الاستخلاف و التوكل على الله جل وعلا:
دروس من قصة موسى :(1 )

احمد صبحى منصور   في الأربعاء ٢٨ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً


 

 

 

دروس من قصة موسى في القرآن :

الاستخلاف و التوكل على الله جل وعلا

 

مقدمة

فرعون هو الشخصية الشريرة الرئيسية في قصة موسى، لذا كان شريكا لموسى، بل شريكا هاما، فالقرآن يقول: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)( القصص: 3 ). ولم يقل من نبأ "موسى وهارون ". لأن دور فرعون في القصة اكبر من دور هارون .

مقالات متعلقة :

والقرآن الكريم يعطي كل شخصية دورها المناسب في القصة بالقدر الذي تلعبه في القصة والذي لعبته في الحياة. وقد تردد ذكر فرعون في القرآن الكريم أربعا وسبعين مرة.. بينما ذكر القرآن هارون عشرين مرة فقط.. مع أن هارون عاش مدة طويلة بعد غرق فرعون وشارك موسى في قيادة بني إسرائيل..

وتلك الأهمية التي يضفيها القرآن على فرعون مرجعها لكونه رمزا لكل حاكم مستبد يصل به استبداده إلى ادعاء الألوهية وإهلاك نفسه وتدمير شعبه.. والقرآن يؤكد على جانب العبرة في قصة فرعون حين يقول عنه :( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى)( النازعات: 25، 26 ). ونعيش مع بعض تلك العبر..

 

أولا : قضية الاستخلاف في الأرض.

 

قضية الاستخلاف تدور حولها حتى الآن علاقات الدولة وصراعاتها.

كل دولة قوية تطمح في السيطرة على ما حولها وتثور مشكلة المجال الحيوي، وإذا كانت قوية جدا طمحت إلى السيطرة على العالم واتسع مجالها الحيوي بقدر قوتها وأطماعها.

وفي عصر فرعون كان العالم المعروف محصورا في مصر وما حولها، ولذلك فإن فرعون حين علا نفوذه في مصر فإنه علا في الأرض : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ) ( القصص: 4 )، أى كانت مصر وقتها تمثل (الأرض ) كلها ، ومن يعلو شأنه فى مصر فقد علا شأنه فى الكوكب الأرضى كله .

وكالعادة السيئة لأغلبية البشر فإن فرعون ترجم قوته إلى ظلم، ولم يحصن قوته بالعدل، لذا أضاع نفسه ودولته وبقي عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .. !! 

تسلط فرعون بكل قوته على طائفة استضعفها من رعاياه يذبح أطفالهم ويستحيي نساءهم ليبدأ أول عملية تطهير عرقي في التاريخ الإنساني.

والقرآن يعبر عن نفسية فرعون – وكل حاكم ظالم دموي – حين يقول :  ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ)، أي لم ينظر إلى سكان مصر على أنهم فريق واحد، بل جعلهم طبقات ودرجات وشيعا، وجعل طائفة منهم في الحضيض، أعداءا له، وقارن بين قوته وقوة تلك الطائفة من رعيته " فاستضعفهم " وحين استضعفهم انطلق يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم، أي نظر إليهم وهو الفرعون نظرة العدو وتسلط عليهم يبيدهم، ولو لم يستضعفهم ما جرؤ على اضطهادهم، إذن غرور القوة والتفوق دفعت فرعون للظلم العاتي ولم يدرانه بذلك قد دخل في مواجهة مع الله تعالى المنتقم الجبار..

وذلك الدرس الذي ينبغي أن يعيه الناس من قصة فرعون المذكورة في القرآن والتوراة..

إن الظالم يقضي على نفسه في النهاية، ويأخذ معه في الهلاك كل من أيده وسار معه.. والله تعالى يعلن أنه الذي يتدخل في إهلاك الظلم إذا لم يسلط عليه قوة أخرى، ولذلك فإن الآية القرآنية التي تتحدث عن استضعاف فرعون لطائفة من رعيته تأتي بعدها الآية التي تقول : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ)    ( القصص: 5-6 ).أى معنى أن يكونوا وارثين أن يرثوا ملك فرعون بعد هلاك فرعون.، وهذا هو معنى التمكين هنا.   

فالتمكين في الأرض هو الاستخلاف.. وذلك يعني أن الله مكن لفرعون في الأرض فطغى وبغى فأهلكه الله ومكن للمستضعفين بعده.

فالاستخلاف في الأرض له مسئوليته في إقرار العدل وإحقاق الحق ومنع الظلم، وإلا تلاشت الدولة القوية وانتهت وانتقلت إلى متحف التاريخ.

وموسى حين قال لقومه: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ردوا عليه يشكون الظلم الذى حاق بهم : (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) فطمأنهم وبشرهم بالتدخل الالهى الذى يجعلهم مستخلفين بعد هلاك فرعون : (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ) وأوضح لهم مسئولية الاستخلاف التى أضاعها فرعون بظلمه ،وأن الله جل وعلا سيختبرهم باستخلافهم بعده: ضاعها فرعون بظلمه أ( فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )( الأعراف: 129 ). أي أن الاستخلاف ليس مطلقا لأية طائفة، وإنما هو بشروطه، وإذا كان بنو إسرائيل هم المرشحون للاستخلاف بسبب صبرهم على ظلم فرعون، فإن ذلك الاستخلاف لهم مرتبط بنفس الشروط وهى العدل ومنع الظلم.

وانتهت القصة كما نعرف بهلاك فرعون ونظامه وانتصار بني إسرائيل ليس بقوتهم وإنما بضعفهم وفرارهم من الظالم العاتى الطاغية الذى استحق انتقام العزيز الجبار ، ويقول تعالى عن تحقيق وعده لهم بالاستخلاف بعد فرعون: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)( الأعراف: 137 )

لقد نصر الله بني إسرائيل لأنهم كانوا مستضعفين.. ولأنهم صبروا.

 

ومن بين الإمبراطورات الكثيرة التي طغت فأهلكها الله تظل قصة فرعون وبني إسرائيل فريدة.. ليس فقط لأنها أقدم قصة في الظلم والاضطهاد، ولكن أيضا لأن العنصر القوي الظالم بالغ القوة عنيف الظلم ولان العنصر الضعيف بالغ الضعف، ثم أتت القوة الإلهية لتنحاز إلى جانب المظلوم الذي وقف يواجه الظلم بالصبر والصلاة.

ففي مواجه الطغيان الفرعوني وقف موسى يوصي قومه بالصبر والتوكل على الله، وقد كانوا عزلا من كل قوة إلا الصبر والصلاة : (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(الأعراف: 128 ).

وحين تطرف فرعون في اضطهادهم لم يعد بوسعهم الصلاة جهرا فاضطروا الى الصلاة خلسة فى بيوتهم ن وتحولت صلاتهم الى سلاح يوجهونه ضد فرعون يستعينون على مقاومته بالدعاء عليه ـ فاقترنت الصلاة بالصبر و التحمل و الدعاء على الظالم الطاغية . ومن هنا ارتبطت صلاة المظلومين من بنى اسرائيل بالبشرى لهم بقرب الفرج و تحقيق الانتصار على الطاغية .

نفهم هذا من قوله تعالى :(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي جاءت البشرى مع الصلاة . واقترنت الصلاة أيضا بدعاء موسى وهارون على فرعون: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ )واقترنت الصلاة والدعاء باستجابة الاهية سريعة :( قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) وتحققت الاستجابة فى غرق فرعون وملكه وجنوده: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )( يونس:87 ـ ).

 فالله تعالى يستجيب دعوة المظلوم ويهلك بها الظالم.

إذن انتصر موسى وقومه على فرعون بالصبر والصلاة ، لذا كانت الوصية الذهبية لبني إسرائيل " وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ" ( البقرة: 45 ) ونفس الوصية الذهبية لنا نحن المؤمنين المتمسكين بالقرآن المستضعفين فى الأرض ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين) (البقرة 153 )أي نستعين على أي شيء بالصبر والصلاة..

وتلك أهم العبر من قصة فرعون مع بني إسرائيل..

 

ونعود إلى فرعون وطغيانه لنعرف كيف أصابه الله في مقتل..

لقد تحولت عناصر الاستخلاف والقوة على عناصر إهلاك لفرعون..

لقد كان فرعون يتيه بقوته وثروته..

قوة فرعون في ملائه وجنده، وتتركز تلك القوة في قصر فرعون..

وثروة فرعون في الأرض الزراعية المصرية، وتتركز تلك الثروة في نهر النيل الذي صارت به مصر مصرا.. وقد وقف فرعون يتيه بقوته وثروته  (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)( الزخرف: 51 ).

أي تحدث عن قومه " أي قوته " وتحدث عن ثروته " ملك مصر " و" نهر النيل "..

وبإرادة الله الواحد القهار كان نهر النيل يعمل ضد فرعون ويتآمر عليه.

بدأ ذلك مع بداية فرعون في اضطهاد بني إسرائيل وذبحه لأطفالهم واستحيائه لنسائهم.. عندها بدأ النيل يتآمر على فرعون..

حمل النيل التابوت وفيه موسى رضيعا إلى قصر فرعون ليقوم فرعون نفسه بتربية موسى ورعايته، ثم واصل النيل مؤامراته ضد فرعون فحمل إلى فرعون وآله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وكانت تلك مجرد انذارات فلما لم يتعظ بها فرعون وآله كان غرقه أخيرا في اليم.. 

ويلاحظ أن كلمة " اليم " لم تأت في القرآن إلا وصفا للنيل والبحر وفي قصة موسى فقط..

والقرآن يستعمل كلمة " اليم " وصفا للنيل والبحر معا في قصة موسى، فيقول ( أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ)( طه: 39 ). وكلمة" اليم"هنا وصف للنيل.

والقرآن يقول: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ)( الأعراف: 136 )،واليم هنا يعني البحر.

وعموما فالبحر معناه في القرآن النهر والبحر المالح، يقول تعالى "وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"( فاطر: 12 ).

وكان غرق فرعون في البحر الأحمر حين طارد موسى وقومه وهم يهربون منه شرقا : (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)( الشعراء: 60 – 63 ).

على أنه كان للنيل دور آخر في الإجهاز على ما تبقى من قوة فرعون، والله تعالى يقول: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) ( الأعراف: 137.)

والمستفاد من ذلك أن طوفانا لنهر النيل قام بتدمير منشآت فرعون في مصر ، واقترن هذا بتدمير فرعون نفسه وغرقه في البحر الأحمر ونجاة بني إسرائيل.

وفرعون في سطوته كان يقول : (وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي)أي أنه تحدث عن أنهار وليس نهرا واحدا، ومعنى ذلك أنه أقام منشآت وسدودا وتحول النهر الواحد إلى أنهار.. وما كان يصنعه فرعون تم تدميره بالطوفان، أي أن النيل – الذي كان من عناصر قوة فرعون- أسهم أيضا في القضاء على قوة فرعون..

والذي نريد التذكير به أن النيل كان نعمة من الله لفرعون فلما طغى تحولت النعمة إلى نقمة..

وكفران النعمة هو أسرع الطرق لفقدانها، والله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) ( إبراهيم: 28 ).

وكما تمثلت ثروة فرعون في النيل فأن قوته تركزت في قصره.. الذي كان يطل على النيل.

 

ثانيا : قضية التوكل على الله جل وعلا

 

وقد بلغ من سخرية الله تعالى بفرعون أن استخدمه في حماية موسى وتنشئته.. كان فرعون يذبح الأطفال، فسخره الله لتربية الطفل الذي سيهلك فرعونا على يديه.. وفي ذلك درس آخر للذين يتوكلون على الله ويثقون في وعده الذي لابد أن يتحقق..

حين خافت أم موسى على وليدها الرضيع أوحى الله إليها : (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ )لم يقل لها إذا خفت عليه فخذيه في أحضانك، بل ارميه في النيل، وكان النيل وقتها في الفيضان لأن القرآن وصفه بجريان اليم.. ثم جاء وعد الله للأم الخائفة(وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ( القصص: 7 )

وحمل النيل الأمانة إلى قصر فرعون المطل على النهر: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)( القصص: 8 ) هل هناك سخرية أكثر من ذلك ؟

 

على أن أم موسى فهمت التوكل على الله فهما صحيحا.

فهو لا يعني التواكل، وإنما يعني العمل مع الاعتماد على الله والثقة فيه.. ولذلك فأنها بعد أن ألقت رضيعها في النيل أمرت أخته بتتبع التابوت ومصيره "وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" وجاءت لها الأخت بأخبار الرضيع، وأنه يرفض المرضعات، وذهبت الأخت لهم تخبرهم بمرضعة وأهل بيت يكفلون الرضيع: ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" ( القصص: 12). وهكذا عاد موسى لامه وبيته متمتعا بحماية الفرعون نفسه.

أي أن الله تعالى استخدم قوة فرعون ضد فرعون.

وجعله في خدمة موسى وأم موسى.. ووعد أم موسى وصدق وعده.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.     

 

      

 

 

        

اجمالي القراءات 31679
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
باب علوم القرآن
اعجازات القرآن الكريم لا تنتهى.. ومنها اعجاز القصص القرآني الذى لا يحظي بالاهتمام و التدبر وهذه لمحات سريعة عن القصص القرآني :
more