نقص الأسمدة يُفاقم أزمة الفلاحين في مصر.. أطنان منها تختفي مع بداية الشتاء بسبب الاحتكار والسوق السو
نقص الأسمدة يُفاقم أزمة الفلاحين في مصر.. أطنان منها تختفي مع بداية الشتاء بسبب الاحتكار والسوق السوداء والسرقات
نحن نُعاقب بشكل مزدوج.. نعاني من انقطاع الكهرباء لساعات، وأرضُنا تشتكي مع غياب الأسمدة، والزَرعُ واقفٌ عليا بخسارة"، بهذه الكلمات يشكو أحمد عبد الباسط أزمته مع نقص توفير حصته الزراعية المقررة من الجمعية الزراعية في محافظة سوهاج، إذ يمتلك عبد الباسط فدانين زراعيين يستلم بموجبهما 4 شكائر، بالإضافة إلى أنه يشتري 4 إضافية نظرًا لحاجة التسميد التي لا تكفيها حصة الجمعية.
مشكلة محمد وغيره من المزارعين تأتي في خضم إعلان مصانع إنتاج الأسمدة في مصر وقف الإنتاج جراء تعليق الحكومة إمدادها بالغاز الطبيعي في الآونة الأخيرة، وهي الأزمة التي تلقي بظلالها على مصر مؤخرًا، ونقص مصادر الطاقة كان مبرر الحكومة أيضا في استمرار انقطاع الكهرباء، خصوصًا في المناطق الريفية.
وبحسب ما رصدته "عربي بوست"، فقد أصبح المشهد المعتاد أمام الجمعيات الزراعية في العديد من المحافظات، يعكس حال فلاحي مصر، حيث يفترشون الأرض في انتظار حصصهم المتأخرة من الأسمدة الشحيحة مرتفعة التكلفة، حتى الانفراجة المرتقبة التي أشارت إليها المصادر الرسمية في الفترة الأخيرة ليست كافية.السوق السوداء وأزمة الغاز
عمر عبد العليم، موظف بأحد الجمعيات الزراعية بصعيد مصر، يوضح لـ"عربي بوست" كيف نشأت السوق السوداء بشكل عام كتجارة للأسمدة، ويقول إن الكثير من أصحاب الأرض يقومون ببيع حصتهم من الأسمدة في السوق السوداء منذ سنوات طويلة، خصوصًا أن الكثير منهم يقوم بتأجير أراضي المزارعين، ولكن استلام حصة السماد مرتبط بالحيازة الزراعية، والتي تعود إلى صاحب الأرض، لذلك هو يقوم باستلامها، ويبيعها للمزارع أو أي أحد آخر بسعر السوق الحر.
وبحسب عبد العليم، فإن هناك حصة من الدولة المصرية لكل صاحب حيازة، وذلك وفقًا لمساحة أرضه، وبالطبع ما يقوم به هؤلاء هو مخالفٌ للقوانين المصرية المنظمة لتداول الأسمدة، ولكن فارق السعر الكبير الذي يصل إلى أكثر من خمسة أضعاف حافز كبير لمخالفة القانون في شريحة تعاني من ضعف الدخل، إذ يتم تأجير الأرض الزراعية بمبالغ زهيدة.
ويشرح الموظف الزراعي بمصر لـ"عربي بوست"، كيف تفاقمت الأزمة في الفترة الأخيرة، ويقول: "ورغم أن السوق السوداء موجودة منذ سنوات، لكن تسليم الحصص كاملة يقلل من حجمها، وذلك مع توفر الأسمدة لمعظم المزارعين، ولكن خلال الأشهر الماضية أصبحت الأزمة كارثية، وذلك في ظل عدم تسليم الدولة حصص المزارعين من الأسمدة للعجز الشديد داخل الجمعيات الزراعية، ويزيد من الآثار سعي بعض الموظفين للربح عبر استغلال الأزمة، وتهريب الأسمدة لبيعها بالسوق السوداء".
وكما أرجعت الحكومة أزمة انقطاع الكهرباء إلى عدم توفر المحروقات من الغاز اللازمة لتشغيل محطات التوليد، قالت أيضًا وزارة الزراعة المصرية إن توريدات الأسمدة المدعمة إلى مخازن وزارة الزراعة بالجمعيات الزراعية انخفضت منذ تفاقمت أزمة الغاز الطبيعي في يونيو الماضي بنحو 56% نزولًا إلى 110 آلاف طن فقط.
أوضحت، أن الحصة الشهرية التي يجب أن تحصل عليها الوزارة من المصانع تصل إلى 250 ألف طن، لكن هذه الكميات انخفضت خلال شهر يونيو الماضي إلى 110 آلاف طن فقط على خلفية أزمة نقص الغاز الطبيعي المورد إلى المصانع.
قفزت أسعار الأسمدة الحرة المحلية، على خلفية الأزمة، بأكثر من 85% خلال أقل من شهرين، لتصعد في يوليو الماضي إلى 26 ألف جنيه للطن مقابل نحو 14 ألف جنيه للطن في مايو الماضي.
تداعيات اقتصادية
ومع استمرار الأزمة، يقول حسين عبد العال، مزارع مصري، إن هناك بعض المزارعين تعرضوا لسرقة شكائر السماد أثناء فترة استراحتهم في أراضيهم الزراعية، ما يعني أن هناك احتمالات لسرقات أكبر بسبب غلاء السماد.
وقبل الأزمة الحالية كانت مصر بحسب وزير قطاع الأعمال محمود عصمت تنتج من السماد حوالي 8 ملايين طن نيتروجينية و4 ملايين طن فوسفاتية، ما جعل صناعة الأسمدة تأتي في المركز الثاني بين الصادرات المصرية بقيمة 3.4 مليار دولار ودفع مصر لتأتي في المرتبة السابعة عالميًا في إنتاج اليوريا.
وبحسب حديثه مع "عربي بوست"، يوضح عبد العال، أنه في هذه الأيام اضطر لشراء 4 شكائر سعر الشيكارة 1,900 جنيه في السوق الحرة بينما كان يشتريها بـ 500 جنيه منذ شهرين، ويشير إلى أن الأزمة الكبرى هي عدم حصوله على حصته الزراعية حتى الآن، وهو ما اضطره إلى شراء السماد من الخارج الأمر الذي يكبده خسائر.
أما محمد عادل فمشكلته أصعب حسبما يقول، إذ يشير إلى أنه يستأجر قطعة زراعية مساحتها فدان كامل كما أنه لا يستلم السماد حيث يستلمه صاحب الأرض الزراعية فقط، حيث إن الحصة مسجلة باسم مالك الحيازة الزراعية بينما هو يشتري دومًا من السوق الحرة بسعر 400 جنيه للشيكارة سابقًا.
ويقول عادل إنه الآن يشتري الشيكارة بسعر 2,000 جنيه وبصعوبة شديدة، متوقعًا خسارة في نهاية الموسم الزراعي إذا لم يتم رفع سعر المحاصيل من قبل التجار، وذلك بحسب حديثه مع "عربي بوست".
وبحسب شهادات أخرى من المزارعين، فقد كان للأزمة تداعيات اقتصادية عليهم بشكل مباشر، ويقول عبد الله المزارع في محافظة قنا جنوب مصر، إن زراعة قصب السكر تتكبد كميات هائلة من السماد، فبينما كان يستخدم في بداية الموسم على أن شيكارة السماد لن تتخطى 500 جنيه، في الوقت الذي وصلت فيه حاليًا لأكثر من 1,900 جنيه ولا تتواجد في الجمعية الزراعية بينما يتم شراؤها من السوق الحرة، وهو ما ينذر بخسائر لنا من الزراعة.
أما عبد التواب فيؤكد أنه لجأ إلى خفض نسبة تسميد النبات والذرة في الموسم الجاري خاصة مع عدم إمكانيته المالية على شراء السماد من السوق الحرة في الجمعيات الزراعية، بينما لا يتمكن عدد كبير من توفير المبالغ الكبرى لسعر السماد في السوق الحرة والذي وصل إلى 20,000 جنيه خلال الفترة الماضية.
ويوضح عبد التواب لـ"عربي بوست"، أن أصوات المزارعين لم تصل إلى رؤوس الحكومة، وذلك رغم شح السماد منذ أكثر من شهر، فالأزمة لم تتوقف عند الأسمدة فقط، فقد زاد سعر التقاوي من 600 إلى 2,000 جنيه وهو ما يزيد "الطين بلة"، لافتًا إلى أن أغلب الفلاحين لن يتمكنوا من جني أي أرباح في ظل الغلاء الكبير واستغلال التجار للموقف.
أزمة تتكرر كل عام
والملفت للنظر في تلك الأزمة، أنها تكرار لما حدث العام الماضي، والتي دفعت مجلس الشيوخ لعقد لجان خاصة لدراستها، وقد أصدرت لجنة مشتركة من لجنتي الزراعة والري والطاقة والبيئة والقوى العاملة، في مجلس الشيوخ، تقريرًا في أكتوبر الماضي، تضمن العديد من التوصيات للتصدي لأزمة عدم توفر الأسمدة للمزارعين، والتي لم تنعكس على الواقع، وحدث تكرار للأزمة، ولكن بشكل أكثر تفاقمًا.
وتكرار الأزمة دفع المهندس عبد السلام الجبلي، رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس الشيوخ، إلى إصدار بيان في بداية أغسطس بهدف تذكير الحكومة بالتوصيات التي أرسلتها اللجنة المشتركة من مجلس الشيوخ إلى الحكومة السنة الماضية، وقال إن اللجنة تتابع بشكل مستمر مع وزير الزراعة علاء فاروق، إجراءات مواجهة أزمة الأسمدة.
وأشار إلى أن مجلس الشيوخ سبق وناقش الدراسة المقدمة منه في دور الانعقاد الماضي، بشأن اقتصاديات صناعة الأسمدة، والتي تضمنت عددًا من التوصيات وافق عليها المجلس وأحالها للحكومة، وكان من بينها ترشيد استخدام الأسمدة الكيماوية والتوجه نحو إنتاج واستهلاك الأسمدة المركبة لتقليل الفاقد من الأسمدة وتحقيق إنتاجية أكبر في المحصول بجودة عالية.
وبحسب البيان، فقد شملت التوصيات التسعير العادل لمُدخلات صناعة الأسمدة من الغاز الطبيعي والكهرباء، ووضع استراتيجية واضحة لكميات الغاز المُستخدمة في صناعة الأسمدة حتى عام 2030، بهدف تطوير صناعة الأسمدة وتعظيم الاستفادة من الغاز الطبيعي، مع دراسة إمكانية تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي.
وتابع: من التوصيات أيضًا، العمل على سرعة الانتهاء من منظومة الحيازة الإلكترونية (كارت الفلاح الذكي)، وضرورة توفير الأسمدة للمزارعين بالكميات المناسبة في الأوقات المناسبة، وذلك من خلال وضع استراتيجية يتم من خلالها تقدير الاحتياجات السمادية الفعلية للزراعة المصرية للفترة المقبلة.
وشدد "الجبلي"، على أهمية تنفيذ تلك التوصيات، مع إعادة النظر في تشكيل المجلس الأعلى للأسمدة، في ظل مشروعات التوسع الزراعي التي تشهدها البلاد حاليًا ومتوقع زيادتها، مشيرًا إلى المجلس كان يضم الجهات المعنية بمنظومة الأسمدة مثل البنك الزراعي والوزارة والجمعيات وغيرها من الجهات المعنية.
ويقول مستشار وزير الزراعة الأسبق الدكتور سعد نصار، إن الأزمة قد تتفاقم مع قرب الموسم الزراعي الشتوي والذي تحتاج محاصيله كميات سماد أكثر مما يحتاجه الموسم الصيفي، مشددًا على ضرورة إنتاج احتياطي 3 أشهر من الأسمدة بشكل دوري حيث تبقى تلك الكمية متوفرة على مدار العام دون الانتظار حتى نتفاجأ بنقص في الغاز وتعليق أغلب المصانع العمل في إنتاج السماد.
ويوضح نصار في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن توصيات مجلس الشورى التي تم توجيهها إلى الحكومة والشركات والتجار والموزعين لم يتم الأخذ بها حتى الآن، خاصة وأنها راعت بعد الأمن الغذائي والاقتصادي لمستقبل الزراعة في مصر على نحو توفير الغاز اللازم لتشغيل المصانع والتوزيع واستخدام المزارعين لها.
ويشير نصار إلى أن التوصيات وضعت خطة من شأنها توفير الغاز اللازم على مدار العام للمصانع بحصص محددة يتم الاتفاق عليها كتابيًا لتوريد النسبة بشكل دوري دون انقطاع مع وضع حالات العجز التي تعاني منها مصر من عام إلى آخر.
الحكومة تسعى لتعويض النقص الحاصل في الأسمدة في مصر
الحكومة تسعى لتعويض النقص الحاصل في الأسمدة في مصر
وتابع: "على رأس تلك التوصيات تقدير حجم الطلب المتوقع على الأسمدة اللازمة لإنتاج المحاصيل الرئيسية لفترة قادمة، مع نشر هذه التقديرات لتصبح مُتاحة بشفافية حتى لا تحدث مشكلة في سوق الأسمدة تتسبب في رفع أسعارها".
وشدد على أهمية ما أوصت به اللجنة من وضع خطط واضحة لإنتاج واستهلاك وتوزيع وتصدير الأسمدة في جداول زمنية مُلزمة لأطرافها، مع المتابعة المستمرة الدورية لاكتشاف احتمالات وقوع أزمات مبكرًا، وعدم انتظار وقوع الأزمة ثم يتم التعامل معها، مع ضرورة إيجاد أسلوب جيد وعادل لتوزيع الأسمدة من أجل ضمان وصولها لمستحقيها.
كما طالبت بأنه عند ترتيب الأولويات يتم اعتبار توفير الأسمدة الكيماوية على المستوى المحلي بمثابة أولوية أولى، يلي ذلك التوجه للتصدير كأولوية ثانية، مع استمرار دعم الحكومة لتوفير الأسمدة بما يحقق سياسة سمادية متوازنة.
وحرص المستشار السابق لوزير الزراعة على التنويه لأهمية ترشيد استخدام الأسمدة الكيماوية والتوجه نحو إنتاج واستهلاك الأسمدة المركبة أو المخلوطة (NPK)، لتقليل الفاقد من الأسمدة تبعًا لنوع التربة، والمحصول، وميعاد التسميد، وطرق الري، بما يحقق التوازن في استخدام الأسمدة، ويخدم الأرض والمياه، ويحقق إنتاجية كبيرة في المحصول بجودة عالية تؤدي إلى ارتفاع العائد المُحقق للمزارعين.
اجمالي القراءات
342