رقم ( 4 )
الفصل الثالث : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية

كتاب : أثر التصوف  الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثالث   : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية

مقالات متعلقة :

مدخــل للفصل الثالث :ــ

الحياة الاجتماعية شديدة التأثر بالنظام السياسى والدين الأرضى إذا ساد وسيطر . وقد عرضنا فى كتاب ( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) للعلاقة بين المجتمع والسلطة المملوكية ودور التصوف والصوفية فى هذه العلاقة . كما عرضنا فى الكتاب الخاص بأثر التصوف فى الانحلال الخلقى لذى ساد المجتمع المصرى المملوكى بتشريعات وعقائد الانحلال الخلقى . وهنا نتوقف مع تأثير التصوف فى المجتمع المصرى فى بقية النواحى الاجتماعية .

ونقول إن التصوف لم ينشىء تأثيرات إجتماعية كثيرة ، فأغلب تأثيراته كانت موجودة ، ولكنه أبرزها وأضفى عليها مسحة دينية صوفية . إن التصوف قائم على الهوى ، وما يهواه الفرد والناس والمجتمع يصبج دينا فى تشريع التصوف السائد والمسيطر . مثلا من يهوى الشذوذ او الحشيش أو الزنا .. يجعله عبادة دينية صوفية . الرضا بالظلم ونفاق الحاكم أصبح دينا . وبالتالى فإن القيم الاجتماعية فى المجتمع الزراعى من التواكل والخضوع والتقليد تكتسب تشريعا دينيا مع انها قيم إجتماعية مصرية . وهكذا العادات . ولا يخلو اى فرد أو شعب من عناصر إيجابية ، ويُتاح لها الظهور أيضا حتى مع غلبة الملامح السيئة . وبسيطرة التصوف وتسيده المجتمع المصرى فى أواخر العصر المملوكى أظهر تأثيرا جديدا فى التركيب الاجتماعى وقتها ، فأظهر طبقات وطوائف إجتماعية لم تكن معروفة من قبل . هذا مُجمل الفصل الرابع عن أثر التصوف فى المجتمع المصرى المملوكى . ونعطى المزيد من التفصيلات . ونبدأ بعلاقة الصوفية بطوائف المجتمع المصرى وقتها.

أولا :

علاقة الصوفية بطوائف المجتمع المصرى المملوكى

بين العزلة الصوفية والاختلاط بالمجتمع

1 ـ كانت العزلة مما تتميز به المتصوفة الا انهم في العصر المملوكي لم يمارسوا العزلة الكاملة عن المجتمع بحكم احتياجهم له واحتياجه لهم . وزاد اختلاطهم بعناصر المجتمع في أواخر العصر، والشعراني خير من يعبر عن هذه الفترة ، وقد وازن بين مزايا العزلة عن الناس والاختلاط بهم )[2] وان العهود اخذت عليهم بالاعتزال في البيوت وقلة الاسفار والتحرك أيام الفتن )[4] وسبق بيان أن بعضهم مارس عمل المواعيد لغير الصوفية العاملين في الخانقاة ، فورد في وثيقة خانقاه جمال الأستادار: ( على أن الشيخ المذكور يتصدر في كل سنة لإسماع الطلبة ومن تيسر حضوره من المسلمين )[6]

3 ـ  وهـذا التوازن بين عزلة الصوفية المقيدة واختلاطهم المتحفظ بالناس ساعد على تأثيرهم في المجتمع ، فالعزلة أضفت عليهم نوعا من الغموض والقدسية زاد من الاعتقاد فيهم فكان لكلامهم قدسية ولتصرفاتهم تأثير ، كما كانت العزلة مظنة للإلهام والوحي. ومن ناحية أخرى  كان الاختلاط المتجدد فرصة للتعرف عليهم والتأثر بهم.  ثم ان العزلة تعنى خفوت التعامل المباشر بين الصوفية والشعب ، والتعامل قمين بأن يُظهر الصوفي على حقيقته بشرا ضعيفا يتعرض للمرض من زكام واسهال وإمساك شأن بقية البشر ممن يعتقد فى كراماته ويتوسل به  ،فكفتهم العزلة شر هذا الاعتقاد فيهم ، خاصة وقد عاشوا عالة على الناس من حكام ومحكومين . ولهذا إستمر الصوفية حتى اليوم على العزلة غير الدائمة .

4 ــ ونعرض لعلاقة الصوفية بطوائف المجتمع من تجار وفلاحين وحرفيين وغيرهم. والشعراني مرجعنا الأساسي نظرا لكتابته الكثيرة وعمق تعايشه مع عصره الذى شهد تسيد التصوف وتشعب  وتعمق علاقة الصوفية بالناس..

عــــــلاقة الصوفية بالتجــــــــــــار

1 ـ تمثلت في طبقة التجار القوة الاقتصادية للشعب المصري في العصر المملوكي ، حتى ان التاجر كان يمثل الفتى " الأرستقراطي"  في حكايات ألف ليلة وليلة . وثراء التجار أطمع فيهم أولياء التصوف في نهاية العصر ، فتنافسوا على تحويل التجار الميسورين الى مريدين طلبا للهدايا والعطايا والنذور والنقوط .

2 ــ الا ان حرفة التجارة وما تلتزمه من حرص على جمع المال وسعة في الأفق  لدى التاجر ومعرفة لديه بطرق الخداع ــ قد فرض بعض الصعوبات في تعامل الصوفية مع التجار ، وأحسّ الشعراني بذلك وخشى أن يتطور الأمر من إنكار بعض التجار على الصوفية الى إنكار لدين التصوف نفسه والخروج التام منه ، لذا نراه يحرص على استمالة المنكرين من التجار على بعض الصوفية ويدعوهم  إلى الاعتقاد في الصوفية )[8]  . ومع ذلك فإنه يتهم التجار بطاعة الزوجات وأنهماكهم في الشهوات ، ففي حديثه عن المرأة وتحكمها فى الزوج يستشهد بالتجار فيقول : ( وان كانت تحكم عليه أي الزوج فهو تحت حكمها كما هو شأن من استرقتهم شهواتهم من التجار والمباشرين وغيرهم ، فلا يقدر احدهم على مخالفة زوجته أيضا )[10] ودعا للإكثار من الصلاة في الحرم فى تأدية فريضة الحج ، والّا يفعل ( كالتجار الذين يبيعون في الموسم القماش ، ولا يستمتع أحدهم بالطواف والصلاة في جماعة ، فيصير في النهار غافلا وبالليل نائما )[12].

4 ــ وقد فهم الشعراني نفسة التجار في عصره فحاول اجتذاب بعضهم الى صفة خاصة أولئك المنكرين.  وقد روى الشعرانى أن احد التجار كان ينكر عليه، فاستماله الشعراني بأن رفض أن يشترى منه جبة بثمن قليل ، ودفع فيها الشعراى سعرا زائدا ، فاعتقد التاجر من وقتها في أن الشعراني من الأولياء وصار مريدا له [14]. وقال السخاوى عن تاجر آخر غيره أنه نزل صوفيا في الخانقاه الجمالية واقتصر على التكسب مع التعبد والتلاوة ... )[16]ولم يمنعه التظاهر بالإشفاق عليهم من اباحته أكل الصوفية لطعامهم بدعوى امداده بالبركة الخفية .! . وما أسهل هذا الادعاء من أولياء التصوف وبه يمتصون دماء الفقراء والأثرياء . ونلمح خُبث الشعراني واستحلاله أكل الصوفية المُتخمين لطعام اولئك الفقراء الجائعين  في قوله : ( أخذ علينا العهود ألا نمد يدنا على طعام فقير او صنايعي ،  إلا إن كنا نمده بالبركة الخفية في الرزق . فإن علمنا من انفسنا عدم القدرة على ان نمده فالأولى لنا تركه ولا نلتفت إلى جبر خاطره . فإن السلامة مقدمة على الغنيمة . والفقير لقمته تقع بكُلفة ، ولا سيما ان كان ضعيف البصر عاجزا عن الصنعة ، فسلامتنا من منة ذلك الفقير أولى لنا من جبر خاطره )[18]...

علاقتهم بالفلاحين :ــ

 1ــ كانوا اغلبية السكان وأقلهم شانا وأكثرهم حرمانا إلى درجة صورها ابن الحاج الفقيه المغربي الأصل بأن الفلاح المصرى عند المماليك ( صار كالأسير الذليل الحقير وكأنه لا بال له عندهم ولا روح) )[20] وقد سبق التعرض للظلم الذي حاق بالفلاحين في بلادهم من التزامات عليه ان يدفعها للسلطة ، والجديد هنا هو تلك الزيارات التي كان يقوم بها السلاطين ونوابهم إلى القرى المصرية ينهبونها ويصادرون رزق الفلاحين )[22]

2 ـــ وبعد هذا العرض السريع للفلاح المصري في العصر نحاول أن نكشف علاقته بالصوفية من خلال كتابات الشعراني. ويؤسفنا هنا أنه مع اعترافه بسوء حال الفلاحين في عصره فإنه لم يتخذ موقفا حاسما كعادته بالنسبة لأكل الصوفية في عصره لأموالهم يقول مثلا:ــ (ولا ينبغي للشيخ ان يأكل من ضيافة فلاحي الوقف لضيق حالهم وماهم فيه من المغارم ، وليس على الشيخ لوم في ردها ، إذا جاءت فإنها خاصة به في العادة )[24] ، وان أبا العباس الحريثي سار إلى الغربية فسار معه مائة من أتباعه بسبب كرم الفلاحين هناك وكانوا  يقدمونه له ولهم من الدجاج والغنم . وحدث أن سافر مره الى البلاد الشرقية بأصحابه فأطعموه الشعير والفول الأخضر والدبس فتفرق عنه اتباعه [26]. وكان من طقوسهم عند دخول الصوفية بلدا أنهم ينخرطون في الذكر بصوت مرتفع ليتلقاهم الفلاحون ويتعاونوا  في ضيافتهم وفي إعطائهم الفتوح ( أي الهدايا) للشيخ وأصحابه وخدمه ، وعلف دوابه) . هذا ما يذكره الفقيه ابن الحاج ، الذى يسجل أيضا أن بعض الفلاحين كان يهرب من قريته عند قدوم ( الغزو الصوفى ) لعجزه عن القيام بالضيافة فلا يرحمه الصوفية بل يدخلون بيته في غيبته وينهبون ما به [28]. ومع ان الشعراني اعتبر الأكل عند الفلاحين حراما  [30]وقد أباح للمتصوفة ان يستضيفهم القادرون اذا سافروا إلى بلاد الريف [32] وقال ان العهود اخذت عليه ( الا ننكر انسابنا إلى أبينا أو أهلنا إذا رفع الله قدرنا ولو كان من أراذل الناس، كفلاح وحجام وكنّاس) ، فجعل الفلاح من أراذل الناس . ولا شك أنه يعبر عن عصره ونظرته للفلاح المصرى . وكان خليقا به أن يرتفع عن هذا لأنه أصلا من الريف المصرى وأعرف بمعاناة أهله ، ولكنه  لم يفعل ، بل ان لهجته في نصح الفلاحين يبدو فيها الاستعلاء بالمقارنة بالتجار ، فيجعل ــ مثلا من العهود عليه أن (يرغّب الفلاحين وأهل الغيط في الزرع وغرس الأشجار ، وأن يبين لتارك الصلاة من الفلاحين والعوام وسائر الجهال ما جاء فى فضل الصلاة )[34]. وهكذا لم يجد في الفلاح إلا ممثلا لأراذل الناس واجهلهم وأسوئهم . وقد شاركه في ذلك الشيخ يوسف العجمي الصوفي الذي كان يتفنن في إذلال مريده ، الأمير شيخون المشهور فكان (يأمره بأن يلبس لبس فلاح ويدخل الزاوية فيفعل )[36]. أى إن هذا المجرم أعلن توبته وتصوف ولحق بالشيخ شمس الدين بن أبى طالب فى خانقاته ، ولكنه لم يستطع كبت نوازع الاجرام فى نفسه ، فما لبث أن قتل ضيفا فى الخانقاة وسلب ماله وهرب .

3 ــ وقد كان الآخرون أكثر دهاءا ومكرا منه ، فتظاهروا بالتوبة وأخذوا بالتصوف طواعية ما كانوا يحصلون عليه بالنهب قسرا ، وكوفئوا على هذا بأن رويت أعمالهم في المناقب ، بعد أن إعتبرهم الناس أولياء ، ومنهم حسن الحماقى (الذي كان يقطع الطريق ، فتاب على يد النبي ) بزعمه ، وتصوف. وكانت الكرامات المنسوبة له كلها قتل وسلخ ، ووصفها المناوى فى مناقبه فى ( الطبقات الكبرى ) بأنها (تقشعر منها الجلود )[38] بزعمه . ومنهم عثمان الحطاب ، يقول عنه المناوى إنه كان (على زي اهل الشطارة ) أى اللصوص (  ثم أدركته العناية الإلهية فأقلع عن ذلك وسلك  طريق التصوف )[40]. ثم أصبح شيخا لطائفة تحمل إسمه . وكان بعض اتباع الطريقة الوفائية  الشاذلية من قطاع الطرق،واستعرض معهم ( على وفا )  كراماته فتابوا وتصوفوا واشتغلوا بالطريق ففتح عليهم وظهرت على أيديهم الخوارق )[42].

وحيكت روايات أخرى عن لصوص آخرين خرجوا يقطعون الطريق على أشياخ وتنتهى الرواية بتوبتهم واتباعهم للشيخ )[44]، وأن زروق الفاسي في طريقه من فاس إلى مصر أظهر كرامات مع قطاع الطريق فاتبعوه (وصاروا معه لم يتخلف منهم احد ، وصاروا خدام الزاوية الزروقية ، بل ظل نسلهم يخدمون الزاوية )[46]..

عــلاقــــة الصــــوفــيــة بمشايخ العـــــرب

  1ــ ثاروا على الحكم العسكرى المملوكى بزعامة حصن الدين ثعلب فى بداية الدولة المملوكية ، وتتابعث ثوراتهم بعدها يغيرون على أطراف العمران المصرى ، ومن حواف الصحراء التى تحيط بالوادى ، فى الدلتا والصعيد. وتعاظمت ثوراتهم فى أواخر العصر اللملوكى ( الدولة المملوكية البرجية ) ،وكانت تصل هجماتهم الى اسوار القاهرة نفسها . وهم المسئولون عن خراب العمران المصرى الذى كان يمتد من الاسكندرية الى طبرق . واضطرت الدولة المملوكية أخيرا بعدما ضعفت ــ إلى الاعتراف بهم كمراكز قوى داخل البلاد تجنبا لشرهم ، فأصبحوا قطاع طرق رسميين ينافسون أسيادهم المماليك فى سلب الفلاحين وظلمهم ، وبالتالى حلوا محل قطاع الطرق السابقين فيما يخص علاقة الصوفية بهم . وأكثر الشعراني من ذكرهم حيث قرنهم بالحكام واستعمل معهم أسلوب التهديد بالكرامات ، فادعى مثلا أن المتبولي دعى على بنى حرام فأضعف شانهم واذلهم بعد عزّ. )[48].!! .. وقد بلغ تنافس  الصوفية حول مشايخ العرب الى درجة الصراع فيما بينهم ، فيذهب أتباع شيخ صوفى إلى بعض مشايخ العرب ( يرغّبونه في الاجتماع بالقطب الغوث الفرد الجامع صاحب التصريف ، ولا يزالون به حتى يأخذ عليه العهد) ثم يحذرونه من الاجتماع بشيخ أخر ينقصون من قدره . ويقول الشعرانى أن بعض مشايخ العرب ثار على ذلك وقال :  ( أنا لا أقدر على التحجير ( اى التحكم ) ولا اطلب أن أكون شيخا ، وان كان  لهم عندي رزق فهو يصل  اليهم بلا هذا التحجير )[50] ..وكيف انقطع بمنية بنى مرشد وانفرد بزاوية هناك لا خدم له ولا صاحب ويقصده الأمراء والوزراء وتأتيه الوفود من طوائف الناس في كل يوم فيطعمهم ،وقد قصده السلطان  الناصر محمد مرات بموضعه ، وتصادف وجود ابن بطوطة عنده وجود الأمير سيف الدين يلمك مع اتباعه ضيفا على الزاوية )[52]..

2 ـ وقبله كان قطب الدين الزاهد 686 مقصدا للمساكين والفقراء الواردين للقاهرة يمد لهم سماطا ، ويبرهم ويعين كثيرا منهم على الحج )[54] . وفي القرن الثامن الصوفي  اشتهر ابن شيراك التركماني ، وكان نافذ الكلمة في مصر ، وخدم الصوفية فى زاويته الواردين اليها من الأغنياء والفقراء )[56] ).

 وعلى طريق المرشدي في الكرم مع عدم قبول المال من الآخرين سار العينتابى ت 800 في إدارة زاويته فأضاف من يرد عليها ، وأطعم كل يوم فوق المائتي نفس ، وأنفق من كدّ يمينه  وأنشأ زاويته بماله واوقف عليها اوقافا كثيرة .  ونلمح المبدأ عند ابن نبهان الذي كان زاهدا في بيت جبرين ، واشتهر بها ، وأطعم الضيوف الواردين، ولم يأخذ من احد شيئا، بل ان الأمير طشتمر(حمص اخضر) (أوقف على الزاوية أرضا فامتنع الشيخ ، فلم يزل به حتى سكت  )[58] .

4 ــ وقد ورد المصادر الصوفية إشارات لدور الزوايا في الضيافة ، فالشعراني افتخر بان الضيوف في زاويته كل يوم سبعون نفسا ، زيادة على المجاورين، وأنه زوّج من المجاورين نحو خمسين نفسا ، دفع عنهم غالب المهور ، وعمل لهم طعام العروس والعقيقة ، وحج معه غالب أكابرهم فى عدة سنين ، ولم يكلف أحدا منهم بشيء . وقال أن عدد المجاورين في زاويته ضعف عددهم في زاوية المتبولي وعثمان الخطاب ومدين . [60] وكان الوارد كثيرا على زاوية الشيخ السطيحة )[62]..وووصف ابن عبد المؤمن بانه (كان صالحا سليم الصدر ناصحا للخلق قانعا بالسير باذلا للفضل بل لقوت يومه ، مع حاجته إليه )[64] ،( لطائف المنن 475 ) وأشاد بشقيقة عبدالقادر الشعراني الذي يتبرع بغسل الموتى وتكفينهم من عنده( لواقح الانوار 256 : 257 )[66] وحكى ان الاستادار اعطى للشيخ المحلى ألف دينار فوضعها عند شخص وأرسل له المحتاجين واحدا واحدا حتى صرفها كلها عليهم ( لطائف المنن 170 )[68] .

2 ــ وبعض المؤسسات اقتصرت على كفالة الأرامل ، وأشهرها رباط البغدادية ورباط الأندلس السعدي ورباط زوجة اينال وقد اهتمت بكفالة المرأة ، مما يشير إلى تقدم اجتماعي لا شك فيه في ذلك العصر [70] أي أنه قام بمهام دينية مع وظيفته الاجتماعية ، وقد بنت ذلك الرباط بنت الظاهر بيبرس، ( وصار  كالمودع للنساء الأرامل )[72] وقيل في ترجمة شهاب الدين السويداوى ت 804 ، أنه أُصيب فى آخر عمره بالعمى ، ( فانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النصر )[74] أي أنه لما علا سنّه آوى إلى الخانقاه حتى مات فيها ، وان أشهر الخوانق في العصر المملوكي وقبله الأيوبي (خانقاه سعيد السعداء) قدمت خدمات لأولئك المحتاجين .

وقد افتخر الشعراني بكثرة إيوائه ( الأيتام والعميان والعجزة والعرجان وسائر من به عاهه) وأنه يشفق عليهم حتى انه يتمنى لو كان المجاورين كلهم من أولئك )[76] أي ان زاويته علاوة على الضيافة قدمت خدمات إنسانية ودينية للمجاورين فيها..

خـــدمـــات اجتماعية متفرقـــة :ـــ

1 ــ قام بعضهم بخدمات اجتماعية احتسابا كالشيخ فتح الأسمر 695 الذي كان يسقى الناس في دمياط وفي الأسواق من غير ان يأخذ شيئا مع ملازمة الصلاة في المسجد مع الجماعة، وكان لا يرى الا وقت الصلاة ، واذا سلم الإمام عاد الى  انعكافه ، واستمر على ذلك الى ان توفى )[78] ...

2 ــ وقد شارك الصوفية في الاحتفالات بكسوة الكعبة التي كانت تقام سنويا بالمحمل . ويقول  المقريزي فى أحداث سنة 661 ( عملت كسوة الكعبة ــ في عهد الظاهر ــ وحملت على البغال وطيف بها القاهرة ومصر وركب معها الخواص وأرباب الدولة والقضاة والفقهاء والقراء والصوفية والخطباء وسافرت الى مكة )[80]  . وتكرر ذلك في مقتل الملك الناصر بن قايتباي سنة 904 ، فألقيت جثته على الأرض وظلت كذلك على أن حملها بعض اتباع شيخ الطالبية وواروه في جامع هناك )[82].

4 ــ وكان لهم دورهم في المصائب العامة كالطواعين وانخفاض النيل وذلك بالاستغفار والتضرع لله   ، وفي طاعون 833 أشار صوفي عجمي على السلطان برسباي باختيار أربعين شريفا اسم كل منهم محمد،  وتجمعوا في الجامع الأزهر فقرأوا القرآن وقت صلاة الجمعة ثم قاموا والناس على أرجلهم فدعوا الله تعالى ــ وقد غصّ الجامع بالناس،  فلم يزالو يدعون حتى وقت العصر، فصعدوا إلى سطح الجامع ، واذنوا جميعا ، ثم نزلوا وصلوا بالناس العصر وانفضوا [84]..

وقبلها في مجاعة سنة 777 خرج القضاة بالصوفية والناس إلى رباط الآثار النبوية وقرأوا القرآن وتضرعوا ، وكان معهم المقريزي..( السلوك : 3 / 1 / 218 : 219 )

 الأمــــر بالمعــــروف والنهـــي عـن المنـكـــــر :ـــ

1 ـ أرسى التصوف ( عدم الاعتراض ) نقيضا للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وسنعرض لذك فى موضوع ( القيم الاجتماعية ) التى نشرها التصوف فى المجتمع المصرى . وقد تمرد بعض المتصوفة السنيين على  قاعدة عدم الاعتراض وعدم الإنكار ، فقاموا  ينكرون على انحرافات عصرهم باليد وباللسان ،  وكان منهم الشيخ عبد الغفار بن نوح الذى  قال عنه الأدفوى فى ( الطالع السعيد : 171 ) :(كان فيه إنكار لكثير من المنكرات وأمر بمعروف) ، وهو المتهم في حرق الكنائس المصرية ، أى تطرف فى إنكاره الى درجة حرق الكنائس المصرية كلها ما عدا الكنيسة المعلقة إنتقاما من السلطة المملوكية التى أفشلت حركة البدوى السرية التى كانت تسع لقلب نظام الحكم وارجاع الخلافة الشيعية لمصر .  ومعروف إنتماء عبد الغفار بن نوح للتصوف الشيعى وكونه من الجماعة السرية للحركة الشيعية المتسترة بالتصوف بزعامة أحمد البدوى . وشرحنا ذلك فى كتاب ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ).   وقيل في ابن مصلح المنزلاوي ت 873 : (وكان على قدر عظيم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ( الضوء اللامع : 2 / 211 ). وقد سبق ذكر الأمور التي قامت بها زاويته في إكرام الضيوف مما يدل على أن شخصيته كانت إيجابية في نواح كثيرة....

2 ـ   وفي القرن التاسع ذكر المؤرخ ابو المحاسن جهدا عمليا في حرب المنكرات للشيخ  سليم ابن عبد الرحمن الذي استغل مكانته لدي الأشرف برسباي استغلالا إيجابيا فكان (شديدا في أمر الله ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وكان اذا سمع بمكان منكر جمع فقراءه وتوجه إليه بالسلاح والمطارق يدخل من غير إذن هجما ، ويكسر ما وجده من الخمور، وإن منعه احد قاتلهم بمن معه ، ومع هذا كان لا ينتهي عن ذلك مدة حياته )[86]      .

ويذكر الشعراني بالخير انه مع دعوته الكثيرة لعدم الاعتراض التي سنتعرض لها ــ لم ينس مهلة إزالة المنكر فعرض لها بالتخصيص دون التعميم كقوله (اخذت علينا العهود ان نُشدد فى إزالة المنكرات المجمع على تحريمها، اكثر من المختلف في تحريمها )[88] . وأكثر الشيخ مجد الدين الأقصري ت 740  من الشفاعات عند كريم الدين عبد الكريم حتى اضجره ، فسأله أن  يخفف من ذلك، فقال له الشيخ الأقصرى : لا يسعنى ان أرد أحدا ، ولكننى انا أسألك فان منعت منعت من منعه  الله وان اعطيته فمن فضل الله ) .  واستخدم البعض مكانته لدي أولى الأمر في قضاء حوائج الناس مثل (الأمام المعتقد ابن جامع البحيري  850) الذي ( كان شيخا جميل الطريقة مهتما بقضاء حوائج الناس ولأرباب الدولة والأكابر فيه اعتقاد كبير ومحبة )[90] (ونفع خلقا كثيرا بجاهه )[92] وكان لوالد الشعراني (توجه صادق في حوائج الناس ويشهد بينهم ويحسب ويكتب محتسبا في ذلك )[94] ونقل ذلك الغزى بحروفه )[96] ووصف القاضي سعد الدين الدرديري بأنه باشر مشيخة الخانقاه المؤيدية بعد أبيه ، فانتفع به الناس في الفتاوى والمواعيد والاشتغال مع طلاقة اللسان وكثرة البشر وامن الجانب وفرط للتواضع مع الوفاء والمهابة والديانة والصيانة )[98] .

ومع التزام بعضهم بعدم التردد للأكابر والاعتكاف مثل الشيخ بدر الدين الاصبهاني 873 ــ فإنه وصف أيضا بحسن السيرة والعفة والسخاء والتواضع وملازمة العبادة )[100] ، ولكن من حقنا أن نتشكك فى هذه الرواية لأن أبا العباس المرسي خليفة الشاذلى لم يكن يسعى للناس فى قضاء مصالحهم ، وكان يقول للسائل : أنا اطلب لك ذلك من الله تعالى ، وكان يتحايل في التهرب من لقاء الرؤساء )[102]  

الـتــســــــلــيــة :ـــ  

وقد اتخذت بعض المؤسسات الصوفية منتزها للسلاطين والأمراء مثل تربة وبيت وخانقاه سرياقوس التي اعتاد البعض الركوب إليها [104] وسبق الحديث عنها ..وقد عد الشعراني من المنن انه لا يقول للمداح الذي ينشد (اسمعنا شيئا بحضرة ذلك الأمير، الا بنية صالحة) وقال (وهذا يحصل كثير من المتمشيخين اذا زارهم الأمراء )[106] وأوصى الشعراني المريدين بالتسليم للأولياء والتصديق لهم في كل ما يخبرون به في حق الوجود )[108] واعتبره الدشطوطي أن كثرة الاعتراض( بُعدا عن حضرة الله )[110] ..

2ــ ومن المريدين التفتوا للآخرين فدعوهم لعدم الانكار علي الأولياء ،وحذروهم بالقول واللعن  والخواص دعا (لعدم الانكار على الولى )[112] ، وقال أبو عثمان (لعن الله من انكر على هذا الطريق ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلقل : لعنة الله عليه) . وحذّر أبو المواهب الشاذلي من ينكر على الأولياء بأنه (لا يفلح أبدا) ذلك ان أبا المواهب الشاذلى إشتهر بكثرة مزاعمه بأنه يرى الرسول فى المنام ، فأنكروا عليه ذلك ، فزعم أن الرسول قال له في المنام : (وعزة الله وعظمته من لم يؤمن بها أوكذّبك فيها لا يموت الا يهوديا أو نصرانيا او مجوسيا  )[114] وهكذا تطرف الشعرانى فجعل الاعتراض على الأولياء جريمة تُحبط العمل الصالح ، مثل جريمة الشرك بالله جل وعلا. كل ذلك لحماية الأولياء الصوفية ...

4ــ وارتبط ذلك بالدعوة للتقليد وتجريم مناقشة المريد لشيخه ، مع إعطاء الشيخ منزلة الله جل وعلا. يتضح هذا من قول الشعرانى : ( فإذا قال المريد لشيخه (لِمَ) لا يفلح في الطريق بإجماع المشايخ وهي إساءة أدب في حق الله ..؟ )[116] واذا كان هذا حال (الكمّل) فكيف بالآخرين .؟؟ . والشعراني يقول عن عن نفسه أنه يصدق كل ما يروى عن الصالحين( وان إحالة العقل )[118] . كان هذا فى القرن الثامن الهجرى . وفي عصر الشعراني فى القرن العاشر تم الانقلاب وصار التقليد هو السنة المتبعة المرعية حتى أنه يقول : ( يجب على الأخ ألاّ يقر اخاه على بدعه وإلا يتركه خوفا على نفسه )[120] . ومن الطريف أن احد المنكرين على ابن الفارض مات في طريق الحج ــ وهذا شيء عادي جدا ــ إلا انهم صوروا موته على انه (بسبب كلامه في ابن الفارض )[122] . وهذا القول يعكس حدة غضبهم على المعترضين ، والشعور بالتأليه . وقال الشعراني  (ما رأينا أحد قط أذى الصالحين وأنكر عليهم بغمر طريق ومات على نعت الاستقامة ) والصالحون في عرف الشعراني هم الصوفية .وإيذاؤهم هو الاعتراض عليهم .

6ــ وتطورت الدعوة لعدم الاعتراض على الأولياء الصوفية دعا الصوفية إلى عدم الاعتراض على المسلمين العاديين ، أو ( آحاد المسلمين ) فدعا الشعرانى الى عدم الاعتراض على (آحاد المسلمين أسوة بالمشايخ ،ولاحتمال أن يكون أحدهم وليا مستورا) .وليس مهما ان يكون الفرد عاصيا ، فقد افتخر الشعراني بانه لا ينكر على أي عاص ( أدبا مع الله ) ، وهذا نابع من عقيدة الصوفية فى ( وحدة الفاعل ) والتى عرضنا لها فى كتاب ( العقائد الدينية ) ووحدة الفاعل عندهم تنسب المعصية لله جل وعلا ، وليس للشخص العاصى. وبهذا يرفض الشعرانى الاعتراض على الشخص العاصى أدبا مع الله ، لأن الشعرانى يؤمن أن العصيان وقع من ( الله ) وليس من الشخص . تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا.

7 ـ ثم يتطور الأمر الى التحذير من الاعتراض على اليهود والنصاري، واحتال لذلك بدعوى انه اعترض على يهودي فأصبح مثله يهوديا (من عصر يوم الجمعة إلى ثاني يوم الظهر ) وقال إن هذا وقع  لبعض العارفين ( ومكث على الكفر سنين ...) وقال (أن أحمد الزاهد اعترض على نصراني فتحول نصرانيا (حتى ندم وانتحب فرجع الى عقيدته) ..

8 ــ وأمتدت حمايتهم الى العصاة الاخرين فدعوا إلى عدم الانكار عليهم مثل (محبي الغلمان ملاح الوجوه وعدم سوء الظن بهم ) على حد قول الشعراني الذي يفخر بأنه لا يعترض على (المخنثين لأنهم أصحاب امراض فربما ازدراهم أحد فابتلاه الله بمثل ما ابتلاهم به )

وتحذير الصوفية من الاعتراض( على آحاد المسلمين أسوة بالمشايخ ولاحتمال أحدهم وليا مستورا ) لم يكن ذلك حبا في آحاد المسلمين او رفقا باليهود والنصارى ، وإنما كان حماية لانحرافات طوائف الصوفية الذين اشتهروا في هذا المجال ، مثل الأحمدية والبرهامية الدسوقية والمطاوعة والقلندرية . ويتضح ذلك فيما يرويه الشعراني عن نفسه فقد انكر (على ما يفعله القلندرية في زاويتهم) يقول بزعمه (فإذا بشخص متربع في الهواء يقول لي: تنكر على القلندرية وأنا منهم .؟ فتركت الانكار).

وقيل في أولاد الشيخ أحمد المعلوف أنهم كانوا على غير نعت الاستقامة ) ومع ذلك أشاعوا أن انتقام البدوي حل على من ينكر عليهم [124]  وعدم الاعتراض على الولى الصوفى الذي (يأخذ من الظلمة مالا )[126] .

10 ــ وبعد ذلك يحق لنا ان نتشكك في جدية طريقة الصوفية لإزالة المنكر والتي هي (الإنكار القلبي والتوجه إلى الله تعالى في إزالته ، فتلك طريقة العارفين [128] .... فذلك الإنكار القلبي ــ حتى مع التسليم بوجوده فعلا ــ لا يتناسب مع مكانة الصوفية ونفوذهم في العصر كما لا يتناسب مع دعوتهم الجدية لعدم الاعتراض ولو بالقلب . وأجدى ان نضع في الاعتبار كثرة انحرافات طوائفهم وخشية المحققين منهم على سلامة الطريق الصوفي وتحصينه من إنكار خصومهم الفقهاء..وحقيقة إنكارهم القلبي تظهر في قول أبى المواهب الشاذلي (ان كان ولابد للمريد من إزالة المنكر فليتوجه إلى الله بقلبه )[130] .

11 ــ على أن بعض الكبار من الصوفية استخدم نفس الأساليب الصوفية للتحذير من إزالة المنكر ، كالمنامات التي يؤمن بها المريدون ، فيروي ان إبن على وفا ــ مثلا ــ قد همَّ بالإنكار على عاص فسمع هاتفا يقول له (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم) ، أما أبوه ( على وفا ) فقد اعتبر الساعي في إزالة المنكر معترضا على الله في احكامه [132] ..

11 ــ ولم يضع جهد الصوفية عبثا ، فقد انبهر الرحالة والوافدون الى مصر من الحرية السائدة فى الشارع المصرى المملوكى ، فيقول الرحالة ابن ظهيرة أن من محاسن مصر (عدم الاعتراض على الناس فلا ينكرون هم ولا يحسدونهم بل يسلمون لكل أحد حاله ، العالم مشغول بعلمه والعابد بعبادته والعاصي بمعصيته ، وكل ذي صنعة بصنعته ، ولا يلتفت احد إلى احد ، ولا يلومه بسبب وقوعه في معصية أو نقيصة )[134]  والنّص ليس بحاجة إلى التعليق....

 

 من التواكل والتسول الى الخضوع والتذلل

 التــــواكــــل

1 ـ دعت القصة الصوفية للتواكل ،ونفّرت من اتخاذ الأسباب حتى في السفر في الصحراء او في الحج بجعلهم (الحج بالتجريد) أي بدون ماء وزاد ، ويأتي لهم الماء والزاد  في الطريق بالكرامات ، وربما يأتى الخضر بنفسه ـ بزعمهم . ومن أكاذيبهم قولهم أن الله حل وعلا خلق الناس واختار كل منهم صنعته وانفردت الصوفية كل منهم باختيار خدمة الله ، فسخر الله  الخلق لخدمتهم )[136] ، وهى عبارة تحتمل وجهين ، ولكن توجيهها للمريد الصوفى يؤكد معنى التواكل الصوفى وليس التوكل . ونصح الخواص الشعراني بألا يتخذ حرفه حتى لا يختار مع الله شيئا [138].

2 ـــ واشتهر الصوفية في العصر بالتواكل ، ووُصف هذا التواكل بالتوكل قلبا للحقائق ، فوصفتهم إحدى الوثائق بانهم (توكلوا عليه ، ليس لهم صناعة ولا يملكون بضاعة ، متجرهم ركعة ، ومنهلهم دمعة )[140] ..وتأمل قوله ( حتى الصوفية ). فهذا تعبير عن رؤية العصر لهم . لذا تتردد فى تراجم شيوخ الصوفية أنه لم تكن لهم  حرفة ، وأنه كفاهم الناس امر المعاش .[142]  . وكرر ذلك في كتب أخرى ، يقول في احداها للناس: ( ارادتك التجريد مع إقامة الله تعالى اياك الأسباب من الشهوة الخفية ، وارادتك الأسباب مع إقامة الله اياك في التجريد انحطاط عن الهمة العليّة  ، أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك لا تقم به لنفسك..اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك )[144]  . وحتى الآن يعكف الشاذلية وغيرهم على قراءة كتبه ومنها (التنوير في اسقطا التدبير) ، المسئول عن إشاعة التواكل والتبطل والدروشة [146] . وتصور الامثال هذا:( تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش )[148]

5 ــ وقد سيطرت هذه العقيدة على العوام ، وأضرّت بالحياة الاجتماعية ، لأنها جعلت العامة تطمئن لفقرها ، وتعتبره طريق الأنبياء [150]  . إنتشر هذا مع حث الصوفية على الزهد [152]  وأسوة بالأنبياء لا بالجبابرة كقارون  [154] .

6 ــ هذا ...  وكان التسول أهم نتيجة عملية للتواكل الصوفي فمن اين يعيش المتواكل الذي لا يعمل ..؟؟. وقد عرضنا فى كتاب ( أثر التصوف فى العبادات ..) لازدهار التسول في العصر المملوكي عن طريق التصوف. فلا داعى للتكرار .    

الخضوع والخمول والتذلل :ــ

1 ــ  بالتصوف عرف العصر المملوكي الخضوع والتسليم للأولياء الصوفية والحكام ،وليس غريبا أن دعاة تقرير الظلم هم أبرز دعاة الشعب للخضوع وهم أنفسهم أرباب التقليد العلمي والخمول الاجتماعي . ويكفي اطلاق (الفقر) على صوفية العصر المملوكي وافتخارهم بهذا اللقب مع ما فى الفقر من ذلة وانكسار واحتياج للأخرين ، وتأليفهم و نشرهم حديثا يعبر عن الذلة والمسكنة هو ( اللهم أحينى مسكينا وأمتني مسكينًا واحشُرني في زُمْرَةِ المساكين) وصاغوا على منواله حديثا آخر يقول (اللهمَّ أحيني فقيرًا وأمتني فقيرًا واحشُرني في زُمْرَةِ الفقراء ) .

2 ــ إنّ عزة المسلم  الحقيقى في طاعته ربه وإيمانه به جل وعلا الاها لا شريك له ، بحيث لا يذل نفسه لسواه ، وفى نفس الوقت فهو لا يتكبر على بشر مثله ولا يتكبر على الضعاف بل يتطامن لهم ويتواضع . والإسلام دين العقل المتفتح، والمؤمن فيه  ليس امّعه يقلد الآخرين ويعيش خاملا، بل هو فعال للخير يتعاون على البر والتقوى .

إن الله جل وعلا جعل الذلة والمسكنة قرينة بغضبه على العُصاة من بنى اسرائيل وأهل الكتاب ، فقال جل وعلا:(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ)(61) البقرة ) (  ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ) (112) آل عمران  )، بينما جعل العزة من نصيب المؤمنين مرتبطة بعزة الله جل وعلا ورسوله ، ولكن المنافقين لا يعلمون: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8)  المنافقون ). إن الايمان بالله جل وحده إلاها لا إله غيره يعنى أن يكون الفرد عبدا للخالق وحده ، وليس عبدا لمخلوق مثله ، وهذا فى حد ذاته فخر للمؤمن وعزّ له . والوقوع فى الشرك وتقديس البشر يؤسس الوضاعة والذلة والمسكنة داخل الفرد المُصاب بهذا الدين الأرضى . ومن هذا التذلل الدينى يمتد التذلل ( الاجتماعى ) ليصبح قيمة اجتماعية بسيطرة هذا الدين الأرضى ، فالذى يركع أمام رجل الدين الأرضى لا يجد غضاضة فى سجوده للمستبد وأصحاب السلطان . وهذا ما ساد فى العصر المملوكى . وعرضنا فى كتاب( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) لنشر التصوف لنفاق الحاكم المملوكى والتزلف اليه والرضى بظلمه وتحريم إنتقاده مهما أسرف فى ظلمه .

3 ـ والشعراني كان أكبر داعية للرضى بالظلم المملوكى ، وهو ــ كالعهد به ــ خير من يمثل دين التصوف المملوكي. وفي كتاباته يخلط بين الدعوة للخضوع للظلمة مع الخضوع للأخرين والتسليم وما ينتج عن ذلك كله من خمول، و يحتال لذلك بالمنطق المعوج مع التحذير والتخويف، كقوله :( اخذ علينا العهود ان نعلم إخواننا طريق الخلاص إذا قام عليهم قائم يؤذيهم ، وذلك بأن نأمرهم أن يحسنوا الى من قام عليهم بالدنيا والخلق والخدمة وليس هذا من الأمور المحرمة .. فمن عقل العاقل ان يذل ويخضع ويحسن الى من يشوش عليه ، ولو لم يكن بيده إلا لقمة واحدة دفعها إليه ، وذلك لأن جوع الانسان مع هدوء السر أحسن من شبعه مع النكد ، والذي حرك النكد هو الذي بيده تسكينه، فهو أولى بالإعطاء من الحاكم الذي يريد ذلك المظلوم ان يحتمى به . ويقع للكثير من ضعفاء العقول أنهم يحرمون الخصم ويطعمون الحكام ، ولو انهم قد أعطوا الخصم بعض ما اعطوه للحاكم لربما سد باب الأذى )[156] .

4 ــ والواقع ان علامة الصوفى ــ قبل الشعراني ــ تمثلت في قدرته على تحمل الأذى من القول بالغا ما بلغ ، فى نظير بلوغه هدفه.  وقد لفت ذلك نظر ابن الحاج المغربي حيث سجل أن عادة الصوفية في الرباطات استقبال الضيف بالشتم والإيذاء ، فاذا تحمّل وتجلّد عرفوا صدق صوفيته،  فادخلوه..)[158] .. وفي نطاق دعوة الشعراني خلط بين التواكل الخمول ، وتمسح بالدين كعادته ، فجعل من أخلاق من أسماهم بالسلف الصالح  (تقديمهم السلامة على الغنيمة ، من حيث رفض الدنيا وفراغ يدهم منها، فكانوا يقدمون فراغ يدهم من الدنيا على جمعها وانفاقها في سبيل الله تعالى خوفا ان يُنعوا منها حقها )[160]..

3 ـ ويرى باحث ان الشعراني لا يميل للحض على الأعمال الإيجابية التي تستلزم جهودا في نضال البقاء ، بل اعتبر الكثير منها خروجا على الطريق كالشجاعة والاقدام ومقاومة الظلم، ويرى أن الأخلاق التي روج لها بين مريديه هي اخلاق العبيد [162] .أي انهم استجابوا لدعوة الشعراني ، وعبر عنهم وآثر الراحة لنفسه ولهم . فالقيم الايجابية ترهق الداعي لها كما ترهق عصره .

6 ـ هذا ، ونعيد التأكيد على أن تاريخ الحياة الاجتماعية لا يرتبط بالتاريخ السياسي؛  فالتاريخ السياسي مثلا للعصر المملوكي يبدأ بقيام الدولة المملوكية  سنة 648 وينتهى بسقوطها سنة 923 ، أما الحياة الاجتماعية لعصر من العصور فيمكن رصدها قبل بداية ذلك العصر وبعد نهايته،  لأن المجتمعات فى العصور الوسطى كانت أميل للتقليد وأبعد عن التطور الفجائي . وقد تبلورت الشخصية المصرية بالتصوف في العصر المملوكي بحيث كان المجتمع المصري في مصر العثمانية امتداد للعصر المملوكي ، خاصة وأن الحكم العثماني لم يكن مؤثرا في الأحوال الداخلية . والشعراني صوفى مخضرم عاصر الدولتين ، وهو مع كونه تلميذا لأشياخ التصوف المملوكي فهو شيخ المتصوفة طيلة الحكم العثماني،  بل ان الحياة المصرية ظلت متأثرة بكتابات الشعراني حتى أوائل القرن الحالي . ولا عجب حينئذ أن نلمح في كتابات كلوت بك عن مصر في عهد محمد على ــ صدى لتوجيهات الشعراني ....

 

رابعا 

 أثر التصوف فى المعتقدات الاجتماعية

صدرت المعتقدات الاجتماعية في مصر المملوكية عن المعتقدات الصوفية المؤثرة فى المجتمع . وفي العصر المملوكي نشأ عن ( التوسل بالأولياء ) الاستغاثة بهم عند المرض والاعتقاد في جدوى التداوي بتراب القبور المقدسة . ومن الايمان بكرامات ألأولياء إعتقد العصر بجدوى (السحر) الذى أصبح قرينا بالكرامة . وازدهر (التنجيم) في مجتمع يؤمن بمعرفة البشر أو (الأولياء) للغيب . وهو نفس ما ساد فى العصر الجاهلى تحت إسم ( الأزلام ) والذى إعتبره رب العزة مع الخمر والميسر والأنصاب أو ( الأضرحة ) رجسا من عمل الشيطان ، وأمر بإجتناب كل ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة ) . وآمنوا بالتعامل مع (الجان) على المستوى الحسى ، بل ان الشعراني وصف نوعا من الأولياء الأحياء يعتبرون وسطا بين الولى والجان، وهم ( أصحاب  النوبة) ، وكتب السيوطي رسالة (القول الجلى في تطور الولي) عرض فيها لإمكانية تشكل الولي في أكثر من صورة ، وآمن العصر المملوكى ب (التطير) ، او : التفاؤل والتشاؤم ، و يشيع هذا  في المجتمعات التي تؤمن بالأساطير والارواح والجان وتفسر المظاهر الطبيعية العادية وفقا لتلك المعتقدات فيكون التفاؤل والتشاؤم . لذا اعتقد العصر المملوكي في جدوى(التفاؤل والتشاؤم) نوعا من التنبؤ بالغيب .

2 ـ ومع انها صدرت عن التصوف كأثر مباشر فان هناك عاملا غير مباشر اسهم بدوره في التمكين لها بين المجتمع وطوائف المجتمع ، وهو جهد التصوف في نشر الجهل والجمود كما سبق بيانه في فصل العلم والعلوم . والعلم الحقيقى ينمى الوعى والتعقل ولا يدع مجالا لنشر الخرافات الدينية .

3 ــ ولا يزال سائدا حتى الآن الاعتقاد في إمكانية الاتصال بالجان وعلاقتهم بالأولياء خاصة ، حيث توصف ربيبات الزار بأن (عليها شيخ) أي ان صورة الجان إختلطت في اعتقادهم بصورة الولى الشيخ .  والقانون يجرّم الدجالين منتحلى الطب الروحاني وأصحاب (الأعمال) السحرية ، ومع ذلك فإن لقبهم في عرف العامة هو (المشايخ)، وغالبا ما يرتدون زي الشيوخ وتروج تجارتهم في الموالد الصوفية وحول الأضرحة ، فلا يمكن ان يطلق لقب الشيخ على أولئك المحتالين المجرمين إلا بأثر التصوف الديني ، الذى لا يزال سائدا حتى بين بعض المثقفين وفى الطبقات العليا والمتوسطة فى الشعب المصرى . وكل ما سبق ناشىء عن ( الإيحاء ) ، أو الاعتقاد والتصديق .

ونعطى بعض التفاصيل :

فى التداوى

الأولياء الأطــــبــاء :ـــ

1 ــ اعتقد الناس في مقدرتهم على شفاء الناس المرضى بما لهم من تصريف وكرامات . وبهذا اشتهر بعضهم بالطب ، فكان إبراهيم الجعبري (يشارك في علم الطب )[164] ، ووصل الأمر الى أنه اشتهرت طفلة بالولاية ، وبأنها تشفى المعاقين فقصدها الناس لأنها  ( تقيم المُقعد وترد بصر الأعمى )[166] ، وفى طب الأسنان عرف بعضهم بأنه يرقى الضرس المصاب : (رقائين الضروس) ، اى إشتهروا برقى الضروس التالفة ، أو كما قيل : (لأن الإنسان كان اذا وجعه ضرسه يرقونه فيسكن الوجع )[168] وشفي أحدهم من مرض جلدي عن طريق الشيخ عمر المغربي  [170] . وزعموا أن ( رقية ) الحنفي كانت البلسم الشافى لكل من أصابها ( الطلق أوالصداع )  [172] ، الى جانب التكحل بتراب القبور المقدسة للأولياء .!!..

التراب كدواء :ــ

1 ــ أشيع بالقاهرة سنة  796 أن امرأة أصابها الرمد ، وأيس منها الأطباء فأمرت في المنام ان تتكحل برماد من سفح جبل المقطم ــ حيث مقابر الأولياء ــ وقيل أنها شفيت بذلك .. يقول المقريزي فلم يبق من الناس إلا من أخذ من الحصى الذي بالجبل واكتحل به ، وعُمل منه في الاثمد وغيره ، حتى أفنوا من ذلك ما لا يقدر )[174]، والعقيلي [176] ويبدو أن القبر الأخير اكتسب هذا  اللقب لصلته بشفاء امراض العيون . بل ان بعض الأماكن حازت شهرة في هذا المجال برعاية التصوف طبعا فقد اشتهرت بئر في مسجد الرعينى بشفاء الحمى لمن يغتسل منها)[178] كما يقولون ...

التمائم :ـــ

1 ـ  راج استعمالها في العصر المملوكي لشفاء الأمراض واتقاء اذى الحشرات كالجراد وقرص الثعابين وطرد البراغيث .

2 ـ وكانت التمائم تحوى آيات قرآنية مع كلمات وحروف وأعداد غير مفهوم العلاقة بينها ، على نسق أصحاب علم الحرف الصوفي. يقول السخاوي الصوفى صاحب ( تحفة الأحباب ) : (بمشهد زيد بن على زين العابدين عمود رخام على يمين الداخل من الأبواب، به أسطر تكتب في ورقة وتوضع على عرق النسا ، يزول بإذن الله تعالى . وهي مجربة. وهذه صورة الأسطر : 1 ح  5 ب   51 ع   155 مرابية ) [180] بل وضعت تمائم لطرد البراغيث [182] . إلا ان قصيدة البردة للبوصيري كانت أشهر التمائم المكتوبة باعتراف أبي المحاسن  [184]

3 ــ ومن أظرف التمائم تلك التي عرفت ب (حفيظة رمضان) وكانت تكتب فى آخر جمعة من رمضان والخطيب على المنبر يخطب ، وصيغتها (لا . إلاء، إلا . إلا . ولا . ؤل . يا الله. انك سميع عليم محيط به علمك . كسيعلمون . وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ). ومن الطريف ما يحكيه المؤرخ السخاوى عن شيخه المؤرخ ابن حجر ( العسقلانى ) أنه كان يخطب اخر جمعة من رمضان، في جامع عمرو ، فرأى شخصا بدكة المؤذنين يكتبها فانزعج  .[186]...

الاعتقاد في الجان

1 ــ الاعتقاد في الجان ظاهرة إنسانية عامة . وقد تردد ذكرهم في القرآن الكريم وخصصت باسمهم سورة الجن) ، ورب العزة جل وعلا يذكر إيمان بعضهم بالإسلام ( الأحقاف:29 )، وهم مخلوقات برزخية فى مستوى آخر من الوجود لا نُحسُّ به فى عالمنا المادى . وحين عصى ابليس طرده الله جل وعلا من الملأ الأعلى فصار وأصبح مع ذريته فى المستوى البرزخى للجن :( الكهف :50) .

2 ــ أما ما ينكره الإسلام فهو الاعتقاد في التعامل المادى الحسّى مع الجان على المستوى الحسي وإمكانية الاتصال بهم على نحو ما يشيع بين الناس ، مثلما أشاع الصوفية في العصر المملوكي ، لأن الله جل وعلا حكم علينا بعدم رؤيتهم مع انهم يروننا ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف: 27).  

3 ــ وينكر الإسلام تلك الخرافة الصوفية التى تزعم تشكل الولى بهيئة الجن ـ أو تطور الولى وتجسده ليكون من الجن ، أو ذلك الاختلاط والتماهى بين الجن وبين الأولياء الصوفية ممن يُطلق عليهم ( أصحاب النوبة ) الذين يحرسون الأرض فى زعمهم ، على نحو ما تحدث الشعراني ، [188] ، وأنه يحرص استئذانهم كلما خرج من بيته ليكون في رعايتهم )[190]  . وهذا الاعتقاد فيهم مع الخوف منهم وعدم تحديد تام لشخصياتهم يجعلهم أقرب إلى الكائنات المجهولة أوالجان . واقرأ قول الشعراني يصف حالته حينما مر في أماكن مهجورة (.... وغفلت مرة فأحسست بنفسي أن ورائي تمساح كبير يريد ان يبتلعني ، فالتفت فاذا شخص منهم أشعث الرأس كأن عينيه جمرتان .!) ويقول: ( فلقيني واحد منهم فما كانت روحي إلا زهقت) [192] ، وخضوع بعضهم للولى كخضوعهم لسليمان [194]  ، وألف كتاب : ( كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان ) للرد على أسئلة الجن له في التوحيد  [196] ، وفي هذا المجال اشتهر الحنفي حتى ان إحدى مريداته من الجنيات ــ على زعم كتب المناقب ــ طلبت أن تتزوج من صهر الحنفي فأفتى الحنفي بعدم الزواج شرعا إلا أن العريس نزل معها (تحت الأرض) حيث قابل ملك الجان فقال الأخير : لا اعتراض على سيدي محمد (يقصد الشيخ الحنفى ) فيما قال : ثم أمر الجنية بأن تعيد حبيبها على مكانه )[198] ، واحترف بعض الصوفية استحضار الجان للمصاب بالصرع ، مثل ابن الرداد المعروف بشيخ الجن ( فكان من يعزم عليه ينصرع عمدا ليضحك الحاضرين ، وتكرر ذلك فصار يُعتقد ،وسُمّى شيخ الجن )[200] وكانت الناس تفسر الأشياء الغريبة والتي تبدو كذلك في ضوء اعتقادهم في الجان [202]..وصنعت تمائم للحفظ من الجان نسب بعضها للرسول عليه السلام [204].

6 ــ وتأثرت بعض العادات الاجتماعية بالاعتقاد في الجان ، فالنساء كن يضربن على الأواني النحاسية عند خسوف القمر لإبعاد الجن عنه( 205 ) ، ولا يزال ذلك ساريا .

7 ــ وللجان والعفاريت ذكر في الأمثال الشعبية المصرية [206].. واكتشف ابن تيمية حيل الأحمدية في دخولهم النار وفضحهم امام الحاكم  [208] وفي إحدى الفتن اشتهر الامير ( يلبغا المجنون ) بأن السهام لا تصيبه ، (واختلف الناس في امره ، فمنهم من يقول كان معه هيكل منيع ، ومنهم من يقول كان يتحوط بأدعية عظيمة ، ومنهم من يقول كان ساحرا) [210] وقال نفس الشيء عن الاتابكي ازبك بن ططح ) [212] . وهذا يخالف ما ذكره من عاصر مقتل قرقماس من المؤرخين ، وما سجلوه عن مقتله كالمقريزى فى (السلوك ) وابو المحاسن فى ( النجوم الزاهرة ) [214]... وادعى كثير من الصوفية معرفة الاسم الأعظم وكان اغلبهم من أدعياء علم الغيب او الكشف كابن زقاعة  [216] والأشمركاني  [218] وعن هذه الصلة بين التصوف المملوكي والسحر ترسخ الاعتقاد في السحر كحقيقة حتى ان فقيها قاضيا استغل قوة الاعتقاد في السحر ــ ليحكم بقتل شخص بحجة أنه ساحر حلال الدم  [220]..بهذا فسر العصر المملوكي محنة الوزير عبد الباسط مع أن تلك المحن كانت شيئا عاديا وقتها .

8ــ ومن الطبيعي أن يستهوي السحر عقول النساء في العصر المملوكي ، والحريم السلطاني على وجه الخصوص حيث مكائد النسوة لا تنتهي . فقيل ان والدة الناصر فرج زوجة السلطان برقوق قد سحرتها جارية من جواريها ، فقتلت الجارية وقتل نصراني اتهم بالتعاون معها .. )[222]  وفي هذا الجو مارست النساء السحر كصناعة للتكسب )[224] ..

9ــ واستمر الاعتقاد في السحر بعد العصر المملوكي فقال كلوت بك : ( ومسلمو مصر يعتقدون أن بإلامكان القيام بالإجراءات السحرية بحسب مبادئ الخير والشر ، وتسمى نظريتهم في الحالة الأولى بالعلم الروحاني وفي الحالة الثانية بالعلم الشيطاني  )[226]..أما في أواخر العصر فقد عمت هذه الظاهرة إلى درجة والمصريون في نهاية العصر كانوا (يتفاءلون) بأي شيء ، أى يتشاءمون من أى شىء ، ويتوقعون الشّر من أى شىء . وابن إياس اكبر من يعبر عن هذه الحقيقة حتى في الحوادث العادية [228] وتوجه السلطان للمقياس،  وزغردة النساء له في موكبه .[230]. وخسوف القمر ظاهرة عادية ، ولكن لحقها التشاؤم ، ولما خسف القمر يقول ابن إياس أنه ( "تفاءل " الناس بزوال السلطان لا سيما أن كان مريضا )[232] . ووقع السلطان شعبان من على فرسه فتطير الناس وقالوا: لا يقيم إلا قليلا )[234].. ولتلافي ذلك تقرب القضاة للسلاطين بمنع شهادة من يرى الهلال اذا كان يعنى مجىء العيد  فى يوم جمعة فيرمون الشاهد بالتزوير [236] إذ يعتبرونه (فألا) بالهزيمة ، أى تشاؤما بهزيمته وإرهاصا بها .. وحين زحف منطاش لحرب برقوق وقع من على فرسه ( فتفاءل الناس له بعدم النصرة ) [238] . وفي فتنة السلطان قرقماس مع السلطان جقمق (تفاءلوا) له بالهزيمة لأنه (كشف رأسه وهتف بنصرة الحق ، وتأكدت الطيرة عليه بسقوط درقته عن كتفه إلى الأرض  ) [240]..

6 ــ ومن الطريف أنه حين ذهب الغوري للشام للقاء السلطان سليم العثمانى في تلك الحرب التى انهزم فيها الغورى وقتل ـ توقف الغورى فى دمشق ، وذهب المؤرخ ابن طولون للقائه مع جماعة صوفية ، وأرادوا تحية الغورى فاصطحبوا معهم مجموعة من القُرّاء العميان ليقرأوا له القرآن تبركا ، يقول المؤرخ ابن طولون (... فلما وصلوا إلى قربه وجلس الأضراء ــ جمع ضرير ــ يقرأون القرآن له فأمر مماليكه فضربوهم بالعصي ، وقالوا لهم : عندنا ميت حتى تيجوا تقرون عليه ....) [242] أي ان الإنسان ينطق في حديثه بكلمة او شعر أو غير ذلك فيتحقق وقوعه ويعتبر ذلك من الكشف الصوفي أبيح للأخرين ....وعرف الناس أيام السعد وضدها فيوم رابع عشرين من الأيام السبعة المكروهة عند الناس في العصر المملوكي [244] .... وكان الناس يتركون تنظيف البيت وكنسه اذا سافر احدهم (ويقولون ان ذلك ان فُعل لا يرجع المسافر ) [246].. وقد دخلوا بنعش محمد بن جقمق من باب زويلة فتشاءم العوام بذلك )[248]..

5ــ وتعكس الأمثال الشعبية في العصر المملوكي هذا ، فتقول (أي موضع راح الحزين يلقى جنازة) (اذا كان القطن أحمر والمغسل أعور والدكة مخلعة والنعش مكسر اعلم ان الميت من اهل سقر والوادي الأحمر ) (صباح الفوال ولا صباح العطار) ( صباحك ياعور قال دي خناقة بايتة.! ) (فرحت حزينة خربت مدينة.! ) [250].. وواضح ان ( المستخير ) بالمصحف يوجّه معنى الآية على مشكلته الشخصية ، فإذا كانت عن الذين كفروا فهم أعداؤه ، وإن كانت الذين آمنوا فهم ( حضرته ) ومن معه ، وإن كانت عن الجنة فهى ( له )، وإن كانت عن النار فهى ( لهم ).

2 ــ ومن الطريف ما ذكره المؤرخان ابن حجر العسقلانى والسخاوى ان الشيخ الأبناسى رفض منصب القضاء ، والسبب أنه استخار المصحف فخرج له ( قال رب السجن احب إلى مما يدعونني إليه) فأطبق المصحف وهرب الى منية السيرج واختفى فيها اياما حتى ولوا غيره، وعاد بعدها . وقد كان صوفيا معتقدا [252] ...

التنجيم بصلاة الاستخارة  

وكان لصلاة الاستخارة هواتها المعتقدون فيها ، مع إضافة بعض التعديلات الوثنية الصوفية . المستخير هنا هو الأمير قرقماس سىء الحظ.!. كان قرقماس واليا على الشام ، وفى الفتنة التى حدثت بين الأميرين شيخ ونوروز المتحكمين فى السلطة المملوكية كان قرقماس واليا على الشام . وكان على الأمير قرقماس تحديد موقفه ؛ هل ينحاز الى الأمير شيخ الذى ولّاه الشام أم الى خصمه القوى الأمير نوروز ، أم يستقل بالشام . وتردد قرقماس   فقال له رفيقه ابن العطار (ان معي لوحا دفعه لى الشيخ نصر الجلالي ، من خاصته انه من أراد امرا يعلقه امامه في القبلة ، ثم يصلي ركعتي الاستخارة ، ويدعو ، فإذا انتهى يجد من يدفعه على إحدى جهتي اليمين او اليسار ، فأي الجهتين دفع إليهما فالخيرة )[254] . وظهر هذا الكوكب سنة 783 ... أي بعد قرن تقريبا فعد ظهوره دليلا على قتل ملك من الملوك أو ظهور الطاعون . وفسره ابن اياس فيما بعد بانقراض دولة بني قلاوون واستيلاء الجراكسة يقول عن هذا الكوكب: ( وفي الغالب يحدث عقيب ظهور هذا الكوكب الزلازل والخسوف وكثرة الأهوال )[256]

وظهر نجم عام 860 وزاد الكلام بسببه حسب تعبير المؤرخ ابن اياس  [258]..

الاعتقاد فى المنجمين

1 ــ وفي عصر كهذا تمتع المنجمون بالثقة مهما كذبهم الواقع ، وكانت النساء أكثر الطوائف اعتقادا في المنجمين ، فتسلط عليهن الدجالون باسم التنجيم ، فأمر السلطان سنة 733 باعتقال المنجمين وضربهم (لإفسادهم حال النساء) [260]  .  ومع ذلك فالثقة فيهم كانت القاعدة ، حتى ان بعضهم اشتهر بالتكسب بالتنجيم ، كابن الفألاتي الفقيه واخوته (والفألاتي هو الذي يقرأ الفأل والطالع ) [262] .. ومن الطريف أنه بلغ من اعتقاد السلطان الغوري في صدق  المنجمين أنه صدقهم حين قالوا له أن من سيلى السلطنة بعده يبدأ إسمه بحرف (س )، فاعتقد الغورى أنه الأمير ( سيباى ) نائبه على الشام ، وشكّ فيه ، وحتى يأمن شره أرغمه على أن يصهر اليه .  [264] أي انه كان يعتقد في التنجيم .

4 ـ وبسبب هذه الثقة كان المنجمون يدلون بآرائهم في الحوادث السياسية والطبيعية ويربطون بينها معتمدين على فهم الإطار العام للسياسة المملوكية القائم على الفتن خصوصا في بداية تولى السلطان للأمر وإشرافه على الموت . ومن ذلك ان الشمس كسفت في بداية ولاية جقمق فزعموا أن ذلك يدل على ( خروج الشام والصعيد عن طاعة السلطان ...) [266] ، وعاصر المؤرخون تنبؤات فاشلة للمنجمين ، وعلقوا عليها، كل منهم حسب عقليته ، يقول الفقيه المؤرخ برهان الدين البقاعي عن حادثة من هذا النوع: ( .. فكان ذلك منه تكذيبا لأهل النجوم فلعنة على من يصدقهم )[268] ، وتكرر مثل ذلك من أبي المحاسن في مواضع أخرى من كتبه  [270]..

صدق المنجمون ولو كذبوا .!!!

وسبق قول ابن أياس عن خطأ ظاهر للمنجمين (أخبر المنجمون بوقوع كسوف الشمس فلم يقع) ... فتعحب الناس من ذلك )[272] وقد قرروا مثلا بالنسبة للسلطان برسباي أن (سعده لا يحصل إلا وهو بقلعة الجبل ، وحيثما تحرك بنفسه بطل سعده ..)[274]. بما يخرج عن موضوعنا .

 

 

خامسا :

 أثر التصوف في العادات الاجتماعية فى مصر المملوكية  

 مدخل :ــ

1 ـ لكل شعب عاداته الاجتماعية الخاصة به . وتشترك الشعوب في عادات إنسانية اجتماعية تصدر إما عن نوازع دينية كإحياء الذكرى لمعان دينية او أشخاص دينيين أو عن نواح إنسانية عامة، ولكن يلحقها التخصيص وإضفاء الطابع القوي او المحلي ، كما في العادات السائدة في كل مجتمع التى تظهر فى الزى ، وتصاحب المأكل والموت والولادة .

2 ـ والشعب المصري في العصر المملوكي كانت له عاداته الاجتماعية المتعددة أبرزها ما نبحثه في هذا الفصل. ويلاحظ انه يمكن تقسيمها إلى عادات دينية اكتسبت الطابع الاجتماعي تأثرا مباشرا بالتصوف كما في عادات الموالد وزيارة القبور ، أوالتأثر غير المباشر  كما في الزي والألقاب والولائم ، وما استحدثه الصوفية وغيره كعادة شرب القهوة وغيرها .

3 ــ ومن الناحية الاجتماعية ـ وليس الدينية ـ فلم تخل بعض تلك العادات من فائدة ، ففى ( الموالد) فرقت الصدقات ومدت الموائد والولائم ، فأكل منها بعض المحرومين ( بالإضافة للمتخمين الصوفية ) ، وفي (موالد الأولياء) نشطت التجارة ونفقت السلع وحدث التعارف وربما المصاهرات ، ورُزق (المداحون )(بالنقوط) ، وتمتع الصوفية من الفقراء بعادة ( الولائم ) التي أقامها السلاطين ، واتخذ بعض أبناء السبيل من المؤسسات الدينية الصوفية مأوى ، وانتشرت عادة (النوم في الجوامع) التي لا تزال حية بيننا ، وعرف المصريون والمسلمون ثم العالم ــ القهوة وهي اكتشاف صوفي لا بأس به بالغ البعض في (اعتيادها) حتى بلغ درجة (الإدمان)...ونبدأ بالموالد التى صيرها التصوف عادة إجتماعية .

الموالد

مولد النبي عليه السلام

 1ــ كان الاحتفال بمولد النبي ظاهرة اجتماعية دينية سجلتها الحوليات المملوكية في تاريخها لشهر ربيع الأول ، وتابعتها المؤلفات التي كتبت  في سلطان معين. [276] ، ويقول السخاوى المؤرخ : ( ولا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده صلى الله عليه وسلم ، ويعملون الولائم لذلك ،  ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور، ويزيدون  في المبرات ، ويعنون بقراءة مولده الكريم) [278]..

2 ــ ولم يهمل سلاطين الدولة البحرية الاحتفال بالمولد النبوي فأقاموه حسب مقتضيات الأحوال السياسية ، فكان احتفالهم في حوش القلعة . وقد استمر الاحتفال بهذه المناسبة لدى السلاطين الجراكسة بصورة أوسع فكان يصنع له سرادق خاص، وتزين القاهرة . وفي عهد قايتباي مثلا يبتديء الاحتفال باليوم الأول من شهر ربيع في عامة البلاد المصرية، وتتضاعف الاحتفالات في الليلة الختامية بالزينات والولائم والمواكب والأناشيد والأدعية . ويحضر الخليفة العباسي يحفُّ به القضاة الأربعة ويتلوهم العلماء والفقهاء ثم الأمراء والقواد وكبار رجال الجيش ثم عظماء الدولة وأرباب الوظائف ثم اعيان الأمة ومشاهير التجار ثم تتوالى المواكب في صدرها مشايخ الطرق الصوفية، تحيط بهم حملة الأشاير والأعلام ويتقدمهم أصحاب الطبول والزمور ، وحولهم الأتباع والمريدون ، ينشدون الأوراد ، ثم يحضر بعد ذلك كبار الضيوف والسفراء والقُصّاد ( أى السفراء ) وتصل هذه المواكب إلى ساحة الحوش السلطاني ، فيستقبلهم مندوبو الدولة وحاشية السلطان ، ويجلس كل فريق في المكان المعد له في السرادق،  ثم يرتل القُرّاء القرآن ، ويتبعه الوعاظ يخطبون ، وبعد ذلك تمد الأسمطة ،  فإذا ما طويت فرّق السلطان العطايا والهبات ، حيث يكون جالسا بحاشيته برواقه المختار من السرادق . [280]  فيه ...

وقد نتج عن اهتمام الأولياء الصوفية بإقامة الموالد النبوية أن نسبت إليهم ، فالشيخ الصوفى يعمل مولد النبى ، ويعتاد على ذلك ، فينسب اليه هذا المولد فيقال ( مولد الشيخ فلان ).   وبالتدريج اكتسبت موالدهم صفة الاستقلال عن المولد النبوي، وان تزاحموا على عقدها في شهر ربيع الأول . ثم لقد كان للصوفية أسبابهم القوية لعقد موالد خاصة بأوليائهم على نسق الموالد النبوية.

موالد الأولياء ...

ــ كان من الطبيعي أن يصحب الانتشار الصوفي والاعتقاد في الأولياء احياء الموالد في مكان قبر الولي وإحياء ذكراه ، بصرف النظر عن رعاية اليوم الذي ولد فيه صاحب المولد بالضبط ، لأن غالبية الأولياء لم يعرف تاريخ ميلادهم بالدقة ، هذا إلى أنه كان لبعض أولئك الأولياء أكثر من مولد في السنة كالبدوي الذي كانت له ثلاثة موالد [282] . وعرف ذلك بالمولد الكبير . واما المولد الصغير فيرجع نشأته إلى قدوم الشيخ الشرنبلابي للزيارة مع أتباعه في غير وقت المولد وأقام في طنطا عدة ليال فاتخذت عادة سنوية ، وأما المولد الرجبى نسبه إلى الشيخ الرجبى أحد المشايخ الأحمدية ، وكان قد خطر له أن يجدد عمامة مقام البدوي فاستحضرها في جمع هائل على طنطا فصار ذلك عادة... )[284]..

موالد أخرى :

1 ــ كان مولد الدسوقي يتبع المولد الأحمدي وهو أقل منه ..[286] .

2 ــ وأقيمت موالد لأولياء أخرين : فكان للشيخ مدين الأشموني مولد كبير يعمل له كل سنة)[288]  . أما عمر الشناوي الأشعث من أصحاب البدوي ، ( فيعمل له مولد عظيم كل سنة قبل مولد البدوي بيومين فقط  [290].. أي أن الموالد عقدت لشخصيات توفيت قبل العصر المملوكي كالشافعي والليث (ولم يكونوا صوفية) وذى النون المصري، وهو من رواد التصوف فى القرن الثالث. ....

4 ــ بل ان قايتباي رسم بعمل مولد للسيدة نفيسة ، وحضره الخليفة العباسى والقضاة الأربعة وأعيان الناس وأمراء البلد قاطبة ،ومدّ هناك اسمطة حافلة ، وهو اول من أحدث هذا المولد بالمشهد الشريف . وذكر ابن اياس إنعقاده في السنة التالية . [292] ..

وقد حضر هذا السلطان مولد إسماعيل الأنبابي وشق البحر في مركب ومعه جماعة من العوام يغنون وكانت من الليالي المشهورة [294] ..

6 ــ وكان من مظاهر اعتقاد المماليك في ولي ما أن يقيموا له مولدا . وافتخر الشعراني بشيخه الخواص الذي رفض أن يعمل له احد من الأمراء مولدا  [296] .. ويدعو الأمراء إلى مولده افتخارا وبهاء )[298] ...

8 ــ وقد يتورع أحدهم فيقيم المولد بالقراء والفقراء والذاكرين او بقراءة البخاري تدينا ، مما يضجر السامعين ومحبي اللهو (فيتقلقون منه لكونه طوّل عليهم ولا يسكت ، حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو ).

9 ـت ويقول ابن الحاج مستنكرا موالد الشيخات ، فقد كانت النساء الشيخات يعقدن موالد خاصة بهن ــ وأن كان الرجال يطلعون عليهن من الطاقات ، وتذهب النساء (متزينات للشيخة التي تدخل نفسها في تفسير القرآن وتحكي لهن قصص الأنبياء ، وتزيد وتنقص ، وليس ثمة من يردها أو يرشدها )[300]   وقد يقام المولد في المقابر فيقع الضرر على الحاضرين الأحياء (ولمن فيه من الأموات )[302] .. هذا إلى جانب أنه في الموالد العامة خاصة ــ كان يتم التعارف بين العائلات والأفراد فأدى ذلك للمصاهرات والا انطبق عليهم ذلك المثل الشعبي المشهور (طلع من المولد بلا حمص ) [304]......

2ـ ويقول الشاذلي لأصحابه (كلوا من أطيب الطعام واشربوا من ألذ الشراب وناموا على أوطأ الفراش وألبسوا أحسن الثياب )[306] .. وفي الحياة العملية عاش الولي المعتقد أبوعبد الله الكركي (وقد قارب المائة وهو متمتع حتى بالنساء )[308] .. وكان محمد بن عنان  وعلى المرصفي والسروي إذا ذهبوا للطعام عند أحد يذهبون بجماعة قليلة، بشرط اعلام صاحب الطعام قبل الذهاب وانشراح خاطره. ( ولم يطبق الآخرون ذلك ) [310] . ويكمل الشعراني طقوس الوليمة فيجعل من آدابها إعطاء الخبز حقه من الإكرام والتعظيم ، وإذا فرغوا من الأكل  يقرءون سورة قريش وسورة الإخلاص. ويذكر بعض العبارات التي تقال عند الفراغ من الأكل.)[312]  ، أي أنه يجيب  ولكن بعد تمنع . ومعنى أنه يفخر بذلك دليل على ما وصل إليه حال معاصريه من الأشياخ ممن عدوا شراهتهم كرامة . يقول الدريني ( أما ما اتفق لبعض الأولياء من انه كان يأكل الطعام الكثير الذي يكفي الجماعة الكثيرة فإنما هو من باب التصريف وإظهار الكرامة )[314] . وكان المتبولي لا يصطحب معه أحدا منهم إذا دعي إلى وليمة عند احد الولاة.)[316] . وشهرة بعض الصوفية بالسمنة جعلت أبا المواهب الشاذلي يصحح المفهوم الصوفي التقليدي للولي في عصره فيقول : ( قد غلط أكثر الناس في وصف اهل الصلاح بالنحول والتقشف فقط ، وليس الأمر كما ظنوا ، بل فيهم السمين والهزيل والمترفه) . وقد وصف البدوي بأنه ( كان غليظ الساقين عظيم البطن .)[318]، . ويقول الشعراني ( دخل كثير من إخواننا الحبوس بسبب التزويج وعمل العرس والعزومات وهم عليهم دين )[320] .. وامتد الحال إلى ..

طعام العزاء والجمع :

1 ــ (أي الخميس للمتوفي) و ( تمام الشهر ) (الأربعين) فيتكلف الناس فى إعداد تلك الولائم من تركة المتوفى ، وقد يكون له ورثة أيتام ، ولكن يتكلفون ما لا يطيقون ، يقول الشعرانى : (خوفا من عتب الناس الذين يعزون ويطلعون له التربة . وربما كان ذلك من مال الأيتام أو بعضهم ... وقد يحدث خناق بين المقرئين على الفلوس وانتهاب بعض الطعام ، وأهل الميت يسمعون ذلك) [322] . وكانت الولائم العادية تمتد ثلاث ليالي يجتمع فيها الناس على الطعام )[324]

3 ـ هذا ، ويحدث ان تقام الأسمطة بمناسبة الشفاء، يقول المقريزى عن مناسبة شفاء الأمير يلبغا اليحياوى فى عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون  : (فعُمل سماط  لعافية الامير يلبغا اليحياوى ، فيه من الأطعمة والأشربة ما يجل وصفه ، واستدعى السلطان الناصر لحضوره جميع صوفية الخوانق والزوايا ) [326] ..

2 ــ وكانت النساء يحضرن هذه الحفلات وولائمها فتتحول الى مناسبات للرقص واللهو ، وقد وصف الفقيه ابن الحاج ما يقع بهذه الولائم من رقص ولهو وطعام مدة سبعة أيام ، يقول : ( فكل من جاءت تهنى جددن لها اللهو واللعب والرقص والاستهتار ، حتى صار الأمر بينهم كأنه شعيرة من شعاير الدين) [328] .

4 ــ ويقول أيضا : (وليس ما يتعاطون من هذه الأشياء خاصا ما بأمر النفاس ، بل هو عندهم عام في كل امر حدث به سرور ، حتى في الحاج اذا قدم ، فعلوا مثلما تقدم ذكره )

5 ــ وشأن ما سبقها من ولائم فقد كانت هذه الحفلات والولائم مرهقة ماليا بسبب حضور ( الأكابر)  لها ،. فاضطر بعضهم الى الامتناع عن عمل وليمة كختم لولده ، مع ان أصحابه واخواته يطلبونه بالختم ، وذلك يحتاج لنفقة كثيرة )[330] ــ

6 ــ وعلاوة على الغناء واللهو كان البعض يعتمد على القراء المؤذنين والفقراء الذاكرين والمداحين...)[332] .. ويفخر الشعراني أيضا بأنه يعطي النقوط لمن رزق بمولود على يد عياله سواء كان عليه دين النقوط أم لا،  ولا يشح على عياله بفلوس النقوط (لأن كله سلف ودين )[334] ..   ..

2 ـ وتعكس الامثلة الشعبية فى العصر المملوكي رائحة الطعام فى الولائم ، فتقول : (كل من دعوته بأكلك كلما نظرك جاع) )[336]..

هذا ..والعادة أن الناس هى التى تُطعم الأولياء المقدسين وتنفق عليهم ، والله جل وعلا وحده هو الولى الذى يُطعم ولا يطعم : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14) الانعام ). وكل الطعام المقدم للاولياء إعتقادا فيهم وتبركا بهم يحرم أكله لأنه مما أُهلّ لغير الله به ، وخصوصا إذا كان هذا الطعام من حيوان تم تقديمه نذرا وقربانا لقبر مقدس ، أو ضريح ، أو نُصُب ، يقول جل وعلا : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ  ) (3)  المائدة )

  

زيارة القبور كعادة اجتماعية..

مدخل

1 ـ زيارة القبور العادية عادة إنسانية إجتماعية ، وفيها يدعو الزائر الله جل وعلا ان يرحم المدفون . يختلف الأمر عن زيارة الفرد لقبر مقدس ، هنا تكون الزيارة ( حجا دينيا ) بهدف التوسل وطلب المدد ودفع الضرر ، أى ما ينبغى أن يطلبه الفرد من الله جل وعلا وحده يطلبه من القبر المقدس وصاحبه الذى تحول الى تراب لا يختلف عن التراب الذى يسير عليه هذا المأفون الساعى الى القبر يستمد منه البركة والعون.

2 ــ وحين سيطر التصوف على العصر المملوكى أصبحت زيارة القبور المقدسة عادة إجتماعية ، وليس مجرد شعيرة دينية ، ولأنها أصبحت عادة إجتماعية ولأن القرافة ( موضع القبور فى القاهرة ) وغيرها أصبحت تضم القبور المقدسة بالاضافة الى القبور العادية ،فقد أصبحت زيارة القرافة وقبورها المقدسة والعادية عادة إجتماعية فى مصر المملوكية . ومن الطبيعى أن تنشأ عن ذلك تجارة ، لها دعاية رائجة يروجها المنتفعون ، وبسبب الشهرة الدعائية فقد أصبحت معالم القرافة معالم سياحية حتى للوافدين والرحالة . ونعطى بعض التفصيلات :

الدعاية لزيارة القبور المقدسة

1 ــ سبك المنتفعون من زيارة المقابر أكاذيب يزعمون فيها أن صاحب القبر يدعو الناس لزيارة قبره ، وتأتى هذه الدعوة عن طريق المنامات ، فأولاد الصيرفي وجهوا دعوة لابن الجباس لزيارة قبورهم  )[338]..اى هى المنافسة بين سدنة وخدم القبور فى استجلاب الزبائن طمعا في النذور .

2 ــ بل يصل التخطيط مقدما للإرتزاق عند إحتضار أحدهم ، فيقال إنه قال عند الموت : ( رحم الله مسلما زار قبري وحفرتي ) أى هنا تخطيط مقدم لعمل مشروع ( بيزينيس ) لقبر صاحبنا ، وهو لم يمت بعدُ. ونجح هذا التخطيط بدليل أن الذى ذكر الخبر السابق هو المؤرخ أبو المحاسن ، أى إنه صدق الرواية وابتلعها وذكرها ضمن الأحداث التاريخية .  [340] ، ولذا فقد كان الصوفي اذا اعتزل العالم لا يتردد إلا لصلاة الجمعة وزيارة القرافة .[342] .  

4 ـ ومن الدعاية أيضا تبشير الزائرين للمقابر بالجنة  ، حتى لقد إشتهر بعضهم بلقب  (مبشر الزوار بالجنة)  كابن عنان [344]  أو ( واعظ المقبرة) [346]  أو تتحدث عن حياتهم وتصرفاتهم داخل المقبرة كما يفترى السيوطى، فى رسالته ( بشرى الكئيب بلقاء الحبيب ) . [348] ، بالاضافة الى يوم الجمعة ، وهناك زيارة بالليل كان يقوم بها مشايخ اخرون [350]  ، بمعنى استمرار الزيارة نهار  وليل الجمعة . هذا عن توقيتات الزيارة . أما عن مساراتها ، فالابتداء بزيارة المشهد النفسي ( ضريح السيدة نفيسة ) ( والزيارة النهائية ليوم الأربعاء المبارك )[352] ، أى تحول هذا الوالى الدموى الى قديس ، يُزار قبره . ويبدو أن جدول الزيارة كان أكثر تعقيدا مما نتصور ، أو يبدو أنه كانت فيه ( إجتهادات ) مختلفة ، وعدم (إجماع ) على جدول واحد ، لأنه يقال أنه ( في ليلة الجمع كان يُبتدأ بتربة العارف الصوفى عبد الله الأرزني ، ويختم بها تبركا بمن في التربة من الأولياء )[354] . ولأنها عبادة جادّة فقد جعلوا الضحك مكروها بين المقابر ( فإنه من وضع الأشياء في غير محلها ) [356] . وهذا لا يعنى إهمال القبور الأخرى، بل تُزار ـ مع حُسن النية ـ لو كانت أضرحة مزورة أو مشكوكا في أسماء أصحابها. [358] ، ومثله (قبر صاحب القنديل ) [360] وشهد ( نور)  آخر حذر صاحبه امرأة حائض وطأت قبره [362]  . وقال آخر في المنام انه غُفر له ولكل من صافح عند قبره ، فكان الزوار يتصافحون عنده واشتهر القبر بهذا [364] . وبنفس الابداع فى الكذب اشتهر ( قبر سماسرة الخير ) بإطعام الجائع [366]....

 زيارة النساء للقرافة :

1 ــ شاركت النساء بكثافة في زيارة المقابر ، ليس فقط الزيارة بل بالمبيت فى القرافة مع الأولاد والبنات ، ويخرج معهم الباعة بأصناف الطعام ، وكان لذلك مواسم دينية معينة مما أثار اهتمام الرحالة ، يقول ابن بطوطة (يخرج الناس للمبيت في القرافة بأولادهم ونسائهم ، ويطوفون على المزارات الشهيرة ، ويخرجون أيضا للمبيت بها ليلة النصف من شعبان ويخرج أهل الأسواق بصنوف المآكل) [368]  . كان النقاب هو (الحارس الأمين ) لهن فى الطريق الى القرافة ، فإذا وصلت القرافة خلعت النقاب ( وخلعت أشياء أخرى ، حيث إنتشر الانحلال الخلقى فى القرافة ، وأوضحنا ذلك فى كتاب أثر التصوف فى الانحلال الخلقى ) . وبسبب السُّمعة السيئة للقرافة فقد حرص المماليك على ترتيب خادم أمين ثقة لخدمة الحريم السلطاني عند زيارة الأضرحة والآثار الشريفة في ليل أو نهار. كما جاء فى بعض وثائق الوقف.  [370] ، لذا كان يُنادي بمنع النساء من الذهاب الى التربة ، وتُهدّد المرأة بالتغريق ويُهدد المكاري ( الذى يحملها على الحمار ) بالشنق . ولم يجد ذلك فتيلا ...)[372]  ،أى إمتدت النياحة على الموتى من البيوت والمقابر  الى الأسواق  .  ويروى الصيرفى أنه توفى لامرأة ولد فألقت نفسها خلف ولده من اعلى الدار فماتت ..! [374] . وأصبح الحزن على المتوفى يوصف بالوصف الصوفى ( وجد )، فقيل عن موت السعيد بركة ابن الظاهر بيبرس أنه ( وجد عليه الناس وجدا شديدا ، وخرجت الخوندات حاسرات ، ولم تزل امراته حزينة عليه حتى ماتت )[376] ، وهذا الموت حزنا كان تعبيرا بلاغيا فأصبح بالتصوف واقعا حقيقيا.

3 ــ وبالاضافة الى ( حفلات العزاء ) كانت العواطف تنفجر لأتفه الأسباب ، حتى من العوام الذين لا ناقة لهم ولا جمل ، يروى المؤرخ ابن حجر أن العوام فرحت بعزل القاضى الهروي وتعيين البلقيني محله ، وحين خلع علي البلقينى بالقضاء ( قامت قيامة من الصياح والعياط والدعاء للسلطان ) [378] . وانتقل هذا من الخوانق والرباطات والزوايا والتُّرب الى المساجد والجوامع ،فأصبح عاديا إتخاذها  مكانا للراحة والمبيت  . ويقول المؤرخ السخاوى أن القناديل كانت لا تنطفىء في المساجد في شهر رمضان إلا قبيل طلوع الفجر ، مراعاة للنائمين ، حتى لا يستيقظ أحدهم فيظن أن الأكل والشرب حرم ، وليس كذلك )[380] .

3 ــ واشتهر الجامع الأزهر بمبيت كثير من الناس فيه ، ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم ، منهم كان يقصد المبيت للبركة ، ومنهم من كان لا يجد مكانا يأويه ، وبعضهم (يستريح بالمبيت فيه خصوصا في زمن الصيف وأيام المواسم ، حيث يمتليء صحنه وأكثر رواقاته ) [382] ، ويجعل الشعراني من الآداب الواجب رعايتها عدم دخول المسجد بنية النوم والاستراحة [384]

5 ـ وفي الأمثال الشعبية (على قلبها الطالون )، قالها  الفقراء المغاربة الوافدون في سفينة الى مصر ، وظنوا انها ستحملهم مباشرة إلى جامع أحمد بن طولون ، حيث سمعوا بكثرة المبيت فيه [386]... 

 في التسميات والألقاب :ــ

1ــ كلمة سيد اطلقت على مشايخ الصوفية وكانت التسمية بسيدي مفضلة في الحديث عن الأولياء[388] .

3 ــ وأثر التصوف يظهر في تسميات وألقاب أخرى ، فسمى الشيخ سليمان المعتقد بالقرافي لأنه يمشي في القرافة  [390] ، والشيخ محمد بن حسين القرافي خادم جامع الأولياء بالقرافة  [392] والقاضي شمس الدين القرافي [394] ، نسبة إلى علم الحرف الصوفي ومحمد السميساطي نسبة للخانقاه السيمساطية  [396] نسبة لخانقاه سرياقوس ، وسمى عبد النبي [398] من القطب الصوفى . وهناك القاضي ابن حشيش  [400]

4 ــ والجعيدية طائفة اجتماعية ظهرت بتأثير التصوف ونسب لها الكثيرون ، فهناك ابن الجعيد [402]  والشيخ أبو هاشم الجعيد [404] .

5 ــ ولا تزال البيئات الشعبية المصرية تسمي بركة ومبروك وبركات ومبروكة وابو ابركات ، ونحوها وسموا بعض الناس أبا خطوة تأثرا بالكرامة الصوفية الشهيرة التى تجعل الولى الصوفى يصل الى أى مكان فى خطوة واحدة .  [406] . وكانت للتصوف لمساته على الزي في العصر المملوكي ...

2ــ فقد ترتب على ازدهار التصوف فيه أن أصبحت ( الخرقة ) أو ( المرقعات) ــ لباس التصوف المفضل ــ (موضة اجتماعية) للشيوخ الصوفية المترفين الميسورين للرياء والشهرة وحُبّ الظهور ، حتى أن ابن الحاج اهاب بالخياطين ان يحجموا عن خياطة (دلوق الشهرة والمرقعات التي اتخذها بعض الناس ... فتجد بعضهم يأخذ خرقة جُملة ، مختلفة الألوان ؛أبيض وأصفر وأحمر وأسود الى غير ذلك ، ويرتبونها واحدة بجنب الأخرى . وبعضهم يتغالى في تلك المرقعات فيجعلها من القماش الرفيع الفاخر ، الذي لتفصيله ثمن كثير ، فيقطعونها خرقة خرقة ، لأجل الشهرة الممنوعة في الشرع الشريف ــ فانظر رحمنا الله واياك إلى صفة هذه الرقعة أي شبه بينها وبين مرقعة عمر بن الخطاب ) [408]  وبعض المجاذيب الصوفية كان ( لا يلبس إلا الحرير على بدنه )[410] . 

4ــ وشاع في العصر المملوكي بتأثير التصوف اتخاذ الزي الطويل افتخارا ، ومخالفة للدين السُّنى وللشريعة السنية التى تأمر بتقصير الثياب ، واستمر ذلك حتى نهاية العصر ، وبولغ فى ذلك الى درجة  يدعو معها الشعراني الصوفية الى تقصير ثيابهم . [412]....

5ــ وبتأثير التصوف صار لكل طبقة اجتماعية في العصر المملوكي زيا معينا ، فهم الذين جعلوا لرجل الدين زيا معينا ، وجعلوهم طبقة اجتماعية خاصة ، وبهم صار الأشراف طبقة اجتماعية ، ومعظمهم صوفية إنتحلوا النسب للأشراف . وقد فأمر السلطان الأشرف شعبان  القلاوونى أن يجعل للسادة الأشراف في عمائمهم( شطفات خضر تميزا لهم عن غيرهم وتعظيما لقدرهم ) [414] . ويذكر الشعرانى أن من شأن الصوفي : ( ألا يقتصر على لبس الزي والهيئة وارخار العذبة وحضور الولائم ...)[416]  . وكان (لأهل الذمة ) ـ فى تعبير العصر المملوكى ــ زي خاص بهم ليعرفوا به بين المسلمين . وقد تعرض هذا الزي إلى تغيرات تأثرت بحركات التعصب التي كان يقوم بها الفقهاء الصوفية ضد أهل الكتاب ( فلبس المسيحيون عمائم زرقاء واليهود صفراء والسامراء حمراء ، وارتدى المسيحيون حزاما حول الوسط يطلق عليه زناد.)[418]  . ومع ذلك فقد تحرر بعض الصوفية من الالتزام بزي خاص ، بل ترك بعضهم زي الصوفية بالجملة ، وفقا لما ذكره المؤرخ ابن حجر  فى تاريخه ( إنباء الغمر ) [420] .

أما القاضى الهروي وهو صوفي فكان أعجوبة فى تغيير زيه تبعا لتغير وظائفه وتبعا لهواه ايضا ، ومما ذكره المقريزى عنه نعرف أنواع الزى وقتها ، فالهروى ظهر صوفيا فى البداية فى قدومه لمصر (يتزيا بزي العجم الصوفية ، فيلبس عامة عوجاء بعذبة عن يساره ، فلما ولى قاضي القضاة لبس الجبة والعمامة الكبيرة وأرخى العذبة بين كتفيه ، فلما ولى كتابه السّر البس تزيا بزي الكُتاّب وترك زي القضاة ولبس الذهب والحرير ، فلما أُعيد للقضاء أقام يمر في الشوارع بهيئة العجم ) [422]. وصارت موضة .!!.  وقد (ركب ابن ميلق الشاذلي الصوفي وهو قاضي للقضاة وعلى رأسه عمامة لها عذبة على جانب واحد مثل الصوفية ) [424] ، وصار تكبير العمامة دليلا  على علو المنصب، فحين أضمر السلطان أن يجعل العيني قاضيا أوعز  إليه ان : (كبّر عمامتك غدا واحضر بكرة) من غير أن يفصح له بشيء . [426] . وبرغم النداءات المهددة والمتكررة فلم ترعو النساء عن هذا الزي بل وصفهن ابن اياس بانهن ( أفحشن في ذلك حتى خرجوا عن الحد )[428]....

3 ــ وقبلها وفى القرن الثامن عرفت النساء موضة الثوب الضيق ، وقد اشتهرت هذه الموضة إلى درجة أثارت ابن الحاج فأنكر عليهن هذا الزي الذي( لو عمل على عود لافتن بعض الرجال في الغالب لحسن منظره ومقالته ورقة قماشه.)[430]...وهى المعروفة حاليا فى الأحياء الشعبية ب ( الملاية اللف ) التى ترتديها المرأة على قميص النوم ـ تقريبا ـ وتشدها على جسدها تغطيه وتبرز مفاتنه فى نفس الوقت . كان هذا فى السبعينيات ، وربما إختفى الآن .

5 ــ وانتشر اللواط في العصر بجهد المطاوعة والقلندرية وغيرهم . وفي هذا الجو تشبهت النساء بالمردان حتى لبسن الطواقي ... يقول المقريزي( نشأ في اهل الدولة محبة الذكران فقصد نساؤهم التشبه بالذكران ليستملن قلوب رجالهن، فاقتدى بفعلهن في ذلك عامة نساء البلد )[432]...

2ــ وذكر الشعراني ما يفيد ان القهوة  عرفت في عصر إبراهيم الدسوقي في القرن السابع وأنه حض مريديه على تعاطيها طلبا  للحكمة ،  يقول: ( يا أولاد قلبي ، عليكم بشراب القهوة القرقفية واستعمالها ، فوعزته وجلاله من صدق منكم واخلص لا يمسى إلا نبعث منه الحكمة وحصل عنده الشراب والسكر عن هذا الدار ) [434] . أى إنه خصم لهم فى موضوع القهوة .

وقال عن القهوة شاعر في القرن العاشر يتغزل فى إمرأة :

 وترشف من ريقها قهوة :  تغني عن الشهد وقطر النبات  [436] ... وصار لها ذكر في الأمثال الشعبية [438] وهرب عزالدين ابن جماعة من الاختلاط حتى انه لم يتزوج  [440] ،أي انه استعاض عن الاختلاط بالناس بالانكباب على العلم ، و(انقطع) الأخميمي (عن الناس ) [442] وفي القرن التاسع عرف بالعزلة نفر كثيرون كما في( الضوء اللامع )[444]....

2ــ والصوفية في داخل مملكتهم مارسوا نوعا اخر من التفكك بالعزلة بتأسيس الطرق الصوفية المختلفة ، مع عدم وجود فارق هام بينها إلا اذا عٌدّت الأوراد وألوان الرقع فوارق خطيرة ، يقول الشاذلي عن حزب البر (من قرأ حزبنا فله ما لنا وله ما علينا ) [446].. ويقول زكي مبارك (والألفاظ الأحمدية غير الألفاظ الشاذلية ، واذا كان ذلك لأن الأحمدية طال عهدها بصحبة الفقراء المصرية اما الشاذلية فألفاظهم في الأصل مغربية ) [448] .

3 ـ ونعرض لأهم الطرق الصوفية بإيجاز...

أهم الطرق الصوفية :ـــ

1ــ الطريقة القادرية نسبة لعبد القادر الجيلاني (ت561) ويوجد لها بمصر فرعان القادرية القاسمية والقادرية الفارضية..

2ــ الطريقة الرفاعية نسبة لأحمد الرفاعى العراقى الموطن والذى لم يزر مصر ، وكان من أعمدة التنظيم السرى الذى كان يعمل لاسترجاع الحكم الشيعى فى مصر متسترا بالتصوف ، والذى اسفر عن مجىء البدوى لمصر ـ على نحو ما شرحناه فى كتابنا ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ). وكان ممثل الرفاعى فى مصر الشيخ أبو الفتح الواسطى ت 580 . وبعد فشل التنظيم تحول الأتباع الى طريقة صوفية تشتهر بالأعمال السحرية والتعامل مع الثعابين على أنها كراماتهم التخصصية .  وكالعادة انقسمت الرفاعية الى طوائف وطرق متعددة .

3ــ الطريقة الأحمدية نسبة لأحمد البدوي الذى قاد سرا التنظيم الشيعى لاسقاط الدولة الأيوبية فى مصر ، ولكن تغلب مماليك الأيوبيين على الحكم وتثبيت أقدامهم فيه وإنتصارهم على حملة لويس التاسع والمغول والأعراب ـ وقوة شكيمتهم ـ كل ذلك أطاح بأحلام البدوى ، وأحس بالخطر يقترب منه فتظاهر بالتصوف الى النهاية وأرجأ مخططه السرى . وإضطر أتباعه ــ الذين رباهم على سطح داره والذين انتشروا دُعاة فى مصر ( السطوحية ) ــ الى تحويل نشاطهم الى التصوف العلنى فأصبحت الأحمدية السطوحية أكبر الطرق الصوفية ، بدءا من  عبدالعال تلميذ البدوى وخليفته من بعده . وانتشرت هذه الطريقة وتفرعت في مصر إلى فرعين كبيرين ، البيت الكبير ويضم الطرق المرازقة والكناسية والامبابية والمنايفة والسلامية ، ويضم البيت الصغير ــ الحلبية والشعيبية والتسيقياتية والحمودية والزاهدية . وهناك طرق أخرى كالشناوية والسطوحية والبيومية ....

4ــ الطريقة البرهامية نسبة لإبراهيم الدسوقي، رفيق أحمد البدوى فى التنظيم السرى الشيعى ، وقد تحول أتباعه الى طريقة صوفية متآخية مع الطريقة الأحمدية ، ومعاصرة لها . وعلى هامشها تكونت طرق فرعية أهمها : الشهاوية والشرنوبية والسعيدية الشرنوبية..

5ــ الطريقة الشاذلية . كان الشاذلى هو الآخر رفيقا للبدوى فى دعوته ، ولهذا إنتقل من المغرب الى مصر . وتكونت الطريقة الشاذلية فى مصر ،ومنها إلى أقطار أخرى . وتفرع منها طرق صوفية كثيرة ، منها : القاسمية ــ المدنية السلامية ــ الحندوسية ــ القاوقجية ــ العفيفية  الهاشمية و الادريسيةـ الجوهرية  ــ الوفائية ــ الحامدية ــ العزمية  ــ المحمدمية ــ الفيضية ــ الهاشمية المدينة .

6 ــ وهناك طرق أخرى كالرحيمية والخليلية . ثم ظهرت في اخر العصر الطريقة الخلوتية ..

طبقة الأولياء

توارث الولاية           

1ــ كان أبناء الولي وأحفاده يسيرون على نهجه ويرثون مكانته ونفوذه ومريديه و( الفتوحات ) أى الموارد المالية التى ترد اليه من نذور ونقوط . وبكثرة الأولياء وبمرور الزمن كثرت عائلتهم والمنتسبون إليهم فكونوا طبقة تتوارث الولاية فيما بينهما. يولد ابن الولى طفلا يتبول على نفسه ولكن يكون وليا ، وتصاحبه الولاية فى مراهقته ، وحوله مريدو أبيه يروّجون لولايته وكراماته ، وعندما يموت الأب يصير وليا مكانه ، وإذا كانوا أكثر من ولد فلا بأس ، يتوارثون ولاية أبيهم أيضا . والمريدون يشاركون فى الانتفاع بهذا الميراث ، فلهم نصيب فى المكانة ، وفى ( الفتوحات ) أيضا .

2ــ ونعطى مثلا في العصر المملوكي بذرية عبد الرحيم القنائى  الذي ينتمي نفسه إلى العصر الأيوبي ، فالحسن بن عبدالرحيم القنائي ( كان من كبار الصوفية أرباب الأحوال والكرامات [450] ، وكان جعفر بن عبدالرحيم (ت696) من كبار الصوفية ، قالوا انه ( جمع بين الشريعة والحقيقة  ) [452] ، ومثله أحمد ابن إبراهيم بن الحسن بن عبدالرحيم (ت728) [454]  .وهناك قبور للأولياء من ذية عبدالرحيم القنائي كمزارات ...)[456] ومثله ابنه جمال الدين بن احمد (ت696) ، وهناك ضريح للإمام يوسف بن محمد الذي دفن بجرجا في أعقاب القرن السابع [458] .

4 ــ ولما مات ابن الصباغ أجلس الفقراء مكانه صاحبه وزوج ابنته الشيخ القنائي ، وتخرج عليه جماعة تنسب إليهم كرامات ومكاشفات كأبي عبدالله الأسواني وأبي الطاهر المراغي وزين الدين بن شيخه ابن الصباغ  [460] ، وذكرت عنه كرامات )[462] ،

6 ـ ونفس الحال : كان لمحمد ابن الشيخ الحنفي شهرة ومحبة [464] واشتهر إبراهيم الفاوي بالكرامات وقيل عن ابنه محمد (عليه مدار البلد من بعده ) [466] . وكان الدسوقي من الأولياء وأمه بنت ولي آخر ) [468] ويقول السخاوي عن يوسف العجمي( وله ذرية باقية الى  الآن ) [470] أي أنه خالف المألوف..

ابن الولى لا يفلح

1ــ هذا مع أن الصوفية أنفسهم اعترفوا بأن ابن الولي لا يفلح غالبا ، ويقول الصوفى  محمد بن أبي جمرة معترفا بالواقع : ( ثلاثة لا يفلحون في الغالب : ابن الشيخ وزوجته وخادمه. أمّا    ابنه فإنه يفتح عينيه على تقبيل المريدين يده بالتبرك به فتكبر نفسه فلا يؤثر فيه وعظ واعظ ويتجرأ على الأكابر ...) [472] ، وقد عد الشعراني من المنن فلاح ابنه عبد الرحمن وامتثاله لأمر والده، وقال أنه :  ( قلّ ان يقع هذا من ولد فقير) ( أى ولى صوفى ). وقال الشعرانى : ( ولم يزل الفقراء يتجرعون الغصص من جهة أولادهم لما يرونه منهم من قلة سلوك طريق القوم ) [474] ، أى التعرض لانتقام زوجها الولى صاحب الكرامات ، فى زعمهم . بل امتد ذلك الحكم ليشمل بنات الشيخ ، فعد الشعراني من المنن عدم تزوجه لابنة شيخه محمد الشناوي إجلالا له ، ولما تزوج ياقوت القرشي ابنة شيخه المرسي لم يقربها حياء من أبيها ، وفارقها بالموت وهي بكر....)[476] ، وصاحب كتاب ( شفاء السائل ) اعتبرهم دون مرتبة الإنسان . [478]  .

3 ــ وكان هذا الاعتقاد من حُسن حظ المجانين والمُلتاثين عقليا ، فأرتفعوا من درجة ( المجنون ) المُحتقر الى درجة ( المجذوب ) المُعتقد . وإذا جاءته اللوثة فهى الدليل القاطع على أنه من ( أرباب الأحوال ) الذى تعتريه حالات من الجذب الالهى . ومهما قال كلاما بشعا أو كلاما غير مفهوم ، ومهما أساء من تصرف فالاعتقاد فيه يزداد لأنه من (أرباب الأحوال) .

4 ــ وإنصافا للتصوف والعصر المملوكى فإن هذا الاعتقاد فى ( المجاذيب ) كان موجودا فى العصور الوسطى فى أوربا أيضا . فإبليس هو المُعلم للجميع . ولأن العقل السليم هو صمام الأمان والايمان للإنسان فإن الشيطان حريص على تغييب هذا العقل ، سواء بالخمر والمخدرات الحسية ، أو بالأديان الأرضية التى تجعل الفرد يغيب عقله وهو يقدس بشرا مثله ، أو يقدس قبورا وأصناما يصنعها بيده ثم يعكف عليها عابدا متبتلا ، أو يجعل المجنون فاقد العقل إلاها مقدسا بزعم أنه غائب عن هذا العالم المادى حاضر فى ( الحضرة الإلهية ). وهذه الخرافة تجد من يصدقها . وبهذا اصبح عاديا فى العصر المملوكى  ان ترى المجنون فاقد العقل يسير فى الشارع فى شكل بشع ممزق الثياب ـ بل ربما بلا ثياب ، وتغلفه الحشرات ويعيش كالحيوان بين قاذورات ،وهو متمتع بالتقديس يتوسل به الناس يطلبون منه البركة والمدد . وكلما ساء حاله إزداد أتباعه .

5 ـ وهذه الحالة الفريدة من الخبل العقلى للعصر المملوكى فى تقديس المجاذيب ــ أرساها أرباب الصوفية المحققون الذين هم فى رتبة ( السالك ) الأقل درجة من رتبة المجذوب، فيرى ابن عنان أن المجاذيب يعيشون في عالم آخر، يقول : (ان من شأن المجذوب انك ترى أحدهم ماشيا وهو راكب وتراه يأكل في رمضان وهو صائم لم يفطر وتراه عاريا وهو مرتد لثيابه )[480] ..

ثانيا : الانخراط فى ( الجذب ) خداعا  

1 ــ وبسبب هذه المميزات والفضائل للمجاذيب ، وفرارا من الظلم المملوكى، ولسهوله الحصول على لقب ( مجذوب ) مقارنة بالصوفى السالك فقد إنخرط كثيرون فى سلك (الجذب) فانتشر المجاذيب فى كل مكان ، وأصبحوا يمثلون طبقة متحركة تهيم على وجهها فى المجتمع المصرى المملوكى .

2 ـ ولم يقتصر الأمر على العوام ، بل ادعى كثير من الأولياء الصوفية الجذبة المؤقتة ليحصل على إعتقاد الناس فيه ويتمتع بالتقديس الذى يتمتع به المجاذيب والمجانين الحقيقيون . ، ووصل الدشطوطى بإدعاء الجذب الى الشهرة ، وبعد أن صار وليا فى إعتقاد الناس ( عاد اليه عقله ) ليتمتع بثمار جذبته الاختيارية المؤقتة. ويصف الدشطوطي جذبته حاكيا عن نفسه (..فحصل لي جاذب إلهي وصرت اغيب اليومين والثلاثة ثم افيق اجد الناس حولي وهم يتعجبون من أمري ، ثم صرت اغيب العشرة أيام والشهر ولا آكل ولا أشرب ..... فخرجت سائحا إلى وقتي هذا  ) [482]..

3ــ ونعطى أمثلة للفقهاء ( الماكرين ) الذين آثروا أن يتظاهروا بالجذب ( رياءا و إثما وعدوانا.!! ):

3 / 1 : محمد المجذوب ( كان طالب علم وصار خطيبا في جامع ، وما لبث أن هام على وجهه مجذوبا ) [484] ، أى إنه أحتجب ليسأل الناس عن سبب احتجابه وينتظرون ظهوره ، ثم يظهر لهم فجأة ، وهو مجذوب .!!.

3 / 3 : (واشتغل الكمال الدمياطي بالعلم وكان على طريقة حسنة ، ثم انجذب ) [486] .

3 / 5 : قاضي القضاة الجلال الأنصاري انجذب بدعوى أن هاتفا دعاه للعبادة فساح في الأرض ( إلى أن أُذن له في الجلوس فبلغ المجاهدة مقام المشاهدة ) [488] وإسماعيل الصالحي  ) [490] . يعنى ينجذب إذا طارده  الدائنون ، فإذا أمن منهم عاد لطبيعته

3 / 7 ولم يقنع بعض الصوفية فاتخذوا من الجذب وسيلة للشهرة ، فيحي الصنافيري كان صوفيا ثم حدثت له جذبه ربانية فوصل إلى مقام  القطبانية وسعت له الخلق [492]  وحتى يشتهر الدشطوطي كانت هيئته كالمجاذيب ) [494] .

واتخذ كثير من الأولياء في نهاية العصر سمة المجاذيب كما يظهر في الطبقات الكبرى للشعراني ....

ثالثا : بعض مظاهر الجذب

1ــ وكان المجذوب يهذي بماله علاقة بعمله  قبل الجذب فكان( الشيخ بهاء الدين المجذوب يحفظ البهجة كأن لا تزال تسمعه يقرأ فيها..) .. وكان فرج المجذوب يقول : ( عندك رزقه فيها خراج ودجاج وفلاحون ) ، وابن البجائي يقول: ( الفاعل مرفوع والمخفوض مجرور وكان القاضي ابن عبدالكافي ( يقول في بيت الخلاء : ولا حقّ ولا استحقاق ولا دعوى ولا طلب ) [496] . ومنهم من يمشي عريانا، أو يرتدي زي الجندي ويمشي بالسلاح والسيف ، أو يلبس زي القضاة والتجار ، ويغير الألوان . وربما حمل على رأسه عمامة نحو قنطار) [498] .

3 ــ وقد يعرف أحدهم بالوقوف الطويل في مكان معين لا ينتقل منه صيفا او شتاء ، وبما امتدت المدة إلى ثلاثين سنة فبما يزعمون ، أو ينام أحدهم في كانون الطباخ ، أو يقيم في الأمكنة الخربة او البرية وحوله الحيوانات ) [500] .

وكانت لآخرين أحوال مضحكة فكان ابن مصيغير يخاصم ذباب وجهه ويتشوش من قول المؤذن (الله أكبر) فيرجمه ويقول عليك يا كلب نحن كفرنا يا مسلمين حتى تكبروا فينا ) .! . واذا مرت عليه جنازة وأهلها يبكون يمشي معهم ويقول : ( زلابية هريسة زلابية هريسة ) [502]  وكان اذا سأل أحدهم الدعاء من الشيخ نجيم قال له: ( كشك ولحم )، واذا دفع لجمال الدين الأسود نقود جديدة انشرح وقال محمدي محمدي (فيحصل للسامع انبساط ) .[504]

طبقة الأشراف فى مصر المملوكية  

 أساس الانتحال فى الانتساب الى النبى عليه السلام

1ــ لا ينفع أحدا أن يكون قريبا بالنسب الى نبى أو من ذريته ، فهناك ابن نوح ووالد ابراهيم ، وهناك أبو لهب عم خاتم النبيين ، وهناك زوجتا نوح ولوط . أولئكم جاء نصُّ القرآن الكريم عنهم بالضلال . وبعضهم مذكور بالاسم مثل آزر وأبى لهب .

إنّ كل الأنبياء بشر ، وسيفرّ كل منهم من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فى يوم لا أنساب فيه ولا يتساءلون ، ولا يجزى فيه والد عن ولده ولا مولود عن والده ، ولا تملك نفس لنفس شيئا ، والأمر يومئذ لله مالك يوم الدين ، فلا شفاعة لبشر فى بشر ، ومن حقّت عليه كلمة العذاب لا يستطيع خاتم المرسلين إنقاذه من النار ، فهو لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ــ شأن كل فرد من البشر ــ إلا بمشيئة الرحمن، بل سيكون شاهدا شهادة خصومة على الكافرين من أهله وقومه وأصحابه الذين صحبوه فى الزمان والمكان ، وسيأتى عليهم شهيدا يؤكد أن قومه إتخذوا القرآن مهجورا . هذا ما يؤكده رب العزة فى مئات الآيات القرآنية التى تنفى شفاعة البشر ، وتجعل الشفاعة شهادة تحملها ملائكة حفظ العمل لمن كان عمله صالحا وكان إيمانه بالله جل وعلا مخلصا خالصا ، ثم تكون هذه الشفاعة أو تقديم العمل يوم الحساب لمن أذن له الرحمن وارتضى . 

2 ـ ولكن يتأسس الدين الأرضى عموما على الشفاعات والوساطات ، وبالتالى تتاسس على الشفاعة والوساطة جماعات كهنوتية ، يتوسل بها الناس ، يقترفون الجرائم وياكلون المال السُّحت ثم يطمعون فى دخول الجنة بتقديم بعض هذا المال يشترون به صكوك الغفران وقصورا فى الجنة . وبالتالى يكون من أهم المؤهلات لهذا الكهنوت هو الزعم بالانتساب للنبى محمد عند المحمديين ، ولهذا أصبح الانتساب للنبي عليه السلام هو العقدة الخالدة عند الشيعة ثم الصوفية بالذات .

3 ـ وأصبح هذا ( نسبا شريفا ) بمعنى أن غيره من النسب العادى هو (غير شريف ).!! بمعنى أنه لا بد أن تكذب حتى تكون ( شريفا ) ، ولو تمسكت بنسبك العادى لأهلك الحقيقيين من  المصريين والايرانيين والسوريين والعراقيين ..الخ ... فأنت نسبك ( غير شريف ) حتى لو كنت ( عمر الشريف) أو ( نور الشريف) أو ( على الشريف) أو ( محمود الشريف ) أو ( كريمة الشريف ).! وبالمناسبة فإن صفوت الشريف ينتمى الى الأشراف ، هو ينتسب الى ( الأشراف ) بينما هو ( مسجل خطر ).!

الانتحال للنسب ( الشريف ) بين الشيعة والصوفية

1 ـ وانتحال النسب الشريف باب طرقه آخرون قبل صوفية العصر المملوكي ، والزعم بالمهدية ( اى أن يكون المهدى المنتظر ) لهدف سياسى ـ يقترن بزعم الأنتساب للنبى محمد عليه السلام . وهى فرية مضحكة وعادة سيئة تكررت وتتكرر فى تاريخ المحمديين تحمل معها سفك الدماء فى أغلب الأحيان .

2 ــ واشهر مدعى الانتساب للنبى هم الفاطميون الذين أقاموا الدولة والخلافة الفاطمية فى شمال أفريقيا ومصر، وأسّسوا القاهرة والأزهر(الشريف ) نسبة للسيدة (فاطمة الزهراء ) . وخصوم الفاطميين يطلقون عليهم ( بنوعبيد ) ، ومنهم الفقيه  ابن تيمية المشهور بعدائه للشيعة والصوفية ، وهو يرى أن الفاطميين : (زنادقة ملاحدة قرامطة باطنية واسماعيلية ونصيرية ) [506] ، وقيل إن دافع المقريزي لذلك أنه نفسه كان يدعي الانتساب للفاطميين ، وهذا ما يذكره المؤرخ ابو المحاسن تلميذ المقريزى، ونقله عنه ابن اياس  [508].....

تكوين طبقة الأشراف بناءا على هذا الانتحال

1 ــ وانتشر الزعم بالانتساب للنبى ، فتكونت طبقة إجتماعية من ( الأشراف ) بناءا على هذا الزعم . وصار مُباحا لكل من هبّ ودبّ أن يصبح من ( الأشراف ) بهذا الانتحال  ، ودخل فى الميدان دجالون كثيرون ، يطمع كل منهم أن يتمتع بمزايا ( الأشراف ). وأزعج هذا السيل من الأكاذيب بعض المؤرخين فانتقدوا من يعرفون من منتحلى النسب ( الشريف ).

2 ـ فابن حجر يقول عن أبن زقاعة الصوفي المحتال : (كان يدعي أنه من بني نوفل بن عبد مناف [510] وذكر المقريزى أن الأمير يخشى بك  غضب على محتال زعم انه شريف النسب فسبّه وشتمه فعوقب الأمير لأنه ( سبّ بعض من يدعى انه شريف ) [512]  . وقال المؤرخ ابن حجر أنّ الجروانى انتسب وصار شريفا، و ( كان يُطعن في نسبه  ) [514] . وهذا المنام المزعوم فى حد ذاته دليل على وجود من هم ليسوا بصحيحى النسب .! .

3 ــ لذا كان الشّكّ فى الانتساب للنبى هو السائد ، ولحق هذا الشك بمشاهير ( الأشراف ) ومنهم الشريف المكرانى ، وقد تشكّك بعضهم فى نسبة طبقا لما يقوله المؤرخ السخاوى . [516] ، وهى إشارة لطيفة فى التشكيك فى نسبه ( الشريف ) ، وكان مؤرخون آخرون أكثر صراحة ، منهم الصفدى القائل عن أبى الحسن الشاذلى : ( إنّ الشاذلي انتسب في بعض مصنفاته إلى على ابن أبي طالب . وقال شمس الدين الذهبي : هذا نسب مجهول لا يصح ،ولا يثبت ، وكان الأولى به تركه ) [518] .

4 ـ وإنفتح الباب على مصراعيه للإنتساب للنبى حتى لقد أراد يهودي يقال له أبو السعود أن يعمل له ( محضر) بانه شريف [520] . وأراد بعضهم الشهرة فتخصّص فى الطعن فى نسب المشاهير من ( الأشراف ) فذكره ابن حجر والسخاوى ، وقد قالا عن الشريف حسن بن محمد إنه كان ( عارفا بأنساب الأشراف كثير الطعن في كثير ممن يدعي الشرف ) [522] ، هذا مع  وجود ديوان قديم للأشراف يختص بالفحص عن أنسابهم وحقوقهم، وقد ذكره القلقشندى فى موسوعته ( صبح الأعشى ) [524]  وكان من يسُبُّ شريفا يُقتل حدّا بالشرع  [526] . والمقريزى تخلى عن عقله وموضوعيته فكتب رسالة في حق آل البيت الاشراف على من عداهم وجعل لهم حصانة ، وحذر من الوقوع في احد منهم مهما ارتكب من محرمات  [528] وزعموا أن صاحب صقلية النصرانى المتعصب  اطلق الأسرى من المسلمين لأنّ بينهم شريفا إكراما لهذا الشريف .[530]... نزعة استعلاء إختلطت بالانحلال ، لأن الاختلاط بالرجال وقتها كان يعنى الانحلال الخلقى .

هذا ، ومن الأمثال السائدة في العصر المملوكي : ( لا أصل شريف ولا وجه ظريف..) [532] واحترف أكثرهم التسول  [534]..

2 ــ وبالتالى كان أثرهم الاقتصادى سلبيا ، فلم يكونوا عنصرا منتجا ، بل حتى لم يقتصروا على التسول والحياة عالة على المجتمع بل كانوا عنصر شغب وفساد . وفى النهاية تم توطينهم فى مصر وصاروا جزءا من أهلها وعنصرا من نسيجها الاجتماعى والطبقى ..

 طوائف مهنية بأثر التصوف

هذه الطوائف أثرت سلبيا على الاقتصاد ، فقد تركت العمل وإحترفت البطالة و أحيانا البلطجة ، وصار لهم نفوذ فى الشارع ، وتنظيمات ورؤساء ، أرغمت الدولة على التدخل لكفّ فسادهم . وأهم هذه الطوائف :

 الجعيدية

1 ـ هم طائفة صوفية ظهرت في العصر المملوكي تحترف التسول كقيمة اجتماعية نشرها التصوف في المجتمع، حتى أصبح لقب الجعيدي علما على بعض الصوفية يطلقه على نفسه كما فعل المتبولي  [536]..وكالعادة ..ففى مصر : ( كل شىء يُنسى بعد حين ) و ( تعود ريمة الى عادتها القديمة ).

3 ــ وقد علا شأن بعض الجعيدية حتى تزعم الدهماء والعوام ( الحرافيش ) في وقته ،  فذكر ابن إياس أن الشيخ على الجعيدي ن 793 كان سلطان الحرافيش في عهده ، وكانت له عليهم (حُرمة وافرة ... فلم يخلفه بعده مثله ) [538] ...

الفقراء الطوافون

1 ــ ظهروا في نهاية العصر كمظهر لامتداد تيار التسول والتصوف فكانت طوائفهم تطوف على البيوت بزي التصوف تسأل الناس ، فعرفوا بالفقراء الطوافين ، واشتهروا بالإلحاح في السؤال مع القدرة على الكسب والتبطل .

2 ــ ومع ذلك فقد أجهد الشعراني نفسه في الدفاع عنهم، فطالب بألا ينكر عليهم احد لانهم ــ في زعمه ــ يريدون أن يحملوا عن الناس ذنوبهم وبلاءهم ، وأن العهود أخذت عليه ألا يمكّن احد من القول أنهم قادرون على الكسب لأن ذلك حجة في البخل . واعترف الشعراني أن احد الأولياء الصوفية كان منهم ( فكان يسأل ويتصنع السقوط حتى يظن من لا يعرفه أنه حشاش ) [540]  .

2 ــ وقد استمر الاعتماد عليهم بعد العصر المملوكي حيث يتقدم الجنازة طائفة من العميان في ثلاثة صفوف ينطقون بالشهادتين بطريقة خاصة...) [542] وقد عد من المنن عدم وجود أحد من الزوالق حوله . ونعرف عمل الزوالق من قول الشعرانى كأنه يشكو : ( وقلّ فقير إلا وحوله كل واحد يخلي له الإقليم.  ومن مفاسدهم انهم يُطرون ( أى يمدحون ) من يكونون حوله ويبالغون في تعظيمه ورفع مقامه على سائر فقراء بلده ، ويقبلون يده ورجله، ويقفون بين يديه كما يفعل بالأمراء ... ومن مفاسدهم  أيضا أنهم يؤذون من كان في صحبة شيخهم اذا اجتمع بغير شيخهم، وربما يضربونهم بالقباقيب والنعال ، ومنهم من يؤذي الناس بلسانهم ، ويبالغون في تعظيم شيخهم بحضرة من لا يعتقده .....  وهم في الولائم لا يميلون لسماع القرآن ، ويحبون الغناء . وربما قال أحدهم : ابطلوا القرآن واسمعونا ما يبسطنا ) [544] وقد وجدت هذه الطائفة فى البداية على نطاق ضيق، فالشيخ الكاتب أحد مشايخ الزيارة كان ( الجنيد ) أبرز رواد التصوف الأوائل يعظمه ، ومات الشيخ الكاتب بعد عام 340  [546] وتتردد أسماؤهم في كتابي المزارات (تحفة الأحباب) للسخاوي ، و(الكواكب السيارة) . وقد أورد فيه ابن الزيات بعض كراماتهم وحكاياتهم وأنهم كانوا يقومون بعملهم ليلا . وتابعه السخاوي فيما قاله  [548] ، وكما يبدو واضحا في الفصل الخاص بأثر التصوف فى  العمارة واهتمام المماليك بإنشائها ورعاية الصوفية فيها ، والوقف عليها بأرضى زراعية ومحلات تجارية وأملاكا عقارية ،كلها يتخصص ريعها فى الانفاق على تلك المؤسسات . ولم ينته حكم المماليك إلا وبلغ الأراضي الزراعية الموقوفة حوالى عشرة قراريط من 24 قيرطا ، أى حوالى نصف الأرض الزراعية  وكانت غالبية مباني القاهرة والفسطاط وقفا ، وقد كان المقريزي يشكك في صحة ملكية الأوقاف في عهده بسبب كثرتها .[550] . وانتقل الأمر من السلاطين والأمراء الى ذوى النفوذ الأقل شأنا ، فقد اشتهر جمال الدين الاستادار بذلك، وعاونه ابن العديم قاضي القضاة  وقتها ، واستولى هذا الاستادار على أوقاف كثيرة بحيلة الاستبدال ،واوقفها على خانقاته ، ومما يؤكد إصرار ابن العديم على خراب الأوقاف في مصر قوله لمن احتج عليه كثرة الاستبدال  : (إن عشت أنا والقاضي مجد الدين لا يبقى في بلدكم وقف ) [552] متأثرين بانحراف القضاة والفساد الذى شاع في العصر بتأثير التصوف...

3 ــ ولم يكن الاستبدال هو الطريق الوحيد . كانت هناك طرق أخرى  : كان الواقف يُرغم على الاشهاد على نفسه ــ في محنته ــ بأن أملاكه واوقافه من مال السلطان. وفي عهد برقوق استؤجرت الأوقاف بأقل من أجر مثلها فلجأ بعض مباشري الأوقاف إلى هدم العقارات الموقوفة بدل تعميرها ، وأحيانا كان يتم تعيين القاضي في مقابل أن يقرض السلطان من مال الأيتام الموقوف .

4 ـ وبمرور الزمن تلاشت كثير من الأوقاف ، ووضع آخرون يدهم عليها وتملكوها بحكم الواقع وتقادم السنين او بانقراض المستحقين او فقدان كتاب الوقف، مع إهمال القضاة في الإشراف على الأوقاف الموكل اليهم حفظها .[554]..

6 ـ ــ ثم أن هذه الأوقاف كانت سبب تعطل من وقف عليهم اعتمادا عليها ، فعاشوا بلا عمل عالة عليها  [556] ،  ويقول أبوالمحاسن عن إهمال القضاة للأوقاف : ( من شان القضاة عدم الالتفاف لعمارة الأوقاف والمدراس التى يكونون أنظارها . وما ادرى ما الذي يعتذرون به عن ذلك بين يدي الله عز وجل ؟.... وقد شاع ذلك في الأقطار عن قضاة زمننا، وصار غالب الناس اذا وقف على مدرسة أو رباط او زاوية أو غير ذلك يجعل النظر فيه حاجب او الداودار او الزمام ولا يجعله لمتعمم ) [558] ، والعيش الهنيء للصوفية في مصر داخل المؤسسات الصوفية يُغرى الحرفيين بترك الحرفة . بل إن بعض وثائق الوقف تتيح لتاركى الحرفة التوظيف فيها ليعيش عاطلا ، ففى وثيقة وقف مغلطاى الجمالى : ( ويرتب بها مع عشرين من الفقراء المتصفين بالخير والعيانة المتخليين عن الاكتساب ) [560].

بل كان بعض الشيوخ الصوفية يزينون لمن يجتمع بهم ترك الحرفة والانقطاع عوضا عنها بترديد اورادهم وأحزابهم وصلواتهم الصوفية . ويقول الشعرانى أن بعض الشيوخ كان (يأمر المريد ان يخلى دكانه ويعرض عن الدنيا ) [562]،

وفي الحوليات التاريخية نرى تأثر الكثيرين بدعوة الصوفية فترك الحرفة لمحبته في أهل الصلاح  [564] ، والغمري [566] .

وتسمى كثير من الصوفية بأسماء الحرف التي تركوها قبل الانخراط في التصوف مثل الحلاوي والسدار  [568] ، وقال الشيخ الحرار معللا تركه الحرفة (فلم أزل على حالتي اكب الحرير حتى قيل لي أن لم تتركه أعميناك ...)[570] ومكين الدين الأسمر ) [572] وبركات الخياط )[574] وعمر الوفائي الحائك والدميري )[576] والشيخ على القطناني )[578] أي أصبحوا عالة من الناحية الاقتصادية...

ــ وقد عاش بعض الصوفية في المؤسسات الخاصة بهم كموظفين ... والموظف لا يمكن ان يكون عنصرا منتجا خاصة إذا اتصل عمله بعمل الصوفية في الخوانق .

ونذكر هذا أن أن الصوفية بما نشروا من تواكل وخمول وبما مارسوه من وظائف في الخوانق والربط والزوايا قد غرسوا حب الوظيفة ، وهو نوع من الاستجداء الرسمي في عصرنا الحالي لا يختلف كثيرا عن التسول الصوفي .

ويقول المثل الشعبي (ان فاتك الميري اتمرغ في ترابه ) [580] وقد راجت تجارة الحمص في مولد البدوي وروى المقريزي والقلقشندي انه عد في طريق بين الفسطاط وجامع ابن طولون (أكثر من ثلثمائة وتسعين قدرا من للحمص المسلوق سوى المقاعد والحوانيت التي بها الحمص ) [582] وكان الشعراني أحيانا يقرن ذكر المولد بالتجارة فيقول مثلا عن مولد المليجي (يحصل فيه جمعة (اجتماع) كبيرة وتنفيق سلع للناس ) [584].

 وبالتصوف ومؤسساته تقدمت صناعات الرخام والمحاريب..

 

 

 

 

 

 

 

ة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   

 

 

 

 

 

 

[2]ــ لطائف المنن 344

[4]ــ وثيقة بيبرس الجاشتكير ..

[6]ــ تراجم مختلفة ترجمة القبارى في زبدة الفكر مخطوط 9 / 89 ، ترجمة نصر المنبجى في تاريخ ابن الوردى 2 / 368 ، ترجمة ابن سلطان في النجوم الزاهرة 15 / 542 ..

[8]ــ لطائف المنن 353 : 354  لواقح الأنوار 25 : 26 ، 133 ، 134 ، البحر المورود 130 ، 134 ، 72 ، 2731 ، 320

[10]ــلواقح الأنوار 105 ، 94 ، 106

[12]ــ البحر المورود 304

[14]ــ الضوء اللامع 1 / 41 : 42

[16]ــ البحر المورود 233 ، 237

[18]ــ ردع الفقراء 15

[20]ــ عبد الباسط بن خليل الروض الباسم .. مخطوط 3 / 171 حوادث 872

[22]ــ  المقريزى : إغاثة الأمة بكشف الغمة : 74 : 75

[24]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 99 : 100

[26]ــ ردع الفقراء للشعرانى صــ11  

[28]ــ لطائف المنن 176 ، المنن الصغرى مخطوط 50

[30]ــ لواقح الأنوار 193

[32]ــ لطائف المنن 6 ، 43

[34]ــ رسالة في مدعى الولاية 3 ، 6

[36]ــ الصفدى أعيان العصر 7 / 2 / 222 : 223

[38]ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 264 ب

[40]ــ السلوك للمقريزي 1 / 2 / 572

[42]ــ الطبقات الكبرى للشوافى 2 / 116

[44]ــ النويري الإلمام مخطوط 2ر 78 : 79 ، تعطير الأنفاس 50 : 51

[46]ــ الأمثال الشعبية لتيمور 180 ، شعلان الشعب المصري 324

[48]ــ لطائف المنن للشعرانى 233 ، 236

[50]ــ رحلة ابن بطوطة : 1 : 13 ، 14 ، 16 ، 17 ، 18 ، 26

[52]الدرر الكامنة 4 / 82 ، الصفدى الوافى بالوفيات 3 / 372 : 373 ، شذرات الذهب 6 / 116

[54]ــ تذكرة النبيه 1ر 207

[56]ــ إنباء الغمر 2ر 33

[58]ــ معيد النعم : 171

[60]ــ الطبقات الكبرى 2ر 161

[62]ــ شذرات الذهب 8ر 165 : 166 ، 7ر 167 / 168 ، 1596 بالترتيب

[64]ــ لواقح الأنوار 60 ، 61

[66]ــ لطائف المنن 170

[68]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2ر 93 : 94

[70]ــ السلوك 3ر 2ر 823

[72]ــ لطائف المنن 500

[74]ــ انباء الغمر 2ر 114

[76]ــ لطائف المنن 501

[78]ــ لواقح الأنوار 70ر 71

[80]ــ النويري 29ر 51 .. مخطوط.  تاريخ ابن الفرات 8ر 101

[82]ــ ابن ايبك سيرة الناصر 79 .. زتيرشين تاريخ السلاطين المماليك 106

[84]ــ ابو المحاسن :  النجوم الزاهرة 15 / 424 ، السخاوى : التبر المسبوك 311   ..

[86]ــ الضوء اللامع 1 / 181 ..

[88]ــالطالع السعيد 377 :

 89ـ الدرر الكامنة  4 / 373

[90]ــ بيبرس الداودار زبدة الفكرة 9 / 329 ورقة (1) ..

[92]ــ الغزى : الكواكب السائرة 1 / 258

[94]ــ الطبقات الكبرى 2 / 115

[96]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 288

[98]ــ نفس المرجع 2 / 331

[100]ــ لطائف المنن لابن عطاء : 131

[102]ــ التفتانزانى  ابن عطاء : 49

[104]ــ انباء الغمر 3 / 36

[106]ــ النفحات الأحمدية 175

[108]ــ الشعرانى .. قواعد الصوفية 1 / 174

[110]ــ  لطائف المنن    388

[112]ــ لواقح الأنوار 102

[114]ــ لطائف المنن 396 ، 405 ، 424 ، 426

[116]ــ الجواهر والدرر 170

[118]ــ المدخل 2 / 152

[120]ــ عبد الصمد .. الجواهر : 77 ، 82 ، 83 ، 69 .. النصحية العلوية 35 وما بعدها  ـ الكواكب السيارة 225 ، 291 ، مناقب الحنفى 256 ، 257 ، 410 412 ، لطائف المنن 293 مناقب الوفائية 66 : 67 .

[122]ــ تعطير الأنفاس 203 ، 204 ، الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 9  ،

[124]ــ الجواهر والدرر 271 : 272

[126]ــ ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل 1 / 70

[128]ــ لواقح الأنوار 173 : 174 ، البحر المورود 271 ، لطائف المنن 383

[130]ــ قواعد الصوفية 1 / 164

[132]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 90

[134]ــ خطط المقريزي 1 / 79

[136]ــ المدخل 2 / 191

[138]ــ مناقب الحفنى 228

[140]ــ انباء الغمر 3 / 54 : 55

[142]ــ التنوير 62 وما بعدها

[144]ــ آداب العبودية 34 ، صحبة الأخيار 97 ..

[146]ــ السيوطى مقدمة رسالته حصول الرفق بأصول الرزق .. مخطوط ضمن مجموعة 209 تيمور بدار الكتب

[148]ــ النويري الإلمام مجلد لوحات 198 : 199 ، 285 : 288

[150]ــ شعلان .. الشعب المصرى في أمثاله العلمية 171

[152]ــ الشعراني تنبيه المغترين  127 ، 131 ، 308

[154]ــ السيوطى : بشرى الكئيب في لقاء الحبيب : خاصة من ص 3 : ص 12

[156]ــ درر الغواص : 75

[158]ــ تاج العروس 71 .. الحكم العطائية 462

[160]ــ البحر المورود 23 ، 24

[162]ــ كلوت بك : لمحة عامة 1 / 552

 

[164]ــ التبر المسبوك 302 وانظر المنهل الصافى 2 / 405

[166]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 /  130

[168]ــ الكواكب السيارة 294

[170]ــ مناقب المنوفى مخطوط ورقة 20

[172]ــ الكواكب السيارة 207 ، 244 ، 245

[174]ــ الكواكب السيارة 233

[176]ــ الكواكب السيارة 197 ، تحفة الحباب 329

[178]ــ الكواكب السيارة  291

[180]ــ حياة الحيوان للدميري  2 / 213 ، 1 ــ 1874 ، 43

[182]ــ بلوغ المأرب مخطوط

[184]ــ حياة الحيوان 2 / 39 ، المستطرف 2 / 114

[186]ــ الأمثال الشعبية تيمور 212

[188]ــ """   """""   """    """"

[190]ــ الطبقات الكبرى 2 / 144

[192]ــ روض الرياحين 216

[194]ــ لطائف المنن  ـ8 22

[196]ــ الكواكب السيارة 164 ، تحفة الأحباب 394 ، التبر المسبوك 370

[198]ــ لواقح الأنوار 116 ، لطائف المنن 31

[200]ــ أحكام الجان مخطوط بالدار رقم 2412 تاريخ ص 47، 58 ، 59 ، 62 ، 64 ، 74 ، 75 ، 79 وما بعدها ..

[202]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 85 ، حياة الحيوان 1 / 214 : 215

[204]ــ المدخل 2 / 209

[206]ــ الجوبرى : المختار في كشف الأسرار 20 : 280

[208]ــ تاريخ ابن الفرات 8 / 56

[210]ــ التبر المسبوك 83

[212]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 206

[214]ــ روض الرياحين 154

[216]ــ الكواكب السيارة  182

[218]ــ لطائف المنن 507

[220]ــ النجوم الزاهرة 15 / 331 ، تاريخ ابن اياس 2 / 219 تحقيق مصطفى

[222]ــ التبر المسبوك 209 ، تاريخ ابن اياس 2 / 263 ، 264 تحقيق مصطفى

[224]ــ حل لغز الماء . مخطوط ورقة 75 : 76

[226]ــ السلوك 4 / 3 / 1140

[228]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 282

[230]ــ السلوك 3 / 2 / 562 ...   ابن اياس   : 1 / 2 / 382  تحقيق محمد مصطفى

[232]ــ خطط المقريزي 4 / 117 ، 118

[234]ــ النجوم الزاهرة 15 / 99 ، 16 / 125 ، السلوك 4 / 139 : 40 ، تاريخ ابن اياس : 2 / 87 ، 395

[236]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 447 ، 4 / 314 ، 419

[238]ــ السلوك 4 / 1 / 199 ، النجوم 13 / 137 ، 141 ، أنباء الغمر 2 / 506

[240]ــ تاريخ ابن اياس 4 / 419 ، 33 ، 336

[242]ــ الإلمام للنويري مخطوط 1 / 168 ، تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 115 ، 2 / 7

[244]ــ لمحة عامة إلى مصر 2 / 91

[246]ــ حوادث الدهور 3 / 534 ، 1 / 154

[248]ــ ابن اياس 2 / 398

[250]ــ تكسير الأحجار مخطوط ورقة 156

[252]ــ نزهة النفوس مخطوط 144

[254]ــ فتوح النصر مخطوط 2 / 159

[256]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 694 : 650

[258]ــ حوادث الدهور 2 / 270

[260]ــ السلوك 4 / 2 / 918 : 919

[262]ــ المقريزي الخطط 2 / 196 : 197 

[264]ــ تاريخ ابن طولون 2 / 22

[266]ــ ابن تيمية مجموعة الرسائل والمسائل 1 / 141 ، النويري : الإلمام مخطوط 1 / 136 : 137

[268]ــ النجوم  الزاهرة 13 / 136 ،     

[270]ــ النجوم  الزاهرة 16 / 298

[272]ــ تاريخ ابن اياس  1 / 425 ، 427 ، 428 ، 619

[274]ــ قاموس العادات والتقاليد 70 ،   171

الأمثال الشعبية لتيمور 131 ، 135 ، 136 ، 213 ، 306 ، 309 ، 384 ، وما بعدها  ، 405 ، 417 ، 436 ...الخ ..

[276]ــ المدخل لابن الحاج 1 / 159

[278]ــ ابن أيبك الداود سيرة الناصر

[280]ــ مناقب الوفائية 15

[282]ــ السياسة الأسبوعية عدد 89 سنة 1927 ص 11

[284]ــ لطائف المنن للشعراني 255

[286]ــ دائرة المعارف الإسلامية 9 / 238

[288]ــ الطبقات الكبرى 2 / 172

[290]ــ البحر المورود 114

[292]ــ تاريخ ابن اياس 2 /  340  : 342 ،  :    طـ بولاق

[294]ــ النجوم الزاهرة 16 / 274 ، 283

[296]ــ لطائف المنن 562 ، 480

[298]ــ المدخل 1 / 154 ، 164

[300]ــ  لطائف المنن 481 

[302]ــ لطائف المنن  563 ، 481 ، 251

[304]ــ تلبيس إبليس 206

[306]ــ الجواهر والدرر 44 2

[308]ــ ابن عطاء ، لطائف المنن 124 ، 125

[310]ــ لطائف المنن للشعراني 195

[312]ــ لطائف المنن 282 ، 332 وتناقض بين الدعوة لإجابة الوليمة أو رفضها : المنن الصغرى مخطوط 37 ، 41 لطائف المنن 192 ، 224 ، البحر المورود 104 ، 115 ، 248 لواقح الأنوار 3 7 ، 374

[314]ــ لطائف المنن 196

[316]ــ قواعد الصوفية 1 / 128

[318]ــ لطائف المنن للشعرانى 224

[320]ــ البحر المورود 104 : 105

[322]ــ السلوك 1 / 2 / 648 : 649 ، تاريخ ابن الفرات 7 / 115

[324]ــ البحر المورود 105 : 106

[326]ــ الكواكب السائرة 1 / 14 : 15

[328]ــ المدخل 1 /   91

[330]ــ لطائف المنن 326

[332]ــ لطائف المنن 251

[334]ــ لطائف المنن 195 : 196

[336]ــ تيمور 368 ، 361

[338]ــ الكواكب السيارة  495

[340]ــ السيوطى عمل اليوم والليلة مخطوط 145 : 146

[342]ــ أنباء الغمر 2 / 274

[344]ــ الكواكب السيارة 204

[346]ــ النويري الإلمام مخطوط 1 / 226

[348]ــ تحفة الأحباب 30 ، 345

[350]ــ تحفة الأحباب 4 / 214

[352]ــ تحفة الأحباب 405

[354]ــ الكواكب السيارة 294

[356]ــ الكواكب السيارة 17 ، تحفة الأحباب

[358]ــ الكواكب السيارة 189 ، 297 ، تحفة الأحباب 413

[360]ــ """""    """"      """    """"     """

[362]ــ الكواكب السيارة 281 ، تحفة الأحباب 413

[364]ــ 143 ، 231 الكواكب السيارة

[366]ــ رحلة العلوى مخطوط ورقة 60 ب

[368]ــ المدخل 1 / 151 ، 160 ، 161

[370]ــ تحفة الأحباب 35

[372]ــ عقد الجمان حوادث سنة 822 لوحة 485

[374]ــ تاريخ مرعى الحنبلى مخطوط 92

[376]ــ حوادث الدهور 2 / 208 ، 234

[378]ــ وثيقة الزيني يحيي الأستادار

[380]ــ الطبقات الصغرى للشعراني 50 ، 51

[382]ــ الطبقات الكبرى 2 / 112

[384]ــ الطبقات الكبرى للمناوى 283 ب مخطوط

[386]ــ الشعب المصري في امثاله العامية 271 لشعلان

[388]ــ ابن اياس 4 / 80 ، 85 ، النجوم الزاهرة 15 ، 306 ، 446 ، 447 ، انباء الغمر 3 / 93 الهصر 47 ، التبرالمسبوك  268 ، الضوء اللامع 2 / 275 وغير ذلك

[390]ــ مناقب الوفائية مخطوط ورقة 86

[392]ــ قاموس العادات 322

[394]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 1 / 3 ، تاريخ ابن اياس 1 /  2 / 693

[396]ــ التبر المسبوك 393

[398]ــ الضوء اللامع 4 / 41

[400]ــ خطط المقريزي 29 ص 516  وما بعدها طبعة دار الشعب

[402]ــ التبر المسبوك 218

[404]ــ التبر المسبوك 266

[406]ــ تلبيس إبليس 198

[408]ــ مناقب الحنفى مخطوط في مواضع متفرقة 185 ، 189 ، 221 ، 227 ... إلخ ..

[410]ــ السيوطى : حسن المحاضرة 2 / 134

[412]ــ النجوم الزاهرة 15 / 458

[414]ــ النجوم الزاهرة 15 / 487 ، 50 ، 16 ، 6 ، 85

[416]ــ النجوم الزاهرة 15 / 14

[418]ــ القلقشندى : صبح الأعشى 4 / 42

[420]ــ الدرر الكامنة 3 / 94

[422]ــ مناقب الحنفى مخطوط 98

[424]ــ النجوم الزاهرة 15 / 134

[426]ــ نزهة النفوس 1 / 335

[428]ــ الشربينى : هز القحوف 2 / 115 طــ بولاق

[430]ــ خطط المقريزي 2 / 96

[432]ــ الغزى : الكواكب 1 / 114 ، شذرات الذهب 8 / 39 : 40 ، طبقات الشاذلية 133

[434]ــ البحر المورود 266

[436]ــ كلوت بك لمحة عامة على مصر 2 / 14

[438]ــ التبر المسبوك 24 ، حوادث الدهور 1 / 138

[440]ــ ذيل ابن العراقي مخطوط ورقة 247

[442]ــ أنباء الغمر 1 / 483

[444]ــ الأمثال الشعبية لتيمور 413 طـ 1

[446]ــ عبد الصمد : الجواهر 72

[448]ــ شعلان الشعب المصري في أمثاله 1729

[450]ــ الأدفوى : الطالع السعيد 179  ، الوافى بالوفيات 2 / 307

[452]ــ الطالع السعيد 281 ، تاريخ ابن الفرات 8 / 164 ، الوافي بالوفيات 2 / 371

[454]ــ الطالع السعيد 361 : 363

[456]ــ الطالع السعيد 79 ، حسن المحاضرة 1 / 238

[458]ــ تحفة الأحباب 391

[460]السلوك 2 / 1 / 212

[462]ــ شذرات الذهب 6 / 206 ، الدرر الكامنة 1 / 279

[464]ــ انباء الغمر 2 /  370 

[466]ــ الطالع السعيد 252

[468]ــ الطالع السعيد 27 ، 28

[470]ــ الضوء اللامع 1 / 14

[472]ــ تنبيه المغترين 16

[474]ــ لطائف المنن 288

[476]ــ المقدمة 110 ، 111

[478]ــ ابن عطاء : لطائف المنن 111

[480]ــ لطائف المنن 189 / 190 ، البحر المورود 185

[482]ــ من الصعب حصرهم في المراجع وعلى سبيل المثال نذكر المنهل الصافي 3 / 187 ، النجوم الزاهرة 11 /  138 ، 16 / 177 ، 195 ، 13/، 18 ، تاريخ ابن اياس 2 / 211 طــ بولاق ، انباء الغمر 3 / 261 ، 3 / 153 ،  1 / 59 ... إلخ

[484]ــ الدرر الكامنة 1 / 297 : 298

[486]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 /  418

[488]ــ الضوء اللامع 1 / 373

[490]ــ أنباء الغمر 2 / 117، التبر المسبوك  246 ، 247

[492]ــ النجوم 16 / 328 ، تاريخ ابن اياس 2 / 413 تحقيق محمد مصطفى

[494]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 218 طـ بولاق ،     الضوء اللامع 4 / 247 ، روض الرياحين 203 ، الغزى الكواكب 1 / 87

[496]ــ رحلة  تافور 3 / 64 ، المدخل لابن الحاج 2 / 203 ، 206 ، الطبقات الكبرى للمناوى 388 ، الضوء اللامع 2 / 266

[498]ــ إنباء الغمر 1 / 480  الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 129 ، 160

[500]ــ  المنهل الصافى 4 / 94  

[502]ــ تحفة الأحباب 196 . الكواكب السيارة 74

[504]ــ الأمثال الشعبية  تيمور 179

[506]ــ رفع الأصر لابن حجر 347 : 348

[508]ــ الكواكب السيارة 299 ، 300

[510]ــ السلوك 4 / 2 / 833

[512]ــ تاريخ ابن طولون 2 / 27

[514]ــ خطط المقريزي 4 / 209

[516]ــ تاريخ الجزرى 1 / 54

[518]ــ فوات الوفيات 1 / 102

[520]ــ السلوك 3 / 1 / 206  حوادث 774 ، تاريخ ابن اياس 1  / 2 / 113 ، 114

[522]ــ تاريخ ابن اياس 4 / 260  حوادث 918

[524]ــ النجوم 11 / 120  ، تاريخ الخلفاء لابن حجر الهيئي  130  ت السلوك 3 / 1 / 199

[526]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 271 : تحقيق محمد مصطفى

[528]ــ مذكور في حياة الحيوان للدميري 2 / 18

[530]ــ المدخل 3 / 86

[532]ــ رحلة ابن بطوطة 1 / 20

[534]ــ منها مثلا في حوادث 801 : السلوك 3 / 3 / 962 ، حوادث 803 : انباء الغمر 2 / 144 ، حوادث 821 : انباء الغمر 3 / 155 ، حوادث 844 : السلوك 4 / 3 / 1206

[536]ــ نزهة النفوس مخطوط حوادث 841 ورقة 118 ب ، النجوم الزاهرة 15 / 97 : 98 ، تاريخ ابن اياس 2 / 184 تحقيق محمد مصطفى

[538]ــ احمد أمين قاموس العادات والتقاليد  137

[540]ــ المدخل 3 / 13 ، أيضا 2 / 50 ، 51

[542]ــ تنبيه المغترين 249

[544]ــ التبر المسبوك 403

[546]ــ الكواكب السيارة 81 ، 84 ، 106 ، 127

[548]ــ عبد اللطيف إبراهيم : رسالة في الدكتوراة  124

[550]ــ كيلانى : مقدمة ديوان البوصيري

[552]ــ د محمد أمين : الأوقاف في العصر المملوكى 480 : 488 ، 469 : 477 ، 381

[554]ــ أحمد امين : قاموس العادات والتقاليد 76 ، رسالة الأوقاف 361 : 370

[556]ــ إنباء الغمر مخطوط 886 ،  887، السلوك 4 / 2 / ،  939 ، النجوم الزاهرة 15 / 57 : 58

[558]ــ المدخل 1 / 39

[560]ــ الشعرانى العهود المحمدية 65

[562]ــ الكواكب السيارة 137 ، 252 ، تحفة الأحباب 377 ، 378

[564]ــ تاريخ الجزرى مخطوط 3 / 62

[566]ــ التبر المسبوك 136 ، 85 ، مناقب الحنفى 44

[568]ــ النجوم 11 / 385 ، السلوك 3 / 2 / 685

[570]ــ إنباء الغمر 203

[572]ــ الدرر الكامنة 4 / 107

[574]ــ التبر المسبوك 136

[576]ــ ذيل الدرر الكامنة مخطوط 9203

[578]ــ لطائف المنن 339

[580]ــ النفحات الأحمدية 264

[582]ــ أمثال تيمور ورقة 389

[584]ــ التبر المسبوك 302

( أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
هذا الكتاب
سبق نشر كتاب ( اثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) من رسالة الدكتوراة التى نوقشت فى جامعة الأزهر فى اكتوبر 1980. وننشر أهم ما بقى من فصول تلك الرسالة فى هذا الكتاب: ( أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية) ، ونتابع فيه ما سبق نشره ، أى كتاب ( اثر التصوف فى الحياة الدينية ) بأجزائه الثلاثة. وكتاب ( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ). وستُضاف خاتمة لهذا الكتاب (أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
مع ملاحظة أن هذا الكتاب بالذات تعرض لتفصيلات فى العصر المملوكى ، العلمية والتعليمية والأدبية والفنية والمعمارية والاجتماعي ة ، ولكن فى لمحة عامة تفرضها
more