رقم ( 20 ) : الباب الأساس
الفصل العاشر : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام : 834

ي أيام النهي عنها حتى مشت في أيدي الناس وتعاملوا بها.  فلما نودي بالمنع منها عاد الأمر كما كان ، فخسر أناس عدة خسارات ، وأخذت الباعة وغيرها في جمعها لتتربص بها مدة ثم تخرجها شيئاً فشيئاً لعلمهم أن الدولة لا تثبت على حال وأن أوامرها لا تمضي‏. ). ‏
مقالات متعلقة :

2 ـ ( وفي هذا الشهر‏:‏ توقف التجار في أخذ الذهب من كثرة الإشاعة بأنه ينادي عليه ، فنودي في يوم السبت سلخه أن يكون سعر الدينار الأشرفي‏  بمائتين وخمسة وثلاثين والمشخص بمائتين وثلاثين ، وهُدّد من زاد على ذلك بأن يُسبك في يده ، فعاد الضرر في الخسارة على كثير من الناس لانحطاط سعر الدينار خمسين درهماً‏.).

 

شهر ربيع الأول ، أوله السبت .

أخبار متكرّرة عن فساد العُملة

( في رابعه‏:‏ جُمع الصيارفة والتجار وأُشهد عليهم أن لا يتعاملوا بالدراهم القرمانية ولا الدراهم اللنكية ولا القبرسية وأن هذه الثلاثة أنواع تباع بالصاغة على حساب وزن كل درهم منه بستة عشر درهماً من الفلوس ، حتى يدخل بها إلى دار الضرب ، وتعمل دراهم أشرفية خالصة من الغش. ونودي بذلك وأن تكون المعاملة بالدراهم الأشرفية ى - ستة وأربعين يوماً‏. )

تعليق

1 ـ قال جل وعلا عن حصانة السائرين لأداء فريضة الحج : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً ) (2) المائدة ). على النقيض من هذا التشريع الاسلامى كان لبعض الأشراف في مكة والمدينة تاريخ أسود في انتهاك حُرمة البيت الحرام وقتل ونهب الحُجّاج ، وبدأ هذا من العصر العباسى الثانى واستمر في العصرين المملوكى والعثمانى . ومع هذا يتمتعون بلقب ( الأشراف ) . كيف يكون شريفا من يقتل وينهب الحُجّاج من نساء وأطفال وغيرهم ممّن يبتغون فضلا من الله جل وعلا ورضوانا .

2 ـ ولأنها عادة تأصّلت عبر قرون فقد أصبحت من المعلوم من الدين السُنّى بالضرورة . أي صار حقا للشريف ممّن يزعم الانتساب لما يسمى ب ( آل البيت ) أن ينهب ويقتل الحجاج ، يطبّق شريعة سنيّة دينية معلومة من الدين السُنّى بالضرورة ، ومن ( ثوابت هذا الدين ) . لذا نرى المقريزى لا يُطلق لسانه مُحتجّا ، وهو وأهله ضحية لاعتداء مجرم قاطع الطريق هذا ، بل يسمّيه ( شريفا ) : (  أغار علينا ـ  ونحن سائرون ضحى ـ  الشريف زهير بن سليمان بن زيان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني، في نحو مائة فارس ، وعدة كثيرة من المشاة، وقاتلنا .. )

وظائف أكابر المجرمين

( وفي هذا الشهر‏:‏ استقر جانبك الناصري نائب الإسكندرية بعد موت الأمير شهاب الدين أحمد الدوادار . وأصله من مماليك الأمير يلبغا الناصري ثم عمل في الأيام المؤيدية رأس نوبة المقام الناصري إبراهيم ابن السلطان ، وصار من جملة الأمراء، وولي كشف الجسور بالغربية‏. )

الاعتقاد في التنجيم

( وفيه أنذر المنجمون بكسوف الشمس ، فنودي بالقاهرة أن يصوم الناس ويفعلوا الخير، فلم يظهر الكسوف ، ووقع الإنكار على من أنذر به . ثم قدم الخبر بحدوث كسوف الشمس بجزيرة الأندلس حتى استولى على جرم الشمس كله إلا مقدار الثمن منه وذلك بعد نصف النهار من ثامن عشرينه‏. ). شاع الاعتقاد في جدوى التنجيم تبعا للاعتقاد في هجص كرامات أولياء التصوف ومزاعم علمهم بالغيب .  

شهر رجب أوله السبت‏:‏

محمل الحاج

( في سابع عشره‏:‏ أدير محمل الحاج على العادة‏. ). سمع بهذا المقريزى وهو خارج مصر فكتبه ، ولعله كتبه من ذاكرته حيث كانت العادة خروج المحمل في هذا الوقت سنويا . ولم يسجل من أحداث شهر رجب سوى هذا الخبر. وفى مقامه بمكة لم يسجل أحوال الناس ، لأنه لا يرى مستحقا للتسجيل سوى من نعتبرهم أكابر المجرمين . ونعيد التذكير بأن التاريخ ينام في أحضان الطُّغاة وأكابر المجرمين ، ولا يهتم بالمستضعفين في الأرض إلا عرضا حين تقع لهم الكوارث ، فيذكرهم ليس بالأسماء ولكن بالوصف ، فلا يستحقون عندهم أكثر من ذلك .!‏

شهر شعبان أوله الاثنين‏:‏

أخبار الأندلس

نكبة الزلازل :

زلازل في الاندلس سمع بها المقريزى وهو في الحجاز

( في حادي عشره‏:‏ كانت زلزلة عظيمة شديدة بعد صلاة الظهر بجزيرة الأندلس وبمرج أغرناطة ، وسقطت بها أبنية كثيرة على سكانها فهلكوا .  وخسف بثلاث بلاد كبيرة في مرج أغرناطة - وهي بلد همدان وبلد أوطورة وبلد دارما - فابتلعت الأرض هذه البلاد بأناسها وبقرها وغنمها وسائر ما فيها حتى صار من يمر من حولها يقول كان هنا بلد كذا وبلد كذا . وانخسف في كثير من البلاد عدة مواضع ، وسقط نصف قلعة أغرناطة ، وتهدم كثير من الجامع الأعظم وسقط أعلى منارته ، ورؤى حائط الجامع يرتفع ثم يرجع ومقدار ارتفاعه نحو عشرة أذرع ارتفع كذلك مرتين .

وخاف رجل عند حدوث الزلزلة فأخذ ابنه وأراد أن يخرج من باب داره فالتصق جانبا الباب وانفرج الحائط ، فخرج من ذلك الفرج هو وابنه وامرأته ، فعاد الحائط كما كان وتراجع جانبا الباب إلى حالهما قبل الزلزلة.  

وأقامت الأرض بعد ذلك نحو خمسة وأربعين يوماً تهتز حتى خرج الناس إلى الصحراء ونزلوا في الخيم خوفاً من المدينة أن تسقط مبانيها عليهم . )

نكبة صراع أكابر المجرمين في الأندلس من المحمديين والمسيحيين

( وكان هذا كله بعد وصول السلطان المخلوع أبي عبد الله محمد الأيسر من تونس إلى الأندلس وحصره قلعة أغرناطة سبعة أشهر وقتله الأجناد والرجال حتى فنيت العدد والأموال ،  فبلغ ذلك ملك قشتالة الفنشي فجمع عساكره من الفرنج وركب البحر إلى قرطبة يريد أخذ أغرناطة من المسلمين ، فاشتد البلاء عليهم لقلة المال بأغرناطة وفناء عسكرها في الفتنة وموت من هلك في الزلزلة ، وهم زيادة على ستة آلاف إنسان،  ونزل الفرنج عليهم ، فلقوهم في يوم الجمعة عاشر رمضان من هذه السنة، وقاتلوهم يومهم ومن الغد قتل من المسلمين نحو الخمسة عشر ألف ، وألجأهم العدو إلى دخول المدينة وعسكر بإزائها على بريد منها ، وهم نحو خمسمائة وثمانين ألف. وقد اشتد الطمع في أخذها ، فبات المسلمون ليلة الأحد في بكاء وتضرع إلى الله ، ففتح عليهم الله تعالى وألهمهم رشدهم،  وذلك أن الشيخ أبا زكريا يحيى بن عمر ابن يحيى بن عمر بن عثمان بن عبد الحق - شيخ الغزاة - خرج من مدينة أغرناطة في جمع ألفين من الأجناد وعشرين ألفاً من المطوعة ، وسار نصف الليل على جبل الفخار‏، حتى أبعد عن معسكر الفرنج إلى جهة بلادهم، ورفع إمارة في الجبال يعلم بها السلطان بأغرناطة ، فلما رأى تلك العلامات من الغد خرج يوم الأحد بجميع من بقي عنده إلى الفرنج فثاروا لحربهم ، فولى السلطان بمن معه من المسلمين كأنهم قد انهزموا ، والفرنج تتبعهم حتى قاربوا المدينة، ثم رفعوا الأعلام الإسلامية ، فلما رآها الشيخ أبو زكريا نزل بمن معه إلى معسكر الفرنج وألقي فيه النار ووضع السيف فيمن هنالك ، فقتل وأسر وسبى ، فلم يدع الفرنج إلا والصريخ قد جاءهم والنار ترتفع من معسكرهم ، فتركوا أهل أغرناظة ، ورجعوا إلى معسكرهم ، فركب السلطان بمن معه أقفيتهم يقتلون ويأسرون ، فبلغت عدة من قتل من الفرنج ستة وثلاثون ألفاً ، ولحق باقيهم ببلادهم بعد ما كادوا أن يملكوا أغرناطة‏. وبلغت عدة من أسر المسلمون من الفرنج نحو اثني عشر ألفاً . ويقول المكثر إنه قتل ومات وأسر من الفرنج في هذه الكائنة زيادة على ستين ألفاً‏.‏

وكان سبب هذه الحادثة أنه وقع بين ملك القطلان صاحب برجلونة وبين ملك قشتالة صاحب أشبيلية وقرطبة فجمع القشتيلي وسار لحرب القطلاني حتى تلاقى الجمعان فمشى الأكابر بين الملكين في الصلح فاعتذر القشتيلي بأنه أنفق في حركته مالاً كثيراً فأشير عليه بأخذ ما أنفقه من المسلمين بأن يغزوهم فإنهم قد ضعفوا.  وما زالوا حتى تقرر الصلح ونزل على أغرناطة وكان ما تقدم ذكره‏. )‏

 شهر رمضان‏:‏

المقريزى يقوم باسماع كتابه ( إمتاع الأسماع في المسجد الحرام )

الإسماع يعنى قراءة الكتاب  على مستمعين ، وتدوين نُسخ منه . قال :

((  وفي شهر رمضان‏ هذا ابتدأت في إسماع كتاب " إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأح

شهر ذي القعدة ، أوله الخميس

أخبار النيل

( في يوم الاثنين ثاني عشره - الموافق له تاسع عشرين أبيب -‏:‏ كان وفاء النيل ستة عشر ذراعاً‏ . وركب الأمير قرقماس حاجب الحجاب حتى خلق المقياس وفتح الخليج على العادة‏. )

( وفيه زاد النيل اثني عشر إصبعاً من الذراع السابعة عشر . وفي هذا نادرتان من نوادر النيل ، إحداهما الوفاء قبل مسرى. وقد أدركنا ذلك وقع مرتين‏.  والثانية زيادة هذا القدر في يوم الوفاء ، ولم يدرك مثل ذلك . واستمرت زيادة النيل والنداء عليه في كل يوم‏. ) . هذه أخبار معتادة ، وجاءت للمقريزى وهو في مكة فسجّلها .

‏خبر عن الحجاز يسجّله المقريزى وهو هناك :

( وفي هذا الشهر‏:‏ استجد بعيون القصب من طريق الحجاز بئر ، حفرت بإشارة القاضي زين الدين عبد الباسط ، فعظم النفع بها‏. ‏

وذلك أنني أدركت عيون القصب،  وتخرج من بين الجبلين ماء يسيح على الأرض ، فينبت فيه القصب الفارسي وغيره شيء كثير، ويرتفع في الماء حتى يتجاوز قامة الرجل في عرض كبير . فإذا نزل الحاج عيون القصب أقاموا يومهم على هذا الماء يغتسلون منه ويردون . ثم انقطع هذا الماء، وجفت تلك الأعشاب فصار الحاج إذا نزل هناك احتفروا حفائر يخرج منها ماء رديء ، إذا بات ليلة واحدة في القرب نتن . فأغاث الله العباد بهذه البئر وخرج ماؤها عذباً‏.‏

وكان قبل ذلك بنحو شهرين قد حفر الأمير شاهين الطويل بئرين بموضع يقال له زعم وقبقاب ، وذلك أن الحاج كان إذا ورد الوجه تارة يجد فيه الماء وتارة لا يجده‏. فلما هلك الناس من العطش في السنة الماضية بعث السلطان بشاهين هذا كما تقدم ذكره فحفر البئرين بناحية زعم ، حتى لا يحتاج الحاج إلى ورود الوجه فيروي الحاج منهما، وعمّ الانتفاع بهما ، وبطل سلوك الحاج على طريق الوجه من هذه السنة‏. )‏

شهر ذي الحجة أوله السبت‏:

‏وظائف أكابر المجرمين

(  في ثاني عشرينه‏:‏ خلع على تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير واستقر في نظر الديوان المفرد عوضاً عن الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم بعد موته‏. وابن الخطير هذا من نصارى القبط وله بيتوته مشهورة ‏. كان اسمه جرجس وتلقب بالشيخ الناج ، وترقى في الخدم الديوانية ، وباشر ديوان الأمير برسباي في الأيام المؤيدية شيخ ، فألزمه بالإسلام فأسلم، وتسمى تاج الدين عبد الوهاب، وخدم بديوان الخاص وبالديوان المفرد. فلما تسلطن الأشرف برسباي رقّاه، وولّاه نظر الاصطبل ،عوضاً عن بدر الدين محمد بن مزهر لما ولاه كتابة السر ،وأضاف إليه عدة رتب . منها أستادار المقام الناصري ابن السلطان، فشكرت سيرته من عفته وأمانته ورفقه بالفلاحين ولين جانبه وحسن سياسته مع كثرة برّه وإحسانه ، بحيث لا يوجد في أبناء جنسه من يدانيه فكيف يساويه‏. وإن أراد الله عمارة البلاد جعل إليه تدبير أمرها‏. ).

تعليق

هنا مصرى قبطى لم يكن من أكابر المجرمين مع عمله في هذه الدولة المجرمة . إنّه ابن الخطير ، وهو من أسرة متخصصة في الحسابات ، وقد أكرهوه على الدخول في دينهم الذى ينسبونه ظلما وزورا الى الإسلام العظيم ، فأطاع ، وبسبب أمانته تقلّب في الوظائف . بل إن أمانته أجبرت المقريزى  ـ المشهور بتعصبه ضد النصارى ـ أن يقول عنه : ( فشكرت سيرته من عفته وأمانته ورفقه بالفلاحين ولين جانبه وحسن سياسته مع كثرة برّه وإحسانه ، بحيث لا يوجد في أبناء جنسه من يدانيه فكيف يساويه‏. وإن أراد الله عمارة البلاد جعل إليه تدبير أمرها‏. ). والعبارة الأخيرة تأثر فيها المقريزى بعقيدة ( وحدة الفاعل ) الصوفية التي تزعم ان الله جل وعلا هو الفاعل لكل شيء من خير أو شر . وهذا بهتان يعنى نفى اليوم الآخر والحساب والعقاب والثواب .

‏أخبار الحج

( وفي يوم السبت سلخه‏:‏ قدم مبشرو الحاج وقد مات كبيرهم الأمير فارس بينبع وكان مجرداً‏ ‏

بمكة على طائفة من المماليك ، وهو أحد أمراء العشرات . )

تعليق :

لم يسجل المقريزى معظم أحداث مصر معظم هذا الشهر . بدا بتسجيل الأسبوع الأخير منه .  حسبما وصل اليه الخبر . 

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more