رقم ( 2 )
الفصل الأول : أثر التصوف في ازدهار العمارة الدينية والتعمير فى مصر المملوكية

 

كتاب : أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الأول : أثر التصوف في ازدهار العمارة الدينية والتعمير فى مصر المملوكية

مقالات متعلقة :

 

 التصوف وحركة التعمير فى مصر المملوكية.. 

  كانت مؤسسات الصوفية تقام غالبا على اطراف المدن وبمرور الزمن يتم تعمير المكان وربما يتصل بالمدينة. وبجانب ضريح السيدة نفيسة أنشأت ام السلطان العادل الأيوبي رباطا ، ثم أنشأ الناصر محمد بن قلاوون جامعا بخطبة ، وصار الناس يتقربون اليها بالبناء حول ضريحها ، فأقيم فيها (قُبّة ) دفن فيها اول خليفة عباسي مات بالقاهرة ، وأقيمت بجواره مشاهد لجماعة من الاشراف )[2]

وأمر الشيخ المتبولي مريده محمد المنير بحفر بئر لزاويته على الطريق المهجور قبل عمارة البلد ، فأقام مدة يسقى عليها ، وبنى لزوجته خُصّا ، أى كوخا ، ثم عمرت الناس حول الخُص الى ان صارت بلدا سميت المنير... )[4]

ويقول ابوالمحاسن عن خانقاه سرياقوس : ( ولم يكن حولها العمران الا القليل ثم عمر حولها ما هو موجود الآن )[6].. والتدليل على كثرة السكان فيها أنه مات من سكانها  طاعون سنة 864 ما يزيد على مائة نفس في اليوم (لم بلغ اكثر من ثلاثمائة،و يقول المُكثر اربعمائة في اليوم )[8]

والقرافة بما فيها من قبور (الأولياء) وغيرهم من المشاهير حظيت بقدر أكبر من التعمير حتى أصبحت مدينة على حدود القاهرة ومصر تجتذب اهتمام الراحلة . يقول ابن ظهيرة من محاسن مصر "ما اشتملت عليه القرافة من مدراس وجوامع وأنواع من البر والصداقات ) [10]

ويقول ابن شاهين الظاهري ( فى القرافة الكبرى عمائر كبيرة قيل انها في العمائر قدر ثغر الإسكندرية. والقرافة الصغرى وهي اعمر واحسن هيئة تضاهي مدينة حمص ) [12] وكثر عدد السكان في القرافة وفي طاعون 833 مات بالقرافتين من السودانيين فقط نحو ثلاثة ألاف انسان ما بين رجل وامرأة وصغير وكبير بالطاعون ) [14]

وفي سنة 871 قطع الطريق على جماعة من سكان القرافة في طريق الصحراء ) [16]  وما لبثت القاهرة ان ضاقت بمن فيها فاتسعت شرقا نحو الشرقية خارج بإنشاء الكثير من المساجد والقباب ) [18]أو المعمارية [20] وكلها انصبت على التفرقة بين الخوانق والربط والزوايا وأهملت ما عداها  من ترب وقباب وغيرها . على أن المصادر المملوكية لم تفرق بين تلك المؤسسات ، لأنها جميعاً اتخذت منازل للصوفية : ففى المصادر التاريخية للعصر المملوكى نجد أن :

.الخوانق : اختلطت بالجوامع [22]والربط[24] والتربة[26] والمقابر[28] والقباب[30]

وتداخل مفهوم الربط مع الزاوية [32] والمشهد[34]

 ويقول النويري (اهتم ركن الدين بيبرس بعمارة خانقاه ورباط وتربة لدفنه )[36]وعرفت (الحومة) وهى مجموعة القبور والمساجد المتجاورة[38] (والجوسق) وهو " قبة بغير سقف وقد بنى على هيئة الكعبة " ويحوي داخله القبور الهامة[40] .

3 ــ وصار في مصر إلى أول القرن التاسع اثنتان وعشرون خانقاه[42] .

4 ــ وأهم الخوانق[44] .

5 ــ   ثم افتتح الناصر محمد خانقاته في سرياقوس 726  وحضرها أكابر الصوفية والقضاة.. وأكابر الدولة والأمراء، وفرقت على الصوفية الخلع، وقرر الأقصرائي شيخاً بها " مع جماعة قاطنين بها ليس لهم حرفة " [46] .

2 ــ  وعندما أقيمت خانقاه سرياقوس حازت على مشيخة الشيوخ من خانقاه سعيد السعداء.  وبعد وفاة المجد الأقصرائي عين الناصر محمد خادمه الركن الملطي في مشيخة الشيوخ في خانقاة سرياقوس [48] ،  وهى أقرب إلى الآداب العامة .

وورد في وثيقة تقليد الأيكي مشيخة الشيوخ لخانقاه سعيد السعداء : ( أن يكون هذا الشيخ شمس الدين شيخ المشايخ الصوفية والناظر عليهم وعلى جميع أوقافهم بالخانقاه الصلاحية المعروفة بسعيد السعداء )[50] .

 

الزوايــــــا  :

1ــ  الزاوية تُقام لشيخ صوفى واحد فى الأغلب ، يقيمها له السلطان أو الأمير المملوكى ، أو اتباعه أو هو بنفسه. وهى أصغر من الخانقاة ، ولكن قد تضم أنشطة تعليمية وطقوسا صوفية . وقد ابتنى السلاطين المماليك الكثير من الزوايا للمتصوفة كما فعل الظاهر بيبرس مع شيخه خضر العدوى [52] ، وعمّر الناصر محمد بن قلاوون زاوية الشيخ رجب التي تحت القلعة [54]  ، وبنوا زاوية لحسن السقا العريان[56] .

2ــ ودخل ابن بطوطة مصر في أيام الناصر محمد بن قلاوون وقال عن أمراء مصر ( إنهم يتنافسون في بناء الزوايا وكل زاوية بمصر معينة لطائفة من الفقراء[58] .  

بل حمل الأمراء التراب في بناء زاوية الشيخ أبي السعود الجارحى [60] , وعمر الأمير القبرصي زاوية شهاب الدين الحنبلي[62] القلندرية ، وأنشأ بدر الدين الأصبهاني زاوية لأتباعه في النحرارية أصبحت زاوية [64] ..

4ــ والمتصوفة المصريون أقاموا لهم زاوية خاصة بهم تقليداً للأعاجم مثل الشاب التائب[66] والوفائية الشاذلية  [68] والإبناسي[70] ..) وقد يفهم  عن بعض المراجع أن بعض صوفية العجم نزلوا بأحد الأبنية وجعلوه زاوية ، فابن أشيراك التركماني العجمي ( اتخذ لنفسه زاوية تحت القلعة وصار لزاويته فقراء يقيمون بها)[72]  ، ونزل بدر الدين الكردي بزاوية أخرى[74] ، وكان حسن العجمي[76] أخرى ، وبنيت زاوية لابن القلانس[78] .

إلا أن التعميم أمر غير وارد في عصر كالعصر المملوكي الذي شهد ازدهار بناء المؤسسات الصوفية على يد الصوفية أنفسهم ومعقيدتهم ..

 هذا ... ويصعب تصنيف الزوايا بسبب كثرتها ، حتى أن القارئ لبعض الصفحات الخاصة بها في المصادر المملوكية يتخيل الزوايا في كل مكان بمصر المملوكية[80] مثل زاوية حليمة ، المبرقعة في باب الشعرية،  وزاوية الست زينب خارج باب النصر ... وعرفت زوايا للقادمين من غير الأعاجم من الشام والمغرب[82] وهذا وضع طبيعي تفرضه العزلة الصوفية ولكن باتساع العمران اتصلت بعض الزوايا بالمدن ، والقرافة أقرب مثال لذلك  حيث احتوت على الكثير من الزوايا[84] ولن تبقى ظاهرها إلى الأبد فقد امتد العمران ليصل القاهرة بمصر ...

   وعرفت المدن الأخرى بل القرى إقامة الزوايا[86] وفرجوط[88] ومنية مرشد[90] وشبرا بسيون [92] وميت جبرين[94] وأقام جد الشعراني زاوية في بلده[96] والحسين[98] والموسكي[100] ، ورباط الآثار الذي أقامه الوزير ابن حنا ، واحتوى بعض الآثار المنسوبة للنبى عليه السلام وجُعِل فيه الطعام للوارد والصادر والجراية لخدمة الآثار النبوية[102] . واليه تُنسب منطقة ( أثر النبى ) الحالية فى القاهرة .

وجدد الأمير جانبك رباطا ً وأنزل فيه الفقراء[104] ورباط قراسنقر[106] ، وآخر للأمير ابن قزل بسطح المقطم[108] ورباط الأمير الهكاري والي الإسكندرية[110] ، واستوطن أبو الحسن القوص أخميم وبنى بها رباطاً[112] ، وبنى أبو القاسم سليمان رباطاً خارج ادفو[114] .

3 ـ ويحدث أن يدفن في الرباط شيخه أو صاحبه .

4 ــ  وأقيمت أربطة خاصة بالنساء لإيوائهن وتعليمهن مثل رباط البغدادية ورباط الست كليلة[116]

 

" التربــــــــــــــــــــة "

1- التربة ـ اى المقابر وأماكن دفن الموتى ، وأطلق عليها فى مصر ( القرافة ) .

وتلعب التربة - والضريح ــ دوراً هاماً في التاريخ الصوفي ، ويكفي أن التربة بمعناها التقليدي ( المقدس ) قد نشأت في تاريخ المسلمين بعناية التصوف . وبالتصوف أُقيمت زوايا صوفية داخل الترب والمقابر ، وتحولت بعض المقابر المقدسة الى أضرحة ، وأصبحت الترب أو المدافن مليئة بالناس ومقصدا للتنزه وزيارة الأولياء الأحياء والموتى ، بل أصبحت من معالم السياحة الدينية بمفهوم عصرنا ، يأتى اليها الزوار لمصر ، ومنهم رحالة كابن بطوطة وابن ظهيرة .

2- في العصر المملوكي أصبحت التربة إحدى وسائل الشهرة الصوفية فيقيم فيها أحدهم مُدّة فلا يلبث أن يعتقده الناس ، مثل يحي الصنافيري الذي أقام بالقرافة مدة يسيرة ثم توجه إلى صنافير فاشتهر حاله[118]. ونشأ عبد الله الدرويش بزاوية يوسف العجمي ثم خرج منها ( بجذبة ربانية ) ( ثم اشتهر حاله عندما أقام بباب القرافة وصار الناس يهرولون إليه من البلاد والقرى وشهد له علماء الزمان بالولاية) [120]. وكان الحيدري  القاطن بتربة زوجة طرغان – معتقداً مقصوداً بالزيارة [122].

2 ـ وتلقب بعض الصوفية بالقرافي ووصفوا بالولاية مثل المعتقد سليم القرافي [124].  

3- وبالتصوف أقام المماليك الترب لأنفسهم وللمتصوفة ، وبازدياد التصوف في البرجية ظهر فيها بناء المدافن الكبيرة [126]بجوار تربة الناصر فرج خارج باب النصر ، وقرر الناصر فرج في مشيخة تربته الشيخ صدر الدين العجمي ورتب عنده أربعين صوفياً بالخير واللحم والمعاليم [128] ، أما قايتباي فقرر في مشيخة تربة قاضى الجماعة وقرر في خطبتها الشيخ الحرفي مع ثلاثين صوفياً في أوقات الصلاة، وبنى لهم البيوت وقرر لهم الجوامك ( المرتبات ) ، وجعل بها جامعاً بخطبة وحوضاً وصهريجاً .. الخ [130].

4 ــ وشارك الأمراء في الميدان حيث كان لبعضهم تربتان كالأمير أقوش النجيبي[132] . ودفن الصوفي بيرم التركي في تربة جاني بك المشد[134] وأنشأ كافور الضرغتمشى تربته وجعل فيها خطبة وصوفية ـ وأوقف عليها ـ ( وكان يحبها حباً عظيماً ويغضب ممن يسميها تربة وكان لا يزال يزخرفها ويجدد ما تلف فيها من الزخرفة)[136] .

6 ــ وجدّد الأمير جانبك رباطا ، ثم جدّد أيضا  تربة (وجعل فيها حوشاً ومقعداً وأصطبلاً  ومطبخاً وميضأة وصهريجاً وحوضاً وكُتّاباً ( لتعليم الأطفال ) وجدد بئرها وقرر فيها شيخاً وخمسين صوفياً ومقرئين يقرأون في الخمسة أوقات ، كل جوقة ثلاثة نفر ، كل وقت، وجعل عليهم كاتب غيبة، ومادحاً ( أى منشدا للمدائح النبوية ) وخادماً للشيخ وإماماً وفراشاً وبواباً ومزملاتيا ( ساقيا للماء ) و سواقاً ورشاشاً ، وأجرى على الكل الجوامك اللائقة وكذا على الأيتام المنزلين بالكُتّاب)[138] ومسالكها والأنشطة فيها  ....

 

 

 

 

أهم المؤسسات الصوفية في مصر المملوكية : الأضرحة والأضرحة المزورة

كتاب : أثر التصوف   المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الأول : أثر التصوف في ازدهار العمارة الدينية والتعمير

نبــذة عن المؤسسات الصوفية في العصر المملوكي : الأضرحة والأضرحة المزورة

" الأضرحــــــــة "

1ـ أقامها الفاطميون في مصر ،وأنشأها الأيوبيون ليحولوا الأنظار عن مشاهد الشيعة[140] في العصر المملوكي الذي ورث أضرحة الفاطميين والمماليك وأضاف إليها الكثير ، حتى أصبح من الدعوات للأولياء " نور الله ضريحه"[142]  

2 ــ وكانت الأضرحة أحياناً تابعة للمؤسسة الصوفية مدرسة كانت أو جامعاً ، وقد يقام عليه قبة متصلة بالبناء ،أو تكون منفصلة قائمة بذاتها ، فمدرسة الأمير جرباش  بها قبر الشيخ أسد ، وضريح علم الدين سنجر في مدرسته الجاولية أو خانقاته ، وبخانقاه شيخون أضرحة لجماعة من الأولياء[144] طبقاً لدين التصوف فى تقديس الأولياء والإشراك بالله جل وعلا.

4 ــ بل صار الضريح الأصل والصلاة تابعة أو كعامل ثانوي.. بل ورد في تحفة الأحباب :" بنى أبو بكر محمد مسجداً أنفق عليه ماله في مغارة ابن الفارض قيل أن عمر ابن الفارض كان يجلس هناك فاتخذه أبو بكر مسجداً" [146] وصار مشهد ابن الفارض بدون حاجز عليه إلى أن أقيمت عليه قبة بأوقاف و أسمطة للزوار ورخام للمقام[148] وحُملت الأخشاب لإقامة ضريح للشاذلي[150] ، وبنيت على قبر أبي الخير الكليباتي عمارة وقبة[152] ، وجدد الناصر محمد مشهد السيدة نفيسة ووضع به المحراب على التحرير الصحيح [154] ، وقيل في ضريح زين الدين المرواني " وبناء تربته والقبة التي على ضريحه من أعاجيب البناء"[156] وأقيمت أضرحة للخدم (خدم الولي حياً أو خدم ضريحه) ويلحق بزاوية شيخه أو بضريحه[158] .

8 ــ وأقيمت القباب على غير الصوفية تعظيماً لشأنهم فالمنصور قلاوون أنشأ قبة عظيمة وجعل منها مدفناً ،ودُفن فيها ابنه الناصر محمد[160] ، وبنيت قبة دفن فيها الحاكم بأمر الله الخليفة العباسي[162] ، وجدد ابن زنبور قبة قطر الندى[164] ، وأنشأ جانبك الداودار قبتين بطرف بستانه وأنزل بهما جماعة كبيرة من صوفية الأعاجم وأجرى عليهم الرواتب الهائلة[166] ، وأوقف الأشرف خليل قلاوون عليها الأوقاف بعد فتح عكا[168]  وزارها الناصر محمد بعد عودته من الخارج ، وتوجه رسل الملك أبي سعيد لزيارة القبة المنصورية[170] .

10 ـ  واحتلت القبة مكانها (العالي ) في الأمثال الشعبية، فيُقال: ( يا شيخ يا للي في القبة ما كنتش بحبك في الدنيا حبيتك وأنت في التربة) ( بكرة تموت يا أبو جبة واعمل فوق قبرك قبة)،( افتكرنا تحت القبة شيخ ، الناس مقامات يعمل الحبة قبة )[172].

أضرحـة مزورة للأشــــراف : ــ

1 ــ يقول ابن تيمية عن مشهد أو ضريح الحسين : ـ ( ولم يُحمل رأس الحسين للقاهرة ، فقد دفنت جثته حيث قتل ، وروى البخاري في تاريخه أن رأس الحسين حمل إلى المدينة ودفن بها في البقيع عند قبر أمه فاطمة . وبعض العلماء يقول أنه حمل إلى دمشق ودفن بها.  فبين مقتل الحسين وبناء القاهرة نحو مائتين وخمسين سنة . وقد بنى الفاطميون مشهد الحسين في أواخر 550  وانقرضت دولتهم بعد هذا البناء بنحو أربعة عشرة سنة (أي جعلوا منه سنداً وقت ضعف دولتهم) (وهذا مشهد الكذب)[174] .

وأثار ضريح الحسين خيال الصوفية خارج القاهرة فهناك مشهد الحجر بمدينة بالس قرب حلب ( يقال أن رأس الحسين وضعوه عليه )[176] .. وتعددت الأضرحة حول ( رأس ) أو ( رءوس ) الحسين ، وإعتقدوا بقدسيتها وجاهها ، ولم يسأل أحدهم نفسه : إذا كانت بهذه القداسة فكيف إستطاع سيف قطعها ؟

2ــ ونعود إلى صوفية مصر لنعطى فكرة سريعة عن ( أضرحة المنامات ) . فقد رأى أحدهم في المنام فاطمة الزهراء تصلي في جامع ، فعُملت في الجامع مقصورة عرفت حتى وقت ابن دقماق بمقصورة  فاطمة الزهراء[178] وهناك مشهد لمحمد بن الحنفية بن على ، يقول كاتبا المزارات : السخاوى وابن الزيات : (وليس بصحيح فإنه لم يمت أحد من أولاد الإمام على لصلبه بمصر)[180]                   

 3 ـ  وهناك مشهدان للسيدة سكينة بنت زين العابدين[182] . هذا عدا مشاهد مزورة أخرى لأشراف أقل شهرة وربما ليس لهم وجود في التاريخ والأنساب[184].

2ـ بل اخترعوا أسماء وهمية وزعموا أنها لصحابة وأقاموا لها الأضرحة مثل مشهد زرع النوى أو خضر الصحابي وصاحب الكلوبة واليهودى الذى سحر البني "وعبد الله بن تميم الداري وتميم الداري لم يعقب" [186] وزوروا قبوراً أخرى لعلماء وخلفاء عباسيين[188] . والطريف أنهم زوروا أضرحة لأنبياء وإخوتهم وحواريين مثل روبل واليسع إخوة يوسف والنبي هارون وسام بن نوح وشمعون الصفا أحد الحواريين[190].

2ـ وقد سعى المتصوفة لإقامة الجوامع؛ فالظاهر بيبرس يقيم جامعا بإشارة شيخه خضر[192] . وأمر السلطان محمد بن قايتباي ببناء جامع الفيوم وكان القائم في ذلك الشيخ الدشطوطي ،وأرسل صحبته جماعة من البنائين والمهندسين [194]   

3- وأقام بعض المتصوفة بأنفسهم جوامع . واشتهر في ذلك ابن الزاهد الذي أقام عدة مساجد بها خطبة بالقاهرة [196] ، وعمّر الحريتي عدة جوامع في دمياط والمحلة وغيرها[198] . وأنشأ الغمري جامعاً بالقاهرة[200].

4ـ وكان المتصوفة يقيمون في الجامع كوسيلة للشهرة والاعتقاد، مثل زين الدين السطحي المقيم بسطح جامع الحاكم[202] ،وكلاهما (من المعتقدين ) أى الأولياء الذين يعتقد فيهم الناس وقتها .  وعُرف مسجد قبالة بإقامة الفقراء[204] . وانقطع ابن الحداد في مسجده المعروف بالساحل[206] ، وأقام المعتقد رشيد التكروري بجامع راشد ، وهو آخر من سكنه من  الصوفية [208]  فاكتسب اللقب ( المقدسى ) . وكان أحمد الوراق أحد المعتقدين عند العوام نزيلا في جامع الواسطي ببولاق[210] ، وكان مسجد الحلبيين يعرف بالمشهد إلى أن انقطع فيه الشيخ الجعفري وقد أقام بهذا المسجد العارف عبد العزيز الحراني وقد توفي ودفن بمقصورة هذا المسجد[212] ، وأنشأ برسباي جامعا ً أوقفه على الصوفية مع إمام وخطيب وقراء[214] . وأقام إبراهيم ابن عبد الغني جامعاً ببولاق جعل فيه شيخاً وصوفية[216] . وقد يُقام الجامع لصوفية الخانقاه أو الرباط كجامع بشتاك الناصري تجاه خانقاه[218]. 

أخيرا

بهذا تمت سيطرة التصوف على كل المؤسسات الدينية ، منها ما كان صوفيا محضا كالخوانق والزوايا والأربطة والأضرحة والقباب والترب والمشاهد ، ومنها ما كان ( علميا ) كالمدارس التى تحولت الى خوانق ، أو الخوانق التى كانت تقوم بدور المدارس . ثم إنتدت سيطرة التصوف الى المساجد و( المساجد الكبرى الجامعة : الجوامع ). ونتذكر أن الله جل وعلا يأمر أن تكون المساجد خالصة له وحده وينهى أن ندعو غيره فى مساجده ، بحيث لا يرتفع الأذان إلا باسمه ولا تقوم في المسجد الصلاة إلا بذكره . ولكن التصوف وأربابه أقاموا فى العصر المملوكى أكبر حركة تعمير للمؤسسات الدينية ، لا تزال باقية حتى الآن تمثل معظم الآثار ( الاسلامية ) فى القاهرة حتى اليوم ، مع أنها لا صلة لها بالاسلام . فكما أنه فى الاسلام يجب أن تكون المساجد لله جل وعلا وحده خالصة فإن أرباب التصوف جعلوا المساجد ـ وغيرها ـ خالصة للتصوف وأوليائه ومريديه وأنصاره من المماليك وأتباعهم ، وكانوا طبقا لدينهم ينشئونها بالمال السُّحت وبالسُّخرة والنهب والسرقة ، معتقدين أن أولياء التصوف سيشفعون لهم يوم القيامة . وقد ناقشنا ذلك فى كتبنا السابقة فى موسوعة التصوف المملوكى ، فلا جاجة للتكرار.

ولكن ــ وبكل أسف نقول ـ إنه وحتى الآن فلا يوجد مسجد خالص لله جل وعلا ، يرتفع فيه الأذان بذكر الله جل وعلا وحده ، ولا تعظيم فيه إلا لله جل وعلا وحده . فى كل مساجد المحمديين من سنة وشيعة وصوفية وأحمدية تتعدد الآلهة ، من محمد الى الخلفاء الراشدين عند السنة ، الى محمد وعلى وآل بيته عند الشيعة ، ثم الأولياء الصوفية عند الصوفية .

عار على المحمديين الذين يزعمن أنهم يؤمنون بالقرآن أن تخلو بلادهم من مسجد إسلامى حقيقى .

عار على المحمديين كفرهم بقول الله جل وعلا : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) الجن )

 

 

 

 

 

  

   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[2]ــ الدرر الكامنة 2ر 122

[4]ــ خطط المقريزي 4 / 285

[6]ــ النجوم الزاهرة 9 / 182

[8]ــ خطط المقريزي 4 / 287

[10]ــ رحلة العلوى : مخطوط 59 : 60

[12]ــ تحفة الأحباب 318 ، 37 ، 202 وانظر المقفى 3 / 162 والكواكب السيارة 106 ، شذرات الذهب 6 / 149

[14]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 355 : 356

[16]ــ حوادث الدهور 2 / 334

[18]ـ عاشور : البدوى 223 : 224 .

[20]ـ محمد أمين الأوقاف 278 : 282  رسالة دكتوراة غير منشورة .

[22]ـ رحلة ابن بطوطة 1/ 23 .

[24]ـ وثيقة وقف الامير صرغتمش .

[26]ـ الطبقات الكبرى للشعراني 2/28 .

[28]ـ النجوم الزاهرة 11/ 125 , تحفة الأحباب 62 ،148 ، 149 ، 476 ، 477 ، 162 ، 163 .

[30]ـ المنهل 3/ 104 .

[32]ـ المدخل 2/ 197 .

[34]ـ العمارة الإسلامية  سامح  99  ، 100 ، 106 ، 210.

[36]ـ الكواكب السيارة 145 ، 18 تحفة الأحباب 310  وغيرها .

[38]ـ الكواكب السيارة 246 ، 301 ، تحفة الأحباب 250 .

[40]ـ دولت . الخوانق 37 ، 39 ، 40 .

[42]ـ دولت . الخوانق 178، 179 ، 180 ، 181 ، 183 .

[44]ـ النويري . نهاية الأرب 30 / 44 ، 45 , عقد الجمان مخطوط 706 لوحة 371  الخطط  4/ 276 , النجوم الزاهرة 8/ 276 تاريخ ابن إياس 1/ 1/ 147 ط بولاق .

[46]ـ تاريخ ابن الفرات 8/ 124 .

[48]ـ السبكى  معيد النعم 162 .

[50]ـ السلوك 2/ 2/ 327 ،328 ، 353 ، 390 . خطط المقريزي 4/141 الكواكب السيارة 319 وغير ذلك .

[52]ـ الدرر الكامنة 2/ 153 .

[54]ـ التبر المسبوك 83

[56]ـ وثيقة برسباي 46 ، 47 نشر دراج ..

[58]ـ النجوم الزاهرة 11/ 119 .

[60]ـ الخطط  4/ 297 .

[62]ـ السلوك 2/ 1/ 239 ، الدرر الكامنة 2/ 135 .

[64]ـ تحفة الأحباب 164 .

[66]ـ الضوء اللامع 1/ 85 .

[68]ـ تاريخ ابن الفرات 9/ 1/ 42 .

[70]ـ محقق النجوم الزاهرة 11 /185 حاشية 1 .

[72]ـ عقد الجمان مخطوط وفيات 774 .

[74]ـ الذيل على رقع الأصر 141 .

[76]ـ ابن دقماق : الانتصار 4/ 90 .

[78]ـ أمثلة : الخطط 2/ 432 ، الهصر 194 ، السلوك 3/ 1 / 148 .

[80]ـ أنباء الغمر 2/29 ،الضوء اللامع 2/266 .

[82]ـ معيذ النعم 171 .

[84]ـ أمثلة المنهل الصافي 1/ 165، 166 ، 263 عقد الجمان وفيات 711 ، 714 ، السلوك 3/2/ 685 .

[86]ـ تحفة الأحباب 146 ، 149 .

[88]ـ الطبقات الكبرى 2/ 117 , 161 .

[90]ـ النجوم الزاهرة 11/ 193 .

[92]ـ الدرر الكامنة 4/132 .

[94]ـ  المنهل الصافي 5 / 5 .

[96]ـ أنباء الغمر 2/ 305 .

[98]ـ تاريخ ابن الوردي 2/368 .

[100]ـ الانتصار لواسطة عقد الأبصار 4/ 78، خطط المقريزى 4/88 ، 89 ، 293 ، 297 . صبح الأعشى 3/ 5 .

[102]ـ خطط المقريزى 4/293 ، 215 .

[104]ـ تحفة الأحباب 184 ، 185 .

[106]ـ تحفة الأحباب 403 ،53.

[108]ـ تذكرة التنبيه 1/267 .

[110]ـ عقد الجمان 54 / 591 .

[112]ـ الطالع السعيد 173 .

[114]ـ الطالع السعيد 96، 366 ، 239 ، 376 ، 377 ، وأيضاً السبكي طبقات الشافعية 5/ 516 ، 6/ 144 .

[116]ـ تحفة الأحباب 171 .

[118]- الضوء اللامع 1/8.

[120]- الدرر الكامنة 2/ 419 ، مناقب المنوفي مخطوط 17، 18 .

[122]- الكواكب السيارة 315 وانظر 13 م.

[124]- المنهل الصافي 1/284 .

[126]- المنهل الصافي 2/ 122 .

[128]- تاريخ ابن إياس 2/ 393 محمد مصطفى في تاريخ البقاعي مخطوط 14 .

[130] ـ النويري نهاية الأرب 28 ، 29 .

[132] ـ السلوك 3/2/ 689 .

[134] ـ تحفة الأحباب 4/ 246 .

[136] ـ المنهل الصافي 2/ 355 .

[138]ـ تحفة الأحباب 18 ، 19 ، 20 ، 33 ، 36 ،38 ، 45 ، 52 ، 165 ، 166 ، 210 ، 313 ، 438 .

[140]ـ ابن ظهيرة 192 ، 193 .

[142]  الكواكب السيارة 110 , 263 ، 308 ،تحفة الأحباب 245 ، 215 ، 327 .

        مثلاً : المنهل الصافي 1/ 93 ، 3/ 252 ، 525 ، 4/ 94 ، 197 . 

        النجوم الزاهرة 8/ 280 ، 9/295 ، 10 / 233 ، 14 / 194 .

        الطبقات الكبرى 1/ 131 ،134 ، 173 ، 2/ 3 ، 18 ، 94 ، 95 .

        الضوء اللامع 1/ 83 ، 2 / 112 ،الدرر الكامنة 2/ 132 ، 426 ، 3/ 149 .

        الطالع السعيد 79 ، 417 ، ومراجع أخرى ..

[144]ـ أمثلة الانتصار 4/ 81 : 92 .تحفة الأحباب 87 ، 88  ، 141 ، 255 ، 243 ، الطبقات الكبرى للشعراني 2/74 ، 79 ، 127 .

[146]ـ السندوبي . أبو العباس المرسى 126 .

[148]ـ شذرات الذهب 8/ 8 ،9 .

[150]ـ تذكرة التنبيه 1/ 207 .

[152]ـ الطالع السعيد 157 .

[154]ـ تحفة الأحباب 138 ، 187 .

[156]ـ تحفة الأحباب 200 ، 222 ، 246 ، 259 ،267 ، 310 ،318 ،331 ،332 ،337 ،345 ، 365 ، 369 ،395 ،424 ،428

        449 , 451 ، 466 ، 474 .

[158]ـ رحلة ابن بطوطة 1/ 21 .

[160]ـ المنهل الصافي 3/ 409 . ، تحفة الأحباب 81 ، 82 .

[162]ـ شذرات الذهب 8/ 105 ، 106 .

[164]ـ السلوك 4/ 3/ 1100 .

[166]ـ خطط المقريزي 4/ 218 ، نظر السلوك 1/3 / 716 .

[168]ـ تاريخ ابن الفرات 8/ 135 ، السلوك 1/ 3/ 764 ،777 .

[170]ـ ملاحق السلوك الملحق الأخير 1/3/1043 ، 1044 .نهاية الأرب 30 /12 :13 .

[172]ـ تحفة الأحباب 172 ، 173 ، 174 .

[174]ـ الكواكب السيارة 65 .

[176]ـ تكسير الأحجار 142 ، 143 .

[178]ـ الكواكب السيارة 37 .

[180]ـ تحفة الأحباب 319 .

[182]ـ تحفة الأحباب 53 ،94 ، 99 ، 113 ، 247 .

[184]ـ تحفة الأحباب 130، 145 ، 151 ،224، 277،281 ،282 ، 366، 367 ،442.

       الكواكب السيارة 75 ، 93 ، 96 ، 115،117 ، 118 ، 185 ، 188 ، 193 ، 277 ، 203 , 141 .

       التبر المسبوك  151 .

[186]ـ تحفة الأحباب 223 .

[188]ـ تحفة الأحباب 77 ، 414 : 415 الكواكب السيارة 185 ،282 ، 283 .

[190]ـ على مبارك الخطط التوفيقية 1/ 218 .

[192]ـ النويري نهاية الأرب 30 / 22 :23 .

[194]- الانتصار 4/ 128 ،129، خطط المقريزي 4/269  الكواكب السيارة 183 ، تحفة الأحباب 317 ،8 .

[196]- الضوء اللامع 2 / 211 ، الطبقات الكبرى للشعراني 2 /117 ، الغزي الكواكب السائرة 1 / 224 .

[198]ـشذرات الذهب 8/ 129 ، الطبقات الكبرى 2/15 الكواكب السائرة 1/ 248 .

[200]ـ تحفة الأحباب 23 .

[202]ـ تحفة الأحباب 62، 63 .

[204]ـ الانتصار 4/81 .

[206]تحفة الأحباب 376 .

[208]ـ السلوك 3/2/ 821 ، 847 .

[210]ـ تاريخ ابن الفرات 9/2/425 .

[212]ـ النويري.نهاية الأرب0 3 / 75 فتوح النصر مخطوط 2/228,السلوك 2/1/114 ،115 .

[214]ـ حجة قايتباي 62، 63 ، 66 ، تاريخ ابن إياس 2/ 117 ط بولاق .

[216]ـ التبر المسبوك 217 .

[218]ـ الانتصار 4/ 78 ، 80 .

( أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
هذا الكتاب
سبق نشر كتاب ( اثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) من رسالة الدكتوراة التى نوقشت فى جامعة الأزهر فى اكتوبر 1980. وننشر أهم ما بقى من فصول تلك الرسالة فى هذا الكتاب: ( أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية) ، ونتابع فيه ما سبق نشره ، أى كتاب ( اثر التصوف فى الحياة الدينية ) بأجزائه الثلاثة. وكتاب ( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ). وستُضاف خاتمة لهذا الكتاب (أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
مع ملاحظة أن هذا الكتاب بالذات تعرض لتفصيلات فى العصر المملوكى ، العلمية والتعليمية والأدبية والفنية والمعمارية والاجتماعي ة ، ولكن فى لمحة عامة تفرضها
more