ناجيان من مركب تركيا «المشؤوم»: الحكومة تدفع الشباب إلي الموت
حمل اثنان من الناجين من رحلة الموت علي المركب الغارق قرب السواحل التركية فجر الثلاثاء ١١ ديسمبر الماضي، الحكومة مسؤولية موت زملائهما أثناء تسللهم بشكل غير شرعي عبر سواحل البحر المتوسط، مؤكدين أن الحكومة هي التي تدفع الشباب إلي الموت، لعدم توفيرها حياة كريمة لهم، فيما طالب الأهالي الرئيس مبارك، بسرعة التدخل للإفراج عن أبنائهم السبعة المسجونين في سجن «وان» التركي، خوفاً من ترحيلهم إلي إيران، بعدما ترددت أنباء عن نية الحكومة التركية توجيه تهم الإرهاب للشباب، بحجة إلقاء القبض عليهم أثناء محاولتهم التسلل بشكل غير شرعي من الحدود الإيرانية، كما جدد أهالي المفقودين وعددهم ٨، اتهاماتهم لـ«الخارجية» بالتقصير في البحث عن أبنائهم في السجون التركية واليونانية.
وروي الناجيان علي مدار ٣٦ ساعة، وهما من أبناء قرية بساط كرم الدين في الدقهلية لـ«المصري اليوم»، لحظات الموت التي واجهها الضحايا أثناء غرق المركب الذي كان يقل نحو ٣٦ مصرياً بينهم ١٥ من أبناء القرية، والناجيان هما: مختار سراج عيد سراج وحسين حسين السيد، فضلاً عن التحقيقات التي جرت معهما لأكثر من ١٠ أيام.
وقال حسين حسين «٣٣ سنة»: كنت أعيش ومعي زوجتي وبناتي الثلاث: سارة وهاجر ومريم، في الأردن منذ عامين ونصف العام، ولكن دخلي كان ضئيلاً، حيث كنت أعمل «استورجي» باليومية، ولأن المصري في الدول العربية مهضوم حقه، فقد كنت أجدد الإقامة كل سنة بحوالي ٤٠٠٠ جنيه، ولذلك قررت المجازفة والهجرة إلي اليونان للحصول علي فرصة عمل جيدة أستطيع من خلالها شراء منزل جديد غير المنزل المشترك، الذي أعيش فيه مع أخي وزوجته وأبنائه الأربعة، بالإضافة لأمي وشقيقتي المطلقة وطفلها.
وأضاف: اتفقت مع شاب سوري علي تهريبي لسوريا ومنها إلي تركيا مقابل ١٥٠٠ دولار، اقترضتها من أحد أصدقائي المصريين بالأردن، وبالفعل قام الرجل بتهريبي إلي سوريا، وانتظرت بها ٦ أيام، ثم قمنا بالسير علي الأقدام لمدة ٨ ساعات وسط الجبال من منطقة «إدلب» بسوريا إلي أنطاكيا بتركيا، ومنها إلي أزمير، حيث مكان التجمع لانتظار المراكب وتقابلت مع مصريين لمساعدتي علي الهروب إلي اليونان، وبالفعل اتفقت مع شخص تركي علي تهريبي مقابل ١٥٠٠ يورو، وانتظرنا بأزمير ٦ أيام في انتظار المركب، وفي الثانية صباحاً يوم الثلاثاء ١١ ديسمبر صعدنا علي سطح المركب المشؤوم، متجهين إلي اليونان وعلي متنه ١٠٢ راكب بينهم ٢٦ مصرياً.
ثم قام صاحب المركب، وهو تركي الجنسية، بتوزيع شنابر علي الركاب لاستخدامها في حالة غرق المركب، وتركنا مع اثنين آخرين لقيادة المركب إلي اليونان، وبعد ساعتين تقريباً، وبعد دخول المياه الدولية، ارتفعت الأمواج بشكل رهيب، ولم يصمد المركب وبدأ يدور حول نفسه، ثم انقلب علي جنبه وسقطنا جميعاً في المياه، ورأيت الأمواج تتخطف الشباب من حولي وأنا لا أعرف «العوم» أصلاً، ولم أسمع وسط الظلام والأمواج سوي أصوات الدعاء لله والتشهد، ممزوجاً بصراخ الباقين بلغات مختلفة، وقذفني الموج بعيداً وبدأت أتذكر زوجتي وبناتي الثلاث، اللائي تركتهن في الأردن بمفردهن،
وتذكرت أمي، التي وعدتها بالحج وبدأت أذكر الله وأسبحه واستغفره كثيراً والموج يتقاذفني إلي المجهول، ومضي علي ٢٤ ساعة من الموت البطيء داخل المياه، بعد أن أصبحت بمفردي ومع بداية شروق شمس اليوم التالي، بدأت أشعر بالموت يدب بأطرافي وبعدها دخلت في غيبوبة ولم أشعر بأي شيء، إلا وأنا علي الشاطئ، وتحيط بي عدة جثث، وجسدي كله جروح من الصخور، وفوجئت بأن جسدي موجود خلف صخرة تفصله عن المياه وتحميه من الأمواج، ولم أتمكن من الحركة، فبدأت في الصراخ حتي تجمع الناس والشرطة ونقلوني إلي المستشفي ودخلت العناية المركزة لمدة ٧ أيام.
أما مختار سراج عيد «٣٦ سنة» فجاءت روايته كالتالي: كنت موجوداً علي المركب مع ١٥ شاباً من أبناء قرية بساط كريم الدين، وكل منهم سافر بطريقة مختلفة، والتقينا بأزمير في مكان التجمع، فقد سافرت أنا إلي سوريا بتأشيرة سياحية، وهناك اتفقت مع أحد الشباب علي تهريبي إلي تركيا عن طريق البر، وبالفعل قمت مع عدد كبير من الشباب من جنسيات مختلفة، بالسير لمدة يومين في الجبال مع دليل سوري، بعيداً عن أعين شرطة الحدود، وانتظرت في تركيا أسبوعين حتي ركبت المركب فجر الثلاثاء، وكان يقوده قبطان تركي ومعه المساعد، وبعد ساعة واحدة تركنا القبطان عند جزيرة صغيرة، وترك المركب للمساعد، الذي سار بنا متوجهاً إلي اليونان،
وقبيل الفجر بدأنا نري الأنوار علي الشاطئ اليوناني، وأخبرنا القائد أنه يفصلنا عن اليونان حوالي ساعتين، واستبشرنا خيراً، ولكن بعدها بربع ساعة ارتفعت الأمواج بشكل مخيف والمركب كان قديم، ولم يتحمل صدمات الموج، وبدأ يتراجع أمامه، وحاول القبطان أكثر من مرة العبور وسط الأمواج، لكنه فشل ودار المركب حوالي ٥ مرات وامتلأت بالمياه، وانقلب في البحر، ولأنني أستطيع السباحة قمت بالسباحة وحولي الشنبر في اتجاه واحد وأنا لا أعرف مصيري، ثم صليت الصبح وأنا في المياه وتشهدت ثم توقفت عن السياحة واستسلمت للنوم،
وبعد فترة استيقظت فوجئت بأنني مازلت حياً داخل المياه وبالقرب مني شاطئ، وبدأت أشعر بالأمل وسبحت عدة ساعات حتي وصلت للشاطئ، وصرخت في الناس بالعربي وطلبوا لي الشرطة التي أحضرت مترجماً وأخبرتهم بغرق المركب، وعلمت أنني سبحت في المياه لمدة ١٨ ساعة، وبدأوا يبحثون عن الناجين والجثث، ونقلوني إلي المستشفي في تركيا،حيث لم ينج من المركب سوي ٦ شباب فقط. وأضاف: سألني السفير المصري في تركيا: ليه بتعملوا كده في أنفسكم؟ وقلت له: «لا يوجد بديل في مصر».
اجمالي القراءات
3812