السلطان المملوكى برسباى وابن حجر العسقلانى أكابر المجرمين في طاعون عام 841 :
خلفية تاريخية لفهم الأحداث السياسية التي سجلها المقريزى عن عام 841

آحمد صبحي منصور Ýí 2020-04-02


خلفية تاريخية لفهم الأحداث السياسية التي سجلها المقريزى عن عام 841

السلطان المملوكى برسباى وابن حجر العسقلانى أكابر المجرمين في طاعون عام 841

 مقدمة :

1 ـ تاريخ المماليك يؤكد إعجاز القرآن الكريم في آيتين :

قال جل وعلا :  

1 / 1 : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)  النساء).  

1 / 2 : ( اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر )

2 ـ يمكن تلخيص التاريخ المملوكى بكلمة واحدة : ( التآمر ) أو بالتعبير القرآنى ( المكر )، 2 / 1 : كان  المماليك أنفسهم أبرز ضحايا هذا التآمر ، وكان من ضحايا التآمر أيضا الجناح المدنى من أكابر المجرمين ، وهم الفقهاء ورجال الدين. أصحاب المكر من أكابر المجرمين يحيق بهم مكرهم ، و دفع الثمن أيضا الشعب الخانع لهم . في أوقات الفتن المملوكية كان الشعب يدفع الثمن ، سلبا ونهبا وإغتصابا .

3 ـ  ونعطى موجزا للدولة المملوكية من خلال التآمر والمكر .

أولا : أساس الداء

1 ـ مفتاح الشخصية المملوكية – كنظام سياسي – هو المساواة بينهم جميعا في الأصل والنشأة ، والتفاضل بينهم يكون بالمقدرة القتالية والمكر والتآمر . كلهم جيء به من بلاده الأصلية رقيقا لينخرط في سلك المماليك ثم ليتدرج بكفاءته السياسية والحربية حتى يصل إلى السلطنة ، ولا عبرة إلا بملكات المملوك وقدراته . لذا نجد بعض الغرائب فالظاهر بيبرس كان في الأصل مملوكا لأحد الأمراء ، وهو الأمير البندقداري ، ونسب اليه ، فقيل عنه ( بيبرس البندقداري) . واعتقه سيده ( البندقدارى ) وشق بيبرس طريقه فوصل بدهائه وقدرته إلى أن أصبح سلطانا وسيده السابق أصبح مجرد تابع صغير له في دولته . مهارة بيبرس تتجلى في قدرته الفائقة على المؤامرات والدهاء مع نشاطه الحربي .... 

2 ـ وحين يصل مملوك ما بدهائه وحذقه في المؤامرات إلى السلطنة فإنه يواجه مؤامرات الآخرين إلى أن يموت نتيجة المؤامرة أو يتم عزله. وهكذا تدور السياسة المملوكية في حلقة لا تنتهي من الدسائس والمؤامرات و ( المكر )...    

ثانيا : ملاحظات عن فنون المكر ( التآمر ) المملوكي : 

1- معرفة المماليك بفن المؤامرات بدأ قبل قيام الدولة المملوكية رسميا، أي أن المماليك تعلموا فن المؤامرات على أيدى أكابر المجرمين في الدولة الأيوبية ، حيث برع الأيوبيون في حياكة المؤامرات ضد بعضهم البعض , وهذا ما فعله مماليك السلاطين الأيوبيين إذ كانوا عنصرا في تدبير المؤامرات بين سادتهم ملوك بنى أيوب . والمماليك البحرية شاركوا في مؤامرات سيدهم الصالح أيوب ثم تآمروا على إبنه توران شاه فقتلته ، وقامت دولة المماليك البحرية.  واستكثر السلطان قلاوون في شراء المماليك واسكنهم أبراج القلعة وهم ( المماليك البرجية ) وكثر المماليك البرجية ومارسوا لعبة المؤامرات في سلطنة أبناء وأحفاد سيدهم قلاوون , إلى أن قامت دولتهم وقد تمرسوا – أي البرجية – بفن المؤامرات خلال الدولة المملوكية البحرية إلى أن أقاموا دولتهم البرجية تماما كما فعل السلاطين البحرية أثناء دولتهم الأيوبية .    

2- قد تنتهي المؤامرة بقتل السلطان – وحينئذ يتولى القاتل السلطنة طالما كان كفئا ، وبذلك يصبح قتل السلطان مسوغا شرعيا عندهم لصلاحية القاتل كسلطان  . ومعنى ذلك إن الأمراء لا يخضعون للسلطان إلا لأنه أقواهم ، فهو قرين لهم وند من حيث الأصل ، فإذا ما مات وتولى إبنه ( الذى لم يمسسه رقُّ  ) ــ فحظ ابنه أن يكون مجرد فترة انتقالية ليظهر فيها الأكفاء من الأمراء ليتغلب على السلطنة ويمسك بزمام الأمور ويعزل السلطان الصغير أو يقتله . ومن عجب إن أكثر السلاطين كان يخدع نفسه ويصدق نفاق أتباعه فيخيل إليه أنهم سيرعون حقه عليهم بعد موته في رعايتهم لابنه ، فيأخذ عليهم العهود والمواثيق ويمكّن لابنه في حياته ما استطاع ، ومع ذلك فإن أخلص ممن يقوم بأمر ابنه في حياته يكون هو نفسه الذي يعزله بعد فترة انتقالية معقولة ويتسلطن ، وينشيء أتباعا جددا من المماليك الذين يشتريهم ، ويبعد عنه رفاقه السابقين في المؤامرات ، وبعد أن تقترب منيته يظن أن الأمور استتبت له فيأخذ العهد لابنه ويأتمن عليه أخلص أتباعه إلا أن القصة تتكرر بحذافيرها , ويعزل التابع ابن سيده السلطان السابق وتتكرر القصة وهكذا . هذا يذكرنا بقوله جل وعلا : ( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة )

ثالثا : إستعراض سريع للدولة المملوكية وسلاطينها

1- أثناء الدولة الأيوبية : إستكثر الأيوبيون من شراء المماليك . وقبل أن تقوم دولة المماليك شارك أمراء المماليك في حوادث الخلاف المستمرة بين أبناء البيت الأيوبي ؛ فالمماليك ( الصلاحية ) – الذين اشتراهم صلاح الدين – علا  شأنهم على حساب المماليك ( الأسدية ) – أتباع أسد الدين شيركوه . وقد تذمر الأسدية أبان حكم صلاح الدين إلا أن شخصيته القوية لم تسمح بتطور الأمور. وبعد موت صلاح الدين استغل أخوه السلطان العادل  (حاكم الشام ) استياء المماليك الأسدية من علو نفوذ الصلاحية فتحالف معهم حتى ضم بهم مصر ، وبه علا شأن الأسدية وضعفت المماليك الصلاحية . وكون العادل مماليك له عرفوا بالعادلية , وأولئك كان لهم دور بعد موت العادل ، فقد كرهوا تولى ابنه الكامل فاضطهدهم الكامل , وكون مماليك له عرفوا بالكاملية ، وبدورهم فقد كره السلاطين الكاملية تولية ابن سلطانهم الكامل وأسمه العادل الثاني ، فاعتقلوه وبعثوا لأخيه الأكبر الصالح أيوب فجاء إلى مصر وتسلطن . وعمل الصالح أيوب على الإكثار من شراء المماليك وأسكنهم في الجزيرة فعرفوا ( بالبحرية).  وأولئك  المماليك البحرية كرهوا ابن سلطانهم الصالح أيوب – وهو توران شاه إذ كان على شيمة أسلافه يضطهد مماليك أبيه ويعول على إنشاء عصبة مملوكية جديدة تدين بالولاء له ، وعلى ذلك فلم يكافئهم على جميلهم حين هزموا لويس الاسع ، وحفظوا له ملكه . أظهر لهم العداء والتآمر فقتلوه , وانفردوا بالحكم من دونه ومن دون الأيوبيين جميعا . فالمماليك منذ بداية الدولة الأيوبية وهم الاعرف بفنون المؤامرات ولا ريب وأن وصولهم للسلطة تم بمؤامرة أطاحت بحياة توران شاه , وعلى ذلك الدرب سيسيرون في دولتهم .      

2- وبتولى المماليك السلطنة اتخذت مؤامراتهم طابعا محليا داخليا فيما بين المماليك أنفسهم للوصول للحكم أو للاحتفاظ به من أنياب الطامعين من بينهم .

2 / 1 : بعد قتل توران شاه بتدبير شجرة الدر وتنفيذ المماليك البحرية بزعامة أقطاي وبيبرس اتفق على تولية شجرة الدر أرملة الصالح أيوب ( أم ولده خليل ) , واحتج الخليفة العباسي على أن تتولى امرأة حكم المسلمين في مصر , فكان لابد لشجرة الدر أن تتزوج . وكان على رأس المماليك اثنان : أقطاي زعيم البحرية و أيبك كبير المماليك السلطانية . ورأت شجرة الدر أن نفوذها يمكن أن يستمر مع زعيم البحرية ايبك دون اقطاي القاتل الخشن فتزوجت ايبك , وبذلك أصبح المماليك قسمين يتآمر كل منهما ضد الأخر ،فاقطاي أتبع أسلوب البدء بالهجوم فظل جنوده ينشرون الفساد ليثبت أن السلطان الجديد عاجز عن إقرار الأمن ، وفي نفس الوقت خطب إلى نفسه أميره أيوبية وطلب من شجرة الدر أن تترك لها مكانها في القلعة . وتآمرت شجرة الدر وايبك على قتل اقطاي ، وشارك في المؤامرة قطز الساعد الأيمن لايبك . وكان قطز صديقا لبيبرس وأقنعه بسلامة النية في دعوة اقطاي لمقابلة شجرة الدر , وحين دخل أقطاي القصر السلطاني أحيل بينه وبين حرسه وقتل . وألقيت رأسه إلى أتباعه ففروا وهربوا من مصر وكان من بينهم بيبرس .      

2 / 2 : وصفا الجو لأيبك وشجرة الدر , إلا أن الخلاف ما لبث أن اشتد بينهما إذ كانت شجرة الدر امرأة طموحا تنشد الاستقلال بالسلطة وترى في زوجها – الذي كان تابعا سابقا  لها – مجرد أداه لتنفيذ مآربها , وايبك من ناحيته عزم على التحرر من قبضتها والاستئثار بالنفوذ ، وبدأ التآمر بينهما . أعلن أيبك انه سيخطب إلى نفسه نفس الأميرة الأيوبية التي كان أقطاي يخطبها لنفسه سابقا ، وليزيد من إغاظة شجرة الدر رجع إلى زوجته السابقة ( أم علي ) , واستعملت شجرة الدر كل دهائها حتى أقنعت أيبك بالصلح معها , وحين جاء يقضى معها الليل كانت ليلته الأخيرة . وثارت المماليك على شجرة الدر ونصبوا عليا الطفل إبن أيبك سلطانا , وشفت أم علي غليلها من غريمتها شجرة الدر إذ أمرت الجواري أن يقتلنها ضربا بالقباقيب .

2 / 3 : وتولى قطز الوصاية على السلطان الطفل علي بن أيبك . وأقبل الزحف المغولي فعقد مجلسا أعلن فيه أن البلاد في خطر وان السلطان الجديد لا يستطيع النهوض بالأمر ز وعزله وتولى مكانه .  ولتوحيد الجهود ضد المماليك فقد بعث السلطان قطز لصديقه السابق بيبرس وأمراء البحرية الفارين ليتعاونوا معه ضد الخطر المغولي ، فأتوا إليه من الشام .

2 / 4 : وبعد انتصار قطز على المغول تأمر عليه زعماء البحرية بقياده بيبرس انتقاما لمقتل سيدهم أقطاي ، وقتلوا قطز في طريق العودة . وتم تنصيب بيبرس سلطانا .

2 / 5 : قام بيبرس بتوطيد الدولة المملوكية ورفعة شأنها في الشام والعراق والحجاز وحاول في أخريات حياته أن يوطد الأمر لابنه سعيد بركة فولاه العهد من بعده . وحتى يضمن ولاء المماليك له من بعده فقد زوّجه من ابنة كبير المماليك قلاوون الألفي ، وجعل قلاوون نائبا له , وأخذ العهد لابنه في احتفال كبير أقسم فيه المماليك على الإخلاص ( لسعيد بركة بن الظاهر بيبرس ) حين يتولى العرش بعد أبيه .

2 / 6 : ولكن ذلك كله لم يجد نفعا . إذ تآمر قلاوون على (سعيد بركه )  وأرغم سعيد بركة على التنازل – سنة 678 وتولى مكانه ..  وأقامت أسرة قلاوون في حكم مصر نحو قرن أو يزيد 678 – 784 ..

2 / 7 : متاعب قلاوون لم تنته باعتقال المماليك الظاهرية – أتباع – الظاهر بيبرس – وإحلال أنصاره محلهم , وإنما ثار عليه – أقرانه من الأمراء كما فعل الأمير سنقر نائب الشام , مما جعل قلاوون ينشيء لنفسه عصبة خاصة من المماليك الذين أكثر من شرائهم وأقام لهم أبراجا خاصة بجانبه بالقلعة فعرفوا( بالمماليك البرجية) . وأولئك هم الذين تآمروا على اغتصاب السلطة من أبناء وأحفاد السلطان قلاوون ثم استطاع أحدهم في النهاية وهو برقوق إقامة الدولة المملوكية البرجية .       

3- وأسهم المماليك البرجية في الفتن في دولة أبناء قلاوون – أو في نهاية الدولة المملوكية البحرية . وشاركوا في ذلك بقايا المماليك البحرية.

3 / 1 : تآمر بعض البحرية على قتل الاشرف (خليل بن قلاوون) الذي فتح عكا وأزال الوجود الصليبي نهائيا , فقتل بيدرا الاشرف خليل وأعلن نفسه سلطانا إلا أن أمره لم يتم فقد تمكن المماليك البرجية – إتباع البيت القلاوونى من قتل الأمير بيدرا  .

3 / 2 : وبدأ الصراع بين المماليك البرجية حول تولية السلطان ، , وكالعادة اتفق على تولية الصبي (محمد بن قلاوون ) السلطة باسم الناصر محمد .

3 / 3 : وتحكم النائب كتبغا في الناصر محمد ,ثم عزله ونفاه إلى الكرك وأعلن نفسه (كتبغا) سلطانا سنة 694 .

3 / 4 : ثم تآمر على كتبغا حليفه الأمير لاجين (وكان لاجين احد قتلة الاشرف خليل بن قلاوون ) وقد اختفي ثم ظهر وتحالف مع كتبغا ، وبتأييده تولى كتبغا السلطنة وتمكن لاجين من الانتصار على كتبغا ، فآثر كتبغا السلامة ، وهرب متنازلا عن العرش ، فتولى لاجين السلطنة , حتى قتله بعض الطموحين من صغار الأمراء فتم قتلهما ، واتفق على أن يعود الناصر محمد بن قلاوون للسلطنة للمرة الثانية ( 698 – 708 ) .

3 / 5 :  إلا أن الناصر محمد وقع للمرة الثانية في قبضة الأميرين المتحكمين فيه ( بيبرس وسلار )  ولما لم يستطع ممارسة نفوذه اضطر للفرار بنفسه إلى الكرك , فتسلطن بيبرس الجاشنكير.  إلا أن أمره لم يتم فقد ثارت عليه العامة والجند وتمكن الناصر من الرجوع واسترداد عرشه وقتل بيبرس الجاشنكير وسلار وحكم مستبدا بالأمر حتى وفاته .

3 / 6 :  وهكذا بدأ المماليك البرجية في المؤامرات أثناء – الدولة القلاوونية البحرية , وقد اتخذ تدخلهم في بداية الآمر مظهر الدفاع عن آل قلاوون بقتلهم بيدرا قاتل الاشرف خليل بن قلاوون ، ثم ما لبثوا أن تحكموا في أخيه الناصر محمد ، وتمتعوا بالامتيازات على حساب بقايا الأمراء المماليك البحرية . ثم تطور نفوذهم أخيرا فتولى احدهم – وهو بيبرس الجاشنكير – السلطة كأول سلطان برجي في الدولة البحرية . ومع تهاوي عرشه سريعا إلا أن ذلك كان إرهاصا بقيام الدولة البرجية على يد برقوق .

 

3 / 7 : ولقد انعكس نفوذ المماليك البرجية على مصير السلاطين من أبناء وأحفاد الناصر محمد بن قلاوون بعد وفاته ، فكثر توليهم وعزلهم تبعا لمؤامرات كبار الأمراء البرجية , حتى انه في العشرين سنة الأولى التي أعقبت وفاة الناصر محمد بن قلاوون تسلطن ثمانية من أولاده ( 741 – 762 ) وفي العشرين سنة التالية تسلطن أربعة من أحفاده , وبعضهم تسلطن وعمره عام واحد كالسلطان الكامل شعبان بن ناصر محمد ، وبعضهم لم يبق في الحكم إلا شهرين مثل الناصر أحمد بن الناصر محمد. وهذا الاضطراب وعدم الاستقرار أتاح لكبار المماليك البرجية الوصول للسلطنة بعد أن جربوا التحكم في صغار السلاطين من أبناء الناصر محمد بن قلاوون وتلاعبوا بهم وفي النهاية تولوا الحكم وساروا بنفس أسلوب المؤامرات .

4- وقد عمرت دولة المماليك البرجية أكثر من مائة وأربعة وثلاثين سنة (784 – 922 ) حكم فيها ثلاثة وعشرين سلطانا ,ومنهم تسعة حكموا مائة وثلاث سنوات ارتبط بهم تاريخ الدولة البرجية وهم برقوق مؤسس الدولة وابنه فرج و شيخ و صاحبنا ( برسباى ), وجقمق وإينال , وخشقدم وقايتباى وقنصوة الغوري .

5 ـ وقد تمكن برقوق بسلسلة من الدسائس والمؤامرات أن يقيم الدولة البرجية وتغلب على مصاعب عديدة وصلت إلى درجة عزله من السلطنة إلا أنه عاد وانتصر .

5 / 1 : فلقد غدا أحفاد الناصر محمد بن قلاوون لعبة  في أيدي الأمراء البرجية الذين تنافسوا على الوصول إلى درجة الاتابك أي أن نائب السلطنة، للسلطان القلاوونى الصغير وإسمه (على ) . وتبلور النزاع أخيرا بين أميرين كبيرين هما بركة وبرقوق , وانتهي الصراع بينهما بانتصار برقوق على منافسه ومن يتبعه، والتزم بركة أمام القضاة الأربعة ( الجناح المدنى من اكابر المجرمين ) بألا يتحدث في شيء من أمور الدولة وأن يترك ذلك لبرقوق بمفرده .

5 / 2 :  وأصبح برقوق هو المرشح عن البرجية أو الجراكسة للتحكم في السلطان القلاووني الصغير , إلا أن برقوق طمع في المزيد فقد كان يريد أن يخلع السلطان المغلوب على أمره ويحكم هو فعلا ورسميا . ولذلك خشي منافسه القديم بركة فاعتقله في الإسكندرية وأوعز لواليها فقتل بركة في السجن . وثار أتباع بركة فأعلن لهم برقوق أن قتل بركة تم بدون علمه، وسلّم لهم والى الإسكندرية فقتلوه واسترضاهم بذلك .

5 / 3 : وتفرغ برقوق بعدئذ لخلع السلطان علي , وكان الرأي العام يعطف على أبناء البيت القلاووني ولا يميل إلى خلعهم من السلطة رسميا, وقد سبق أن الجنود والعامة ثاروا على بيبرس الجاشنكير حين خلع الناصر محمد بن قلاوون وتعاطف معه حين هرب إلى الكرك حتى رجع وانتصر على غريمه . وبرقوق يدرك ذلك جيدا ، لذا عمد إلى تخدير الرأي العام فاستضاف شيخا صوفيا , معتقدا – أي يعتقد الناس ولايته – وهو الشيخ على الروبي . وقد أعلن الروبي أن برقوق سيلي السلطنة يوم الأربعاء تاسع عشر من رمضان 785 , وأن الطاعون – وكان وقتها ساريا – سيرتفع عن القاهرة ثم يموت الطفل على , ومعلوم أن الصوفي يحظى باعتقاد العامة في علمه للغيب , وإذ هيأ برقوق الأذهان لما سيحدث فقد قتل السلطان الصغير وأشيع موته ودفن في يومه ، ثم عين بعده أخاه أمير حاج ، ثم عقد مجلسا بالخليفة العباسي و القضاه الأربعة والأمراء ، فعزلوا أمير حاج ، وبايعوا برقوق في التاسع عشر من رمضان سنة 784 أي في نفس الوقت الذي أعلنه الشيخ الروبي سابقا . وهنا تحالف أكابر المجرمين من المماليك مع أكابر المجرمين من رجال الدين ، وتمت ولادة الدولة المملوكية البرجية.

5 / 4 : ثم عمد برقوق للتخلص من أعوانه من أكابر المجرمين من الأمراء الذين ساعدوه فقضي عليهم بالقتل والنفي ، ومن رجال الدين ، فإعتقل الخليفة العباسي . وفي هذه الظروف مات الشيخ الروبي مما يعزر الشك في – أن لبرقوق يدا في موته وبذلك ضمن برقوق لنفسه أن ينفرد بالأمر ولا يكون لأحد عليه فضل أو نفوذ باعتباره شريكا له في المؤامرة .

5 / 5 : إلا أن برقوق أخذ من مأمنه كما يقال ، فقد ثار الأمير يلبغا بالشام فوجه إليه برقوق مملوكه ( المخلص ) الأمير منطاش على رأس جيش لإخضاعه , إلا أن بلبغا اتفق مع منطاش على عزل برقوق , وبذلك استدار منطاش بجيشه ومعه بلبغا بجيشه إلى القاهرة لحرب برقوق . ولما لم يكن لبرقوق جيش يقابل به الأميرين فقد هرب إلى الكرك ، ودخل منطاش وبلبغا إلى القاهرة ، وأعيد السلطان أمير حاجي القلاوونى ، وكما كان متوقعا دب الخلاف بين منطاش وبلبغا وانتصر منطاش . وفي هذه الأثناء هرب برقوق من الكرك وأعد جيشا وأنضم إليه أنصاره والتقى مع مملوكه السابق منطاش في موقعة شقحب فانتصر عليه وعاد للسلطنة للمرة الثانية سنة 797 .

6 : ومات برقوق سنة 801 وتولى ابنه الناصر فرج , وقد اضطر فرج للاختفاء بسبب مؤامرة  حتى أعاده الأمير يشبك , ثم ثار عليه الأميران ( شيخ ) و ( نوروز) فتنازل لهما .

7 ـ وثار النزاع بين الأميرين ( شيخ ) و ( نوروز) وانتهي بمصرع نوروز سلطنة المؤيد شيخ .

 8 ـ بعد موت السلطان المؤيد شيخ تولى ابنه أحمد تحت وصاية الأمير ططر. إلا إن الأمير ططر سلبه السلطنة وتولى بعده .

9 ـ ومات ططر سريعا ، قبل موته أخذ العهد لابنه محمد بن ططر ، تحت وصاية ( صاحبنا ) برسباى ، إلا أن برسباى ما لبث أن عزل ابن السلطان ططر   وتولى مكانه .

10 ـ , وتوفي الاشرف برسباى عام الطاعون  841 ، وقبل موته تنازل عن السلطنة  لابنه يوسف، تحت وصاية الأمير جقمق . وسنعرض لهذا تأكيدا على التحالف بين أكابر المجرمين من العسكر ورجال الدين .

11 ـ وقام جقمق بعزل يوسف بن برسباى وتسلطن جقمق . وحين مات جقمق عهد لابنه عثمان بن جقمق بوصاية اينال فعزله أينال وتسلطن مكانه .      

12 ـ وسادت فترة من الضعف في الدولة البرجية وتولى سلاطين ضعاف وكثر فيهم العزل والتولية حتى أن بعضهم كالسلطان خير بك لم يمكث سلطانا إلا ليلة واحدة سنة 872 . ثم انتعشت الدولة مؤقتا بتولي السلطان قايتباى الذي حكم تسعة وعشرين عاما تنازل في السنة الأخيرة لابنه محمد ابن قايتباى الذي دفع حياته ثمنا لمؤامرات الكبار . وتعاقب جملة من السلاطين الضعاف حتى تولى الغورى سنة 906 فأعاد الأمر إلى حين ، وانتهي أمره وأمر الدولة المملوكية في مرج دابق سنة 922 .    

13 ـ كان الذى يؤرق السلطان هم الأمراء المماليك الثائرون عليه . وفى سلطنة برسباى كان خصمه  اللدود هو الأمير جانبك الصوفي ، وهو أمير قديم للظاهر برقوق مؤسس الدولة المملوكية البرجية ، وقد ترقى حتى صار من أمراء الألوف، خاف منه الأشرف برسباى فسجنه، ففر من سجنه بالإسكندرية، وظل في تنقله وبرسباى يفتش عنه ، الى أن ظهر عند الأمير ابن دلغادر شمال العراق ، وتمكن الوالى المملوكى هناك من قتله وبعث برأسه الى برسباى ، فإستراح برسباى .  وسنعرض له فيما ذكره المقريزى في عام 841 . 

اجمالي القراءات 3665

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   dalou baldou     في   الخميس ٠٢ - أبريل - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[92078]

هدية الى احمد صبحي منصور


شكرا أستاذنا أحمد صبحي منصور على كل مجهوداتك الجبارة في سبيل محاربة الظلام و نشر النور للأجيال القادمة 

فإن الله يريك ثمار مجهوداتك في الدنيا قبل الآخرة 

و خصوصا من الجيل الجديد 

أريد أن أهديك هذا الجهد الكريم من أستاذنا الكريم أمين صبري في درس نشر اليوم 03 04 2020 بعنوان النبوة 

نسأل الله أن يعينه و ليطمئن قلبك أستاذنا الكريم أحمد صبحي منصور بهذه البشرى السارة  و لجميع متتبعي موقع أهل القرآن هذا هو الرابط

https://www.youtube.com/watch?v=9DCV4DJRjFU

2   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الخميس ٠٢ - أبريل - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[92080]

تحياتى أستاذى دكتور - منصور وإخوتى أهل القرءان الكرام .


أولا تحياتى للأستاذ  dalou baldo وإحترامى لحريته الفكرية . ولكن من باب التواصى فى الحق لأستاذى دكتور - منصور - ولإخوتى أهل القرءان أقول . ليس لديكم وقت لتُضيعوه فى مشاهدة حلقة (أمين صبرى ) فأنا شاهدت 14 دقيقة منها مع صبرى على إرتفاع (السكرى) عندى لما شاهدته فهو بإختصار عنده تشوش فى فهم القرءان ،ولا يتدبر القرءان بالقرءان ويشرحه طبقا لهواه هو ،ولا يؤمن إطلاقا بأن النبوة  كانت مقصورة على من إختارهم المولى جل جلاله للنبوة والرسالة وإنما هى لكل إنسان يكتشف شيئا جديدا لا يعلمه الناس ويُنبئهم به . وهو فى هذا يقترب  من رشاد خليفة  مع إختلاف  الموضوع فرشاد كان لا يؤمن بإنتهاء الرسالات ،وهو يؤمن ويدعو لوجود النبوة وإستمرارها لكل الناس و لمن يأتيه وحى أو إلهام التنبؤ......وأنا لا أُصادر على حقكم فى مشاهدة الحلقة ولكن حرصا على وقتكم وعلى ألا تشعروا مثلى بأن مشاهدتها  هى مشاهدة للخوض فى آيات الله .....



وله حريته فى أن ينشر ما يقول وللأستاذ  dalou baldo ولكن خارج صفحات هذا الموقع موقع أهل القرءان  الذى يتدبر القرءان من القرءان ويسير دُبر وخلف آيات القرءان وحقائقها ولا يتخطاها ولا يُعاجز فيها ..



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,343,152
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي