للكاتب د. محمد شحرور:
ملخص كتاب تجفيف منابع الارهاب

عمر أبو رصاع Ýí 2009-04-01


تجفيف منابع الإرهاب للدكتور محمد شحرور (تلخيص و إيجاز لأهم أفكار الكتاب أعده عمر أبو رصاع)

استناداً إلى التزيل الحكيم فالمصطلح المقابل للمصطلح الدارج (الإرهاب هو مصطلح (الإرعاب) كمثل قوله : {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} (الأحزاب 26) ، لكن الدكتور محمد شحرور استعمل مصطلح إرهاب في عنوان كتابه لأنه الذي اصطلح عليه في الثقافة الداÑde;جة للدلالة على الظاهرة موضوع اهتمام هذا الكتاب.



الجهاد :
مصدر الفعل الرباعي جاهد على وزن فاعل كالجدال و القتال و الخصام و الجهاد فعل إنساني واع لا يقوم إلا بطرفين ، و يكون الطرف فيه فرداً أو يكون جماعة حيث يبلغ كل طرف وسعه في مغالبة صاحبه.
الجهاد غير القتال و القتل و الحرب و الغزو ، و إذا كان ابن كثير و الشافعي في الأم ذهبا إلى أن "الجهاد فريضة يجب القيم به سواء أحصل من الكفار اعتداء أو لم يحصل" ألا إن هذا يجعلنا في مواجهة موقف حائر أمام قوله تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (العنكبوت 8) و قوله { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان 15) ؛ فهل هذا هو الجهاد الذي عرفه لنا الشافعي و ابن كثيرو فقهاء ذلك الزمان ؟!
لا عجب إذن أن يعمد الفقهاء هنا إلا تصور خاص لهم عن النسخ فيصورونه أداة و آلة يعطلون بها بعض الكتاب ببعض حتى يستقيم لهم اتساقه مع الفهم و التخريج الذي يريدونه له.
إذا كان ذلك هو مفهوم الجهاد الذي استخرجه الشافعي من قوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ} (التوبة 73) فلا بد إذن أن يصير هذا نسخاً لقوله {لا إكراه في الدين} (البقرة 256) و قوله : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125) بل لا بد أن يصير هذا الفهم لمعنى الجهاد في الآية 73 من سورة التوبة أداة لنسخ مئة و عشرين آية من آي الذكر الحكيم تتناقض و هذا الفهم العنفي لمعنى الجهاد و حصره بهذا الشكل!
ألا إن النسخ كان بين الشرائع و ليس في التنزيل الحكيم نسخ ؛ ذلك أنه عز من قائل قال : {} (المائدة 15) ، وفق قراءتنا فإن { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة 256) و مثلها { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا }(الكهف 29) و{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125) كلها من آيات الرسالة المحمدية المحكمة و لا يجوز عليها نسخ ، أما قوله { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (التوبة 5)فهي من القصص القرآني لا من الرسالة و هي من الآيات المتشابهات و تأخذ منها العبر فقط لا الأحكام الشرعية و ليس العكس كما ذهب فقهاؤنا.

الشهادة و الشهيد :

الشهيد و الشاهد اسم فاعل مفرد للفعل "شهد" ، مثناه شهيدان للشهيد و شاهدان للشاهد ، و الفرق بين الشهيد و الشاهد هو أن شهادة الأول حضورية يشهد فيها بما رأى بأم عينه و سمع بأذنه و شهادة الثاني شهادة معرفة و خبرة يشهد فيها بصدق أو بكذب واقعة دون أن يكون قد حضرها.
مثال على الشاهد من التنزيل الحكيم : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (المائدة 117) هكذا ينفي عيسى بن مريم أن يكون هو الذي دعا الناس إلى عبادته و عبادة أمه و أنه كان شهيداً عليهم و هو فيهم إلى أن توفاه الله ، كذلك قوله : { ... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا...} (البقرة 282)
• نتيجة
• الحضورية هي الشرط الأساسي و الوحيد في تحديد تعريف الشهيد ، و هي التس تجعل شهادة الشهيد قطعية بقيامها على السمع و البصر.
• لا يمكن أن يكون الإنسان شهيداً لشيء ما إلا و هو على قيد الحياة و بالموت تنقطع الشهادة.
• القتالو التقل لا علاقة لهما بالشاهد و الشهيد ؛ ففي مئة و ستين وردت فيها مشتقات "شهد" لا ذكر للقتال و القتل لا تصريحاً و لا تلميحاً.
• كل عقد بيع (المفروض عقد دين هنا لا بيع) لا يحمل شهادة شهيدين باطل لمخالفته الآية 282 من سورة البقرة.
• الشهادة حضورية و تشمل مجالات عديدة.

هكذا نفهم جيداً معنى قوله : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الحج 78).
إذن هل من يفجر نفسه بين المسالمين في الاسواق العامة و في المناطق السكنية هو الشهيد؟ و الذين قتلوا في هذا التفجير بدون ذنب هل هم شهداء؟ ما دمنا نجد في التنزيل الحكيم : {... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا...} (البقرة 282) و : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة 23) ؛ فهل لو سألنا القاعدة و حماس لو طلبنا منكم أن تدعوا شهداءكم تفهمون أننا نسألكم أن تدعوا لنا أحمد ياسين و الرنتيسي و منفذي ما أطلقتم عليه غزوة نيويورك؟
و إن قلنا لكم استشهدوا شهيدين من رجالكم تفهمون من ذلك أن ترسلوا رجلين في ملية انتحارية أو التي تسمونها استشهادية؟
فالاستشهاد إذن بدلالة القرآن هو طلب الشهادة الحضورية المؤيدة بالسمع و البصر.
• في سبيل الله
وردت في التنزيل الحكيم سبعون مرة ، اقترنت بالقتال حيناً و بالأنفاق حيناً آخر و بالجهاد و الهجرة تارة و بالضرب في الأرض تارة أخرى ؛ كلها في إطار معنى واحد هو ضمن طريق الله و وفقاً لمنهجه.
أما القول "من أجل الله" فإن الله ليس بحاجة من يقاتل من أجله فهو الغني عن العالمين ؛ و الإنفاق و القتال في سبيل الله هو وفق منهجه الذي رسمه للعباد و ليس له سبحانه فهو كما قلنا غني عن العالمين.
باقترانها في الضرب بالأرض {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} (النساء 94) نجد أن الضرب في سبيله حتمي بدلالة "إذا" و هذا سعي الإنسان في عام حياته مما الأصل فيه السلم و السلام و الحرب هنا طارئ لا محتوم ، و من ألقى السلام هنا تحيته و المؤمن الآمن المسالم.

من هذا الفهم الذي يعتمد تأصيل المصطلح استناداً لآيات الذكر الحكيم و مورده فيها ننبذ الجهاد بمعناه الفقهي السائد الذي رفعت رايته في عصور الاستبداد ، و من تبعهم من الفقهاء المعاصرين يعانون عقدة نقص هي الدونية و يرون أنفسهم غباراً على أحذية السلف ، أما نحن فقد كرمنا تعالى بالسمع و البصر و الفؤاد لنسمع و نرى و نفهم و لا نقبل أن نكون غباراً على حذاء أحد.
نستشهد على ما نقول بالله و بكتابه و هم يستشهدون على ما يقولونه بالسيوطي و بالدهلوي و بابن عابدين ، و شتان بين شهادة شهيدنا و شهادة شاهدهم فالأولى حضورية قطعية و الثانية ظنية ، و الظن لا يغني من الحق شيئاً .
• مفهوم الفتح
يدور مصطلح الفتح على ثلاثة آيات مؤسسة لمعناه و مضمونه هي :
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}(الأعراف 89)
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف 96)
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة 52)
لا تقرأ الآية الأولى بمعزل عن الآيتين اللاحقتين في قوله {ليغفر} بعد لام السببية جاعلاً الفتح سبباً لأربع نتائج عددها و هي : 1- مغفرة الذنوب 2- إتمام النعمة 3- الهداية إلى الصراط المستقيم 4- النصرة دعماً و تأيداً و عوناً.
و فتح مكة كما فهم الرازي و غيره من المفسرة لا يمكن أن يكون سبباً في النتائج الأربعة.
عيوب القراءات السابقة :
• الإصرار العجيب على حصر مفهوم الشهادة و الشهيد بقتلى المعارك تخصيصاً خلافاً لقوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (الحديد 19) و ذكره من بقي حياً بعد أحد على أنهم شهداء في قوله : {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران 140).
• التمسك بظاهر الألفاظ على حقيقتها و ترك المجاز رغم ما ينتج عن ذلك من تجسيم بحق الله من جانب و تضاد و تناقض مع قوانين الكون المادية من جانب آخر ؛ فحين زعموا أن القتلى أحياء مادياً على وجه الحقيقة استتبع ذلك لزوماً أن تكون "العندية" في عبارة "عند ربهم" مكانية على وجه الحقيقة و هذا لا يجوز على الله لأن العندية المكانية من صفات الأجسام ، و أما التضاد و التناقض مع القوانين الكونية المادية ففي زعمهم أن أجساد الأنبياء و الشهداء محرمة على الأرض.
• الخلط بين النفس و الروح و بين الموت و الوفاة ، فالنفس هي التي يتوفاها الله خالقها لتعود تراباً كما كانت أول مرة لقوله : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران 185) و يعني الهلاك المادي للجسد و الثاني مجازي : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأنعام 122) ، فالله سبحانه ينهى نبيه عن التوهم أن القتلى ماتوا و ستذهب ريحهم كما ذهبت ريح غيرهم بل هم أحياء فللموت و الحياة وجهاً مجازياً غير الموت الذي نراه و نتوهم أنه نهاية المطاف و لا يمكن أن يفهم على وجه الحقيقة بمعاييرنا المادية لأنه يؤدي للتجسيم كما قلنا لقوله {عند ربهم}.
القتال
القتال مصدر الفعل الرباعي "قاتل" على وزن "فاعل" و مثله جادل و خاصم و شارك و بايع ، الألف فيها أصلية و ليست زيادة كما يزعم البعض ؛ فليس القتال كالقتل و القتلة ليسو كالمقاتلين ، و قد وردت مفردة القتال في واحد وسبعون موضعاً من التنزيل الحكيم.
و القتال موقف تصادمي يتميز بالعنف بين طرفين ، فلا يعد قتالاً إذا ما أقتصر على طرف واحد {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} (المائدة 28)
حالة نراها في العراق في كثير من الأعمال الانتحارية ؛ فطرف يريد القتال و طرف آخر أعزل أصلاً لا يريد القتال و لا أن يقتل.
القتال عندنا من أشد التكاليف ثقلاً على النفس البشرية ؛ فهو كُره باعتبار ما فيه من مشقة و قتل و هو كَره باعتباره آخر الحلول في تسوية النزاعات لا يلجأ إليه إلا اضطراراً ، أما قولنا هو تكليف فلقوله : {كتب عليكم} و هو تكليف للقادرين العقلاء شأن جميع التكاليف.
ليس الجهاد كالقتال و إن جاز أن القتال قد يكون جهاداً أصغر و ليس القتال كالغزو إطلاقاً و لا يجوز السكوت على التسوية بينهما ، فالجهاد الأكبر يشمل عشرات الأوجه و المجالات.
القتال كُره و كَره و تكليف ، أما الكره فيعني النفور التكويني و الكراهية الفطرية ، و أما الكَره فالجبر و الاضطرار كقوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا...}(النساء 19) ، و الكًره لا يجوز استبعاده فهو أيضاً أحد القراءات للآية 216 من سورة البقرة التي أعتمدها السُّلمي ، أما كونه تكليف فككون الصيام كذلك و القصاص.
إذن هو ليس على النبي و أصحابه في وقتهم فقط كما ذهب ابن عمر و عطاء و لا هو فرض كفاية كذلك لقوله : {عليكم} التي لا تمنع وجوب القتال على الجميع ، و لو كان قوله {كتب عليكم القتال} من فروض الكفاية كما زعموا لانسحب ذلك على الانفاق في الآية التي سبقتها في قوله : {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة 215) و هذا لا يقبله عاقل.
لم تذكر لنا الآية : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة 216) الهدف و الغاية و القصد هنا من القتال ، لكن التنزيل الحكيم حدد ذلك في ثلاثة مواضع هي :
{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة 40)
{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } (البقرة 251)
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج 40)
إذن هذه الأهداف و الغايات هي :
- أن تكون كلمة الله هي العليا ؛ قوانينه و أنظمته المادية القاهرة سواء آمن المتلقي أم لم يؤمن {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (يونس 82) فلو كانت كلمة التوحيد لما استطاع انسان أن لا يكون موحداً ، و كلمته العليا هي الحرية و منها العدل {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} (النساء58 (و من هذا المساواة.
- صون الأرض من أن تفسد ، فالدفع يمنع الفساد تربط بينهما علاقة امتناع لوجود حرف (لولا) ، و هذا التدافع يشمل كل ميادين الحياة في السعي البشري لتحقيق المصالح و حتى في النزاعات و أن أعنف درجاته هو القتال ، فهو تدافع الناس في مختلف مجالات الحياة و لولاه لفسدت الحياة المادية و شروطها و شروط استمرارها عبر هذه الجدلية التي هي التدافع و هو عندما يصل إلى مرحلة القتال لا يجوز أن يكون إلا بين دول.
- حفظ بيوت الله التي تقام فيها الشعائر على اختلافها (الصلوات) من أن تهدم. ابتداء لو كان الله يريد أن يؤمن كل الناس لكانت تلك كلمته و لما أمكن لإنسان إلا أن يكون لذا فلا يحق لأحد أن يعدل على أرادته هذه فيفرض الإيمان لقوله : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس 99).
أما أسباب القتال فنجدها على النحو التالي:
- في حالة وقوع الظلم للعمل على رفع الظلم و رده {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج 39)
- وقوع الإخراج من الديار {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ...} (الحج 40)
- وقوع اعتداء داخلي أو خارجي على الأنفس أو الأموال أو الأعراض أو الحريات بكل أنواعها {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة 194)
حاكمية الله
تأسيس :
• {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} (الكهف 26) فكل من لا يشرك في حكمه أحداً تعدى على الله في حاكميته.
• {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء 23) فالسلطة التي لا تخضع للمساءلة تعدت على الله في حاكميته.
• {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود 107) كل من أعتبر نفسه مطلق اليد و الصلاحية تعدى على الله في حاكميته.
• {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ} (القصص 38) كل من يطلب الطاعة غير المشروطة فقد تعدى على الله في إلوهيته.
• {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات 24) كل من يتصرف على أن البلاد و العباد ملكه الخاص تعدى على الله في ربوبيته.

إن فداحة ما ذهب له ابن لادن عندما أعلن أن "كل من ليس معنا هو ضدنا و مع أعدائنا" كذا ذهب جورج دبليو بوش أيضاً من أن كل من لا يحارب معه الإرهاب هو مع الإرهاب هو في كون هذا يتعارض عامودياً مع الآية : {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (النساء 90) و مع قوله : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 190) ؛ فموقف ابن لادن و بوش يتعارض عامودياً مع هذه الآيات و مع العقل و مع حرية الإنسان في اختيار مواقفه و لكن أكثر الناس لا يعلمون.
ليس الكفر الديني بحال سبباً للقتل لأن الله يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} (النساء 94) نلاحظ قوله لهم كذلك كنتم من قبل ، و قدم حرية العقيدة عندما قال : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة 8)



الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

الأمر و النهي ثنائية من بين أربع ثنائيات تشكل المعيار القرآني الناظم للسلوك الاجتماعي و هي : 1-الحلال و الحرام 2- الأمر و النهي 3- السماح و المنع 4- الحسن و القبح.
للأمر و هو أصل صحيح في اللسان عدد من المعاني تتمركز حول معنيان الأول طلب القيام بفعل أو قول يصدر من متكلم إلى مخاطب الطالب فيه آمر يتمتع بفوقية أو خصوصية ما و المطلوب منه مأمور كما في قوله : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء 58) ، و الثاني الحال و الشأن كقوله : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (آل عمران 128).
و الأمر و النهي ثنائية تتألف من ضدين تنظم السلوك الإنساني الواعي و لها ارتباط جدلي بثنائية الطاعة المعصية ؛ فبدون الأمر و النهي لا توجد طاعة و لا معصية ، و المخاطب مأمور مختار إن شاء أطاع و إن شاء عصى.
النهي أصل أيضاً صحيح في اللسان يدل على غاية و بلوغ و منه قولنا :"أنهيت إليه الخبر" أبلغته إياه ، و نهاية كل شيء غايته و منتهاه و آخره ، و النهى العقل لأنه ينهى عن القبيح ، و النهي طلب الامتناع عن قول أو فعل ، وردت مشتقاته في ستة و خمسين موضعاً في التنزيل الحكيم.
و النهي كما الأمر عند المأمور إن شاء أطاع و إن شاء عصى ، فله الخيار و المسألة هنا طوعية لقوله : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (الأعراف 12) ، و كلمة الله لا تحتمل ثنائية الطاعة المعصية لأنها قانون سار لا محالا أما أوامره و نواهيه فتحتمل الطاعة و المعصية {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (الكهف 50) ، كما لا يجوز الخلط بين النهي و الحرام ؛ فالحرام شمولي أبدي لا رجعة فيه و لا إضافة إليه إلا برسالة جديدة تنسخ هنا حكما بحكم كما أشير قبلاً و هو لله حصراً فلا يوجد ما حرم خارج التنزيل ، إنما نجد نهياً لا تحريماً ؛ فالله ينهى و النبي ينهى و المخلوق ينهى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (العلق 9-10).
و النواهي نوعان كبائر ثابتة على مر الزمن و ردت بنص التحريم في التنزيل الحكيم و الصغائر اللمم.
يمكن إطلاق مصطلح الكبائر على المتغيرات الخاضعة للصيرورة الاجتماعية في وقت ما و مكان ما و لكن بدون إضافتها للمحرمات ؛ فالكبائر جزء من النواهي و هي المحرمات إن جاء نص تحريمها في التنزيل الحكيم ، و النهي ظرفي إلا التحريم فهو أبدي و شمولي ، كذلك فإن الكبائر يمكن أن تزيد و تنقص حسب السائد الاجتماعي بينما التحريم فأبدي و شمولي.
أما المحرمات في التنزيل الحكيم فهي :
1- الشرك بالله 2- عقوق الوالدين 3- قتل الأولاد خوفاً من الفقر 4- الاقتراب من الفواحش (الزنا/اللواط/السحاق) 5- قتل النفس بغير الحق 6- أكل مال اليتيم 7- التطفيف في الكيل و الميزان 8- التزوير في الشهادة ظلماً 9- النكث بالعهد و هذا يختلف تماماً عن اليمين الذي أحل الله لنا كفارته.

هذه البنود التسع هي الصراط المستقيم و هي الفرقان (الوصايا العشر) يضاف لها 10- نكاح المحرمات 11- أكل الميتة و لحم الخنزير و شرب الدم السائل 12- أكل الربا و كان عند موسى من المنهيات 13- ارتكاب الإثم و البغي بغير الحق 14- أن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم.
أهم مواصفات الفقه و العقيدة التي نشأت بعد التابعين
أ – يتصف بالمحلية و هو نسخة معدلة قليلاً عن الفقه اليهودي.
ب- لا يحترم الإرادة الإنسانية إطلاقاً (مثل قتل المرتد).
ج- فقه ذكوري بحت ؛ فالمرأة ليست أكثر من شيء.
د- الأدلة الشرعية و أدلة الاستنباط بدائية سقط فيها العقل و الإرادة الإنسانية.
ه- ترسيخ الشعور بالدونية تجاه السلف.
و- احتقار الحرية و الحياة الإنسانية و ترسيخ العبودية.
ز- تحولت العقيدة مع أحمد بن حنبل إلى عقيدة بدائية ساذجة لا تصمد أمام أي منطق و جوابها هو التكفير ؛ فهو لم يفرق بين كلام الله و كلمات الله ، و كان من نتاجها ابن تيمية و ابن القيم الجوزية و محمد بن عبد الوهاب.
ح- ترسيخ الشعور الدائم بالذنب عند الناس.
ط- إغلاق باب الفلسفة و العقل و تحويل الناس إلى قطيع مع الغزالي.
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
• المعروف : العين و الراء و الفاء أصل صحيح في اللسان مفردة قرآنية و ردت مشتقاتها في اثنين و سبعين موضعاً من التنزيل الحكيم ، منها المعروف و العرف و التعارف و المعرفة و العرافة.
للمعروف معنيان الأول المشهور و المعلوم كما في قوله تعالى : {....وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة 228) و الثاني هو الإحسان و البر و الصنيعة يسديها المرء لغيره كما في قوله {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} (الأحزاب 6).
• المنكر : النون و الكاف و الراء ، أصل صحيح في اللسان و مفردة قرآنية وردت مشتقاتها في سبع وثلاثين موضعاً من التنزيل الحكيم ، من مشتقاتها المنكر و النكير و النُّكر و النكرة و الإنكار ، و المنكر نقيض المعروف و توأمه المقابل و هو كل ما تحكم العقول الصحيحة بقبحه و كل ما تواضع المجتمع على تركه في معاملاته و عاداته ، فطبقاً للتنزيل الحكيم المحرمات يجب أن تكون مكن المنكرات.
حتى لا يكون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هكذا مطلقاً بدون فهم موضوعي فلا بد أن نحدد صوره الممكنة من داخل التنزيل الحكيم و أول ما يتبادر للذهن في هذا المجال تحديد التبذير و الإسراف في محاولة لتبين حدود الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
الإسراف كما يدل التنزيل الحكيم التعدي و الخروج على الحد ، و ليس الإسراف كمياً يل نوعياً فعشرات اللقم الحلال خلالاً و لقمة واحدة حرام إسرافاً لأن فيها تجاوز في الحد يدخل معه باب الإسراف ؛ فالإسراف إذن خروج عن الحلال وقوع في دائرة الحرام ، أما التبذير فهو تجاوز الحد في إطار الحلال دون دخول دائرة الحرام.
فتجاوز الحد الفاصل بين القصاص من القاتل من قبل الولي إلى القصاص من شقيق القاتل أو عمه أو ابنه هو تجاوز في حرام أي إسراف في القتل هنا .
يعد الإكراه و الإجبار و الإرغام و الإلزام على مضض أخطر منطقة يدخلها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، ومن تفحص الآيات التالية :
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران 104)
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران 110)
{يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران 114)
اقتران بين الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و بين عمل الخير و الدعوة إليه من جهة و الإيمان بالله من جهة أخرى.
كنتيجة فإن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تكليف إلهي لم يحدد الله سبحانه آليات ممارسته بل تركها للأعراف السائدة من جانب و للذوق العام من جانب آخر في إطار شروط أهمها البعد عن القمع و الإكراه ، و لعل أحسن طريقة توصل لها الإنسان المعاصر في هذا المجال يمكن تصورها على النحو التالي:
أ‌- حرية النشر و الكلمة و الضمير و التعبير عن الرأي بدون خوف.
ب‌- منظمات المجتمع الأهلي الطوعي.
ت‌- التعددية السياسية في المستوى السياسي التي تتيح معارضة تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر.
ث‌- العقد الاجتماعي الذي يتنازل بموجبه الفرد عن جزء من حريته الفردية و الاجتماعية للسلطة لضمان الحقوق و الحريات الأساسية للأفراد و الجماعات كافة في المجتمع.
ج‌- البعد عن تسمية إسلامي في الميدان السياسي ؛ فالإسلام دين و إقامة الصلاة و الحج و الصوم ...الخ لا علاقة لها بحل مشاكل الدولة و المجتمع و من يطرح شعار (حاكمية الله – الإسلام هو الحل) يخدع نفسه أولاً ثم الناس و المثل العليا إنسانية و ليست وقفاً على أتباع النبي محمد (ص) و هي مع الإيمان بالله و اليوم الآخر غير قابلة للتصويت عليها.
ح‌- لأن المجتمع العربي لازال عشائرياً و جهوياً و طائفياً فإن هذه الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية و حزب الله معجونة بالقبلية أو الطائفية ، و الإسلام السياسي لا يستطيع أن يتعايش مع أحد و ينتج لنا أمير مؤمنين و مرشد أعلى و مرشد عام و كلها ألقاب إقصائية بحد ذاتها ، لذا فحفاظاً على الإسلام كدين عالمي علينا أن نعزل السياسة عنه نقول السياسة و ليس المجتمع لأن عزل الإسلام عن أي مجتمع ضرب من ضروب المستحيل.



الولاء و البراء
• الولاء : الواو و اللام و الياء أصل صحيح في اللسان العربي و مفردة قرآنية من الأضداد وردت مشتقاتها في 217 موضعاً من التنزيل الحكيم ، لا تخرج عن أحد معنيين الإقبال بالإتباع و الترك بالإعراض، و البراء كالولاء تماماً علاقة إنسانية اجتماعية اختيارية تبدأ عند الفرد فكراً نظرياً يقرر فيه الفرد التبرؤ من أمر يتعارض مع ثوابته السلوكية أو من شخص ارتكب ما يوجب التبرؤ منه ، ثم يتحول هذا القرار الفكري إلى سلوك عملي و للبراء وجه واحد هو الترك و النبذ و الإعراض.
• نتائج الفهم التقليدي للولاء و البراء
أ‌- حروب الردة
ب‌- الفتنة الكبرى
ت‌- الجمل و صفين
ث‌- الاغتيالات و التصفيات السياسية
ج‌- ظهور الخوارج
و قد انعكس هذا فكراً من خلال نتائج خطيرة أهمها :
أ- اقتران الولاية بالحكم و السلطنة في الذهن العربي.
ب- ارتقاء الولاء السلطوي في سلم الأولويات إلى المرتبة الأولى.
ج- تحويل ولاية النبي للمؤمنين من دلالات الوعظ و التذكير {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} (الغاشية 21-22) و الرأفة و الرحمة و رقة القلب إلى مرتبة سلطوية حاكمة يمكن وراثتها أيضاً و يمكن سحبها على الأزواج و الأصحاب!
د- ظهور مفردات السب و اللعن و الشتم و التكفير كتوابع للبراء عند الطرفين المتخاصمين.
ه- تحول نظام الحكم من خلافة بالانتخاب و الشورى بالمفهوم التاريخي للكلمة إلى ملك وراثي بالنسب.
بينما الولاية و الولي و المولى : الهادي و الراعي و الكفيل لقوله : {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة 257) فالولاء لله بطاعته و إتباع ما يدعوهم إليه و ترك ما ينهاهم عنه و للرسول بتصديقه و التأسي به وطاعة ما يأتيه من ربه ثم الولاء بالإتباع و التأيد و المؤازرة لفئة الذين آمنوا وتميزهم بثلاث سلوكيات رئيسة : 1- الإيمان بالله 2- قانتين راكعين 3- إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة 55).
الولاء علاقة إنسانية اجتماعية فالإنسان المنعزل لا يحتاج ولاء لذا هي اجتماعية، فالله و لي الناس أجمعين بالخلق مؤمنهم و كافرهم و ولي المؤمنين في خروجهم من ظالمات إلى النور ، أما إنسانية فبمعنى أنها عقلانية إن غاب عنها العقل صارت تقليد غريزي غير واعي ، لهذا يجب تحديد محل الولاء و مجاله و لا بد من التأسيس على أن مبادأة الآخرين بالعداوة و البغضاء سلوك يتعارض عمودياً مع التنزيل الحكيم في قوله تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125).
الولاء و البراء إذن من سمات المجتمعات الإنسانية الواعية و نطاقاتها الأسرة و القبيلة و الأمة و القومية و الشعب و المذهب و الطائفة و الحزب السياسي و الطبقة.
و تشترك معظم المجتمعات الإنسانية في نطاقات الأسرة و الأمة و القومية و الشعب ؛ ففي الأسرة التراحم بين أفرادها و مساعدتهم بعضهم بعضا بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الدينية أو السياسية و في الولاء و البراء الأسري يتساوى الناس جميعاً ،و في مستوى الأمة التي هي مجموعة من الناس لهم سلوك موحد فالمسلمون المؤمنون امة محمد مثلاً و الولاء و البراء في الأمة في الإيمان و أركانه لله و رسوله و للذين آمنوا ، أما في القومية فهي الجماعة من الناس التي عماد اجتماعها اللغة و قد تكون في عدة أمم و لا يجب أن يقع التعرض بين الولاء و البراء للأمة و للقومية و يكون الولاء و البراء في حفظ اللغة و تعلمها و تعليمها و الترجمة إليها و الحفاظ عليها و نشر ثقافتها ، و في الشعب الذي هو تجمع اجتماعي إنساني عماده المواطنة فيأتي في مرتبة أولى فوق الأمة و القومية و الفرد فيه هو المواطن ، و قد شكله النبي (ص) بعد هجرته إلى المدينة و كتب الصحيفة لأهلها و فيها : أن المؤمنين أمة و اليهود أمة و أنهم متساوون في الحقوق و الواجبات و أن السلطة فيها للنبي و للذين آمنوا " و لهذا كانت معاقبة اليهود شديدة لأنهم خانوا الوطن و المواطنة و تآمروا عليه.
فيما نرى أسوأ أنواع الولاء و البراء في الحركات الدينية السياسية و الطبقية التي تسمي نفسها ثورية لأنها تشترك في صفة أساسية هي ادعاء تمثيل الناس بالقوة رغم أنوفهم حيث تفرض الوصاية عليهم باسم الشريعة الثورية أو باسم حاكمية الله ، و هي استبدادية بطبيعة إيديولوجيتها.
مسألة الردة

الراء و الدال و الدال أصل صحيح في اللسان العربي ، و مفردة قرآنية وردت مشتقاتها في التنزيل الحكيم في تسعة و خمسون موضعاً ، تحتمل عدد من المعاني يهم منها في مجال دراستنا هذه محوران رئيسان:
الأول هو الرد بمعنى الإرجاع و الإعادة مثل قوله : {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ} (يوسف 65) ، و الثاني الرد بمعنى المنع و الصد و الإحجام كما في قوله : {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (الرعد 11)
و يتمحور مفهوم الردة الذي نحن بصدده حول آيتان رئيستان في هذا السياق مؤسستان هما:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة 217)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ} (المائدة 54)
الردة هنا سلوك و عمل يختاره الإنسان لنفسه و يتقرر مصيره على أساسه إلى الثواب أم إلى العقاب و في الموضعين الارتداد عن الدين الذي هو في حده الأدنى منهج سلوكي عام حده الأدنى الإيمان بالله و اليوم الآخر و العمل الصالح ، فيما تحدد الآية 217 من سورة البقرة عقوبة المرتد بأنها حبوط عمله و بطلانه في الدنيا و الآخرة ، و في الآية 54 من سورة المائدة عقوبة المرتدين هي أن يستبدلهم الله بقوم يحبهم و يحبونه، فليس في الكتاب إذن حد شرعي للمرتد غير هذا و ينسجم هذا تماماً مع حرية العقيدة التي قررها التنزيل الحكيم في الرسالة على سبيل المثال لا الحصر نذكر : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بوكيل} (يونس 108) ، و كذلك {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان 3) .
أما الحديث (من بدل دينه فاقتلوه) الذي صححه البخاري و الترمذي و غيرهما و صححه بالرواية الثانية ( من غير دينه فاضربوا عنقه) التي صحت عند مالك فيما لم يصح الحديث بروايتيه عند مسلم دون أن يبدي لنا سبباً ، فليس على شيء من الصحة ذلك أنه يخرج عن عقوبة المرتد في الآيتان آنفتا الذكر ، و يتعارض كذلك نصاً و روحاً مع آي التنزيل الحكيم في عشرات الآيات و منها : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (آل عمران 128) و قوله : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 128) و قوله {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس 99).
أما حركات التمرد التي اصطبغت بإدعاء النبوة فقد كان التصدي لها على قاعدة كونها حركة تمرد مسلحة شاملة و ليس لموقف عقائدي شخصي مثل حركة الأسود العنسي مثلاً.
مفهوم الردة عن الإسلام :
في المستوى العقائدي التحول بالارتداد عن الإيمان بالله و اليوم الآخر إلى مجرم قاطع صلة بالله (ملحد) أو دخول دين آخر وثني غير توحيدي و هذا مستوى شخصي بحت للإنسان الحرية فيه كما يقرر التنزيل الحكيم.
أما في المستوى العملي فهو الارتداد عن العمل الصالح و القانون الأخلاقي العام و هو عملياً مستحيل لأنه يقابل بالمقاومة الاجتماعية أياً كانت عقيدة المجتمع فيه من مثل إتيان الفاحشة علناً أو ضرب الوالدين.
أما المستوى التشريعي فإن التشريع الإسلامي مدني إنساني يقع ضمن حدود الله و كلما زادت المجتمعات تحضراً زادت اقتراباً من التشريع الحدودي الذي يمثل حنيفية الإسلام ، و الدول البرلمانية الحقيقية تتمثل في قوانينها تلك حنيفية الإسلام فعلاً.
تركيز موجز في مقاصد الشريعة:
تتركز مقاصد الشريعة في أربع هي :
1- الحفظ على الحياة
المحتوم على الإنسان من خلال جدلية الحياة و الهلاك أنه يموت ، بالتالي فإن الإنسان أمام هذه الحتمية الموت لا يملك إلا إطالة العمر كهدف فيصون حياته من خلال العناية الصحية و الطبية و العلاج و النظافة ... إلى آخر ذلك مما يساعد على زيادة معدل عمر الإنسان و حياته.

2- الحفاظ على المال
لا ينحصر الأمر هنا بالتركيز على السرقة و الاغتصاب للممتلكات بل يتجاوزه إلى تصور أشمل تقع فيه الزكوات و تحفيز العمل و الاستثمار و دوران رأس المال و ضمان حياة اقتصادية سليمة.
3- الحفاظ على العقل
لا يقتصر الحفاظ على العقل في ميدان التصور الكلاسيكي الآلي له في مجال قوة الذاكرة بل يتسع كما نرى ليشمل الإبداع ، و تطوير ملكات و مقومات العقلانية العلمية و النقدية و تمكينها من الفعالية بحرية و توفير احتياجاتها لتبدع و تنتج علماً و معرفة و اختراعاً ، و هذه لها شروط موضوعية لا بد من توفير بيئتها لها لتكتسب العقول ملكات النقد و التفكير العلمي و الفلسفي الخلاق و الابتكاريٍٍ ، و لعل أهم المهمات هنا هو تحرير هذه العقلانية العربية من إسار ما تكون من وعي أسطوري عبر ركام الأحاديث و إطلاق حرية البحث بعيداً عن سيوف الإرهاب الفكري المسلطة على العقول ، و أن يخلى بين العقل و بين معادلة التنزيل الحكيم مجردة : التنزيل الحكيم = أحداث الكون و أحداث التاريخ (الحق-النبوة) و هي تخضع للتأويل + السلوك الإنساني الواعي الحر (الرسالة) (فرق الحلال عن الحرام) و هي تخضع للاجتهاد.

4- الحفاظ على الدين
ليس من صيغة انسب للحفاظ على الدين من تبني منظومة حقوق الإنسان و خصوصا جانب حرية الإنسان و حريته الاعتقادية بالذات ، و التأكيد على طابع عالمية الإسلام و كونه رسالة رحمة للعالمين و تسامح و إخاء أنساني و دعوة للعدل و المساواة.

اجمالي القراءات 25262

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-08-26
مقالات منشورة : 53
اجمالي القراءات : 938,749
تعليقات له : 123
تعليقات عليه : 247
بلد الميلاد : الأردن
بلد الاقامة : الأردن