12 مليار يوم عمل ضائع سنويا بسبب الاكتئاب.. كيف يتأثر الاقتصاد العالمي؟
أصبحت أزمة الصحة النفسية تهدد أماكن العمل حول العالم، حيث أظهرت تحذيرات من تزايد الأثر الذي تشهده قطاعات مختلفة، وخاصة القطاع المالي الذي يعد من أكثر القطاعات تأثرًا.
وبحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية كشف مسح أجرته "ديلويت" هذا العام عن أن نسبة الموظفين في المملكة المتحدة الذين يعانون من الإرهاق الشديد، وتراجع الأداء، والتباعد العقلي عن العمل في قطاعي المالية والتأمين بلغت 17%، مقارنةً بمتوسط 12% في باقي القطاعات.
وأشار التقرير إلى أن تكلفة الصحة النفسية السيئة لكل موظف في قطاع المالية والتأمين قد بلغت 5379 جنيها إسترلينيا سنويا، وهو ما يزيد بمقدار الضعف مقارنة ببقية القطاعات. تأتي هذه البيانات في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تكاليف كبيرة بسبب تأثيرات الاكتئاب والقلق، حيث أفادت تقارير منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية بأن خسارة 12 مليار يوم عمل سنويًا على مستوى العالم تكلف الاقتصاد العالمي تريليون دولار سنويًا.
وتحدثت كيت بيكيت، أستاذة علم الأوبئة في جامعة يورك البريطانية، عن القلق المتزايد حول حجم المشكلة، مشيرة إلى أن الزيادة الكبيرة في الحالات النفسية هي دليل على أن هناك شيئًا حقيقيًا يحدث، رغم أن بعض الناس يعتقدون أن التحسن في التشخيص يرجع إلى استعداد الأفراد الأكبر للإبلاغ عن مشكلاتهم النفسية.
تختلف العوامل التي تساهم في تفاقم الأزمة، من ارتفاع تكاليف المعيشة إلى الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي. ورغم ذلك، فقد تركز الشركات بشكل متزايد على البحث عن طرق لدعم رفاهية موظفيها.
وفي هذا السياق، قال جون فلينت، الرئيس التنفيذي السابق لـ HSBC ورئيس صندوق الثروة الوطني الجديد في المملكة المتحدة، في حديث لصحيفة فايننشال تايمز: "يجب على القادة أن يكونوا مستعدين لاستضافة المزيد من المحادثات حول الطيف الكامل للصحة النفسية في أماكن العمل".
تستعرض هذه المقالة جزءًا من سلسلة تقارير تتابع كيفية تعامل الحكومات وأرباب العمل مع هذه الأزمة، وتشمل الطرق الجديدة لمعالجة المشكلات الصحية والنفسية في العمل..
الجزء 1: الخدمات المالية من أكثر القطاعات تضررًا في أزمة الصحة النفسية في أماكن العمل..
الجزء 2: العلاجات الجديدة (قريبًا يوم الأربعاء)..
الجزء 3: دعم الصحة النفسية بشكل رخيص..
الجزء 4: أي البلدان تقوم بالأمر بشكل صحيح؟
منذ بداية الألفية، تدهورت الصحة النفسية بشكل عام، وهو ما تفاقم بسبب جائحة كوفيد-19، وفقًا لاستطلاع أجرته منظمة الصحة العالمية، الذي أشار إلى أن الاكتئاب ارتفع بنسبة 25% في عامي 2020 و2021.
أكد دان تشيشولم، متخصص الصحة النفسية في منظمة الصحة العالمية، أن "المجتمعات لم تعد بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، والبعض لا يزال يعاني من آثارها الثقيلة".
أضافت إليزابيث هامبسون، الشريكة في ديلويت، أن قلق الآباء على صحة أطفالهم النفسية يزيد من الضغط على الوالدين العاملين، ما يكلف الشركات في المملكة المتحدة 8 مليارات جنيه إسترليني سنويًا. في المقابل، أظهرت دراسة شملت 12,200 عامل من قبل MindForward Alliance، وهي شراكة تجارية دولية، أن قطاعي المال والمكاتب القانونية يسجلان أكبر معدلات القلق النفسي بين موظفيهما.
العديد من الشركات، مثل مجموعة برايتستار المالية، بدأت في تبني استراتيجيات تدعم الصحة النفسية لموظفيها. قال روب غاب، الرئيس التنفيذي للمجموعة، الذي يعاني من الاكتئاب منذ طفولته: "أشعر بالحرج لأنني تأخرت في أن أكون صريحًا حول هذه المسألة لفترة طويلة، لكنني عندما بدأت في الحديث عنها شعرت بتحسن".
وتستمر الدراسات في إظهار أن الاستثمار في رفاهية الموظفين يؤدي إلى انخفاض معدلات الغياب وزيادة الإنتاجية. وأظهرت البيانات أن الشركات التي تهتم بصحة موظفيها حققت زيادة بنسبة 40- 60% في الإنتاجية مقارنة بالشركات الأخرى.
وفي دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة أكسفورد، أظهرت النتائج علاقة قوية بين رفاهية الموظف وأداء الشركة. وأظهرت محفظة الأسهم التي تضم الشركات التي حصلت على أعلى الدرجات في رفاهية الموظف تفوقًا مستمرًا على المؤشرات الرئيسية للأسواق المالية.
لكن بعض المحللين مثل أليسون آنستيد، الرئيسة التنفيذية لـ MindForward، حذروا من حدوث انتكاسة في المجال، خاصة مع وجود بعض الخطاب السلبي حول الصحة النفسية في العمل، ما قد يساهم في زيادة الوصمة المرتبطة بها ويجعل من الصعب على الأفراد التحدث عن مشكلاتهم.
اجمالي القراءات
12