التابو في بلداننا المنكوبة
يوجد مصطلح إسمه.."تابو"..taboo ويعني محظور
فكل محظور إذن هو تابو، مثلا خلع الملابس في الشارع أو الاعتداء على الآخرين، أو الشك في الدين أو معارضة الدكتاتور أو الانتحار..إلخ
ويختلف التابو حسب المجتمع من حيث الكم والكيف:
أولا: من حيث الكم تجد الشعوب المنفتحة أقل تابوهات عموما، يوجد لديهم كثير من أنواع التابو لكن انفتاحهم جعل هذا المحظور قيد المناقشة والدراسة المجتمعية..بخلاف المجتمع المقفول..هذا ينتج تابو جديد كل يوم وتكثر المحرمات فيه بشكل بشع مما يؤدي لتدمير الإنسان وتخلفه في الحال..
نعم ففي الفلسفة مصطلح .."الصيرورة"..ويعني انتقال المجتمع من حال إلى حال، وهو من الجذر صار أي تحوّل، والكون بأكمله يخضع لقاعدة الصيرورة، فإذا انغلق الإنسان عن مناقشة واقعه وفهم الكون (بعد الصيرورة) سيقرأ حاضره ومستقبله بطريقة خاطئة وبالتالي يتخلف، لذا فالتابوهات عندما تكثر في مجتمع ليست علامة صحة، بل مَرَض يجب استئصاله
ليس القضاء على التابو بالمطلق، فلكل زمن تابو، ولكن حصاره بألا يزيد عن معدله الافتراضي المتناسب مع حركة الزمن..فالثابت أن التابو يمنع من (النمو العقلي) بحيث يُكسِب العقل خمولا يجعله أكثر تقبلا للخرافة، لذلك تشيع الخرافات بكثرة كلما زادت كمية التابو، وتقل كلما قَلّ ..وهكذا.
ثانيا: أما من حيث الكيف فتؤثر فيه عوامل الدين والعُرف، مثلا الجنس قبل الزواج في المجتمعات العربية هو تابو، لكن ليس كذلك في المجتمع الغربي، كذلك المثلية الجنسية، بينما يشترك (كلا المجتمعين) في تحريم زواج الأقارب أو سفاح القربى incest والخيانة الزوجية Marital Infidelity والجنس مع الأطفال.
عدا أن المسلمين يجيزون نكاح الصغيرة بينما الغرب يحرموه وبشدة..أي أن نكاح الصغير هو تابو غربي يحرم قبوله أو مناقشته سوى بطرق وكيفية علاجه، كذلك العبودية هي تابو عربي وغربي، عدا أنه لا زال يُمارَس في بعض الدول العربية بمسميات أخرى كالكفيل أو نُظُم العمالة الغير مُقننة وتشغيل الأطفال والنساء في أعمال سخرة وخلافه.
ومن حيث الكيف أيضا فالتعصب الديني والعنصرية تابو في المجتمع الغربي، هناك الشخص العنصري منبوذ إعلاميا واجتماعيا، بينما العنصرية والتعصب الديني سمة لشعوب العرب..إذن هي ليست تابو..وهذا الجانب ثقافي بحت، أي الفضل يعود فيه للمثقفين بعلاقة طردية، كلما نشط المثقفون انخفضت نسب العنصرية، وكلما خَمِلوا زادت وارتفعت، وتصبح متوحشة لو أيدتها السلطة السياسية..وقتها تصبح ظاهرة عامة وليست عَرَض أو مَرَض.
كذلك من حيث الكيف أشياء متغيرة زمنيا، كارتداء الطربوش زمان في الدولة العثمانية وفي العهد الملكي المصري، هذا كان تابو يحرم الظهور في مناسبات هامة بدونه، وقديما كانت العمامة أيضا تابو لها نفس وظيفة الطربوش، الآن انكسر كلا التابوهين بانقضاء عهدهم والظروف التي صنعتهم..وهذا يعني أن المحظورات عموما قد تكون نتاج بيئة سياسية أو اقتصادية أو دينية..فور انقضاء تلك البيئة أو تغير بعد ثوابتها ينتهي التابو ويصبح مجرد تاريخ.
التابوهات المشهورة عند العرب هي ثلاثة (الجنس – الدين – السياسة) فالأولى لشيوع وسطوة العقل القديم بحظر مناقشة الجنس أو تصويره باعتباره من أمور العيب، والثاني لسطوة رجال الدين، والثالث للاستبداد السياسي ومنع تداول السلطات أو تجريم انتقالها بشكل سلمي..هذا جعل العربي في ضيق عن فهم هذه الأمور الثلاثة، بحيث تعرضه للخطر دائما وتكثر الحروب لعجزه عن فهم أبعادها العلمية.
نعم إن عزلة الإنسان عن التابو تؤدي لتجهيله واعتبار تلك التابوهات شفرات ودهاليز ومتاهات لها متخصصين، وقد ساهمت سلطات الدولة في شيوع تلك التابوهات باستخدام رجال الدين لحشد وتوجيه القطيع، كما في مصر وإيران ودول الخليج، فالتفكير لديهم من المحرمات والنقد جريمة تستوجب العقاب ، وربما لو تحدثت مع نفسك بصوت عالي في الإنترنت تعرّض نفسك للحبس.
الخلاصة: أي مجتمعات ينتشر فيها التابو تصبح متخلفة وفاشلة، فالحظر موجه بالأساس لعقل الإنسان ومنعه من التفكير في حل مشكلاته بواقعية ، وكما أن الناس تغضب من الكلام في الجنس والسياسة والدين، تغضب أيضا من قضايا التحرش والاغتصاب والحروب الأهلية والتكفير، رغم أن هذا مقدمة لذاك، ولو لم يمنعوا أنفسهم من الكلام مقدما ما حصدوا الفشل نتيجة ، إذ كيف ستتجنب مصائبك وكوارثك وقد منعت نفسك من فهم جذورها وكيف تنشأ وما هو علاجها.
وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح، ستنكسر كل التابوهات المؤذية مهما طال الزمن، وسيتم ذكرها مستقبلا كحقبة فاشلة وساقطة من التاريخ..ويتم الاعتبار بأصحابها كنموذج للتخلف، فالتابو فكرة بالأساس صنع الطغاه والجَهَلة حوله أسيجة من نار تخدمهم وتحافظ على مكتسباتهم، والعلم بحقائق تلك المشكلات يُمهّد إلى حلها جذريا.
اجمالي القراءات
8640