رقم ( 8 ) : الباب التمهيدى : عن الدولة المملوكية ومؤرخيها وما قبل السلطان برسباى
الفصل الرابع : قبل عصر برسباى : السلطان المؤيد شيخ وتطبيق شريعته السُّنّية

الفصل الرابع  : قبل عصر برسباى : السلطان المؤيد شيخ وتطبيق شريعته السُّنّية

الباب التمهيدى : عن الدولة المملوكية ومؤرخيها وما قبل السلطان برسباى 

المقريزى شاهدا على عصر السلطان المؤيد شيخ 

مقالات متعلقة :

السلطان المملوكى المتدين ( المؤيد شيخ ) الذى كان من أكابر المجرمين 

 مقدمة

1 ـ يعتبر عام 824 عاما غريبا في التاريخ المملوكى الممتد من عام 648 الى 923 هجرية . في عام 824 مات السلطان المؤيد شيخ يوم 9 محرم ، وعهد لابنه الطفل أحمد بولاية العهد وكان عمره سبعة عشر شهراً وخمسة أيام، وأقام مجموعة للحكم كان منهم الأمير ططر لرعاية السلطان الطفل .ثم خلع الأمير ططر السلطان الطفل أحمد بن المؤيد شيخ وتولى مكانه بلقب الظاهر ططر ، وهذا في يوم الجمعة  29 شعبان في نفس العام . وبعد مرض سريع مات السلطان ططر يوم في يوم الأحد 4 ذي الحجة  في نفس العام 824 . وعهد الى إبنه محمد  ، وعمره نحو العشر سنين، فأصبح سلطانا يوم موت أبيه ططر، وكان المتولى أمر السلطان الصغير هو الأمير الكبير برسباى. وعزل برسباى السلطان الصغير وتولى مكانه في يوم الأربعاء 8 ربيع الآخر عام 825 .

2 ـ  أي من شهر محرم 824 الى شهر ذي الحجة عرفت الدولة المملوكية أربعة من السلاطين : المؤيد شيخ ثم إبنه أحمد، والظاهر ططر ثم إبنه محمد ، ثم في العام التالى 825 تولى برسباى . 

3 ـ المؤيد شيخ إستمر حكمه ثماني سنوات وخمسة أشهر وثمانية أيام. بينما إستمر حكم برسباى حوالى 17 عاما إذ مات يوم السبت 10 ذي الحجة 841 .

4 ـ  برسباى ــ الذى نتوقف معه في هذا البحث عن أكابر المجرمين ـــ لم يكن نسيج وحده، ورث نظاما فاسدا حتى النخاع ، وإستمر فيه سعيدا به مخلصا له.

5 ـ لا يؤثر في فساد العصر المملوكى أن يكون السلطان متدينا مثل المؤيد شيخ أو برسباى أو قايتباى . في الدولة المملوكية البرجية كان السلطان من أراذل الناس لأنه من المماليك الجلب المجلوبين من احطّ الطبقات من بلدانهم الأصلية ، لذا كانوا عريقين في الفساد السلوكى . وكان هذا متسقا مع أعوانهم من أكابر المجرمين من الجناح المدنى من القُضاة ، بل كان فساد القُضاة أحطُّ من فساد السلطان نفسه بحيث كان يتدخل بعض السلاطين لاصلاح القضاء أو يتصدى بنفسه للحكم بين الناس .

6 ـ  في النهاية كان هذا الفساد متسقا مع الدين الأرضى الواقعى السائد ، وكان وقتها التصوف السنّى المعمول به من عهد صلاح الدين الأيوبى ، وإستمر هذا الدين سائدا حتى منتصف عصر السادات إذ حل محله الدين الوهابى الحنبلى السنى المتطرف، وهو اشد ضلالا وأحطُّ سبيلا .

7 ـ قبل أن نلج في عصر برسباى نتوقف مع المؤيد شيخ ، شخصا وعصرا .

أولا : شهادة المقريزى على تديّن السلطان المؤيد شيخ . 

1 : يذكر المقريزى أن السلطان المؤيد شيخ هو الذى ابتدع ميعاد البخارى في شهر رمضان ، يقول عن أحداث شهر رمضان عام 841: (  وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه: ختمت قراءة صحيح البخارى بين يدى السلطان بقلعة الجبل، وقد حضر قضاة القضاة الأربع، وعدة من مشايخ العلم وجماعة من الطلبة، كما جرت العادة من الأيام المؤيدية شيخ ). أي إبتدعه المؤيد شيخ وظل عادة رمضانية بعده . وهذا يعطى دليلا على نوعية الدين الأرضى الذى يعتنقه المؤيد شيخ ، ففي الوقت الذى لم يكن فيه للقرآن الكريم إحتفال أقام هذا السلطان إحتفالا رسميا في مقر الحكم ( القلعة ) حمل إسم ( ميعاد البخارى ) ، وجعل موعده ( ميعاده ) في رمضان من كل عام ، كما لو كان رمضان هو الذى أُنزل فيه البخارى وليس القرآن الكريم .

2  ـ  ننقل ما قاله المقريزى عن المؤيد شيخ ونعلّق عليه :

  2 / 1 (.. وكان شجاعاً، مقداماً ).

تعليق

لكى يصل الأمير المملوكى للسلطنة لا بد أن يكون شجاعا مقداما خبيرا بالمؤامرات . هكذا كان السلاطين قبل وبعد المؤيد شيخ . العبرة هنا بتوظيف الشجاعة والإقدام ، هل في الحق والخير أم في القتل والقتال والسلب والنهب والتخريب .. الإجابة سنعرفها فيما بعد من كلام المقريزى نفسه.!

2 / 2 :( يحب أهل العلم، ويجالسهم،) .

تعليق

 أهل العلم هم أكابر المجرمين من الجناح المدنى الذين يعطون شرعية سياسية للجبروت العسكرى المملوكى ، لذا كان يحبهم ويجالسهم .

2 / 3 : (  ويُجلُّ الشرع النبوي، ويذعن له،)

تعليق

كان يرى الأحاديث المفتراة  شرعا، والمقريزى يؤمن بهذا أيضا فهو إبن عصره ، فيذكر ضمن مناقب هذا السلطان أنه كان يُجلُّ ( الشرع النبوى ) . كانوا يرون هذا هو الإسلام ، لذا كان قاضى القضاة الشافعى المشهور يحمل لقب ( شيخ الإسلام ) . مثل البلقينى وابن حجر العسقلانى. ولا تزال هذه عادة سيئة حتى الآن . مع أنه ليس في الإسلام ( شيخ ) فيه الرسول النبى وفقط . ومصطلح ( شيخ ) في القرآن يأتي تعبيرا عن مرحلة عُمرية في حياة الانسان . وقد جاء ثلاث مرات في القرآن الكريم بهذا المعنى : ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) هود ) ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (78) يوسف ) ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) القصص ).

ونعود للمقريزى في وصفه للمؤيد شيخ :

2 / 4 : ( ولا ينكر على من طلبه منه إذا تحاكم إليه أن يمضي من بين يديه إلى قضاة الشرع، بل يعجبه ذلك. وينكر على أمرائه معارضة القضاة في أحكامهم.) .

تعليق

 أي يرى هذا السلطان أن القضاة رموز الدين . هذا مع أن تعيين القضاة كان بالرشوة ، وقد كانوا أتباعا للسلطان يتنافسون في إرضائه ، فلا بأس أن يتظاهر بإكرامهم . المقريزى يرى هذا منقبة للمؤيد شيخ ، مع أن المقريزى نفسه أظهر فساد القضاة في عصره وهاجمهم .! بل وناقض نفسه حين تحدث بمرارة عن فساد القضاة وغيرهم في سلطنة المؤيد شيخ وغيره .

2 / 5 : ( وكان غير مائل إلى شيء من البدع. )

تعليق

فماذا عن إبتداعه لميعاد البخارى ؟ .!

2 / 6 : ( وله قيام في الليل إلى التهجد أحياناً. ) .

تعليق

يزعم المقريزى أن السلطان كان ( أحيانا ) يقوم الليل عابدا متهجدا ، أي يترك محظياته وجواريه ليتهجّد ويقوم الليل ..! . لا نتصور أن يدلف المقريزى الى مخدع السلطان في القلعة ليعرف ما يفعله في سكون الليل . نفهم أنه أُشيع عن السلطان ( المتدين ) أنه يفعل هذا ( أحيانا ) فكتب هذا مصدقا له . مع أنه يستحيل على سلطان من أكابر المجرمين أن يقوم الليل مثل أولئك الذين قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9) الزمر )

3 : يذكر المقريزى في التأريخ لعام 823 في أُخريات حياة المؤيد شيخ :  
3 / 1 ( وفي ثامن عشره: توقف النيل عن الزيادة، وتمادى على ذلك أياماً. فارتفع سعر الغلال، وأمسك أربابها أيديهم عن بيعها، وكثر قلق الناس..)

3 / 5 : (  وفي مشاهدة جبار الأرض على ما وصفت، ما تخشع منه القلوب، ويرجى رحمة جبار السماء، سبحانه.) .

تعليق

هنا يأتي تعليق المقريزى كاشفا لحالة المؤيد شيخ ، فهو يصفه بأنه ( جبّار الأرض ) الذى يرجو رب العزة جل وعلا ( جبّار السماء سبحانه ) ويجعل في هذا عبرة : ( ما تخشع منه القلوب).

3 / 6 : (  ومن أحسن ما نقل عنه في هذا اليوم. أن بعض العامة دعا له، حالة الاستسقاء أن ينصره الله، فقال: اسألوا فإنما أنا واحد منكم، فلله دره، لو كان قد أيد بوزير أصدق وبطانة خير، لما قصر عن الأفعال الجميلة بل إنما اقترن به فاجر جريء، أو خبيث شقي. ).

تعليق

يتمنى المقريزى لو دامت حالة التوبة هذه. يتمنى  لو كانت حاشية السلطان صالحة لتجعله مستمرا في الصلاح والإصلاح . وينسى المقريزى أن الحاشية إنعكاس للسلطان ، وكما قال عمر بن عبد العزيز : ( السلطان كالسوق ) يعنى سوق الذهب يذهب اليه من يشترى الذهب ، وسوق المواشى يرتاده مشترو المواشى ، وأيضا فالسلطان العادل يجتمع حوله الصالحون ، والسلطان الفاسد يحيط به أراذل الفاسدين .

ثانيا : شهادة المقريزى عن فساد المؤيد شيخ :

 يناقض المقريزى نفسه فيقول عن أخلاق المؤيد شيخ :

  1 : ( إلا أنه كان بخيلاً، مسيكاً يشح حتى بالأكل، ) . يعنى وصل به البخل الى الطعام .

  2 : ( لجوجاً، غضوباً، نكداً،) سريع اللجاج سريع الخصومة ، سريع الغضب ، سريع النكد . يكون هذا خطيرا من الشخص العادى فكيف بسلطان يملك وفق شريعة العصر المملوكى أن يقتل من يشاء .

  3 :  ( حسوداً، معياناً،)، أي يحسد الناس، ( معيانا ) أي ذو عين حاسدة . والغريب أن يحسد السلطان المسيطر على الثروة والسلطة غيره .!

  4 : ( يتظاهر بأنواع المنكرات،) يعنى يمارس الفجور علنا ( يمارس الفجور نهارا ويقوم الليل تهجدا ).!.

  5 :  ( فحاشاً، سباباً بذيا ) أي فاحشا بذيئا في كلامه، سبّابا للناس .

  6 : ( شديد المهابة، حافظاً لأصحابه، غير مفرط فيهم، ولا مضيعاً لهم،). لذا هابه الناس خوف لسانه وخوف سلطته ، وكان يحافظ على أعوانه ، وطبعا فأعوانه على شاكلته . وسنعرض لهم ولفسادهم فيما بعدُ.

7 : ثم يلخّص المقريزى عصر المؤيد شيخ في كلمات قلائل ، يقول عنه: ( وهو أكثر أسباب خراب مصر والشام، لكثرة ما كان يثيره من الشرور والفتن أيام نيابته بطرابلس ودمشق. ثم ما أفسده في أيام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد، وتسليط أتباعه على الناس، يسومونهم الذلة، ويأخذون ما قدروا عليه، بغير وازع من عقل، ولا ناه من دين  ) .

تعليق

هو أكثر من خرّب مصر والشام سواء بالفتن والنزعات العسكرية حين كان حاكما للشام ثم بعد أن أصبح سلطانا ، في إمارته على الشام وفى سلطنته على مصر والشام أسرف في السلب والنهب عن طريق أتباعه الذين سلطهم على الناس بلا وازع من دين أو ضمير . وأتباعه المفسدون كانوا من الجناح العسكرى ( المماليك ) ومن الجناح المدنى ( القضاة )، وتوزع القضاة بين الوظائف الديوانية مثل كاتب السّر أي سكرتير السلطان ، وناظر الجيش والاستادار والوزير ، وبين المناصب الدينية كالقضاء ومشيخة المؤسسات الدينية والأوقاف. هؤلاء الذين ساعدوا المؤيد شيخ في تخريب مصر والشام وإذلال أهلها . 

8 ـ ونقول إن المؤيد شيخ لم يكن لم يكن نسيج وحده ، ورث نظاما فاسدا حتى النخاع ، وإستمر فيه سعيدا به مخلصا له. 

 تطبيق الشريعة السُّنية في عصر السلطان المتدين ( المؤيد شيخ ) 

مقدمة

1 ـ بدأ التطبيق العملى للشريعة الشيطانية بالحديد والنار في خلافة أبى بكر في حرب الردة ضد من رفض دفع ( الزكاة اليه ) ثم في الفتوحات. وفوق أشلاء القتلى وفى بحور الدماء تأسست الخلافة الشيطانية بشريعتها ، ولا تزال بحارها الدموية حتى الآن في تطبيقات أكابر المجرمين في دول المحمديين .

2 ـ التدوين لهذه الشريعة الشيطانية بإختراع الأحاديث الشيطانية بدأ بهجص مالك في الموطأ وهجص الشافعى في ( الأم ) ومن جاء بعدهما فيما نسميه بالفقه النظرى ، الذى تشعب ، ولا يزال تدريسه مستمرا في الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية الشيطانية في كوكب المحمديين .

3 ـ هناك تدوين آخر أسميناه ( الفقه الوعظى ) وهو كتابة المؤرخين الفقهاء في إنكار ما يحدث في الحياة الواقعية ، كما فعل الغزالى في (إحياء علوم الدين ) وإبن الجوزى في ( تلبيس إبليس ) وكما فعل إبن تيمية في بعض رسائله وإبن القيم في (إغاثة اللهفان ) وابن الحاج المغربى في ( المدخل ) . هنا يجد الباحث التاريخى كنزا من المعلومات التاريخية عن الحياة الاجتماعية والدينية ، لم يقصد كاتبها أن تكون تأريخا لعصره .

4 ـ يتميز المقريزى بنوعية جديدة يمكن أن نسميها بالتأريخ الوعظى ، وهى متناثرة في رسائله ، وفى ثنايا تاريخه ( السلوك ) ، وهى سطور يستنكر فيها ما يحدث منبها على الخطأ . ميزة المقريزى أنه مؤرخ صادق وأمين ليس فقط في نقل الأحداث ، ولكن أيضا في التعليق عليها بعقليته التي تنتمى الى عصره ، فقد كان سُنيا مخلصا مع شيء من التأثر بالتشيع الفاطمى . المقريزى يكتب من داخل ( الصندوق ) مخلصا لعصره متحريا الإصلاح في داخل دينه السُنّى ، لذا لم ينتبه الى أن دينه السنى وأربابه من أول أبى بكر وعمر وعثمان هم أساس الفساد .

5 ـ مئات السطور في الاحتجاج على عصره نثرها المقريزى في ( السلوك) ، نكتفى منها بلوحة تاريخية متكاملة نعتبرها أهم شهادة للمقريزى على فساد تطبيق الشريعة فى نظام الحكم في سلطنة المؤيد شيخ .

6 ـ  في سنة 820 كان السلطان المؤيد شيخ غائبا عن مصر يقوم بجولة في الشام ، تاركا مصر يديرها أتباعه وفق الشريعة السائدة التي لا تتأثر بوجود أو غياب السلطان . وننقل من تاريخ ( السلوك لمعرفة دول الملوك : القسم الأول من الجزء الرابع ) شهادة المقريزى على عصر السلطان المؤيد شيخ الذى مدحه المقريزى نفسه .

7 ـ المقريزي بعد أن تحدث عن غيبة السلطان المؤيد شيخ في الشام وعن وصول مبعوث منه يبشر بدخوله حلب  التابعة له أخذ يصف معاناة الناس من ظلم كبار الموظفين  . يقول المقريزي في أحداث شهر ربيع الأخر 820 " فيه قدم قاصد السلطان – أي مبعوث السلطان – يبشر بقدومه حلب .. وأهلّ هذا الشهر – أي جاء هلال هذا الشهر وبدأ ـــ وفي جميع أرض مصر .. من أنواع الظلم ما لا يمكن وصفه بقلم ولا حكايته بقول من كثرته وشناعته. ) . ثم وصف الشنائع التي كان يقترفها أكابر المجرمين في مصر وقت غياب كبيرهم في الشام . ننقلها عنه ، ونعلق عليها .

أولا : المحتسبون وأعوانهم من أكابر المجرمين     
1 ـ يقول عن المحتسب الذي يشرف على الأسواق : ( فالمحتسب بالقاهرة والمحتسب بمصر ، كل ما يكسبه الباعة مما تغش به البضائع وما تغبن ( تظلم ) فيه الناس يُجبى منهم بضرائب مقررة لمحتسبي القاهرة ومصر وأعوانهما ، فيصرفون ما يصير إليهم من هذا السحت في ملاذهم المنهي عنها ، ويؤديان منه ما استدانوه من المال الذي دفع رشوة عند ولايتهم . ويؤخرون منه بقية لمهاداة أتباع السلطان ليكونوا عونا لهم في بقائهم . )، وكان المحتسب في القاهرة وقتها هو القاضي  شمس الدين محمد بن يعقوب الشامي .

2 ـ  فالباعة يغشون البضائع ويظلمون الناس في البيع وبدلا من أن يقوم المحتسب بوظيفته الشرعية في الضرب على أيديهم فإنه يأخذ منهم الرشاوى ويكون شريكا لهم فيما يأكلونه من أموال الناس بالباطل ، وتلك الرشاوى التي أخذت اسم الضرائب كان المحتسب ينفقها في ثلاثة وجوه ، في المعاصي ، وفي تسديد الديون التي أخذها ليدفعها من قبل رشوة كي يحصل على ذلك المنصب ، ثم في تقديم رشاوى . أخرى لحاشية السلطان كي يظل في هذا المنصب.

ثانيا : قضاة الشرع أكابر المجرمين
1 ـ ويأتي المقريزي للقضاة ، وكان في الدولة المملوكية أربعة من قضاة القضاة يمثلون المذاهب الأربعة ولكل منهم نائب أي قاض في كل منطقة بالقاهرة وبالمقاطعات .. ويبلغ عدد أولئك القضاة المحليين – أو النواب – نحو المائتين. 2 ـ يقول المقريزي عنهم: (  وأما القضاة فإن نوابهم يبلغ عددهم نحو المائتين ، ما منهم إلا من لا يحتشم من أخذ الرشوة على الحكم ، مع ما يأتون – هم وكتابهم وأعوانهم – من المنكرات. ولا يغرم أحد الرشوة بمثله فيم

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more