.:
على المظلوم أن يحرر نفسه بسيفه لا بسيف الله

نبيل هلال Ýí 2012-10-08


كان واقع المسلم طوال أربعة عشر قرنا يشهد أنه كان مسلما أخرس لم يقو حتى على رد الظلم بلسانه فقد قص الفقيه لسانه لحساب السلطان , إنه المسلم الذي صور له فقهاؤه أن الغاية من وجوده هي العبادة فقط وطاعة الخليفة النبوي , وأفهموه أن خير ما يفعل هو الدعاء لولي النعم , وأن التعبد -مجرد التعبد- يسقط مسئوليته أمام الله تجاه نفسه وأولاده وأهله ووطنه , إذ فرط وخاف وخنع ورضي بالضيم . وكل التشريعات الوضعية تخدم مصالح الطبقات الحاكمة وحدها , وانظر إلى التشريعات الإقطاعية والرأسمالية وسائر تشريعات النخب , ما من تشريع منها يستهدف مصالح الغالبية , فالتشريع الإلهي وحده هو الذي لا يحابي طبقة على حساب أخرى , فما يعنيه هي مصالح الناس . ولم تكن مشكلة المسلم قط في فقه الطهارة أو العبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج , بل كانت مشكلته- وستظل -هي العدالة والحرية والمساواة , وهي أمور نجح فقهاء السلاطين في دفنها في حفر مغطاة جيدة التمويه والإخفاء . وقد أقام المسلم المروَّض الصلاة وأدى الفروض والنوافل , ومع ذلك عاش فقيرا مظلوما لا يجد قوت عياله , وتساءل في استغراب عن عدم نصرة الله له , وغاب عنه أن كل ما يؤديه يقع في دائرة العبادات ولكي يحرر نفسه عليه الانطلاق من دائرة المعاملات التي تحدد العلاقات بين الناس حكاما ومحكومين , فالله لن ينصر هذا المسكين ما لم يبادر هو إلى تحرير نفسه , بسيفه هو , لا بسيف الله . فالعدالة تنال منها مطامعُ المستبد وخيانةُ الكاهن وظلمُ القاضي . ولم يتنبه المسلم إلى أنه مظلوم , ظَلمه الخليفة " المقدس " , ونهبه السلطان " الشرعي" , وضلله الفقيه "المؤمن". ودائرة المقدس هي الدائرة التي يُحظر على الناس دخولها إلا وعيونهم مغمضة وعقولهم معطلة , فالقداسة الموهومة التي تحيط بكل مَن بهذه الدائرة سواء أكان حاكما أو كاهنا , تمنع بالضرورة اتهام الحاكم- وهو الشاغل الأساسي لدائرة المقدس- بالفساد أو الاحتيال , أو اتهام الكاهن بأنه جاهل أو عون للمستبد . لذا فإن معظم تاريخ المسلمين خال - تقريبا- من الثورات على حكامهم وإن جاعوا وتعروا , لأن دائرة المقدس وسعت كل شيء في حياتهم : السلطان وأبناءه وصوره في الدواوين وتماثيله في الميادين , والمشايخ وكل ما ينطقون به حتى وإن كان هراء وكلاما فارغا . والمستبد يستأصل شأفة القُوَى المعارضة له , أيَّ قوى : سياسية واقتصادية واجتماعية , فهي إن لم تكن خطرا راهنا فقد تكون خطرا مستقبليا . أما الكيانات القوية الأخرى التي لا يستطيع سحقها أو لأنه قد يحتاج إليها وإلى وجودها على الساحة كقوة مساندة له , فهو يرشوها عملا بالمثل القائل " اليد التي لا تستطيع قطعها قبِّلها. والمستبد ضعيف بذاته ,لكنه يستأسد بخنوع الناس الذين يجبنون ويتخاذلون عن مدافعته , فيمتطيهم , وغاب عن المستضعفين في الأرض أنه لا يمكن اعتلاء ظهورهم ما لم ينحنوا . والمستبد خائف بطبيعته من كل ما اقترف ومن كل من أساء إليه , والناس منه يرعدون وممجدون ! ونجح فقيه السلطان - طوال تاريخنا كله - في جعل المسلم يصدق ما يسمعه , ويعمَى عما يراه , فيصدق أن الخليفة عادل ومقدس , ويعمى عما يقترفه من قهر ونهب وقتل للمعارضين ومصادرة للحريات . وكان الخليفة النبوي يرى أن المجتمع يجب أن يتحول إلى طبقتين : الأسرة الحاكمة , وسائر الناس بعد ذلك رعية عليها الطاعة غير المشروطة .

اجمالي القراءات 8420

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الثلاثاء ٠٩ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[69375]

العبادات قتلت بحثا

السلام عليكم ، العبادات معروفة لكل مسلم ، وعليها إعلام كبير وبرامج متخصصة تناقشها ، بل يكون الاختلاف مقصود لشغل الآنظار وحصر الاهتمام في دائرة العبادات ، لكن إن تحدثت عن الحريات فحدث ولا حرج ستجد الطريق مؤصدا بأحكام تحذر من الفرقة ، وأحاديث تدعوا إلى الوحدة وآيات تخرج من سياقها لتخدم وجهة نظر المتحدث ، ولكن المضحك أنك تجد نظريا الكلام عن مقاومة الحاكم الفاسد أما عمليا فيعد الخروج على الحاكم حتى وإن كان فاسدا جريمة ، بل يترك عقابه إلى الله كما رأينا عدم التشجيع على قتال الحجاج بن يوسف الثقفي مع أنه سفك دم مسلمين لا يحصى عددهم وكان مثالا في القسوة وعدم الرحمة ، لكن مع ذلك هناك كثير من الفقهاء لم يؤيدوا الخروج عليه وغنما ترك أمره لله ليحاسبه ، وذلك لعدم فرقة المسلمين .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-01-12
مقالات منشورة : 123
اجمالي القراءات : 1,494,358
تعليقات له : 109
تعليقات عليه : 282
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt