رقم ( 26 ) : الباب الأساس
الفصل السادس عشر : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام 840

الفصل السادس عشر : الحياة في ظل تطبيق الشريعة السنية عام 840 

قراءة في تاريخ السلوك للمقريزى  / المقريزى شاهدا على العصر 

قال المقريزى في التأريخ لسنة 840

مقالات متعلقة :

ملاحظة

يتوقف أحيانا المقريزى في بعض السنوات فيبدا بذكر الحُكّام وأعوانهم في الدولة المملوكية ، وحُكّام الدول المعروفة له في العالم وقتها . وهم من نسميهم بأكابر المجرمين . وفى هذا العام 840 أعطى المقريزى تفصيلات هامة ، نذكرها مع التعليق .

عن وظائف أكابر المجرمين يقول المقريزى عن سنة 840

أولا : الخليفة العباسى والسلطان المملوكى : ( أهلت ، وخليفة الوقت والزمان أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على اللّه أبى عبد اللّه محمد ،  وسلطان الإسلام بديار مصر وبلاد الشام وأراضى الحجاز مكة والمدينة وينبع وجزيرة قبرس السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباى الدقماقى‏. )

تعليق :

 4 : في آسيا الصغرى ( تركيا الآن )

4 / 1 : الدولة القرمانية في الجنوب: ( وعلى بلاد قرمان من بلاد الروم إبراهيم بن قرمان‏. ) . وكانت إمارة بنى قرمان في خصومة مع جارتها إمارة بنى عثمان ، التي لم تكن قد تحولت الى امبراطورية بعدّ ، ثم مالبث أن خضعت لمراد الثانى المعاصر لبرسباى . قال المقريزى عن إمارة بنى عثمان وقتئذ  :

4 / 2 : (  وملك الإسلام ببلاد الروم خوندكار مراد بن محمد بن كُرْشجى بن بايزيد يلدَريم بن مراد بن أُرخان بن أرِدن على ابن عثمان بن سليمان بن عثمان صاحب برصا وكالى بولى‏.) كانت الدولة العثمانية وقتها تجاور البيزنطيين ، وتتوسّع على حسابهم . لذا وصف المقريزى حاكمها في هذا الوقت بأنه ( ملك الإسلام ببلاد الروم ) لأن دولته كانت تمثل الصراع بين ( دار الإسلام ودار الحرب ). عاصر مراد الثانى العثمانى السلطان برسباى إذ حكم عام 824 . واستمر يحكم بلاده بعد موت برسباى ، وحتى عام 855 .

4 / ثم إمارة أخرى ، قال عنها المقريزى : ( وبجانب من بلاد الروم أسفنديار بن أبى يزيد .) . مالبث أن ضم مراد الثانى العثمانى كل الامارات التركية / التركمانية الى حوزته . وسنعرض للصراعات المعقدة في الشرق في باب خاص قادم .

  5 : ( وعلى ممالك إفريقية من بلاد المغرب :

 5 / 1 : ( أبو عمرو عثمان بن أبى عبد اللّه محمد بن أبى فارس عبد العزيز الحفصى صاحب تونس وبجاية وسائر إفريقية‏. ). هذا في تونس وجنوبها . 

 5 / 2 : ( وعلى مدينْة تلمسان  والمغرب الأوسط أبو يحيى بن أبى حمو ) . هذا فيما يُعرف الآن بالجزائر ، وتمتد الى أجزاء من المغرب .

 5 / 3 (  وبمملكة فاس ثلاثة ملوك :

 5 / 3 / 1 : ( أجلُّهم صاحب مدينة فاس وهو أبو محمد عبد الحق بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن المرينى وليس له أمر ولا نهى ولا تصرف في درهم فما فوقه‏. والقائم بالأمر دونه أبو زكريا يحيى بن أبى جميل زيان الوِطَاسى . ) ( وقد ضْعفت مملكة بنى مرين هذه ويزعم أهل الحدثان أن الشاوية تملكها وقد ظهرت إمارات صدق ذلك‏. )

 5 / 3 / 2  ( وبعد صاحب فاس صاحب مكناسة الزيتون ، على نحو نصف يوم من فاس‏. )

 5 / 3 / 3 : ( والآخر بأصِيلا ،على نحو خمسة أيام من فاس ، وهما أيضا تحت الحجر ممن تغلب عليهما‏. ) . المغرب تحت إسم ( فاس ) منقسم الى ثلاث ممالك صغيرة وضعيفة ، فاس ومكناس وأصيلا .

6 ـ ( وبالأندلس : أبو عبد اللّه محمد بن الأيسر ابن الأمير نصر ابن السلطان أبى عبد اللّه بن نصر المعروف بابن الأحمر صاحب أغرناطة‏. ). غرناطة هي آخر إمارة عربية تحتضر في أسبانيا .

7 ـ ( وببلاد اليمن :

 7 / 1 : ( الملك الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل صاحب تعز وزبيد وعدن‏. )

 7 / 2 : (  وعلى صنعاء وصعدة الإمام على بن صلاح الدين محمد بن على الزينى‏. ). مملكتان في اليمن .

8 ـ ( وبممالك الهند الإسلامية عدة ملوك‏. ).

9 ـ  ( ومماليك الفرنج بها أيضًا نحو سبعة عشر ملكا ، يطول علينا إيرادهم‏. )

10ـ ( وببلاد الحبشة : الحطى الكافر ، ويحاربه ملك المسلمين شهاب الدين أحمد بدلاى بن سعد الدين أبى البركات محمد بن أحمد بن على بن صبر الدين محمد بن ولخوى بن منصور بن عمر بن ولَسْمَع الجبرتى‏. ).

المقريزى يصف ملك الحبشة بالكفر ، لأنه في حرب مع من أسماه المقريزى ( ملك المسلمين ). هذا لأن الحبشة وقتها كانت تمثل الصراع بين ( دار الإسلام ودار الحرب ).

ملاحظة

هنا نرى المقريزى مؤرخا عالميا ، مع جعل مصر مركز تاريخه ، وعنده حقُّ في هذا ، فقد كانت مصر ( المملوكية ) مركز العالم وقتها .. يا حسرة على مصر الآن ، وقد قام بتقزيمها ضابط ( قزم ).!!

 خامسا :

المناصب الديوانية :  ( وأرباب المناصب بالقاهرة : ( الأمير جانبك أستادار‏. ) ( والقاضي محب الدين محمد بن الأشقر كاتب السر‏. ) ( وناظر الجيش عظيم الدولة زين الدين عبد الباسط ولا يبرم أمر ولا يحل ولا يولى أحد ولا يعزل إلا بمشورته‏. ) . المقريزى معجب بناظر الجيش يصفه بأوصاف العظمة ويُضخّم في نفوذه ، وهذا ما يتفق فيه معه المؤرخ أبو المحاسن في تاريخه ( النجوم الزاهرة ). ولكن أبا المحاسن لا يحمل حبّا لناظر الجيش عب الباسط ويجعله مستشار سوء للسلطان برسباى . أخبار أكابر المجرمين

1 ـ القبض ابن الخطير استادار ابن السلطان وعزله ، وتولية ابن كاتب جكم بدلا منه : (وفيه قبض على الصاحب تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير أستادار المقام الجمالى يوسف ولد السلطان ، ثم أُفرج عنه‏. ) ( وخُلع من الغد على الصاحب جمال الدين يوسف ابن كريم الدين بن عبد الكريم بن سعد الدين بركة المعروف والده بابن كاتب جكم‏. واستقر عوضه في الأستادارية‏. )

النيل

( وفى يوم الأحد تاسع عشرينه الموافق لتاسع عشر مسرى‏:‏ نودى على النيل بزيادة عشر أصابع فوفى ستة عشر ذراعا وأربعة أصابع.  وركب المقام الجمالى يوسف ولد السلطان حتى خُلق المقياس ، وفتح الخليج بين يديه على العادة‏. )

الحروب البحرية بين المماليك والفرنجة

( وأنه في حادى عشرينه‏:‏ طرق ميناء بوقير خارج مدينة الإسكندرية ثلاثه أغربة من الفرنج الكيتلان ، وأخذوا مركبين للمسلمين ، فخرج إليهم أقباى اليشبكى الدوادار نائب الثغر ، ورماهم حتى أخذ منهم أحد المركبينِ ، وأحرق الفرنج المركب الآخر، وساروا‏. )

تحارب بحرى بين الكيتلان والجنويين الايطاليين ، والمماليك يعاونون الجنويين ‏

( وأن في ثاني عشرينه‏:‏ عند هذه الوقعة ، طرق ميناء الإسكندرية مركب آخر للكيتلان ، وكان بها مركب للجنوية ، فتَحاربا ، وأعان المسلمون الجنوية حتى إنهزم الكيتلان‏. )

تعليق

المال هو معبودهم الأكبر مع اختلاف أديانهم ومذاهبهم الأرضية الشيطانية ، في سبيله يتحاربون أو يتحالفون . كان هذا ، ولا يزال .!!

ضمن هذا يدخل الخبر التالى عن حروب المحمديين في شمال أفريقيا ‏

( وفي هذا الشهر‏:‏ خرج من مدينة بجاية بإفريقية أبو الحسن على ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز ، حتى نزل على قسنطينة، وحصرها‏. ).

تعليق

لم تمنع حروبهم مع عدوهم المشترك من تحاربهم مع بعضهم . هي عادة سيئة ، كانت ولا تزال . فالمال هو معبودهم الأكبر .!

‏شهر صفر ، أوله يوم الثلاثاء‏:

أخبار أكابر المجرمين

( وفي خامسه‏:‏ استقر خُشكَلْدى أحد الخاصكية فى نيابة صهيون ، عوضا عن الأمير غرس الدين خليل الهذْبانى بحكم وفاته‏. ثم عزل بعد يومين بأخى المتوفى‏. ). تولية ثم عزل بعد يومين ، والسبب شراء المنصب .‏

( وفي ثامن عشرينه‏:‏ قدم الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ من جدة ، وصحبته الأمير يلخجا ، والمماليك المركزة بمكة‏. )

تقاتل المحمديين في شمال أفريقيا ‏

( وفي هذا الشهر‏:‏ سار أبو عمرو عثمان بن أبى عبد اللّه محمد ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز من مدينة تونس يريد قسنطينه، لقتال عمّه أبى الحسن على‏.)

‏تعليق

لم تمنع حروبهم مع عدوهم المشترك من تحاربهم مع بعضهم داخل الأسرة الحاكمة وحدها . هي عادة سيئة ، كانت ولا تزال ، فالمال هو معبودهم الأكبر !.

شهر ربيع الأول ، أوله يوم الخميس‏:

وظائف أكابر المجرمين

1 ـ ( وفي رابع عشرينه‏:‏ خلع على سعد الدين إبراهيم بن المرة، وإستقر فى نظر جدة على عادته من قبل‏. )

2 ـ ( وفي سابع عشرينه‏:‏ خلع على الأمير جانبك الناصرى ، رأس نوبة الأمير إبراهيم ابن المؤيد وحاجب ميسرة‏ ، وإستقر أمير المجردين إلى مكة ، ويتحدث مع إبن المرة في أمر جدة ، وتعين معه مائة وعشرة مماليك ، سوى ثلاثين مملوكًا في خدمته‏. وأنعم عليه بألف دينار أشرفية وقطارى جمال وخمس عشرة ألف فردة نشاب وأربعة أفراس‏. )

تنقلات

 ( وفيه رسم بعزل الأمير تمراز المؤيدى عن نيابة صفد، واستقراره فى نيابة غزة عوضا عن الأمير يونس الأعور ، واستقرار يونس فى نيابة صفد ، وتوجه بذلك دولت بيه أحد رؤوس النوب‏. )

الحج 

( وفْيه نودى في الناس بالإذن في السفر إلى مكة صحبة المجردين‏. )‏

أحوال الوزارة

( وفيه قدم الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ تقدمة قدومه من جدة،  فخلع عليه فى يوم السبت ثالثه ، ونزل إلى داره،  فسأل فى يوم الأحد رابعه القاضى زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش  السلطان فى إستقرار الصاحب كريم الدين المذكور فى الوزارة على عادته‏. وكان السؤال على لسان الأمير صفى الدين جوهر الخازندار، فأجيب باًن :‏"‏ هذا الأمر متعلق بك ؛ فإن شئت إستمريت على مباشرتك للوزارة ، وإن شئت تعين من تريد ‏"‏‏. فتكلم من الغد يوم الإثنين مع السلطان مشافهة في ذلك ، فتوقف السلطان خشيهْ ألا يسد لقصور يده‏. فمازال بالسلطان حتى أجاب إلى ولايته ، ونزل إلى داره ، فاستدعى الصاحب كريم الدين وقرر معه ما يعمل‏ ، وأسعفه باًن عين له جهات يسد منها كلفة شهرين‏ ، وأنعم له بألفى رأس من الغنم ،   وأذن له أن يوزع على مباشرى الدولة كلفة شهرين آخرين‏. فلما كان الغد يوم الثلاثاء سادسه‏:‏ خلع على الصاحب كريم الدين واستقر في الوزارهْ على عادته ، ونزل إلى داره فى موكب جليل‏. وسُرّ الناس به ، فصَّرف الأمور ونفّذ الأحوال‏. وخُلع معه على الصاحب أمين الدين إبراهيم ابن الهيصم ناظر الدولة خلعة استمرار ، فنزل في خدمته ، وجلس بين يديه كما كان أولا . وكانت الوزارة منذ عزل الأمير غرس الدين خليل عنها في شوال سنة تسع وثلاثين لم يستقر فيها أحد ، وإنما كان القاضى زين الدين عبد الباسط ينفذ أمور الوزارة ، وقررها على ترتيب عمله ، وهو أنه أحال مصروف كل جهة من جهات المصروف على متحصل جهة من جهات المتحصل فإن لم تف تلك الجهةظلموا أهلهم بهذا الشكل ؟ إن أغلبية المصريين مستضعفون ، ومن يرفع صوته منهم إنما يمارس حقه في التعبير وفق الدستور ، ومفروض حمايتهم وليس قهرهم وظلمهم ..

4 ـ إن ظلم السيسى وعصابته فاق الحدود ..اللهم حقق فيه دعوات المظلومين .!.

5 ـ  اللهم لعنتك على الظالمين في كل زمان ومكان .!!

 محاولة ‏هروب أمير عثمان استضافه برسباى : ( مسلسل تركى أكشن )

يقول المقريزى :

1 ـ ( وفي ليلة الاثنين خامسه‏:‏ فُقد سليمان بن أَرْخُن بك بن محمد كُرشجى ابن عثمان وأخته شاه زاده وجماعته ، وكانوا يسكنون بقلعة الجبل ، وتمشى سليمان هذا فى خدمة المقام الجمالى ولد السلطان‏.)

2 ـ ( ومن خبره أن مراد بن كُرشجى صاحب برصا وغيرها من بلاد الروم ، قبض على أخيه أَرْخُن بك وكحله وسجنه مدة ، فكان يقوم بخدمته ـ وهو فى السجن ــ مملوك من مماليكه ، يقال له طوغان‏ ، فأدخل إليه جارية إلى السجن ، وهى متنكرة ، فاشتملت من أَرْخن على هذا الولد وغيره‏. ومملوكه هذا يخفى أمرهم حتى مات أرخُن فى سجنه‏. ففر المملوك بهذين الولدينالمماليك الى عداء بعد وداد  .

2 ـ عانت الأسرة العثمانية الحاكمة أكثر من هذه المشكلة بسبب نظام التوارث في الحكم داخل الأسرة ، وتأثر بها تاريخهم في الحقبة الأولى ، إذ كان الأمراء ( أخوة السلطان ) في تآمرهم يستعينون بآخرين خارج دولتهم ليقفزوا على السلطة، وقد يهرب بعضهم للخارج ليستعين بعدو لبلده ليكون سلطانا . وأخيرا لجأ العثمانيون الى تقليد جعله ( الخليفة العثمانى ) شريعة تحظى بموافقة الكهنوت السُّنّى لديه ، وهو أن يقوم السلطان الجديد بقتل كل أخوته ، وينفرد بالحكم ، ثم يموت تاركا كثيرين من الأبناء ، والذى يتولى السلطنة منهم يقتل أخوته ، وتتكرر القصة . وبها إستمر الحُكم العثمانى قرونا ، بلا انشقاق من داخل الأسرة .

3 ـ ونعطى خلفية تاريخية لهذه الأحداث التي رواها المقريزى  :

3 / 1  مراد الثانى ــ المعاصر للسلطان برسباى ـ هو الذى وطّد الدولة العثمانية بعد هزيمتها على يد تيمورلنك ، وقد حكم مرتين ( 824 ك 844 ) ثم ( 849 : 855 ) ، وحاول فتح القسطنطينية فلم يفلح ، واكتفى بالزام الأمبراطور البيزنطى بدفع الجزية ، ثم تمكن ابنه محمد الفاتح من فتحها عام 857 ، وجعلها عاصمة للدولة العثمانية بدلا من برصا . تقخطة مُعدة سلفا ، هرب طوغان وأتباعه المماليك ، وكان في انتظارهم مركب ( غُراب )، ركبه طوغان والأمير والأميرة والمماليك والعثمانيون ، وسمحوا أن يرافقهم بعض الناس من مسافرين عاديين وتُجّار ، ليبدو المركب برىء المظهر ، مجرد مركب مدنى . سار بهم المركب في النيل قاصدا ميناء رشيد على البحر المتوسط .

9 ـ وصل النبأ سريعا الى برسباى ، فبعث حملة سريعة أدركتهم قبيل وصولهم رشيد .وحدثت مواجهة انهزم فيها المماليك مما يدلُّ على قوة الفرقة العثمانية في المركب. نجحوا في الإفلات وركبوا البحر، وكان ممكنا أن يشقوا طريقهم فيه ، ولكن عصفت بهم الريح وألجأتهم الى منطقة وحلة ، وادركتهم حملة بحرية مملوكية أخرى ، هزمتهم ، واعتقلتهم ، وجىء بهم الى برسباى في قلعة الجبل .

10 ـ حكم برسباى بتوسيط طوغان والمماليك الثمانية بين يديه ، وتوسيط شخص آخر معهم لمجرد تكملة العدد الى عشرة.!، وقطع أيدى 47 رجلا ، وضرب آخر بالمقارع ، كانوا من المسافرين بالصدفة في هذا المركب. وسجن الأمير الصغير ثم أفرج عنه ، وما لبث أن مات بعدها . يقول المقريزى في وفيات عام 841 : ( ومات الأمير سليمن بن أورخان بك بن محمد كرشجى بن عثمان. ملك جدة محمد كرشجى بلاد الروم، وقبض عمه مراد بن محمد كرشدا من السلاطين ، بحيث يتولى السلطان الحكم بين الناس بدلا منهم .‏

شهر جمادى الآخرة ، أوله يوم الإثنين‏:‏

احتكار

1 ـ ( في ثالثه‏:‏ ركب الأمير تمرباى الدوادار النيل إلى الإسكندرية ، حتى يبيع الفلفل المحمول من جدة على الفرنج الواردين الثغر ببضائعهم ، بعدما عين لذلك القاضى زين الدين عبد الباسط ، ثم أعفى منه‏. ).

تعليق

 أمير مملوكى يتوجه بأحمال الفلفل الهندى المجلوب من جدة الى الإسكندرية ليبيعه الى تجار الفرنجة المنتظرين هناك ، والذين كانوا مُجبرين على الشراء بالسعر الذى يحدده برسباى . وكانت معهم بضائع يشتريها منهم السلطان بالسعر الذى يريده السلطان .

2 ـ ( وفي ثامن عشرة‏:‏ قدم الأمير تمرباى الدوادار من الإسكندرية بعدما باع بها ألف حمل من الفلفل ، بحساب مائة دينار الحمل ، وقيمته دون ذلك بكثير. بلغ ثمن ذلك مائة ألف دينار).  رجع هذا الأمير تمرباى من الإسكندرية بعد أن باع ألف حمل من الفلفل بالسعر المفروض .

3 ـ ( وفي هذا الشهرات الريف من الفلاحين ، بمثل ما يجبى السلطان الجمارك والمكوس من التجار . تمتع هؤلاء القضاة بنفوذ هائل ، استغلُّوه شرّا ، فتطرفوا في السّلب والنهب بلا ضمير ، أو بتعبير المقريزى : ( وكان الجاه عريضا ، فما عفّت نوابه ولا كفّت . )

5 ـ ذهب القاضي ابن قاسم المحلاوى الى الحجاز فباع منصبه للقاضى جلال الدين عمر والقاضى كاتب السّر ابن البارزى مقابل 50 ألف درهم . واستمر العمل بطريقة ابن قاسم المحلاوى في السلب والنهب ، لتعويض الرشوة المدفوعة .

6 ـ ثم عيّن برسباى القاضي ابن البارزى قاضيا لقضاة دمشق ، وكان لا بد أن يترك قضاء دمياط . وطمع الأمير المملوكى جوهر الخازندار في ايراد منصب القضاء في دمياط ، فسأل ابن البارزى أن ينزل له عنه مقابل مال بالطبع ، وحدث . ولم يستطع ابن حجر الاعتراض . وهو لم يعترض من قبل على فساد قضاته وسلبهم الفلاحين المستضعفين  لأنه استاذهم في الفساد وظلم العباد .!.

7 ـ بهذا صار الأمير المملوكى جوهر الخازندار نائبا عن قاضى القضاة الشافعى في دمياط . واصبح مُخوّلا بتعيين قُاض عنه هناك بحكم العادة ، مع إقامته في القاهرة . وصار يكتب لنائبه القاضي يصف نفسه ب( الداعى جوهر الحنفى ) مثلما يكتب قاضى القضاة ابن حجر العسقلانى .

8 ـ المفاجأة أن هذا الأمير المملوكى الذى تولى منصب القضاء كان خيرا من سابقيه ، وشكره الناس . هذا مع أن تعيينه هذا المنصب ليس معهودا من قبل . يقول المقريزى ( وحمد أهل البلد سيرته بالنسبة لمن كان قد ابتدأ ذلك‏. ولم يعهد فى مثل ذلك نزول ولا ما يشبهه. فلله الأمر‏. ).هذا يدّلُّ الى أي حد إنحطّ القضاة الفقهاء ، وكبيرهم ابن حجر العسقلانى .!!

9 ـ ولكن مهما بلغ انحطاطه فلا يصل الى أسفل السافلين ، هذا الدرك من الحضيض الذى وصل اليه القضاء في عهد السيسى في هذا العصر .

10 ـ ألا لعنة الله جل وعلا على أكابر المجرمين .!

  شهر رجب ، أهل بيوم الثلاثاء‏:‏

تعيين ابن البارزى قاضيا للقضاة في دمشق بلا رشوة بسبب شيوع فساد قاضى دمشق سراج الدين الحمصى .

قال المقريزى : ( وفيه ( أول رجب ) خلع على القاضى كمال الدين محمد ابن القاضى ناصر الدين محمد بن البارزى‏ ، وأعيد إلى قضاء القضاة بدمشق ، عوضا عن سراج الدين عمر الحمصى ، بغير مال يحمله ولا سعى منه‏. وإنما كثرت القالة السيئة في الحمصى ،  فعين السلطان عوضه القاضى كمال الدين ثم ولاه‏. ) .

تعليق

 نعلم فساد القاضي ابن البارزى من الخبر السابق . ولكن نعرف هنا من هو أكثر منه فسادا وهو القاضي الحمُّصى .

دوران المحمل

(  وفي ثالثه‏:‏ أدير محمل الحاج بالقاهرة ومصر ، ولم نعهد فيما تقدم أنه أدير قبل النصف من شهر رجب ، إلا فى هذه الدولة الأشرفية فإنه أدير غير مرة قبل النصف منه‏. )

تعليق

دوران المحمل تشريعى سُنّى محدث ، وهم يملكون تغيير موعده ، وتغيير مسار موكبه ، فهو ( دين ملّاكى ) يملكه أصحابه ، وكبيرهم هو أكبر أكابر المجرمين .

استطالة المماليك الجلبان على المصريين المستضعفين في دوران المحمل .

يقول المقريزى : ( ونْزل بالناس في ليلة إدارته من المماليك السلطانية بلاء كثير ، من صفع أقفية المارة في الشارع، ومن حرق لحاهم بالنار ، وخطف عمائمهم ، إلى غير ذلك مما لا نستجيز ذكره‏.)

تعليق

1 ـ في هذه الشعيرة الدينية السنية ( دوران المحمل ) أُتيح للمماليك الجلبان ممارسة هوايتهم في التطرف في إيذاء المصريين المستضعفين . رجع المماليك الجلبان منتصرين فأرادوا الاحتفال بالنصر ، والتسلية على حساب المصريين . وتنوّع الأذى ، مثل صفع أقفيتهم ، وحرق لحاهم بالنار ، وخطف عمائمهم ، وكان كشف الرأس من أساليب العقوبة والتحقير , ثم يقول المقريزى عبارة موجزة : ( إلى غير ذلك مما لا نستجيز ذكره‏.). وهذا يعنى الاغتصاب للنساء والصبيان ، وكان هذا من المعلوم من دينهم السنى بالضرورة . وعفّ المقريزى عن شرحه والاستفاضة فيه ، مكتفيا بهذا الايجاز المُخلّ .

2 ، تخيل أناسا مسالمين في الشارع يتسلّط عليهم الجنود ، يصفعون أقفيتهم ويحرقون وجوههم ويغتصبون صبيانهم ونساءهم . ويحدث هذا في موكب عام يأخذ شكل طقس دينى ، ويحضره قضاة القضاة وعموم الأكابر من الفقهاء ، يرونه رأى العين ، ولا يجد المستضعفون نصيرا منهم ، بل يتطرف الجنود في الاعتداء متمتعين بموافقة قُضاة القُضاة ، ورئيسهم ابن حجر العسقلانى ، وهو القاضي المؤرخ الذى لم يكتب يعترض على ما كان يشاهده في تاريخه لعصره في كتابه ( إنباء الغُمر بأبناء العُمر ) .

3 ـ علينا أن نتذكر أن المماليك الجلبان كانوا يتصرفون بضوء أخضر من أكبر أكابر المجرمين الذى يسميه المقريزى ( سلطان الإسلام ) والذى تعلم الإسلام من شيخه بدر الدين العينى .

4 ـ وحتى لا نكتفى بلعن الماضى وأكابر مجرميه علينا أن نتذكر أيضا أن أولئك المماليك الجلبان جىء بهم كبارا الى وطن لا ينتمون اليه ، ولكن يمتلكونه ويعتبرون أهله ملكية خاصة لهم . هم ( مماليك غرباء ) ولكنهم يملكون الأحرار المصريين أصحاب البلد ، وهذا تناقض عجيب الشأن .

5 ـ الأعجب أن العسكر المصرى الحاكم الآن ـ والمولود في مصر ـ يتصرف بنفس العقلية . معه تسليح حربى للجيش المحارب ، ويستخدمه ضد المصريين العُزل المسالمين . والويل لمن يقع تحت أيديهم في السجون مكبّلا .. يمارسون عليه إنتصارا أكبر من انتصارت المماليك الجلبان في عصر برسباى . وأيضا يحدث هذا بمباركة شيخ الأزهر وزمرته ، لاعقى أحذية العسكر .

6 ـ عليهم ــ جميعا ــ لعنة الله جل وعلا والملائكة والناس أجمعين .!

  وظائف أكابر المجرمين

( ‏ وفيه خُلع على الأمير الوزير غرس الدين خليل ، واستقر أمير الركب.  )

تنقلات في الوظائف ودفع أموال

( وفي سابعه‏:‏ توجه جكم خازندار المقام الجمالى وخاله إلى طرابلس ، بإنتقال الأمير الكبير بها‏ ، وهو تمربغا المحمودى إلى الحجوبية الكبرى بها‏. وإنتقال الأمير آق قجا العلاى من الحجوبية إلى الإمرة الكبرى‏. وأن يقوم تمربغا بأربعة آلاف دينار وللمسفر المذكور بألف دينار‏. ورسم لجكم المذكور أن يكون مسفر قاضى القضاة كمال الدين ابن البارزى ، فبعد جهد حتى أخذ منه في يومه ثلاثمائة دينار‏. ولم تجر العادة بمثل ذلك‏. ) .

تعليق

1 ـ انتقل الأمير جكم خال ( ولى العهد ) ( جمال الدين يوسف بن برسباى ) الى طرابلس ( الشام ) تابعا للأمير تمربغا الذى تولى الحاجب الأكبر فيها . وانتقال الأمير آق قجا من الحاجب الأكبر ليتولى كبير الأمراء . ويدفع الأمير تمربغا 4 آلاف دينار لمن يصحبه في سفره .

2 ـ المسفّر أي المصاحب للأمير في سفره ، وياخذ ما يُسمّى الآن بدل سفر . وكان الأمير بجكم هو ( مُسفّر ) قاضى القضاة ابن البارزى ، واستطاع جكم بجهد جهيد أن يحصل منه على 300 دينار عن كل يوم .

تنقلات في الوظائف بدون دفع أموال

1 ـ ( وفي عاشرة‏:‏ خلع على الأمير أينال العلاى الأجرود وإستقر في نْيابة صفد عوضا عن الأمير يونس ، ورسم ليونس أن يقيم بالقدس بطالا .  وخلع على الأمير طوخ بن بازق الجكمى رأس نوبة ، ليخرج مسفر الأمير أينال إلى صفد‏. )، أي ليكون مصاحبا للأمير أينال العلاى الأجرود في السفر.

2 ـ ( وفي رابع عشرة‏:‏ أنعم بإقطاع الأمير أينال الأجرود وإمرته على الأمير قراجا شاد الشرابخاناه‏. وإستقر أينال الخازندار أحد الأمراء الطبلخاناه شادا عوضا عن قراجا ، وإستقر على باى الأشرفى الساقى الخاصكى خازندارا عوضا عن أينال‏. )

عودة التركمانى كاشفا للبحيرة

( وفي تاسع عشرة‏:‏ خلع على حسن بيك بن سالم  الدكرى التركمانى ، وأعيد إلى كشف البحيرة عوضا عن دمرداش‏. )

تصليح قناطر خربة في الفيوم

( وفي يوم السبت خامسه‏:‏ توجه القاضي زين الدين عبد الباسط لكشف قناطر اللاهون من عمل الفيوم ، وقد خربت‏.  )

حفر خليج الإسكندرية وتكلفة حفره على حساب الفلاحين

1 ـ  قياس خليج الإسكندرية قبل حفره:

 ( وفي سادسه‏:‏ قدم الأمير يشبك الحاجب والصاحب كريم الدين والأمير أينال الأجرود ، وقد قاسوا خليج الإسكندرية ، فإذا عرضه عاشرة قصبات فى طول ثلاث وعشرين ألف قصبة ، منها ستة آلاف وأربعمائة قصبة ، تحتاج إلى أن تحفر ، وبقيتها تحتاج إلى الإصلاح‏. )

2 ـ  تعيين أمير مملوكى ليتولى الاشراف على الحفر :

( وخلع على الأمير أقبغت التمرازى ، ليلى حفر خليج الإسكندرية‏. )

3 ـ تحديد تكلفة الحفر فريضة على أهالى الغربية والمنوفية والبحيرة :

( وفي هذا الشهر‏:‏ جبى ما فرض على نواحى الغربية والمنوفية والبحيرة برسم حفر خليج الإسكندرية ، وهو عبارة كل ألف دينار نصف راجل ، يؤخذ عنه مبلغ ألفين وخمسمائة درهم ، من معاملة القاهرة‏. )

4 ـ عدد العمال وأجورهم :( وندب للحفر ثلاثمائة رجل ، تصرف أجورهم من هذا المتحصل . )

5 ـ تجهي>ابن نصر الله هذا كان يتولى محتسبا للقاهرة ، وناظرا ( للضرب ) أي ( سكّ العُملة ) ، وناظرا للأوقاف ، ونديما للسلطان . ثم أضاف اليه برسباى أهم وظيفة : كاتب السّر. واقترن هذا التعيين بتكريمه بموكب ( جليل )

2 ـ ويضيف المقريزى معلومات عن ابن نصر الله ، يقول عنه :

( وكان من خبره ، أنه نشاً من صغره بزى الأجناد ، وبرع في الحساب وكتب الخط المنسوب وصار أحد الحجاب في الأيام الناصرية فرج بن برقوق‏. وتقلب مع والده في مباشرة نظر الجيش ونظر الخاص والوزارة‏. وشُكرت مباشرته لذلك‏ ، مما طبع عليه من لين الجانب وطيب الكلام وبشاشة الوجه وحسن السياسة، فصار في الأيام المؤيدية شيخ من جلة الأمراء ، وولى أستادارية السلطان فى الأيام الظاهرية ططر وملك الأمراء‏. ثم عُزل عن ذلك ، وأُعيد إليه في الأيام الأشرفية برسباى.  وكان ما كان من مصادرته ومصادرة والده الصاحب بدر الدين على مال كبير، أُخذ منهما ، حتى ذهب مالهما. إلا أنه لم يمسهما بحمد الله سوء ولا أُهينا فلزما دارهما عدة سنين‏. ثم  تنبّهلهما الإقبال ، فولى الحسبة ، ومازال يترقى ، حتى عيّنه السلطان لمنادمته بعد ابن قاسم بن المحلاوى ، وصار يبيت عنده . وشُكرت خصاله ، و لم يسلك من الطمع وأخذ الأموال من الناس ما سلكه غيره ، بل عفّ وكفّ وأفضل وزاد في الأفضال ، إلى أن سعى بعض الناس في كتابة السر بمال كبير جدًا وأرجف بولايته ، فاقتضى رأى السلطان ولاية الأمير صلاح الدين وعرض عليه ذلك ليلا ، وهو مقيم عنده على عادته ، فاستعفى من ذلك، فلم يعفه وصمم عليه ، ورسم بتجهيز التشريف له ثم أصبح فخلع عليه وأقره على ما بيده‏. وإستمر به في منادمته والمبيت عنده ، فضبط أمره وصار يكتب المهمات السلطانية بخطه بين يدى السلطان ، لما هو عليه من قوة الكتابة وجودتها ومعرفة المصطلح  ، والدربة بمعاشرة الملوك وتدبير الدول ومقالبة الأحوال‏. فتميز بذلك عمن تقدمه من كتاب السر بعد ابن فضل الله ، فإنهم منذ عهد فتح اللّه صارت المهمات السلطانية إنما يتولى كتابتها الموقعونْ بإملاء كاتب السر ، حتى باشر هو فاستبد بالكتابة ، وحجب كل أحد عن الاطلاع على أحوال المملكة بحسن سياسته وتمام معرفته‏. )

تعليق

1 ـ كان في بدايته يرتدى زىّ الأجناد ، وذلك هو السبب في تلقيبه بالأمير . وبعض المدنيين العاملين في المناصب الديوانية الخاصة بالجيش يحصلون على لقب ( أمير ). ولقد نشأ في ظلّ أبيه  الذى تولى نظارة الجيش و( الخاصّ ) أي ( الأموال لخاصة بالسلطان ، مع الوزارة"> الوباء لم يمنع تقاتل المحمديين بعضهم بعضا ، كما هو الان مع كورونا  .

 يقول المقريزى  : ( وفي هذه السنة‏:‏ شنع الموات بصعدة وصنعاء من بلاد اليمن ، بحيث ورد إلى مكة كتاب موثوق به ، أنه مات بصعدة وصنعاء وأعمالهما زيادة على ثمانين ألف إنسان‏. ). 

( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى )

هناك من يطالب بتطبيق ما يسمونه بالشريعة ، ولا يعرفون أن أسلافهم طبقوا شريعة شيطانية لصالح أكابر المجرمين . هذا الكتاب يعطى تقريرا تاريخيا عن تطبيق شريعة أكابر المجرمين في عصر السلطان برسباى من واقع تاريخ السلوك للمقريزى.
more




مقالات من الارشيف
more