رقم ( 3 )
الفصل الثانى :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية ):

 كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية ):

( فى العلم ـ العلوم ـ التعليم ، الأدب والفنون )

مقالات متعلقة :

  الصوفية والعلم :

نظرة الصوفية من العلم " الظاهر " ودعوتهم للعلم اللدني 

 مدخـــل :ـــ

 بازدياد التصوف لم يعد العلم شرطا في الانخراط في الطريق الصوفي ، بل كان من أسباب انتشاره عدم التقيد بالقراءة والكتابة ن بل أصبحت ( أمية الولى ) من مفاخر بعضهم . ومن بداية التصوف وقف بعض رواده موقف العداء من العلم وأهله ، ومنهم  كالشبلي القائل :

( فلو طالبوني بعلم الورق             برزت عليهم بعلم الخرق ) [2] . ولا شك أن نظرة الشافعي لهم كانت متأثرة بعداء عصره للصوفية والتصوف كمبدأ . وكان أولئك الصوفية من ناحيتهم يكرهون ( الحديث ) أهم علوم ( السّنة ) . قال أبو سعيد الكندي : ( كنت انزل رباط الصوفية وأطلب الحديث خفية بحيث لا يعلمون ، فسقطت الدواة ( دواة الحبر )  يوما منى ، فقال لي بعض الصوفية : استر عورتك )[4]...

وبهذا فإن جهد التصوف المملوكي في ناحية العلم كان سلبيا ، عطل التطور العلمى والعقلى  وحارب من أوتي مقدرة على الاجتهاد ، خصوصا وأن بعض خصومهم كابن تيمية ـ قالوا عنه أنه اجتمعت فيه شروط الاجتهاد ......

والواقع انه مع الشهرة التي تمتع كثير من علماء العصر المملوكي فقد حرموا الابداع العقلي الذي يضف إلى التراث الإنساني . كان الاجتهاد ممكنا ومطلوبا ، ولكن تم وأده بسبب سيطرة التصوف ودعوته للتقليد وحربه للاجتهاد.  ويلفت النظر ان من أوتى بعض العلم من أشياخ التصوف قبل العصر المملوكى وبعده ــ من الغزالى الى الشعرانى ــ وقفوا ضد العلم واستعمال العقل ، واستخدموا حصيلتهم العلمية في حرب المنكرين عليهم من الفقهاء ــ حماية لطريقهم الصوفي من الاعتراض . ومعروف أنه لا بد من تغييب العقل ومنع الاجتهاد العلمى والبحثى حتى يؤمن الناس بدعاوى الكرامات وتقديس الأولياء الصوفية ، وغضّ الطرف عن إنحرافاتهم السلوكية وعقائدهم فى الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، ومقالاتهم الفظيعة المنكرة فيما يُعرف بالشطح . وهذا هو ما حدث فى العصر المملوكى الذى  اشتد نفوذهم فيه وسيطروا على الحياة الثقافية ، فكان أن وجهوها في خدمة طريقتهم الصوفية،  فكانت تلك الردة العلمية في العصر المملوكي ، الذى جمع بين ظواهر متناقضة : وجود حركة تعليمية نشطة فى مؤسسات التصوف ، ووجود الأكثرية من (العلماء والفقهاء ) مع سيطرة التقليد العلمي وازدهار الايمان بخرافات التصوف.

متصوفة العصر المملوكي والعلم و نظرتهم للعلم والعلماء : ــ

1ــ  فى العصر العباسى الثانى إنتصر الفقهاء السنيون الذين كانوا يمثلون ( الاتجاه المحافظ ) على علماء الاتجاهات العلمية العقلية والفلسفية ، من المعتزلة والفلاسفة والحكماء من الكندى والفارابى وابن سينا والخوارزمى والبيرونى والرازى وابن الهيثم ..الخ . وتسيد الفقهاء السنيون الساحة بزعامة الحنابلة ، وهم الأشد تطرفا ، ووجدوا فى صناعة الأحاديث وسيلة للإجتهاد ، فالرأى يُقال فى شكل حديث ينسبونه للنبى عليه السلام ، ويتحصّن بهذا الاسناد من النقد . وبوأد الحركة العلمية العقلية وإبادة المعتزلة ودفن جهود العلماء الأفذاذ الذين نفخر بهم الآن (الكندى والفارابى وابن سينا والخوارزمى والبيرونى والرازى وابن الهيثم ..الخ ) لم يعد موجودا على الساحة سوى الفقهاء السنيين ، واصبح لقبهم العلماء ، أى حلوا محلّ العلماء الحقيقيين فى عصر الازدهار العلمى والعقلى فى القرون الثانى والثالث والرابع والخامس من الهجرة . ( علماء ) السّنة بزعامة الحنابلة إضطهدوا خصومهم حتى من الشيوخ السنيين ( والطبرى أشهر ضحاياهم ). ونال الصوفية والشيعة الكثير من العنت . ثم تحول الموقف لصالح التصوف والصوفية ، وقد سبق شرح هذا ، وتسيد التصوف ، وأخذ شيوخ التصوف يضطهدون المنكرين عليهم من الفقهاء الحنابلة كابن تيمية والبقاعى ، وقد عرضنا لهذا من قبل .

2 ــ وفى حمأة الصراع بين الفقهاء السنيين والمتصوفة المملوكيين إحتقر شيوخ الصوفية علوم ( السنة ) وأطلقوا عليها ( العلم الظاهر )، وأطلقوا على علومهم الوهمية الخرافية إسم  (العلم الباطن ) ، وغلفوه بادعاء الكرامات والمنامات التي ساد الاعتقاد بها في العصر حتى عرف " بالعلم اللدني" أي الذي يأتي من لدن الله بالوحي كما يزعمون .

وبهذا تغير الحال فى العصر المملوكى عنه فى العصر العباسى الثانى . الحنابلة السنيون جعلوا لهم علوما وهمية بالاسناد وصناعة الحديث ، وجعلوها علوما دينية ( التفسير والحديث النبوى والقدسى وعلوم القرآن ) وجعلوها ( وحيا الاهيا ) ، وقالوا إنها ( سُنّة ) وأن تلك السُّنّة ) وحى ، جاء بالاسناد والعنعنة . وهذا لا يتقبله عقل ، فكيف يأتى الوحى الالهى بالاسناد عن فلان عن فلان عن فلان .. وحتى يتجنب السنيون الاعتراض والتعقل حرّموا الفلسفة وعلم المنطق والعلوم الطبيعية ، كى يؤمن الناس بهذا الوحى القائم على الاسناد والعنعنة .

ثم جاء التصوف فى العصر المملوكى بعلم دينى آخر ، هو ( العلم اللدنى ) لا يحتاج الى عناء الاسناد و قولهم ( حدثنا فلان ، أخبرنى فلان عن فلان ) بل يقول الشيخ الصوفى ما يشاء ويزعم أنه من الله جل وعلا مباشر بلا واسطة ، اى وحى الاهى مباشر ، ومن يعترض عليه فهو محروم من ( الفتح عليه ). ولهذا أرسى التصوف التقليد ومنع الاعتراض ، وأوجب التسليم لكل ما يقوله الشيخ الصوفى وما يزعمه .وسيأتي اثر دعوى العلم اللدنى في نشر الجهل في العصر المملوكي .

3 ـ ونعرض لموقف شيوخ التصوف فى العصر المملوكي من العلم ( الظاهر)أى ( علوم السّنة ) ودعوتهم للعلم الباطني . 

كان جدُّ ابن عطاء السكندرى فقيها سنيا ، ثم صار حفيده ابن عطاء مريدا لآبى العباس المرسي. ولم ينس أبو العباس المرسى أن جد مريده ابن عطاء كان فقيها سنيا ، فكان  يقول عن ابن عطاء وقد استنسخ له كتابا : ( هذا الكتاب استنسخه لى ابن عطاء الله والله ما أرضى له بجلسة جدّه في العلم الظاهر ولكن بزيادة التصوف )، وقال أيضا عن جد ابن عطاء السكندرى وعن حفيده ابن عطاء :(  صبرنا على جد هذا الفقيه لأجل هذا ــ الفقيه ).

وسئل المرسي عن بعض العلماء فقال " اعرفه هنا :وأشار إلى الأرض ــ "ولا اعرفه هناك"  وأشار على السماء ) [6] ، اى إحتقارا للسائل وسؤاله .

اما احمد الزاهد فكان اذا أتاه من يريد الاشتغال بالفقه  يقول له : ( يا ولدي ما نحن معدين لذلك اذهب الى الجامع الأزهر. ) ، ( ومنع فقراءه الا من تعليم العبادات فقط ) [8]..أى يفضّل الشعرانى المريد الجاهل بالقراءة والكتابة ( الأمّى )  على مريد آخر يكون فقيها أو عالما بعلم ( الكلام ) أى العقائد السُّنيّة ، لأن الفقيه العالم بالشريعة السنية والمتكلم العالم بالعقائد السُّنيّة محرومان من الحصول على العلم اللدنى ( الفتحى ) أى الذى ينزل وحيا وفتحا لارباب التصوف بزعمهم.

4ــ وحين تتلمذ الشعراني على شيخه (الأُمّى) الخواص أمره الخواص في أول اجتماع به أن يجمع كتبه ويبيعها وينفق ثمنها احسانا ، فاستجاب لطلبه.  وكان الشعرانى قد دوّن على هوامشها الكثير من تعليقاته ، حسبما يحكى عن نفسه . وطلب الخواص منه ان يستعيض عنها بالتجرد والذكر حتى ينساها، فاستجاب له ، ثم طلب منه ان يعرض عن حضور مجالس العلم عاما بأكمله فامتثل أمره . ثم اتصل به بعد هذا العام، فقال له شيخه: " بقيت فارغا والفارغ يملأ ".!. ثم طلب منه ان يعتزل الناس وينقطع للذكر ، فأقام على ذلك بضعة أشهر ، ثم امره بالزهد فانصاع ، حتى أصبح كأنه يصعد بالهمة في الهواء " ثم محى الله العلوم النقلية من قلبه واقبلت عليه العلوم ــ الوهبية ونزل به الهاتف في 17 رجب 931 أثناء وقوفه بالفسطاط  اتجاه الروضة ، حيث تزاحمت العلوم اللدنية على أبواب قلبه وقد وسع كل باب ما بين السماء والأرض .............الخ  ) [10]  .

5ــ وحقد الأولياء الصوفية الأميون على الفقهاء السنيين ،وأظهروا الاستعلاء عليهم بما ادعو من العلم اللدني ،  فكان الخواص يقول : ( لا يسمى عالما عندنا إلا من كان علمه غير مستفاد من نقل او صور ، بأن يكون خضرى المقام) ، ويصف الفقيه فى العلم الظاهر بأنه ( حاك   لعلم غيره فقط فله أجر من حمل العلم حتى أدّاه ، لا أجر العامل ) [12] . اى بإعترافه أنه لا يستقيم مع العقل ، ولذا يحتاج الى الايمان والتسليم به دون تفكير أو نقاش .

وافتخر الشعراني بأن من المنن ترفقه بالفقهاء إذا حضروا مجلسه وهو يتكلم فى ( علوم التصوف ) ورموزه التى تستعصى على الفهم ، وأنه لا يحاول إحراج أولئك الفقهاء وإظهار جهلهم بعلوم التصوف ورموزه أمام المريدين ،  وقال : ( هذا الأدب قلّ من يفعله من الفقراء ( أى الصوفية ) بل رأيت من يقصد الفقيه اذا حضر دروسه ويقول لأصحابه : إش قولكم فيمن يبين لكم جهله بالطريق : ثم يعزم عليه " ) [14]

ويقول الخواص "  ما جعل الله العلم في قلوب العلماء ليصيروا به أربابا على الناس وإنما اعطاهم العلم لينفعوا به الناس )[16]..

وجمع الخيال بكاتب مناقب الحنفى ، فافترى رواية تصور صاحب اعظم عقلية فى العصر المملوكى ـ عبد الرحمن بن خلدون ــ وقد انبهر بعلم الشيخ الصوفى شمس الدين الحنفى فأصيب بالجذب مما سمع ، تقول الرواية أن ابن خلدون حضر ميعاد الحنفى  مترددا فتكلم الحنفى ( ودقّق وأطنب على الخواطر والأسرار حتى خرج كلامه عن الأفهام ، فصار ابن خلدون يضطرب وينتفض حتى وصل إلى محل النعال ، فلما انقضى الميعاد حملوه على الحنفى فرد عليه حاله فلما ان افاق طلب المبايعة وأن يكون من مريدي الحنفي . ).! ،وقال : ( وكان الحافظ ابن حجر يجلس بين يدي الحنفي جاثيا على ركبته ومثله البساطي والأخنائى والعيني ) [18]..

6ــ وارتبط عداء الصوفية للعلم بدعوتهم للعلم اللدني الذي يهبه الحق تعالى للعارف بلا واسطة ) [20]

ويقول الشعراني فى الدعوة الى العلم اللدنى بديلا عن ( العلم الظاهر ) : ( لو انك يا اخى سلكت على يدي شيخ من اهل الله لوصلك إلى حضرة شهود الحق تعالى فتأخذ عنه العلم بلا واسطة عن طريق الإلهام الصحيح من غير تعب ولا نصب ولا سهر ، كما أخذه الخضر. فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا عن نظر وفكر وظن وتخمين ) [22]

7ــ ولأنهم نبذوا العقل وأنكروا العلم ــ ولأن الحياة لا تعرف الفراغ فقد شغلت الخرافات  ما كان يمكن ان يشغله العلم متحصنا بالعقل ) [24] .

وروى عن احدهم قوله صعدت جبل قاف فرأيت سفينة نوح مطروحة فوقه " وقال آخر " جبل قاف امره قريب مثل جبل كاف وجبل صاد وجبل عين وهى جبال محيطة بالأرض حول كل ارض جبل بمنزلة حافظها ،وجبل قاف بهذه الأرض ، وهي أصغر الأرضين، وهو أيضا أصغر الجبال ،وهو جبل من زمردة خضراء. وقيل أن خضرة السماء من خضرته ، وحُكى أن  وليا احتاج للنار فرفع يده الى القمر فاقتبس منه جذوة ...) [26]

وكان شيخ الفارضية في القرن التاسع (يحب ابن الفارض وابن العربي على جهل ولم يكن له المام بشيء من العلم ،ولا يعرف شيئا ممّا يقولانه  ) [28]  .

وادعى الأميون من الصوفية العلم اللدني مثل ( المتبولى. ) [30] ومثله محمد وفا الذي كان ( أُمّيا ) ( وله لسان غريب في علوم القوم ) [32] فيقول عنه مثلا : ( فهذه نبذة صالحة من فتاوى شيخنا وقدوتنا ولى الله تعالى الكامل الراسخ الأمي : مترجما عن معنى بعضها لكونه رضي الله عنه كان اميا لا يقرأ ولا يكتب فلسانه يشبه لسان السرياني تارة والعبري تارة ) [34] .

وتكلم المرسي على زعمه بالعربية والعجمية وقال " اذا كمل رجل نطق بجميع اللغات وعرف جميع الألسن. وقال مره لأحدهم : سل ما شئت بالعجمية أجبك بالعربية ، أو سل ما شئت بالعربية أجبك بالعجمية " ) [36]..اى تُقال طبقا للذوق الصوفى للشيخ القائل ، وعلى المريد أن يتقبلها بالتسليم الصادق.

10 ــ وقد وجدوا في الرمز وسيلة لإخفاء الجهل. ولقد ظهرت بوادر أسلوب الرمز في عصر مبكر في التصوف[38] . وافتخر الشعرانى بأنه كان يرسل الكلام ( من غير تحجير ولا تقييد على قدر فهم الحاضرين وقلّ من الفقراء من يتفطّن لهذا .. ) . ويقول عن البكرى : ( ولا يكاد احد من الحاضرين لدرس محمد البكري يتعقل شيئا من كلامه .. من الجن والانس والملائكة وغيرهم ) [40] وكلامه لايفهمه أحد .! و كان الحنفي (اذا استغرق في الكلام وخرج عن افهام الناس يقول وهنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عما ليس به صلة  ) [42] وكان المتبولي أميا من أدعياء    العلم اللدني...

 

 

 

 

التقييم العلمي لكبار الصوفية المملوكيين وتأثر الفقهاء علميا بالتصوف

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 التقييم العلمي لكبار الصوفية المملوكيين وتأثر الفقهاء علميا بالتصوف

 1ــ قيل عن احمد البدوي أنه( قرأ شيئا من الفقه الشافعي وحفظ شيئا من القرآن ) [44]. والبدوي كداعية سياسي لم يجد الوقت الكافي دارسا أو مدرسا إلا في أوقات تستره من الظاهر بيبرس كما فصّلنا فى حركته السياسية .

وآثار البدوي عبارة عن صلوات ووصايا ذكرها عبدالصمد في مناقبه وهي تدل على ثقافة رشيقة. ولعل تلك الثقافة الهابطة للبدوي جعلت من اتباعه يسندون إليه كرامات أكثر حدة في معاقبة العلماء المنكرين عليه، حيث عوقب المنكر بشوكه في حلقه أو سلب العلم والحفظ من قلبه ، وفوق ذلك تميز البدوي ــ كما قيل ــ بأنه تبول من على سطح الدار في مجموعة من العلماء أتت لمناقشته ) [46] وقال عنه الشعراني أنه ( تفقه على مذهب الشافعي ثم اقتفى اثار السادة الصوفية  ) [48]..

4ــ وكان الفرغل ــ وهو احد الأولياء الموصوفين بالتمكن في الولاية ــ لا يحفظ القرآن وجاهلا . ويتكرر  في الكرامات المسندة إليه أنه يعاقب من يعترض على جهله بمقولة ان الله لا يتخذ وليا جاهلا  ) [50]..، ونقل أتباعه الكثير من اشاراته او تفسيراته .  إلا أن الشك قائم في صحة هذا النقل ، فالشاذلي يقول : ( كتبى  اصحابي ) فهو معلم صوفى وليس بعالم .

نماذج لفقهاء تأثروا بالتصوف المملوكي بعد مرور مرحلة من حياتهم مع الفقه

1 ـ أبرزهم ابن دقيق العيد. قيل إنه كاد يصل إلى مرحلة الاجتهاد ، ثم نُسبت له كرامات ومعارف صوفية مع علمه بالعلوم الشرعية والعقلية و الدبنية) [52]. وكان ( يقود الشطحات الصوفية فتعقد له مجالس للتحقيق . ) [54].. وبعد أن كانت له مؤلفات في الفقه والتفسير والحديث والسيرة ــ وكلها مؤلفات صغيرة ــ زاد عليها مؤلفات في التصوف .

والواقع ان ابن عبدالسلام لم يكن عالما بنفس مقياس شهرته في الوعظ او حتى على المستوى العلمي الذي كان لابن دقيق العيد ، ومؤلفاته خير دليل على ذلك ، وقد حاول بعض الباحثين التشكيك في علاقته بالصوفية والتصوف ) [56] وهو يمثل طبقه من العلماء  دانوا للتصوف بلقمة العيش وفي سبيلها لم يشتركوا مع الفقهاء الاخرين في الإنكار على الصوفية ...

4 ــ ومنهم ابن خلدون شيخ خانقاه بيبرس وبه نختتم تلك العلماء . والواقع أنه لم يكن متصوفا ولا يمكن ان يكون صوفيا لأن حياته لا تسمح له بسلوك هذا الطريق  كما ان عقليته أكبر من ان تدين للتصوف في العصر المملوكي. ورغم انه اضطر للدفاع عن التصوف في مقدمته إلا أنه كان أقرب للباحث منه الى الفقيه الخاضع للتصوف . وبه تأثر تلامذته من الفقهاء والمؤرخين ، وأبرزهم المقريزى أعظم مؤرخى العصر المملوكى .

 أخيرا  ـ ونختم بالسيوطى( 849 ـ 911 )

السيوطى أحد الأعلام المشاهير،والذى يمثّل سطوة التصوف على الفقهاء فى أواخر العصر المملوكى.  ومنسوب للسيوطى حوالى 600 كتاب ، المذكور منها اقل من رُبع هذا العدد . وليس منها على الإطلاق كتاب أصيل فيه إجتهاد ، مثل إجتهاد برهان الدين البقاعى  فى كتابه (نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور ) .

السيوطى فى مؤلفاته يغلب عليه إنتحال مؤلفات الغير ونسبتها لنفسه ، وهذا ما قاله عنه خصمه المعاصر له السخاوى ، وقد كان السخاوى مع قلة مؤلفاته أفضل كثيرا من السيوطى فى مجال التأريخ والحديث . كما يغلب على السيوطى تلخيص مؤلفات الغير ، ونسبة هذا لنفسه ، وقبيل مولد السيوطى كان قد تم شرح وتلخيص التراث العباسى  ـ فى التاريخ والتفسير والحديث وما يعرف بعلوم القرآن. فجاء السيوطى يعيد شرح ما سبق شرحه وتلخيص ما سبق تلخيصه ، وتفرغ لهذا العبث ـ ولهذا السبب فإن المئات من مؤلفاته لم يهتم بها أحد ، وسقطت فى بئر النسيان ، ولم يبق من الستمائة مؤلف الا ما وقعت عليه أيدينا .

إلا إن الخطيئة الكبرى للسيوطى فى نظرنا هى جُرأته الفائقة على الكذب ، فلم يكتف بزعم أنه يرى الرسول فى المنام بل زعم أن الرسول كان يأتى اليه فى اليقظة ، ويأخذ عنه العلم . وبالتالى فقد أباح لنفسه أن يصنع الكثير من الأحاديث ، يضيفها الى كتاباته فى شروح ما كتب السابقون أو فى مؤلفاته ورسائله على إختلاف موضوعاتها . وندعو الباحثين الجادين الى التخصص فى مؤلفات السيوطى ، وبيان ما إنتحله من السابقين ومدى أمانته فى النقل ، وتوضيح مفترياته فى الأحاديث ، وتناقضه فى مؤلفاته ، وما أضافه وما أهمله . ونسجل هنا ملامح سريعة عن مؤلفات السيوطى : 

  فى شرح وتلخيص مؤلفات السابقين :

فى علوم القرآن :

كان السيوطى خصما لبرهان الدين البقاعى ( 809 : 885 )بطل ما يعرف بكائنة البقاعى وابن الفارض فى عصر قايتباى ، وقد كتب البقاعى كتابين ( تحذير العباد ) و ( تنبيه الغبى الى تكفير ابن عربى ). وقد ردّ عليه السيوطى بكتاب تافه لم يُلتفت اليه ، بعنوان ( تنبيه الغبيّ في تبرئة ابن عربي). ومع هذا الخصومة فقد إستباح السيوطى لنفسه ـ بعد موت البقاعى ـ أن يلخص كتاب البقاعى ( نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور)  وهو أول كتاب فى مناسبة الآيات والسور فى عدة مجلدات ، لم يسبق البقاعى فى هذا الاجتهاد أحد ، وهو منحى جديد فى علوم القرآن . جاء السيوطى فسرق جهد البقاعى فى كتاب صغير تافه ، ومن أسف فإن كتاب البقاعى فى علم المناسبة لم يتم طبعه ونشره حتى عام 1980 ، بينما تم نشر كتاب السيوطى .

وأخطر وأشهر كتب السيوطى هو : ( الاتقان فى علوم القرآن ) . وفارق هائل بين هذا الكتاب للسيوطى وبين ما كتبه القاضى الباقلانى ( 338 ــ 402 ) فى العصر العباسى عن إعجاز وعلوم القرآن . فى كتابه ( الاتقان فى علوم القرآن ) وجّه السيوطى سهامه للقرآن الكريم ، حيث جمع فيه حُثالة ما كُتب من قبل فى الطعن فى القرآن الكريم ومزاعم النسخ والتشكيك فى سور القرآن ، بحيث أن من يريد الطعن فى الاسلام فسيجد بُغيته فى هذا الكتاب.   كتاب ( الاتقان فى علوم القرآن ) يستلزم بحثا مستقلا لا يتسع له المجال هنا ـ يوضح نقول السيوطى من السابقين وإفتراءته على القرآن الكريم . ومع ذلك فهو أهم كتب السيوطى وأكثرها شيوعا . وللسيوطى كتاب ( اعراب القرآن ) الذى نقله من التفاسير المتخصصة فى إعراب الآيات القرآنية . ومثله :( المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب) . وتجرّأ السيوطى على إتهام الكتاب المبين القرآن العظيم بآياته البينات فوصفه بالمُبهم وجعل هذا عنوانا لكتابه (مفحمات الأقران في مبهمات القرآن). ونقل من كتاب النياسبورى ( أسباب النزول ) وغيره فى كتاب (لباب النقول في أسباب النزول  ).  ونقل عن السابقين ما قالوه فى التفسير بالمأثور فى كتابه :(الدر المنثور فى التفسير بالمأثور )

فى الحديث :

 فى شرح كتب الحديث السابقة : له :  ( الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج ) ( شرح سنن ابن ماجه ) ( تدريب الراوى في شرح تقريب النواوي) . وله فى شرح موطأ مالك كتابان ( تنوير الحوالك شرح موطأ مالك) وأيضا (كشف المغطي في شرح الموطأ). وله ( عقود الزبرجد  على مسند الامام أحمد ) و ( شرح السيوطي على سنن النسائي) و ( همع الهوامع شرح جمع الجوامع ) و( مشتهى العقول في منتهى النقول ).

وتابع السابقين  فى جمع الحديث وتزييف وصناعة الأحديث، وله فيها  كتب ورسائل منها   ( لباب الحديث). وكان السخاوى خصما للسيوطى . وللسخاوى كتاب (المقاصد الحسنة فى الأحاديث المشتهرة على الألسنة ). وبعد موت السخاوى نقل السيوطى نفس الكتاب تقريبا بعنوان ( الدرر المنتثرة فى الأحاديث المشتهرة  ) . وللسيوطى أيضا نقلا عن السابقين ( اسباب ورود الحديث) . وجمع الأحاديث الموضوعة عن المهدى فى ( العرف الوردى فى اخبار المهدى ). هذا مع أن ابن القيم الجوزية أكّد فى كتابه ( المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ) أن أحاديث المهدى موضوعة .  

وتناقض السيوطى مع نفسه ، إذ كتب : ( اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة )، وفيه تابع من كتب منتقدا الأحاديث الموضوعة كابن الجوزى فى كتابه عن الموضوع من الأحاديث وابن القيم فى ( المنار المنيف )وابن تيمية فى ( أحاديث القُصّاص ). وله ايضا : ( الانتصار بالواحد القهار) في وضع الحديث . ثم يكتب دفاعا عن السُّنّة : ( مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة) . يعنى تراه يصنع الأحاديث ويستشهد بها ثم يكتب متتبعا الأحاديث المصنوعة التى إختلقها غيره. ومن المهم جدا عقد مقارنة بين السيوطى وأولئك السابقين لمعرفة ما نقل عنهم وما أضاف فى كتابه من أحاديث وضعها عصره .

فى الفقه :

نقل عن السابقين كتابه ( الأشباه والنظائر ) فى اصول الفقه ، وله أيضا ( الحاوى للفتاوى ) ومثلهم كتب فى ( ذم المكس ) و ( أكام العقيان في أحكام الخصيان  ).

وفى علوم اللغة والنحو

نقل عن السابقين :( المزهر فى علوم اللغة ) و ( الأشباه والنظائر فى علم النحو ) و ( عقود الجمان في علم المعاني والبيان) .

وفى التاريخ :

وصل علم التأريخ الى ذروته فى القرن التاسع الهجرى بمؤلفات المقريزى(764 ــ 845 ) وابن حجر (  773 ــ 852  ). وتابعتهم ثلة من المؤرخين عاصرهم السيوطى مثل ابى المحاسن ابن تغرى بردى( 813 ــ 874  ) و السخاوى المؤرخ المحدث ( 831 ـ 902 )  وله كتاب ضخم فى ترجمة أعيان عصره هو ( الضوء اللامع فى اعيان القرن التاسع ) بالاضافة الى كتاب ( التبر المسبوك فى ذيل السلوك ). وابن اياس ( 852 ــ 930  ) فى موسوعته التاريخية ( بدائع الزهور ) فى 11 مجلدا ، عدا مؤلفات أخرى تاريخية .

السيوطى (849 ـ 911 ) لم يؤرخ لعصره ، إقتصر على نقل ما كتبه السابقون على النحو التالى :

إشتهر التأريخ للشخصيات ( أو الطبقات) ، وبدأ هذا مبكرا ب (محمد بن سعد) ت 230 ، فى الطبقات الكبرى ، ثم تابعه آخرون فى العصرين العباسى والمملوكى لتشمل كتاباتهم طبقات العلماء والأطباء والفقهاء والصوفية وأصحاب الحديث والتفسير ..الخ . نقل السيوطى عنهم : (  طبقات الحفاظ ) عن أهل الحديث ، ( طبقات المفسرين ). و له من هذه النوعية: ( اسعاف المبطأ برجال الموطأ ).

وكتب المقريزى موسوعته الضخمة ( المقفّى ) يرصد فيها من جاء لمصر من الصحابة والتابعين ، فنقل عنه السيوطى وكتب كتابا تافها بعنوان (در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة  ). وكتب ابن الأثير ( 555 ـ 630 ) قبيل العصر المملوكى  تاريخ ( الكامل ) الذى استكمل فيه تاريخ الطبرى، وكتب أيضا  كتابا ضخما فى تاريخ الصحابة هو ( أُسد الغابة فى معرفة الصحابة ). وجاء السيوطى بعده بأربعة قرون يلخص هذا الكتاب فى (عين الإصابة في معرفة الصحابة ).

ومن كتب الحوليات التاريخية للعصر العباسى وغيره جمع السيوطى (تاريخ الخلفاء ) فى كتاب بهذا العنوان . وله أيضا فى تراجم المشاهير (نظم العقيان في أعيان الأعيان ) . ونقل بالتلخيص بعض مؤلفات المقريزى فى الخطط وغيرها فى كتاب (كوكب الروضة  ) و (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ). ونقل عن ابن حزم الاندلسى ( 384 ــ 456 ) من كتابه ( جمهرة أنساب العرب ) مؤلفا هزيلا أسماه (لب اللباب في تحرير الأنساب).

كتب المناقب

لم يؤلف السيوطى كتابا فى التأريخ لعصره ، وفى المقابل إهتم بكتب المناقب التى تتحرر من الالتزام التاريخى بالأمانة والصدق، بل تتخصص فى المدح والتمجيد الذى يصل الى درجة التقديس للشخصيات التاريخية ، ولا تتورع عن سبك الأحاديث وصناعة الروايات ، وهذا منحى إستشرى بسيادة التصوف فتحولت به كتب الطبقات الى كتب متخصصة فى الإفتراء بحيث لا يُعوّل عليها فى البحث التاريخى بسبب كذبها ومبالغاتها المفرطة ، وإن كانت صادقة فى التعبير عن عقلية من كتبها . وبها يمكن إلقاء المزيد على عقلية السيوطى الذى كتب الكثير من كتب المناقب وملأها بأحاديث مصنوعة وروايات موضوعة . ونستعرض أهمها :

فى مناقبه الشخصية كتب السيوطى : ( التحدث بنعمة الله -)ذكر فيه بعض علومه وترجمته.و ( ارشاد المهتدين الى نصرة المجتهدين ) ( صفة صاحب الذوق السليم ). وتقربا من السلطان قايتباى كتب ( تاريخ قايتباي ). وفى الهجوم على خصومه كتب ( القام الحجر لمن سب ابا بكر وعمر )و ( الكاوى على السخاوى ). وفى مناقب الخلفاء الراشدين كتب : ( الروض الأنيق في فضل الصديق )( الدرر في فضل عمر  )( تحفة العجلان في فضل عثمان)( القول الجلي في فضل علي ) ، وفى غيرهم : ( إحياء الميت بفضائل آل البيت )( العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية )( الأساس في مناقب بني عباس ) ( تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك ). وفى كل ما سبق نقل عن السابقين واضاف أكاذيب من عنده .

فى التصوف :

بالاضافة الى دفاعه عن ابن عربى أشهر من أعلن عقيدة وحدة الوجود المناقضة للاسلام ـ نرى السيوطى ـ والمشهور أنه فقيه سُنّى ـ وقد وقع صريعا للتصوف وخرافاته ، يكتب فيه وفيها بحماس شديد يتناقض مع كونه سُنيا . عن الطريقة الشاذلية كتب السيوطى  :( تأييد الحقيقة العلية وتشيد الطريقة الشاذلية  ). وعن الأوراد الصوفية كتب : (عمل اليوم والليلة ) و (تحفة الأبرار بنكت الأذكار) وعن الموالد الصوفية كتب (حسن المقصد في عمل المولد ) . وأشاع الصوفية كرامات للولى الصوفى منها ( التطور ) أى تشكل الولى الصوفى وتجسده فى هيئة حيوان أو ملاك ، وكتب السيوطى يؤيد ذلك بروايات وأحاديث موضوعة فى رسالته : (القول الجلي في تطور الولي ) . وكان السيوطى ممّن يزعم رؤية النبى محمد عليه السلام فى المنام وفى اليقظة ، وقد شاع هذا فى عصر سيطرة الحنابلة وعكسه كتابات ابن الجوزى ت 597 فى أواخر العصر العباسى خصوصا فيما كتبه ابن الجوزى فى مناقب ابن حنبل  . ثم أصبحت عقيدة ثابتة فى العصر المملوكى . وكتب السيوطى فى ذلك (  إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء) ( تنوير الفلك في رؤية النبي والملك ) ( الحبائك فى أخبار الملائك )

( إبداعات) السيوطى فى التوافه 

 1 ـ  كتب السيوطى رسائل وكتبا عجيبة ملأها احاديث من إختراعه ، منها : (الأسفار عن قلم الأظفار ) ( بلوغ المآرب في قص الشارب ) و ( الفتاش على القشاش ) ( الفاشوش في أحكام قراقوش  ) ( الطرثوث في فوائد البرغوث  ) ( ما رواه السادة في الاتكاء على الوسادة  ) ( المنحة في السبحة ) ، ( أنيس الجليس  ).

2 ـ وكان يؤلف حسب الطلب ، أو تعبيرا عن موقف ما ، ولا يتحرج من الاستشهاد بأحاديث يصنعها ، كما جاء فى رسالته : ( ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين) و(بذل المجهود في خزانة محمود ( عن استعارة الكتب ) و(أسئلة السلطان قايتباي ) و( حصول الرفق بأصول الرزق  ). و( كشف الصيانة عن مسألة الاستنابة  ).

3 ـ وكانت له كتابات جنسية صريحة ، مثل ( نواضر الأيك فى معرفة النيك  ) و ( رشف الزلال من السحر الحلال  ) و (  شقائق الأترج في دقائق الغنج ) . 

السيوطى بهذا هو ضحية للتصوف . لو إستخدم طاقته العلمية فى الابتكار فى كتاب واحد لأضاف جديدا ، مثلما فعل ابن خلدون فى المقدمة . ولكن السيوطى أضاع حياته عبثا فى جمع مخلفات السابقين وتصنيع أحاديث مزورة ينسبها لخاتم المرسلين ..

       

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أثر التصوف  فى تدهور المستوى العلمى فى العصر المملوكى

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

  أثر التصوف  فى تدهور المستوى العلمى فى العصر المملوكى

1ــ كتب بعض الباحثين رأيا طيبا في العلم في العصر المملوكي يقول (ازدهرت الحركة العلمية والأدبية في أواخر القرن الثامن الهجري واوائل القرن التاسع وحفل القرن التاسع بالأخص بعدد كبير من الأساتذة البارزين في سائر العلوم والفنون وساهم الأزهر الى  جانب المدارس الأخرى  ) [58] والغزالى الصوفي الشهير هوصاحب القول المشهور: ( ليس في الإمكان أبدع مما كان ) ، وتمسك متصوفو العصر المملوكي بتلك الكلمة لترسيخ التقليد وتحريم الاجتهاد ، فوضعوا عليها الشرح مثل محمد المغربي والسيوطي والشاذلي والشعرانى  [60] أى هى طريقة الجاهليين فيما وجدوا عليه آباءهم . وابن الحاج كوافد مغربي لمصر يتعجب لهذه الظاهرة ــ ظاهرة تقليد السابقين واتخاذها سنة مع تعطيل العقل وتقديم طريق الأشياخ عليه.

والصوفية قرنوا دعواتهم لنبذ الاجتهاد بتحصين طريقهم الصوفي من الاعتراض بشتى الطرق . يقول ابرهيم الدسوقي : ( صاحب الجهد قاصر ما لم يقرأ في لوح المعاني سر عطاء القادر ، فقد يعطي المولى من يكون قاصرا ما لم يعط أصحاب المحابر ، وليس مطلوب القوم الا هو ، ( أى الله ) فان حصلوا على ما ارادوا عرفوا بتعريفه كل شيء من غير تعب ولا نصب . ثم ان صحت له المعرفة فلا حجاب له بعد ذلك ) [62]...

والشعراني يفتخر بتصديقه للصالحين في كل ما يخبرون به وأن أنكره العقل ويبيح الاجتهاد لأهل الكشف لاطلاعهم على الأسرار الإلهية بلا نظر وتأمل. وفي نفس الوقت الذي يحرم فيه عن المريد التفكير وإطالة النظر رغبة في الفهم،  ويستخدم في ذلك المنطق المعكوس والتخويف (.... اذ ينبغي التأدب مع الله ولا نتكلم إلا بما نعلم .... ولا نخوض من غير تحقيق .) [64] . ويهدد الشعراني من يختلف مع أحد الأئمة الأربعة ، فيروى قصة عن شخص ألّف كراسة في الرد على أبي حنيفة وعرضها على الشعراني ، فطرده ، ثم وقع لذلك الشخص مكروه اعتبره الشعراني عقابا له على جرأته على أبي حنيفة ، ورفض أن يزوره في محنته ادبا بالإمام أبي حنيفة ، يقول : ( حتى لا أوالى من أساء الأدب معه ) [66] مجلس لامتحان الهروي ــ قاضي القضاة ــ وقد ادعى حفظ اثنى عشرة ألف حديث بأسانيده، وحضر السلطان المجلس مع العلماء ، وظهرت في روايات ابن حجر في ذلك المجلس العلمي ــ وكان حاضرا ــ تفاهة الأسئلة وسطحية الإجابات مما لا يتفق مع شهرة أسماء الحاضرين . [68] ..

وفي مناظرة بين ابن مغلى والسيرامى حضرها السلطان المؤيد شيخ تبارى المتناظران في الحفظ وصاح المنتصر في النهاية: ( مولانا قاضي القضاة حفظه طاح ) [70] الذي كان المقياس العلمي للعصر المملوكي ...

5 ــ وقد وضعت "الفوائد" للتمتع بدوام نعمة الحفظ . يقول الابشيهي : ( اذا أردت أن لا تنسى وكذا أردت ان ترزق الحفظ ، فقل خلف كل صلاة مكتوبة : بالله الواحد الأحد ....... الخ .. ومن فوائد سيدي الشيخ صالح بن عجيل في الحفظ : يقرأ في كل يوم عشر مرات: ففهمناها سليمان ...... الخ .. ) [72]  وذلك منتظر من ابن خلدون الذي كان نادرة لا ينتمي لعصره المملوكى.

7 ـــ ولم يكن غريبا أن يخاف أولئك ( العلماء) في العصر من تهديد الصوفية لهم بسلب العلم والقرآن ،أي سلب ما لديهم من الحفظ ، الذي هو كل محصولهم العلمى ، مما يعد دليلا على ضعف الشخصية العلمية وهبوطها العقلي الذي يعتمد أولا وأخيرا على مجرد الحفظ ، ويعتقد في قدرة الكرامات الصوفية على محو ذاكرتهم وما يحفظونه ، فتخشاهم إبقاء عليها. وترددت كرامات فى تخويف أولئك العلماء بسلب ما يحفظون ، وكان لها أبلغ الأثر فى تدعيم سٌلطة الصوفية من ناحية ، وفى هبوط المستوى العقلى والعلمى من ناحية أخرى.

8 ـ وفي الوقت الذي أصبحت فيه خرافات التصوف علما  ـــ حوربت العلوم العقلية ، فالسيوطي قد ألّف : ( الغيث المغدق في تحريم المنطق )،  وجاء شخص للشيخ الفتوحي الحنبلي قاضي القضاة يريد ذلك الشخص أن يقرأ عليه شيئا من المنطق فقال له " يا ولدي قد صار الفقه ثقيلا على قلبي ، فما بالك بعلم أفتى بعض العلماء بتحريم الاشتغال به ) [74] في الانكار على من اشتغل في الفلسفة ، وهاجم الفارابي وابن سينا  [76] . والسيوطي خير ما نتخذه مثلا للعلم المملوكي فمن عادته أن يفخر  ( بالسرعة لا بالتدقيق ) [78] . هذا ما قاله بعض الباحثين المعاصرين .

وأقول إن القارىء للسيوطى يشعر أن السيوطي بأنه لا يستعمل عقله فيما ينقله. ففي إجابته عن سؤال أين تذهب الشمس بعد الغروب قال بأنه " يبتلعها حوت وتغرب في عبن حمئة ، وقيل انها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول يا ربي ان قوما يعصونك فيأمرها بالرجوع ، وقال اما الحرمين وغيره لا خلاف في ان الشمس تطلع عند قوم وتغرب عند آخرين والليل طويل عند قوم وقصير عند الآخرين وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار مستويين "  ) [80] ويقول : ( يكاد العلم والأدب والفن قد انتهى فى العالم العربي بانتهاء القرن الخامس ، وربما تولد شيء في القرن السادس من الابتكار والتجديد ،أما بعد ذلك من ابتداء القرن السابع وحتى النهضة الحديثة (العصرين المملوكي والعثماني) فيكاد يكون ترديدا لما فات ، تجميعا لمتفرق او تفريقا لمتجمع" ) [82]..

والواقع انه قد ظلم العنصر الفارسي الذي أسهم فى الحياة العلمية في القرون السابقة، كما  ان هجوم التتر لم يكن مانعا من الاجتهاد العلمي ، بل أنه ألهب حماسة العلماء لتعويض ما دمر  من مؤلفات ، وكان العلماء العرب أساتذة للصليبيين ، وانتشار العصبيات لا يعوق الحركة العلمية بل قد يدفع للمنافسة بينها ، وما ذكر عن سقوط المعتزلة صحيح وان لم يعلل ذلك السقوط  بانه كان هزيمه مبكرة للإتجاه العقلى أمام الحنابلة فى العصر العباسى الثانى . وكان هذا قبل العصر المملوكى بقرنين على الأقل ,

ويقترب باحث اخر من الحقيقة حين يقول مترفقا ( ومن سمات العصر قوة التصوف ولعل ذلك من عوامل  ضعف الحركة العلمية،  فإن العلم يعتمد على العقل والفكر على حين يعود التصوف الحق على الذوق والوجدان ) [84] ..  ...

10 ــ وبعدٌ ..

فإن تاريخ العلم يختلف عن التاريخ السياسي لأمة من الأمم.  فمن الممكن أن تبدأ أُمّة بالضعف ثم تصل إلى القوة والشباب ثم تنحدر للضعف والانحلال . وهذا واضح فى مسيرة التاريخ الانسانى . إلا إن التاريخ العلمى ليس حتما أن يرتبط بهذا الخط البيضاوي البياني ، كما لا يرتبط تاريخ العلم في امة ما بقوتها السياسة، بل ربما تزداد القوة العلمية لأمة ما في عصر ضعفها بل تفككها السياسي، فالمسلمون تفرقوا دولا وأمراء في القرن الرابع الهجري وهو عصر الازدهار العلمي ، بل إن الأمة المهزومة قد تنتصر علميا على الفاتحين الجهلاء وفي التاريخ امثلة كثيرة ( أثينا مع اسبرطه والعرب مع البلاد المفتوحة والتتار مع العرب والصليبيون مع المسلمين والأتراك مع المصريين في الفتح العثماني ) .

العلم في الطريق الطبيعي ـ بدون عوائق ــ يسير في صعود وتقدم ، ويتوقف وينحسر ويذبل وينتهى إذا وُوجه بالجهل الذى يتمسح بالدين .

العلم فى أوربا ظل فى تقدم فى اليونان ( سقراط / افلاطون / ارسطو / جالينوس ..الخ ) ، وتلقّح بالحضارة الفارسية فى عهد الاسكندر الأكبر وخلفائه ، ثم قام الرومان بالبناء عليه ، ثم تحكمت الكنيسة فى العقل الأوربى فتوقفت مسيرة العلم الأوربى . العلم فى تاريخ المسلمين حمل الراية بعد اوربا بترجمة مؤلفات الاغريق وغيرهم ، والنقل عن الحضارات السابقة ـ أوربية وفارسية ـ وبنى عليها ، وظل فى تقدم إلى ان أوقفه الحنابلة باسم ( السّنة ) وأنها وحى سماوى، وجعل ( علوم السنة ) من حديث وتفسير وعقائد ( علم الكلام ) وما يسمى بعلوم القرآن ــ بديلا عن العلوم الحقيقية الفلسفية والطبيعية . ثم قضى التصوف بالتدريج على ما تبقى من ( العلوم السنية ) ، ووصل بالحياة العقلية الى الحضيض. هذا ، فى الوقت الذى بدأت فيه النهضة الأوربية بترجمة المؤلفات العربية ـ فى عصر الازدهار العلمى ـ والبناء عليها ، وإكتشاف المنهج العلمى التجريبى فى العلوم الطبيعية والذى دعا اليه القرآن الكريم ، كما إتبعوا دعوة القرآن فى السير فى الأرض ــ كل هذا بدون معرفة بالقرآن ـ ولكن وصلوا للمنهج القويم علميا لأنهم بدأوا الخطوة الأساس وهى تحجيم دور المسيحية وأربابها وتحريم تدخلها فى السياسة والتفكير وحظر تجولها فى الشارع ، وسجنها داخل أديرتها وكنائسها . بهذا إنطلقت أوربا تكتشف العالم وتستعمره ، وتكتشف البخار والقوى الكهربائية وتخترع ، ودخل بها العالم فى مسيرة علمية تتقدم الى الأمام حتى الآن ـ بعد أن تحرر العقل والفكر من تحكم المسيحية وكنيستها . ومن أسف أنه فى الوقت الذى كان فيه الشعرانى يسجل بطولاته الوهمية مع الجن وأسفاره الوهمية حول العالم ، وفى الوقت الذى عاش فيه المسلمون يفكرون فى ( جبل قاف ) وقدرة الولى الصوفى على تحريك الجبال وهزيمة الجيوش كانت أوربا تكتشف العالم الجديد ، وتجرّب إستعمال البخار قوة متحركة . وظل المصريون فى سُبات عميق الى أن أيقظتهم مدافع نابليون وهى تدكُ الأزهر ، فهرع شيوخ الأزهر يقاومون مدافع نابليون بتلاوة صحيح البخارى و ( دلائل الخيرات ) . وبعودة الحنبلية الوهابية تتحكم فى عقلية مسلمى اليوم عادت خرافات الأحاديث وعجائب الفتاوى الفقهية تصدر الساحة تحمل إسم الاسلام .

 

 

 

 

 

 

 

 

أثر التصوف  فى الاتجاهات ( العلمية ) فى العصر المملوكى

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 أثر التصوف  فى الاتجاهات ( العلمية ) فى العصر المملوكى

 تنقسم هذه الاتجاهات إلى مؤلفات بأكملها ثم الى تفريعات داخلية . ونمثل لكل منها :ــ

1ــ وضعت مؤلفات في أصول صوفية كالولاية. وللسيوطي رسائل وكتب في تطور الولى ورؤيته النبي والملك وفضائل آل البيت وفضائل المسبحة وعمل اليوم في الأوراد [86] . واهتم المؤلفون بكتب الزوايا والمناقب وحكايات الصالحين مثل الكواكب السيارة لابن الزيات وتحفة الأحباب للسخاوي، وألف الميقاتي احد مشايخ الزوايا "غرائب الأخبار" في حكايات الصالحين وجمع كتابا فيه قبور الصالحين بالقرافتين   [88] ويذكر ان الأبشيهي فى كتابه ( المستظرف فى كل فنّ مستظرف ) تابع ابن عبد ربه في كتاب ( العقد الفريد ) وزاد عليه الابشيهى ــ متأثرا بالتصوف ــ مناقب الصالحين وكرامتهم وذكر فصلا عن التصوف والوجد [90] . وللسيوطي رسالة أخرى في حياة الأنبياء في القبور .

3 ــ وساد الاعتقاد في الاتصال بالجان وتشكلهم وتجسدهم الحسي امام الأولياء، فوضع الشبلي كتابا هاما في أحكام الجان، وتابعه الشعراني الذي فى كتابه ( الران ..)

4 ـ والشعرانى قصر كتابا آخر هو (المنن الصغرى) على الهدية وأحكامها حيث كانت النذور ــ أو القرابين ــ تنهال على المتصوفة من النساء والرجال .

5 ــ  وشارك أولياء الصوفية فى الانحلال الخلقي في العصر المملوكي ، وتلون تصوفهم بهذا اللون السيء ، وعكست بعض المؤلفات مظاهر ذلك فيما يعرف بالأدب المكشوف،  فالسيوطي له منام " رشف الحلال الزلال "ل جعل فيها عشرين إماما من أئمة المعرفة يتحدثون بالتفصيل عن ليلة زفافهم كل بأسلوب علمه. وله أيضا (دقائق الأترج فى دقائق الغنج ). وفصل تحت هذا العنوان رسالة بأكملها أسندها للحور العين ولم ير فيما ذكره عيبا.

6 ـ ونشر الصوفية الشذوذ الجنسى وجعلوه من ملامح عقيدتهم وعبادتهم ، فردّ عليهم فقهاء سنيون مثل ابن تيمية فى كتابه (التنفير من الأمرد) وقال فيه :" وأما من نظر إلى الأمر ظانا أنه ينظر الى مظاهر الجمال الإلهي وجعل ذلك طريقا إلى الله كما يفعله طوائف المدعين للمعرفة فقوله هذا اعظم كفرا من عبادة الأصنام ) [92].....

6 ـ واكتشف الصوفية الحشيش ونادي بتشريعه وأنه حلال ، فألف الزركشي رسالة في الرد على من نادى من الصوفية بحل الحشيش.

7 ــ وأشاعت دعوات المتصوفة جوا من الاتهام السريع بالكفر ، فوضع الرشيدي رسالة جمع فيها الألفاظ المكفرة على عهده.  ولابن حجر رسالة فى ( الخصال المكفرة ) [94] ، وشاعت ثقافة تزكية النفس والغير ، فانتشرت كتب المناقب حتى أن السيوطي عدّد مناقب البرغوث في رسالة ( الطرثوث في فوائد البرغوث).  وكثرة  مؤلفات السيوطي وكثرة ما جمعه وضعف شخصيته العلمية اوقعه في التناقص في المؤلفات،  فبينما وضع رسالة (ليس في الإمكان ابدع مما كان) وضع أخرى في (الرد على من جهل ان الاجتهاد فرض) وبينما جمع الحديث صحيحا وموضوعا في الجامع الكبير ألف رسالة ، فيمن يروى الموضوع من الحديث...

9ــ والتفريعات الخاصة بالتصوف والمتأثرة به أكثر من أن تستقصى، واهمها عن الكرامة وصلتها بالمعجزة  [96] والخضر وحياته،  وزيارة قبر النبي عليه السلام  [98] تأثرا بالكشف الصوفي ، وأثر جبل قاف في احداث الزلازل في الأرض  [100] تأثرا بما أشيع عن كرامات الأولياء الذين يركبون السباع . وبحث السبكي وغيره في معنى حديث (كنت نبيا وادم بين الماء والطين )من خلال العقيدة الصوفية (الحقيقة المحمدية الصوفية )  ، وألف الأزرعي كتابا في الفقه سماه (الغوث ) [102] في ترجمة ابن الديري أنه (ألف الكواكب النيرات في وصول الثواب للطاعات إلى الأموات ) اقتفى فيه أثر السروجي مع زيادات كثيرة .... والسهام المارقة في كبد الزنادقة وفتوى في هل تنام الملائكة ام لا) إلى غير ذلك من أمور يهتم بها المتصوفة والمتأثرون بهم ...

أثر دعوى العلم اللدنى الصوفية فى الزعم بعلوم وهمية

أُكذوبة العلم اللدني الصوفية تفرع عنها ادعاء الكثير من العلوم التي اختلفوا في تحديد أسمائها واتفقوا في انها من خصائص الأولياء دون غيرهم،  وكلها محض اختلاق..

فالمرسي كان يتحدث في ( العقل الأكبر والاسم الأعظم والأسماء والحروف ودوائر الأولياء واعداد الأذكار ومقامات الموقنين والملائكة المقربين ، ويوم المقادير وشان التدبير وعلم البدء وعلم المشيئة وشأن القبضة ورجال القبضة وعلوم الأفراد )......الخ  ) [104] . وزعم الدسوقي علم الدنيا والأخرة وعلم سدرة المنتهى وعلم الساعة وكلام الغيوب واللوح المحفوظ ، وعلم أسماء المنكرين عليه وعلم القدرة الأبدية ، وعلم الموت الذي يقبض به عزرائيل الأرواح، وعلم الأسماء المكتوبة على شجرة المنتهى  ، والعلم الذي تسير به الرياح والسحاب الذي ينزل به الغيث والعلم الذي يصعد به الملائكة السماء، وعلم  الاسم الأعظم ، وحفظة الاسم الذي ينزلون به الى الأرض ......) [106] وقال المتبولي (أعطيت استخراج العلوم من القرآن العظيم من فقه واصول وبيان وجدل وعروض وغير ذلك  ) [108]  

بعيدا عن تلك الخرافات الصوفية نذكر ان اهم علوم اشتهرت عند الصوفية هي الحرف والكيمياء وكيمياء الرمل .... وبهم إشتهرت  في العصر المملوكي ...وقد سبق التعرض لها فى مبحث التحايل فى الجزء الثالث عن أثر التصوف فى الانحلال الخُلُقى ، فى موضوع التحايل من كتاب ( أثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) . فلا داعى للتكرار .

 وهكذا فإن تلك ( العلوم الصوفية ) ــ ان صح وصفها بالعلوم ــ قائمة على أن أساس الادعاء ولا يصلح ذلك أساسا لأي منهج علمي ، فهي لا تختلف عن الأنواع الخرافية من أسماء العلوم التي ذكرت في اول المبحث.

 

 

 

 

أثر التصوف فى (التفسير) في العصر المملوكي :

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

ولكن كيف شارك الصوفية في العلوم السنية القائمة فعلا..؟ أسهموا في جمودها وتأخرها من واقع النظرة العامة للعلم . ونبحث بالتفصيل الأثر الصوفي في التفسير والحديث والتاريخ كأهم مواد علمية اهتم بها الصوفية . على أن اهتمامهم اقتصر على مواضع بعينها من هذه العلوم كتفسير آيات محدده وشرح احاديث خاصة بعضها موضوع بجهدهم هذا مع ترويج بعض الأحاديث الموضوعة من غيرهم طالما تخدم دعوتهم .ونبدأ بأثرهم فى التفسير .

اثر التصوف فى ( التفسير ) في العصر المملوكي

لمحة عن ( علم التفسير قبل العصر المملوكى )

1 ــ تعهد الله سبحانه وتعالى أن يضمن حفظ قرآنه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9 ، وذلك حتى لا يتعرض القرآن لمثل ما تعرضت له الكتب السماوية قبله من تأويل وتحريف ــ إلا أن أصحاب الأهواء ــ  وقد عجزوا عن النيل من نصوص القرآن   ــ ركزوا همهم في التلاعب بمعانى القرآن بما يعرف بالتفسير والتأويل واخضاع المتشابه من الآيات الى مفاهيمهم ، وهو جهد تنبأ القرآن بحدوثه في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) آل عمران : 7 )،

2 ــ ومن البداية نعتذر مقدما من إضطرارنا لاستعمال كلمة ( التفسير ) ، ونعلن أنها تكذيب لتأكيد رب العزة بأن القرآن كتاب مبين وأن آياته مبينات ، وأن بيان القرآن فى القرآن وتفسير القرآن بالقرآن . وأن إستعمال كلمة ( التفسير ) فيه إتهام لرب العزة بأنّه ـ تعالى عن ذلك علُوا كبيرا ــ أنزل كتابا ناقصا يحتاج للبشر لاستكماله ، وأنزله غامضا يحتاج من البشر الى تفسير وتأويل ، وأنه أنزل كتابا تتناقض أحكامه ويُلغى ـ أو بزعمهم ـ ينسخ بعضها بعضا ، أو أنه أزل كتابا محليا مرتبطا بمواضع النزول مقتصرا عليها ، لا ينفع الناس الى يوم القيامة ، أنه أنزل كتابا ليكون فى الدرجة الثانية بحيث تكون أقاويل البشر فى  (السُنّة ) وأقاويل المفسرين وآراء الأئمة حكما على الآية القرآنية ، فلا يؤخذ بآية القرآنية إلا إذا كان أقاويل البشر مؤيدة لها ، شأن التلميذ الذى لا يؤخذ برأيه إلا إذا كان معه ولى أمره .!! . تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . إنه الشطط الذى وقع فيه أئمة السنيين والشيعة والصوفية ، والذى ترتب عليه إتهام القرآن الكريم بأنه ( حمّال أوجه ) يعنى متناقض وفيه الرأى ونقيضه . ونتبرأ مقدما من هذا كله ونُنزّه عنه رب العزة وكتابه الفرقان الذى أُحكمت آياته ثم فُصّلت من لدن حكيم خبير ( هود 1 ).

3 ــ من بدايته عرف علم ( التفسير) السُّنّى ما يعرف بالاسرائيليات، واصطنع البعض (التفسير بالمأثور)، ولو كان هناك فعلا تفسير بالمأثور قاله النبى ــ حسبما يزعمون ـ لتوقف عنده ( علم التفسير ) ، ولم يجرؤ أحد على الكتابة بعد أن قال النبى القول الفصل فى التفسير . ولكن أنكر ابن حنبل نفسه التفسير بالمأثور فى قوله المشهور : ( ثلاثة لا أصل لها : التفسير والملاحم والمغازى ) . لم يقتنع أحد بصُدقية هذا التفسير بالماثور ، أو بصحة إسناده للنبى والصحابة ، فتكاثرت ( تفاسير ) القرآن فى العصر العباسى الثانى وبعده برعاية الفقهاء  السنيين ، تحمل وجهات نظر أصحابها ، وتحمل ملامح ثقافته وتخصصه وإتجاهاته ، من الطبرى فى بداية العصر العباسى الثانى الى القرطبى وابن كثير فى العصر المملوكى ، وتنوعت إتجاهاتهم ( التفسيرية ) بعضهم يغلّب فى تفسيره علوم اللغة والنحو ، وبعضهم يثرثر بالروايات وأسباب النزول ، ومعظمهم يرصّع تفسيره بالأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين الذين ماتوا دون أن يعلموا شيئا عمّا أسندوه اليهم من أقوال.

4 ــ أضحى القرآن الكريم مجالا للتلاعب السُّنّى ، خصوصا مع ما يسمى بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن وفى تدوينه ، ومزاعم النسخ بمعنى إلغاء الأحكام التشريعية والزعم بتناقضها وإلغاء بعضها البعض . ثم دخل الميدان الصوفية الاتحاديون يحاولون ربط عقائدهم بالقرآن بالتأويل في التفسير والوضع في الحديث ، والصوفية الآخرون كان لهم جهدهم في شرح بعض الآيات بما يخدم غرضهم، ويكفى أنهم أرسوا في الأذهان أنهم اولياء الله المقصودون بقوله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) مع ان الولاية والتقوى والإيمان والخشوع كلها صفات عامة مطروحة أمام جميع البشر  وعليهم أن يتحلوا بها لو شاءوا الهداية ، وليس هناك من ولى دائم بسبب الصراع المستمر بين الخير والشر في نفس كل إنسان، تلك النفس التى وصفها سبحانه وتعالى بقوله ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )الشمس : 7 : 9 ، ولأمثال أولئك يقول تعالى عمن يسبغون ما شاؤا من صفات على أنفسهم (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ) النجم : 32 ، ويقول (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران : 188 ، ولو أنصفوا لنظروا في حالهم ــ وقد اتخذوا بدافع من انفسهم هم ــ ودون اختيار من الله ــ اولياء لهم، ثم لم يكتفوا بذلك بل توسلوا بهم واعتقدوا فيهم المنفعة والضرر وأضفوا عليهم التقديس والتأليه ، مع أن الولى بهذا المفهوم لا يكون إلا الله تعالى ، وسبق أن رب العزة ردّ عليهم مقدما ، في قوله تعالى (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الشورى : 9 ، ويؤنبهم (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر : 36 ..والتفاصيل فى هذا سبقت فى كتابنا ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) و ( أثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية / الجزء الأول الخاص بالعقائد ).

ولقد سبق المستشرقون في بحث جهد الصوفية في التفسير. فيرى نيكلسون (أن القرآن في جملته لا يصلح لأن يتخذ أساسا لأي مذهب صوفي ،ومع ذلك فقد استطاع الصوفية بالتأويل شرح بعض الآيات بما يخدم غرضهم، وادعوا أن كل آية في القرآن تخفى وراءها  معنى باطنا لا يعرفه إلا الأولياء )  [110]) .

وأقول ويتجاهلون  أيضا الآيات التي تنهى عن اتخاذ الدين لهوا بمثل ما يفعلونهم في ذكرهم القائم على الرقص والغناء والموسيقى في بيوت الله كما سبق بيانه بالتفصيل فى الجزء الثانى ( كتاب العبادات)/ ( فصل الذكر ) من كتاب ( الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) .

وقد يستنكف البعض من الاستشهاد بكلام المستشرقين (سيىء النية) مع ان الحق ينبغي اتباعه بغض النظر عن شخصية قائله .  ولذلك فإننا سنعيش مع التفسير الصوفي ولن نجد فارقا بينه وبين اقوال المستشرقين عنه.

إتجاهات ( التفسير الصوفى)   :

 ( التفسير) الرمزى :ــ

1 ـ الرمز هو الذي دخلوا به لتفسير القرآن على هواهم تحت اصطلاح الإشارات التي حدثنا عنها جلود زيهر آنفا .ويعترف شيخ الأزهر الأسبق ( الصوفى ) عبدالحليم محمود بهذا ، فيقول : (كان للصوفية في التفسير اسهامات واعترافات يسمونها إشارات) الا انه يرى ان تلك الإشارات ( لا تتعارض مع التفسير المألوف) وهو ما لا نسلم به ــ ويرى في نفس الوقت أنها ــ أي الإشارات ــ ( لا تحل محله ) [112]  ( ابن عطاء : لطائف المنن : 110 ) ، ويعني بهم المتقين من المسلمين العاديين . وواضح أنه يفضل الصوفية على غيرهم حتى من اتقياء المسلمين فيجعل الله سبحانه وتعالى يعطى قداسة للصوفية من دون الخلق واوصلهم بكرمه إلى طاعته اما غيرهم من الطائعين لله بدافع من انفسهم فقد هداهم الله ووصلوا بطاعتهم هذه الى كرم الله الذي حصل عليه الصوفية بلا عناء .وهذا يعنى وصفا لله جل وعلا بالتحيّز للصوفية ، وإتهاما له عز وجل بالظلم ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .!

ومن السهل الرد على هذا التفسير لابن عطاء ، وذلك بتوضيح المراد من الآية بأكملها لا مجرد الاجتزاء بنهايتها ،  فالآية الكريمة هى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)( الشورى 13 )، وهى تتحدث عن وحدة العقيدة والتشريع لدى الرسل، وأن الهدف إقامة الدين وعدم التفرق فيه ، وأن ذلك من شانه ان يثقل على كاهل المشركين حين تتم دعوتهم الى الحق ، والله جل وعلا يجتبى ويختار ويصطفى من يشاء ليكونوا رسلا ، ويهدى الى الحق من يريد من البشر الهدائة ، وينيب ويؤوب ويتوب الى الله جل وعلا. فالرسل هم المقصودون بلفظ (يجتبي) بدليل ان الرسل دائما بالاختيار والاصطفاء ( ص 47 ) ( الحج 75  ) ( الانعام 124 ) ، وهداية البشر هى البداية ، ومن يشاء من البشر أن يهتدى يزده الله جل وعلا هدى ( محمد  17 ) ( مريم 76  )( العنكبوت 69 ).

التأويل الصوفى

1 ــ وبعض ( إشاراتهم ) فى ( التفسير )  استخدمت ( التأويل ) الذى إشتهر به الشيعة والمعتزلة ــ  في التلاعب بالنص القرآني ، حتى لو كان النّص القرآنى واضحا صريحا .  ففى قوله سبحانه وتعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ  أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)( الشورى 50) نرى أبا العباس المرسي يقول ( "ذكرانا " يعني علوما ، "اناثا " يعني حسنات ، "عقيما " يعني لا علم ولا حسنة) [114]فالبقرة هنا هي النفس ، وفي قصة موسى العصا وهي الدنيا ) [116].... أي من ذل نفسه يشفع .

5 ـ ولم يتورع بعضهم عن إضفاء القدسية على تفسيره كالمرسي الذي قال عن سورة التين : ( تفكرت فى معنى هذه الآية فكشف لي عن اللوح المحفوظ فإذا مكتوب فيه لقد خلقنا انسان في احسن تقويم : روحا وعقلا ، ثم رددناه أسفل سافلين : نفسا وهوى ) [118] ، أى إن عيسى عليه السلام قال لربه جل وعلا ( فلما أدخلتنى فى الدائرة الوفائية ، أى الطؤيقة الوفائية ، وصار من أتباع ( على وفا).!!

4 ـ ويحكي الشعراني عن شيخه الأمى ( الخواص ) قدرته على استخراج (240999) علما من سورة الفاتحة وحدها )..وهذا ما نقله جولد زيهر متعجبا فى كتابه ( مذاهب التفسير الاسلامى : 280 ).

ونقل الشعرانى ( تفسير) شيخه الأمى الخواص لسورة الكوثر ، ونقرأ الأعاجيب، قال : ( اذا الشمس لطفت وباسمه الباطن ظهرت ولم تظهر ولم تبطن، انك لعلى خلق عظيم ، وانقسمت بعد أن توحدت،  ثم تعددت وانعدمت بظهور المعدود. والقمر  إذا تلاها. ثم نزلت بما عنه إنفصلت ، لما به اتصلت واتحدت . والنجم اذا هوى.  ثم تنوعت بالأسماء واتحدت بالمسمى ، وظهرت في اعلى عليين الى اسفل سافلين ، ثم رجعت الى نحو ما تنزلت.  ولولا دفع الله الناس بعضهم بعض لفسدت الأرض.  وبالجبال سكن بيدها وبعدها هو فسادها . ثم تصفت وبعدت فيما وصفت به اتصفت وما اتصفت إلا لما خلقت ، واغرقت فحشرت ، وباعمالها انحشرت. ولوحوشها انتشرت . كل ميسر لما خلق له. كل يعمل على شاكلته ......) إلخ. ويستمر الخواص في هذا (التفسير ) العجيب إلى أن يصل إلى قوله تعالى( واذا السماء كشطت) فيقول : ( لا أطيق التعرض لمعناه . )

ويعلق الشعراني منبهرا : ( وهذا لسان لا اعرف له معنى على مراد قائله. وإنما ذكرته تبركاً )...( الطبقات الكبرى للشعرانى : 2 / 145 : 146  ).

5 ــ وفى ( ميعاد الحنفى ) ــ أو الندوة ( العلمية ) التى كان يعقدها الشيخ الصوفى الأمى شمس الدين الحنفى ـ كان يقول ما يرد على خاطره من تخريف ، بزعم ( التفسير ) ويجد المستمعين يصرخون به وجدا وإعجابا. وفي مناقبه قيل عنه: (ثم تكلم في علوم التفسير بكلام فيه رموز عجيبة واشارات غريبة ، ودقّق في الكلام حتى خرج عن الافهام. ).! وعبارة (حتى خرج عن الأفهام) تتردد كثيرا فى ( مناقب الحنفى ) للتأكيد على مقدرته الفذة في فروع العلم . ولم يرد في كتاب مناقبه شيء من ( تفسيره ) ، إلا أننا يمكن أن نتعرف على مقدرته في التفسير مما جاء في المناقب من شرحه  فى ندوته العلمية لقول الناس (يا فقيه . فق فاقه . يا صريم الناقه . قلت له قوم صلي . قام جرى في الطاقة) يقول كاتب المناقب وقد نقل ذلك عنه الشعراني بنصه (وجعل سيدي يتكلم في هذا المعنى بالأسرار العجيبة والإشارات والرموز والعبارات حتى أذهل العقول وخرج الكلام عن الأفهام وارتفعت الأصوات بالصراخ والصياح وكثر الضجيج ........ الخ .... حتى تعين للحاضرين أن القيامة قامت .......وقد كان من بين الحاضرين قاضي القضاة شهاب الدين العجمي وقضاة المحلة وأعيانها) [120]...( طبقات الشرنوبى : مخطوط 2 : 4 )

ومن هذا النوع من التفسير ذكر المؤرخ ابو المحاسن تفسير للشيخ (على وفا ) وهو شيخ صوفى مشهور مع كونه أميا . ( المنهل الصافى : مخطوط : 4 / 166 ).

وتعرض هذا ( التفسير ) لانتقادات متفرقة من بعض الفقهاء المؤرخين . وفى  تاريخ قاضى شهبة عن الشيخ صلاح الدين الشاذلي أنه كان (يتعرض لتفسير القرآن على طريقة بعض الجهلة فأتى بأشياء منكرة ) [122]( إنباء الغمر بأبناء العمر : مخطوط 1023 : 1024 ).ومع ذلك فإن ( التفسير) اللدني أعتبر كرامة للصوفي يعبر عنها أحدهم بقوله (فمن ذلك اليوم فتح على في فهم القرآن  ) وهذا ما ذكره ابن الزيات فى كتابه : (الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة: 263 ) .

وافتخر الشعراني بتسليمه للعارفين في تفسيرهم اللدني وإن خالف جمهور المفسرين (فان تفسير أهل الكشف اعلى من تفسير غيرهم لعدم تغيره في الدنيا والآخرة بخلاف تفسير أهل الفكر والفهم  )  [124] وشرح الشاذلي حديث ( من شغله ذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما أعطى السائلين) ويعطي الشاذلي انطباعا بان شرحه هذا يوحي إليه من الله او  الرسول ،يقول : ( سمعت الحديث الوارد عن الرسول عليه السلام : انه ليغان في قلبي ــ فأشكل علىّ معناه فرأيت الرسول وهو يقول لي يا مبارك ذاك غين الأنوار لا غين الأغيار) ومصطلح ( الأغيار ) يعنى غير الصوفية ، وهو تعبير ومصطلح جديد نبت بعد القرن الثالث الهجرى ، ولم يكن معروفا من قبل ، ولكن الشاذلى ـ بجرأة شديدة ـ يفترى ان النبى جاءه فى المنام بهذا التفسير الصوفى لحديث تم إختراعه من قبل . ويفسر آخر الحديث المشهور الذى يزعم : ( ينزل ربكم في كل ليلة الى سماء الدنيا .. ) بأن سماء الدنيا هو الرجل العارف ،  [126]..وسنتوقف معه فيما بعد .

 الصوفية وتزييف الأحاديث...

1 ــ بعد أن أوضحنا رأينا فى موضوع الحديث نبدأ بما قاله بعض من سبقنا من الباحثين ، فيرى الدكتور عبدالحليم محمود ان عوامل الوضع للحديث هى : ان بعض الناس كاذبون بطبيعتهم فكذبوا على الرسول عليه السلام، وبعضهم يسيطر عليه مذهب من المذاهب او نزعة من النزعات فيكذب على الرسول عليه السلام تأييدا لمذهبه وتأكيدا لنزعته وارضاء لهواه، وبعضهم دخل الإسلام ليكيد له، وآخرون استباحوا الكذب على رسول الله والإسلام في سبيل موعظة الآخرين وهدايتهم.  [128] وتابعهم كثيرا من المتصوفة حيث نشأ التصوف في أحضان التشيع .

2 ـ ونعود إلى الصوفية ونذكر أن بعض أئمتهم اتهم بالوضع في الحديث مثل ذي النون المصري في القرن الثالث . وقد اعترف المناوى بأسبقيته في التصوف وفي الوضع في الحديث لذا يقال عنه أنه ( اول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال ومقامات الأولياء وكان زاهدا ضعيف الحديث ) [130] أي أن ذا النون سمع جبريل يخاطب محمدا عليهما السلام .! والأكثر من هذا ما يذكره المؤرخ الصوفى عبد الرحمن السلمى أن ذا النون المصرى انفرد برواية ( حديث قدسي ) يزعم أنه سمعه من رب العزة رأسا ، ويظهر الانتحال في هذا الحديث  واضحا ، فيدعي ان الله يقول (من كان لي مطيعا كنت له وليا فليثق بي وليحكم علىّ ، فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له ) [132] . وقبيل العصر المملوكي وصف احدهم بانه (كان متسامحا في باب الرواية متساهلا فيه إلى غاية .! ) [134] . وهذا شيء طبيعي في عصر كان العلم مجرد الجمع والنقل ، فكان مقياس الاجتهاد العلمي في الحديث هو جمع أو حفظ أكبر كمية منه ، فقيل مثلا في مجد الدين الطبري أنه اهتم بحديث النبي عليه السلام ( وجمع منه مالم يجمع لأحد ) [136] ، ومن ناحية أخرى يذكر كل ما يحفظه من احاديث يقال انها صحيحه او موضوعة في مؤلفاته الكثيرة ، ومنها رسائله التي خصّص بعضها فى إيراد الأحاديث في حادثة عرضت له او سأله أحد فيها ، وكان يخترع لها أسانيد من عنده بلا حياء أو خجل ، أي أنه استخدم الأحاديث لأغراضه الشخصية، فحين عرضت له ازمة مع قايتباي وضع رساله تنهى عن التردد للملوك،  وانكروا عليه لباس الطيلسان فألف: ( الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان) مع أن الطيلسان لباس فارسي لم يعرف إلا بعد العصر الأموي [138] , وزعم فى كتابه ( حًسن المحاضرة ) حديثا يمدح مدينة الجيزة المصرية ، ويورد أحاديث مختلفة فى فضل مصر وفى ذمها أيضا .وفى كتابه ( اخبار الخلفاء ) أورد الأحاديث الموضوعة فى فضل الخلفاء  ، حتى خلفاء بنى العباس.!. بل ( كتب ) السيوطي أحاديث في أغراض تافهه مثل رسائله عن (الاتكاء على الوسادة ) و( أصول التهاني ) و( قلم الاظفار)  و( أخبار العقرب ) و ( قص الشارب)  و( فضل السبحة) و( الطرثوث ) فى  مناقب البرغوث. وفي النهاية أفرغ السيوطي جعبته في (الجامع الكبير) الذي أورد فيه كل ما يعرفه من حديث مشهور وموضوع ، وقد قام شيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود بنشر هذا ( الجامع الكبير ) بكل ما فيه من خبل . والسيوطي يفخر بعمله وبحفظه لمائتي ألف حديث، يقول : (ولو  وجدت أكثر لحفظته ، ولعله لا يوجد على وجه الأرض أكثر من ذلك ) [140]، أي انه (تزبب قبل أن يتحصرم)، أى صار زبيبا وهو أخضر ، أى صار (عالما ) بلا إستعداد ،  كما يصفه معاصره وخصمه المحدث الفقيه المؤرخ السخاوي ، الذى يقول أيضا عنه ( لم أزل اعرفه بالهوس) وذكر أكاذيبه وانتحاله لمؤلفات غيره ) [142] . وفى رسائل السيوطى الدليل الأكبر على تفاهته وتفاهة عصره وجرأته على تزييف الحديث ، دون إنكار عليه . ولا يزال حتى الآن ملء السمع والبصر ، بما يجعل القارىء يشعر بالدهشة لما نقوله عنه هنا .

5 ــ وبعيدا عن السيوطي نذكر صوفية وضّاعين أخرين، كالشريف الناسخ الكعبي الموصوف بالضعف بين المحدثين وبأنه (مزور كذاب سمع لنفسه وزور ) [144]..أى راعى خاطر هذا الوضّاع الكذّاب دون أن يراعى حق الرسول عليه السلام ووجوب تبرئته من الكذب عليه . وقد منعوا الشيخ الصفوري من القراءة لأنه جمع كتابا باسم ( نزهة المجالس) ملأه أحاديث موضوعة ، وقد اعلن توبته ) [146] واحتال ليضع أحاديث بالمنامات ومنها ان الرسول عليه السلام قال له في مناك بالسرياني (ومن واظب على النوم بعد صلاة الصبح ابتلاه الله تعالى بالجنب ) [148]..

 

 

 

تقديس البخارى فى العصر المملوكى : نقد حديث ( من عادى لى وليا .. )

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 اثر التصوف فى العلوم : فى تزييف الحديث  

تقديس البخارى فى العصر المملوكى

1 ــ كان لميعاد البخاري أهمية قصوى فى العصر المملوكى ، حتى ان الحوليات التاريخية كانت تذكره كل سنة في موعده وحضور السلطان له. ومثلا ، في تاريخ ابن حجر ( إنباء الغمر بأبناء العمر ) والذى أرّخ فيه ابن حجر لسنوات عمره ، يقول :  ( في قراءة البخاري بالقلعة ــ  على العادة ــ حضر الهروي القاضي وقد اختلق  لنفسه اسنادا ليقرأ عليه به صحيح البخاري،  وأرسل إلى القمازى ... فتناوله منه،  وهو من اهل الفنّ ، فعرف فساده ، فاقتضى رأيه ان جامله ) [150] ولذلك (جرت عليه محن شارك فيها الفقهاء والأولياء ) (6)[152] .

وذكر ابن حجر عن "صارو " هذا قوله للسلطان  برقوق : ( لا يُلتفت لما فى البخارى ومسلم ، إذ أكثر ما فيهما كذب ). فقال له السلطان برقوق : ( يا شيخ . إنهما كانا فى زمن لو كذب فيه أحد على النبي صلى الله عليه وسلم قتلوه ) [154] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

طائفة من ( الأحاديث) الصوفية فى العصر المملوكي

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 اثر التصوف فى العلوم : فى تزييف الحديث 

 طائفة من ( الأحاديث) الصوفية فى العصر المملوكي  :

الصوفية يضعون ( يفترون ) الأحاديث

1 ـ وقد صنف أبو شامة كتاب ( الباعث..) ذكر فيه الأحاديث النبوية الموضوعة في صلاة ليلة النصف من شعبان وقال عن الوضّاعين ( حمّلوا عباد الله بالأحاديث فوق طاقتهم )[156] ، وأورد الأبشيهي فى كتابه ( المستظرف  ..) احاديث في فضل سور القرآن  [158]. ويذكر أن صوفيا كان يروي حديثا في قراءة سورة يس صيغته طويلة مهلهلة مختلفة عن الصيغ الأخرى [160] ...

2 ـ ووضع الصوفية احاديث نبوية في فضل الصوفية مثل صلة ابن أشيم الذي يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا ) [162]. وهذه الشفاعات ميزة للصوفية حرموا منها الصحابة انفسهم حتى في الموضوع من الحديث.

3 ــ ومن خلال كتاب السيوطي (اللأليء المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة ) نجد اغلبها في المناقب ثم الزهد والمواعظ والذكر والدعاء ،وتلك موضوعات التصوف . وأغلب الاحاديث الضعيفة في الجامع الكبير للسيوطي  ـــ وهو سجل للأحاديث المتداولة في العصر المملوكي ــ ترتب الثواب الجزيل على الأعمال السهلة ولاسيما الذكر باللسان . ويوجد فى (الجامع الكبير) للسيوطى حوالى مائة ألف حديث، منهما تسعون ألفا من الأحاديث الموضوعة فى العصر المملوكى فقط .

4 ــ وبعض الأحاديث النبوية السائدة فى العصر المملوكى تصرخ بأن واضعيها صوفية ،  حيث وضعت في أمور تعبر عنهم كأفضلية السراج والقناديل في المسجد [164] ، ومثله في وضوح وضع الانتحال حديث رواه فخر الدين الفارسي أحد أصحاب المنامات يقول فيها بإسناده( من ادعى مناما ليضحك الناس ويل له ويله ويل له )[166]

العلم اللدني : إفتروا هذا الحديث ونشروه وشهروه ، وهو :( من اخلص لله أربعين صباحا فجر الله ينابيع الحكمة من قبله على لسانه ) [168]

واحاديث الصلاة على النبي والحقيقة المحمدية كثيرة .ومنها (من صلى علىّ مرة لم يبقى من ذنوبه ذرة)( من شم الورد الأحمر ولم يصلّ علىّ فقد جفاني) (الورد الأحمر من عرق النبي) (أنا أكرم على الله من أن يتركني في التراب الف عام )  ، (لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك ) [170] (ان في بلاد الهند أوراق مثل آذان الخيل فكلوا منها فإن فيها منفعة) واقاويل أخرى تروي في أكل الحشيش لم يثبت منها شيء  [172]

ونشروا الاعتقاد فى جدوى التفاؤل والتشاؤم، فانتشرت أحاديث تعبر عن هذا مثل :  (من بشرني بخروج صفر بشرته بدخول الجنة)  [174]   و( حياة الحيوان )[176] حديثا يقول فيه (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر امتي ) وكل حديث في ذكر شهر رجب وصومه وفضائل الأعمال فيه موضوع قال ابن حجر في كتابه( تبيين العجب بما ورد في فضل رجب) ، ومنها احاديث صلاة النصف من شعبان، وحديث يمدح العدس والأرز والباقلاء والباذنجان والرمان والزبيب والهندياء والكرات والجزر والجبن والهريسة والبطيخ والأزهار ،ومنها احاديث اللحوم كالنهي عن قطع اللحوم بالسكين وانه من صنع الاعاجم  ،والنهى عن الأكل من السوق ، ومنها أحاديث الابدال والاقطاب والاغنياث والنقياء والنجياء والاوتاد (طبقات الصوفية) وكلها باطلة ، وأحاديث المهدى المنتظر ) [178] وأقول لا يمكن للحسنة ان تكون سيئة، والأبرار والمقربون ليسوا طوائف دينية ، والإسلام لا يعرف التمايز بين الناس الا في الايمان والعمل الصالح ولا يعلم هذا إلا من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . ويتضح التشابه بين كتاب ( حديث القثصّاص ) لابن تيمية وكتاب ( المنار المنيف ) لتلميذه ابن القيم . إلا إن ابن القيم حافظ على هدوئه أغلب الوقت فى نقده لتلك الأحاديث وواضعيها من الصوفية ، ولكنه كان أحيانا يهيج غضبا كشيخه ، فحين عرض في كتابه (المنار المنيف) لحديث( حضر رسول الله مجلسا للفقراء ورقص حتى شق قميصه )  فقال : ( فلعن الله واضعه ما أجرأه على الكذب... السمج ) [180]...

(الوضع في التاريخ )

هذا موضوع يستحق بحثا مكتملا ، يخرج عن موضوعنا . وبسرعة نقول أن التاريخ عرف الكذب مع بدايته . كما أن الأحاديث السنية والصوفية والشيعية المخالفة للقرآن الكريم تعتبر تزييفا في التاريخ النبوي . على أن المناقب او سير الصوفية كانت المثل الحي على تزييف التاريخ .

وعن التصوف بالذات فإن كتب المناقب والكرامات أكبر مثل على التزييف فى تاريخ الأولياء ، وإن كانت صادقة فى التعبير عن عقائد عصرها وقائليها . وقيل في ترجمة نور  الدين الشطنوفي ت 713 انه (جمع أخبار مناقب عبد القادر الجيلي في نحو ثلاث مجلدات وكتب فيها عمن اقبل وأدبر فراج عليه حكايات كثيرة مكذوبة ) [182] . ومن المؤسف ان كتب التاريخ قد نقلت بعض مفتريات كتب المناقب : كأسطورة ابن اللبان الذي اعترض على البدوي فسلبه العلم والقرآن ، وقد نقل ابن العماد الحنبلي تلك الأسطورة عن الجواهر السنية مع ان ابن اللبان كان صوفيا ملحدا من أصحاب الدعوات المتطرفة ولم يكن فقيها  [184] وبالغ المتصوفة في سبك روايات تؤكد خضوع ططر للحنفي ) [186].

2ــ ثم بدأ دور الصوفية يتقرر في المدارس بالتدريج وبانتشار التصوف ، وتجلي ذلك فيما عرف في العصر ب(الحضور) ودعاء الصوفية الحاضرين  في المدرسة للواقف ، مع وجود طلبة اخرين غير صوفية يتعلمون بالمدرسة . وكانت المدرسة (الاقبغاوية)  اول مدرسة ورد فيها ذكر متصوفة [188]  في كل يوم للصوفية بالإضافة إلى دروس للمذاهب الأربعة).  وقد تنشأ زاوية للصوفية تجاه المدرسة ، ثم يصبح الصوفية هم الطلبة في المدراس ويصبح شيخهم هو الشيخ للمدرسة فتتخذ المدرسة بذلك الصبغة الدينية ، فيقال: ( انشأ مدرسة وبها خطبة وصوفية ) [190] وكان يقال على ذلك :( ان سنجق من عبد الله التركي أوقف مدرسة ورباطا )[192]

4 ــ وإنقلب الحال ، فكانت المدرسة تنشأ داخل الخانقاه الصوفية ، ويعني بها مكان تلقى العلم فأنشأ الأمير سودون مدرسة بخانقاه سرياقوس وجعل بها  خطبة  [194] ، أى كانت هناك مدرسة داخل تلك الخانقاة الصوفية المشهورة ، وأن أحد الصوفية سرق قمحا من مخزن تلك المدرسة الملحقة بالخانقاة ، وقال ابن الصيرفي عنهم (ان لهم مباشرة بالمدرسة بالخانقاه المذكورة)[196] . وفي هذا العصر كان الصوفية هم الطلبة والمدرسون والناس جميعا...

6 ــ وما لبث الخلط أن وقع بين المدرسة والزاوية حين أقيمت المدارس في القرافة وبني بها ضريح ويسكنها شيخ .  يقول السخاوى عن مدرسة زين العابدين الدهوطي : بها قبر الشيخ العارف بالله (ودفن بزاويته ) [198] وقيل عن جامع السلطان حسن (هذا الجامع يعرف بمدرسة السلطان حسن ) [200] وكان ذلك مبررا للخلط بينهما وبين المدرسة . واشتهرت خانقاه جمال الدين الاستادار بالتدريس حتى يقال (أن الأصح أن يقال فيها مدرسة ) [202] ولقد كان الفقه على المذاهب الأربعة مع الحديث والتجويد أهم المواد التي درست في الخوانق .

التعليم في الجوامع :ـــ

صار الجامع مؤسسة صوفية في العصر المملوكي ، فكان الصوفية يقررون في الجوامع بعد انشائها . وقد بنى السلطان الناصر محمد بن قلاوون الجامع الجديد (ورتب فيه صوفية يحضرون بعد العصر كما في الخوانق ، وهو من احسن الجوامع ) [204]

 ونشاط الصوفية والجوامع على نوعين :

1 ـ وظيفة التصوف . وهى حضور الصوفية في مواعيد معينة في الجامع : في الصباح أو بعد العصر ، وتُفرق عليهم أجزاء القرآن الكريم فيقرأ الشيخ ما تيسر وتقرأ الصوفية ويختمون القراءة مع الشيخ ثم يدعون للواقف  ) [206].

2ــ التعليم : أو ترتيب الدروس في الجوامع ) [208] . بل ان بعض الصوفية اقام الجوامع مثل ابن المنزلاوي..  [210] . ورتبت دروس الفقه على المذاهب الأربعة في الجامع المالكي الذي جدده بيبرس الجاشنكير ت 704 والجامع الأشرفي برسباي الذي قدر المعاليم ( المرتبات ) للطلبة على ان يحضروا وظيفة التصوف ) [212]

وفي حجة أو وثيقة وقف المؤيد شيخ على جامعه أعدّ مكان الدرس: ( واما الأواوين المشار إليها أعلاه فانه وقفها وجعلها معدة لإقامة الصلوات الخمسة فيها ولجلوس المدرسين وطلبتهم والصوفية فيها على العادة ) وكان مدرس الحنفية من بين الصوفية والطلبة من الصوفية : ( فيرتب من أرباب الوظائف بالجامع المذكور الآتي ذكرهم رجلا من اهل الصلاح والعلم حنفي المذهب عالما بمذهب الامام ابي حنيفة النعمان ، ويكون شيخا للصوفية ، ويكون له قدم عالى في شروط الصوفية ، ويكون حسن الهيئة حسن الاعتقاد حافظا لنقول الفقهاء واختلاف المذاهب ونصوص الامام ابي حنيفة ، عارفا بحل كتب الحنفية) (ويسهل عسيرها...) ( ويكون الرجل المذكور الموصوف بما ذكر والقائم بتدريس الحنيفية بالجامع الكبير .... ويحضر وظيفة التصوف بعد الصلاة للعصر... على العادة في الخوانق والجوامع بالديار المصرية ... ويحضر معه جماعة الصوفية .... وطلبة العلم وغيرهم المرتبون  بالجامع المذكور وظيفة التصوف ) [214]  .

2 ــ ومع ذلك استمر المماليك في اكرام المجاورين بالأزهر ، فكان الغوري ينفق فيهم في شهر رمضان الدنانير والعسل والقمح ) [216] .

3 ــ ومن الطبيعي ان يتميز المجاورون في الأزهر بين صوفية فقراء مجردين متفرغين للعبادة وطلبة صوفية ، يقول ابن الصيرفي عن الشيخ المجذوب صالح الأزهرى (المشهور بالأزهري لكثرة إقامته بجامع الأزهر ومخالطة اهله من الفقراء والطلبة ) [218] وكان فخر الدين البلبيسي امام الجامع الازهر ومعلما صوفيا ) [220] وقد سمع المقريزي ميعاد الشاب التائب بالجامع الأزهر )[222] وقد درس ابن المرحل بزاوية بجامع عمرو ) [224] ..

وفي الزوايا الصوفية وجد القراء ومؤدبو الأطفال وخزائن كتب لأن الزوايا كانت معاهد للعلم النافع في هذا العصر ) [226] واتخذ إبراهيم الأبناسي الصوفى له زاوية في المقس، وجمع فيها الطلبة على التفقه وسعى لهم في الرزق ) [228] وافتخر الشعراني بمواصلة الذكر وقراءة القرآن والحديث والفقه والتصوف في زاويته ) [230] وقد تولى مشيخة الناصري ابن الشربيني وهو احد المشتغلين بالعلم ) [232]..

التعليم في المشاهد والترب والقباب ( الأضرحة ):ــ

1 ـ وكان هناك درس علم في مشهد الحسين تولاه بعض المشهورين من العلماء مثل ابن حمويه ) [234] وشرف الدين الأرموي ) [236] وفي وثيقة برسباي عن الترب (يصرف لأربعة نفر من الحنفية المشتغلين بالعلم المشهورين بالخير ...على أن يحضروا صحبة الدرس المذكورين كل يوم بالمدرسة ، ليلقي عليهم المدرس المذكور من العلوم الشريفة من السنن او الحديث الشريف او الفقه او النحو او مجموع ذلك . على أن يسكن المدرس بالمسكن المقرر له وتسكن الطلبة بالتربة ...بحيث لا ينقطع أحد منهم إلا لمرض يعرض له أو ضرورة شرعية ) [238] وتخرج فيها الشهاب الحجازي على الكمال الدميرى ) [240] وتابع مشايخ القبة بعده.  ولقد رتب الناصر القرّاء وشيخ الحديث للاشتغال به ولإسماعه ) [242] . وممن تولى درس التفسير في القبة المنصورية النمراوي وابن لاجين الرشيدي وابن المنفلوطى ) [244]  وسراج الدين القرمي )[246] ....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  شيوخ الصوفية والتعليم المملوكى

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

شيوخ الصوفية والتعليم المملوكى

1ــ التدريس في المؤسسات الصوفية كمنصب :

1ــ وقد تولى تلك الحركة العلمية ( الدينية ) مشاهير الفقهاء ، فابن حجر درس الحديثبالشيخونية الجمالية والبيبرسية ودرس الفقه بالمؤيدية والشيخونة الصلاحية مع منصب قاضي القضاة. ولم يكن اكمل الدين البابوتي متصوفا ومع ذلك بنى له شيخونة خانقاه وقرره فباشرها أحسن  مباشرة [248] , وجمع غيره من القضاة بين أكثر من منصب ، مثل ابن جماعه وابن العماد المقدسي [250] والبلقيني .

وتقلب غيرهم في وظائف التدريس كابن الحسن القونوي ولم يكن صوفيا  [252] والسراج القرمي  [254]   . واشتهر الكثير من مشايخ الخانقاه بالعلم حسب المؤرخين لهم ، مثل بدر الدين الزركشي شيخ خاقناه كريم الدين بالقرافة وابن الصوفي  [256]   والاصبهاني ، وغيرهم  [258]...

وفي حوادث 829 (خلع على القاضي العينتابي باستقراره قضى قاضي قضاة الحنفية عوضا عن الزين ..الذي استقر في مشيخة صوفية خانقاه شيخون بعد موت قاريء الهداية) [260].. واستدعى علاء الدين القونوي شيخ خانقاه سعيد السعداء وتولى منصب قضاء القضاة بدمشق، وعين بدله مجد الدين الاقصراني شيخ خانقاه سرياقوس في مشيخة سعيد السعداء، على ان يستنيب عنه جمال الدين الحديزاني ، واستقر في مشيخة الخانقاه الركنية الشيخ الخوارزمي عوضا عن مجد الدين الزنكلوني ونقل الزنكلوني الى مشيخة الحديث بالقبة البيبرسية [262] .. وغضب على ابن حجر فأخذ (في مقاهرته حتى اخرج عنه نظر شيخونية ومشيختها ) [264] وغلب ابن الكركي على السلطان قايتباي فزادت مناصبه ، ثم تغير عليه قايتباي فجرده منها .....) [266]..

2ــ وعقدت المواعيد الصوفية في المؤسسات الصوفية حيث كانت احدى وسائل الصوفية في جذب الاتباع اليهم، وقد صار إسماعيل الامبابي يعمل ميعادا بعد موت والده ــ في كل ليلة اثنى عشر وتوجه اليه الناس في المواكب للفرجة ) [268] وكان القضاة والعلماء والفقهاء والصوفية وأرباب الدولة يحضرون ميعادا في زوايا أخرى [270] وأقيمت المواعيد في المساجد ) [272]....اى القرى، وكتب السنة وكتب التصوف فى الوعظ.

3ــ وللحصول على الشهرة أقام كثير من الصوفية المواعيد ، فالشاب التائب (صحب الفقراء وتصوف فعمل الميعاد وتكلم في التفسير ، وأقبل عليه الناس، وزاد اعتقادهم فيه ) [274] وعقد الحنفي ميعاده كل ثلاثاء ثم جعله يوم الأحد،  وتميزت مواعيده بتواجد الناس وصراخهم وضجيجهم، كما يحكى في مناقب الحنفي  )[276] . وغلب الوعظ والتفكير والتذكير وعمل المواعيد  على الشيخ الصوفي أبن العباس القدسي،  وله باع واسع في الحفظ للأحاديث والتفسير وكرامات الصالحين ) [278] الكثيرون . وكذا احمد وفا حين جلس مكان أخيه )[280]...

وعقد آخرون مواعيد غير صوفية قصدوا بها الشهرة العلمية ) [282] وانتهز بعضهم الفرصة وعقد ميعادا في الجهاد ليبالغ في أجور المجاهدون )[284]، وأخر (سمع منه خلق من المصريين ) [286] ووصف الكثيرون بانتفاع الطلبة بهم ) [288] . وأقبلت الخلائق على السمهودي طائفة أثر طائفة فكان لا يجد وقتا يأكل فيه خاليا ) [290] وقد صار اكثر الطلبة من تلاميذه )[292] ..

المؤلفات العلمية التى تعلمها الطلبة :ـــ

يمثل القرن التاسع عشر ازدهار التصوف في العصر المملوكي، وفيه تمت سيطرته على شئون التعليم ومقرراته . لذا يمكن معرفة العلوم التي درست للطلبة من خلال ما كتبه السخاوي الذي ترجم لأعلام القرن في سفره الضخم (الضوء اللامع)، ونختار من بين آلاف التراجم ترجمة لأحدهم ، وهو أبو المجد الطلخاوي، يقول فيه ( نشأ بطلخا فقرأ القرآن ومختصر أبي شجاع ، وتلقن الذكر من يوسف الزهري أحد أصحاب الغمري الكبير ، ثم قدم القاهرة وأقام بالأزهر ، فجوّد القرآن ، وحفظ المنهاج ، وألفية النحو والفقه الفرائض لابن الهائم واللمحة للعفيف في الطب. وغالب جمع الجوامع والفقه والحديث والتلخيص ، وأخذ الفرائض والحساب والميقات والهندسة والجبر والمقابلة وحل الشمس .. عن الشهاب السجيني وراجع ابن الجيعان في شيء من الفرائض والحساب والبيئة مع الرياضيات .... وأخذ الحرف عن ناصر الدين بن قرقماس والرمل عن التحريري والفقه عن العبادي والوردي)، وكان من تلامذة المخلوى في الحديث) وعن هذه العلاقة أورد السخاوي تفصيل حياته العلمية .( الضوء اللامع 3 / 115 ).

.ونبدأ هذا النص يمكن ان نخرج بالنتائج الآتية :ـــ

انه تلقى تعليمه الأولى في بلدله مقترنا بالتصوف حيث( تلقى الذكر عن يوسف الأزهري أحد أصحاب الغمرى الكبير) وإلا أدل على أهمية ذلك بالنسبة لموضوعنا هو ان تعليمه الأولى عمل على جانب التصوف شيئين هامين هما قراءة القرآن ودرس مختصر ابي شجاع في الفقه ) [294]..

وذكر السبكي كتب التصوف التي كانت تدرس في المواعيد مثل )احياء علوم الدين ورياض الصالحين والأذكار للنووى وصلاح المؤمن في الأوعية لابن الامام وشفاء الاسقام في زيارة خير الانام للسبكي وكتب ابن الجوزي في الوعظ ) [296] وابن المحرة درس بخانقاه شيخون بمال ) [298] وكان حاجى فقيه شيخ مشايخ الظاهرية (عريا عن العلم الا ان له اتصالا بالترك كدأب غيره ) [300] ودرس ناصر الدين بن الدرديري (ففخم أمره بمصاهرته ، ووجد أبوه بذلك سبيلا الى تقديمه للتدريس مع صغر سنه وخلو وجهه عن الشعر جملة ) [302] وهذا شبيه بتوريث الولاية الصوفية ، وبعد موت قاريء الهداية اعطى السلطان برسباي تداريسه معها لابنه الصغير (واستنابوا عن ذلك في الوظائف فانه كان صغيرا جدا ) [304] .

ولقد اثار بيع التداريس ثائرة بعض السلاطين ، يقول المقريزي في حوادث سنة 835 (نودى بألا ينزل احد من الفقهاء عن وظيفته أو أى شىء من الأوقاف وهدد من ينزل منهم عن وظيفة . فامتنعوا عن النزول ثم عادوا كما كانوا ، ينزل هذا عن وظيفة من الطلب في الدروس او التصوف في الخوانق أو القراءة أو المباشرة بالمال في الخوانق غير أهلها ويحرمها مستحقوها ، فان الوظائف المذكورة صارت بأيدي من هي بيده  بمنزلة الأموال المملوكة ، فيبيعها اذا شاء ويسمى بيعها نزولا عنها ويرثها من بعده  صغار . وسرى ذلك حتى في التداريس الجليلة والأفكار المعتبرة وفي ولاية القضاء والاعمال، يليه الصغير بعد موت أبيه ، ويستناب عنه ، كما يستناب في تدريس الفقه والحديث في نظر الجوامع ومشيخة التصوف..) ويعلق المقريزى فى حسرة قائلا : ( فيانفس جدّى إن دهرك هازل .!! ) [306] .

2 ـ واحتوت المكتبة على( الختمات الشريفة) أى المصاحف التى كان يتم ختمها أى تلاوتها حتى الختام ( والربعات المنسوبات بالخط ) أى تقسيم المصحف الى اربعة أجزاء لتسهيل الحفظ ، وكانت مكتوبة بالخط العثمانى الذى لا يزال مستعملا حتى الآن ، ( وكتب التفسير والحديث والفقه واللغة والطب والأدبيات والدواوين .

3 ـ وكان في رباط الآثار( مكتبة عامرة بالرباط )  [308] ،أى مورد يرتزق منه العاملون فى الرباط والمكتبة. وهناك مكتبة في الخانقاه البكتمرية ، وأيضا فى الخانقاه البرقوقية التي عمرها السلطان فرج بن برقوق ، وهو أيضا الذى أقام الجامع الأبيض بالقلعة ، وجعل به مكتبة . وقد جاء في وثيقة وقفة على هذا الجامع فيما يخصُّ المكتبة : ( وبالجانب الشرقي باب يُدخل منه الى بيت ومنافع وحقوق ، وهو مُعدُّ لوضع المصاحف والريعات الشريفة وكتب العلم )[310] . وفي وثيقة مغلطاي الجمالى: ( وأما الخزائن الكتبية التي بأيوانها الكبير ، فيُحفظُ فيها ما لعلّه يكون بهذه الخانقاه من الكتب الموقوفة والربعات الشريفة والآلات المختصة بها )[312] . وجلب سرور الحبشى كُتُبا لخانقاته وعمل لها مكتبة ، أو بتعبيرهم (خزانة للكتب ) وهى ( غير خزانة كتب الوقف ) أى غير مكتبة الخانقاة المنشأة وفقا لكتاب الوقف عليها. [314] اما بهاء النحاس فكان فى مكتبته كتب بألف دينار ، وكان يحضر السوق ليجدد مشترياته من الكتب ، وإقتنى كتبا نفيسة.

عمل الصوفية فى المكتبات من خلال وثائق الوقف

1 ـ وعمل بعض الصوفية في المكتبات التى فى مؤسسات التصوف .

2 ـ وفي وثيقة جمال الاستادار على خانقاته : ( ويرتب من الصوفية المذكورين المجردين من اهل الخير والديانة والصيانة والأمانة يكون خازنا لما بالخانقاه من الريعات والمصاحف وكتب العلم الشريف... وما لعله يتحصل من نفايس الأشياء على  العادة ... ويرتب أيضا من عدة الصوفية المذكورين أعلاه من المجردين أعلاه  ثلاثة أنفس لخدمة الريعات الشريفة بالخانقاه المذكورة على ان يحضروها وقت حصور الوظيفة ، ويفرقوا أجزاءها على الجماعة القائمين بوظيفة التصوف... ويصرف للخازن المذكور في كل شهر عشر دراهم .... وليس عليه حضور وظيفة التصوف ولا يلزم بها  ) [316] وإشترط قايتباى أن يكون خازن للكتب (من اهل الخير والديانة والأمانة ، يتولى خزن الكتب بها وحفظها وتنظيفها وتفقدها وعمل مصالحها ) [318] وقيل في ترجمة الصوفي سالم العبادي وأضيفت له خزانة المحمودية ) [320] .

مدى تطبيق تلك القواعد

1 ــ ولم يُعمل بهذا الشرط فقد كان علم الدين البلقيني وشرف الدين المناوى يستعيران الكتب من تلك الخانقاه ويخرجان بها الى منزلهما وتمكث عندهما الأيام الكثيرة , ولم يكونا من العاملين فيها .  وقد وضع السيوطي رسالة في ذلك يدافع عنهما ويقول: ( فلولا رأيا ذلك جائزا ما فعلاه ) [322]..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تربية الأطفال فى المؤسسات الصوفية فى مصر المملوكية .

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

تربية الأطفال فى المؤسسات الصوفية فى مصر المملوكية .

مدخل :

إستفاد ( بعض ) الأيتام فى بعض المدن فى مصر المملوكية ( خصوصا القاهرة )، إذ كفلتهم (بعض ) المؤسسات الصوفية بإقامة كتاتيب لهم ، بعضها كان قائما بذاته أو ملحقا بالمنشأة الصوفية أو فوق ( سبيل ) أى مخزن للماء العذب يسقى الناس . الاحسان لليتيم فرض إسلامى تكرر فى القرآن الكريم ، وهو بهذا ناحية إيجابية للتصوف المملوكى ، وكان من النتائج الايجابية التى تنتج من ظلم مستقر ومستفزّ ، فالمماليك بالمال السُّحت والسخرة أقاموا المؤسسات الصوفية تكفيرا عن ذنوبهم وحتى يشفع فيهم الأولياء الصوفية طبقا لاعتقاد العصر فى شفاعة الأولياء ، وجعلوا من مهام الصوفية فى تلك المؤسسات الدعاء لمنشىء المؤسسة الصوفية ، واستفاد (بعض) الأيتام من هذا فوجدوا الرعاية والتعليم والمرتبات . وهو على أى حال تكافل إجتماعى ربما لم يكن موجودا بنفس المستوى فى أوربا وقتها . ونعطى لمحة عن تربية الأطفال فى المؤسسات الصوفية فى مصر المملوكية .

 الصوفية مؤدبو أطفال خارج المؤسسات الصوفية

1 ــ بتعبير العصر كانت تلك الوظيفة تعنى ( التأديب ) و ( الإقراء ).  ووظيفة ( التأديب)   تشمل الى جانب التعليم العادى تعليم الآداب والسلوكيات المهذبة . كما أن وظيفة الإقراء تعنى تعليم القراءة والكتابة .

2 ــ وقد عمل بعض الصوفية معلمين خصوصيين لأولاد المماليك والأعيان ، فكان شهاب الدين الكناني احد صوفية سعيد السعداء يؤدب أولاد السلطان حسن  [324] واحضر ابن المغلى  الناصري صوفيا من الخانقاة الجاولية هو احمد السنباطي لاقراء ولده الكمال ) [326]...

3 ــ واشتغل بعضهم (مؤدبا عاما) فوصف الكثير منهم بانه اقرأ الأطفال مثل يوسف البحيري )[328] وابن قومه ) [330] ونور الدين )[332] . وتعين البرهان القلقشندي صوفيا بالخانقاة البيبرسية والخانقاة ا لجمالية. وأقرأ كثيرا من الأطفال [334] وأدب الشيخ بلال الدين الاطفال بالجملون العتيق )[336] وادب البدر الفيومي الأطفال بالمقسم .

ويبدو أن شهرة الصوفى المصرى فى تعليم وتأديب الأطفال قد جاوزت مصر ، فكان بعضهم يُبعثّ به مثل المتعارف عليه اليوم بالبعثات التعليمية ، فذُكر ان الشيخ المعتقد نور الدين المصري كان يؤدب الأطفال بحلب )[338] وانتفع الأطفال فى مدينة بلبيس بإبراهيم الفاقوسي يؤدب بها ، بحيث لم يكن بها من هو أصغر منه فى السّن إلا وقد قرأ عليه . واشتهر بينهم ان من لم يقرأ عنده ليس له اكمال القرآن بل يقال ان بعد موت ما ختم من أهلها القرآن ) [340] .

( وتكسب النحريري  من تأديب الطفال وانتفع به من لا يحصى كثرة ، واشتير إليه بالتقدم مع الحُرمة الوافرة وشدة البأس على الأطفال حتى حاولوا قتله بالسم .! ) [342] بينما أقام آخرون بذلك العمل احتسابا مثل الدميري )[344] والأوكاوى ) [346] وعلى بن شهاب جد الشعراني )[348]

واهتم الصوفية من المؤلفين في بحث تربية الأطفال فقعد ابن الحاج فصلا في تعليم الأطفال ومشيهم [350] ..

اقراء الأطفال في المؤسسات الصوفية :ــ

1 ـ وكان ( الكُتّاب ) أو مكان تعليم الأطفال تابعا أحيانا للمؤسسة الصوفية من خانقاة او تربة او زاوية وغيرها .

فالمنصور قلاوون عيّن أو ( رتّب) فقيهين يعلمان ستين صغيرا من ايتام المسلمين )[352] و وأقام الأمير يونس النوروزى مكتبا للأيتام بجانب خانقاته [354] . وأجرى الأمير جانبك الجوامك أى المرتبات على الأيتام المنزلين أى المعينين  في الكُتّاب بتربته ) [356] وجعل تاج الدين بن حنا فى تربته مكتبا للأيتام وجعل فى شروط الوقف إلزامهم وهم يكتبون القرآن في الواحهم فاذا أرادوا مسحها غسلوا الألواح وسكبوا ذلك على قبره.  وسجله في وثيقة الوقف ) [358] .

وأقام عثمان الخطاب خلاوي لتعليم الأطفال في المدرسة السيفية )[360]...

2 ــ ويجمع كثير من وثائق الوقف على أن يكون الأطفال المنزلون بالمكاتب من الأيتام الذين لم يبلغوا سنّ الحلم والذين فيهم قابلية التعليم.  بينما تشترط وثائق أخرى ان تكون الأطفال من الفقراء مع تفضيل الايتام منهم . واشترط بعضهم ان يكون الأطفال من أبناء السادة الأشراف الأيتام .

3 ـ وكان المكتب أو ( الكُتّاب ) يوجد عادة فوق ( السبيل) أى المكان المُعدّ للتزود بالماء للناس طلبا للثواب . وكان هذا الكُتّاب يوجد  في مكان متسع طلق الهواء وتدخله الشمس  ليساعد الأطفال في الاقبال على الدرس والانتباه . ونادرا ما يوجد مكتب الايتام في غير المكان , وتفرش المكاتب عادة بالحُصر ويجلس عليها الأطفال حول مؤدبهم ، كما كانت في حائط  المكتب كتيبات و(دواليب) توضع فيها المصاحف والاقلام والالواح والدوى ( جمع دواة ) . وإذا كان عدد الأطفال في مكتب الايتام كبيرا فانه كان يعين لهم الكثرة من مؤدب وعريف ، ويؤذن لكل مؤدب عدد محدد من الأطفال لكي تكون عملية التربية اجدى وانفع ) [362] .

ودارت العملية التعليمية للأطفال حول تعلم القراءة والكتابة ومباديء الدين وحفظ القرآن وبعض الحديث ، هذا الى جانب حكايات الصالحين والشعر والحساب وقواعد اللغة . وقام التعليم على قوة الحافظة والاستظهار والاعتماد على الذاكرة اللفظية . وقام الأطفال بالكتابة على الألواح أولا ثم كتابته بالحبر بعد ذلك . وهذا يتمشى مه ما تنادي به التربية الحديثة في تعليم الصغار. كما روعيت القدرات الخاصة للطفل ومدى استعداده لتقبل العلوم والمعارف. و ونصّت الكثير من وثائق الوقف على مراعاة (ما يطيقون تعليمه) وهذا يتفق مع ما يدعو اليه علم النفس التربوي من التدرج في تربية الصغار ومراعاة قدراتهم .

هذا .. وتشبه مكاتب الايتام الى حد كبير المدارس الابتدائية الراقية او المرحلة الأولى الإعدادية في مصطلح التنظيم التعليمي في العصر الحديث .  والمؤدب هو الاسم الذي تطلقه معظم وثائق المماليك على المعلم في مكاتب الايتام بينما يسمى بالفقيه في وثيقة جمال الاستادار وغيرها كوثيقة قايتباي . واشترط في المؤدب شروطا خلقية منها ان يكون خيّرا ديّنا ذا عقل امينا على الأطفال المسلمين مع سلامة العقيدة ( الصوفية ) ، واشترط لبعضها ان يكون ملمّا بمادته ومراعيا لميول و حاجات الأطفال النفسية ..الخ.  وإشترط فى مساعد المدرس أو ( العريف ) : الأهلية للتأديب ، وكان يبدأ عمله عندما ينتهي المؤدب المدرس، بأن يعين المتخلفين من الأطفال زمنيا وعقليا ، وهذا يقرر لنا حقيقة هامة هي إيمان التربية  فى هذا العصر بمبدأ الفروق الفردية الذي تنادي به التربية الحديثة في القرن العشرين . وكان (العريف ) من جملة الايتام المنزلين بالمكتب والذين انتهوا من دراستهم في المرحلة بشرط ان يظهر تفوقا ونبوغا ،  ويستمر في المكتب ولو كان بالغا . وكان الأطفال يعرضون عليه ألواحهم في غيبة الفقيه المدرس.  وتذكر وثيقة الغوري وظيفة شخص كان يعلم الأطفال الخط العربي ، وهو لون من اولان التربية الجمالية له أهمية في تربية الذوق وتكوين الإحساس الفني في ناشئى فى ذلك العصر ....

وتستعرض وثيقة جمال الاستادار كمثل على النشاط التربوي في الخوانق : تقول عن شروط المعلم : ( ويرتب الناظر أيضا من عدة الصوفية المذكورين أعلاه من غير طائفة المجردين رجلا حافظا لكتاب الله العزيز ذا عفّة وصيانة وامانة متزوجا ذا خبرة ومعرفة صالحا لتعليم ....) أي جعلت المعلم للأطفال من أفضل العاملين داخل الخانقاة. وتقول عن العلوم التي يدرسها للصبيان انها (القرآن والخط والهجاء والاستخراج )، اى الاستدلال . وعن طريقة التربية والتعليم اوجبت الوثيقة على المعلم ان ( يعلمهم المؤدب بالإحسان والتلطف والاستعطاف فيما يرغبهم به في الاشتغال ) وعن عقاب المخطيء قالت (ومن اتى منهم بما لا يليق من فعل أدّبه بفعل ما اباح الشرع الشريف، ولا يضرب الضرب المبرح ) [364]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أثر التصوف فى الأدب المملوكي : فى النثر والقصّة

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 أثر التصوف فى الأدب المملوكي : النثر والقصّة .

مدخل :ــ انعكس تأثير التصوف المملوكي على الحياة العلمية فأثر في المستوى العلمي ومسيرة بعض العلوم ، وأضعف التأثير الإيجابي لجهود الصوفية في مجال التعليم . ولكن يبدو ان تأثير الصوفية في الأدب يميل إلى نوع من التوازن ، فالنثر الصوفي أشاع دفئا وحرارة في نفس الوقت الذي تأثرت فيه الكتابة بالجمود العلمي والعقلي فقبعت تحت سلاسل المحسنات اللفظية دون معنى جليل أو فكرة هامة. وادعاء الكرامات أمر ممقوت دينيا إلا انه رب ضارة نافعة كما يقولون فمن هذا الطريق وجدت القصة الصوفية القصيرة والطويلة وأثر التصوف في الروايات ــ الشهيرة . والشعر المملوكي أثرى بالتصوف في اغراضه من حب الهى ومديح نبوى وابتدع أغراضا جديدة أهمها دخول الصراع الفقهي الصوفي إلى ميدان الشعر وما أثاره من فريحة وتجويد لدى الفقهاء ، فأشاع ذلك كله حرارة وصدقا شعريا بين الخصوم . يقابل ذلك انعكاس الحياة العقلية والثقافية الهابطة على بعض الشعراء خاصة في أواخر العصر وانتشار التصوف فقبعوا تحت التقليد وأثر فيهم الجهل ..والى بعض التفاصيل ، مع التذكير بأننا نتعرض لرءوس موضوعات تصلح لأبحاث متعمقة فى تحديد وتفصيل وتفريع أثر التصوف فى تلك النواحى ....

أثر التصوف في النـثــر : ...

 "السجع" أهم ميزة في الأسلوب النثري للعصر المملوكي ، والسجع يعبر عن ملمح أساس فى الدين الأرضى ، وهو التدين السطحى بدون إعتبار للتقوى القلبية . ساد هذا فى الأدب منذ سيطرة الحنابلة ودينهم السُّنى فى العصر العباسى الثانى ، فأضحى الأدب والشعر ضحية الاهتمام بالمظهر ( اى المحسنات اللفظية من سجع وتورية وجناس وطباق ومقابلة ) على حساب المضمون، أى إختنق المعنى بسلاسل السجع والمحسنات اللفظية، ولم يعد مُهمّا ما يقال ، بل المهم هو السجع والتورية و الطباق والمقابلة .

على أن السجع بالذات هو الذى تميّز وساد ، حتى فى عناوين معظم المؤلفات ، ومثلا : تاريخ ابن حجر الذى يؤرخ فيه من سنة مولده جعل عنوانه ( إنباء الغمر بأبناء العمر ) وجاء تلميذه الصيرفى فكتب على منواله يؤرخ لعصره تحت عنوان ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) ، وليس لكلمة الهصر معنى محدد ، أى جاء بها لمجرد السجع . كان هذا ساريا فى العصر العباسى الثانى ، ثم ساد وسيطر فى العصر المملوكى ، وظل حتى مطلع العصر الحديث ، ونتذكر كتاب رفاعة الطهطاوى ( تخليص الابريز فى تلخيص باريز ) . وفى أواخر العصر المملوكى صار السجع مقياس الفصاحة ، يقول السخاوى عن احد الكتاب : ( أتى بما يٌستظرف من السجعات المتوالية والكلمات المنتظمة [366] . وقد عد بعض الباحثين من خصائص الرسائل والدواوين : الإكثار على قلة المعاني والتزام السجع الطويل الفواصل والاحتفال بأنواع البديع وكثرة الحشو اللفظي والبديعي وكثرة الألقاب والأدعية ) [368] . كما يبدو أثر التصوف في افتتاح المكاتبات والمحاضر بقول الكاتب عن نفسه ( الفقير إلى الله فلان ) [370] . وتردد ذلك في كتب التاريخ الأخرى ، يقول القاضى المؤرخ العينى عن نفسه : (  والعبد الضعيف كان يتيما في تلك الأيام بمدينة عين تاب ) وكرر هذا الوصف.  [372] وفي كتب التاريخ المتأخرة في العصر كان المؤرخ يقول ــ ( أو كما قال) تعقيبا على لفظ البركة او ذكر الكرامة [374]  ، على أن الاهتمام الأكبر للقصة الصوفية كان إرهاب المنكرين بشتى الوسائل  [376]...

2ــ ومن عوامل اجادة القصة الصوفية الفراغ والخيال وحديث النفس والوجدان بالإضافة للحرمان، فأبدع اليافعي في كتابه ( روض الرياحين ) قصصا زعم حدوثها ، وهى من وحى خياله ، يصف فيها مدن الأولياء ( السحرية ) ، و يقول عن إحداها "فأقمنا بها أربعين يوما ليس لنا فيها من عمل إلا الصلاة والأكل " ) [378]  وشخصيتها التي أثرت على مجرى القصص في ذلك العصر ، الذي كان فيه للقصّاص أو الراوى الشعبى شعبية واسعة بين الناس في مجتمع سادت فيه البطالة . وكان القصّاص المصري أبرع صناعة وأرفع مكانة وأتسع خياله بعد نكبة بغداد والحروب الصليبية بقدر ما ضاق عقله وضاع علمه وأصبح أسيرا للتصوف ــ فاعتمد في السرد على الخوارق وحكاية الكرامات ومناقب الأشياخ والغيبيات والخرافات التى تشُدُّ إهتمام السامع والقارىء . لذا قيل أنه لم يتقيد بقواعد المنطق او الخُلق او الوقائع التاريخية الثانية فاصطنع اللهجة الصريحة والألفاظ القبيحة ، [380] .

3ـ وقصص (ألف ليلة وليلة ) تحتاج إلى وقفة لتبين أثر التصوف فيها. ورغم أنها كتبت بعد انتهاء العصر المملوكي أي في سنة 933 إلا أنها ذخيرة حية لحياة المجتمع المصري الذي استمر تأثيره بالتصوف على ما بعد العصر المملوكي ــ وقد تداولتها الألسن عهدا طويلا ، ومن الواضح ان جامعها مصري أخذ صيغتها النهائية من مجتمع القاهرة [382] وفي باقي الحكايات يمثل الخضر دورا هاما في انقاذ المؤمنين ويدعو غيرهم للإسلام ، وإبراهيم الخواص ـ وهو  اسم ولى صوفي ــ انقذ ابنة ملك كافر وحُجب عن العيون بالكرامة ، والحاكم يخبر وردان الجزار بالكشف الصوفي بما فعله في الغيب . هذا عدا زيارة قبور المشايخ تبركا كما فى قصة دليلة المحتالة . وظهر عبد القادر الجيلاني وبركة السيدة نفيسة في قصة علاء الدين الشامات والذي انجته تلك البركة من عدو كاد يقتله ، وفتن قاصّ الليالي بما يحض على الزهد بنوع خاص ، فأنشأ على منواله قصة طويلة تتضمن الكلام عن قماقم سيدنا سليمان ،وأضاف اليها قصة مدينة النحاس التي تتلخص في انها مواعظ سردت تقريريا في فناء الحياة الدنيا وان الزهد خير زاد في الحياة.....

4ــ وكتاب اليافعى ( روض الرياحين فى حكايات الصالحين ) هو المصدر الصوفي الذى استوحى منه مؤلف ( الف ليلة وليلة ) ، ومنه مثلا حكايات عن الجان وعلاقة الأولياء بهم ومدن الأولياء وأسفارهم وقبر سليمان وجنوده من الجن والطير وذخائره وخاتمه وبساط بلقيس وعرشها وسجن إبليس بل ووردت قصص عن هارون الرشيد وعلاقته بابنه الزاهد وعلاقته بمجذوب يسمى بهلول ) [384] ، أي قبل كتابة الليالي بأكثر من قرن ونصف، فأخذ عنه وعن غيره كاتب الليالي وقلده حتى في ايراد الاشعار في غضون حوادث القصص. تلك الأشعار التي يبدو التشابه واضحا بينهما .وندخل على الشعر .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أثر التصوف في الشعر في العصر المملوكي :

 كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

أثر التصوف في الشعر في العصر المملوكي :

 1ــ الأغراض ::ــ

المدح أثر التصوف في المديح عظيم فابتكروا شعر الحب الإلهي والمدح النبوي والتشويق للأماكن المقدسة ثم مدح المريد لشيخه ، هذا بالإضافة إلى ما قام به بعض الشعراء من إنكار على الصوفية:

الحب الإلهي :ــ تطور في القرن السابع وبلغ الذروة على يد عمر بن الفارض وتابعه أخرون كابن الصباع القوصي والدريني والقسطلاني )[386] وشرح الكاساني قصدية ابن الفارض في مجلدين  )[388] ..وأعجب المماليك بالمدائح النبوية فكان السلطان قايتباي لا يلتفت لمن يمدحه بالشعر ويقول لو اشتغل بالمدح النبوي كان أعظم من هذه المسالك ) [390].

ومن الصعب حصر الشعراء المادحين للنبي عليه السلام ولكن نقسمهم إلى نوعين :ــ شعراء صوفية تخصصوا في المدائح النبوية أو أكثر شعرهم فيه ، مثل احمد بن مسعود المادح )[392] وسراج الدين التكريتي [394].،وابن عامرية  [396] وابن الزين  [398]..

وهناك قصائد صوفية ، قالها أكثرية من الشعراء المشهورين كالشاب الظريف وابن نباتة الإسرائيلي [400] .

والبوصيري أشهر المادحين. ومدائحه تنقسم على قسم نظمه قبل ان يحج وقسم بعده ، وفيه قال الهمزية والبردة التي أثبت المحققون كذب أن تتسبب في شفاء صاحبها  [402] ، وشرحها الحلبي وخمسها [404] .

ومن خلال المدائح شوّق الشعراء للأماكن المقدسة حيث ابتدأوا به الشعر النبوي [406] ومدح ابن عطاء شيخه المرسي  [408]  ، ولا يلزم ان يكون الممدوح حيا يرزق ، فالبوصيرى ــ مثلا ـ  مدح السيدة نفيسة ...

ولقد خيم الركود على العصر المملوكي بأثر التصوف وانعكس ذلك على الوصف الشعري بإغفالهم الأمور واكتفوا بوصف التافه منها [410] .. وتصدرت قصائد الغزل بالمذكر قصائد المدح  [412].

ونمثل ــ في الختام ــ بالشاب الظريف وهو شاعر عريق فى التصوف ، فأبوه هو الصوفي الشهير العفيف التلمساني . يقول الشاب الظريف يتغزل فى قاضي القضاة [414]

وردّ عليه الفقيه  الزركشي ( 745 ــ 794 ) فى كتابه ( زهر العريش فى تحريم الحشيش ) يفنّد رأيه :( [416] :

قد كان في الدنيا شيوخ صوالح   اذا دهم الناس الدواهي توسلوا

مفرج منهم في البلاد وشيخنا     أبونا أبو الحجاج ذاك المبجل

وشيخ شيوخ الأرض كان بأرضنا  ابو الحسن الصباغ ذاك المدلل

ويقول العيدروس  فى التوسل بروّاد التصوف [418]

وقال فقيه آخر ، وقد روى السخاوى هذا الشعر على انه (لأحد السادة الأوائل)(التبر المسبوك 220 : 221 ) وواضح انه فقيه حنبلى :

الضرب بالطار والتشبيب بالقصب   شيئان قد عرفا باللهو والطرب

انى لأعجب من قوم وطيشهم         وان أمرهم من اعجب العجب

إن نقروا الطار أمسوا يرقصون له  شبه القرود ألا سحقا لمرتكب

صوفية أحدثوا فى ديننا لعبا    وخالفوا الحق دين المصطفى العرب

من اقتدى بهم قد ضل مثلهم       سحقا لمذهبهم لو كان من ذهب

اهل المراقص لا تأخذ بمذهبهم  فقد تمادوا على التمويه والكذب

اُنكر عليهم إذا ما كنت مقتدرا   واضرب ظهورهم بالسوط والخشب 

 ويقارن فقيه آخر، يبّن حالهم حين سماع القرآن وحين الغناء فيقول :

تُلى الكتاب فأطرقوا لا خيفة             لكنه أطراق ساه لاهي

وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا           والله ما رقصوا لأجل الله

دفُّ ومزمار ونغمة شادن                فمتى رأيت عبادة بملاهى

ثقل الكتاب عليهم لما رأوا                 تقييده بأوامر ونواهى

ورأوه أعظم قاطع للنفس عن       شهواتها يا ويحها المتناهى

وأتى السماع موافقا أغراضها      فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه

ويقارن السماع بالخمر فيقول

ان لم يكن خمر الجسوم فانه   خمر العقول مماثل ومضاهى

فانظر الى النشوان عند شرابه   وانظر الى النشوان عند ملاهى

وانظر الى تمزيق ذا أثوابه         من بعد تمزيق الفؤاد اللاهى

واحكم فأى الخمرين أحق              بالتحريم والتأثيم عند الله ؟

وقال فقيه آخر يائسا ساخرا

برئنا الى الله من معشر  بهم مرض من سماع الغُنا

وكم قلت يا قوم أنتم على   شفا جرف ما به من بنا

وتكرار ذا النصح منا لهم      لنعذر منهم الى ربنا

فلما استهانوا بتنبيهنا     رجعنا الى الله فى أمرنا

فعشنا على سُنّة المصطفى  وماتوا على ( تنتنا تنتنا ) ( أى نغمة الموسيقى )

ويردد فقيه آخر يأسه منهم فيقول

فدع صاحب المزمار والدف والغنا  وما اختاره عن طاعة الله مذهبا

ودعه يعش فى غيّه وضلاله        على ( تاتنا ) يحيا ويبعث أشيبا

وفى ( تنتنا ) يوم المعاد  نجاته      الى الجنة الحمراء يدعى مقربا

وقد أورد ابن القيم الجوزية فى كتابه ( إاثة اللهفان ) قصيدة طويلة يهجو الانحرافات الصوفية فى عصره ـ ولا ينسبها لنفسه ، وواضح انه صاحبها ، ومنها : [420]

يبدو انه تأثر بأمين الدين الديسرى ت 680  الذي تهكم بأصحاب الاتحاد فأجاد :

متُّ في عشقي معشوقا انا            ففؤادي من فراقي في عنـــا

غبت عني فمتى يجمعني             انا من وجدى منى في فنـــا

أيها السامع تدرى ما الذي        قلت ؟ والله فــ أدرى انـــــــا  [422]

تنسّك معشر منهم وعُدّوا           من الزهاد والمتورعينا

وقيل لهم دعاء مستجاب           وقد ملأوا من السحت البطونا

وما أخشى على اموال مصر          سوى من معشر يتأولونا

وما أروع البيت الأخير الذى ينطبق على مصر فى كل عصر.

وفى واقعة الأمير المملوكى يلبغا السالمى مع صوفية خانقاة سعيد السعداء وقد إكتشف إنحرافاتهم وفضحهم وعاقبهم ، يقول شاعر :

يا أهل خانقاة الصلاح أراكم    ما بين شاك للزمان وشاتم

يكفيكموا ما قد أكلتم باطلا     من وقفها وقد خرجتم بالسالمى ( خطط المقريزى 4 / 274 ، تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 406 )

وكان النُصيبى شاعرا ظريفا ، وقد إجتمع فى مجلس مع الشيخ الصوفى الحريرى الذى حكى كرامة له انه رأى هرّة تقرأ سورة يس ، فقال النصيبى متهكما : وكان غراب يقرأ سورة السجدة فإذا جاء عند آية السجدة ّسجد وقال: سجد لك سوادى وإطمأن بك فؤادى.( الوافى بالوفيات 1 / 164 ، الطالع السعيد فى أخبار الصعيد للأدفوى : 354 )

 وقد أدخل بعضهم المذاهب الصوفية في الشعر  .

فالحقيقة المحمودية أدخلت في شعر المديح ، وأدخلوا عقائد الحلول والاتحاد في شعر ابن الفارض وغيره ، حيث عبر بعضهم عن الحب الإلهي بتعبير حسى حتى لتحسبه من شعراء التغزل فى المرأة . ويقول أحدهم [424] ..

في الأسلوب والمسار : ـــ

1 ــ لبعض الباحثين رأي طيب في الشعر الصوفي [426] .فالمنهج العلمي لا يناسبه التعميم في الأحكام ، فقد كان من الصوفية من نظم في الحب الإلهي بأسلوب علمي ولغة دارجه يقول ابن حجر عن ابن البصيص " وكان ينظم نظما عاريا من الاعراب على طريق الصوفية ) [428]   .

2 ــ وشاع التضمين الشعرى فى العصر المملوكى ، والتضمين هو أن يدخل الشاعر في أبيانه بيتاً (أو أبياناً) مشهورة، وكأنه يستشهد بها، وعادة ما يضع ما ضمن بين قوسين، كما أنه قد يضمن شعره الأمثال أو الحكم السائرة ليعطيه رونقاً وقوة..ولكن هذا التضمين فى العصر المملوكى كان يعكس التقليد فى الحياة العلمية التى صارت ترديدا لما سبق وشرحا له وتلخيصا للشرح . أى عاش العصر المملوكى عالة على التراث العباسى فى الفقه والحديث والتفسير والتصوف ..وفى الشعر ايضا ، بل كانوا يضعون ما يقتبسونه من السابقين فى شعرهم دون مراعاة للتناسق فى المعنى أو وحدة الموضوع ، لأن الذى غلب ذعليهم هو التناسق اللفظى بين شعرهم و ما يضاهيه لفظا وقافية من أقوال السابقين أو من القرآن الكريم . والتعمق فى هذا الموضوع يخرج عن المنهج ، لذا نكتفى بالاشارة الى ديوان ابن نباته ( 686 : 768 ) ونعطى أمثلة : صفحات 392 ، 425 ، 462 ، 476 ، 477 .

3 ـ وبصمات التصوف واضحة في الشعر المصري بوجه عام وقد عدّ احمد امين من خصائص الشعر المصري العناية غالبا بالجناس اللفظي والذوبان في الحب وتسلط النغمة الحزينة  )[430]

واختفى منهم على قرب مرآه     ومن شدة الظهور الخفاء 

والكرامات منهم معجزات         حازها عن نوالك الأولياء

وسلام على ضريحك تحصل به           منه قربة وعساء.

 وله :

توسل به في كل ما انت طالب فكم نلت بالتوسل مطالبا

على أننى ما زلت من بركاته   غنيا وفى نعمائه متقلبا

وله

واستمطر البركات من دعواته حيث استقل سحاب راحته الندى

وله

معنى الوجود الذى قام الوجود به   وهل بغير المعانى قامت الصور

وله

وما هو إلا كيمياء سعادة         ووصفي لتلك الكيمياء شذور

وله:

ولم تفته من الأوراد ناشئة في   ليلة قام يحييها ولا سحر

وله :

 قرن الوزارة بالولاية فهو في    حبل من التقوى ومن إحرام   

وفي ديوان الشاب الظريف يقول فى تأليه أبيه الشيخ عفيف الدين التلمسانى   [432]

لك في الأرض دعاء       سدّ آفاق السماء

يسّر الله للقياك               سرور الأولياء

وله يُحاكى أسلوب الاتحاد الصوفى ولكن بطريقته الظريفة الخفيفة :

انا في الحقيقة انتمو     وهذا اعتقادي فيكمو

فالحب منى فيّ        والاعراض منكمو عنكمو

وفى ديوان ابن نباته )[434] 

ويقول ابن كميل  )[436]

وقال آخر على سبيل المثال : )[438] .

وذكر شعراء أميون من غير الصوفية كالأمير بيبرس الفارقاني وابن الربيع الخياط وابن أسد وغيرهم [440]، وقد اتخذت قصائد المديح الصوفية مادة ينشدها المداحون في المحافل الدينية وحفلات السماع . واشتهر الشاعر المداح شهاب الدين السنهوري الضرير بأغاني مديح شهيرة جرت على ألسنة المداحين . وعلى مثال ( على وفا ) نظم عبدالغفار بن نوح شعر اللحن لينشد في حلقات الصوفية  . ومارس بعض شعراء الصوفية الانشاد بنفسه مثل حمزة الاسنوى الواعظ الذي( تغانى النظم ومدح وهو من ذوى الأصوات الطيبة ، وكلما طال غناؤه جاد صوته ) [442]...

3 ـ واشتهر صوفية آخرون بالغناء مثل ركن الدين الأربيلي شيخ رباط علاء الدين و( كان حسن الصوت ) ( تاريخ الجزرى : مخطوط : 2 / 79 )، وجمع بعضهم بين الغناء و ( الخلاعة ) مثل الشيخ زوين الصوفي الذى كان (حسن الغناء والخلاعة )، وهذا وصف المؤرخ ابن الفرات له ( تاريخ ابن الفرات : 9 / 2 /  356 ) . وبرع محمد برقوق التونسي في الغناء والانشاد ( وله شهرة طائلة)( تاريخ ابن اياس 2 / 128 ط بولاق ) ، ويصف المؤرخ ابو المحاس الشيخ الصوفى سليمان المادح، أنه كان  (ذا صوت شجي طروب يروح النفوس) [444]وكان الشيخ عارف العجمى أحد الصوفية بالخانقاة البيبرسية ( عارفا بالموسيقى وانتهت اليه الرئاسة في ذلك ) [446]، أى يستخدم موهبته الموسيقية فى التلاوة على القبور .

وقال المؤرخ السخاوى إنه : ( لم يُر بعد الشيخ حيدر وأخيه من يدانيهما في الموسيقى  )[448]، ويقول المؤرخ ابو المحاسن أنه كان لأبي عبد الله الحمصى (  يد ، في علم الموسيقى ) [450]أى ألّف قطعة موسيقية مشهورة بهذا العنوان . ويقول الصيرفى أن ابن تغرى بردي أخذ علم النعمات والموسيقى وادوار صفي الدين عبد المؤمن عن الشيخ الامام فتح الدين العجمي وعن غيره،  وذكر له ( كتاب في الرياض والموسيقى) [452] ، أى كان موسيقيا ملحنا متدينا متعبدا .! وللصوفي الشهير أبو المواهب الشاذلي مؤلف في حل سماع العود ) [454]وكان للشيخ شمس الدين البرهان ( نظم ونثر ويدري بالموسيقى وكان ينظم الشعر بالإيقاع على الضروب المختلفة يغني به المغنون ، وكان أيضا يلعب بالقانون . وقد رثى مملوكا له بشعر كثير ولحّنه ، فتداوله الناس ) [456]..

  4 ــ ومن الصوفية المطربين الواعظين من ألّف فى الموسيقى مثل ابن رحاب (المغنى الناشد المادح فريد عصره ، وكان من نوادر الزمان، ينظم الشعر ،ويلحّن الخفائف بألحان غريبة ، وكان أخر مغاني الدكة في الدخول والطرب ، ولم يجيء أحد في الدخول مثله ) [458](بعلم الموسيقى مع حُسن الصوت ) [460].

الشيخ الموسيقار المجهول : إبن كُرّ

1 ــ ونتوقف مع المؤلف الموسيقى المشهور فى عصره : ( إبن كُرّ ). كان هذا الشيخ الصوفى إمام أهل عصره في الموسيقى. ومن خلال ما ذكره عنه المؤرخان ابن حجر وأبو المحاسن ـ وقد عاصراه ـ نعرف أن إبن كُرّ ـ كان شيخا للزاوية التي بجوار المشهد الحسيني ، وشيخا لزاوية أخرى بالقرب من شاطيء الخليج . وقد قرأ فن الموسيقى على الشيخ القاضي علاء الدين التراكيشي وغيره، وتفوق ابن كُرّ على أقرانه فى علم الموسيقى ،  وصنّف فيه تصنيفا بديعا سماه (غاية المطلوب في فن الانغام والضروب) .

2 ــ يقول المؤرخ أبوالمحاسن ابن تغرى بردى : (سمغت مقدمته منه بمنزله فى الزاوية الذكور في شوال سنة 745 ، وقال: " ظهر لي خطأ جماعة من المتقدمين في هذا الفن مثل الفارابي وغيره وقد برهنت ذلك."). ويقول أبوالمحاسن عن فقهاء عصره الرافضين للموسيقى : (وعلماء عصرنا يستعيبون هذا الفن لعدم معرفتهم به ، وظنهم ان هذا الفن ليس هو غير ما يقوله العامة من الغناء والطرب . وليس هو كذلك . وإنما هو علم مستقل بذاته مشتق من العروض ، وفيه أراجيز ومصنفات نظم ونثر . وهو فن صعب إلى الغاية ، ولا يصل إليه إلا من له قوة في عصبه ، مع معقول جيد وذكاء وحُسن صوت . ومن الأراجيز في هذا العلم قول بعضهم :

 أصل الضرب على أربع انقسم وانحسب  فاصلة ومنفصلة والوتد والسبب

وأما علم النغمة فهو بحر لا قرار له . ) .

3 ــ ثم يعود المؤرخ أبو المحاسن ليقول عن الموسيقار ( إبن كُرّ) : ( وان ابن كُرّ هذا كان لا يمرّ به صوت مما ذكره أبوالفرج الاصفهاني في الأغاني إلا ويجي به ويجيده .) ومعروف أن أبا الفرج الأصفهانى ( 284 : 356 ) فى كتابه المشهور ( الأغانى ) كان يذكر الألحان للقصائد المُغنّاه المشهورة فى عصره العباسى . ونرجع الى أبى المحاسن وهو يقول عن إبن كُرّ يمدحه : ( وكان فيه شمم وعفاف ، لم يتخذ صناعة الموسيقى إسترزاقا ، بل فكاهة يروّح بها نفسه ) . أى كان مع علمه بالموسيقا هاويا لها وليس محترفا بها. ويقول عنه الفقيه قاضى القضاة المؤرخ ابن حجر: ( وقد رآه أحدهم غنّى فأضحك ثم غنى فأبكى ثم غنى فنوّم ، يقول : فرأيت بعيني ما كنت سمعت بأذني عن الفارابي . وقال أخر مر ابن كر على قوم يُغنُّون فحرك بغلته حتى مشت على إيقاعهم )[462]. والسلطان الغوري كان له ولع بالموسيقى والغناء ، وكان له نظم والحان يُتغنى بها ) [464]. وكان الماردينى نائب السلطنة (يجيد ضرب العود وقد حظى عند الناصر محمد ) [466]وكانت للأمير ناصر بن البابا (مشاركة في الموسيقى ، وفضّل مجالسة الصوفية على مجالسة الأمراء) [468]

وقد وفى النيل سنة 845  فصنف العوام غنوة :

النيل أوفى في أبيب              تعالى خش يا حبيب

يقول ابن اياس عن تلك الأغنية : ( وهو كلام مطول ولحّنوه ) [470]، هذا عدا أمثلة أخرى تدخل في الاستشهاد بمواضع لغير هذا البحث...

حفلات الغناء :

1 ــ وهذا العصر الذى إتخذ  الغناء شعيرة دينية إزدهرت الحفلات الغنائيةأو ( المغانى ) بتعبير العصر، ووجدت طريقها للتسجيل فى الحوليات التاريخية. فالمؤيد شيخ (أحضر المغاني وأرباب الالآت الى بركة النيل ، وانشرح في ذلك اليوم جدا ) على حد قول المؤرخ ابن اياس [472]. ويقول المؤرخ ابن اياس ( وهو ايضا من أصل مملوكى وقد عاصر السلطان الغورى) أن السلطان الغورى الهاوى للموسيقى كان يهتم  بأصحاب المغاني وأرباب الالآت، ويصطحبهم معه في سفراته ونزهاته [474].

4 ــ وشاركت فرق أو جوق (المغاني ) في الاحتفالات الرسمية، فى انتصار السلطان او فى توديعه أو فى إستقباله عند قدومه من السفر . وعندما دخل برقوق القاهرة بعد إنتصاره على غريمه الأمير منطاش وكان الى جانبه السلطان القلاوونى الطفل المنصور ( لاقتهما المغاني ) [476]وحين عاد السلطان المؤيد شيخ إلى مصر( قعدت المغاني صفوفا على الدكاكين تدق بالدفوف ) [478]. وكانت المغاني تزفُّ كتاب الوقف على المؤسسات الصوفية فى شوارع القاهرة ، [480]...

أخيرا : ملامح للتأثر بالتصوف فى الغناء المصرى الحديث والمعاصر

هذا يحتاج بحثا مستقلا ، ونشير اليه فى لمحة:

1 ـ لاتزال بصمات المتصوف واضحة في الغناء المصري الحديث والمعاصر . كانت مجالس الذكر الصوفى مدرسة لتخريج المغنيين ، ففيها نبغ عبده الحامولى ومحمد عثمان والشيخ سلامة حجازى و الشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ سيد درويش. وفي القرى المصرية مئات من قراء الموالد هم في الأصل من أتباع الصوفية . وليس غريبا أن يُلقب اعلام الفن المتأخرون بالمشيخة كالشيخ صالح عبدالحي والشيخ زكريا أحمد، وفى عصرنا الشيخ إمام والشيخ سيد مكاوى. وليس غريبا أن تبدأ ام كلثوم حياتها بالإنشاد الصوفي في حلقات الذكر ، وأن يكون استاذها فى الغناء الشيخ أبو العلا ، وأن يبدأ محمد عبدالوهاب حياته صبيا مغنيا  في مسجد الشعراني..!....

2 ــ  وحقيقة والأمر أن التصوف مؤثر في الغناء المصري، إمّا  بالأصالة حيث كان المتصوفة هم اهل صناعة الغناء المصري تأليفا وتلحينا وتطريباً ، وإما بالتأثير غير المباشر حيث أوجدوا الجو الملائم لازدهار الغناء . بل كانت ولا تزال الحفلات الدينية للذكر الصوفى يصدح فيها الغناء العادى بالعاطفة الملتهبة للمحبوب ، ويرقص عليها الصوفية وهم يتخيلون إلاههم هو ذلك المحبوب طبقا لعقيدتهم فى الاتحاد والحلول ووحدة الوجود. كما نلمح مظاهر الوجد الصوفي من المستمعين فى الحفلات العادية والشعبية ،حيث التهليل وصراخ الاستحسان من الجمهور ـ مقترنا بلفظ الجلالة والدعاء والصلاة على النبي عليه السلام والعبارات الدينية الأخرى، حتى في سماع الأغاني الماجنة ..

3 ــ والأغنية المصرية المعاصرة لا تزال محملة بالتأثير الصوفى : إذ يغلب عليها الاتجاه العاطفي المبالغ فيه كما لو كان المحبوب  كائنا مقدسا ، أو ( وليا صوفيا ) ويكون المغنى ( مريدا له ) . ومع التهافت المزرى على المحبوب فإن المُحبّ لا يتحرك الى لقاء المحبوب ، بل يظل فى مكانه ينادى من يأتي له بحبيبه ، وهو دائما يظل يهتف بهذا لا يملّ ، مكتفيا بالنداء والقعود ، مثلا : هو لايذهب للمحبوب يعترف له بالحب ـ بل يجلس مكانه متكاسلا يقول ( قولوا له الحقيقة ..قولوا له بأحبه من أول دقيقة ) ، وحين يريد أن يعطى هدية للمحبوب يظل فى مكانه يطلب من الآخرين إحضار هدية للمحبوب ( يا رايحين الغورية هاتوا لحبيبى هدية ) . وحتى لو جاءه المحبوب يريد الزواج فإنه يظل قاعدا فى مكانه ينادى ( قولوا لمأذون البلد ييجى يكمل فرحنا ). وهذا التواكل من القيم الاجتماعية التى أرساها التصوف، وتعبر عنه الأغنية المصرية حتى الآن بلا خجل ولا وجل .

ولقد أشاع التصوف الشذوذ الجنسى وتعرضنا لذلك فى كتاب الانحلال الخلقى .وانعكس هذا فى التعبير عن المحبوبة الانثى بالمذكر ( يا حبيبى ـ وليس حبيبتى ) وشاع هذا فى قصائد الغناء ولا يزال ساريا ، حيث يصدح المطرب ينادى الحبيب وليس الحبيبة ـ هذا فى الأغلب طبعا.

هذا مع نغمة الحزن والسهر والسُهد بلا مبرر، والشكوى بلا طائل ، والهجر والحرمان والشوق الذى يعصف بالأبدان ، ( ثم إذا تزوج حبيبته عاملها كجارية بلا حقوق واعتبرها ناقصة عقل ودين .!!) .

الأغانى الشعبية فى الدلتا والصعيد والمقترنة بالمواويل يتسع مجالها ، ليس فقط فى الحب  ولكن أيضا فى رواية الحكايات الشعبية التراثية أو المصنوعة والتى تعبر بصدق عن العقلية الجمعية للعوام . وهى لا تتوانى فى إعطاء المواعظ والنصائح ، بالحث على الصبر والرضى بالأمر الواقع أى (المقسوم) والتخويف من غدر الأيام ومن ( العزول ) أى الخصم  الشامت و ( العويل ) أى البخيل ناكر الجميل ، والإشادة ب ( الأصيل ) أى الشهم أو ( الجدع ) .

إلّا أن الأغانى العادية التى تطارد الناس فى ( وسائل )الاعلام و( وسائل المواصلات) تركّز على الحب بين الذكر والأنثى ، وتتوارى فيها مشاعر الحب خارج هذا النطاق ؛ فقلما تجد أُغنية عن الحب الأخوى والصداقة والجيرة والأقارب والوالدين وحُب الانسانية والقيم العليا،  بل لا تجد أثرا لوصف جمال الطبيعة ومباهج الحياة ، كل ذلك يتم إختزاله فى عشق رجل لمراة أو إمرأة لرجل .

كل هذا فى رأينا يهون ولا بأس به ، أما الذى نرفضه فهو استخدام لفظ الجلالة " الله" ليس فقط فى الغناء ، ولكن أيضا كفاصلة موسيقية . هذا يعكس الأصل الدينى الصوفى الذى جعل الدين  لهوا ولعبا .

 

 

 

 

 

أثر التصوف في الفنون المعمارية والزخارف المملوكية

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

  أثر التصوف في الفنون المعمارية والزخارف المملوكية ...

مدخل

1 ـ ليس فى الاسلام اهتمام بالمظهر لأنه دين التقوى القلبية فى الايمان بالخالق جل وعلا وحده ، وبإخلاص العبادة له وحده . والصلاة فى الاسلام لا يشترط فيها أن تكون فى جماعة ، بل ربما تكون صلاة الجماعة فرصة للرياء كما كان يفعل المنافقون خداعا لله جل وعلا : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) التوبة) .ولا يشترط ان تكون الصلاة فى مساجد ، بل المهم ان يكون العابدون فى ( بيوت ) يعمرونها بالتقوى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) النور )  وأن تكون الصلاة خاشعة لرب العزة ، فالمؤمنون المفلحون هم الذين فى صلاتهم خاشعون وعليها يحافظون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) المؤمنون). هى ( إقامة الصلاة) التى تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ   )(45)العنكبوت )، وتعمير المساجد ليس بزخرفتها ولكن بتعمير قلوب روادها بالخشوع والتقوى : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)التوبة ). هذا فى الاسلام القائم على تعمير القلوب والسمو بالسلوك .

2 ــ أما الدين الأرضى فهو مؤسس على الاحتراف الدينى والتدين السطحى المظهرى ، لذا ترتفع فيه المعابد سامقة عالية مزخرفة مزينة ، تبعث الرهبة فى النفوس ، ليحوز الحجر على التقديس ، وخصوصا حجر القبر المقدس أو الصنم المقدس أو الوثن المقدس .

والعمائر المملوكية الدينية لا تزال شاهدا على الفخامة حتى الآن ، وهى تشكل معظم الآثار الدينية فى القاهرة . ومن عجب أننا لا نجد من آثار المماليك قصورا لهم ، وحتى القلعة مركز الحكم ومقر السلطة ـ بناها صلاح الدين الأيويى . ولم يحرص المماليك على بناء قصور لهم بجوارها ، بل حرصوا على بناء (ترب ) أو مدافن ومقابر لهم ، وأقاموا على تلك الترب مؤسسات صوفية فخمة من الخارج مزخرفة من الداخل ، وعينوا فيها من يتفرغ فى الدعاء لهم ليدخلوا الجنة ، ووظّفوا من يقوم فيها بتدريس العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير وقراءة قرآن وتعليم أيتام ليكون هذا ثمنا لدخولهم الجنة وتكفيرا عن ظلمهم البشع . وهم بذلك ممثلون حقيقيون لأتباع أى دين أرضى ( مزخرف ) ( منمق ) ، تخفى زخرفته ظلما للخالق جل وعلا وللناس أيضا . ويوم القيامة سيرون أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار: ( كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ (167) البقرة )

3 ــ ونعطى لمحة عن أثر التصوف فى الفنون المعمارية في القباب والزخارف بأنواعها حتى في غير المعمار....

 القــبــاب

1 ـ توجد القباب فى معظم معابد الأديان الأرضية ، بل تتشابه قباب بيوت العبادة للمحمديين والمسيحيين ، لذا كان سهلا تحويل كنيسة آيا صوفيا فى القسطنطينية الى مسجد محمد الفاتح بعد فتحها . ويرى الباحثون المتخصصون أن القباب كانت أهم مميزات العمارة المملوكية الذى كان العصر الذهبى للعمارة الدينية ، فهو عصر التصوف وعصر القباب أيضا.، وأُطلق على المماليك (بناة القباب) ، حيث كانت القبة إحدى ميزات ثلاث للعمارة المملوكية ، تلك العمارة التي كان يلحق بها ضريح المنشيء ، فانتشرت القباب على منشئات دينية وغير دينية وانتشر بناء المدافن الكبيرة وهى تتشابه فى تصميمها الى حد كبير [482] ، وبذل معمار العصر جهده لتشرف القباب على الطريق [484]..

3 ـ وتنوع استخدام القباب فكانت تستعمل غطاء للأضرحة خصوصا . واستخدمت القباب الصغيرة كمناور في سقف المسجد وردهات الدور لإضاءتها ، بل وسُقفت الحمامات بالقباب ، وأُستعملت لتغطية الميضات (دورات المياه) في وسط صحون المساجد المكشوفة  [486]  ليصبحا معا أهم علامتين للعمارة الدينية فى العصور الوسطى .

4 ـ وتطورت القبة  فىعصر المماليك البحرية فكانت أكبر حجما وتدل على مكان  القبلة كما في مسجد بيبرس والناصر محمد والمارداني . وشهدت دولة المماليك البرجية نهاية تطور القبة ذات المقرنصات مع زيادة عدد صفوف المقرنصات ، وصغر حجم القبة والإسراف الشديد في زخارف القبة الخارجية .

5 ــ واعتنى عصر المماليك البرجية بالأضرحة مع التسيد المطلق وقتها للتصوف وتقديس أوليائه ، فأصبح الضريح أهم أجزاء المنشأة ، وكان الضريح قبل ذلك فى دولة المماليك البحرية فى ركن غير ظاهر . أكثر من هذا ، فقد أحيا عصر المماليك البرجية الأسلوب الفاطمى الشيعى فى تشييد أبنية مستقلة للأضرحة . [488] ، تبعا للقدوم الصوفى لمصر من الشرق والغرب .

وواجهة مسجد الأمير سلار والأمير سنجر الجاولى فريدة في نوعها ، وتجاورهما مئذنة ، وتمتاز القبتان بشكلهما المضلع من الخارج .

وفي الرواقين الجانبين فى ضريح وخانقاة السلطان برقوق تجري البائكات في اتجاهين متعامدين مكونين قبابا منخفضة محمولة على مثلثات كروية .

وتشمل خانقاه برسباي بالقرافة على قبة حجرية عظيمة تظهر فيها عظمة القباب المملوكية الطراز [490]..وكان تشييد الخوانق سببا في إيجاد مظاهر معمارية متعددة كالمقعد لصاحب المنشأة ليجلس عليه عند زيارته لها. واتخذ  المقعد اشكالا واوضاعا مختلفة  [492] . وبتصغير مساحة  المنشأة في الدولة البرجية بولغ في النقش والزخرفة .[494].. وتفنن المعمار المملوكى في زخرفة الواجهات والأبواب بتتابع طبقات أو مداميك أفُقية  من أحجار مختلفة الألوان أوفي عمل تجاويف او حنايا عمودية او بالمقرنصات والولايات المحفورة في الحجر والخط الكوفي  [496]..

3 ـ وابتعدت الزخارف عن تصوير وتجسيد البشر تحاشيا لعبادة الأصنام ، بينما وقعوا فى تقديس القبور ، وهى ألعن وأضل سبيلا .!

زخــرفــة الـكــتــب

1 ــ ومن ناحية أخرى كانت العناية بزخرفة جلود المصحف والكتب . ويرى السبكي انه من الحلال تحلية المصحف بالذهب مطلقا ، واما غير المصحف فقد اتفق أنه لا يجوز تحليته بالذهب [498] . وعمل اتباع الشيخ جمال الدين الشيرازي في تجليد الكتب  [500] أي انه طوف بتلك البلاد من حماة الى مكة ومنها الى القاهرة التى استقر بها حيث تروج حرفته، وتوظف صوفيا في حانقاة سعيد السعداء .

3 ــ وانفردتمصر المملوكية بنوع معين من الجلود ، قوام زخرفته رسوم هندسية او أشكال متعددة الاضلع مجتمعة في اشكال نجمية . وقد اشتهرت صناعة التجليد عند الأقباط قبل الفتح العربى ، إلا انها تطورت واتخذت الشكل (الاسلامى ) منذ القرن السابع بابتداء ازدهار التصوف. ثم بلغ فن التجليد في مصر أرقى مراتب التقدم في القرن الثامن، ومنذ ذلك الوقت قادت القاهرة فن التجليد ، حتى لقد استقدم تيمورلنك إلى بلاطه مهرة المجلدين المصريين .

4 ــ ويمتاز تجليد الكتب العربية والمصاحف والربعات المملوكية ( أجزاء المصحف ) بتغطية جلدة الكتاب كلها بزخارف هندسية متشابكة مطبوعة بالآت محمّاة ، وكان يزيد في رونقها زخارف ذهبية مضغوطة ....

5 ـ وبلغت صناعة التجليد في مصر أوج عظمتها حقا في القرن التاسع الهجرى الذي شهد انتاج أفخر المخطوطات وأثمن المصاحف ذات الخطوط الجميلة والزخارف من الجلود الفاخرة . ويعتبر هذا القرن العصر الذهبي لصناعة تجليد الكتب والمصاحف من حيث المهارة الفنية والغنى والرشاقة التي تتضح في زخارف ورسوم الجلد التي تضم المخطوطات والمصاحف. ورأيت بنفسى بعضها فى قسم المخطوطات فى دار الكتب المصرية ـ لا تزال تحتفظ برونقها بعد مئات السنين .!

6 ــ وعنوا أيضا بباطن المجلد وألبستها مع الكعب واللسان . وقد اشتهر ذلك الابداع الفني عموما في القرن التاسع وبداية القرن العاشر . وغطت الزخارف أحيانا السطح كله بالضغط أو الدق بآلات بسيطة .

7 ــ ولا شك أن فنون العمارة المملوكية وزخارفها قد أثرت على فن التجليد لدرجة أننا نجد الأشكال الهندسية والطبيعية سواء في الحجر والحصى والخشب ــ في جلود بعض المخطوطات والمصاحف التي ترجع إلى نفس العصر . [502]..

الكتابة الفنية :ـــ( فنّ الخطّ العربى )

1 ــ كانت الكتابة الفنية إحدى عناصر الزخرفة في المعمار وتجليد الكتب . فواجهات الحوائط كان يتم زخرفتها بآيات قرآنية وأحاديث مكتوبة بخط رائع ، وكذلك الحال فى تجليد الكتب .

 2 ـ  وقد حرصوا على تدريس مادة ( الخطّ ) وأنواع الخطوط في المؤسسات الصوفية ، وإخترع الصوفية أنواعا جديدة من الخط ، أصبح منسوبا اليهم ، الى جانب الخطوط المختلفة المعروفة باسم ( النسخ ، الرقعة ، الكوفى )..الخ . وعرفت المؤسسات الصوفية وظيفة التكتيب أى تعليم هذه الخطوط المختلفة ، ومدرس الخطّ أو ( التكتيب ) كان يعلم الخط المنسوب للصوفية وغيرهم ، كما ورد في حجة جوهر اللالا . وممن تولى هذه الوظيفة في الخانقاة الأشرفية برسباي الشيخ فخر الدين موسى.  وممن اشتهر بخطه في العصر المملوكي الشيخ خطاب الدنجيهي ، وقد كتب عدة مصاحف وغيرها للسلطان قايتباي ويشبك الداودار ، وتصدر للتكتيب بالجامع الأزبكي .

3  ـ ومدرس الخط ( أو التكتيب ) كان ينال أجازة ( أو شهادة ) في الخط تسمح له بتدريس الأنواع المختلفة من الأقلام الصوفية بالخوانق وغيرهم . وكانت الاجازة أو الشهادة الدراسية ــ بوجه عام ــ  يمنحها الأساتذة لطلابهم في مادة معينة عندما يصبح الطالب قادرا على تدريسها لغيره كعنوان للإجادة . وكان الشيخ أبو الفضل بن الأعرج السنباطي كاتب وثائق الغوري (ممن تصدي للتكتيب ) فى عصره  . وجاء في وثائق وقف الغوري :( يصرف لرجل كاتب ديّن ( أى متدين ) خيّر مأمون عالم بعلم الكتابة مُجازا  بالأقلام السبعة ( انواع الخطوط السبعة ) يقرره الناظر في وظيفة التكتيب بهذا الوقف ، على أن يتردد للمكتب المذكور....فى كل أسبوع ، ويعلم الناس فنون كتابة ما يرغبون في تعليمه منه )[504]

هذا .... وقد كانت خيمة المولد النبوي التي صنعت لقايتباي من عجائب الزخرفة فى عصرها  يقول عنها ابن اياس : ( وكانت تلك الخيمة من جملة عجائب الدنيا ... وكانت كهيئة القاعد ولها أربعة أواوين وفوقهم قبه بقمريات ، والكل قماش ، وكان فيها تقاصيص غريبة وصنايع عجيبة ، لم يعمل الآن مثلها ابدا ، فكانت اذا جاءت أيام المولد يحضرون جماعة من النواتية نحو خمسمائة انسان ، حتى ينصبونها في الحوش السلطاني . وكانت ضمن شعار المملكة )... (تاريخ ابن اياس 5 / 172 تحقيق محمد مصطفى )

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[2]ــ ابن الجوزي تلبيس إبليس 397 ، 343 ، 328 ، 329

[4]ــ أحمد محمود صبحي : التصوف إيجابياته وسلبياته .. عالم الفكر ص 361

[6]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 91 ، 74

[8]ــ الشعرانى آداب العبودية  15

[10]ــ الطويل : الشعرانى إمام التصوف في عصره 101

[12]ــ الشعرانى الجواهر والدرر 264

[14]ــ لطائف المنن 266 ، 374

[16]ــ فتوح النصر مخطوط 2 / 259

[18]ــ المدخل 2 / 166

[20]ــ الشعرانى الميزان الخضرية  39

[22]ـ الشعرانى ـ الجواهر والدرر   257

[24]ــ الشعرانى الطبقات الصغرى  31

[26]ــ الدرر الكامنة 4 ــ 392

[28]ــ الجواهر والدرر 286

[30]ــ طبقات الشاذلية 111

[32]ــ الشعرانى  لطائف المنن 404

[34]ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 254

[36]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 ــ 27 : 28

[38]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى  2 / 19

[40]ــ أخبار القرن العاشر مخطوط 198 : 199

[42]ــ لواقح الأنوار  271

[44]ــ عبد الصمد ــ الجواهر ــ 11 ، 84 ، 36

[46]ــ عبد الرؤوف سعد مقدمة الجوهرة للدسوقى

[48]ــ الطبقات الكبرى 1 ــ 172 ،  الضوء اللامع 1 ــ 332

[50]دائرة المعارف الإسلامية 13 ــ 57

 

[52]ــ ابن حجر رفع الأصر 351 ر 352 ، اليافعى مرآة الجنان 4 ــ 153 ، 154 ، الشعراني الطبقات الكبرى 1 ــ 15

[54]ــ راجع ثبت مؤلفات في القرعى : سلطان العلماء 27 : 29 ، على صافى حسين ابن دقيق العيد 50 : 51

[56]ــ دافع بعضهم عن العز وفسر علاقته بالشاذلى على انها صداقة وأن رقصه كان بمعنى الرقص الشائع في العصر المملوكي وأن تصوفه إشاعة سببها صلته بأشياخ الصوفية: ولكن لم ينقل عن العز إلا المدح للتصوف دون أدنى إشارة للإنكار مع ما عرف عنه  من حدة في الطبع وإنكار على الملوك .. راجع دفاع : محمد حسن عبد الله في كتابه : عز الدين بن عبد السلام ص 165 : 190

[58]ــ أبو الفيض المنوفي : جمهرة الأولياء  2 ــ 241

[60]ــ المدخل 2 ــ  102

[62]ــ لطائف المنن 293 : 294

[64]ــ لطائف المنن 100 ، 

[66]ــ النجوم الزاهرة 11 ــ 389 الذيل على رفع الإصر للسخاوى  90 ، البدر الطالع 2 / 234 ، 235

[68]ــ أنباء الغمر  2 / 80

[70]ــ ابن العماد الحنبلى : شذرات الذهب 7 ــ 51 ، 52

[72]ــ  المقدمة : 531  ، 522

[74]ــ الطبقات الصغرى للشعرانى 80

[76]ــ عبد الوهاب عزام مجالس الغورى 38

[78]ــ حمودة :  صفحات من عصر السيوطى 248

[80]ــ ضحى الإسلام 4/ 210 ، 214 ، 215

[82]ــ ظهر الإسلام 4 ــ 191 : 195

[84]ــ لمحة عامة إلى مصر 1 ــ 554

[86]ــ التبر المسبوك 401

[88]ــ على صافى حسين : ابن الصباغ القوصى 161

[90]ــ المقصد في عمل المولد 306 مخطوط مجاميع تيمور ..

[92]ــ حكم الأمرة مخطوط ورقة 40

[94]ــ في كتب المناقب وفي الطالع السعيد الأدفوى

[96]ــ عمار : الشاذلى 1 ــ 202

[98]ــ الإلمام للنويري مخطوط 1ــ 137 ، 231

[100]ــ العيدروس  النور السافر 2 : 5 مخطوط

[102]ــ الضوء اللامع 4 ــ 252

[104]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 1 / 144 ، 146

[106]ــ لواقح الأنوار 271

[108]ــ لواقح الأنوار 284

[110]ـ جولد زيهر ـ مذاهب التفسير الإسلامي 247 ، 282 ، 283

[112]ــ عبد الحليم محمود : أبوالعباس المرسى 91 : أعلام العرب 2 / 1967

[114]ــ أحمد محمود صبحى : التصوف اجابياته وسلبياته مجلد 6 عدد 2 / 350 : 354 يراجع معه عبد الحليم محمود كتابه المرسى 91 وما بعدها وكتابه عن الشاذلى 106 وما بعدها ولطائف المنن لابن عطاء 110 ، 119 ، 122 ، 125

[116]ــ أنباء الغمر 2 / 87 : 88

[118]ــ مناقب الوفائية مخطوط 100 ، 101

[122]ــ طبقات الشرنوبي مخطوط 2 :: 4

[124]ــ راجع عبد الحليم محمود : الشاذلى 101  وما بعدها، وكتابه ( أبو العباس المرسى 76 وما بعدها و103 وما بعدها

[126]ــ لطائف المنن لابن عطاء 16 وما بعدها

[128]ــ أحمد أمين فجر الإسلام 254 و 257 ، 329

[130]ــ 234

[132]ــ تلبيس إبليس 164

[134]ــ النجوم الزاهرة 13 ــ 164

[136]ــ تأيد الحقيقة العالية 5 وما بعدها

[138]ــ كوكب الروضة مخطوط 1 ، 2 ، 33 ، 34 ، 75 

[140]ــ مناقب السيوطى مخطوط ورقة 3

[142]ــ العيدروس : النور السافر فى أعيان القرن العاشر : 55

[144]ــ أنباء الغمر 2 . 309 ، 310

[146]ــ قواعد الصوفية 1 ــ 27 : 29 ، 50

[148]ــ رسائل الأحاديث الموضوعة مخطوط ورقة 424 ، رقمها بالدار 122 . مجاميع تيمورية ، آخر رسالة في المجموعة

[150]ــ السلوك 3 ــ 1 ــ 871

[152]ــ أورد السخاوى في الضوء اللامع 2 ــ 263 نقلا عن عقود المقريزى وهو كتاب مجهول

[154]ــ انباء الغمر 3 / 49

[156]ــ مؤلف مجهول : رسالة في الاحاديث الموضوعة 430 : 432 مخطوط 

[158]ــ رسالة في الأحاديث الموضوعة 425

[160]ــ روض الرياحين 86 جوهرة الدسوقى 94

[162]ــ المستظرف 2 / 237 : 238

[164]ــ تعطير الأنفاس مخطوط 215 : 216

[166]ــ الكواكب السيارة 345

[168]ــ رسالة الأحاديث 428 : 429 ، رسالة الأحاديث 430

[170]ــ اكتشفه الصوفية ونشروه اقرأه في خطط المويزي ط

[172]ــ رسالة في الأحاديث الموضوعة 427 : 520

[174]ــ مخطوط 18 ، 19 ، 20 ، 24 ، 25 ، 53 ، 64 ، 110 ، 130

[176]ــ هو صوفي كتب مناقب للصوفية بعنوان بهجة الأسرار

[178]ــ ابن تيمية : أحاديث القصاص تحقيق الصباغ من ص 67 وما بعدها 1 ..

[180]ــ ابن القيم الجوزية المنار المنيف ــ 136 ، 139

[182]ــ راجع الاستراحة المزورة في الأثر المعمارى

[184]ــ أبناء الغمر : مخطوط 1226 ، 1227 ، عقد الجان وفيات 847 ، النجوم الزاهرة 11 ، 209 ، 15 ، 500 ، راجع مناقب الحنفى 356 وما بعدها

[186]ــ خطط المقريزي : 4 / 201 : 256 ، 225 على الترتيب

[188]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 331 تحقيق محمد مصطفى وانظر تاريخ ابن اياس  1 / 230 ، 271 ، التبر المسبوك 276 ، أبناء الغمر 3 / 175 ، 425 ، انباء الهصر 194  المنهل الصافي ، الضوء اللامع 4 / 33 ، 6 / 216 ، وتحفة الأحباب 66 مجرد امثلة

[190]ــ النجوم الزاهرة 14 / 266 تاريخ ابن اياس 1 / 221 بولاق

[192]ــ تحفة الأحباب ، تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 792 ..

[194]ــ الدرر الكامنة 3 / 23

[196]ــ أبناء الهصر 222 ، 223  ، السلوك 4 / 1 / 313 ، 3 / 2 / 946  صبح الأعشى 3 / 33 النجوم 11 / 240 المنهل 2 / 134  ، تاريخ ابن اياس 4 / 68 ، 236  نفائس المجالس 36

[198]ــ عقد الجمان مخطوطة سنة 822

[200]ــ دولت حسن كريم الخوانق 37

[202]ــ هيئة وقف الجمال الاستادار انظر الملاحق إبراهيم 46 : 47

[204]ــ خطط المقريزي 4 / 113 وانظر غيره في الخطط 4 / 140 ، 136

[206]ــ وثيقة الغوري 83 سطر 1487

[208]ــ الضوء اللامع 2 / 211

[210]ــ الضوء اللامع 2 / 211

[212]ــ نهاية الإرب النويري مخطوط 30 / 22 : 33

[214]ــ السلوك 4 / 1 / 322 ، 324

[216]ــ محمد امين : تاريخ الأوقاف 287 ، 326 ، 272

[218]ــ الدرر الكامنة 3 / 219

[220]ــ طبقات الشاذلية 124

[222]ــ الاقتصاد لابن دقماق 100 ، 101

[224]ــ المنهل الصافي 2 / 376

[226]ــ معيد النعم 146 ــ 147

[228]ــ المنهل الصافي 4 / 456 ــ 574

[230]ــ خطط المقريزي 4 / 296

[232]ــ الطالع السعيد  339  طـ 1914

[234]ــ المنهل الصافي 5 / 271

[236]ــ إنباء الغمر 3 / 548

[238]ــ خطط المقريزي 4 / 276

[240]ــ النويري نهاية الإرب 30 ــ 12  ، عقد الجان مخطوط سنة 818 لوحة 419

[242]ــ نهاية الدب ـ مخطوط 29 / 30 ابن الفرات 8 / 9 ، 10 ، وثيقة الوقف في ملاحق السلوك ص 100 ملحق رقم 9

[244]ــ السلوك 2 / 1 / 13

[246]ــ شذرات الذهب 6 / 117 ، 184

[248]ــ أبناء الغمر 1 / 98 ، الدرر الكامنة 4 / 327ر

[250]ــ شذرات الذهب 6 / 105 ، 268 ، 362 ، 5 / 353 ، تاريخ ابن الفرات 1 / 2 / 477

[252]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 355

[254]ــ الضوء اللامع 1 / 10 ، 11 ، وانظر 46 ، 47

[256]ــ شذرات الذهب 5 / 447 ، 6 / 115 : 117

[258]ــ تاريخ ابن الفرات 9 /2 / 438

[260]ــ تاريخ الذهبي مخطوط لوحة 18 ج 31

[262]ــ السلوك 2 / 1 / 83

[264]ــ شذرات الذهب 7 / 75

[266]ــ معيد النعم 149

[268]ــ ابن ايبك 153

[270]ــ السلوك 4 / 1 / 284

[272]ــ وثيقة مغلاطاى الجمالى

[274]ــ تذكرة النبيه تحقيق محمد امين 1 / 116

[276]ــ مناقب الحنفى 301 : 303 ، 286 : 287

[278]ــ النجوم 8 / 280

[280]ــ ذكرته الحوليات التاريخية كل سنة

[282]ــ راجع بعضها في أبناء الغمر 3 / 18 أبناء الهصر 305 النجوم الزاهرة 15 / 494 ، الخطط 4 / 268

[284]ــ الدرر الكامنة 3 / 11

[286]ــ المنهل الصافي مخطوط 3 / 143 : 144

[288]ــ النجوم 11 / 94 ، حوادث الدهور 2 / 373

[290]ــ الوافى بالوفيات 2 / 11

[292]ــ شذرات الذهب : بالترتيب 7 / 147 / 6 / 158  7 / 44 ، 6 / 149 ، 6 / 44  الضوء اللامع 1 / 7= : 20  6 / 167 ، 6 / 120 / 5 / 125 

[294]ــ الشعراني : لطائف المنن 43 / 44 ، 52 ، 55 ..

[296]ــ رفع الأصر عن قضاة مصر 33

[298]ــ شذرات الذهب 6 / 171

[300]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 421

[302]ــ نزهة النفوس 1 / 388

[304]ــ السلوك 4 / 2 / 730 ، 4 / 2 / 619  وانظر 661 سنة 827

[306]ــ خطط المقريزي 4 / 219

[308]ــ خطط المقريزي 4 / 296

[310]ــ وثيقة فرج ابن برقوق ، خطط المقريزي 2 / 403 ، 424 ، 402 نقلا عن المكتبة المملوكية عبد اللطيف إبراهيم

[312]ــ وثيقة مغلطاي الجمالي

[314]الضوء اللامع 4 / 245 ، 246 ، الضوء اللامع 4 / 313

[316]ــ حجة برسباي نشر دراج 4

[318]ــ عقد الجمان مخطوط سنة 793 لوحة 38 ع

[320]ــ وثيقة وقف جمال الاستادار

[322]ــ وثيقة الغوري 44 نشر عبد اللطيف

[324]ــ المنهل الصافي 5 / 279

[326]ــ الضوء اللامع 2 / 262  ، انباء الغمر 3 / 430

[328]ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 342

[330]ــ التبر المسبوك 246 ، 192

[332]ــ الضوء اللامع 3 / 135

[334]ــ التبر المسبوك 380

[336]ــ الطبقات الكبرى للشعراني 2 / 95

[338]ــ الدرر الكامنة 4 / 232 ــ 233

[340]ــ الغزى الكواكب السائرة 1 / 282

[342]ــ مراجع ترجمة في الضوء 3 / 93 ، 1 / 10 شذرات الذهب 7 / 108 أبناء الغمر 2 / 523 ، التبر المسبوك 131 ديوان البوصيري 8

[344]ــ الطبقات الكبرى للمناوى 350

[346]ــ المغزى : الكواكي السائرة 1 / 224

[348]ــ البحر المورود 30 ، 269 ، 287

[350]ــ معيد النعم 170

[352]ــ السلوك 3 / 2 / 946

[354]ــ خطط المقريزي 4 / 283

[356]ــ الضوء اللامع 3 / 220 : 221

[358]ــ التبر المسبوك 176

[360]ــ الطبقات الكبرى 2 / 124

[362]ــ عبد اللطيف إبراهيم : رسالة الدكتوراة 146 : 147 ، الدوريات 243

[364]ــ محمد أمين الأوقاف في العصر المملوكي 349 ، 351 ، 353 ، 355

[366]ــ حوادث الدهور 2 ــ 263

[368]ــ محمد فهمى عبد اللطيف : البدوى 14

[370]ــ أبناء الغمر 3 ــ 166

[372]ــ تاريخ سلاطين المماليك نشر زيزسين 122

[374]ــ راجع نماذج في روض الرياحين 21 ، 22 ، 36 ، 37

[376]ــ عاشور: البدوى 68

[378]ــ للباحث بحث في خصائص القصة الصوفية في العصر المملوكي رأينا إهماله اختصارا ولأنه لا يدخل في صلب الموضوع ..

[380]ــ دائرة المعارف 4 ــ 376

[382]ــ  ــ ألف ليلة وليلة طــ بولاق 2 ــ 388

[384]ــ راجع 3 ، 4  من روض الرياحين

[386]ــ زغلول سلام : الأدب في العصر المملوكي 2ر 111

[388]ــ زغلول سلام 1ر 228 ، 2ر 110 ، 111

 392 ـ الصفدى : نكت الهميان 115 : 116

 :  393 : النجوم الزاهرة 12 / 116

395 ــ  البدر الطالع للشوكانى 1ر 37 / 2ر 251

397 ــ  الدرر الكامنة 1 / 264 و الضوء اللامع 2ر 262

   

[400]ــ   المنهل الصافي 3ر 348 ، 5ر 279 ، الدرر الكامنة 1ر 25 ، 2ر 385 ، 3ر 23  ، التبر المسبوك 22 ، 11، 111 الضوء اللامع 4ر 252 الوافى بالوفيات 1ر 266 الذيل على رفع الأصر 134

 

[402]ــ  نفس المرجع السابق : كيلانى

[404]ــ عقد الجمان وفيات 830 لوحة 201

[406]ــ ديوان البوصيري 201 : 212 المنهل الصافي 3ر 75 قوات الوفيات 2ر 485 : 486

408 ـ  ديوان البوصيري 38 ، 61 ، 77 ، 330 ختام الجواهر السنية 84 وما بعدها ، ديوان البوصيري 59

[408]ــ النجوم الزاهرة 11 ، 193

[410]ــ المستظرف 2ر 199 : 203 راجع الأبيات فيها وديوان ابن نباتة 115 ، 187 ، 268 ، 269 الشاب الظريف 69 ، 70 ، 76 وما بعدها ..

[412]ــ فوات والوفيات 1ر 101 : 8 : 1 ..

414 ـ ديوان الشاب الظريف 32 ، 33 ومثلها 68

[414]ــ البداية والنهاية لابن كثير 13 ر 314

[416]ــ تاريخ ابن الفرات 8ر 74

[418]ــ الصفدى : شرح لامية العجم  1 / 106

420 : السخاوى : التبر المسبوك 220 : 221

[420]ــ ديوان البهاء زهير 81 ، 111

[422]ــ ديوان  البوصيرى 103 ، الوافى بالوفيات 3/  106

[424]ــ الغزى الكواكب السائرة 1 / 284

[426]ــ الدرر الكامنة 2 / 237   

[428]ــ حمودة :  صفحات من عصر السيوطى   135

[430]ــ ديوان البوصيري 5 ، 28 ، 29 ، 37 : 39 ، 49 ، 38 ، 80 ، 88 ، 100 ، 120

[432]ــ الديوان 10 ، 111 ، 87

[434]ــ التاريخ مخطوط 2 ــ 340

[436]ــ العصر مخطوط 6 ــ 1 ــ 41 : 42

[438]ــ الشعرانى الطبقات الصغرى 15

[440]ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 352

[442]ــ     الطبقات الكبرى للشعرانى 2ر 160

 

[444]ــ  عقد الجمان : مخطوط : وفيات 821 لوحة 471

[446]ــ ابن حجر : الدرر الكامنة 2 / 302

[448]ــ الدرر الكامنة 2 / 302

 

[450]ــ  المنهل الصافى 4 / 300

[452]ــ  الضوء اللامع 3 / 119 ، المنهل الصافى لأبى المحاسن 3 / 105

[454]ــ النجوم الزاهرة 11ر 220 ، 221

[456]ــ تاريخ الجزرى 1ر353 مخطوط

[458]ــ الضوء اللامع 2ر300

[460]ــ المنهل الصافى 1ر279 : 280 ، شذرات الذهب 7ر238

[462]ــ النجوم الزاهرة 14ر 110 ، تاريخ ابن اياس 2ر 61 ، 62 تحقيق محمد مصطفى

[464]ــ تاريخ ابن اياس 4ر 401

[466]ــ النجوم 15ر 528

[468]ــ تاريخ ابن اياس 2ر 21  تحقيق محمد مصطفى

[470]تاريخ ابن اياس 2ر 229 تحقيق محمد مصطفى

[472]ــ النجوم 11ر8

[474]ــ فتوح النصر مخطوط 7ر264

[476]ــ عيون التواريخ 2ر242

[478]تاريخ ابن اياس 2ر335 تحقيق محمد مصطفى

[480]ــ تاريخ ابن اياس 4ر230 ، 258 ، 280 ، 285

[482]ــ عمائر اينال 57

[484]ــ عمائر اينال 69

[486]ــ كريستى :  تراث الإسلام 151 : 152

[488]ــ سامح 82

[490]ــ سامح 86 ، 97 ، 99 عمائر اينال 57

[492]ــ تاريخ العمارة 2 / 326 ، عمائر اينال 59

[494]ــ لين بوك سيرة القاهرة 198

[496]ــ دولت الخوانق 188 : 207

[498]ــ المنهل الصافي مخطوط 5 / 255

[500]ــ الضوء اللامع 4 / 242

[502]ــ كريستي  تراث الإسلام 88 : 91 عبد اللطيف ابراهيم دوريات القاهرة 20 ر 86

[504]ــ تاريخ ابن اياس 5 / 172 تحقيق محمد مصطفى

( أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
هذا الكتاب
سبق نشر كتاب ( اثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) من رسالة الدكتوراة التى نوقشت فى جامعة الأزهر فى اكتوبر 1980. وننشر أهم ما بقى من فصول تلك الرسالة فى هذا الكتاب: ( أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية) ، ونتابع فيه ما سبق نشره ، أى كتاب ( اثر التصوف فى الحياة الدينية ) بأجزائه الثلاثة. وكتاب ( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ). وستُضاف خاتمة لهذا الكتاب (أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
مع ملاحظة أن هذا الكتاب بالذات تعرض لتفصيلات فى العصر المملوكى ، العلمية والتعليمية والأدبية والفنية والمعمارية والاجتماعي ة ، ولكن فى لمحة عامة تفرضها
more




مقالات من الارشيف
more