محمد البارودى في الأربعاء ٠٣ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
1970 منفيا في القاهرة، وقد الف كتابا ليلة الهرير الهرير لغة وليلة الهرير أخذت اسمها في التاريخ الإسلامي من معركة صفين بين الإمام علي بن أبي سفيان، فقد كان البرد في تلك الليلة قارصًا الى الحد الذي كان يسمع للجنود هرير كهرير الكلب 1970 من قسوته أن الزنزانات التي أودعنا فيها كانت عبارة عن ثلاجات بالرطوبة، وكلها مسلطة على شاغلها فكيف لا يهر كالكلب؟ قصر النهاية هو قصر الرحاب الذي كان يسكنه الأمير عبدالإله الوصي على عرش العراق، وقد سمي بقصر النهاية لأنه شهد نهاية العهد الملكي في ( واستعمل كمعتقل بعد المؤامرة ضد عبدالكريم قاسم في 1968 ( القصر واكتسب شهرته مما كان يجري فيه من شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي وصنوفه بأجهزة فنية متقدمة تم استيرادها من ألمانيا على وسائل التعذيب الحديثة احمد الحبوبي 4 1970 كان الضباب كثيفًا يحجب قرص الشمس صبيحة ذلك اليوم فيشيع في النفس الضيق والانقباض مقر المحاكم حوالي الساعة التاسعة كعادتي كل صباح لمزاولة مهنتي اعتاد الزملاء المحامون ان يتواجدوا في غرفة المحامين قبل الذهاب الى اعمالهم، ويدور في هذه الغرفة مختلف الاحاديث التي تهم المهنة، والتي لا تهمها واغلبها احاديث سياسية وجدت غرفة المحامين خالية او تكاد على خلاف العادة، لم يشجعني خلوها على الجلوس وانتظار قدوم الزملاء، حييت جئت الى المحاكم بحكم العادة، ثم تركت لساق ي العنان تسيران بي حيثما اتجها لا الى التعيين ورحت اجوب الشوارع، لم اتفرس في وجوه الناس، فقد كنت مشغو ً لا عنهم بما أكابد من ضيق في صدري لم اعرف كنهه، ولم افق من سرحاني، الا على صدمة من كتف مسرع كادت تلقي بي على الارض، ولم يعتذر 1 صديقًا لي يملك مح ً لا تجاريًا فيها، اشرب القهوة واسمع اخبارًا سياسية، فالتجار من اكثر طبقات المجتمع اهتمامًا بالسياسة لما لها من تأثير كبير في السوق وشؤونه التجارية، ادنيت فنجان القهوة من فمي واذا بي انزلت فنجان القهوة دون ان ارتشف منه اجاب الرجل وقد بان عليه الارتباك ، لا اعرف وسكت الرجل الله ». استأذنت وخرجت الى الشارع من جديد امشي اتفحص وجوه الناس علني اقرأ فيها اخبارًا عن هذه المؤامرة، فوجوه الناس جرائد متنقلة تقرأ فيها الاخبار السارة وغير السارة رأيت الخوف مرتسمًا على الوجوه، او هكذا تصورت، فالخوف لم يكن جديدًا على اهل العراق، فقد عاشوا به ومعه منذ ان عرف للعراق تاريخ 5 المؤامرة بصوت الصحاف لا ادري كم مشيت، وها انا في سيارتي والساعة تقترب من الثانية ظهرًا، وعزمت ان اذهب الى البيت ولم اعرج على غرفة المحاميين لمعرفة المزيد عن هذه المؤامرة، وكأن هاتفًا منعني من ذلك فتحت راديو السيارة على نشرة اخبار الساعة الثانية، واذا بصوت محمد سعيد الصحاف المستمعين الكرام فتأكد لدي ان تساؤل رجل الشورجة في محله، فها هو الصحاف بنفسه يفتتح الاخبار على غير المعتاد، اذا لا بد ان يكون الامر جدًا، ابطأت السير اصخت السمع وجاء صوت الصحاف الجهوري ايها المواطنون ( ونفوذه ومخططاته ». عندما يكون الجزراوي القاضي عسكرية ليعلن عن تشكيل للرئىس واعتقل الثلاثاء المحكمة الخاصة، فمن صلاحيتها اصدار الاحكام وتنفيذها فورا من غير طعن خلافا لاي شرع او قانون دخلت البيت وانا واجم مشغول الباب وعافت نفسي الطعام فأويت الى النوم، وبقيت محدقا في سقف الغرفة وتركت لفكري العنان مستبشعا هول ما قد يحدث، فأنا اعرف دموية القائمين على الامر ابني الصغير ورافقتني زوجتي بعدها عدت الى البيت حوالي الساعة السادسة والنصف مساء ورحت انتقل من غرفة الى غرفة دون ان يستقر لي مقام وانا بكامل ملابسي الخاصة، بعد ان سمعت وانا في طريقي الى البيت مدير الاذاعة يعلن اسماء اول وجبة رشيد عبدالمحسن الجنابي ثمانية او سبعة، بقيت في الدار في حالة من القلق والضيق حتى تجاوزت الساعة السابعة والنصف تحدثت تلفونيا الى الصديق الاستاذ غالب العلوش، فقد كنت بحاجة الى سماع صوت غير صوتي واعرف شيئًا عن المؤامرة غير ما اذيع عنها من خلال الراديو، فأنا ومنذ الصباح لا اتحدث الا مع نفسي فأخبرني الاخ غالب قد وصل من المسيب قبل ساعة، ويبلغني تحياته وهو موجود عنده في البيت فراودتني رغبة زيارته والسلام عليه وقضاء بعض الوقت معه، فقلت له انا قادم اليكم الساعة لأسلم ». الضباط يتساقطون سمعت وانا في طريقي الى بيت الاخ غالب نبأ تنفيذ احكام الاعدام في وجبة جديدة ذكر راديو سيارتي اسماءهم وكان من ضمنها اسم المرحوم جابر حسن حداد ، فحزنت حزنًا شديدًا اذ تربطني به صداقة ورفقة، ولكني دهشت اذ وجدته محشورًا مع اسماء لا تربطه بهم رابطة عقيدة او مبدأ او حتى معرفة شخصية، اذ في مؤامرة اميركية ايرانية وهو القومي المتطرف، المعتز بإسلامه وعروبته؟ المرحوم والده واخاه الدكتور سعد العلوش والاستاذ عبدالكريم الدجيلي جالسين في غرفة الضيوف والوجوم قلت انني سمعت وانا في طريقي اليكم خبر اعدام الوجبة الثانية وفيها المرحوم جابر حسن حداد، فقالوا سمعنا، واخذنا الحديث بشؤون المؤامرة وابعادها والاسماء التي اعلنت، واذا بصوت الاخ نجم السعدون يسبقه هذا ابو غسان هنا ثم قال قبل ان يجلس فراح يتأسف على اعدامه أسفا شديدا ويترحم على روحه والألم باد على وجهه وشاركناه اسفه وترحمنا جميعا على روحه لمعرفتنا بنظافة الرجل وحسن اتجاهه وصدق وطنيته وقوميته واستبعاد تورطه بعمل ما مع اميركا وايران وهنا سألت عن الدكتور نظام عارف الذي اعدم مع الوجبة الثانية وسر وجوده وهو تركماني متعصب، وهل يعني ان لتركيا يدا في المؤامرة هي الاخرى؟ 7 زوار الفجر وتشعب الحديث وبينما نحن كذلك اذا بجرس الباب يرن الوقت ثم عاد ووقف بباب الغرفة وصاح بصوت مرتعش كان فمه مفتوحا ولكن صوته قد انحبس والاضطراب بلع ريقه وتمالك نفسه اجاب، بعد ان شعر بقلق الجالسين في عدت لمكاني لأخذ معطفي، وشعر الجالسون في اجي فالتفت اليه وشكرته وابتسمت امتنانا له وخرجت مع الاخ غالب الى الباب الخارجي، واذا ». الى قصر النهاية هلو هلو سيدي انا رقم كذا فسمعت صوتًا غير واضح يقول شيئًا لم اتبينه، فإذا بالسيارة تتجه ، نحو جسر الخر فعلمت انهم ذاهبون بي الى قصر النهاية، فهذا هو طريقه، فعرفت خطورة مصيري، واستعذت بالله وفوضته امري ». الإجرام نزلت من السيارة فوجدتني محاطا بعدد كبير من الشباب المسلحين بأنواع مختلفة من الأسلحة كالرشاشات والمسدسات بأشكال وأحجام متنوعة، ونظرت إلى الوجوه أتفحصها، فما وجدت غير التقطيب والاكفهرار، كأن هذه الوجوه الشابة النضرة قد شاخت وتغضنت وشردت منها الابتسامة والنضارة واستبشعت الأمر متسائلا في سري كيف تحول هؤلاء الشباب إلى شيوخ؟ كيف ضاعت من وجوههم الابتسامة والنضارة والحياة؟ ومن المسؤول عن ضياعها؟ كيف تحول هؤلاء الشباب من رسل حب وخير إلى رسل موت وسفاكي دماء تقدير بدلا من تعمير الحياة؟ اي عقيدة هذه تسمح بأن تزج بهؤلاء الفتية في مكان كهذا يمارسون فيه لعبة الموت؟ تطلعت إلى العيون وإذا بها تتخطفني بنيرانها وشررها تريد ان تحرقني كأنها تستعجل مصيري وعما قريب ستكون من نصيبنا فتفترسك، ولم أشعر إلا ويد الضابط تأخذ بيدي برفق وتسير بي نحو السلالم وما ان وصلت الى أعلى السلم حتى سمعت همهمة وتساؤلا من هؤلاء الفتية، من هذه الضحية الجديدة التي جاءت تمشي برجليها إلى مصيرها المحتوم، ويبدو ان بعضهم قد عرفني هذا دخلت مع الضابط صالونا فسيحا مستطيل الشكل يبدو انه المدخل الرئيسي للقصر، وكان مزدحما، ففيه 9 شباب مسلحون بأعداد كبيرة، وحركة دائبة، فأجلت نظري يمينا ويسارا، وإذ بمنظر غريب، يتمثل في وقوف بعض الناس ووجوههم إلى الحائط بأزياء مختلفة، فمنهم من يرتدي البيجامة، ومنهم من يرتدي الدشداشة، ومنهم الأفندي، والمعقل، وقد رفعوا أيديهم الى فوق وبجانب كل واحد من هؤلاء شاب يحمل رشاشه في حالة الاستعداد، ويمنع ايًا منهم من الالتفات الى الخلف، أو ينزل يديه إذ ما تململ من التعب أو حاول ان يدير وجهه قلي ً لا، تعاجله ضربة من كعب رشاش فيعود الى وضع الأول مواجهًا الحائط، تساءلت من هؤلاء ولماذا يقفون هكذا؟ ولكزني الضابط ان سر في طريقك، واتجهنا نحو غرفة على الجانب الأيمن من الصالون وحانت مني التفاتة الى واحد من هؤلاء المتاعيس فرأيته من غير سترة، حاسر الرأس وجهه تشوبه صفرة، لا اعلم ان كانت طبيعية ام من هول الموقف الذي هو فيه، فهو زائغ البصر شارد النظر التقت عيني بعينه فقرأت فيها عمق مأساته دخل بي الضابط الى غرفة، ودخل خلفي بعض الشباب وقف بعضهم بباب الغرفة وكان فيها شاب يجلس وراء مكتب معدني، تقدم منه الضابط وهمس بأذنه وأشار بيده نحوي فرفع رأسه وتفحصني ثم قال للضابط فأدى التحية ثم خرج بعد ان ودعني بنظرة فيها اشفاق مع ابتسامة خفيفة الهامش 1- 2- 3- 10 محققون وقضاة أميون وقفت وسط الغرفة، والشخص جالس وراء مكتب وبعض الشباب يقفون ليس بعيدًا عنا وكأنهم ينتظرون الأوامر فأومأ لهم الشخص بيده ان أخرجوا، فخرجوا عدا اثنين ظلا واقفين بالباب ثم اتجه نحوي وقال واشار الى مكتب معدني ايضًا فتوجهت وجلست خلفه دون ان أنبس ببنت شفة، فقد وطدت نفسي الا أتحدث الا مع من بيده الأمر، وان أتجنب الحديث حفاظًا على كرامتي وراء المكتب، كان في الغرفة ثلاثة مكاتب معدنية وليس فيها كراسي دون ان يلتفت نحوي ورحت اتفحصه، ان عمره لا يتجاوز الثلاثين عامًا، ويبدو لي من هيئته انه اقرب الى العامل منه الى الموظف، فقد لاحظت انه يقرأ بصعوبة وشفتاه تتمتمان متهجيًا الحروف دخل بعدها شخص يحمل صينية عليها مجموعة استكانات من الشاي وضع واحدة منها أمام الشخص دون ان ينطق بكلمة ورمقني بنظرة متفحصة وخرج وأصوات متداخلة، ثم دخل شخص والقى تحية المساء واتجه نحو المكتب الثالث وجلس خلفه واخذ يطبع على الآلة الكاتبة من ورقة أخرجها من جيبه، مرت نصف ساعة ونحن الثلاثة والحارسان في الغرفة واحدًا يقرأ ماذا سيفعل بي ودخل ضابط وقف له الشخصان احترامًا وبقيت جالسًا في مكاني، كان وجهه مألوفا لدي برتبة ملازم اول، لونه ابيض يميل الى الحمرة وشعره اشقر، ويبدو اكبر بكثير من رتبته فعمره راح يتمشى في الغرفة حتى وصل قربي ورمقني بنظرة، تذكرته، انه مرافق احمد حسن البكر، لقد سبق ان رأيته في التلفزيون يقف وراء البكر، تمشى قلي ً لا ثم همس في أذن الشخص الجالس فأجابه ذاك بكلمات لم اتبينها، ثم خرج ودخل بعد فترة قصيرة شاب يحمل رشاشًا في الطابق الثاني فمشيت ومشى خلفي، ثم تأبط ذراعي، وخرجنا الى الصالون وكان على المنظر نفسه الاشخاص رافعو الايدي ووجوههم صوب الحائط، فتشت عن صاحب الزبون ذي الوجه الشاحب فلم اجده بينهم، صعد بي الشاب سلمًا دون ان يتكلم، في الطابق الثاني من القصر رواق طويل عريض تنتشر على جانبيه غرف كثيرة، وادخلني الى غرفة واسعة يقف على بابها بعض الشباب المسلحين، وكان اول من طالعت في هذه الغرفة ضابط ركن لونه اسمر، وسنه تقارب ال ان هذا الضابط مسؤول كبير في قصر النهاية، فلم اصادف ضابطًا يدانيه رتبة، وزاد من يقيني انه لم يرد السلام عندما لقيته وانا ادخل الغرفة، ادرت نظري الى الاتجاه الآخر 11 ابتسامة فيها استغاثة، كان هذا الوجه مألوفًا عندي، فقد سبق ان رأيته، والتقيت بصاحبه، ولكن ذاكرتي خانتني الآن فلم اعرف من هو، وما ان اجلسني مرافقي الشاب وراء مكتب معدني في وسط الغرفة حتى فزاد عجبي وفرحت بتحيته فلا شك انه ، فأجابني بصوت خفيض لا ، وهنا تذكرته، انه راهي ابن المرحوم الحاج عبدالواحد سكر وكان حاسر الرأس، يرتدي سترة فوق الزبون ودشداشة، ويبدو عليه القلق وقد اطمأن حينما رآني داخ ً لا، جلست وراء المكتب المعدني الذي يتصدر الغرفة، وعلى يميني راهي عبدالواحد وعلى يساري الضابط الكبير الصامت، وكل منهما وراء مكتب معدني، وبباب الغرفة شباب مسلحون، يحمل بعضهم راديو ترانزستور، وانشغل تفكيري حول الضابط الذي يجلس على يساري من هو؟ وما هو مركزه؟ يلوذ بصمت ولم يعر دخولي ووجودي أي اهتمام الإعدام 12 مكاني على ساحة الاعدامات في حديقة القصر لرأيت الجثث متناثرة بعد ان مزقها الرصاص، بأوضاع مختلفة وأشم رائحة الدم مخلوطة برائحة البارود تملأ الجو بدخان الرصاص، سكتت زخات الرصاص، وبعد توجه إلى رأس الضحية التي ما زالت تنازع، أو فيها رمق، أو لم يصبها بمقتل فتجهز عليه هذه الرصاصات وينتهي الأمر ويذهب القاتل منتشيًا بما فعل ويذهب المعدوم الى حيث يشكو ربه ظلامته لا سؤال ولا جواب لقد ارتجفت فرائصي لهول الموقف لا لأنه غريب علي، لقد سبق ان شاهدت الكثير من الحوادث والمنازعات العشائرية يروح ضحيتها جرحى وقتلى لأسباب قد تكون تافهة، ولكن ما يجري هنا شيء يختلف ويفوق الوصف انه قتل عمد، اني ارى اناسًا يساقون الى المذبح تمامًا كما تساق الشاة لا حول لها ولا قوة، دون سؤال، أو جواب أو محاكمة ما أتعس الانسان، وما أظلم الانسان؟ وبينما انا كذلك مستغرقًا في افكاري وإذا « وقد فقد كنت قد سمعتها تتردد كثيرًا ابان التظاهرات الطلابية التي كنت اشترك ، فيها طالبًا في الثانوية والجامعة، وها هي الآن تعود من جديد بمفهوم آخر ولم أتمالك نفسي من ، وتذكرت كلمة شارلوت التي اغتالت مارا ، ورحت افكر في هؤلاء المجزورين الذين أرسلوا منذ هنيهة الى مزبلة التاريخ بأمر من طه الجزراوي، وناظم كزار، وعلي رضا، افكر في مصير اولادهم واهليهم، لم اعرف احدًا منهم، ولم ار وجهه وهو يواجه الموت، لم ارهم الا اشباحًا تتهاوى، وتتقلب وتجود بأرواحها والرصاص يحاصرهم، فمنهم من يتكور على نفسه ممسكًا جراحاته ومنهم من ينكفئ على وجهه ومنهم من يتجه بوجهه المخضب نحو السماء نعم كان بودي اعرف بيهه حتى أبادر الى اعلام السلطات المسؤولة وفضحها بحركة عارف عبدالرزاق وبعد ثورة شيء، وقد نقلني السيد الرئيس الى كركوك، وانا كنت هناك منذ عشرة ايام جيء بي الى بغداد وأودعت في سجن رقم فأجابه نريد ان نعرفها كنا وجميع من في الغرفة نتابع هذا الحوار باهتمام حتى الحراس قد أنصتوا ايضا، اجاب عبدالستار قصة اعتقالي في كركوك وجلبي الى هنا هو ان امرًا اداريًا كان قد صدر من وزارة الدفاع وعمم على وهذه كل الحكاية ». انتهت رواية عبدالستار وكان يتكلم كما قلت بثقة واطمئنان حتى أن حديثه قد أثر في جميع السامعين بمن فيهم وكيف تعلق على الأمر بكلمة سخيف ألا أعتذر عن هذا، واعترف أني أخطأت، ومستعد للمحاكمة على فأجابه الشاب وقد وضع ورقة فلسكاب بيضاء اكتب عن دورك فأجابه الشاب ثم استدار خارجا من الغرفة وترك عبدالستار مع الأوراق والقلم في حيرة على حاله، وأخذ يحرك رأسه يمنة ويسرة ثم تناول القلم، وكتب سطرين ثم رمى القلم، والتفت فجأة نحوي، نظر إلي نظرة طويلة، وعميقة، بدا لي أنه يعرفني، وكأنه يستنجد طالبا المعونة لإيجاد مخرج له من هذه اكتب يا أخي قصتك كما هي 14 ولم أزد، فأنا أعرف أني لا استطيع إنجاده أو مساعدته فمصيرنا واحد، فان كانت جريرته ، تعليقا على أمر إداري، فالله وحده يعلم ما هي جريرتي، عاد وانكب على الورق وراح يكتب ويكتب وملأ الورقة بوجهيها، وبعد ان فرغ وضع القلم بجانب الورق وأراح جسمه إلى الوراء مسندا ظهره إلى الكرسي، . مرت ساعة على خروج الشاب من الغرفة، ونحن في صمت ننتظر المجهول، وعاد الشاب الى الغرفة، فقال له عبدالستار واشار له على الورقة، فوقع عبدالستار، فأخذ منه الورقة والقلم، وخرج من الغرفة، ومرت ربع ساعة تقريبا، واذا بنفس الشاب يقف بباب الغرفة ويؤشر بيده الى عبدالستار قائلا له فما كان من عبدالستار الا ان نهض والتقط سدارته من على المكتب، وخرج مسرعا وراء الشاب الذي سبقه، وغابا عن الانظار، وبعد لحظات دخل الغرفة شاب يحمل بيده ورقة صغيرة خمنت ان فيها اسماء وجبة جديدة واخذ الشاب يقرأ الاسماء وعيني معلقة بفمه، كأني اترقب سماع اسمي، وكان في القائمة اسم كل من الضابطين الطيارين انور الجميلي وصلاح الغبان، وكنت اعرفهما، قرأ سبعة او ثمانية اسماء ثم خرج من الغرفة، التفت الى ورائي حيث النافذة المطلة على ساحة الاعدامات اختلس النظر من خلال زجاجها لأتبين ما يجري فيها فقد سمعت جلبة وضوضاء تحت النافذة وبصعوبة رأيت بضعة افراد لا يتعدى عددهم الثمانية تحبط بهم مجموعة كبيرة من الشباب المسلح يسوقونهم سوقا الى الامام ويدفعونهم، حتى لا يتخلف احد او يتقاعس، منظر يشبه تماما منظر جزار يسوق قطيعا الى المذبح، فالمنظران متماثلان، والفرق ان هناك جزار غنم، وهنا جزار بشر، والمجزور هناك اغنام ، احل الله ذبحها والمجزور هنا انسان حرم الله دمه، سبعة او ثمانية اشخاص بأزياء مختلفة يسيرون داخل حلقة من الشباب المسلح بالرشاشات والمسدسات يدفعونهم الى الحديقة ومرت لحظات لم اسمع فيها سوى دقات قلبي تضرب بعنف، وفجأة انطلق الرصاص زخات كأنها المطر، ورأيت شبحا يجري في الحديقة هنا وهناك، يقوم ويقع، كأنه هارب من نار، ولكن النار تلاحقه ويصرعه الرصاص الذي استمر يلعلع دقائق، ثم توقف، وبعد لحظات رأيت ثلاثة شبان يتقدمون نحو الحديقة وقد شهر كل منهم مسدسا ثم سمعت اطلاق رصاصات حسبتها رصاصات الرحمة تطلق على رأس الضحية وتخمد اشحت بوجهي عن النافذة وعدت الى جو الغرفة واذا بصوت الراديو يعلن اسماء الوجبة التي جزرت قبل قليل يقول والى آخر المعزوفة واخذ المذيع يعدد اسماء الذين اعدموا وذكر اسم المرحوم الرائد الركن عبدالستار عبدالجبار العبودي، واذ اي فما كان منه الا ان مط شفته السفلى وهز رأسه علامة الاستغراب والاستنكار وتفوه بكلمة وسكت، فقلت في سري لا للمهزلة حتى هذا الشاب الحزبي المكلف بحراستنا لم يصدق هذه 15 المهزلة، واستنكر العملية، كيف لا ومنذ وقت قصير لم يتجاوز النصف ساعة كان الضابط المرحوم عبدالستار حيا يتكلم، ويدافع بحيوية، وصدق، مؤكدا براءته بحجج وبراهين مقنعة فاذا به يرسل الى القبر بدلا من ان يرسل الى اهله ولاطفاله، كان هذا ما يدور بعقل الشاب بلا شك، ثم ظل الشاب ساهما بعد اعدام الضابط وكأن ضميره يؤنبه، إن عمره لم يتجاوز الثامنة عشرة يحمل رشاشا، ويضع في وسطه مسدسًا ويبدو أنه طالب ثانوي، كثيف الشعر أسمر اللون، يدل من لباسه أنه فقير الحال، وقد يكون حديث الانتماء الى حزب البعث، وهذا ظاهر من تعليقه العفوي الذي لا يصدر من حزبي متمرس، وظل الشاب ذاه ً لا عما يجري حوله كما لو ان صحوة ضميره قد اوجعته، في حين راح زملاؤه الآخرون يثرثرون ويتضاحكون ويدخنون وكأن شيئا لم يحدث وكأن ازهاق الابرياء أمر طبيعي ومألوف، ولا يحرك فيهم مشاعر انسانية او هي رسالة البعث، حتى لو جاءت هذه الرسالة مغمسة بالدم، وظل الشاب على وجومه وحاولت ان اقرأ افكاره واتداعى معها الى ان يجيء دوري صرخت ان الذي يخفف من ألم العذاب عذاب الانتظار، وهو الاعتصام الى النفس والغوص في اعماقها، وهذا ما فعلته، لا مع نفسي فحسب بل حاولت استكناه أعماق هؤلاء الشباب الذين يحرسوننا وسبر أغوار نفوسهم، وقد وجدت بعض التسلية في هذا الجو الخانق فشيء ممتع أن يخلد الإنسان إلى نفسه في ساعة حاسمة كهذه، خاصة وانه موقن بانه سيودع الدنيا وما فيها بعد حين، فكان حديثي مع نفسي قاسيا، وهو عبارة عن حساب عن الماضي الذي راح بحسناته وسيئاته، أحصي هذه وتلك وندمت على كثرة سيئاتي وتمنيت لو انها كانت اقل، وحزنت على مواقف اسأت فيها لأصدقاء بدافع الوطنية والنضال وهكذا عشت مع الماضي اقلب صفحاته واقرأ فيها كأنه شريط سينمائي، وكانت اسعد اللحظات تلك التي عدت فيها الى طفولتي البريئة والدنيا من حولي ضاحكة مبهجة، محاط بحنان الأبوين، ورعاية الأخوة والأعمام والاقرباء، لا ادري كم استغرقت القراءة النفسية ولكني افقت على ضوضاء ووقع خطوات كثيرة تقتحم الغرفة وإذا بمجموعة من الشباب يحيطون برجل كهل، حاسر الرأس يرتدي سترة وزبون وينتعل نعالا، يمسك به شاب انيق المنظر اكبر سنا من البقية، واوقفوا الرجل الحاسر الرأس المسحوب، وقد كسا مو ثم يلتفت الى الرجل المذعور المرتجف يحدق في عينيه، فيجيب هذا بعد فيرد فيسكت الى بيتهم ». 16 المتهم المذهول كل هذا وراهي مذهول ينقل بصره بين الشاب الانيق المستنطق وبين هذا الكهل ولم يرد جوابا، وقد عقل لسانه، ثم يلتفت الشاب الانيق الى المسلحين ويأمرهم بأخذ هذا الرجل خارج الغرفة وقبل ان يسحب الكهل يخاطب الشاب ولكن لم يعره التفاتا او يهتم به، ووجه راهي سؤاله الى الرجل الكهل قبل ان يسحب الى خارج الغرفة ولكن كلام راهي ضاع مع الجلبة وسحب الرجل الى خارج الغرفة وظل راهي باهتا، واسئلته معلقة دون جواب لا من الرجل الكهل المسحوب، ولا من الشاب اغاتي اذا كان هذا تعالوا تعالوا جيبوا إنت مو رحت دون ان ينطق بحرف وهنا ضحك راهي هذا الرجل يكذب يا بيك آني بيتي مو ثم اشار بيده فسحب الرجل تسمح يا آنه يتحدث مع نفسه وقد أشفقت عليه من هذه التمثيلية الافندي الانيق وعدت للحديث مع نفسي، ولكن حديثي مع نفسي انقطع بدخول أفندي أنيق يمسك بيده مسبحة صفراء اللون كأنها كهرب وعلى وجهه ابتسامة خفيفة واتجه نحوي ووقف قبالتي على بعد بضع خطوات، واخذ ينظر الي مساء الخير استاذ انه اول من يتحدث معي، فمنذ مرور ساعات على وجودي في قصر النهاية وحتى هذه اللحظة لم يتحدث أحد غير حديث أستاذ إنت المن وكانت انتخابات النقابة قد انتهت قبل ايام وفاز بها الاستاذ والله استاذ أنا ما حضرت يعني قاطعت وهنا فعاد يسأل 17 « فتجاهلت سؤاله فضحك .. « ووجدتني الآن عرفت معناها والفضل يعود لهذا الشاب، ثم تساءلت عن الدافع الذي حداه أن ينصحني وهل هو صادق في نصحه، وما يمنع أحدًا من هؤلاء المسلحين أن يسحبني إلى حديقة الموت ويرميني بزخة من رشاشه والى مزبلة التاريخ؟ صحيح، ما هو المانع؟ إن حياتي رهينة بيد هؤلاء، بيد عباس، ودباس، نظرت الى الشاب الناصح بعد ان عاد إلى مكانه، ورحت أتفحصه، إن عمره لا يتجاوز الثانية والعشرين، بشارب كثيف معقوف كرقم يشاركهم تعليقاتهم، فإذا كان مؤمنًا بأن ما يجري مهزلة ومسرحية فما الذي جاء به أهو مكره على الحضور تلبية لواجب حزبي، ثم تذكرت زميله الذي استنكر قتل المرحوم عبدالستار العبودي حينما أعدم، ورحت أربط بينهما فكل منهما ينزع من مصدر واحد، ويجمعهما استنكار، وعدم قبول لما يجري 18 جلست في مكاني لائذًا بالصمت، عام ً لا بنصيحة هذا الشاب موليًا على نفسي أن أظل متماسكًا دون ان يستفزني أحد، إلى ان يقضي الله أمرا كان مفعو ً لا نظرت إلى ساعتي فقد تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، واحتجت الذهاب إلى التواليت، وهناك ثم عدت الى مكاني في الغرفة، وما ان ، انت فلان الذي جاءت بك ، واشار بيده الى الرواق، فأخرجت ووقفت في الرواق مع الحراس، وظل هو في الغرفة مع راهي، وبعد فجاءوا بي مرة ثانية، وجلست في مكاني وظل واقفًا وقد ، توقعت ان يباشر معي نقاشًا او حوارًا او تحقيقًا او شيئًا من هذا القبيل، ولكنه لم يفعل، ثم نظرت الى راهي لاستطلع في وجهة شيئًا، فلم اقرأ في نفسه شيئًا، فما زال ذاه ً لا مشدوهًا، ينظر الى الافندي بانكسار، بعد لحظات خرج الشاب مع الحراس الذين جاءوا معه، وخرج معهم صاحب النصيحة وشعرت بانقباض، فقد كنت اشعر ببعض الاطمئنان لوجوده معي، وحل مكانه شاب آخر ضخم الجثة، كثيف الشعر والشارب، وشكله غير مريح، اخذ يحدق بي بشكل ملفت، فتحاشيت نظراته متشاغ ً لا عنه، متذكرًا النصيحة الثمينة، يا جماعة انتم اتعشيتو فقام احد الشباب خارجًا من الغرفة، وعاد يحمل بعض السندويشات وقدمها له، فأخذ يقضم بنهم وامتلأ فمه وانتفخت اوداجه، حتى اتى على كل السندويشات، وبعد ان مسح واعقبها بضحكة، فلم اجبه، ولعنت الشيطان، ولعنت الساعة ، التي وضعتني امام هذا الثور الاهوج، ودعوت الله ان يكفيني شره، ويستجيب رجائي، ويعجل فرجي، فأنا لا املك من دنياي هذه والحمد لله غير كرامتي، حافظت عليها وصنتها ولن اسمح لهذا الصعلوك بأن يمسها او يتطاول عليّ، ورحت اردد في سري قول المتنبي واذا لم يكن من الموت بد فمن العجز ان تموت جبانًا بأبصارهم نحوي كأنهم ينتظرون ردي، فأخذت نفسًا عميقًا لأسيطر على غضبي واتمالك اعصابي، حتى لا شك يبدو من سؤالك هذا انك مواطن مخلص لوطنك، حريص على اموال شعبك فمن حقك ان تعرف ان كنت قد سرقت الشعب واموال الشعب وبنيت البيوت واودعت وهنا ضحك رفاقه وعلا ، « ليش مالي كار بشغلك « الآن اجيبك على وقبل ان اكمل انبرى واحد من الشباب صائحًا به ولذت بالصمت كما صمت العامل وبان عليه الغضب، وسار الزمن بطيئًا واخذ يقترب من الثانية بعد منتصف الليل، وقد هدأت حركة الحراس، وراحوا يتثاءبون، والنعاس يغالب عيونهم سمعنا وقع اقدام كثيرة تقترب منا باتجاه غرفتنا، وتدخل مجموعة من الشباب الى غرفتنا، واشار احدهم بيده قمت من مكاني موقفنا ان ساعتنا قد دنت اذ لم يعد في الغرفة غيري وغير راهي بعد ان اعدم من كانوا في الغرف المجاورة، وها هو دورنا قد جاء، وبدأت اقرأ مع نفسي صدق الله العلي العظيم، وشعرت براحة نفسية، وكأني انسان آخر في عالم آخر، ارحب وانقى، واطهر فعما قريب يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي وان تكون النهاية الساعة، خير من ان تجيء بعد حين، انا بكامل قوتي وعافيتي، خير من ان يصرعني مرض الشيخوخة، او تفتك بي مختلف الامراض، هذا قضاء الله، ولا راد لقضائه، كانت موضوعة في باب الغرفة، مكونة من مرتبة، وبطانيات، ومخدات، وشراشف، فلم يستطع حملها، وكلما حاول من جانب، سقط جانب آخر، يحمل البطانية فتسقط المخدة، يحملها فيسقط الشرشف، كان المنظر يبعث على الرثاء، لقد ظن هذا المسكين ان مدة توقيفه ستطول، ويحتاج الى هذا الفراش الوثير ليقيه البرد ويهيئ له مناما مريحا، وما درى انه سوف لن يستعمله وسيتركه لغيره، فعاونته على حمل بعض فراشه، فتركني افعل، ثم سرنا يحمل هو اللفة الكبيرة، وامامنا وخلفنا يمشي الحراس، فنزلوا بنا سلالم، وكان راهي يمشي امامي وانا خلفه، كان قصيرا، وبدينا الى حد، يرتدي الزبون، فوق الدشداشة، والسترة فوق الزبون، حاسر الرأس، ولما وصلنا الى الطابق الارضي سرنا بضع خطوات، واذا بي اجد نفسي في الحديقة، اي المكان الذي تنفذ فيه الاعدامات، فأيقنت ان الساعة قد دنت وان اعدامنا سينفذ هنا في 20 هذه الساحة التي شهدت كل">» اين المحكمة؟ لا ادري لم كان اصراري على المحاكمة شديدا، وانا اعلم جيدا انها صورية، وشكلية، ولكن رغم يقيني بهذا كنت اصر عليها، وكأني اريد ان اسجل من خلالها شيئا للتاريخ وللاجيال من بعدي، ان ارادت ان تقرأ، وسرعان ما تقدم مني الشاب ومسك ذراعي، وخطا بي خطوة، مبتعدا عن الحراس، وهمس في اذني قائلا استاذ فلان ماكو اعدام ان شاء الله نحن نعرفك زين انت راح تنام الليلة في مكان آخر ابتعد عن ايه مؤامرة اخي اشترك بيهه آنه أو هذا المسكين، واشرت الى راهي، ؟ حديقة الموت ثم تأبط ذراعي وسار معي، واشار للحراس ان يتبعوه فدفعوا راهي وساروا خلفنا واجتزنا حديقة الموت، ورأيت على ارضها بعض الجثث تنتشر هنا وهناك، وبرك من الدم فألقيت نظرة عليها وانا اقول، ما اظلم 21 الانسان وما اقساه، وترحمت عليهم، ووصلنا الى باب حديدي مغلق، وبعد ان طرقه الشاب بيده عدة طرقات، اعط ثم خرج مسرعا هو وبقية الحرس، فوجدت نفسي ومعي راهي وحارس هذا المبنى ، الجديد، فنظرت حولي استطلع المكان فوجدتني اقف في باحة صغيرة على ارض مبللة بالماء،وامامي « وبعض المغاسل « فقلت له شكرا 22 يكون الاخ غالب العلوش قد دارى الامر بلباقته المعهودة حتى لا يصل الى علم والدتي العجوز المريضة نبأ اعتقالي، فهي لا تقوى على احتمال هذه الصدمة واعترتني رعشة خوفا على حياتها، وتمثلت صورتها امامي شاكية باكية، فهي أم رؤوف حانية، انفقت كل وقتها من اجل أولادها شأنها في ذلك شأن الامهات الطيبات، وحضرت ايضا صور اخوتي، واخواتي وزوجتي، واطفالي واكبرهم لا يتجاوز عمره الثماني سنوات واصغرهم عمره سنتان، وان علموا باعتقالي، فما هي حالهم، واي مصيبة هم فيها الآن؟ رباه كم طفل يتم الليلة، وكم عائلة نكبت بعائلها، وكم أم ُثكلت بابنها، وكم زوجة ترملت الظلم؟ أمن أجل ان يحكم الإنسان، يطغى ويتجبر، ويجزر الضحايا، ويهرق الدماء، من أجل إشباع شهوة الحكم؟ .. لا أدري كم مضى من الوقت وأنا على هذه الحال وقد وضعت رأسي بين ركبتي، وإذا بصرير الباب الحديدي الكبير فجأة أنت مو محسن الدوري فقلت لنفسي هذا الأستاذ عبدالمحسن الدوري قد حل ضيفا علينا في مثل هذه الساعة المتأخرة وبتهمة التآمر أيضا، وسمعت صوت باب زنزانة يفتح ثم يغلق، وهكذا أدخل الأستاذ الدوري فيها ينتظر هو الآخر مصيره المجهول، ثم ران الصمت من جديد ورحت أفكر في زائر الفجر هذا ( متجانس من البشر، ثم حل السكون ثانية، ومر وقت لا أعرف مقداره، وإذا بصرير الباب الحديدي الكبير أنت سعدية بنت صالح ولم تجبه المرأة إذ علا بكاء طفل، يبدو أنها تحمله معها، ثم ادخلت الزنزانة ولكن ظل بكاء الطفل يبدد سكون الليل، ان بكاءه مؤلم، يقطع نياط القلب، ولا يمكن احتماله، إذ يبدو ان عمره لا يزيد على الشهر « والطفل مستمر في صراخه، وتعاود الأم الاستنجاد من جديد ويجيئونها بالجواب نفسه، ورحت أفكر بهذه المرأة متسائلا ما شأنها بالمؤامرة الاميركية زوجها؟ وعند من تركت اطفالها؟ واسئلة حائرة كثيرة تلح على من اطلق لفكره العنان وهرب من عينه النوم، إن الفكر يظل حرا، ولا يقوى اي طاغية ان يحبسه، او يغتاله، والفكر الحر هو الذي ساعد على تقويض دعائم الظلم والطغيان، فالتاريخ حافل بالعبر لمن يريد ان يعتبر، وذهبت محاولات الطغاة والجبابرة بالخسران، والانكسار، امام الفكر الحر والانقلابات التي تصل الى الحكم الانتهازيين، والمقامرين، والطغاة والقتلة والمجرمين الذين طالما لجأوا الى اية ثورة هذه التي تخاف من امرأة وطفلها فتبادر الى اعتقالهما؟ بئست هذه الثورة وبئس الثوار اسكاته هذا المكان؟ كثر القادمون فاختلط العد ويُفتح الباب الحديدي من جديد، واقدام تدب في الدهليز وابواب الزنزانات تفتح وتغلق، ويغيب وراء ابوابها زوار جدد، واختلط عليّ العد والحساب، فقد كثر القادمون، اذ استمرت عملية ادخال الزوار الى الزنزانة فترة من الزمن تقارب الساعة، عاد السكون من جديد إلا من صوت الطفل، وقد بدا عليه التعب، فصار صراخه يا جماعة امروتكم أريد فلم يجبه احد، ثم يعاود الاستنجاد دون رد، ولكنه يستمر في رجائه، واخيرا جاءه الرد فسكت الصوت المستنجد، وخايلني اني اعرف صوت هذا المستنجد، وحاولت ان اتذكر صاحبه فلم افلح، وعاود الصوت يطلب الخروج من جديد، ويتلقى الجواب نفسه زاد لدي التأكد اني يا جماعة انسيتو مواقفي إليكم عندما كنت في المجلس وندت عن شفتي صرخة مكتومة، اذًا هذا هو العميد شاكر خريّ على روحك ماكو يا للانسانية، ما اضيعها في هذا المكان الذي حلت فيه روح الشيطان الرجيم، فهي التي تحكم وتتحكم، وسكت العميد شاكر ولم يعد يطلب المساعدة، فما عساه يفعل امام هذا الجواب البليغ ورحت افكر بأمره ايضًا متسائ ً لا عن اتهامه بالمؤامرة يا له من مسكين يتألم الآن دون شك فنداء الطبيعة غلاب لا يمكن مقاومته فرثيت لحاله وران صمت، وخيم السكون على المكان، ولم يسمع للطفل بكاء، ولا للاخ العميد شاكر استنجاد ولا اعرف وجافاني النوم فأنى للنوم ان يداعب عيون من يعرف يقينًا ان مصيره سيتقرر ، عما قريب، واي نوم يدخل الى زنزانة عارية من الفراش، رطبة، قارصة البرد، واي نوم يداعب جفون بطون خاوية؟ ارحت ظهري على ارض الزنزانة، وتوسدت الحذاء والبالطو ورحت احدق في الظلام الدامس، استعرض شريط حياتي، واسفت على المآل الذي صرت فيه، ثم اغمضت عيني، ورحت في اغفاءة بفعل السكون المطبق، والتعب، والارهاق، ولكنني انتبهت على وقع اقدام تقطع الدهليز ذهابًا وايابًا خطوات ( الدهليز، ولا ادري لم كان اهتمامي لمعرفة طوله وتوصلت الى ان طوله يزيد عن الخمسين مترًا، وغفوت 24 25 والاسماء وتضطرب المشاعر، فالكل يتوقع ان يسمع اسمه، فإن تعداه المنادي الآن فسيعلنه بعد حين اقتيدت هذه الوج"Simplified Arabic">ولكن هذه وجبة اخرى حصدت ارواحها وستعقبها وجبات، فالزنزانات ما زالت تضم الكثير من المتاعيس وتعلقت الاسماع بجرس التلفون انتظارا لرنينه الى مكان الاعدامات ويتم اعدامها رميا بالرصاص نصف ساعة بين سماع الصوت من خلال التلفون وبين عملية التنفيذ، فكل شيء مهيأ ومرتب ومعد سلفا، ولا داعي لتضييع الوقت في محكمة ومحاكمة مجرمون لا يرتوون ان نصف ساعة ليست بالوقت الطويل على المحكوم عليه بالموت، إنه لا يتعذب كثيرًا فهو يستطيع ان يتحمل نصف الساعة هذه، وبعدها تجيء الراحة الأبدية، ويكون الخلاص « مات قلب كل من كان اسمه الاول محمد، والى ان يكمل المنادي بقية الاسم ترد أرواح وتزهق قبل الموت ارواح، فما أقساه من عذاب المنادي وبأعلى صوت اسمًا وراء اسم، وأخرجت كوكبة من زنزاناتها، واقتيدت الى الخارج، واغلق الباب الكبير وانتظرنا دوي الرصاص، ولم يطل انتظارنا، فانهمر لدقائق، وما أن سكت حتى صاح من الدهليز ثم يعقبها بقهقهة عالية، ثم يقوم صاحب الصوت يتمشى في الدهليز، يضرب بقدمه الأرض بقوة، يذكرنا بالمصير المنتظر واسمع اسم محسن الدوري فتأسفت لحاله ومصيره، ويخرج الدوري من زنزانته، ويسرح خيالي مع الوجبة الجديدة، ومع أنه الوحيد الذي أعرفه من بين الاسماء التي اعلنت، وهو زميل مهنة، وان كان لكل منا اجتهاد 26 وطريق، وهو الآن يواجه الموت وعما قريب يلقى وجه ربه، وحزنت من أجله، وترحمت عليه ورثيت لعائلته واقتيد مع الآخرين واغلقت البوابة الكبيرة ولم يطل الانتظار، فقد لعلع الرصاص وانتهى كل شيء، وصاح ويعقبها بقهقهة تحرق الاعصاب وتثير الغضب وعدت انتظر رنين جرس التلفون المعتاد، وطال انتظاري هذه المرة، انتظار فيه قلق، يشوبه رجاء، هل اكتفوا؟ هل ارتوت نفوسهم طال الانتظار حتى حسبته دهرا، ولكنه انتظار انعش الآمال، فلربما قد اكتفوا بما جزروا، وليست ادري فقد اكون أنا الحي الوحيد ممن بقي في هذا الدهليز، وهنا تذكرت راهي فلم يرد اسمه في الوجبات السابقة وهو الآن قابع في زنزانته ينتظر مع المنتظرين زنزانتي فتساءلت هل تبدل الاسلوب وأين التلفون؟ وهل سيأخذون الباقين وجبة واحدة؟ كنت في هذا ومثله، ورأيت شيئا ، اسود، بحجم الكف ممدودا من الفتحة لم استطع ان اتميزه، فتلكأت عن مد يدي، وكنت جالسًا على الارض، أكلك أخذ زقنبوتك ما تسمع انت ». الاسود 27 الرحمة، والشفقة، تناولت الصمونة اليابسة فوجدتها باردة كالثلج، شممتها فلم اجد لها رائحة، كنت جائعا فما دخل طعام إلى جوفي ، من صباح امس حتى الساعة، وضعت الصمونة في فمي وعالجتها بأسناني فاستعصت على الكسر، ولم استطع ان اقضم منها كسرة، فأعدتها الى مكانها يائسا، وهكذا حرمت من تناول الزقنبوت، وسيغفر الله لي وللجلادين لو لاقيت وجهه الكريم وانا جائع ساكتا فليس من العدل ان تستمر المحاكمات والاعدامات والناس لم تنته من طعامها بعد؟ تعبت من الجلوس على الارض الباردة، فأسندت ظهري الى الحائط ولم احتمل اكثر من دقائق فقد سرت الرطوبة الى كل اعضاء جسمي، وشعرت بقشعريرة وفضلت ان انام فتمددت على البطانية، وقد استحالت رجلاي الى قطعة من الجليد، فلم تقني بطانية راهي من البرد والرطوبة شعرت بحاجة الى التبول، وفكرت ان استنجد بالحارس كما فعل الاخ العميد شاكر وعندما تذكرت جواب الحارس له طردت الفكرة، وآثرت ان اتصبر انتظارا للفرج مر الوقت ثقيلا والصمت المهيب يخيم على الدهليز، ويبدو ان الجماعة ما زالوا مشغولين بطعامهم، وحتى الاقدام الثقيلة لم تعد تدب، فأنا لا اسمع غير صوت شهيقي وزفيري، ودقات قلبي الذي يضرب بإيقاع منتظم، فلم يختلج هذا القلب، او يضرب كما كان يفعل دائما، وعجبت من امر هذا القلب فبقدر ما كان مشاغبا، فوضويا، متقلبا، اذ به الآن منتظم مريح، بلا ضربة زائدة، ولا اضطراب مزعج، فحمدت الله المثانة الممتلئة، وعاودتني فكرة الاستنجاد ولكني طردتها، واخيرا توصلت الى الحل الامثل وهو ان اضيف الى ماء الزنزانة ماء مثانتي، وهذا ما فعلت، فما حيلتي، وما عساي ان اصنع، واسترحت بعدها، كأني ازحت جبلا عن كاهلي، وراح فكري الى الاخ شاكر الذي سكت عن الاستنجاد فقلت لا بد انه قد فعل مثلما فعلت وهذا هو المخرج الوحيد بانتظام وبنبرة عسكرية وتنتهي المكالمة وتشرئب الاعناق ويخيم سكون رهيب، وكأنه سكون الموت، فهذه اللحظة على قصرها، كأنها الدهر، لم اكن انا المطلوب ولا واحدا اعرفه ثم اعقب ، فتعجبت من ان المنادي قد ذكر الاسم واللقب فقط دون الاسم الثلاثي، فقلت، الا يحتمل ان تتشابه الاسماء، وتختلط ويروح انسان بريء ضحية آخر، وهذا ما حصل فعلا فقد تم اعدام بعض، بدل بعض لتشابه الاسماء، ولم يكتشف هذا الخطأ الا بعد فوات الاوان كما فعل في كل مرة واقتيدوا من زنزانتهم واخرجوا من البوابة الحديدية ورحت انتظر ومر الوقت ثقيلا، وانا اترقب صوت الرصاص، ولم يطل انتظاري فها هو الرصاص يلعلع ويزمجر دقائق ثم ينقطع وهذه وجبة اخرى من ثم يعقبها بقهقهة ويخطر ببسطاله في الدهليز شأنه مع كل وجبة يتم ، اعدامها، ولم يطل الانتظار ايضا فها هو جرس التلفون يرن من جديد، وداخلني شعور اكيد ان اسمي سيكون 28 مع هذا الرنين لا محالة فقد تأخر دوري اكثر من اللازم، ولا بد ان يجيء، وها هو آت مع هذا الرنين، حتى انني قلتها قبل ان ينطق بها الصوت، ثم وضعت السماعة وبدأ الصوت ينادي الاسماء وذكر الاسم الاول، وذكر الاسم الثاني، فقلت انا الثالث، فقلت الرابع، ومر الخامس، حتى الاسم السابع، وانتهى النداء، غضبت لان اسمي لم يرد، اين اسمي؟ ولم كل هذا التأخير؟ ولماذا هذا العذاب؟ ألم يؤت بي الى هنا للاعدام؟ وهذه الوجبات تتلاحق وجبة وراء وجبة، فمتى دوري؟ ولماذا يؤخرونني، ايريدون سحق اعصابي، والتلذذ بتعذيبي، وما ادراهم اني خائف، او مضطرب، انا ميت منذ امس، وما حياتي الا فضلة وزيادة ذراعي، وقادني، فقلت في نفسي انها النهاية لا ريب، ها أنا سائر إلى الموت كما سار قبلي من هذا الدهليز، وبدأت أحسب نصف الساعة المقدرة لي إلى حيث ساحة الإعدامات، لم يختلج لي عضو، أو يضطرب لي فؤاد، كنت ثابت الخطوة أسير مع الجندي دون تلكؤ، أو تباطؤ، فأنا أعرف أن المصير المحتوم واقع لا محالة، فالمقدر لا شك واقع، وصلت إلى أول الدهليز، حيث باحة صغيرة، وجدت فيها زملائي من نزلاء الزنزانات، وقد أمسك بذراع كل واحد منهم جندي، وقفت مع الواقفين انتظارًا لتجمع الباقين، وبين لحظة وأخرى ينضم إلى حلقتنا قادم جديد من أول الدهليز إلى الباحة والمراحيض صافية، انه نهار مشمس، ما أروعه يوما من أيام ديسمبر، والساعة كانت تشير الى ما بعد الرابعة بقليل، إذا نحن في العصر، أو قريبون منه، ورحت أتفرس في الوجوه المختلفة، فهذا يرتدي البيجامة والحذاء، وهذا يلبس الدشداشة والنعال، وهذا يلبس السترة والبنطلون، ولكنه هكذا اقتادوهم ان هيئة ملابسهم هذه تدل على انهم قد اقتيدوا من منازلهم أو أماكن تواجدهم بالحالة نفسها التي كانوا عليها ولم تعط لهم فرصة ارتداء الملابس المناسبة واخذت أتفرس في الوجوه واتفحصها علني أعرف أصحابها كانت الوجوه شاحبة مصفرة، وعيونها متورمة، ومحمرة من انعدام النوم، فلا شك ان الجميع بات سهرانا لم يذق طعم النوم تفحصت الواقف على يميني فلم أعرفه، ثم الذي يليه فلم أعرفه، وكان الثالث العميد شاكر مدحت السعود وكان يلبس السترة والبنطلون دون ربطة عنق، ولم أعرف الآخر ثم عرفت الأخ حسن العكيلي الكاظمية بالحمرة، ثم استعرضت بقية الوجوه فرأيت الأخ عبدالحسين كمونة من 30 جثة على وجهها، وكان صاحبها يلبس الدشداشة وحافي القدمين، وهذه جثة تبعد عن الجثتين قلي ً لا لشخص ينام على جنبه، متكورًا وقد ادخل رجليه في بطنه، وضم يديه اليهما، وادخل رأسه في صدره، وتلك جثة اخرى تبعد امتارًا بوضع آخر فكل ينام او يموت على الجنب الذي يريحه، وهذا امر لا دخل للجلادين فيه، فالجلاد يطلق الرصاص على الضحية، ثم يترك له حرية اختيار الوضع الذي سيلاقي ربه فيه الذي ينظر وبتمعن في الضحايا، فقد فعل ذلك كل الطابور، وكان الحارس الذي يسير في مقدمة الطابور قد تمهل بمشيته وابطأ ليعطينا وقتًا اطول لنملي عيوننا من هذا المنظر، ونستوعبه لغرض واضح، وكان راهي يمشي امامي مشدوهًا مأخوذًا بهذا المشهد المرعب، وكان يسحب رجليه سحبًا، واعترف ان المنظر كان مرعبًا تقشعر له الابدان وتخشع لهوله القلوب، فمن يا ترى يقوى على النظر الى جثث مخضبة، مبعثرة، ولا « متجهون، وسيرسلونكم الينا بعد قليل، وشعرت ان الزمن قد توقف ونحن نمر بهذه الاضاحي سبعون مترا مجددا لم يكن المشوار طويلا، فالمسافة بين اول الحديقة من جهة الزنزانات حتى مدخل قصر النهاية لا تزيد على السبعين مترا ولكنها لا تريد ان تنتهي، ولا اعلم كم مضى من الوقت حتي وصلنا امام المدخل الرئيسي لقصر النهاية، وكان يجلس على سلالم المدخل مجموعة من الشباب المسلحين بالرشاشات والمسدسات، وداخلي شعور بان هؤلاء هم جلادونا والمكلفون بقتلنا، ها هم يستقبلوننا بنظرات قاسية وكأنهم يستعجلون ازهاق ارواحنا، صعد الحارس الذي يتقدم طابورنا وصعدنا خلفة، ودخلنا الى الصالون الكبير واوقفنا في منتصف الصالة على شكل دائرة يحيط بنا حراس مسلحون ووقف كل حارس الى جانب واحد منا ورحت اتفرس في وجوه الشباب، كانت نظرات بعضهم تفصح عما في نفوسهم من سرور وابتهاج، كأنها تقول اننا سنقتلكم لانكم خونة تستحقون القتل، ولفت نظري ان نظرات بعضهم فيها ألم، ومواساة، وكأنها تشفق على حالتنا، فالعيون تشي بما يختلج في النفوس ويضطرم، فليس كل هؤلاء الشباب موافقين على هذه المجزرة التي تجري امام عيونهم، هكذا قرأت في نظرات بعضهم، ولكنها ارادة الحزب واوامره ولا بد ان تطاع وتنفذ، والويل لمن يتقاعس او يتباطأ عن التنفيذ فمصيره معروف، وتتلفقه تهمة ومخرب انه الجزراوي وقفنا وسط الصالة ننتظر، ومرت لحظات وإذا بمجموعة عن عسكريين ومدنيين يخرجون علينا من غرفة جانبية ويتجهون نحونا، وسمعت الحارس الذي قادنا الى هذه القاعة يقول يتحرك اللون، مربوع القامة ممتلئ الجسم، لونه يميل الى الصفرة، ويتدلى من وسطه مسدس، وكان حاسر الرأس، 31 هذا إذًا رئيس المحكمة الخاصة الذي سيحاكمنا، هذا هو بجانبه وخلفه مجموعة من الافندية والضباط، ولم اعرف احدا منهم سوى محكمة الثورة التي حاكمت العميد عبدالهادي الراوي عسكريين ومدنيين بالتآمر لاطاحة بنظام البعث
يشاء في موقف كهذا
فابتسمت
في سري لكلمته، فقد هزتني من الأعماق لأنها كانت صادقة وبريئة ومفحمة، فرئيس المحكمة يريد اعترافا
خطيًا، والرجل لا يعرف القراءة والكتابة، فرئيس المحكمة يريد اعترافًا خطيًا، والرجل لا يعرف القراءة
والكتابة، وأعلنها جريئة وصريحة، اعجبتني، ولم يعتد عليه أحد كما اعتدى على العميد شاكر فما عساهم
يفعلون امام هذه الحقيقة، هل يُضرب لأنه أُمي؟ فسكتوا امام جوابه المفحم، وشعرت أنه قد انتصر عليهم
... » مرت لحظات والكل ينظر الى رئيس المحكمة ونطق أخيرًا الجزراوي، فقال موجها كلامه إلينا..امامكم ربع ساعة حتى تعترفوا.. ومصير اللي ما! «؟ يعترف مثل هذوله اللي شفتوهم الآن معدومين بالساحة.. إسمعتوا» هذا ما نطق به رئيس المحكمة التي ستحاكمنا بالعدل والقسطاس، ووجدتني أردد مع نفسي« وزع عليهم الورق » : ثم التفت طه الجزراوي الى محمد فاضل وقال له « رحنا بشربة ميه، والله يرحمنا« يا جماعة، آني ما مشترك بالمؤامرة » صاح العميد شاكر مدحت السعود» سطرات ولكمات » بعض الواقفين وأخذوا يضربونه على وجهه ضربات سريعة. يُضرب لأنه تجرأ وقال شيئًا امام رئيس المحكمة، وكان عليه ان يتأدب في حضرته..ضرب الرجل بشدة وسرعة، فتراجع إلى الخلف اتقاءً للضرب، ولملم نفسه، ووقف.« يا جماعة آني أمي ما اعرف اكتب » : ساكتًا، وهنا انبرى حسن العكيلي وكان احد المتهمين، قائ ً لا.أعطى محمد فاضل ورقة بيضاء لكل واحد منا، وبعد ان انتهى من توزيع الاوراق قال طه الجزراوي
32
ثم انسحب عائدًا من حيث أتى هو
« أمامكم ربع ساعة للاعتراف.. وعدكم الأوراق يا لله اعترفوا أحسن الكم »وبعض ممن جاءوا معه، ودخلوا الى احدى الغرف الجانبية، واندفع نحونا الحراس يدفعوننا الى جدران
الصالة بحيث يقف كل واحد ووجهه الى الحائط، ويبعد عن الآخر ثلاثة امتار تقريبا، ووقف بجانب كل واحد
منا حارس يحمل رشاشا ومسدسا، يمنعنا من الالتفات يمنة او يسرة او الى الخلف
يعالجه بضربة من كعب رشاشته او كفخات على رأسه، وتذكرت جماعة الامس حينما جيء بي الى هذا
المكان، فها نحن نقف في مكانهم، وما اشبه الليلة بالبارحة، وتذكرت الرجل الشاحب صاحب الزبون والسترة
الذي اختفى
. وان فعل احدنا ذلك،.لا أعلم لماذا أنا هنا؟
مسكت الورقة بيدي ورحت اتساءل ماذا اكتب
فما هي يا ترى جريرتي التي ،
اعدم من أجلها؟ توصلت الى يقين ان الجماعة قد جاءوا بي الى هنا من اجل اعدامي، والتخلص مني، وان
زجي واتهامي بالمؤامرة المزعومة إنما هو تبرير ليس غير، تماما كما فعلوا مع الرائد عبدالستار، صحيح
انني ضد حزب البعث، وسياسته، ولكن هل استحق على موقفي هذا الاعدام؟
وحانت مني التفاتة وإذا براهي يقف بجانبي، ولاحظت انه لا يكتب شيئا فقد مسك الورقة والقلم بيده وراح
ينظر نحوي بطرف خفي، ويخاف أن يلتفت إلى الوراء
! وبم اعترف! وتذكرت المرحوم الرائد عبدالستار وحواره مع« سخيف » الجماعة، وكيف كان مصيره، فقد اعدم لأنه علق على امر بكلمة. وبدأوا يكتبون اعترافاتهم،(خوفا من الكفخات)، صاح به الحارس الذي يقف«
أكتب عن دورك بالمؤامرة » فرد عليه « أغاتي شكتب « فأجابه بصوت خفيض ؟« ما تكتب اشما لك » بجانبه«
وهنا ضاق به الحارس ذرعا فصاح به تكتب ما تكتب يطبك مرض
والله أغاتي ما أدري » فأجابه المسكين ؟« عجايب علويش جايبيك لعد » فأجابه هذا « يا مؤامرة أغاتي » فأجابه.ماذا تنفع الكتابة عند من
يا لها من مهزلة وقررت ان امتنع عن الكتابة، ثم تراجعت، وقلت في نفسي لم لا اكتب ،
وان كانوا لا يقرأون، ولكني اكتب لمن يريد ان يقرأ من بعدهم وكتبت
» وبعد تفكير طويل وحيرة، اسندت الورقة الى الحائط وأنا استرجع، وأحوقل، واقول« لا يقرأ ولا يكتب:انا فلان الفلاني جيء بي الى هذا المكان ولا اعلم سببا لهذا المجيء حتى الآن، فإن كان من اجل المؤامرة
«الامبريالية الرجعية الايرانية كما وصفت، وكما سمعت عند الاعلان عنها من الاذاعة، فأنا رجل معروف
الاتجاه والانتماء العقائدي، انا رجل وحدوي اشتراكي، واربأ بنفسي وعقيدتي وشرفي، ان اتورط، واكون
ثم سلمت الورقة إلى الحارس الواقف بجانبي الذي
فأجبته بإيماءة
من رأسي دون كلام، فسكت وظل ماسكا الورقة يعيد قراءتها وينظر إليّ كأنه غير مصدق، وهنا رأيت
شخصا مقبلا نحونا يحمل ورقة بيضاء مع قلم ويقف عند كل واحد منا فيسأله شيئا ثم يكتبه في الورقة إلى ان
«.. ضالعا بمثل هذه المؤامرة، والله على ما اقول شهيد«؟ هذا هو اعترافك » : كان يراقب كتابتي، فأخذها ونظر فيها قم قال بنبرة فيها تعجب وتهكم33
فتلعثم راهي ثم ذكر له عنوانه ،
فأجبته أني أسكن بحي
فالحقيقة أني لا أعرفه، انزعج من اجابتي، فما كان الا ،
لم أتمالك نفسي من الضحك قائلا له بسرعة
ثم سار في
طريقه يكتب عناوين الباقين كيما ترسل جثثهم بعد إعدامهم وحتى لا ترمى في الطريق، وقد حصل فعلا ان
جيء بجثة احد المعدومين ملفوفة بكيس نايلون ورميت امام دار اشتبه بعنوانها كما علمت بعد حين
الشاب جولته علينا ثم دخل احدى الغرف
«؟ وين تسكن وشنو عنوانك ورقم بيتك بالضبط » وصل إلى راهي فسأله؟ لوين نودي جثتك.. لعد نرميها بالدرب » ان اجاب بعصبية« عجايب.. زين.. زين » فأجاب « شنو الفرق.. يعني يهم الشاة أن تصلخ بعد ذبحها » وبسخرية.أنهى هذا.أدرت وجهي إلى الحائط ورحت أفكر بما قاله هذا الشاب الذي لم أعطه عنواني، وتساءلت عن مصير جثتي،
ونظرت في ساعتي لأعرف الوقت
فإذا بزجاجتها منزوعة من مكانها، نظرت إلى الأرض فوجدت زجاجة الساعة بالقرب من قدمي، هممت ان
ألتقطها، ولكن جاءني هاتف بأن لا أفعل، فما الفائدة من الزجاجة، فالساعة ستؤخذ مني بعد إعدامي حتما ولا
بأس أن تؤخذ الساعة من دون زجاجة، وتركت الزجاجة في مكانها على الأرض، وتشاغلت عنها بموضوع
آخر، ثم عدت الى التفكير بالزجاجة، ورحت في حيرة هل التقطها من الأرض أم أتركها في مكانها؟ وهممت
ثم عدلت أيضا، وهكذا بقيت في صراع بين إقدام وإحجام، مترددا بين الالتقاط، أو الترك، الى ان حسمت
الأمر وبحركة سريعة التقطت زجاجة الساعة ووضعتها في جيبي وحللت المشكلة
.« الجايبه الله حياه الله » هل ترمى في الدرب. فمططت شفتي وأنا أقول.بينما نحن وقوف ننتظر المصير، وبعد ان راح الحراس يجمعون الأوراق من الواقفين
مرصوصا عليها اوان تحتوي على
اصناف مختلفة من الاطعمة، يبلغ عددهم عشرة يسير الواحد وراء الآخر بنظام، توزعوا على الغرف
الموجودة في الصالة ومر بعضهم من امامي، كان يحمل اطباق الدجاج
المرق والسلطات وكل ما لذ وطاب
(المتهمين) اذا بطابور« صواني » طويل من عمال المطاعم، يدخلون الصالون الكبير يحملون.. والقوزي والسمك والرز وانواع.تذكرت السفاح
قفزت الى ذهني قصة الخليفة العباسي الاول
اعطاهم الامان والاطمئنان وبعد ان استقر بهم المقام، انتظارا للطعام، امر السيافين ان يقطعوا رقابهم، ثم مد
السماط على جثثهم، وجلس هو واصحابه يأكلون، والاجساد من تحتهم تترجرج، وتتماوج، تذكرت هذه
الحادثة التي حدثنا عنها التاريخ وأخذ السفاح لقبه منها، ورحت اقارن بين الحالين فما هو الفرق؟ هناك سفاح
جلس على اجساد ضحاياه يأكل طعامه، وهنا في هذا القصر يجلسون على اجساد ضحاياهم يأكلون طعامهم،
ولكن الاجساد التي جزروها مجندلة في الحديقة ينظرون اليها ويأكلون، هذا ما جرى في العراق قديما وما
(السفاح) مع بقايا بني امية، حينما دعاهم الى وليمة، بعد ان34
يجري فيه اليوم
.كان الراديو يذيع بأعلى صوته خطاب احمد حسن البكر في مظاهرة يبدو انها اتجهت الى القصر الجمهوري
مستنكرة المؤامرة، كان البكر يهدد ويتوعد، والهتافات تدوي وتصرخ وتطالب بالدم والانتقام، وتذكرت
.«
فضحكت وقلت ايضا، ما اشبه الليلة بالبارحة فلماذا لا نقرأ التاريخ، وان قرأناه لا نتعظ منه، بدلا من ان
نضحك عليه كما نضحك عليه الآن، نظرت الى يساري فرأيت ضابطا لم اره من قبل يرتدي ملابس الميدان،
برتبة عقيد ركن، يقف وكأنه متهم ويبدو انه قد جيء به قبل قليل، فنظرت اليه جيدا فإذا به العقيد الركن
كمال عبود وقد سبق لي ان تعرفت عليه مع العقيد محمد سعيد الراوي
تجاهلني، فتجاهلته انا بدوري، فالموقف لا يحتمل التعارف او الكلام، واثار انتباهي انه انكب على ورقة
كانت بيده راح يكتب فيها، وبعد لحظات جاءه ثلاثة اشخاص ووقفوا معه، فأخذ يقرأ عليهم بعض فقرات مما
كتب بصوت خافت مشيرا الى ارقام وتواريخ كان قد كتبها في الورقة، وسمعته يقول بعد ان انهى القراءة انه
سبق ان ارسل برقية الى الرئىس احمد حسن البكر، وكرر اسمه اكثر من مرة، ثم اشار بالقلم تحت رقم
وتاريخ معين
الجزراوي، وبقي يسترق النظر نحوي متسائلا مع نفسه عن سر وجودي هنا في هذا المكان، وبعد دقائق عاد
الأشخاص الثلاثة إلى كمال عبود وكانت أساريرهم منفرجة، فقد أمنوا على قوله، وعلى كل ما جاء في
فانفرجت أساريره فرحا ثم التفتوا اليه ،
فوضع سدارته على رأسه، وانسحب من بيننا، وساروا معه إلى خارج القاعة ثم
صافحهم قبل أن ينزل من السلالم، وتقله سيارة إلى عالم الأحياء، وعدت الى نفسي والى هؤلاء المتاعيس
ننتظر التصرف بمصيرنا
اعدم - اعدم لتكول ما عندي وكت اعدم.. اعدم » اخواننا الشيوعيين المشهورة « وهوسة » عبدالكريم قاسم. تنبه لوجودي ونظر نحوي، ولكنه. كان يتكلم مع الثلاثة بكل اطمئنان وثقة، ثم أخذوا الورقة منه ودخلوا إلى غرفة طه« كل ما ذكرت صحيح » الورقة التي كتبها، وقالوا له بصوت سمعته« تفضل روح » وقالوا له.أتعرف هذا؟
وبينما نحن وقوف إذ بشابين فتيين يقفان بجانبي، ولا يحملان سلاحا، قال احدهما يسأل صاحبه مشيرا بيده
«..
انتهى حوارهما ثم مرا من جانبي
يتضاحكان وانصرفا
بقراءة الأوراق، والاعترافات، تتفحصها، وتستعرض أصحابها
مقررة مسبقا لكل واحد منا؟، ورحت أتململ، كنت متعجلا ان أعرف مصيري حيا أو ميتا حتى أستريح، ولم
يطل تململي فها هو شاب طويل نحيف مقبل نحوي من وسط القاعة، انه يقصدني
وقف الشاب بجانبي ثم سأل
هذا متآمر لأنه وزير » «.. لا وزير عمل » فيجيبه «؟ هو وزير عدل.. مو » :35
<
نعم
<
صباحا كنت في المحاكم ثم خرجت منها ومررت ببعض الأصدقاء وعدت ظهرا الى داري، وخرجت منها
عصرا مع ابني الصغير الى عيادة الدكتور
داره
<
انه الأستاذ غالب العلوش ويسكن في المنصور
<
لم أره أمس
<
أكثر من ستة أشهر
<
أنت فلان الفلاني؟.ماذا كنت تفعل أمس من الصباح حتى المساء؟.. ومعي زوجتي ثم عدت الى الدار، ومساء زرت صديقا في.ما اسم هذا الشخص الذي زرته مساء وأين يسكن؟.ألم تر العميد عبدالهادي الراوي؟.أشكد صار لك ما شفته؟ كم من الزمن وأنت لم تره؟.شنو علاقتك بعبدالهادي الراوي؟-
<
-
<
كنت محاميه في قضية .بس؟ (فقط؟ .(نعم اعرفه لانه رجل معروف باتجاهه القومي وهو صديق .هل شفته امس ..ترا احنه كنا مراقبينك البارحة؟-
<
اني لم اره امس وكما قلت لك رأيته منذ ستة اشهر عندما افرج عنه وخرج من السجن .لعد وين كنت امس بالليل.. ما رحت عنده بالمنصور؟-
لم اذهب اليه بدليل انني اخذت من دار صديقي غالب العلوش، وان سيارتي لم تزل واقفة بباب داره للآن .من براثن الموت
كان يسجل كل كلمة اقولها في ورقة كان يحملها معه، ثم تركني وعاد من حيث اتى ودخل الى غرفة جانبية
واعدت مع نفسي كل الاسئلة التي وجهها لي وانشغل بالي بالعميد عبدالهادي الراوي اذ اعتقدت انه موقوف
ربنا معك يا
ومرت دقائق واذا بالشاب الذي استجوبني يقبل من بعيد متجها نحوي ويحمل بيده اوراقا واشياء
نظرت اليها فاذا بها هويتي، واوراقي التي
فقال تفضل خذها، فأخذتها منه ووضعتها في جيبي ثم
اشار الى الحارس الواقف بجانبي وقال له هذا يطلع، خلي يركبوه سيارة توصله للشارع، ثم التفت لي قائلا
اخيرا ،
وهبت لي الحياة بعد ان كانت معلقة بشفتي هذا الشاب او غيره، ولم اصدق انني اصبحت حرا وطليقا
» وانه الآن في مكان ما في قصر النهاية، وان هذا التحقيق معي حوله يؤكد اعتقاله ورحت اردد« ابو زيد«؟ هذه الاشياء مالتك » : اخرى لم اتبينها، وعندما وصل قال لي« نعم مالتي » اخذت مني بالامس، عند تفتيشي فقلت له« الله لك الحمد يارب العالمين ورب المظلومين » تفضل استاذ روح وياه، ندت من شفتي كلمة الجلالة36
وسأخرج من قصر النهاية امشي على رجلي، كما دخلت
انتزاعا من براثن الموت قبل ان يبتلعني، هل صحيح ما سمعت، هل انا في حلم ام في يقظة؟ وتساءلت
ومصير هؤلاء الواقفين؟ ترى هل علموا باطلاق سراحي وانني طليق؟ وحانت مني التفاتة الى راهي الواقف
بجانبي مشدوها لم يفهم ما دار بيني وبين الشاب، او لم يسمع انه يعيش في حالة، وذهب الشاب وتقدم مني
الحارس قائلا تفضل استاذ وسار امامي، وسرت وراءه اخطو نحو الحياة">وآني أغاتي
» انتظارًا للمصير، رآني راهي اسير نحو الباب فلم يتمالك نفسه وصاح» وخرجت من باب القاعة، وبدأت انزل السلالم واذ بالشباب الذين على السلم يقفون ويقولون« شكرا.. شكرا » فأجبتهم « تهانينا.. كما قتلتم غيري من الابرياء، ووقفت امام حديقة الموت، وأجل ُ ت« توصل الاستاذ للشارع وترجع » النظر فيها، وأمر الحارس احد الشبان المسلحين قائلا له«
فصعدت بين مصدق ومكذب، ها انا في السيارة، ان السيارة تسير، وتلف حول حديقة الموت، القيت اخر
نظرة عليها كانت خالية من الجثث فقد رُفعت وأرسلت الى مثواها الاخير انا الآن في طريقي الى الحرية الى
عائلتي وأهلي، وتخرج السيارة من باب قصر النهاية، القصر المرعب، قصر الموت، وتصل السيارة الى
شارع جسر الخر، وتختلط مع السيارات، وارى الحياة، ان الناس من حولي يختلفون عن اولئك الناس حكام
قصر النهاية فهؤلاء الناس الذين يمشون في الشارع بشر، أما أولئك المتحكمون في قصر النهاية فليسوا من
البشر وهؤلاء الناس في الشارع لا يعرفون ما يجري ويدور خلف اسوار ذلك القصر الذي يبعد امتارًا عنهم
تفضل » مرآب فيه العديد من السيارات وجاء بسيارة مرسيدس وفتح الحارس الباب الامامي وقال لي.. ايها الناس انا خارج الآن من قصر النهاية وتركت« هناك اناسًا ابرياء يواجهون الموت: امجنون هذا يحدث نفسه ويبكي؟ لم اشعر الا وسيارة تقف غير بعيد ةعني، ويترجل منها رجل يقترب«؟ ها ابو غسان شو واكف هنا » مني ويلوح بيده ويصيح<"4" face="Simplified Arabic">» فأجبته بابتسامة ،»؟ انت متأكد متريد شيء مساعدة » اللحية، فسأل ثانية« يجي تكسي واركب«
نظرت فإذا بي بالقرب من الدار، فأشرت عليه بالوقوف نزلت اتمشى، وجدت باب الحديقة مفتوحًا، دخلت
دون ان يشعر بي احد واتجهت الى الباب الداخلي، فلمحتني ابنة اختي
اي شارع في الصليخ.. استاذ.. احنه بالصليخ « بردودها ومضاعفاتها؟! وأفقت على صوت السائق يسأل(ابتسام) فصاحت خالي.. خالي..بأعلى صوتها بفرح واندهاش، واذا بالجميع يهرعون نحوي متسابقين، هذا يقبلني من وجهي، ومن رأسي،
ومن صدري، وانا مذهول، وكأني مخدر، وانظر في وجوههم افتش عن امي، واذا بها مقبلة بمشيتها الثقيلة
تحمل في يدها القرآن ورفعت يديها الى السماء، وراحت تدعو، ولم اتمالك نفسي، فارتميت على صدرها،
واختلطت دموعنا، وعلا نحيبها، وبكى لبكائها الجميع، كان الله في عون الامهات الثكالى، واستقبلني ابن
خالي ابو احسان، ولم يصدق عينيه فأخذ يقفز من الفرح، رغم ضخامة حجمه وثقل وزنه، فوقع على الصوبة
(
الجميع بين بكاء وضحك، وتهاويت على المقعد وبدأت اتفحص الوجوه، انها شاحبة لم تعرف النوم والراحة،
والتف حولي اطفالي الاربعة اتحسس وجوههم وامسح على رؤوسهم كأنهم يتامى، كانوا قبل ساعة كذلك، وها
هو ابوهم معهم وبينهم، وانهارت قواي من الضعف والتعب، فقد كنت متماسكًا وانا في قصر النهاية، اما هنا
وانا بين اهلي ووسط عائلتي فقد تهاوت قواي مأخوذًا بالجو العاطفي، فقد اثر بي غاية الاثر، كنت شاردًا
مشغول البال عند اولئك الذين تركتهم في قصر النهاية، طلبت راديو لأسمع اخبارهم
وكان يبث موسيقى عسكرية انتظارًا لما يرده من اخبار من قصر النهاية، وتوقف بث الموسيقى، فأصخت
السمع، والكل معي حتى الاطفال هبط عليهم سكون عجيب كأنهم يستشعرون خطورة الامر، وطلع المذيع
ليعلن عن وجبة جديدة تم اعدامها الآن، وراح يعدد الاسماء، ونطق باسم المرحوم راهي الحاج عبدالواحد
سكر وسقط الراديو من يدي، وحزنت اشد الحزن، رحمه الله، ذهبت توسلاته واستعطافاته كلها ادراج الرياح،
سلفًا، هذه ارادة الحزب، تخويفًا لكل القبائل والعشائر، وتذكيرًا
وهذه وجبة اخرى من الخونة
ويعقبها بقهقهة عالية، فارتجفت، واقشعر بدني، فرحت واقفًا كالملسوع، وصاحت اختي ام
نظرت اليها دون جواب، بماذا اجيبها؟
اربع وعشرون ساعة نحر فيها سبع وخمسون ذبيحة، لم اشك ان كل من جيء به الى قصر النهاية كان أمر
لا شك عندي ان اعدامه امر
ويظل سؤال وهو
كنت اظن قبلا ان الحزب كان يرى ان الوقت لم يحن بعد لقتلي، انتظارا لظرف اكثر ملاءمة، وان اخذي الى
قصر النهاية كي اشاهد بعيني الاعدامات هناك، لارهابنا وتخويفنا نحن القوميين
« بالمصير نفسه، وكأني اسمع صوت حارس الزنزانات يعلن بصوته الكريه« الى مزبلة التاريخ«؟ ها اشبيك ابو سها » احساندليل اكيد على ان اعدام راهي كان مقررا سلفا ..حينما وصفه بالمجرم.. اقول ان الاعدامات كانت مقررة وما يؤكد ذلك سرعة تنفيذ عمليات الاعدام، حيث كان الفاصل.. قبل ان يفيق العالم على(إني شهيد، ويشرفني ان شهادتي على) الى ان لفظ انفاسه الاخيرة، رحمه الله بين ايدي الزبانية، وقد علمت ان الحزب الشيوعي العراقي،(الحزب الشيوعي) ان تتم المحاكمات في.« وتقدرون فتضحك الاقدار » هذا ما كانت قد خططت له قيادة حزب البعث ولكن الاقدار شاءت غير ذلك« مؤامرة » نظرهم، فأطلق سراحي انتظارا لتدبير« المؤامرة المزيفة » حصدت.وما زالت وقائع، واحداث، وشخوص، قصر النهاية، عالقة بذهني حتى الان
.عذبوا جابر حداد بالسكاكين والخناجر وقطعوا اذنيه وبقروا بطنه لكنه كان صامدا وشتمهم
ويشرفني ان شهادتي على ايديكم
من أجل ان يحيط القارئ الكريم بكل جوانب الموضوع أسجل الآتي
: جيء بالضابط عبدالوهاب عبدالرحمن الداوود (أخو إبراهيم عبدالرحمن الداوود) آمر الحرس19970
وأعدم أمامنا في /1/ . حكم على المحامي محسن الدوري بالأشغال الشاقة ولم يعدم . سلمت جثة المرحوم راهي العبدالواحد آل سكر بعد إعدامه صعقا بالتيار الكهربائي، مع التأكيد بعدم. التقيت بعد أيام بالأخ شاكر مدحت السعود في ساحة الغريري في شارع الرشيد عند خروجي من مكتبي« الجماعة » وبعد ان تعانقنا اخبرني ان.كل من حردان التكريتي (وزير الدفاع) وشقيق الكمالي (وزير الثقافة) إلى بيروت /1/ 6 سافر في 70المزعومة وتم عرض بعض الاسلحة من رشاشات
ومسدسات باعتبار انها الادلة الجرمية بعد فشل المؤامرة
عمليات الاعدامات وابعادها وصداها في الداخل والخارج
« المؤامرة » وهناك عقدا مؤتمرًا صحفيا لشرح أبعاد.. وذلك تطويعا لردود الفعل الكثيرة التي استهجنت.
أحمد الحبوبي
التي كان طه الجزراوي شخصيا مسؤولا عنها
ويصدر اوامر تنفيذها
ليلة الهرير في قصر
وهي الليلة التي قضاها في قصر النهاية ليشاهد وعن كثب اعدام العشرات من العراقيين على يد طه
الجزراوي وغيره من قيادات البعث
2
المقدمة
الاستاذ احمد الحبوبي تقلد عدة مناصب وزارية، في عهدي عبدالسلام ثم عبدالرحمن عارف وكان زعيما
للحزب الاشتراكي القومي، عاش منذ
ليلة الهرير في قصر النهاية
1
الأخ محرر الصفحة هناك كلمات مفككة في الحروف لا أدري أهي مقصودة أم غير مقصودة ، وأريد أن أسأل عن هذه النوعية من الكتابة هل هي تابعة لما يسمى بأدب السجون ، لأن له كتابه الذين أعدوا أعمالهم داخل السجن أو خارجه عند تذكرهم لما كان يحدث لهم فيه ، وهناك من يكتب في أدب السجون وهو لم يدخل السجن ولو مرة ،ولكن لديه إحساسيس مرهفة وملكات تمكنه من الكتابة وكأنه قابع في السجن يصف لنا أيامه ولياليه .
الثقافة القرآنية
خواطر في فهم السنة
رسالةُ في حديث «أصحابي كالنجوم»
رجـــم الــزانـــي المحصن ليس من القرآن
الفِكرُ بينَ المنهجِ والتقليد
الخروج من التيه
تعدّد الزوجات
ولــكــنّ أكــثـرَكــم لـلــــحقّ كــارهـــون
الفــارق بين السنّة الشريفة وروايات الأحاديث
أوهــــام الناسـخ والمنســوخ
حقيقةُ الشفاعةِ وعدمِ الخروجِ من النار
الإجمــاع .. العصمة ... وهم أم حقيقة ...
ليلة الهرير في قصر النهاية
ولايـة الفقيـه: أزمـة الشرعيـة المزدوجـة
الحركات الإسلامية المعاصرة رد فعل أم استجابة لتحد ؟
مؤمن آل فرعون
حقيقة الحجاب وحجيةالحديث
أضواء على السنة المحمدية5
أضواء على السنة المحمدية4
أضواء على السنة المحمدية 3
دعوة للتبرع
إقرأ كتاب الصيام : إذا صمت في هذه الأيا م الطوي لة مع...
الأذان قرآنيا: هل للاذا ن للصلا ة سند قرآني ؟...
Prayers in menses : I don't understand why woman can't pray when she has menstruati on ...
سؤالان : السؤا ل الأول : هل يصح أن أقول عن شخص مات إنه (...
أربعة أسئلة: السؤ ال الأول : لى شقيقت ن ، وأنا اخوهم...
more
أعتقد انه لم يأت أسوأ من فرعون حاكما على ظهر البسيطة سوى (صدام حسين ) فقد فعل بأهله أكثر مما فعله فرعون ، فقد قتل أبناء بلده وإستحيى نساءه على مرأى ومسمع من الناس جميعا ،، ولم نجد من أفجر منه فى أن يأمر الأب بقتل إبنه جهاراً عيانا ويأمر أمه وزوجته بإطلاق الزغاريد والتهاليل والأفراح لأنهم تخلصوا من إبنهم (الخائن فى نظر صدام وزبانيته )..فلقد فاق ذلك السفاح كل قوانين الفُجر والوحشية والإجرام التى عرفتها البشرية ،وطبيعة الحيوان أيضاً... وبسبب تصرفاته الطاغية تلك فقد أدخل شعبه فى حروب لا مبرر لها ولا طائل من وراءها ، وقد خلفت من وراءها شعباً متقطع الأوصال ، يتربص كل منهم بالآخر ، وتحول كل منهم إلى قنبلة موقوتة شديدة الإنفجار فيمن حوله لأتفه الأسباب ،سواء كانت اسباب عرقية او دينية أو سياسية أو إقتصادية ، هذا مقد تركت أرضها ساحة جاهزة لكل المتلاعبين بمن تبقى من العراق وأهله وشعبه من أجهزة مخابراتية دولية وصهيوينية ...والغريب أننا لا زلنا نرى ونقرأ لمن يُدافع عنه وعن عصره الأسود .والأغرب اننا لم نرى من إخوانه من طغاة العرب إتعاظاً وإعتباراً لما حدث له ولأبناءه وزبانيته ونهايتهم نهاية لا تتمناها أحط وأقذر حيوانات الغابة والشوارع ......وفى النهاية فهو المسئول عن إنكسار وهلاك ودمار وتخلف الشعب العراقى لمدة قرنين قادمين من الزمان على الأقل .،فلا سامحه الله .