عيد الفطر في موريتانيا: خوف من الجن.. ودموع الأطفال:
عيد الفطر في موريتانيا: خوف من الجن.. ودموع الأطفال

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠١ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إيلاف


عيد الفطر في موريتانيا: خوف من الجن.. ودموع الأطفال

ضغوط مادية وأزمة خانقة لدى كاهل الأسرةعيد الفطر في موريتانيا: خوف من الجن.. ودموع الأطفال

أحمد ولد إسلم من نواكشوط: أعلنت اللجنة الوطنية لمراقبة الأهلة في موريتانيا يوم الأربعاء 2008-10-01 يوم عيد الفطر المبارك، بعد ثبوت رؤية الهلال في مناطق عدة من البلاد، وهو إعلان إمتزجت لدى الإستماع إليه العديد من المشاعر المتناقضة في نفوس الأسر الموريتانية، وإختلف الشعور بين الأب الذي يرى أن تكاليف الغد وحده تساوي أكثر من دخله لثلاثة أشهر من العمل المتواصل، في مجتمع يتحمل العادات فيه الرجل التكاليف المادية جميعها. فيما تتصارع في نفس النساء والأطفال مخاوف عجز الرجال عن تلبية حاجاتهم التي لا تقبل العذر، وأفراحهم بالمناسبة التي تتزداد فيها فرص الربح.

وفي زواية من ذاكرة الموريتانيين تلوح صورة مخيفة لأشباح ومخلوقات شريرة تنشط بعد شهر من تصفيد الشياطين. ويحاول كل واحد من هؤلاء السيطرة على هواجسه ومشاعر التي يكره أن يطلع عليها أحد نهاية رمضان..

طقوس لطرد الجن

أم مريم سيدة في الخمسين وأم لأربعة أطفال بدت أكثر حزما في إصدار أوامرها لأبنائنا، بضرورة ملازمة البيت طيلة ليلة السابع والعشرين من رمضان وما بعدها. ولم تجد صعوبة في تفسير هذه الغطرسة الظرفية، ولم يجد الأطفال صعوبة في تفهمها، وخاطبها أحدهم قائلا أعرف أمي أن الليلة ليلة السابع والعشرين من رمضان. لهذه الليلة مكانة رمزية لدى المسلمين جميعا، فالمرحج من تأويلات ما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو أنها ليلة القدر، فيها يفرق كل أمر حكيم، وتقدر فيها أزراق الناس وآجالهم، وهي خير من ألف شهر، ومن قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

كل ذلك صحيح وله مكانته المرموقة في الحياة الدينية للموريتانيين. لكن ما يميز هذه الليلة بالنسبة للموريتانيين- هو ما ورث عن الأقدمين في آثارهم، أن شياطين الجن يطلقون جميعهم في هذه الليلة، بعد تقييدهم طيلة الشهر المبارك، ما يستلزم منهم اتخاذ إجراءات احتياطية، بعضها مستقى من التعاليم الاسلامية، والبعض الآخر مستوحى من تقاليد المجتمعات الإفريقية التي امتزجت بثقافة المجتمع الموريتاني.

فأم مريم أخذت بعضا من "ضمع المباركة" – وهي ثمرة تشبه الصمغ العربي، حيث يكون لدخانها رائحة كريهة لا تطاق- ، ومع ساعات المساء الأولى تجولت في أنحاء منزلها المتواضع، ودخان المباركة يتصاعد في سقف كل غرفة لطرد الأرواح الشريرة. الأدلة على خطر هذه الليلة على البشر لا تحتاج عناء كبيرا بالنسبة لأم مريم، فكثيرون هم أولئك الذين تعرفهم، أو سمعت عنهم ممن تعرضوا لصفعة من جني فتحول وجه أحدهم إلى قفاه. ولا وقت لديها لنقاش الأمر، ومن يناكف ذلك فهو مخالف للتقاليد وينكر ما وجد عليه الموريتانيون آبائهم.

حول هذه الظاهرة يعلق السيد يحيى ولد احريمو الباحث في العلوم الشرعية في حديث لإيلاف قائلا: أعتقد أن الأمر لا يعدو كونه تأثر بالوسط الثقافي الإفريقي الذي يضخم دور الجن، وفي اعتقادهم أن مجموعة من البخور تؤثر في الأرواح الشريرة، وهي عادة كانت سائدة في موريتانيا، وهناك اعتقاد أن رائحة شجرة "المباركة" كما تسمى محليا تطرد الجن.

وحول ارتباط هذه الظاهرة بليلة القدر أو العشر الأواخر من شهر رمضان، يضيف يحي و لد احريمو: هناك خطأ شائع في الاعتقاد، فالشجرة أصلا لا قيمة شرعية للقول بعلاقتها بالجن. فالشرع صريح في أن الشياطين يصفدون طيلة شهر رمضان، وهناك اختلاف بين العلماء في حقيقة التصفيد، أهو تصفيد مادي، أم كناية عن إضعاف  صولة الشياطين وسطوتهم على البشر، كما يدل على ذلك قول الله تعالى في غزوة بدر " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم" مع العلم أن غزوة بدر كانت في السابع عشر من رمضان.

الأطفال..حين تجتمع الهموم والأفراح

أمر آخر يميز هذه المناسبة في موريتانيا، فعيد الفطر المبارك هذه السنة يصادف نهاية الشهر الشمسي، وهو ما يجعل متطلبات الحياة فيه مضاعفة، ففواتير الإيجار والماء والكهرباء، وأجور عمال المنازل، كلها لوازم لنهاية الشهر، يضاف إليها في هذه المرة، متطلبات العيد، بكل ما  يعنيه لدى الموريتاني من متطلبات تضاعفها العادات في مثل هذه المناسبات.

ففي العرف الموريتاني يلزم الرجل بشراء ملابس جميع أفراد عائلة زوجته، في عيد الفطر ، وعليه شراء كبش أو اثين لهم في عيد الأضحى، وإن أرسل لهم "الواجب" -كما يسمى محليا- نقدا يكون أفضل. يضاف إلى ذلك أن موعد افتتاح السنة الدراسية الجديدة سيكون بعد أسبوع واحد من العيد، وما يرافقه من ضرورات الملابس والأدوات المدرسية ورسوم التسجيل في دولة تفوق مدارسها الخصوصية مدارسها النظامية عددا وعدة.

كل هذه الأمور جعلت الأطفال في هذا العيد أكثر عرضة للحرمان من الملابس التي ترسم الفرحة على قسماتهم، فحين تنزل إلى سوق العاصمة نواكشوط هذه الأيام تتفاجأ بكثرة ملابس الأطفال المعروضة، وقلة الأطفال أنفسهم.

ظاهرة علقت عليها فاطمة، (متسوقة في السوق المركزي) لإيلاف قائلة: الأمر صحيح، فشخصيا تعمدت عدم عدم اصطحاب إلى السوق على غير عادتي لأن العيد هذه المرة صادف لدي ضائقة مالية، واخترت أن أشتري له ما أمكنني، وسأجد صعوبة في إقناعه به، لكن لا خيار أمامي.

ممادو جوب (سنغالي يبيع ملابس الأطفال الرخيصة في الشارع) قال وهو يرقب عن بعد نظرات الشرطة التي تطارد الباعة المتجولين: "إن هذا العيد ليس من  أحسن الأعياد، فالإقبال ضعيف"، لكنه أمل أن يتكثف في المساء حين يسحب كل الناس نقودهم مع نهاية الشهر، ومن تجربته يرى أن الموريتانيين يفضلون تأخير شراء مستلزماتهم إلى آخر وقت.

سوق العاصمة المركزي بدا أقل حيوية ولولا كثرة الباعة المتجولين الذي يتخذون من السيارات المتوقفة مساحات عرض لهم، لما استطاع الداخل إلى السوق تمييز المناسبة. العيدية..لم تعد للصغار وحدهم.. لم تعد العيدية أو "أنديونه" كما تسمى في اللهجات المحلية في موريتانيا، دخلا دوريا  ينتظره الأطفال لشراء الحلوى، والألعاب النارية، والتفاخر على أقرانهم، بل زاحمهم الكبار مستغلين المناسبة، ولا يكاد يتصل موريتاني بصديق أو أخ أو قريب لتهنئته بالعيد حتى يطلبها منه، فصارت بذلك مفردة من مفردات التحية العادية، فيتخاطب الناس بينهم بعبارة" مبروك العيد والسماح وانديونه".

إلا أن هذا الانتشار الكبير لطلب العيدية بين شرائح المجتمع المختلفة لم يجعلها تتراجع او تصير لفظ مجاملة، ففي أحيان كثيرة يستغل الكبار هذه المناسبة لطلب حاجات شخصية، أو لحل مشكلة قائمة، او حتى للثراء. فمما صار عرفا أن تطلب النساء العيدية من أزواجنهن أو أحبائهن في شكل ملكية عقارية، أو شراء حلي، او هدية ثمينة، فيها يستغلها الرجال عادة للحصول على امتيازات وظيفية، او لحل مشاكل في الحياة.

وذلك ما جعل الأطفال في موريتانيا أقل شعورا بالسعادة في موعد طالما انتظروها فيه. هو إذا عيد يضيف فيه الخوف من دموع الأطفال هما جديدا إلى هموم الأسرة الموريتانية المنهكة بتبعات أزمة اقتصادية عالمية، كان لها تأثيرها البالغ في ارتفاع الأسعار،  وأزمة سياسية محلية أضعفت حركة السوق، وزادت القدرة الشرائية تدهورا، وضاعفت الخوف من المستقبل وعليه.

اجمالي القراءات 2373
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق