هل قرأ جمال مبارك تقرير الجهاز المركزي الذي يعايرنا به؟!
الحكومة قدرت شركات قطاع الأعمال منذ 15 عاماً بـ200 مليار جنيه.. والمركزي للمحاسبات يقول إنها بيعت بـ24 ملياراً.. فأين ذهبت الـ 6.17 مليار جنيه؟!
لوَح الطالب بالشهادة قائلاً لأبويه في ثقة «كفاكم تأنيباً لي لعدم المذاكرة فالحمد لله ظهر الحق وها هي الشهادة في يدي لا تكذب» فلما طلب الأب أن يطَلع علي الشهادة لكي يشاركه الفرحة التي تشي بها كلماته المتحدية، فوجئ بالشهادة بها عبارة واحدة باللون الأحمر «راسب في جميع المواد».. تذكرت هذه القصة وأنا أتابع كلمة جمال مبارك أمام مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي، حيث هاجم أولئك الذين هاجموا برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة «أحد أسماء الدلع للخصخصة» ثم سكتوا عندما صدر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول الخصخصة.. فإذا أضفت إلي هذه المقولة العجيبة جرأة التحدي الذي عبرت عنه لغة الجسد المصاحبة لكلامه «النظرات الحادة والنبرة العالية وحركات اليدين والأصابع» يُهيأ لك أن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يتحدث عنه سيادته هو شهادة النجاح للخصخصة والإدانة لمعارضيها، وحيث إن ذلك لم يحدث بالقطع كما نعلم جميعاً فالمرء يحتار: هل قرأ جمال مبارك هذا التقرير؟ أم أنه يتكلم عن تقرير آخر غير المتوافر لدينا؟ وهو ما يذكرنا بتصريح فكاهي سابق له منذ حوالي عام قال فيه بالنص «إن كل الأصول العامة سيتم بيعها بكل الشفافية والوضوح مع الاحتكام لمعايير محددة في التعامل والتقييم علي غرار ما تم في صفقة عمر أفندي!!!!»..
فتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات المشار إليه يرصد عدة كوارث، أكتفي هنا بأبرزها وهو ما يتعلق بحصيلة الخصخصة، فرغم أن صحف الحكومة أبرزت أنها 50 مليار جنيه إلا أن القارئ للتفاصيل يكتشف أن هذا الرقم «رغم قلته» لا يعبر عن حصيلة بيع شركات قطاع الأعمال العام فقط، وإنما يشتمل علي كل عمليات البيع الأخري التي تمت علي مدار أكثر من 15 سنة مثل بيع البنوك العامة ومساهماتها في الشركات والبنوك المشتركة وبيع جزء من أسهم المصرية للاتصالات ومساهمات شركات التأمين العامة ومشروعات الإدارة المحلية في المحافظات، أما حصيلة بيع شركات قطاع الأعمال العام ضمن برنامج الخصخصة فهي الفضيحة الكبري، إذ أن الجهاز قرر رسمياً أنها حوالي 24 مليار جنيه فقط حصيلة بيع 154 شركة كاملة بالإضافة لمئات من عمليات بيع أراض وخطوط إنتاج وأصول تابعة للشركات الباقية «وهي كارثة أخري برعت فيها المجموعة الحالية لتجريد الشركات من عناصر قوتها دون أن تتهم ببيعها وبحيث يفاجأ من يأتي بعدهم بـ163 شركة باقية تترنح وتحتضر ولا حل لها إلا بالذبح»، فإذا علمنا أن هذه الحصيلة المتدنية هي ثمن بيع أصول رابحة كان تقييمها المتوسط في بدء برنامج الخصخصة قبل 15 سنة حوالي 200 مليار جنيه فذلك يعني ضياع الـ176 ملياراً الباقية.. صحيح أن التقرير لم يخبرنا أين ذهبت هذه الـ176 مليار جنيه لكن المؤكد طبقاً للتقرير أنها لم تدخل الخزانة العامة للدولة وإن كان مفهوماً أنها ذهبت لجيوب من اشتروا هذه الأصول بأقل من قيمتها ومن سهَل لهم ذلك من السماسرة، وهو ما يعني أن ما حدث لم يكن مزاداً لبيع أصول مصر وإنما مناقصة.. أما أين ذهبت هذه الحصيلة الفضائحية الهزيلة التي رصدها التقرير «أقل من 24 مليار جنيه» فتلك فضيحة أخري، إذ أن تقرير الجهاز يرصد رسمياً أنها لم تذهب لبناء مصانع جديدة وإنما تم توزيعها كالآتي : 3.766 مليار جنيه للإصلاح الفني والإداري وإعادة الهيكلة للشركات التي لم تُبع بعد «تمهيداً لبيعها!» 2.677 مليار جنيه لإخراج العاملين إلي المعاش المبكر «أي خراب مزدوج فالدولة تبيع أصولها لتزيد بثمنها طوابير البطالة!» 17.212 مليار جنيه أضيفت لإيرادات الدولة التي دعمت بها إنفاقها العام «وهو إنفاقٌ تأكدنا من سفهه، فإذا كان بعض وزراء أمانة السياسات يدَعون أن الحصيلة استخدمت لبناء الكباري ومحطات المجاري، فإننا في المقابل يمكننا القول بمنتهي الحسرة إننا بعنا أصولاً منتجة وشردنا عمالها لنشتري بثمنها آلافاً من عربات الأمن المركزي وننشئ عشرات من السجون الجديدة ونبني جراجاً ونهدمه!».
هذا هو ملخص تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يصلح عريضة اتهام للنظام في زمنٍ قادمٍ بإذن الله.. ولا أدري من أين واتت الجرأة الأستاذ جمال مبارك ليعايرنا به بدلاً من الخجل مما فيه والتكتم عليه! إنها جرأة من لا يُسأل عما يفعل هو وشلَته من الباعة والسماسرة.
هذا عن ماضي وحاضر الخصخصة الأسود، أما مستقبلها الذي أفصحت عنه أوراق مؤتمر ما يسمي بالحزب الوطني فهو القارعة الكبري الأكثر سواداً حيث سيتم بيع مالم يخطر علي قلب بشر من قبل مثل قناة السويس ونهر النيل وشواطئ البحرين الأبيض والأحمر وبحيرة ناصر وهو ما يستحق حديثاً آخر بإذن الله
اجمالي القراءات
3945