رقم ( 18 ) : الباب الأساس
الفصل الثامن : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام 832

الفصل الثامن : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام 832 

قراءة في تاريخ السلوك للمقريزى  / المقريزى شاهدا على العصر 

قال المقريزى في التأريخ لسنة 832

مقالات متعلقة :

( سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة :)

لم يذكر المقريزى الديباجة المعروفة في التأريخ لكل عام ، من أسماء أكابر المجرمين من السلطان وقادة المماليك وأكابر الوظائف الديوانية كالاستادار وكاتب السر ، وأكابر الوظائف الدينية ( قضاة القضاء ). دخل مباشرة في تسجيل الأحداث ، فقال :

 

( شهر الله المحرم، أوله الاثنين:

مناخ وكوارث

(  ففي ليلة الاثنين خامس عشره: حدث مع غروب الشمس برق متوال، تبعه رعد شديد، ثم مطر غزير، واستمر معظم الليل، فلم يدرك بمصر مثله برقاً ورعداً، ولا عهدنا مثل غزارة هذا المطر في أثناء فصل الخريف. وقدم الخبر بأنها أمطرت وقت العشاء من ليلة الاثنين ثامنه بناحية بني عدي من البهنساوية برداً في قدر بيضة الدجاجة وما دونها كبيضة الحمامة، فهلك به من الدجاج والغنم والبقر شيء كثير، فهلك لرجل ستون رأساً من الضأن، وهلك لآخر خمسون رأساً من المعز، ولم يتجاوز هذا البرد بني عدي، وكان مع البرد والمطر راعد مرعب من شدته، وبرق متوال ورياح عاصفة . ). واضح أن للمقريزى ( مراسلين ) يخبرونه بما يحدث في القاهرة وخارجها .

 أكابر المفسدين يتتبعون مواضع الفساد

 ( وفي هذا الشهر: تتبع الأمير قرقماس حاجب الحجاب مواضع الفساد، فأراق من الخمور وحرق من الحشيشة المغيرة للعقل شيئاً كثيراً، وهدم مواضع، ومنع من الاجتماع في مواضع الفساد . ).

تعليق

مواضع الفساد المُشار اليها هنا لا تشمل الأماكن المرخّصة للدعارة والتي تدفع عنها ( ضامنة المغانى ) رسوما للدولة . كانت ضامنة المغانى تُرغم الرجال المارّين ن على دخول بيتها ، وإن رفضوا ألزمتهم بدفع مال ، لأنه كان مقررا عليها أن تدفع مالا محددا . أصبح هذا معلوما من الدين السُّنّى بالضرورة . وفى بعض ما يسمى بالبلاد ( الإسلامية السُنّية ) يتم تشريع الدعارة ويدفع القائمون عليها ضرائب . وكان هذا معروفا في مصر في النصف الأول من القرن العشرين. نعود للمقريزى وهو يتكلم عن تتبع أماكن الفجور الشعبية ، والسبب ظاهريا هو التظاهر بالفضيلة ، والسبب الباطنى هو حثُّ الفاجرين على الذهاب الى الأماكن المُرخّصة لتتعاظم حصيلة السلطان من الضرائب . الدليل أن أماكن الفجور الرسمية لم تكن تحفل بتناول الحشيش ، أو بتعبير المقريزى ( الحشيشة المغيرة للعقل ). كانت هناك منتزهات على النيل لتناول الحشيش وممارسة الزنا والشذوذ . وقد أنتشر الحشيش والشذوذ بالتصوف الذى جعلهما دينا ، وقد شرحنا هذا في موسوعة التصوف المملوكى في الجزء الخاص بأثر التصوف في نشر الانحلال الخلقى في مصر المملوكية ، ومقالاته منشورة هنا . المماليك ـ على أي حال ـ شأن العسكر المصرى الحاكم الآن ــ  يتظاهرون بالفضيلة وهم أساس الفساد والخراب . بدليل الخبر التالى :

مظالم أكبر أكابر المجرمين

يقول المقريزى:

1 ـ ( وحدث في هذا الشهر: ثلاث مظالم، إحداها: أنه كان قد تقرر في العام الماضي مع الفاضي كريم الدين عبد الكريم بن بركة ناظر الخاص أن تعفي تجار الشام ومشهد علي والكوفة والبصرة، الذين يتبضعون من متاجر الهند، من القدوم من مكة إلى القاهرة بضاعتهم، وأن يقوموا عن كل جمل بثلاثة دنانير ونصف، فانتقض ذلك في الموسم بمكة، ومانين درهماً الأردب إلى ثلاثمائة. والفول بنحو ذلك، وأبيعت البطة من الدقيق بمائة وأربعين درهماً، هذا والبهائم مرتبطة على البرسيم الأخضر.  ومن العادة انحطاط أسعار الغلال في مثل هذا الوقت، غير أن الاحتكار على الغلال متزايد، والطمع في غلاء أثمانها كثير. ). المقريزى ينقل الخبر عن الارتفاع غير المبرر للأسعار ، ثم يوجز السبب : ( ومن العادة انحطاط أسعار الغلال في مثل هذا الوقت، غير أن الاحتكار على الغلال متزايد، والطمع في غلاء أثمانها كثير). ومفهوم أن المُحتكر هو السلطان ، وهو السبب في الغلاء .

2 ـ وتزايد الغلاء في نفس الشهر: ( ربيع الآخر ) ، يقول المقريزى : ( وفيه ارتفع القمح إلى خمسمائة درهم الأردب، وأبيع الأرز بألف درهم الأردب، بعد خمسمائة. )

3 ـ هبوط السعر :( وفي هذه الأيام: انحل سعر الغلال وانحط القمح عن خمسمائة درهم الأردب،)

فوضى العُملة

( وفي ثامنه: نودي أن تكون الفلوس بثمانية عشر درهماً الرطل، وقد كان الناس تضرروا من قلة وجود الفلوس، فإن التجار أكثرت من حملها إلى بلاد الهند وغيرها لرخصها بالنسبة إلى سعر النحاس الأحمر الذي لم يضرب . ).

<ر منجك بخط رأس سويقة منعم، قريباً من مدرسة السلطان حسن، وأبيعت أنقاضه لرجل بألفي دينار، فباعها هو في الناس، وكان من جملة أوقاف صهريج منجك، وسبب هدمه أن الأمراء كانت تسكنه، ولا تعطي له أجره، فإذا تهدم فيه موضع ألزموا مباشري الوقف بعمارته، ورأى الناس أن هذا فأل رديء فإنه قيل وقع الخراب في بيوت الأمراء . ).

تحريم ركوب الخيل على المدنيين

( وفي هذا الشهر: ألزم دلالو الخيل أن لا يبيعوا فرساً لمتعمم ولا لجندي من أولاد الناس، ثم بطل ذلك . ) . ( المتعمم ) يعنى الفقهاء من القضاة والعاملين في الوظائف الدينية ( مشيخة الخوانق والمساجد ..الخ ). ( أولاد الناس ) هم ذرية المماليك الذين ولدوا أحرارا لم يمسّهم الرق . وكونهم مولودين أحرارا لم يسمهم الرقُّ جعلهم أقل درجة من المماليك الذين يؤتى بهم رقيقا . وكان بعض ( أولاد الناس ) يحترف الجندية ، ونبغ منهم مؤرخون مثل أبى  المحاسن ابن تغرى بردى وابن إياس .

مصادرة الخيول بحجة الوباء

( وفي يوم السبت سلخه: كثر الإرجاف بأخذ خيول الناس من مرابطها على البرسيم بالنواحي، فسارع كل أحد إلى أخذ خيله، وقودها من الربيع إلى الاصطبلات فر بعساكره، فتلاقوه بجموعكم في البحر إلى سواحل بلاد المسلمين..).. لم يفهم المقريزى إنه صراع بين أكابر المجرمين المحمديين وأكابر المجرمين المسيحيين الصليبيين وإن كان يحمل لافتة الدين.

شهر جمادى الأولى، أوله الأحد:

من أجل المكوس ( الجمارك )

( في ثامنه: برز ركب يريد المسير إلى مكة المشرفة، صحبة سعد الدين إبراهيم بن المرة ناظر جدة، فيه جماعة كبيرة . )

محاكمة الخائن الايرانى

( وفي رابع عشرينه: استدعى قضاة القضاة للنظر في أمر نور الدين علي بن الخواجا، التاجر التوريزي المتوجه برسالة الحطي ملك الحبشة إلى الفرنج، فاجتمعوا بين يدي السلطان، وندب قاضي القضاة شمس الدين محمد البساطي المالكي للكشف عن أمره، وإمضاء حكم الله فيه فنقله من سجن السلطان إلى سجنه، فقامت عليه بينة بما أوجب عنده إراقة دمه، فشهر في يوم الأربعاء خامس عشرينه على جمل بمصر وبولاق، ونودي عليه هذا جزاء من يجلب السلاح إلى بلاد العدو ويلعب بالدينين. ثم أقعد تحت شباك المدرسة الصالحية بين القصرين، وضربت عنقه. وكان يوماً مشهوداً، نعوذ بالله من سوء العاقبة.).

تعليق :

1 ـ عرف المقريزى إسم هذا الخائن ، ولم يكن يعرفه من قبل إذ ذكر وصفه في أخبار الشهر الماضى:( وفيه عثر على بعض تجار العجم المنتمين إلى الإسلام  ).. وقد اعتبرها برسباى قضية شرعية ، أوكل الحكم عليه لقضاة القضاء ، وأُحيلت الى قاضى القضاة المالكى ، وأُحيل المتهم من سجن القلعة العسكرى الخاص بالجرائم السياسية الى السجن المدنى التابع للقاضي المالكى . وحكم القاضي المالكى بإعدامه ، وبعد ( تجريسه) و( تشهيره ) في الشوارع، كان قطع رأسه علنا وسط جمهور غفير. المقريزى يعلق : ( نعوذ بالله من سوء العاقبة.)..!

سلب الفلاحين

( وفي هذا الشهر: سار الأمير زين الدين عبد القادر بن أبي الفرج أستادار، إلى النواحي، ففرض على كل بلد مالاً سماه الضيافة، ليستعين بذلك على عجز الديوان المفرد لنفقة المماليك السلطانية فجبي مالاً كثيراً، فإنه كان يأخذ من البلد مائة دينار، ويأخذ من أخرى دون ذلك، على حسب ما يراه، فاختل حال الفلاحين خللاً يظهر أثره فيما بعد، والله المستعان . ) .

تعليق

هذا الاستادار يتجوّل فين على ابن الصفي والصفدي، ولم تجر العادة بأن يخرج مسفر مع متعمم. ) . سافر ابن المحمرة وابن الصفى الى دمشق ليتوليا منصبهما ، وسافر معهما ( ضابط عسكرى مملوكى / خاصكى ). وهذا لزوم دفع المعلوم . ولكن المهم إن هذا معروف ومألوف ، أي إنه عندهم من ( المعلوم من الدين السُنّى بالضرورة ).! 

هبوط الأسعار

( وفي هذا الشهر: نزل القمح إلى مائتين وثمانين درهماً الأردب، بعد خمسمائة. وأبيع بمائة وثلاثين درهماً الأردب بعد أن كان بثلاثمائة، وأبيعت البطة من الدقيق بتسعين درهماً بعد ما بلغت مائة وخمسين درهماً . )

العبيد السود في القاهرة

( وفيه تتبع والي القاهرة العبيد السود، وقبض على عدة منهم، لكثرة فسادهم، ونفاهم من القاهرة . ). والى القاهرة ( مدير الأمن ) يتتبع العبيد السود فيها . الطبقة الوسطى في القاهرة المملوكية كانت تشترى العبيد السود نوعا من الوجاهة وطلبا للحماية ، وكان يؤتى بهم من السودان والحبشة ( اثيوبيا ) والصومال. إستكثر عليهم المماليك هذا فاتهموا العبيد بالفساد ونفوهم من القاهرة ، كما لو أن المماليك كانوا ملائكة أطهارا لا يأتيهم الفساد من بين أيديهم ولا من خلفهم .!

مصادرة الشعير

( وفيه رسم بأخذ الشعير من النواحي لعجز الديوان عن عليق خيول المماليك السلطانية، فأخذ من شعير الناس ما قدر عليه . ). بسبب السرقة عجز الديوان المفرد عن توفير الشعير للخيول السلطانية ، وكان الحل ـ كالعادة ــ في مصادرة شعير الفلاحين . ولكن المهم إن هذا معروف ومألوف ، أي إنه عندهم من ( المعلوم من الدين السُنّى بالضرورة ).!

 شهر رجب، أوله الأربعاء:

هبوط الأسعار

(  أهل والقمح من مائتين وأربعين درهماً الأردب إلى ما دونها، والشعير بمائة وثلاثين درهماً الأردب إلى ما دونها، والذهب عزيز الوجود، وقد بلغ الدينار الأشرفي إلى مائتين وخمسين درهماً، ورخص اللحم حتى أبيع لحم الضأن بستة الرطل ولحم البقر بأربعة دراهم الرطل .)

وظائف أكابر المجرمين

1 ـ ( وفي ثامنه: خلع على جلال الدين أحمد بن بدر الدين محمد بن مزهر بكتابة السر، عوضاً عن أبيه. وله من العمر نحو خمس عشرة سنة، وخلع على شرف الدين أبي بكر ابن سليمان الأشقر الحلبي، واستقر لوكية تأخذ موقف العداء من العبيد السُّود .

 جمارك واحتكار

( وفي هذه الأيام: قدم عدة تجار من الموصل، فأخذ منهم ما معهم من الثياب الموصلية، وقومت بما لم يرضيهم، ورسم أن يكون صنف البعلبكي والعاتكي والموصلي للسلطان، لا يشتريه ممن يجلبه إلى القاهرة ويبيعه في الناس إلا هو. )

  احتكار  

1 ـ  ( وفيه حكر بيع الحطب من بلاد الصعيد، وجعل من أصناف المتجر السلطاني، وحكر بيع غلات النواحي بأسرها، وجعلت أيضاً من جملة المتجر السلطاني ثم بطل ذلك كله، ولله الحمد. ) . وصل الاحتكار للحطب .!

2 ـ (وفيه طرحت بضائع من المتجر السلطاني على الناس، ولم يعف أحد من التجار عن أخذها فارتفعت الغلة من مائتين وعشرين درهماً الأردب، إلى ثلاثمائة. ). إلزام الناس بالشراء من ( المتجر السلطانى ) بالسعر الذى يحدده السلطان . ولكن المهم إن هذا معروف ومألوف ، أي إنه عندهم من ( المعلوم من الدين السُنّى بالضرورة ).! 

3 ـ لمجرد العظة : قال جل وعلا : ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) المطففين ). ودائما : صدق الله العظيم .!

 

شهر شعبان المكرم، أوله الخميس:

( في يوم الجمعة ثانيه: نزل من مماليك السلطان سكان الطباق بالقلعة جماعة إلى بيت الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخ، ونهبوه لتأخر لحمهم المرتب لهم كل يوم. ). هذا النهب جاء تنفيذا لتوجيهات ( السيد الرئيس ) أقصد السلطان برسباى . ولكن المهم إن هذا معروف ومألوف ، أي إنه عندهم من ( المعلوم من الدين السُنّى بالضرورة ).! 

وظائف أكابر المجرمين

1 ـ  ( وفيه توجه نائب الشام ومن معه إلى دمشق على حالهم، بعد ما ألزم النائب بحمل خمسين ألف دينار، حمل منها خمسة وعشرين، ووعد أن يرسل من دمشق خمسة وعشرين . ). دفع نصف الرشوة والتزم بدفع النصف الباقى ، ورجع لمنصبه عازما على أن يسلب من الناس أضعاف ما دفع وما سيدفع . هذا معروف ومألوف، أي إنه عندهم من ( المعلوم من الدين السُنّى بالضرورة ).!

2 ـ ( وفي ثالثه: خلع على نظام الدين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح واستقر في قضاء الحنابلة بدمشق. وكان قد قدم القاهرة، وعمل بالجامع الأزهر عدة مواعيد، دلت على حفظه وتفننه . ).

 تعليق

1 ـ هذا الفقيه ابن مفلح جاء للقاهرة من دمشق ، وعقد ندوات أظهر فيها مقدرته على الحفظ فكان هذا مؤهلا له ـ بالإضافة الى دفع المال المقرر ـ لكى يعود الى دمشق قاضيا للحنبلية

2 ـ في موسوعة التصوف المملوكى جزء عن أثر التصوف العلمى والتعليمى ، شرحنا فيه إتّساع الحركة التعليمية ونضوب الحركة العلمية بتحريم الاجتهاد ، إذ تحول الفقهاء الأوائل في العصر العباسى الى آلهة في العصر المملوكى ، واصبحت مناقشة أحاديثهم كفرا . وشهد العصر المملوكى إعادة نسخ التراث العباسى بعد تدمير بغداد ومكتبتها . وكانت فرصة للبناء على المنتج الثقافي العباسى ونقده والبناء فوقه ، ولكن سيطر التصوف السُّنّى على العصر المملوكى ، وفرض تقديس الأولياء والخرافات فعكف ( تلاميذ ) العصر المملوكى على التراث العباسى حفظا وتقديسا ، ودارت الحركة ( العلمية ) على شرح ما سبق وتلخيص الشرح وتحويله الى متون ، واصبح معيار النبوغ في مقدار ما يحفظه الفقيه من أحاديث البخارى ، وكانت تجرى مسابقات في الحفظ ، وترتّب على تسيّد التصوف الايمان بخرافات الكرامات والعلم اللدنى واحتقار ( العلم الظاهر )، فكان الجهلة من   شيوخ التصوف يفخرون على الفقهاء بعلمهم اللدنى وكراماتهم المزعومة، ومن المُضحكات المُبكيات أن شيوخ التصوف كانوا يهددون من يُنكر عليهم من الفقهاء ب ( سلب ) أي جعلهم ينسون ما يحفظون من العلم ، وكان الفقهاء مرعوبين من هذا لأن كل ما لديهم هو ما يحفظون في الذاكرة ، فاذا ضاع أو بتعبيرهم ( طاح ) علمهم ضاعوا و ( طاحوا ) معه .

فساد المماليك الجُلبان وصراع أكابر المجرمين

1 ـ ( وفي سادسه: ثارت فتنة بين طائفة من مماليك السلطان الجلب وبين طائفة من مماليك الأمير الكبير شارقطلوا، فباتوا على تخوف وأصبح الجلب تحت القلعة في جمع كبير، وقد امتنع الأمير الكبير منهم بداره- وهي تجاه باب السلسلة- فماج الناس، وخشوا من النين عبد الرزاق بن الهيصم، وأعيد نظر الديوان المفرد، وكان شاغراً . )

2 ـ ( وفي حادي عشرينه: استعفي ابن الهيصم من نظر الديوان المفرد، فأعفي، ولزم على عادته . ). استقال بعد أسبوع .!. ابن الهيصم كان قبطيا فأسلم وتولى مناصب ، وترك ذرية تولت مناصب فيما بعد ُ.

3 ـ ( وفي هذه الأيام: اشتد فساد المماليك الجلب، وكثر عيثهم وعبثهم بالناس، وأخذهم ما قدروا عليه من مال وحريم، فتجمع السودان وقاتلوهم، فقتل بينهم عدة، وصاروا جمعين، لكل جمع عصبة.). المماليك الجلبان يسلبون الأموال ويختطفون النساء ، واصبح هذا عادة لا تستوجب انكارا لأنها من المعلوم من الدين السُنّى بالضرورة . اضطّر الميسورون الى الاستقواء بعبيدهم للحماية ، وجرت معارك بين الجلبان والعبيد، وأصبحا (معسكرين ) في داخل ( معسكر السلام ).!!  يا سلام .!!

النيل

( وفي يوم الاثنين ثامن عشره- الموافق لسادس عشرين بؤونة-: أخذ قاع النيل وكان خمسة عشر ذراعاً وسبعة أصابع، ونودي عليه من الغد بزيادة خمسة أصابع. ).

 

شهر شوال، أوله الأحد:

ارتفاع الأسعار

(  أهل والأسعار قد ارتفعت، فالقمح من مائتين وخمسين درهماً الأردب إلى ما دونها والشعير من مائة وثلاثين إلى ما دونها ، وسببه هيف الزرع في كثير من النواحي عند توالي رياح حارة ، فقلّ وقوع الغلة عند الدراس . ) ( هيف الزرع ) تعبير مصري ، يعنى خيبة الزرع وتفاهته .

تطرف الجلبان في العصيان

( وفي هذه الأيام: اشتد بلاء من الممالك، وعظم الضرر بهم، حتى أن السلطان منع الناس من عمل الأعراس والولائم، وتهدد من عمل ذلك، خوفاً من المماليك أن تهجم على النساء وهن مجتمعات، وتبين قصور اليد عن ردعهم، ولا قوة إلا بالله. ). السلطان برسباى أطلق وحشا وعجز عن السيطرة عليه . اصبح مماليكه الجُلبان يهجمون على البيوت وفى الأفراح ومناسبات الختان لخطف النسوان . السلطان ــ في عجزه عن ردعهم والسيطرة عليهم ـ إكتفى بمنع الناس من عمل الأفراح ، وهدّدهم بدلا من تهديد مماليكه . يقول المقريزى متحسّرا : ( وتبين قصور اليد عن ردعهم، ولا قوة إلا بالله.). سكت قُضاة القضاة وكبار الفقهاء ومنهم ابن حجر والعينى لأن الأمر لا يعنيهم ، ولأن الجلبان قد أسّسوا بسيوفهم تشريعا أصبح معلوما من الدين السُّنّى بالضرورة .!

تعليق

المفروض أن تعتنى السُّلطة المملوكية بالنيل ، بالمصارف والتُّرع والجسور (  الكبارى) والقناطر ، وقد كان هذا معتادا طيلة التاريخ المصرى قبل المماليك بعشرات القرون . ولكن المماليك ركّزوا همّهم على الجباية والسلب والنهب ، ومصّ عرق الفلاحين . قاموا ببعض إصلاحات ــ كما يفعل العسكر المصرى الآن ـ ولكنها فشلت ـ كما يحدث أيضا الآن في مشروعات العسكر المصرى . ويقول المقريزى عن سقوط الكبارى المُقامة بالفساد واختلاس الأموال : ( وذلك أنه نقص أربعة أصابع، لتقطع عدة جسور من فساد عملها، فغرق عدة جرون، ). نتج عن هذا تلف المحاصيل ، وحدث ما هو متوقع ، التكالب على شراء الغلال خوفا من ( الشراقى ) أو عطش الأراضى وتحولها الى خرابة . ولجأ السلطان الى رب العزة جل وعلا يستجير به شأن الانسان العاصى عند الأزمة ، يدعو الله جل وعلا إذا مسّه الضر ، فإذا كشف الله جل وعلا عنه الضُّرّ عاد الى عصيانه .

2 ـ ( وفي يوم الثلاثاء ثاني عه . )

3 ـ ( وفيه خلع على الجلال محمد بن مزهر، واستقر في توقيع المقام الناصري محمد ابن السلطان، كما كان في أيام أبيه . )

الحج :  ( وفيه قدم مبشرو الحاج )

النيل
( وفيه نودي على النيل بزيادة إصبع لتتمة تسعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعاً ووافق ذلك ثامن عشرين توت، ثم لم يناد عليه، فكانت هذه زيادة ماء النيل في هذه السنة. )

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more