . المستبد الظالم ــ أكبر أكابر المجرمين ــ هو أكثر الناس رعبا وخوفا .

قطع المرتبات

( وفي هذه الأيام‏:‏ قطعت أيضاً عدة مرتبات للناس من ديوان السلطان ، ما بين عليق لخيولهم ، ومبلغ دراهم في كل شهر‏.)

 ارتفاع طفيف في الأسعار

 ( وفيها ارتفع سعر الغلال قليلاً ؛ فكان القمح من مائة وخمسين درهماً الأردب إلى ما دونها ، فبلغ مائة وسبعين مع كثرته، لزكاة ( أي زيادة إنتاج ) الغلال وقت الدراس،  ورخاء بلاد الشام والحجاز‏.).

المجاهدون في البحر يدمرون سفنا إيطالية أصحابها تُجّار مُسالمون

( وفيها ظفر المجردون  ( المجاهدون ) في البحر على بيروت بغراب ( سفينة )  للبنادقة ، فيه صناديق مرجان ونقد وغير ذلك‏. وظفروا بمركب آخر للجنويين على طرابلس ، فيه بضائع ، فأًحرقوه بما فيه ، وأسروا ــ سوى من غرق  ــ بضعاً وعشرين رجلاً‏.‏ وقتل من المماليك المجردين سبعة ، فلم يُحمد هذا من فعلهم. وذلك أن البنادقة والجنوية مسالمون المسلمين‏.)

طبقا لشريعتهم السنية والمعلوم منها بالضرورة فلا مانع من سلب تُجّار مُسالمين وقتل بعضهم ، مع أنهم أتوا محتمين بأمان من السلطان ، وإلا ما جاءوا . هذا يذكرنا بالشريعة السنّية التي تجعل المتطرفين يقتلون السُّيّاح المسالمين غدرا ، ويستبيحون دماءهم بكل نذالة ، ويعتبرون ذلك جواز دخولهم للجنة والاستمتاع بالحور العين بزعمهم .

 

شهر ذي القعدة أوله الأربعاء‏:

الحج

(  فيه توجه الأمير جقمق أمير سلاح إلى مكة حاجاً ، وسار معه كثير ممن قدم من المغاربة.)

 

شهر ذي الحجة‏:‏ أهل بيوم الخميس :

هنا نتذكر ما قاله المقريزى في أحداث شهر شوال : ( وفيها ظفر المجردون  ( المتطوعون للجهاد ) في البحر على بيروت بغراب للبنادقة ، فيه صناديق مرجان ونقد وغير ذلك‏. وظفروا بمركب آخر للجنويين على طرابلس ، فيه بضائع ، فأًحرقوه بما فيه ، وأسروا ــ سوى من غرق  ــ بضعاً وعشرين رجلاً‏.‏ وقتل من المماليك المجردين سبعة ، فلم يحمد هذا من فعلهم. وذلك أن البنادقة والجنوية مسالمون المسلمين‏.)

اسطورة مضحكة

( وفيها طلق رجل من بني مهدي بأرض البلقاء امرأته وهي حامل، فنكحها رجل غيره ، ثم فارقها فنكحها رجل ثالث. فولدت عنده ضفدعاً في قدر الطفل ، فأخذوه ودفنوه خوف العار. )

تعليق

1 ـ في أي مجتمع تسيطر الثقافة السمعية المرتبطة بدين أرضى تشيع مثل هذه الأساطير ، وتتم نسبتها لأشخاص مجهولين ، ويكون ختم الأسطورة بموت البطل في الأسطورة حتى لا يمكن التحقق من صدق الواقعة . ومع هذا كانت تلك الأساطير تحظى بالتصديق ، ويذكرها المؤرخون على أنها أحداث حقيقية . 

2 ـ لماذا ؟  كان العصر المملوكى مستعدا للإيمان بأى شيء ، ومجرد أن تشيع اسطورة فيسارع الناس بتداولها وتصديقها . الأساس أن الناس في هذا العصر كانوا يؤمنون بأساطير الكرامات للأولياء الصوفية مهما بلغ حُمقها وتفاهتها ، بل كانوا يؤمنون بكرامات الجمادات والنباتات ، وفصّلنا هذا في الجزء الأول من موسوعة التصوف عن العقائد الدينية في مصر المملوكية .

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more


فيديو مختار
https://www.youtube.com/watch?v=QY00qLJMir4