رقم ( 7 ) : الباب التمهيدى : عن الدولة المملوكية ومؤرخيها وما قبل السلطان برسباى
الفصل الثالث : لمحة عن الدولة المملوكية

الفصل الثالث :  لمحة عن الدولة المملوكية

الباب التمهيدى : عن الدولة المملوكية ومؤرخيها وما قبل السلطان برسباى 

أولا :

نوعية الدولة المملوكية : البحرية ثم البرجية

مقالات متعلقة :

1 ـ الدولة المملوكية المصرية إمتدت من غرب العراق وجنوب تركيا شرقا الى حدود ليبيا غربا، وشملت الحجاز بما فيه من مكة والمدينة وسواحل البحر الأحمر . وكان يُطلق على الجزء الشرقى منها إسم ( الشام ) والحاكم المملوكى على الشام لقبه ( نأئب الشام ) أي نائب السلطان المملوكى في القاهرة على الشام ، وكان الشام يشمل حلب ودمشق والقدس وغيرها ، ولم يكن إسم فلسطين وقتها مستعملا . وكانت هناك إمارة حدودية شمال العراق مشمولة بحماية الدولة المملوكية وتقع فيها قلاقل . وقام السلطان برسباى بغزو قبرص وأسر ملكها وأصبحت ضمن الدولة المملوكية المصرية  .

 2 ـ إشتهرت الدولة المملوكية البحرية  بشراء الرقيق الأطفال من أواسط آسيا وشرق واواسط أوربا  حيث كان يتم فيها قنصهم وأسرهم وخطفهم ثم استحضارهم الى حلب التابعة للسلطنة المملوكية توطئة لبيعهم فى مصر. ثم تدريبهم عسكريا وتعليمهم ثقافيا في الجزيرة النيلية المُحاطة ب ( بحر النيل ) وهؤلاء هم المماليك البحرية ، وبعد مدة التدريب يتم عتق المملوك ويصبح حرا تابعا للأمير أو السلطان الذى إشتراه . يشق طريقه من جندي الى رتب أعلى في الجيش وسلك الأمراء حسب إمكاناته في فن المكر والفروسية ، قد يصل الى مرتبة الأتابك أي قائد الجيش ، أو السلطنة أو يفقد حياته .  وبتوالى عشرات السنين أصبح معروفا فى تلك البلاد ( أواسط آسيا وأواسط وشرق أوربا ) أن أولئك المخطوفين من أبنائها ينتهى بهم الحال ليكونوا أمراء وسلاطين فى مصر ، لذا أصبح من الشائع فى تلك المناطق الآسيوية والأوربية وقوع الشباب الطموحين منها فى الاسترقاق طوعا وبإرادتهم ليؤتى بهم مماليك فى مصر المملوكية أملا فى مستقبل أفضل خيرا من المعاناة في أوطانهم .

3 ـ  واكب هذا عصر التنازع بين الأمراء للسيطرة على السلطان الصغير من أبناء وأحفاد السلطان الناصر محمد آخر سلطان قوى من بنى قلاوون . هذا التنازع دفع الأمراء المتناحرين الى تقوية مراكزهم  ب ( إستجلاب ) مماليك من تلك الأصقاع ، وكانت الأفضلية ليس للأطفال المحتاجين الى تدريب وتهذيب بل الى شباب مدرب جاهز. تغيّر المصطلح ، فلم يعد ( شراء) الأطفال ليصيروا مماليك متمصرين ، بل أصبح ( جلب ) شباب من الفتيان الذين لا إنتماء لهم إلا للمال وبأى طريق . فتكاثر ( جلب ) نوعبة من الرجا

2 / 4 : وبعد انتصار قطز على المغول تأمر عليه زعماء البحرية بقياده بيبرس انتقاما لمقتل سيدهم أقطاي ، وقتلوا قطز في طريق العودة . وتم تنصيب القاتل بيبرس سلطانا .

2 / 5 : قام بيبرس بتوطيد الدولة المملوكية ورفعة شأنها في الشام والعراق والحجاز . وحاول في أخريات حياته أن يوطد الأمر لابنه سعيد بركة ، فولاه العهد من بعده . وحتى يضمن ولاء المماليك له من بعده فقد زوّجه من ابنة كبير المماليك قلاوون الألفي ، وجعل قلاوون نائبا له ، وأخذ العهد لابنه في احتفال كبير أقسم فيه المماليك على الإخلاص ( لسعيد بركة بن الظاهر بيبرس ) حين يتولى العرش بعد أبيه .

2 / 6 : ولكن ذلك كله لم يجد نفعا . إذ تآمر قلاوون على (سعيد بركه )  وأرغم سعيد بركة على التنازل – سنة 678 وتولى مكانه ..  وأقامت أسرة قلاوون في حكم مصر نحو قرن أو يزيد 678 – 784 ..

2 / 7 : متاعب قلاوون لم تنته باعتقال المماليك الظاهرية – أتباع – الظاهر بيبرس – وإحلال أنصاره محلهم ، وإنما ثار عليه – أقرانه من الأمراء كما فعل الأمير سنقر نائب الشام  ، مما جعل قلاوون ينشيء لنفسه عصبة خاصة من المماليك ، فأكثر من شرائهم ، وأقام لهم أبراجا خاصة بجانبه بالقلعة فعرفوا( بالمماليك البرجية) على غريمه . وبرقوق يدرك ذلك جيدا ، لذا عمد إلى تخدير الرأي العام فاستضاف شيخا صوفيا ،  معتقدا – أي يعتقد الناس ولايته – وهو الشيخ على الروبي . وقد أعلن الروبي أن برقوق سيلي السلطنة يوم الأربعاء تاسع عشر من رمضان 785 , وأن الطاعون – وكان وقتها ساريا – سيرتفع عن القاهرة ثم يموت الطفل على.  ومعلوم أن الصوفي يحظى باعتقاد العامة في علمه للغيب . وإذ هيأ برقوق الأذهان لما سيحدث فقد قتل السلطان الصغير وأشاع موته ودفنه في يومه ، ثم عين بعده أخاه أمير حاج ، ثم عقد مجلسا بالخليفة العباسي و القضاة الأربعة والأمراء ، فعزلوا أمير حاج ، وبايعوا برقوق في التاسع عشر من رمضان سنة 784 أي في نفس الوقت الذي أعلنه الشيخ الروبي سابقا . وهنا تحالف أكابر المجرمين من المماليك مع أكابر المجرمين من رجال الدين ، وتمت ولادة الدولة المملوكية البرجية.

5 / 4 : ثم عمد برقوق للتخلص من أعوانه من أكابر المجرمين من الأمراء الذين ساعدوه فقضي عليهم بالقتل والنفي ، وممّن عاونه من رجال الدين ، فإعتقل الخليفة العباسي . وفي هذه الظروف مات الشيخ الروبي مما يعزر الشك في – أن لبرقوق يدا في موته . وبذلك ضمن برقوق لنفسه أن ينفرد بالأمر ، ولا يكون لأحد عليه فضل أو نفوذ باعتباره شريكا له في المؤامرة .

5 / 5 : إلا أن برقوق أخذ من مأمنه كما يقال ، فقد ثار الأمير يلبغا بالشام فوجه إليه برقوق مملوكه ( المخلص ) الأمير منطاش على رأس جيش لإخضاعه , إلا أن بلبغا اتفق مع منطاش على عزل برقوق .  وبذلك جاء منطاش  و بلبغا بجيشيهما  إلى القاهرة لحرب برقوق . ولما لم يكن لبرقوق جيش يقابل به الأميرين فقد هرب إلى الكرك ، ودخل منطاش وبلبغا إلى القاهرة ، وأعيد السلطان أمير حاجي القلاوونى ، وكما كان متوقعا دب الخلاف بين منطاش ويلبغا ، وانتصر منطاش . وفي هذه الأثناء هرب برقوق من الكرك ، وأعد جيشا ، وأنضم إليه أنصاره ، والتقى مع مملوكه السابق منطاش في موقعة شقحب فانتصر عليه وعاد للسلطنة للمرة الثانية سنة 797 .

6 : ومات برقوق سنة 801 وتولى ابنه الناصر فرج , وقد اضطر فرج للاختفاء بسبب مؤامرة  حتى أعاده الأمير يشبك , ثم ثار عليه الأميران ( شيخ ) و ( نوروز) فتنازل لهما .

7 ـ وثار النزاع بين الأميرين ( شيخ ) و ( نوروز) وانتهي بمصرع نوروز سلطنة المؤيد شيخ .

 8 ـ بعد موت السلطان المؤيد شيخ تولى ابنه أحمد تحت وصاية الأمير ططر. إلا إن الأمير ططر سلبه السلطنة وتولى بعده .

9 ـ ومات ططر سريعا ، قبل موته أخذ العهد لابنه محمد بن ططر ، تحت وصاية ( صاحبنا ) برسباى ، إلا أن برسباى ما لبث أن عزل ابن السلطان ططر ، وتولى مكانه .

10 ـ , وتوفي الاشرف برسباى عام الطاعون  841 ، وقبل موته تنازل عن السلطنة  لابنه يوسف، تحت وصاية الأمير جقمق . وقام جقمق بعزل يوسف ابن برسباى وتسلطن جقمق . وحين مات جقمق عهد لابنه عثمان بن جقمق بوصاية اينال فعزله أينال وتسلطن مكانه .     

11 ـ وسادت ــ بعدها ــ فترة من الضعف في الدولة البرجية ، وتولى سلاطين ضعاف ، وكثر فيهم العزل والتولية ، حتى أن بعضهم كالسلطان خير بك لم يمكث سلطانا إلا ليلة واحدة سنة 872 . ثم انتعشت الدولة مؤقتا بتولي السلطان قايتباى الذي حكم تسعة وعشرين عاما متتالية ، تنازل في السنة الأخيرة لابنه محمد ابن قايتباى الذي دفع حياته ثمنا لمؤامرات الكبار . وتعاقب جملة من السلاطين الضعاف حتى تولى الغورى سنة 906 فأعاد الأمر إلى حين ، وانتهي أمره وأمر الدولة المملوكية في مرج دابق سنة 922 

أخيرا

نتذكر قوله جل وعلا عن تآمر أكابر المجرمين :

1 / 1 : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)  النساء). 

1 / 2 : ( اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر )

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more