محمد البارودى في الإثنين ١٩ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
الفــارق بين السنّة الشريفة وروايات الأحاديث
.. من سُنّةِ البشرِ – في تعامُلِِِهِم مع منهجِ اللهِ تعالى – الابتعادُ عن حقيقةِ ما أنزلَهُ اللهُ تعالى ، مع مرورِ الزمن ، واستبدالُ المنهجِ الحقِّ بتاريخٍ يُعطَى قُدسيَّةَ هذا المنهج ... هذا ما حصلَ في تفاعلِ البشرِ مع جميعِ الرسالاتِ السابقة .. يتمُّ الجحودُ أولاً عَبْرَ تغطيةِ حقيقةِ منهجِ اللهِ تعالى ، ثمّ بعدَ ذلك يتحوّلُ هذا الجحودُ إلى منهجٍ يُقَدَّمُ على أنّهُ عينُ منهجِ اللهِ تعالى ..
( وَجَحَدُوا بِهَا ، وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) ( النمل : 14 ) ..
.. والفارقُ بين رسالةِ الإسلامِ التي أُنزِلَتْ إلى البشريّةِ جمعاء ، عَبْرَ الرسولِ محمّدٍ r، وبين الرسالاتِ السابقةِ ، أنّ اللهَ تعالى – في رسالةِ الإسلام – تكفَّلَ بحفظِ المنهجِ ( كنصٍّ ) إلى قيامِ الساعةِ ، وبالتالي لا سبيلَ إلى تحريفِ هذا النصِّ ( القرآن الكريم ) ، ولا سبيلَ إلى تحريفِ الشعائرِ التي أتتنا حياةً تعبديّةً عاشتها الأمّةُ بأكملِها ، جيلاً بعد جيلٍ ، بعيداً عن رواياتِ التاريخِ ، حتى تلك المنسوبةِ إلى الرسولِ r..
.. فالالتفافُ الذي تمّ – عَبْرَ التاريخِ – على بعضِ أحكامِ كتابِ اللهِ تعالى ، كان عَبْرَ تلفيقِ بعضِ الرواياتِ ونسبِها إلى الرسولِ r، وإدخالِها تحتَ ظلالِ مفهومِ السُنّةِ ، ومن ثمّ عَبْرَ حلولِها مكانَ بعضِ أحكامِ كتابِ اللهِ تعالى ..
.. هذا الكلامُ يرفضُهُ رفضاً قاطعاً الغالبيّةُ العظمى من المسلمين ، لأنّهم لم يقرؤوا التاريخَ قراءةً مجرّدةً عن عصبيّاتِهم الطائفيّةِ والمذهبيّةِ ، ولأنّهم وقعوا ضحيّةَ الخَلْطِ بين السنّةِ الشريفةِ ، وبين رواياتِ الأحاديثِ التي هي في النهايةِ – كما سنرى – رواياتٌ تاريخيّةٌ فيها من السنّةِ بمقدارِ ما تتطابقُ مع دلالاتِ كتابِ الله تعالى ..
.. وهكذا .. تمَّ عَبْرَ التاريخِ تحويلُ بعضِ جوانبِ المنهجِ إلى تاريخٍ ، كما حصلَ عَبْرَ زعمِ مسألةِ الناسخِ والمنسوخِ( * )، حيث جُمِّدتْ بعضُ أحكامِ كتابِ اللهِ تعالى ، التي زعموا نسخَها ، بعد أنْ فُسِّرَتْ تفسيراً خاطئاً .. وتمّ تحويلُ بعضِ جوانبِ التاريخِ إلى منهجٍ ، كبعضِ أحكامِ العبيدِ وملكِ اليمين( * )التي حُسِبَتْ على الإسلام ، والإسلامُ منها براء ..
.. ولإلقاءِ الضوءِ على هذا الخلْطِ بين السنّةِ الشريفةِ من جهةٍ ، وبين رواياتِ الأحاديثِ والتاريخِ من جهةٍ أُخرى ، لا بُدَّ من تعريفِ السنّةِ الشريفةِ ، وحدودِها ، ومن ثمّ لا بُدَّ من الوقوفِ عند رواياتِ الأحاديثِ ، وتبيانِ آليّاتِ وصولِها إلينا ..
.. السنّةُ الشريفةُ هي ما قالَهُ الرسولُ rوفعلَهُ من تفصيلٍ لكليّاتِ النصِّ القرآنيِّ ، كتفصيلِهِ rلهيآتِ الصلاةِ ، وعددِ الصلوات ، وعددِ الركعاتِ في كلِّ صلاة .. حيث توارثتْ الأجيالُ هذه السنّةَ الشريفةَ ، حياةً تعبديّةً ، منذُ الجيلِ الأوّلِ حتى الآن ، وستتوارثُهُ حتى قيامِ الساعةِ .. فهذه السنّةُ لم تُصبحْ واقعاً متحقِّقاً في التاريخِ عَبْرَ رواياتِ الأحاديثِ كما يتوهّمُ الكثيرون ، إنّما تناقلتْها الأمّةُ بأسرِها من جيلٍ إلى جيلٍ عَبْرَ التزامِ الأمّةِ العمليِّ بهذهِ السنّةِ ...
.. فليسَ من العقلِ بشيءٍ أنْ نتصوّرَ الأمّةَ تائهةً لقرونٍ ، لا تعرفُ كيف تُصلّي وكيف تقومُ بجزئيّاتِ شعائرِها ، حتى أتى البخاري ومسلم وغيرُهم بعدَ قرونٍ ليعلّموها – من خلال أحاديث آحاد – كيف تقومُ بهيآتِ الصلاةِ ، وعددَ ركعاتِ كلِّ صلاة ..
.. وهذه السنّةُ الشريفةُ سمّاها اللهُ تعالى بالذكرِ .. ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ( النحل : من الآية 44 ) ، شأنُها بذلك شأنُ القرآنِ الكريمِ ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) ( فصلت :41 ) .. والذكرُ ( القرآن والسنّة ) تكفّلَ اللهُ تعالى بحفظِهِ ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر : 9 ) ..
.. وهكذا فالسنّةُ الحقُّ محفوظةٌ حتى قيامِ الساعةِ ، ولذلك نرى أنّ الأمّةَ من أقصى السنّةِ إلى أقصى الشيعةِ متّفقةٌ على هذه السنّةِ ، ولا خلافَ بينهم فيها ... كلُّهم يُصلّون بالهيآتِ ذاتِها ، وكلُّهم يصلّون العددَ ذاتَهُ من الركعاتِ المفروضة ..
.. لكنَّ المشكلةَ – عند السنّةِ والشيعةِ – تكمنُ في تقديمِ الرواياتِ التاريخيّةِ على أنّها جميعَها ودونَ استثناءٍ سنّةٌ يُكفَّرُ من يُحاولُ تدبُّرَها حتى وِفْقَ معيارِ كتابِ اللهِ تعالى ..
.. فالسنّةُ الشريفةُ – إذاً – لا تخرجُ عن إطارِ تفصيلِ كليّاتِ النصِّ القرآنيِّ ، بعد نزولِ هذا النصِّ من السماءِ .. وهذا يُحتِّمُ علينا أن نُميّزَ بين عَمَلَيْنِ من أعمالِ الرسولِ r:
[ 1 ] – هناك أعمالٌ قامَ بها الرسولُ rكتفصيلٍ لكليّاتِ النصِّ القرآنيِّ ( مِثْلَ الشعائر ) ، وهذه الأعمالُ هي السنّةُ التي يجبُ على الأمّةِ اتّباعُها ، وهي المعنيّةُ بقولِهِ تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الحشر : من الآية 7 ) ..
.. ففي مجيءِ النصِّ القرآنيِّ بالصيغةِ ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ ) ، دونَ الصيغةِ ( وما آتاكُم محمدٌ ) ، دليلٌ على أنّ الأعمالَ التي تُعدُّ سنّةً هي فقط الأعمالُ التي عملَها الرسولُ rبوحيٍ من اللهِ تعالى ، دون غيرِها من الأعمالِ التي عملَها دون وحيٍ ..
.. لذلك نرى – في كتابِ اللهِ تعالى – أنَّ أمرَ الله تعالى بطاعةِ حاملِ منهجِهِ r، وبأخذِ المنهجِ منه ، وبالابتعادِ عمّا ينهى عنه ، يأتي مرتبطاً – دائماً – بصفةِ الرسالةِ التي يحملُها مُحَمَّدٌ r.. فصفةُ الرسالةِ تتعلَّقُ بموضوعِ الرسالة ، الذي هُو القرآنُ الكريم ، وما يُفَصّلُهُ الرسول rمن كليّاتِه ..
.. فَمُحَمَّدٌ rكونه نبيَّاً ( وليس كونه رسولاً ) لا يملكُ صلاحيّةَ التشريعِ خارجَ النصِّ القرآنيِّ ، حتّى لنفسه .. وفي الآيةِ الكريمةِ التاليةِ أكبرُ برهانٍ لمن يملكُ ذرَّةً من عقلٍ أو منطق ..
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( التحريم : 1 ) ..
.. فالنبيُّ r ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) ، لا يملكُ صلاحيّةَ تحريم ( أو تحليل ) ما يُبيّنُهُ الله تعالى في منهجِهِ ( القرآن الكريم ) الذي هُوَ موضوعُ الرسالة ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) .. أي أنَّ المُشَرِّعَ هُو الرسولُ( * )من خلالِ إبلاغِ القرآنِ الكريمِ وتفصيلِ كليّاتِهِ لِلناس .. وفي هذا بيانٌ كبيرٌ بأنَّ السنّةَ الحقَّ هي – حصراً – تفصيلُهُ rلِكليّاتِ النصِّ القرآنيِّ ، وليست كُلَّ أعمالِهِ وأقوالِه r، كما يتصوَّرُ الكثيرون ..
[ 2 ] – هناك أعمالٌ قامَ بها النبيُّ rدونَ وحيٍ من السماءِ ( أي قام بها ليس بكونِه رسولاً وإنّما بكونِه نبيّاً ) ، وذلك باجتهادٍ بشريٍّ ، ريثما يُنَزَّلُ عليه النصُّ القرآنيُّ الخاصُّ بِها ، أو أنَّ هذه الأعمالَ لا علاقةَ لها بالتكليف ..
.. فكان rيقومُ ببعضِ الأعمالِ موافقةً لبعضِ أحكامِ أهلِ الكتابِ ، أو موافقةً لبعضِ الأعرافِ الاجتماعيّةِ التي كانت سائدةً ، وذلك قبلَ نزولِ النصِّ القرآنيِّ الخاصِّ بهذه الأعمال .. فأحكامُ هذه الأعمال في الرسالةِ ( القرآن الكريم ) لم تكن مُنَزَّلةً عليه rحين قيامِهِ بتلك الأعمال ، وبالتالي فعل تلك الأعمال كنبيٍّ وليس كرسول ..
.. وقد بيّنَ القرآنُ الكريمُ هذه الحقيقةَ .. ففي الآيةِ الكريمةِ التاليةِ دليلٌ على ذلك ..
( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) ( التوبة : 43 ) .. فإذْنُ النبيِّ rلهؤلاء عَمَلٌ قامَ به باجتهادٍ بشريٍّ دون أيِّ وحيٍ ، ولا يُمكنُ لعاقلٍ أنْ يتصوَّرَ أنَّ اللهَ تعالى أمَرَ الرسولَ rبأن يأذَنَ لهؤلاء ، ثمّ لامَهُ على ذلك وقالَ له عَفَوْتُ عنك ، فلا تعملْ ذلك مرّةً أُخرى ، إلاّ إذا تبيّنَ لك الذين صدقوا وعلمتَ الكاذبين ..
.. ورواياتُ الأحاديثِ ذاتُها تُبيّنُ هذا الجانبَ من أعمالِ النبيِّ rالتي قامَ بها باجتهادٍ بشريٍّ دونَ وحيٍ من السماءِ .. وفي الحديثِ التالي من صحيحِ مسلم ، رقم ( 4356 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ، أكبرُ دليلٍ على ذلك :
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ فَقَالُوا يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ] ..
.. فَقَولُ النبيِّ r(( فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )) ، يؤكّدُ أنّ بعضَ أقوالِ النبيِّ rليستْ وحياً من السماءِ ، وأنّ السنّةَ التي تُطالَبُ بها الأمّةُ هي فقط التي ينقلُها لنا الرسولُ rكوحيٍ من السماءِ يُفَسِّرُ كليّات النصّ القرآني ، لا كاجتهادٍ بشريٍّ .. وهذا ما تُبيّنُهُ العبارةُ (( وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ )) مِنَ الحديثِ ..
.. والحديثُ التالي في صحيحِ البخاري ، رقم : ( 5254 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ يؤكّدُ هذه الحقيقةَ ..
[ حَدَّثَنَا ....... فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ قَالَ قَتَادَةُ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ ] .. فالعبارةُ (( أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ )) ، تؤكّدُ أنّ ما فعلَهُ النبيُّ r – حينما قَطَعَ أيديَهم وأرجُلَهم وسَمَرَ أعيُنَهُم ، إنْ صَحَّتْ هذه الرواية – كان باجتهادٍ بشريٍّ دون وحيٍ من السماءِ ، لأنّ الحدودَ لَمْ تكنْ نازلة ..
.. والحديثُ التالي في صحيحِ البخاري ، رقم ( 2278 ) حسبَ ترقيم العالميّة ، يُبيّنُ لنا أنَّ بعضَ أقوالِ النبيِّ rليستْ وَحياً من السماء ، فقد قالَها rكَبَشَرٍ لا يعلمُ الغيبَ ، ولَمْ يقلْها كرسولٍ ..
[ حَدَّثَنَا .... عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا ]
.. ولذلك كانَ رسولُ اللهِ rحريصاً على عدمِ كتابةِ أيِّ شيءٍ عنه سوى القرآنِ الكريمِ ، وهناك الكثيرُ من الأحاديثِ التي تؤكّدُ ذلك ، أختارُ منها الحديثَ التالي من صحيحِ مسلم ، رقم ( 5326 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ..
[ حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ قَالَ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ] ( * ) ..
.. والحديثُ التالي في مُسندِ أحمد ، رقم ( 10670 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ، يُبيّنُ هذه الحقيقةَ ..
[ حَدَّثَنِي ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا قُعُودًا نَكْتُبُ مَا نَسْمَعُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ مَا هَذَا تَكْتُبُونَ فَقُلْنَا مَا نَسْمَعُ مِنْكَ فَقَالَ أَكِتَابٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فَقُلْنَا مَا نَسْمَعُ فَقَالَ اكْتُبُوا كِتَابَ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَكِتَابٌ غَيْرُ كِتَابِ اللَّهِ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ أَوْ خَلِّصُوهُ قَالَ فَجَمَعْنَا مَا كَتَبْنَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ أَحْرَقْنَاهُ بِالنَّارِ ....... ] ..
.. والحديثُ التالي في صحيحِ البخاري ، رقم ( 4631 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ، يؤكّدُ أنّ الحديثَ لم يُكتَبْ عن الرسولِ rحتى تُوفّي ..
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ قَالَ وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ ] ..
.. والحديثُ التالي في صحيحِ البخاري ، رقم ( 6394 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ، يؤكّدُ هذه الحقيقةَ ..
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ سَأَلْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ مَرَّةً مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ] ..
.. فوصْفُ عليٍّ رضي اللهُ تعالى عنه لما في الصحيفةِ : ( الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ) ، وَضعَ حدّاً لأيِّ تأويلٍ تائهٍ قد يستشهدُ به الذين لا يريدون معرفةَ الحقيقة ..
.. والحديث التالي في مسند أحمد ، رقم : ( 6686 ) حسبَ ترقيم العالميّة ، يؤكّدُ هذه الحقيقةَ ، مبيّناً أنّ القرآنَ الكريمَ معيارُ الحلالِ والحرامِ بعدَ موتِه r:
[ حَدَّثَنَا ......... خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا كَالْمُوَدِّعِ فَقَالَ ......... فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ فَإِذَا ذُهِبَ بِي فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ ] ..
.. وقولُهُم : إنّ أَمْرَ الرسولِ rبِعدمِ كتابةِ الحديثِ عنه ، كان في البدايةِ حتى لا يختلطَ الحديثُ بالقرآنِ الكريمِ ، هو قولٌ لا يملكون أيَّ برهانٍ عليه ، ويناقضُ مُجملَ الرواياتِ التي تؤكِّدُ أنّ الحديثَ لم يُكتَبْ أبداً في عصرِ الرسولِ r، ويناقضُ حقيقةَ صياغةِ الروايات ، ويناقضُ المنطقَ ، فحلُّ مشكلةِ اختلاطِ الحديثِ بالقرآنِ الكريمِ ، أهونُ بكثير من مشاكلِ إعادة كتابةِ الحديثِ عن الرسولِ rبعد قرونٍ من وفاتِهِ ..
.. ولو فرضنا جدلاً وتماشياً مع أوهامِ الذين لا يريدون معرفةَ الحقِّ ، أنّ أعمالَ الرسولِ rكُتِبَتْ جميعُها بين يديهِ r، بل وصُوِّرَت بكاميرا ( فيديو ) ، فإنّ ذلك لا يعني أبداً أنّ الرواياتِ التي بين أيدينا كُتِبَتْ في العصرِ الأوّلِ ، لأنَّ جميعَ الرواياتِ التي بين أيدينا تبدأُ بالعبارات : حدّثنا ، أخبَرَنا ، سمعنا ، ....... ، ولا يُوجَدُ حديثٌ واحدٌ يبدأُ بالعبارة : هذا ما نُقِلَ حرفيّاً من صحيفةٍ ما كُتِبَتْ بين يديِّ الرسولِ r.. إضافةً إلى أنَّ نَقْلَ الحدثِ الواحدِ – عَبْرَ رواياتِ الأحاديثِ – بصيغٍ مختلفةٍ ، ومتناقضةٍ أحياناً ، يؤكّدُ أنّ الحديثَ جُمِعَ بالسماع ، لا عن طريقِ الكتابة ..
.. إذن كان النبيُّ rيقومُ ببعضِ الأعمالِ – كما يؤكّدُ القرآنُ الكريمُ والحديثُ ، كما رأينا – كاجتهادٍ بشريٍّ دونَ أيِّ وحيٍ من السماء .. وهناك الكثيرُ من الأحاديثِ تؤكّدُ هذه الحقيقةَ ، أنقلُ منها – على سبيلِ المثال – الحديثَ التالي من صحيحِ البخاري ، رقم ( 3294 ) حسبَ ترقيم العالميّة .. [ حَدَّثَنَا ....... وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ....... ] .. ، وأنقلُ منها الحديثَ التالي من صحيحِ مسلم ، حديث رقم ( 4307 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ .. [ حَدَّثَنَا ....... وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ ....... ] ..
.. ولذلك فإنّ دلالاتِ الصورةِ القرآنيّةِ التاليةِ ، يُنظَرُ إليها من هذا المنظارِ الذي بيّنَهُ اللهُ تعالى في كتابِهِ العزيز ، وأكّدتهُ رواياتُ الأحاديث ، كما رأينا ..
( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم : 3 - 4 ) ..
.. فالذي لا ينطقُ به الرسولُ rعن الهوى ، لأنّهُ وحيٌ يُوحى ، هو القرآنُ الكريمُ ، وما يُوحى إليه rمن تفسيرٍ وتفصيلٍ لكليّاتِ النصِّ القرآنيِّ .. أي هو القرآنُ الكريمُ والسنّةُ الحقُّ ، وليس كلَّ ما ينطقُ به النبيُّ r.. فلا يُمكنُ لعاقلٍ أنْ يتصوَّرَ بأنّ إذْنَ النبيِّ rالذي تُبيّنُهُ الآيةُ الكريمةُ التاليةُ وحيٌ من اللهِ تعالى .. ( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) ( التوبة : 43 ) .. ولا يُمكنُ لعاقلٍ أنْ يتصوّرَ أنّ قولَ النبيِّ r الذي أدّى إلى قولِهِ التالي : [ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ ] في الحديثِ الذي رأيناهُ من صحيحِ مسلم ، كان نتيجةَ وحيٍ من السماء ..... وقولُهُ r : [ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ ] في الحديث الذي رأيناه من صحيحِ البخاري ، يؤكِّدُ الجانبَ البشريَّ في ذاتِ النبيِّ r، ذلك الجانب المجرّد عن الوحي ..
.. وقد أكَّدَ اللهُ تعالى في كتابِهِ الكريم الجانبَ البشريَّ وجانبَ الوحي في ذاتِهِ r.. ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ) ( الكهف : من الآية110) .. ولذلك فالزعمُ بأنَّ كلَّ ما نطقَ به النبيُّ rوحيٌ من السماءِ ، يُخالفُ صريحَ القرآنِ الكريم ، ومجملَ الروايات ..
.. لقد وصلَتْ إلينا رواياتُ الأحاديثِ عَبْرَ آليّةٍ تاريخيّةٍ ، ومن خلالِ بشرٍ تتفاوتُ مدارِكُهُم ومصداقيّتُهُم ودرجاتُ إيمانِهم وأهواؤهم ، في محاولةٍ لنقلِ الأحداثِ التي حصلتْ في عصرِ الرسولِ r، سواءٌ الأحداث التي تفاعلَ معها النبيُّ rكبشرٍ دون وحيٍ من السماءِ ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) ، أم التي تفاعلَ معها الرسولُ rعبْرَ وحيٍ من السماءِ ( يُوحَى إِلَيَّ ) .... وبالتالي لا يمكنُ فصلُ آليّةِ وصولِ الحديثِ إلينا عن أحداثِ التاريخِ وفتنِهِ ، وعن الصراعاتِ التي تمّت ما بين وفاةِ النبيِّ rوبين عصرِ تدوينِ الحديث ..
.. فمصداقيّةُ الروايةِ المنقولةِ عن الرسولِ rتتعلّقُ بأمانةِ جميعِ ناقلي هذه الروايةِ منذُ قيامِ الرسولِ rبعملِ أحداثِها ، حتى تدوينِها .. وتتعلّق أيضاً بإدراكِهم لحقيقةِ الحدثِ الذي تحملُهُ هذه الروايةُ ، وبتأويلِهم للأُمورِ باتّجاهِ أهوائهم ومصالحِهم المذهبيّةِ ، وخصوصاً أنّهم – حينما تحدّثوا عن بعضِ الأحداثِ – لم يكونوا عالمين بأنّ حديثَهم هذا سيُدَوَّنُ بعد قرونٍ ليُصبحَ نُصوصاً مقدّسةً ..
.. هذه الأهواءُ والمصالحُ المذهبيّةُ والقولُ على لسانِ الرسولِ rمن أجلِ موقفٍ محدّدٍ لا يخلو من المصلحةِ ، يراها الباحثُ عن الحقيقةِ في الحديثِ التالي ، من صحيحِ مسلم ، حديث رقم ( 3431 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ..
[ حَدَّثَنَا ............ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ............ وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي فَقُلْتُ لَهُ هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ يَقُول ُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ، قَالَ : فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ............ ] ..
.. ومسألةُ التزكيةِ للرجالِ الذين أُخِذَ عنهم الحديثُ هي مسألةٌ نسبيّةٌ ، خاضعةٌ للطبيعةِ البشريّةِ التي لا تخلو من العاطفةِ والهوى والعصبيّةِ ، فاللهُ تعالى يقولُ في كتابِهِ الكريم .. ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) ( النجم : 32 ) .. ولذلك نرى اختلافاً بين مخرجي الحديثِ حولَ الرجالِ الذين خرّجَ لهم هؤلاء المخرجون ، فعلى سبيلِ المثالِ نرى أنَّ عددَ الذين خرّجَ لهم البخاري في الجامعِ الصحيحِ ولم يخرّجْ لهم مسلم هو : ( 434 ) شيخاً ، وعددَ من احتجَّ بهم مسلم في المسندِ الصحيحِ ولم يحتجَّ بهم البخاري في الجامعِ الصحيحِ هو : ( 625 ) شيخاً ، وهكذا يكون عددُ الذين اختلفَ في الأخذِ عنهم البخاري ومسلم هو : ( 1059 )( * ) شيخاً ..
.. وإذا كان النبيُّ rلا يعلمُ المنافقين الذين مَرَدُوا على النفاقِ من أهلِ المدينةِ ، والذين كانوا معه في عصرٍ واحدٍ ، ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ( التوبة : من الآية 101 ) ، فكيف إذن يستطيعُ مخرجو الأحاديثِ الجزمَ بمصداقيّةِ جميعِ الرجالِ الذين أَخذوا عنهم ، وبأمانتِهِم وبدقّةِ إدراكِهِم لما سمعوا ، وبنزاهتِهِم وتجرّدِهِم عن أيِّ عصبيّة ، منذ وفاةِ النبيِّ rحتى عصرِ هؤلاء المخرجين ؟!!! ..
.. وفي رواياتِ الأحاديثِ ذاتِها ما يُؤكِّدُ أنّ النبيَّ r لم يكنْ عالماً بحقيقة الكثيرين ممّن حسبَهُم صادقين ، وممّن حسبَهم r لا يرتدّون بعدَهُ على أدبارِهم القهقرى ، فهناك عشراتُ الأحاديثِ التي تؤكّدُ هذه الحقيقةَ ، أختارُ منها الحديثين التاليين من صحيحي البخاري ومسلم ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 6098 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ..
[ حَدَّثَنَا ....... عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِي فَيُحَلَّئُونَ عَنْهُ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى ....... ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4246 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ..
[ و حَدَّثَنَا ....... سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ فَوَاللَّهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ فَلَأَقُولَنَّ أَيْ رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ] ..
.. ثمّ من قالَ إنّ جميعَ هؤلاء الرجالِ الذين أُخِذَ عنهم الحديثُ كانوا ( دون استثناءٍ ) يثقونَ هم ذاتُهم بأمانةِ بعضِهِم بعضاً ؟!!! .. أو أنّهم ادّعوا لأنفسِهم العصمةَ وعدمَ الوقوعِ في الخطأِ ، أو أنّهم وَصَفوا كلَّ ما قالوه وشرحوه ودوّنوه بالمصداقيّةِ التي لا يأتيها الباطلُ من بين يديها ولا من خلفِها ... ألا يذكرُ لنا التاريخُ بمختلفِ مشاربِهِ أنّ عشراتِ الآلافِ من أعناقِ الصحابةِ قُطِعَت على يدِ إخوانِهم ، من أجل الملكِ والسلطةِ ؟ .. ومن لا يُريدُ تصديقَ التاريخِ خوفاً من معرفةِ الحقيقةِ ، ليبقى غارقاً في مستنقعِ عصبيّتِهِ المذهبيّةِ والطائفيّة ، نعرضُ له الأحاديثَ التالية :
صحيح البخاري .. حديث ( 4153 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ..... عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي فَقَالَا أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَقَالَ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ ....... ] ..
صحيح البخاري .. حديث ( 4284 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا أَوْ إِلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ رَجُلٌ كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ فَقَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ ] ..
صحيح البخاري .. حديث ( 6581 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ إِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ] ..
صحيح مسلم .. حديث ( 3302 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ و حَدَّثَنِي .......... ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الْآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ فَقَالَ الْقَوْمُ أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَأَرِحْهُمْ .......... ] ..
صحيح البخاري .. حديث ( 334 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا .......... فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِد الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ .......... ] ..
.. ولذلك فإنّ مسألةَ تصنيفِ الرجالِ وتحديدِ من يُعوَّلُ على روايتِهِ ، هي مسألةٌ نسبيّةٌ لا يمكنُ تجريدُها عن أمزجةِ البشرِ وأهوائهم ..... هذا كلُّهُ يؤكّدُ أنّ رواياتِ الأحاديثِ وصلتْ إلينا بآليّةٍ تاريخيّةٍ ، عَبْرَ نقل المعاني( * ) للأحداث ، وليس عَبْرَ نقلٍ حرفيٍّ مكتوبٍ بين يديِّ رسولِ اللهِ rكما يتخيّلُ الكثيرون .. وإنّ معرفةَ هذه الحقيقةِ تقرِّبنا أكثرَ من إدراكِ حقيقةِ سنّةِ رسولِ اللهِ r، ومن معرفةِ ما لُبِّس عليه ، لا من الإساءةِ إلى السنّةِ الشريفةِ كما يتوهّمُ الجاهلون ..
.. ولنختَرْ بعضَ الرواياتِ من كُتُبِ الصحاحِ ، لِنَرى بأمِّ أعينِنا كيف أنّ هذه الرواياتِ منها ما هو غيرُ صحيحٍ ، ولِنَرى بأمّ أعينِنا كيف أنّ محاولاتِ التوفيقِ بين الرواياتِ المتناقضةِ لم تكنْ بهدفِ البحثِ عن حقيقة ، إنّما كانتْ – في معظمها – بهدفِ الدفاعِ عن العصبيّاتِ المذهبيّةِ ، ليس إلاّ ..
.. لننظرْ إلى مدّةِ لبثِ النبيِّ rفي مكّةَ المكرّمةِ ، من خلالِ الأحاديثِ التالية ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 3614 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنِي ....... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 3284 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ....... ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4340 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ و حَدَّثَنِي ....... حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ ....... ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4335 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4330 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً ....... ] ..
.. لا شكّ أنَّ من يملكُ حداً أدنى من الوعي والإدراكِ يرى تناقضاً بين هذه الرواياتِ ، فلا يمكنُ من خلالِ هذه الرواياتِ أنْ نَصِلَ إلى نتيجةٍ في معرفةِ كم عاشَ النبيُّ r، وكم لَبِثَ في مكةَ .. ويأتي السادةُ الذين يقدّمون التاريخَ نصَّاً مقدّساً ، ليبرّروا هذه التناقضات ، على حسابِ العقلِ والمنطقِ ، ظانّين أنّهم بذلك يخدمون سنّةَ رسول الله r..
.. فيحتجّون بالنصِّ التالي الذي وردَ في شرحِ الإمامِ النوويِّ لصحيحِ مسلم ، في محاولةٍ لتبريرِ التناقضِ الذي نراه .. [ واتّفق العلماءُ على أنّ أصحّها ثلاث وستّون ، وتأوّلوا الباقي عليه ، فروايةُ ستين اُقتصرَ فيها على العقود وتركِ الكسر ، ورواية الخمس متأوّلة أيضاً ، وحصل فيها اشتباه ، وقد أنكر عروة على ابن عبّاس ] ..
فحسبَ التأويلِ الذي حصلَ ، تمّ إلغاءُ الكسرِ ، وهو ثلاثُ سنوات ، سواءٌ في لبثِ النبيِّ rفي مكّةَ ، أم في مدّةِ حياتِه .. أي قيلَ لَبِثَ عشرَ سنين في مكّةَ بدلاً من ثلاثَ عشرةَ سنةً ، وقيلَ عاشَ ستين سنةً بدلاً من ثلاثٍ وستين سنة .. وكذلك الأمرُ في تأويلِ الخمسِ ، فقيلَ عاشَ rخمساً وستّين سنةً بدلاً من ثلاثٍ وستين ، وبالتالي يكونُ النبيُّ rقد لَبِثَ في مكّةَ خمسَ عشرةَ سنةً متأوّلةً عن ثلاثَ عشرةَ .. حيث قالوا : إنّ من عادةِ العربِ إلغاءَ الكسرِ وجبرَهُ ..
.. هذا التأويلُ إمّا أنْ يَكونَ بهدفِ إظهارِ حقيقةٍ لم تردْ في صياغةِ هذه الروايات ، كما يتصوّرون ، وبذلك يكونون – حقّاً – خادمين لسنّةِ الرسولِ r، ونكونُ ضالّين مُضلّين نحاولُ إبعادَ المسلمين عن سُنّةِ الرسول r ... وإمّا أنْ يكونوا قد جنّدوا أنفسَهم لخدمةِ منهجِ وَضْعِ التاريخِ بديلاً عن منهجِ اللهِ تعالى ، وذلك عَبْرَ التلبيسِ على الرواياتِ المتناقضةِ غيرِ الصحيحة ، لإيهامِ المسلمينَ أنّها صحيحةٌ ، وبالتالي يكونون قد ضلّلوا الناسَ وخدعوهم ، وبالتالي أساؤوا إلى سُنّةِ الرسولِ r..
.. ولذلك .. ما هو السبيلُ إلى مَعرفةِ الضالِّ المُضلِّ المسيءِ إلى سُنّةِ الرسولِ r؟ ..
.. للجوابِ على هذا السؤالِ لا نحتاجُ إلاّ إلى النظرِ في الحديثِ التالي من صحيحِ مسلم ، حديث ( 4341 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ و حَدَّثَنَا ....... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ، يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَيَرَى الضَّوْءَ سَبْعَ سِنِينَ وَلَا يَرَى شَيْئًا، وَثَمَانَ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا ] ..
.. حسبَ هذا الحديثِ فإن السنواتِ الخمسَ عشرةَ التي أقامَ بها النبيُّ rفي مكّةَ هي خمسَ عشرةَ دون زيادةٍ أو نقصان ، وليست متأوّلةًً عن ثلاثَ عشرةَ كما ذهبوا في تأويلِهم للرواياتِ الأخرى ، فقولُ ابنِ عبّاس في هذا الحديثِ : (( يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَيَرَى الضَّوْءَ سَبْعَ سِنِينَ وَلَا يَرَى شَيْئًا ، وَثَمَانَ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ )) ، يبيّنُ لنا أنّ الخمسَ عشرةَ سنةً هي سبعُ سنينَ كان فيها النبيُّ rيسمع الصوتَ ويرى الضوءَ فقط ، وثمانِ سنينَ يُوحى إليه ..
.. فكلُّ العاقلين من البشرِ يُدركونَ أنّ : [ 7 + 8 = 15 ] .. وأيُّ تأويلٍ يقلبُ هذه المعادلةَ لتصبحَ على الشكلِ : [ 7 + 8 = 13 ] هو خروجٌ ليس فقط عن منهجِ اللهِ تعالى وسنّةِ رسولِهِ r، وإنّما – أيضاً – خروجٌ على ثوابتِ العقلِ والإدراكِ التي يتميّزُ بهما الإنسانُ عن الحيوان ..
.. فهل نخدمُ سنّةَ الرسولِ rحينما نتأوّلُ تأويلاً لا يقبلُهُ عقلٌ ولا منطقٌ ؟ ، أم أنّنا بذلك نخدمُ عصبيّاتِنا المذهبيّةَ والطائفيّةَ ؟ ، وبالتالي نسيءُ إلى سُنّةِ الرسولِ rعَبْرَ جَعْلِ الرواياتِ التاريخيّةِ المتناقضةِ سُنّةً ننسبُها إلى الرسولِ r؟ .. أتركُ الإجابةَ لكلِّ من يعتقدُ أنّ : [ 7 + 8 = 15 ] ، لا لمن يعتقدُ أنّ : [ 7 + 8 = 13 ] ..
.. وهذه مسألةٌ أُخرى .. لننظرْ إلى الحديثين التاليين في صحيحِ البخاري ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 4615 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 4618 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ ] ..
.. إذن يُوصي الرسولُ rبأخذِ القرآنِ الكريمِ من عبدِ اللهِ بن مسعودٍ ، ومن أبي بن كعبٍ ، ويُقسِمُ عبدُ الله بن مسعود أنّه أعلمُ الأمّةِ في كتابِ اللهِ تعالى ، فكلُّ سورةٍ يعلمُ أين أُنزِلتْ ، وكلُّ آيةٍ يعلمُ فيمَ أُنزلتْ ، وبالتالي لا يُمكنُ لعبدِ اللهِ بن مسعود ( ولا لأبي بن كعب ) أن يغفلَ عن انتماءِ سورتين من القرآنِ الكريمِ إلى القرآنِ الكريمِ ..... لننظرْ إلى الأحاديثِ التالية ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 4594 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قِيلَ لِي فَقُلْتُ فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 4595 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا – المقصود بكذا وكذا : أنّ المعوِّذتين(* ) ليستا من كتابِ اللهِ تعالى – فَقَالَ أُبَيٌّ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي قِيلَ لِي فَقُلْتُ قَالَ فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] ..
مسند أحمد .. حديث رقم ( 20244 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فَقُلْتُهَا فَقَالَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقُلْتُهَا فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ....... ] ..
مسند أحمد .. حديث رقم ( 20245 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنِي ....... قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ وَيَقُولُ إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ الْأَعْمَشُ وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَأَلْنَا عَنْهُمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقِيلَ لِي فَقُلْتُ ] ..
.. إنّنا نرى أنَّ اختيارَ عبدِ اللهِ بن مسعودٍ وأبيِّ بن كعبٍ ليتمَّ الدسُّ على لسانِهما ، ليس اختياراً عشوائيّاً ..... حسبَ هذه الرواياتِ الموضوعةِ على لسانِ عبدِ اللهِ بن مسعودٍ وأبيِّ بن كعبٍ ، فإنّ المعوّذتين ليستا من كتابِ اللهِ تعالى ، هذا ما تقولُهُ هذه الرواياتُ دون أنْ نُضيفَ إليها معاني من جيوبِنا ، فكيف إذن يُمكنُ لمسلمٍ عاقلٍ يحترمُ كتابَ اللهِ تعالى أنْ يقولَ بصحّةِ هذه الروايات ؟!!! ..
.. هل الذي يُقَدِّسُ سنّةَ رسولِ اللهِ rوكتابَ اللهِ تعالى ( القرآنَ الكريم ) ، هو من يقولُ بصحّةِ هذه الروايات ، أم هو الذي يقول بعدمِ صحّتها ؟ !!! .. وأيُّ تأويلٍ هذا الذي من المُمكنِ تصديقُهُ ، في إيهامِ الناسِ ( الذين يُقدّسون كتابَ اللهِ تعالى ) أنّ هذه الرواياتِ صحيحةٌ ، يَخْرُجُ من الملّةِ من لا يؤمنُ بمصداقيّتِها كأيمانِه بكتابِ اللهِ تعالى ؟!!! ..
.. إذا كان أعْلمُ منْ في الأمّةِ بكتابِ اللهِ تعالى ، لا يعلمُ أنّ المعوّذتين( * ) من كتابِ اللهِ تعالى ، ( كما يُزعَمُ في الأحاديث التي رأيناها ) ، ويبرّرون ذلك بتأويلاتٍ لا يقبلُها منطقٌ ولا عقل ، فكيف إذن يجزمون جزماً قاطعاً بالثقةِ الكاملةِ حينما يأخذون ( من بعضِ الأحاديث ) بعضَ الأحداثِ الجانبيّةِ من رجالاتٍ أُخر ، تلك الأحداث التي لا يعلمُها إلاّ أولئك الرجال ؟ !!! .. فبناءً على تأويلاتِهم ، أين هو المعيارُ الذي يتمُّ من خلالِه الجزمُ بالنقلِ الحرفيِّ لتلك الأحداثِ عَبْرَ هؤلاء الرجال ؟!!!!! ..
.. وحتى القرآنُ الكريمُ ذاتُه لم يسلمْ من محاولاتِ الدسِّ الهادفةِ إلى تحريفِهِ ، وإلى تشويه قدسيّتِهِ ..... لننظرْ إلى الأحاديثِ التالية ..
صحيح البخاري .. حديث ( 4563 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُلُّنَا قَالَ فَأَيُّكُمْ أَحْفَظُ فَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ قَالَ كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى قَالَ عَلْقَمَةُ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَكَذَا وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونِي عَلَى أَنْ أَقْرَأَ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَاللَّهِ لَا أُتَابِعُهُمْ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 4145 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنِي ....... سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَلَا يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ....... ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 998 ) حسبِ ترقيمِ العالميّة ..
[ و حَدَّثَنَا ....... قَالَ أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا وَقَالَتْ إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ قَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 5957 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنِي ....... سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَا أَدْرِي مِنْ الْقُرْآنِ هُوَ أَمْ لَا قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ ] ..
.. كيف تُحْذَفُ كلمتا ( وَمَا خَلَقَ ) من الآيةِ الكريمةِ ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ) ( الليل : 3 ) ؟ !!! .. وكيف تُستبدَلُ العبارةُ القرآنيّةُ .. ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) ( البقرة : من الآية 184 ) بالعبارةِ ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَلَا يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) ؟ !!! .. وكيف تُستَبدَلُ العبارةُ القرآنيّةُ ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ( البقرة : 238 ) بالعبارةِ ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ؟ !!! ..
كيف يمكنُنا أنْ نتصوّرَ أنّ ابنَ عبّاسٍ وابنَ الزبير [ وغيرَهُما ( كأنس بن مالك ) كما ورد في رواياتٍ أخرى في الصحاح ] يحفظون نصوصاً لا يعلمونَ هل هي من القرآنِ الكريمِ أم لا ؟ !!
.. يؤوّلون ذلك فيقولون هذه قراءاتٌ تفسيريّةٌ !!! ... أيُّ تأويلٍ هذا ؟!!! .. إذا كان من يُنسَبُ على لسانِهِ أنّه لا تُوجَدُ كلمتا ( وَمَا خَلَقَ ) في الآيةِ الكريمةِ ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ) يقولُ ( في هذه الرواياتِ ) : [ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَكَذَا وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونِي عَلَى أَنْ أَقْرَأَ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَاللَّهِ لَا أُتَابِعُهُمْ ] ؟!!! .. أيُّ قراءةٍ تفسيريّةٍ هذه التي تحذفُ بعضَ الكلماتِ من كتابِ اللهِ تعالى ؟!!! .. وإذا كانت القراءةُ التفسيريّةُ تقتضي حذفَ هاتين الكلمتين ( وَمَا خَلَقَ ) ، فلماذا وضَعَهُما اللهُ تعالى في كتابِهِ الكريم ؟!!! .. فما هو هذا التفسيرُ الذي لا يكونُ إلاّ بإصرارِ المُفَسِّر على حذفِ كلماتٍ من النصِّ المُفَسَّرِ ؟ !!!! ..
.. وإذا كان ابنُ عباسٍ يقولُ عن العبارةِ المنسوبةِ إليه [ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَلَا يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ] ليست بمنسوخة ، وعائشةُ تقولُ [ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ قَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] ؟!!! .. فأيُّ قراءةٍ تفسيريّةٍ هذه التي يتحدّثون عنها ؟ !!! ..
.. التأويلُ السليمُ الهادفُ إلى معرفةِ حقيقةِ دلالاتِ النصِّ المُؤوَّلِ ، لا يكونُ بإضافةِ معاني من جيوبِنا لتحميلِ صياغةِ النصِّ ما لا تحتمل .. فهناك فارقٌ بين التأويلِ الحقِّ الذي ينطلقُ من صياغةِ النصِّ للوصولِ إلى دلالاتٍ لا تتناقضُ مع ظاهرِ ما يحملُهُ النصُّ من دلالات ٍ ومعانٍ ، وبين التحايلِ الفاضحِ على دلالاتِ النصِّ لتحميلِهِ ما لا يحتمل ، وطمسِ الدلالاتِ الحقيقيّةِ التي يحملُها ظاهرُ صياغتِهِ ، لإثباتِ عصبيّاتٍ مذهبيّةٍ على حسابِ المنهجِ والعقلِ والمنطق ..
.. وهذه مسألةٌ أُخرى .. في الآيةِ الكريمة .. ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ) ( ق : 38 ) .. وفي غيرِها ، يُؤكِّدُ اللهُ تعالى أنَّ السماوات والأرض وما بينهما خُلِقَتْ في ستةِ أيام ، وليس في سبعة .. لننظر إلى الحديث التالي كيف يحملُ دلالاتٍ تُناقضُ هذه الحقيقةَ القرآنيّة ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4997 ) حسب ترقيم العالميّة ..
[ حَدَّثَنِي ..... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ..... ] ..
.. ولننظر إلى الحديث التالي ، حتى نرى بأمِّ أعيننا كيف تتمُّ الإساءةُ لعظمةِ الصياغة القرآنيّّة ، من خلالِ تقديمها صياغةً يستطيعُ البشرُ الإتيان بمثلِها ، وينطقُ بها البشرُ قبلَ نزولِها من السماء ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 4535 ) حسب ترقيم العالمية ..
[ حَدَّثَنَا ..... عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ : عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ] ..
.. ولننظر إلى الحديثين التاليين ، حتى نرى بأمِّ أعيننا كيف يتمُّ الكفرُ بدلالاتِ عشراتِ الآياتِ القرآنيّةِ الكريمة ، التي تُبين أنّه َلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ، وأنّه لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ، وأنّ الإنسان لا يُجزى إلاّ بعمله ..
صحيح مسلم .. حديث رقم : ( 4971 ) حسب ترقيم العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ..... عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ..... ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4969 ) حسب ترقيم العالمية ..
[ حَدَّثَنَا ..... قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ ] ..
.. إنَّ صياغةَ الحديثين واضحةٌ بيّنة ، وكلُّ محاولات إظهار صحةِ هذين الحديثين وموافقتِهِما لدلالاتِ كتابِ اللهِ تعالى ، لا سبيل لها عند من يُدركُ الحدَّ الأدنى من قواعدِ اللغةِ العربيةِ ويملكُ ذرةً من عقلٍ أو منطق ..
.. والإساءةُ – في بعضِ الروايات – تطالُ النبيَّ r، وزوجاتِهِ رضي اللهُ تعالى عنهنّ ..... لننظر إلى الحديث التالي من صحيح مسلم ، حديث رقم ( 4975 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنِي ..... عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ اخْرُجْ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ ] ..
.. وهذا نقلٌ حرفيٌّ من شرح النووي ( باب براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة ) ، فيما يخصُّ هذا الحديث :
(( ذكر في الباب حديث أنس أن رجلا ًكان يتهم بأم ولده صلى الله عليه وسلم , فأمر علياً - رضي الله تعالى عنه - أن يذهب يضرب عنقه , فذهب فوجده يغتسل في رَكِيٍٍّ, وهو البئر , فرآه مجبوباً فتركه , قيل : لعله كان منافقاً ومستحقاًً للقتل بطريق آخر , وجعل هذا محركاً لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا , وكف عنه عليٌّ - رضي الله تعالى عنه - اعتماداً على أن القتل بالزنا , وقد علم انتفاء الزنا . والله تعالى أعلم )) ..
..من الواضح وضوح الشمس وسط النهار أنّ التأويل : (( قيل : لعله كان منافقاً ومستحقاً للقتل بطريقٍ آخر , وجعل هذا محركاً لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا , وكف عنه عليٌّ - رضي الله تعالى عنه - اعتماداً على أن القتل بالزنا , وقد علم انتفاء الزنا . والله تعالى أعلم )) .. هذا التأول .. هروبٌ من الاعتراف بحقيقةِ عدمِ صحّةِ هذا الحديث .. فصياغةُ الحديث واضحةٌ بيّنة ، ولا يُوجَدُ فيها ما يُشير إلى هذا التأويل ..
.. فعليٌّ رضي اللهُ تعالى عنه – كما هو وارد في نصِّ الحديث – كفَّ عن المُتَّهَم لأنّه مجبوبٌ ليس له ذكر ، لا لسببٍ آخر ، فلو لم يكن المتّهمُ مجبوباً ، ولو لم يكن يتبرّد ، لذهب عنقُهُ في خبر كان .. (( فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ )) .. ولا يُوجدُ – في صياغة الحديث – سببٌ لقتلِهِ إلاّ أنَّ المتَّهمَ : (( كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) ..واستحقاقُ المتّهم للقتلِ بطريقٍ آخر مسألةٌ لا وجودَ لها أبداً في صياغة الحديث ، ولا حتى في يقينِ واضعِ هذا التأويل ، فالعبارةُ القرآنيّةُ (( قيل : لعله كان ..... )) في بداية هذا التأويل ، تؤكّدُ أنَّ التأويلَ تَصَوُّرٌ وُضعَ – دونَ أيِّ دليل – من أجل عدمِ الاعتراف بصحةِ الحديث .. لذلك فالتأويل الذي رأيناه لإظهارِ الحديث على أنَّهُ حديثٌ صحيحٌ هو استخفافٌ بِعقولِنا ..
.. إنَّ القولَ بعدمِ صحّةِ هذا الحديث ، وبعدمِ صحةِ تأويلِهِ ، هو انتصارٌ للحقِّ ، وللسنّةِ الشريفة ، ولكرامةِ النبيِّ r، ولكرامةِ زوجاته رضي اللهُ تعالى عنهن ، وللعقل والمنطق ..
.. وإنّ القولَ بصحتِهِ وبصحةِ تأويلِهِ ، هو إساءةٌ للسنّةِ الشريفة ، وللنبيِّ r، ولزوجاتِهِ رضي الله تعالى عنهن ، واستخفافٌ بالعقل والمنطق ..
.. ولننظر إلى الحديث التالي من صحيح البخاري رقم : ( 4853 ) حسب ترقيم العالميّة :
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسُوا هَا هُنَا وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَبِي نَفْسَكِ لِي قَالَتْ وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ قَالَ فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا ....... ] ..
.. والتأويلاتُ التي لُبِّسَت على هذه الرواية لإيهام الناس بصحّتِها ، تزيدُ من الإساءةِ للنبيِّ r، ولزوجاتِه رضي الله تعالى عنهنّ .. فصياغةُ هذه الرواية – كما نرى – لا تحملُ للنبيِّ rإلاّ الإساءة .. ولا يُمكنُ لمن يصفُهُ اللهُ تعالى بقولِه : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ( القلم : 4 ) ، أنْ يقتربَ منَ الفعلِ الذي نراه في ظاهرِ صياغةِ هذه الرواية ..
.. ولننظرْ إلى الاختلافِ الواضحِ بين الحديثينِ التاليين ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 553 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 557 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ ] ..
ولننظرْ إلى النصِّ التالي ، من كتابِ فتحِ الباري في شرحِ صحيحِ البخاري ، الذي يحاولون من خلالِه تبريرَ هذا الاختلاف : [ قول عائشة ( ما تركهما حتى لقي الله عزّ وجلّ ) ، وقولها ( لم يكن يدعهما ) ، وقولها ( ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلاّ صلّى ركعتين ) ، مُرادها من الوقت الذي شُغِلَ عن الركعتين بعد الظهرِ فصلاّهما بعد العصر ، ولم ترد أنّهُ كان يُصلّي بعد العصر ركعتين من أوّل ما فُرضت الصلوات مثلاً إلى آخر عمره ....... ] ..
من أينَ أتوا بهذا التأويل ؟ !!! .. فهل في صياغةِ الحديثِ ما يُشيرُ إلى تأويلِهِم ؟ !!! .. وإذا كانتْ صياغةُ الحديثِ تحملُ تأويلَهم هذا ، فمن المؤكَّد أنّه يمكنها أنْ تحملَ أيَّ قصّةٍ من قصصِ الرسومِ المتحرّكة ..
.. وهل هناك من استخفافٍ بدلالاتِ كلماتِ هذا الحديثِ ، وبعقولِنا ، كهذا الاستخفاف ؟ .. أليس القولُ بعدمِ صحّةِ بعضِ الأحاديث – في الصحاحِ – أفضلُ بكثيرٍ من هذه التأويلات ؟ ..
.. ولننظرْ إلى الأحاديثِ التالية ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4118 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا نَوْءَ وَلَا صَفَرَ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 5328 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[حَدَّثَنِي ....... سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الْأَوَّلِ قُلْنَا أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لَا عَدْوَى فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ ....... ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4117 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ و حَدَّثَنِي ....... قَالَ أَبُو سَلَمَةَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمَا كِلْتَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ لَا عَدْوَى وَأَقَامَ عَلَى أَنْ لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ قَالَ فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تُحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثًا آخَرَ قَدْ سَكَتَّ عَنْهُ كُنْتَ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَدْوَى فَأَبَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ وَقَالَ لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ فَمَا رَآهُ الْحَارِثُ فِي ذَلِكَ حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ فَقَالَ لِلْحَارِثِ أَتَدْرِي مَاذَا قُلْتُ قَالَ لَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْتُ أَبَيْتُ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا عَدْوَى فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ ....... ] ..
.. المشكلةُ ليست في إنكارِ أبي هريرة لقولِه الذي نسبَه إلى الرسولِ r[ لا عدوى ] ، بمقدار ما هي في تأويلِهِم لقولِ أبي هريرة [ لا عدوى ] .. لننظرْ إلى النصِّ التالي من كتابِ شرحِ الإمامِ النوويِّ لصحيحِ مسلم ، الذي كُتِبَ لتبرير الاختلاف الذي نراه ..
[ قال جمهورُ العلماء : يجب الجمع بين هذين الحديثين ، وهما صحيحان ، قالوا : وطريق الجمع أنّ حديث ( لا عدوى ) المُراد به نفي ما كانت الجاهليّة تزعمه وتعتقده أنّ المرضَ والعاهةَ تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى ، وأمّا حديث ُ( لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعلِ اللهِ تعالى وقدره ، فنفى في الحديث الأوّل العدوى بطبعها ، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعلِه ، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز ممّا يحصل عنده الضرر بفعل إرادة الله تعالى وإرادته وقدرته ....... ] ..
.. إضافةً إلى أنّ صياغةَ هذه الأحاديثِ لا تحملُ تأويلَهم لا من قريبٍ ولا من بعيد ،كيف يشرحون قولَ أبي هريرة ( لا عدوى ) ويبرّرون اختلافَه مع قولِه ( لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) ، وأبو هريرةَ ذاته أنكرَ هذا القولَ ، ورطنَ بالحبشيّةِ حينما قيل له : إنّك قلتَ قالَ الرسولُ r ( لا عدوى ) ؟ !!! .... فبأيِّ لغةٍ سيرطنُ أبو هريرة لو قُدِّرَ له أنْ يخرجَ من قبرِهِ ويسمعَ تأويلَهم الذي رأيناه ؟ !!! ..
ولا أُريدُ الإطالةَ في عرضِ الأمثلةِ التي تبيّنُ أنّهُ ليسَ كلُّ ما في الصحاحِ صحيحاً ، فقد عرضتُ في كتابِ (( الحقّ الذي لا يريدون )) مئاتِ الأحاديث – من الصحاح – التي تُثبتُ صحّةَ هذه الحقيقة ..
.. ممّا سبقَ نستنتجُ الحقائقَ التالية :
[ 1 ] – السنّةُ الشريفةُ محفوظةٌ من قِبَلِ اللهِ تعالى ، شأنُها بذلك شأنُ القرآنِ الكريمِ ، وهي ما تناقَلَتْهُ الأجيالُ حياةً تَعَبّديّةً متحقِّقةً عَبْرَ التاريخِ لشعائرِ الدينِ كجزئيّاتٍ فصّلَها الرسولُ rلكليّاتِ النصِّ القرآنيِّ ، مِثْلَ جزئيّاتِ شعائرِ الصلاةِ ، وبالتالي هي ما أجمعتْ عليه الأمّةُ إجماعَ عَمَلٍ ، وإجماعَ حياةٍ تعبّديّةٍ ، من أقصى السنّةِ إلى أقصى الشيعةِ ، وأتتنا ليسَ عن طريقِ الرواياتِ كما يتوهّمُ الكثيرون ..
[ 2 ] – ليس كلُّ ما في الصحاحِ صحيحاً ، وبالتالي لا بُدَّ من أنْ نُعايرَ على كتابِ اللهِ تعالى نصوصَ الرواياتِ التي بين أيدينا بتجرّدٍ عن أيِّ عصبيّةٍ مُسبقةِ الصنعِ ، لمعرفةِ الموضوعِ من هذه الروايات ، ولفهم دلالاتِها بشكلٍ سليم ..
[ 3 ] – كلامُنا هذا لا يعني – كما يفتري الجاهلون – إنكارَ كلّ ما جاءَ في الصحاح ، فكونُ بعضِ الأحاديث – في الصحاح – ليستْ صحيحةً ، لا يعني أبداً عدمَ صحّةِ كلِّ ما جاء في هذه الصحاح .. فالقولُ بصحّةِ كلِّ ما جاء في الصحاح ، لا يختلفُ أبداً عن القولِ بعدمِ صحّةِ كلِّ ما جاء فيها ..
[ 4 ] – ليس كلُّ ما قالَهُ وفعلَهُ النبيُّ rسنّةً ، كما رأينا .. فعلينا إذن أنْ نتحرّى ( على معيارِ كتابِ اللهِ تعالى ) مِنْ بين الرواياتِ التي بين أيدينا ، ما عَمِلَهُ الرسولُ rكسُنّةٍ موحاةٍ من اللهِ تعالى ، يفصِّلُ rبها كليّاتِ النصِّ القرآنيِّ ، وما عَمِلَهُ النبيُّ rكبشرٍ دون أيِّ وحيٍ من السماء ، وذلك موافقةً لأهلِ الكتابِ ومجاراةً لأعرافٍ اجتماعيّةٍ كانت سائدةً ، بانتظارِ نزولِ النصِّ القرآنيِّ المناسب ..
[ 5 ] – علينا أنْ نعلمَ أنَّ إضافةَ الرواياتِ المناقضةِ لكتابِ اللهِ تعالى ، وللمنطقِ والعقلِ المُفَعَّلين ضمنَ إطارِ إدراكِ دلالاتِ كتابِ اللهِ تعالى ، إلى سُنّةِ الرسولِ r ، وخَلْقَ التأويلاتِ الباطلةِ والتبريراتِ الساقطةِ لتبريرِ التناقضِ بين بعضِ الروايات ، هو – في النهاية – قفزٌ فوقَ سنّةِ الرسولِ r، وفوقَ منهجِ اللهِ تعالى ، واستبدالٌ لهذه السنّةِ الشريفةِ بتاريخٍ لا علاقةَ له بمنهجِ اللهِ تعالى لا من قريبٍ ولا من بعيد ، وهو إغراقٌ للأمّةِ في مستنقعِ الجهلِ ، ودفعٌ لفكرِها إلى مذبحٍ يزيدُ من تشرذمها وتمزّقها المذهبيِّ ..
.. فحتى نُخرِجَ فِكْرَ الأمّةِ من الحلقةِ المفرغةِ التي ما زلنا ندورُ فيها منذ قرونٍ ، وحتى نُوحِّدَ إرادةَ أبنائها ، وحتى نكونَ أهلاً لحملِ منهجِ اللهِ تعالى إلى البشريةِ ، لا بُدّ من التقاءِ جميعِ مذاهبِها ( فكراً وعقيدةً وفقهاً وتفسيراً لكتابِ اللهِ تعالى وَ ..... ) على معيارٍ واحدٍ هو كتاب الله تعالى ..
سورية – درعــا – تلشهاب
هاتف منزل : 252300 15 00963
هاتف جوّال : 252300 955 00963
( * ) التمييزُ بين صفتي الرسالةِ والنبوّة ، وحصرُ المنهجِ بصفةِ الرسالة ، لا يعني أبداً خروجَ دلالاتِ الآياتِ القرآنيّةِ التي تبدأُ بخطابِ النبوّةِ : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) مِنْ ساحةِ التشريع .. فكلُّ ما يحملُهُ القرآنُ الكريمُ بأيِّ صيغةٍ وأيِّ خطابٍ كان ، يتعلَّقُ به النبيُّ rمن خلالِ صفةِ الرسالة ، لا من خلال صفةِ النبوّة .. فعلى سبيل المثال ، قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً )( الأحزاب : 59 ) ، هو جزءٌ من منهجِ الرسالة ، التي يحملُها الرسول r، وبالتالي يتفاعلُ rمعَ أحكامِ هذه الآيةِ الكريمة كرسولٍ ، وإنْ كانت بداية الآيةِ الكريمة : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) .. فهذه الآيةُ قرآن ، والقرآنُ هُو موضوعُ الرسالةِ بكلِّ صيغِ خِطابِه ..
( * ) بعضُ الذين يحسبونَ أنفُسَهم مدافعينَ عن السنّةِ الشريفةِ ، ذهبوا إلى أنّ الحديثَ كُتِبَ في عَصْرِ الرسولِ r، محتجّينَ ببعضِ الرواياتِ التاريخيّةِ ، من ذلك ما وردَ في سننِ الدارمي ، حديث ( 484 ) ، أن عمرو بن العاص أومَأَ إليه النبيُّ rبإصبعِهِ إلى فِيهِ وقال : ( اكتبْ فوالذي نفسي بيدِه ما خرجَ منه إلاّ حقّ ) .. وقد سمّى عمرو بن العاص صحيفتَهُ الصادِقَةَ ..
.. ولو كانوا من الباحثين عن السنّةِ الحقِّ لرسولِ اللهِ r، لعلموا أنّ هذه الروايةَ التاريخيّةَ ( حسبَ تفسيرِهِم لها ) تُناقضُ الكثيرَ من الرواياتِ الأُخرى ، التي تؤكّد أنّ الحديثَ لم يُكتَبْ أبداً في عصرِ الرسولِ r، ولا في عصرِ الخلفاءِ الراشدين ، فقد وردَ في تذكرةِ الحفاظ ص 5 جـ ا : [ روى الحاكمُ بسندِه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : جمعَ أبي الحديثَ عن رسولِ اللهِ r، وكان خمسمائة حديث ، فبات ليلةً يتقلّبُ كثيراً ... فلما أصبحَ قال : أي بنيّة ، هلمّي الأحاديث التي عندك ، فجئتُه بها ، فدعا بنارٍ فحرقَها ]
ووردَ في تقييد العلم ص 52 من رواية محمد بن القاسم أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللهُ تعالى عنه وقفَ يخطبُ في الناسِ قائلاً : [ أيها الناسُ ، إنّه قد بلغني أنّه قد ظهرتْ في أيديكم كُتبٌ ، فأحبّها إلى اللهِ أعدلُها وأقومُها ، فلا يبقين أحدٌ عنده كتاب إلاّ أتاني به ، فأرى فيه رأيي – قال – فظنّوا أنّه يريدُ أن ينظرَ بها ، ويقوّمَها على أمرٍ لا يكونُ فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم ، فأحرقها بالنار ، ثمّ قال : ( أمنية كأمنية أهل الكتاب ) ، كما أنّه كتب إلى الأمصار : ( من كان عنده منها شيء فليمحه ) ] ..
.. ثمّ أين هو الحديث الوارد في كُتبِ الصحاح ، والذي تُشيرُ صياغتُهُ اللغويّةُ إلى أنّهُ نُقِلَ من أيِّ صحيفة من الصحف التي يُزعمُ أنّها كُتبت في عصرِ الرسولِ r، أو في غيرِه ؟!! .. إنّ البحثَ العلميَّ الموضوعيَّ الصادقَ الخادمَ للسنّةِ الحقِّ ، هدفُهُ تحرّي الحقيقة ، لا التلبيس عليها لإثباتِ عصبيّاتٍ مُسبقةِ الصنع ..
( * ) عن كتابِ صحيحِ مسلم بشرحِ الإمام النووي ، طباعة دار الخير – جـ 1 – ص 25 ، نقلاً عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه ( المدخل إلى معرفة المستدرك ) ..
( * ) وردَ في الجامعِ لأخلاقِ الراوي وآدابِ السامعِ ، ص : 106 : أ [ قال جرير بن حازم ( سمعت الحسن يحدّث بالحديث ، الأصل واحد والكلام مختلف ) ، وقال عمران القصير : ( قلت له – للحسن البصري – : إنّا نسمع الحديثَ فلا نجيء به على ما سمعناه ، قال لو كنّا نحدّثكم إلاّ كما سمعنا ما حدّثناكم بحديثين ، ولكن إذا جاء حلالُه وحرامُه فلا بأس .. ] ..
ووردَ في الجامعِ لأخلاقِ الراوي ص 106 وَ تدريبِ الراوي ص 312 : [ قال مكحول : دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع ، فقلنا له : يا أبا الأسقع ، حدثنا بحديثٍ سمعتَه من رسولِ اللهِ rليس فيه وهمٌ ولا تزيّدٌ ولا نسيان ، قال : هل قرأ أحدٌ منكم من القرآن شيئاً ؟ ، قال : فقلنا نعم ، وما نحن له بحافظين جداً ، إنّا لنزيدُ الألف والواو وننقصُ ، قال : فهذا القرآنُ مكتوبٌ بين أظهرِكُم لا تألون حفظاً ، وأنتم تزعمون أنّكم تزيدون وتنقصون ، فكيف بأحاديث سمعناها من رسولِ اللهِ r، عسى ألاّ نكون سمعناها إلاّ مرّة واحدة ، حسبكم إذا حدّثناكم بالحديث على المعنى ] ..
.. وعن الحديث التالي في الصحيحين :
صحيح البخاري حديث رقم : ( 3085 ) حسب ترقيم العالمية : ( حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ ) ..
صحيح مسلم ، حديث رقم : ( 4781 ) حسب ترقيم العالمية : ( حَدَّثَنَا ....... قَالُوا حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ) ..
.. ورد في التفسير الكبير للفخر الرازي ، الكتاب الأوّل ، الجزء الثاني ، ص : 54 ، نصٌّ يتعلّقُ بهذا الحديث ، أنقله بحرفيّته : [ ..... وحكى الخطيب في تاريخ بغداد عن عمرو بن عبيد أنّه قال : لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ، ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أحببته ، ولو سمعت عبد الله بن مسعود يقول هذا ما قبلته ، ولو سمعت رسول الله ( ص ) يقول هذا لرددته ، ولو سمعت الله عزّ وجلّ يقول هذا لقلتُ : ليس على هذا أخذت ميثاقاً .. ] ..
( * ) وردَ في كتابِ ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) النصُّ التالي فيما يخصُّ هذا الحديث :
[ ..... رأيت التصريحَ به في روايةِ أحمد عن سفيان ولفظه : ( قلت لأبي إنّ أخاك يحكّها من المصحف ) ، وكذا أخرجه الحميدي عن سفيان ومن طريقه أبو نعيم في ( المستخرج ) ، وكأنّ سفيان كان تارة يصرّح بذلك وتارة يبهمه .. وقد أخرجه أحمد أيضاً وابن حبّان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ : (( إنّ عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوّذتين في مصاحفه )) ..... ] ..
( * ) هذه المسألة تعرّض لها – ولغيرِها – الشيخ محمّد الغزالي في كتابه ( تراثنا الفكري ) ... ففي الصفحة ( 147 ) من هذا الكتاب يقول :
[ ومن المرويّات السخيفة أن يُجازفَ شخصٌ بإثبات آثارٍ تمسُّ القرآنَ الكريم ، بل إنّي أعدّ ذلك من السَفه المنكور .. أليس من المضحك أنْ يُنسبَ إلى ابن مسعود أنّه أنكرَ كونَ المعوّذتين من القرآنِ الكريم ؟ .. أتبلغُ الحفاوةُ بالمرويّات التافهة هذا الحدّ من الخساسة ؟ !! .. أحياناً يُخيّلُ إليّ أنّ أصحابَ المساند جمعوها أوّلاً مسودّاتٍ تضمُّ كلَّ ما قيل ، على أن يمحوا منها بعد ذلك الأساطير ، ثمّ ماتوا قبل أن يتمّوا أعمالهم ! ..
ومن أمثلةِ ذلك ما جاء في مسند أحمد ، حديث ( 25112 ) : (( حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا )) ..
قال الغماري : هذا أثرٌ شاذٌ منكرٌ ، شديدُ النكارة ، لأنّ نسخ التلاوة محال ، كما بيّنته في جزء ذوق الحلاوة ..
ثمّ من المنكر الذي لا يُعقَل أن تدخلَ شاةٌ البيتَ وتأكلَ ورقةً فيها قرآنٌ ولا يعلم أحد ، هذا من الباطل المردود قطعاً ، ولو جوّزنا أنْ تأكلَ شاةٌ ورقةً فيها قرآنٌ منسوخٌ على رأي من يُجيز النسخ لجاز أن تأكلَ ورقةً فيها قرآنٌ غيرُ منسوخ ، فترتفع الثقةُ بالقرآن كلّه ، لأنّه قد يكونُ أُكِلَ منه شيءٌ ، والله تعالى يقول : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر : 9 ) .. ] ..
.. وقد ورد في التفسير الكبير للفخر الرازي ، الجزء الأوّل ، صفحة : 222 – 223 ، النصّ التالي بما يخصُّ هذه المسألة : [ ... نُقلَ في الكتب القديمة أنّ ابن مسعود كان يُنكر كون سورة الفاتحة من القرآن ، وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن ، وأعلم أنّ هذا في غاية الصعوبة ، لأنّا إنْ قلنا إنّ النقلَ المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بكون سورة الفاتحة من القرآن ، فحينئذ كان ابن مسعود عالماً بذلك ، فإنكاره يُوجب الكفر أو نقصان العقل . وإن قلنا إنّ النقل المتواتر في هذا المعنى ما كان حاصلاً في ذلك الزمان ، فهذا يقتضي أن يُقال إنّ نقل القرآن ليس بمتواتر بالأصل ، وذلك يُخرج القرآن عن كونه حجة يقينيّة . والأغلب على الظنّ أنّ نقلَ هذا المذهب عن ابن مسعود نقلٌ كاذب باطل ، وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة ... ] ..
لقد ذكر الشيخ الغزالى في كتابه تراثنا الفكري هذه الجملة وهو يحسن الظن بأصحاب المسانيد "أحياناً يُخيّلُ إليّ أنّ أصحابَ المساند جمعوها أوّلاً مسودّاتٍ تضمُّ كلَّ ما قيل ، على أن يمحوا منها بعد ذلك الأساطير ، ثمّ ماتوا قبل أن يتمّوا أعمالهم ! ..
ومن أمثلةِ ذلك ما جاء في مسند أحمد ، حديث ( 25112 ) : (( حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا )) . انتهى الاقتباس
الحركة الشعوبية هى الأصل في كل هذا التراث الكاره للإسلام في مصدره النقي وهو القرآن ، لقد انتقم الفرس من الغزاة العرب الذين عزو بلادهم وسلبوا أموالهم وسبوا نسائهم انتقموا منهم شر انتقام بأن تخصصوا وهم اصحاب الحضارة الفارسية الشامخة في تدوين الفكر الديني للمسلمين في عصور ما بعد الخلافة الراشدة ، وكان من السهل عليهم أن يضيفوا ما يخالف نصوص القرآن والعقل والمنطق السليم يضيفوه للتراث ويجعلوه جزءا ومكونا أساسيا من مكونات الدين ، وبهذا يمكنهم توجيه عامة المسلمين إلى ما يسيء إليهم وإلى سلوكهم وإلى ما يسيء للإسلام ، وبالفعل وقع العرب المسلمون في المحظور ومالت نفوسهم غلى هذا التزييف وأيقنوه من مبادئ من مبادئ الدين، ومن يناقش هذه المبادئ ويعرضها على القرآن يجدها مخالفة ولا تمت لأصل الإسلام بصلة ، فلا الرضعات العشر للكبير لها دخل بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد ولا الماعز التى أكلت الصحيفة وما بها من آيات أدعوا أنها منسوخة لا يمت للإسلام بصلة
الثقافة القرآنية
خواطر في فهم السنة
رسالةُ في حديث «أصحابي كالنجوم»
رجـــم الــزانـــي المحصن ليس من القرآن
الفِكرُ بينَ المنهجِ والتقليد
الخروج من التيه
تعدّد الزوجات
ولــكــنّ أكــثـرَكــم لـلــــحقّ كــارهـــون
الفــارق بين السنّة الشريفة وروايات الأحاديث
أوهــــام الناسـخ والمنســوخ
حقيقةُ الشفاعةِ وعدمِ الخروجِ من النار
الإجمــاع .. العصمة ... وهم أم حقيقة ...
ليلة الهرير في قصر النهاية
ولايـة الفقيـه: أزمـة الشرعيـة المزدوجـة
الحركات الإسلامية المعاصرة رد فعل أم استجابة لتحد ؟
مؤمن آل فرعون
حقيقة الحجاب وحجيةالحديث
أضواء على السنة المحمدية5
أضواء على السنة المحمدية4
أضواء على السنة المحمدية 3
دعوة للتبرع
الدين يسر : زوجي لا يصوم رمضان بحجة انه لا يطيقه و لا...
يمشون هونا: بلغت الشيخ وخة واصبح ت أمشى بصعوب ة وأخاف...
عيد الفصح: كيف يتم تهنئة الصدي ق النصر اني بعيد...
عن الشيطان ونحن: سؤال من الاست اذ سعيد على : و أنا أتدبر سورة...
خمسة أسئلة : السؤا ل الأول : ما رأيك فى هذه التصر فات ...
more
مع أن الكتاب بجملته يدل على اعتماد الكاتب على القرآن الكريم وحده وهذا في حد ذاته يحسب للكاتب ، لأن القرآن الكريم كافٍ بذاته، ولكن هناك نقاط بسيطة نختلف فيها مع الكاتب من بينها المقصود بهذه الآية الكريمة: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) .. ولكني أرى أنه استشهاد ليس في محله
فهذه الآية القرآنية أتت في تقسيم مال الفيء فالمراد ما أتاكم الرسول من مال الفيء فخذوه وما نهاكم عن أخذه فانتهوا، وهذه الآية ليست حجة على وجود سنة قولية فالسنة القولية هى الموجودة في القرآن الكريم بلفظ قل( يسألونك قٌل ) الآية كاملة توضح المقصود {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7