رقم ( 21 )
الفصل الحادى عشر : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام 835

g>

1 ـ في مصر : ( في خامسه‏:‏ انتشر بآفاق السماء جراد كثير كفى الله شره‏. )

2 ـ في العراق والمشرق : أنواع متنوعة من الكوارث :

‏( وفى نصفه ..قدم الخبر بأن الخراب شمل البلاد من توريز إلى بغداد مسيرة خمسة وعشرين يوماً بالأثقال ، وأن الجراد وقع بتلك البلاد حتى لم يدع بها خضراً ، مع شدة الوباء ، وانتهاب الأكراد ما بقي ، وأن الغلاء شنع عندهم حتى أبيع المن من لحم الضأن - وهو رطلان بالمصري - بدينار ذهب، وأبيع لحم الكلب كل من بستة دراهم . وقد كثر الوباء ببغداد والجزيرة وديار بكر، ومع ذلك فقد عظم البلاء بأصبهان بن قرا يوسف بناحية الحلة والمشهد‏. ).

مقالات متعلقة :

تعليق

1 ـ هنا كوارث مزدوجة من الجراد والوباء والحروب داخل مناطق متجاورة في ( معسكر السلام / دار السلام ). لم توقفهم الكوارث عن تقاتلهم فيما بينهم . هذه الحروب في العراق ستجعل برسباى يقود حملة لتدعيم سلطته في تخوم دولته .

2 ـ هي لمحة هنا بلاء أهل العراق وايران بالغلاء والجراد العادى ، والجراد البشرى ( أكابر المجرمين ).

3 ـ ما أكثر معاناة العراقيين من أكابر المجرمين في الماضى والحاضر .!

‏ملاحظة :

لم يذكر المقريزى أخبارا في شهر ربيع الأول .

شهر ربيع الآخر أوله الجمعة‏:

جرائم المماليك الجلبان تتسبب في استقالة الاستادار وتولية بديل عنه بالاكراه  ‏

( في سابع عشره‏:‏ نزل عدة من المماليك السلطانية - سكان الطباق - من قلعة الجبل إلى دار الوزير كريم الدين بن كاتب المناخ أستادار ، يريدون الفتك به . وكان علم من الليل فتغيب واستعد ، فلم يظفروا به ولا بداره، وعادوا، وقد أفسدوا فيما حوله ، فسأل الإعفاء من الأستادارية، فأعفى . واستُدعى الوزير صاحب بدر الدين حسن بن نصر الله في يوم السبت ثالث عشرينه ، وخُلع عليه ، وأعيد إلى الأستادارية‏. فكان في ذلك موعظة؛ وهي أن المماليك كانت جراياتهم ولحومهم وجوامكهم وعليقهم مصروفة ولا يخطر ببال أحد عزل ابن كاتب المناخ ، لثباته وسداد أمور الديوان في مباشرته، وانقطاع ابن نصر الله في بيته ، منذ نُكب عدة سنين ، فألقى الله في نفس ابن كاتب المناخ الخوف من المماليك حتى طالب الإعفاء ، وألهم الل :

2 / 1 : وصول ابن البازرى كاتب السّر بدمشق ، وهو من عائلة خدمت المماليك في الشام طويلا وذات نفوذ هناك ، وقد استدعاه برسباى لأخذ المزيد من أمواله كما سيظهر فيما بعدُ.

2 / 2 : انهما باتا في تربة الظاهر برقوق أي المدفن الخاص به ، وهو ليس مجرد مقبرة بل مؤسسّة كاملة ، فيها مسجد ومدرسة ودار للضيافة ، وتنفق عليها أوقاف من أراض زراعية وحوانيت تجارية ، يديرها أبناء الواقف ، ويأكلون معظم ريعها ، ويخصصون جزءا تافها للانفاق على تلك المؤسسة . كانت تربة برقوق ـ مؤسس الدولة المملوكية البرجية ـ خارج القاهرة . لذا تخصّص جزء فيها للضيافة ، إذ كانت قريبة من قلعة الجبل مقر السلطان .

2 / 3 : من مراسم الولاء للسلطان السجود له ، وتقبيل الأرض بين يديه . وهذا من ثوابت الدين السُنُى والمعلوم منه بالضرورة ، ويفعل ذلك قُضاة ( الشرع الشريف ) على حدّ قولهم .

دوران المحمل

( وفي ثالثه‏:‏ أدير محمل الحاج على العادة إلا أنه عجل به في أول الشهر لأجل حركة السلطان إلى سفر الشام ، فإنه تجهز لذلك هو وأمراؤه‏. ).

تعليق

دوران المحمل موعده في شهر رجب ، إذ تعتبره الشريعة السُنّية أحد الأشهر الحُرُم بالمخالفة للاسلام ، فالأشهر الحرم تبدأ بشهر ذي الحجة وتنتهى بشهر ربيع الأول ، ويجوز الحج طيلة هذه ألشهر الأربعة الحُرُم ، وفصلنا هذا في كتابنا عن الحج .

 شهر شعبان أوله الأربعاء‏:

وظائف أكابر المجرمين

(  فيه خلع على الأمير شارقطلوا نائب الشام خلعة السفر وتوجه إلى مخيمه خارج القاهرة . وخلع على القاضي كمال الدين بن البارزي خلعة السفر ، ثم خلع عليه من الغد يوم الجمعة ثالثه ، واستقر قاضي القضاة الشافعية بدمشق عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن المحمرة ، مضافاً لما بيده من كتابة السر. ولم يعهد مثل ذلك في الجمع بين القضاء وكتابة السر،  إلا أنه أخبرني - أدام الله رفعته - أن والده المرحوم ناصر الدين محمد بن البارزي جمع بين قضاء حماة وكتابة السر بها‏. )

تعليق

1 ـ لم يسجل المقريزى سوى هذا الخبر في شهر شعبان .

2 ـ وهو تابع للخبر السابق عن تعيين شارقطلو نائبا للسلطان برسباى في الشام ، وتعيين ابن البارزى ( كمال الدين ) قاضيا للشافعية في دمشق مع احتفاظه بمنصب كاتب السر لنائب الشام الجديد . وطبعا لا بد من دفع الرشوة طبقا للمعلوم عندهم في دينهم السُنّى بالضرورة .

3 ـ المقريزى كان قريبا من الأحداث ، وهو متعاطف مع أكابر المجرمين من الشام لأنه من هناك . وكانت صلته عريقة ببيت آل البارزى . ‏

شهر رمضان أوله الخميس‏:‏

 وظائف أكابر المجرمين

( في يوم الثلاثاء ثالث عشره‏:‏ خلع على الأمير أقبغا الجمالي أستادار، وسبب ذلك أنه سافر إلى بلاد الصعيد ، فعاث في البلاد عيث الذئب في زريبة غنم ، فصادر أهلها وعاقبهم أشنع عقوبة ، حتى أخذ أموالهم وتعتع ( يعنى تغلغل في ) ما بقي من الإقليم،  فشنعت القالة فيه، فوُعد لما قدم أن يحمل عشرين ألف دينار ، فحاققه القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير ناظر الديوان المفرد على ما أخذ من أموال النواحي ، حتى تسابّا بين يدي السلطان ،  فرسم بمحاسبته، فحقق في جهته خمسة عشر ألف دينار . فخلع عليه تقوية له، ونزل على أنه يحمل ما وجب عليه‏.)

تعليق

1 ـ أقبغا الجمالى أمير مملوكى تمت ترقيته بسبب تطرفه في ظلم الفلاحين المستضعفين في الصعيد، ويكفى قول المقريزى فيه ( فعاث في البلاد عيث الذئب في زريبة غنم ، فصادر أهلها وعاقبهم أشنع عقوبة ، حتى أخذ أموالهم وتعتع ( يعنى تغلغل في ) ما بقي من الإقليم،) . وصلت شناعاته الى الآفاق، أو على حد قول المقريزى: ( فشنعت القالة فيه )، فاستدعاه برسباى ، لا ليعاقبه ، ولكن ليرقّيه مقابل عشرين ألف دينار مما نهبه من الفلاحين من أهل الصعيد . وعيّن برسباى القاضي ناظر الديوان المفرد ( خزينة السلطان ) أن يحقّق معه ، ليس في ظلمه ، ولكن فيما سلبه من الفلاحين ، ووصل الخلاف بينه وبين ابن الخطير أن تشاتما في حضرة السلطان ، ولم يهتم السلطان ، لأنه مهتم فقط بمقدار ما سيأخذه من الأمير . وانتهى التحقيق باثبات أن الأمير قد سرق 15 ألف دينار . فكان عليه أن يدفعها للسلطان ، ومقابل ذلك تمت ترقيته ، أو بتعبير المقريزى : ( فخلع عليه تقوية له، ونزل على أنه يحمل ما وجب عليه‏.). المكافأة هنا لأنه قام بتطبيق الشريعة السُّنية خير قيام ، تمسكا بالمعلوم منها بالضرورة ، وهى السرقة والسلب والنهب والظلم والتخريب .!.

2 ـ ( وفي سادس عشرينه‏:‏ خلع على دولات خجا واستقر في ولاية القاهرة عوضاً عن التاج الشوبكي وأخيه عمر‏. ودولات هذا أحد المماليك الظاهرية وولي كشف الوجه القبلي ، فتعدى الحدود في العقوبات ، وصار ينفخ بالكير في دبر الرجل ، حتى تنذر عينيه وتنفلق دماغه ، إلى غير ذلك من سيء العذاب،  ثم ولي كشف الوجه البحري.  وكان التاج قد ترفع عن مباشرة الولاية ، وأقام فيها أخاه عمر ، فشره في المال حتى كان كلما أتاه أحد بسارق أخذ منه مالاً وخلى عنه ، فأمن السُرّاق في أيامه على أنفسهم ، وصاروا له رعية يجبى منهم ما أحب . فلما ولي دولات خجا بدأ بالإفراج عن أرباب الجرائم من سجنهم ، وحلف لهم أنه متى ظفر بأحد منهم وقد سرق ليوسطنّه، وأرهب إرهاباً زائداً ، وركب في الليل وطاف. وأمضى وعيده في السراق ، فما وقع له سارق إلا وسّطه ، فذعُر الناس منه‏.)

تعليق

1 ـ دولات خجا كان كاشفا للصعيد ، أي حاكما هناك ، وقد تطرف في تعذيب الفلاحين المستضعفين وتفنّن فيه ، أو كما يقول المقريزى ( فتعدى الحدود في العقوبات ، وصار ينفخ بالكير في دبر الرجل ، حتى تنذر عينيه وتنفلق دماغه ، إلى غير ذلك من سيء العذاب ). إنها همّته في التعذيب والظلم تمسّكا بالثوابت في تطبيق الشريعة السُّنّية ، ولا يزال التعذيب سيد الموقف في دول المحمديين حتى الآن ، ويحظى برضا الكهنوت الدينى ، ولم يحدث مطلقا أن ارتفع صوت شيخ الأزهر أو غيره محتجّا على حالة تعذيب واحدة ، لأن التعذيب أساس تثبيت حكم الاستبداد ، وهم أعوان الاستبداد يباركون ظلمه وتعذيبه للأبرياء مقابل القليل من المال السُّحت . لو كان في الناس وعى لبصقوا إحتقارا على رجال الدين أعوان المستبدين ، بدلا من احترامهم وتقديسهم .!

2 ـ كان برسباى قد عيّن تاج الدين ابن الخطير كاشفا للوجه البحرى فاستصغر المهمة وعهد لأخيه عمر أن يحكم باسمه ، وكان عمر هذا قد جعل اللصوص في الوجه البحرى أعوانا له ، يقتسم معهم ما يسرقون ، وعلم برسباى فعزل عمر هذا ، وعيّن مكانه دولات خجا ، فقام بتهديد اللصوص بالتوسيط ( القتل بقطع الجسد قسمين ) ، ونفّذ وعيد بتوسيط بعض من وقع في يده ، فارتعب اللصوص ، ولم يعد هناك من لصّ غيره .!. ثم ما لبث برسباى أن عيّن دولات خجا مديرا للأمن في القاهرة وعزل التاج الشوبكي وأخاه عمر‏. 

‏3 ـ ( وفيه خلع على عمر أخي التاج واستقر من جملة الحجاب ليرتفق بمطالع العباد على بلوغ أغراضه ونيل شهواته‏. )

تعليق

عمر هذا صديق اللصوص في الوجه البحرى كوفى بتعيينه ن الخطير، كل منهم بلد من البلاد،  وسُلّم إلى آخرين دون هؤلاء عدة بلاد‏.‏)

إنارة شوارع القاهرة 

( وفيه رسم أن يعلق على كل حانوت من حوانيت الباعة بالأسواق قنديل يضيء الليل فعمل ذلك‏. )

أخبار النيل

1 ـ ( وفيه كثرت زيادة ماء النيل فانسلخ ذو الحجة بيوم الأربعاء رابع أيام النسىء ، والماء على ثمانية عشر ذراعاً وعشرين إصبعاً‏. )

2 ـ ( وهذه السنة‏:‏ تحول الخراج فيها من أجل أنه لم يقع فيها نوروز ، فحولت سنة ست إلى سنة سبع وثلاثين‏. ). الزراعة المصرية والخراج وشئون النيل كان يتم حسابها بالشهور القبطية الفرعونية، هذا مع اختلاف الحكام من عرب ومماليك .

موت ملك التكرور‏

( وفيه قدم أحد ملوك التكرور للحج فسار إلى الطور ليركب البحر إلى مكة فمات بالطور، ودُفن بجامعه ، وكان خيّرا كثير التلاوة للقرآن ، فيه برُ واحسان . ) .  المقريزى لا يعرف اسم هذا الملك ، ولكن يصفه بالبرّ  والخير ، وهو ضحية لطمع برسباى .

أخبار صراع أكابر المجرمين المحمديين والمسيحيين في اسبانيا والاندلس

الصليبى الاسبانى يغزو تونس مستعينا بالصليبى حاكم صقلية ويستولى على جزيرة جربة ويحاربه ملك المغرب

( وفيها نزل الطاغية النشو بن دون فرنادو بن أندريك بن جوان قتيل الفرس بن فدريك بن أندريك ملك الفرنج القطلان وصاحب برشلونة على جزيرة صقلية في شهر رمضان ، وسار ومعه صاحب صقلية في نحو مائتي قطعة بحرية حتى أرسى على جربة في سابع عشر ذي الحجة وملكها‏. وكان ملك المغرب أبو فارس عبد العزيز غائباً عن تونس في جهات تلمسان ، فلما بلغه ترك معظم عسكره وسار على الصحراء حتى دنا من جربة ، وكانت بينه وبين الفرنج وقعة كاد يؤخذ فيها وقتل من الفريقين جماعات كثيرة‏. )

حرب سابقة بين اكابر المجرمين الصليبيين في أسبانيا

يقول المقريزى : ( وهذا الطاغية النشو مات جده أندريك وملك بعده ابنه جوبان بن أندريك بن جوبان‏. خرج فرناندو بن أرندريك من بلد أشبيلية يريد محاربة القطلان أهل برشلونة ، وقد مات ملكهم مرتين ، فغلبهم وملك برشلونة وأعمالها حتى مات فملك بعده ابنه النشو هذا‏. ).

تعليق

1 ـ  كما يتحارب المحمديون أكابر المجرمين داخل ما يسمونه دار السلام ، يتحارب أكابر المجرمين في المعسكر الآخر . كلهم يعبدون الشيطان ، والشيطان سوّل لهم وأملى لهم وزيّن لهم سوء أعمالهم ، وكلهم يخدمه الكهنوت الشيطانى وشريعته الدموية الظالمة ..!

2 ـ المضحك ان المقريزى يصف ملك أشبيلية بالطاغية ، بينما يصف برسباى ب ( سلطان الإسلام ) . هو ضحك من نوعية ما قاله المتنبى عن مصر

وكم ذا بمصر من المضحكات     ولكنه ضحك كالبكا

3 ـ الآن هو أكبر موسم للضحك الباكى على ما يحدث في مصر .. 

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more