( مقدمة: اولا: المناخ الذي افرز حركة جهيمان العتيبي : البترول وسياسة الملك فيصل (1964 –1975 ) وعلو المد السلفي ، ثانيا : . تقرير تاريخى موجز عن اقتحام جهيمان للحرم الوهابية .ثالثا : قراءة في الايدولوجية الوهابيية لجهيمان العتيبي من خلال رسائله :موقف الشيوخ الوهابين من جهيمان : رأي جهيمان في شيوخ عصره في المملكة :موقف جهيمان من الدولة السعودية :منهج جهيمان في رسائله .تعقيب علي منهج جهيمان في رسائله . الهوامش )
مقدمة : بين ناصر السعيد وجهيمان العتيبى
مع الاختلاف الشديد بين ناصر السعيد وجهيمان العتيبي في الثقافة والتوجه الاصولي السنى وحركة المعارضة الا انهما حملا ثأرا شخصيا ضد الدولة السعودية ومؤسسها عبد العزيز . ناصر السعيد حمل ثأر اهله الذين قاوموا عبد العزيز حتي غلبهم وضم حائل ،وولد بعد سقوط حائل وتربي في وسط عائلي يكتم مرارة الثأر ويتمني الانتقام ،فلما شب عن الطوق تحول الي المعارضة بطريقته الخاصة …اما جهيمان العتيبي فينتمي الي قبيلة عتيبة باخوانها الذين ثاروا علي عبد العزيز ،وكان جده من بين هؤلاء الثائرين ،ولقي حتفه في معركة السبلة .وعاش جهيمان في بيئة الثأر نفسها ،الامر الذي انعكس علي حياته وثقافته وتلون بها موقفه من الدولة السعودية الي ان انتهي الامر به الي اقتحام المسجد الحرام داعيا للمهدي المنتظر القحطاني .
وثمة ناحية اخري تربط بين ناصر السعيد وجهيمان العتيبي ،هي ان حركة ناصر السعيد ادت الي مناخ معاكس لما ساد في عصر سعود ،ادي الي تغليب الاتجاه السلفي في المملكة ضمن سياسات الملك فيصل وتحالفه مع الرئيس السادات ضد اليسار ،وبعلو المد السلفي بين مصر والسعودية اتيح المجال المناسب لتطور المعارضة لجهيمان العتيبي لتنطلق من الطور السري الي اقتحام الحرم المكي الشريف ..
وفي هذا الفصل عن جهيمان العتيبي نبدأ
(أ) بتحليل السياسة التي ارساها الملك فيصل والتي كانت نتيجة فعلية للتطور الهائل للدخل البترولي بعد حرب رمضان اكتوبر 1973 ،وما ارتبط بهذا المناخ من تغيرات محلية واقليمية ادت الي علو المد السلفي في المملكة والمنطقة .
(ب) ثم نعطي تقريرا تاريخيا عن جهيمان العتيبي وعملية اقتحام الحرم المكي الشريف ودلالاته .
(جـ ) وبعدها نحلل ايدولوجية جهيمان العتيبي من خلال رسائله واهم القضايا التي ناقشها ،والفكرة الاساسية التي دار حولها ،ومنهجه الفكري في رسائله ودعوته . وسيتضح لنا ان الفكرة الاساسية التي دار حولها جهيمان العتيبي هي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ومن خلالها تحددت نظرته للدولة السعودية والشيعة والاجانب والعلماء داخل المملكة وخصصوصا ابن باز ،ثم استعان بمذهب فكري سلفي محدد اعتمد علي رؤية خاصة للاحاديث واراء الائمة والمفسرين السلفيين السابقين من ابن تيمية الي ابن عبد الوهاب في اقناع واحراج مخالفيه في الرأي .وخلال كتاباته كان يظهر انحيازه لحركة الاخوان النجديين الذين ثاروا من قبل علي عبد العزيز ،بمقدار ما كانت تظهر كراهيته لعبد العزيز .
اولا: المناخ الذي افرز حركة جهيمان العتيبي
البترول وسياسة الملك فيصل (1964 –1975 )وعلو المد السلفي
1- البترول
كان البترول هو المحرك الاساسي في عصر الملك سعود ،وتفاعل مع سياسة الملك سعود ومع الظروف الاقليمية والدولية في توجيه المعارضة السعودية لتكون يسارية ،وتأثرت معارضة ناصر السعيد وتلونت بطبقة اشتراكية مع جذورها الدينية .وبوصول الملك فيصل الي الحكم دخلت المنطقة في عصر جديد .اذ انحسرت الناصرية بهزيمة 1967 ثم موت عبد الناصر وتولي السادات ،وتحالف السادات مع فيصل ضد اليسار والاشتراكية ،وواكب هذا الطفرة الهائلة في الاسعار للنفط بعد انتصار رمضان اكتوبر 1973 ،واستغل الملك فيصل الطفرة الهائلة في زيادة دخل المملكة في تدعيم سياسته الداخلية والخارجية ، والتي اسفرت في النهاية عن نمو النفوذ السلفي ليواجه به المعارضة العلمانية اليسارية مما ادي فيما بعد الي تكوين معارضة من داخل التيار الوهابى السلفي ،وهي معارضة جهيمان ، اذن ساعدت عوائد البترول الضخمة الملك فيصل وادت بالتالي الي توجيه المعارضة بعده لتكون سلفية ..وهكذا يظل البترول صاحب التأثير الاعظم في المعارضة من عهد سعود الي عهد خالد ..
2- التوجه السلفي في سياسة الملك فيصل :
فيصل ابن عبد العزيز (1906-1975 ) شخصية مميزة من ابناء عبد العزيز ،شارك اباه في تأسيس الدولة السعودية ،وتولي منصب حاكم الحجاز بعد ضمه ،وعمل وزيرا للخارجية ،واصبح وليا للعهد ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشوري ورئيس الهيئة العليا للتخطيط .وكان الحاكم الفعلي للدولة بعد ظهور عجز سياسة سعود .
الا ان ميزة فيصل الشخصية تتمثل في جمعه بين الاصولية السنية السلفية والاحتكاك بالسياسة العالمية وعلاقته بالغرب التي تقوم علي اساس المصلحة . وفي السنوات الاخيرة من عهد الملك سعود برز الصراع واضحا بين النخبة العلمانية والنخبة السلفية في الادارة الحكومية ،وكانت المعارضة السعودية في مجملها محسوبة علي اليسار العلماني . وبمجرد جلوسه علي العرش بدأ فيصل في تركيز السلطة في يده واعلن برنامجه الاصلاحي بالنقاط العشرة ، الذي تأثر -كما سبق توضيحه –بمطالب ناصر السعيد . ولم يتم تنفيذ الاصلاحات السياسية ،وتم بدلا منها تنفيذ الاصلاحات الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية .
وفي سياسته التعليمية حرص فيصل علي التركيز علي التربية الدينية الوهابية السلفية ، وانشئت في عهده جامعات جديدة مثل جامعة الملك عبد العزيز سنة 1967 وجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض 1974 وجامعة الملك فيصل في الدمام والهفوف 1975 ،وكلها كانت تمنح درجات علمية في الدراسات الاسلامية والشريعة ،هذا بالاضافة الي الجامعة الاسلامية الرئيسية في المدينة .
ونشطت في عهد فيصل المؤسسات الوهابية السلفية ،واهمها ادارة البحوث الدينية والافتاء والدعوي والارشاد ،وكانت هيئة مستقلة تتبع الملك فيصل باعتباره رئيس الوزراء ،وتخصصت في نشر الفكر الوهابي وتوزيع المؤلفات بالمجان ،وتصدر الفتاوي التي يطلبها الملك او الهيئات الحكومية . وكان الملك يعين المجلس الاعلي للافتاء طبقا للمرسوم الملكي رقم 1/137 الصادر في 1971 ،وقد نص المرسوم علي ان مهمة المجلس الاعلي تقديم الرأي القائم علي الشريعة في القضايا التي يطرحها عليهم ولي الامر ،أي الملك ، واقتراح السياسات في القضايا الدينية لارشاد ولي الامر ،واصدار الفتاوي لارشاد المسلمين في العقيدة والعبادة والمعاملات. وتكون المجلس من 15 عالما بينهم واحد من ال الشيخ . والملفت للنظر تولي العديد من ال الشيخ مناصب وزارية في التعليم العالي والعدل والزراعة والمياه ،مع المناصب الدينية ،مما يدل علي علو النفوذ السلفي في عهد فيصل وتغلغله في مجالات كانت قصرا علي النخبة العلمانية من قبل .
والتفت الملك فيصل الي العالم الاسلامي ومجتمعات الاقليات المسلمة في الخارج وعزز الاتصال بهم عبر الجمعية الدولية للشباب الاسلامي تحت شعار التضامن الاسلامي ،وكان مقر اللجنة الرياض ،وانشئت في ديسمبر 1972 في اعقاب اجتماع ممثلي منظمات شباب العالم الاسلامي تحت رعاية وزير التعليم السعودي ،وكان واضحا ان هدف الجمعية هو تقديم المملكة السعودية زعيمة للعالم الاسلامي ،ونشر الفكر الوهابي بين شباب وكوادر العالم الاسلامي ،ويلفت النظر ان القائمين علي ادارة هذه الجمعية كانوا من الشباب السعودي الحاصل علي تعليم علماني غربي ،وان الكتب التي روجت لها الجمعية كانت تدور حول الجهاد والاقتصاد الاسلامي والفقه الحنبلى التيمى الوهابى ،ومن خلال الجمعية نشرت كتب سيد قطب والمودودي ومفكري الاخوان المسلمين من مصر والهند ..
وترتب علي اصلاحات فيصل ازدياد عدد الوزارات حتي اصبح عددها سنة 1975 : 23 وزارة، بالاضافة الي الاقسام المستقلة والمكاتب واللجان ،وهذا التوسع الاداري كان فرصة لاصحاب المهارات من النخبة السعودية لتولي المناصب القيادية بشرط مسايرة التوجه السلفي الزائد ،وبهذا خفت الصراع الذي كان قائما بين النخبة العلمانية والنخبة السلفية ،وتسابق نجوم النخبه العلمانيه في الوزاره في عهد فيصل الي اعلان ولائهم للقيم السلفية الوهابية .وبرز في عهد الملك فيصل الشيخ حسن بن عبدالله آل شيخ وزير التعليم العالي ،وقد عينه الملك فيصل رئيسا للمجلس الاعلي لمركز بحوث الملك عبد العزيز .وتولي د. سليمان عبد العزيز السليم وزارة التجارة وقد تخرج في جامعة القاهرة وحصل علي الماجستير من جامعة جنوب كاليفورنيا وحصل علي الدكتوراة من جامعة جونز هوبكنز ،وفي رسالته للدكتوراة اكد علي ان الشريعة ( السلفية الوهابية ) تتفق مع معطيات العالم المعاصر ولكن المشكلة تكمن في وجود فجوة بين علماء الدين وعلماء الاقتصاد والمثقفين .حيث لا يهتم العلمانيون باسهامات علماء الدين .واشتهر في عهد الملك فيصل د.محمد عبده يماني الحاصل علي دكتوراة من جامعة كوينل وكانت له اسهامات في الفكر السلفي مع ان تخصصه في الجيولوجيا ،وبهذه الشهرة اصبح نائبا لوزير التعليم ورئيسا لجامعة الملك عبد العزيز سنة 1974 ،ثم اصبح وزيرا للاعلام 1975 .وبنفس الطريقة كان هشام ناظر وزير التخطيط يعلن انه لا يوجد تناقض بين الاسلام ( أى الوهابية ) والتحديث ، ويؤكد علي ضرورة تحقيق التنمية الاقتصادية لخدمة الجماعة الاسلامية .اما احمد زكي يماني وزير البترول والثروة المعدنية واشهر وزير سعودي والحاصل علي ماجستير من جامعة هارفارد فقد كان يعلن ان التقدم يمكن تحقيقه من خلال الشريعة ( الوهابية ) فقط ، وان نظام الشريعة ( الوهابى ) قائم علي اساس سعادة الفرد ومصلحة الجماعة ،وكان واضحا تأثره في كتابه (القانون الاسلامي ) بابن القيم الجوزية .[1]
وهكذا انعكس التوجه السلفي للملك فيصل علي سياساته التعليمية والاصلاحية وعلي تفكير النخبة العلمانية في عهده ،ونقصد بهم اولئك الذين عملوا معه ،اما المثقفون العلمانيون اليساريون الذين استمروا في نهج المعارضة ،فقد عانوا من الاضطهاد .
3-اعتقالات المعارضة اليسارية وزيادة انتاج النفط :
بعد هزيمة عبد الناصر في سنة 67 عقد مؤتمر الخرطوم وتم فيه اعادة الترابط العربي، وعقد الصلح بين فيصل وعبد الناصر ودفع الثمن ناصر السعيد والمعارضة الناصرية والقومية واليسارية في المملكة في داخلها وخارجها .وعمل فيصل ايضا علي تطويق المعارضة ببرنامجه الاصلاحي وباحداث رخاء في المملكة عن طريق زيادة النفط ليقوم بتمويل الاصلاح وشغل المواطنين بالبناء والتعمير والتوظيف .واستجاب له فريق من المعارضين بينما ظل اصحاب الايدولوجيات اليسارية في صف المعارضة ، فتعامل معهم بعنف .
لقد تم كشف العديد من المنظمات اليسارية السرية 1969 التي تغلغلت بين مختلف الطبقات الاجتماعية وداخل اجهزة الدولة ،واستمر كشف هذه المنظمات من يونية 69 الي 1971 عبر جهد مكثف لاجهزة الامن السعودية وتحت اشراف الملك والامراء ،وبلغت حصيلة المعتقلات في هذه المدة حوالي الف معتقل وفرار العشرات خارج المملكة ،ومما ازعج المسئولين في المملكة تغلغل المعارضة الي اجهزة الدولة الحساسة في الامن والجيش حتي الرتب الوسطي والعليا .وتحدثت منشورات المعارضة في الخارج عن عمليات تعذيب تعرض لها المعتقلون مما يجعل موجة الاعتقالات التي حدثت بين 1969 :1971 افظع مما سبقها في سنوات 53 ،56 ،64 ،1967 من حيث عدد المعتقلين او الزمن الذي استغرقته او درجة التركيز او شمول الاعتقالات لشتي مناطق المملكة .
وقد ادت موجة الاعتقال هذه الي سحق المنظمات اليسارية المعارضة القائمة وادي الي ارهاب المتعاطفين معهم وهرب الكثيرين للخارج وقيامهم بدعاية سوداء ضد المملكة .وكان لابد من زيادة انتاج البترول لاقامة رخاء اقتصادي يداوي الجراح ويشغل المواطنين عن الاحتجاج والمعارضة .وبهذا تحقق لارامكو هدفها في موافقة السعودية علي مضاعفة انتاج البترول اكثر من ست مرات فيما بين 1969 الي 1980 ،وبذلك قفز انتاج البترول من اقل من 3 مليون برميل يوميا سنة 69 ليصل الي 8 مليون 1973 ،وتضاعف ايرادات الحكومة ثلاث مرات ونصف ،وادي هذا التوسع في انتاج البترول الي استعانة ارامكو بستة شركات جديدة بالاضافة الي الشركات القديمة ،واحتاج هذا التوسع الي كتلة من المقاولين المحليين لاقامة المنشآت والتسهيلات ،وبالتالي استفاد كبار الموظفين من هذه الاعمال ،وتحول الكثيرون الي مقاولين في الظاهر اوالباطن ،وتوسعت حركة العمل وتقلصت البطالة وانشغل الجميع بالعمل مما جعل المعارضة اليسارية تتناقص وتحُاصر وتنعزل ،كما ان التراكم السريع للمواد المالية البترولية اوجد الحاجة الي استثمارها في الخارج ،في الغرب اساسا ثم في البلاد العربية طبقا للمصالح والعلاقات السعودية بتلك الدول العربية ،مما ادي ايضا الي محاصرة المعارضة السعودية في الخارج خصوصا مع تصدير الفكر الوهابي للخارج .[2]
زيادة الدخل البترولي بعد حرب اكتوبر واثره في توجيه المعارضة الجديدة:
وادت حرب اكتوبر وتضحيات المصريين والسوريين الي ازدياد دخل المملكة من البترول حيث ارتفعت اسعاره اربعة اضعاف .وكان دخل المملكة البترولي 2 , 1 بليون دولار سنة 1970 ارتفعت الي 2 , 4 بليون سنة 1973 ليصل سنة 77 الي 37 بليون دولار ،وتضاعف في 79 ليصل الي 70 بليون دولار ،ثم وصل في اعقاب ثورة الخوميني سنة 1980 الي 90 بليون دولار .[3]
وهذه الزيادة المذهلة في دخل المملكة تفاعل مع سياسة فيصل التي استمرت بعده في تأكيد النفوذ السلفي ،وبالتالي اصبح هذا التيار مرشحا لأن يفرز المعارضة الجديدة من داخله بسبب التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي احدثتها تلك الطفرة الهائلة في الدخل القومي للمملكة ..
فقد تضخمت طبقة الرأسماليين من شركات المقاولات والاستيراد وغيرها ،وانضم الي طبقة رجال الاعمال الكثيرون من المتصلين بالسلطة والادارة ،وبتعقيد الادارة وتشابك مصالحها مع الطبقة الجديدة من الرأسماليين فقد تهاوي النفوذ الذي كان سابقا لشيوخ القبائل ،خصوصا مع قيام وزارة الداخلية والحرس الوطني بالدور الذي كان يقوم به شيوخ القبائل من قبل في حفظ الامن ..ووصل الامر الي تهميش قطاع البدو حيث لم يعد للاقتصاد البدوي الصحراوي اهمية ،وادي بالتالي الي هجرة البدو والفلاحين واصحاب الحرف البسيطة الي المدن والحضر واذا عجز البدوي عن الحصول علي وظيفة فانه يجد فرصته في الحرس الوطني واجهزة الامن [4] حيث يجري اعدادهم لمواجهة الخارجين علي الدولة ومعارضيها .أي انه توظيف للبدو ليكونوا كالاخوان ولكن بدرجة اقل وفي ظروف مختلفة .
الا ان هذا القطاع من السكان (أي البدو ) تأثر بالظروف الجديدة التي جعلته الي حد ما مختلفا عن الاخوان السابقين .فبينما تربي الاخوان عقيديا في الهجر بعيدين عن الاختلاط بغيرهم من الناس حتي من الوهابيين العاديين فان البدو في عصر فيصل اصبحوا اكثر انفتاحا ووعيا اذ هاجروا الي الحواضر واختلطوا بالناس وتأثروا بهم في ظل الاوضاع الجديدة التي هي اكثر انفتاحا واكثر ثراء ،مما جعل البدو في موقع القابلية للتأثر بما يحدث ،وبالتالي تراخي لديهم ما تعودوه من اولوية التماسك القبلي ،بعد ان ضعف نفوذ شيوخ القبائل وفقدت الصحراء اهميتها الاقتصادية الرعوية والزراعية واصبح الطموح المادي مسيطرا ومرتبطا بالنفوذ الاجتماعي.
ومن ناحية اخري واكب ازدهار الدخل النفطي عوامل اخري ساعدت علي زيادة الوعي ،منها الاحتكاك بالعمالة الوافدة وثقافاتها المختلفة ،وتزايد دور الاتصالات السلكية واللاسلكية والاعلام المسموع والمرئي وتحرره من سلطة الدولة حيث يتمكن الشخص العادي من سماع الاذاعات والاعلام الاجنبي وبالتالي الاستماع الي وجهات نظر اخري مختلفة مغايرة لما تتطرحه الدولة ،كما ان ارتفاع الدخل اعطي الفرصة للسفر للخارج للتعليم والنزهة ،واعطي فرصة للاحتكاك بالآخر داخل الوطن العربي وخارجه واصبحوا اكثر تفاعلا بما يجري في العالم خصوصا مع ثورة دينية مثل ثورة الخوميني .
وارتبط هذا الوعي بالحاجة الي اصلاح سياسي يعالج سلبيات الثراء الاقتصادي والاداري رغم وجود مجتمع الثراء ،ذلك ان ما وعد به فيصل من اصلاحات سياسية لم ينفذ منها شئ ،ثم كانت المفاجأة في قيام ثورة الخوميني سنة 1979 لتشجع المعارضة وتحدد منبعها في ان تكون ثورة اصولية وهابية ،يقوم بها ثائر من البدو ومتأثر بالاخوان السابقين ،فكان جهيمان العتيبي الذي اعتنق الفكرة الشيعية الاصل (المهدي المنتظر ) ليحارب من خلالها الدولة السعودية .
القسم الثانى : المعارضة الوهابية فى عصر سعود وفصل وخالد
الفصل الثانى جهيمان العتيبى واحتلال الحرم المكى (10/11/1979 –اول محرم سنة 1400 هـ )
جهيمان العتيبى واحتلال الحرم عام 1979 فى تقرير تاريخى
من هو جهيمان العتيبي :
نشأ جهيمان العتيبي نشأة دينية بدوية في كنف والده حكيم ،اما جده فقد قتل في معركة السبلة ،وعمل جهيمان فترة طويلة في الحرس الوطني حوالي 18 عاما ،ثم استقال قبل حركته بستة اعوام ،وانتسب الي الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة ،أي انه جمع الثقافة الوهابية مع التدريب العسكري مع الانتماء للاخوان النجديين والحقد علي من قتل جده .ولذا نراه يترك الدراسة في الجامعة كما ترك العمل في الحرس الوطني، وتفرغ للدعوة –او للمعارضة القولية –وساعده علي ذلك صلته بصديقه محمد بن عبد الله القحطاني الرجل الثاني في عملية الاقتحام ،والذي قدمه جهيمان علي انه المهدي المنتظر .
وكان محمد بن عبد الله القحطاني طالبا يتعلم اصول الدين علي يد الشيخ عبد العزيز بن باز ،وقبلها كان يعمل في مستشفي الشميسي المركزي بالرياض ،واتهم في قضية سرقة وعوقب بالسجن لفترة قصيرة ،ثم خرج ليلتحق بالجامعة الاسلامية ويلتقي بجهيمان سنة 1979 ويتزوج جهيمان من اخت القحطاني ويجمع بينها وبين زوجته الاولي ابنه امير ساجر من ال محيا .ولفتت انشطة جهيمان نظر السلطات فاعتقلته عدة مرات ولكن كانت تفرج عنه لعدم ثبوت ارتباطه بحركة او جماعة معينة ،وبسبب توسط بعض الشيوخ والعلماء من معارفه .[5] الي ان فوجئ به الجميع يقتحم الحرم المكي باتباعه في مطلع القرن الخامس عشر الهجري .
تقرير تاريخى موجز عن اقتحام جهيمان للحرم
قبيل اقتحام الحرم
سبب اختيار الحرم مكانا لتلك العملية :
يقال ان غرضهم الاساسى هو احراج الدولة السعودية واعطاء حركتهم بُعدا اعلاميا لا يمكن اخفاؤه عن العالم، فلقد تساءلت جريدة السفير اللبنانية عن سبب اختيار الحرم خصوصا وان هناك دلائل قوية تشير الى نية المقتحمين الى البقاء كثيرا فى الحرم مثل توفيرهم الغذاء وأهمه التمر ،مع الذخيرة والسلاح واصطحاب نسائهم واطفالهم معهم .
1- مصدر الحصول على السلاح :فكان سهلا الحصول عليه من الداخل ، اذ هاجم المتمردون ثكنة تابعة للحرس الوطنى بالقرب من جدة ،وسرقوا منها اسلحة خفيفة ،بالاضافة الى التهريب من داخل الثكنات ومصانع الاسلحة الصغيرة ،ووفرة السلاح لدى افراد القبائل حيث لم تكن توجد قيود شديدة على امتلاك السلاح او نقله او تجارته .وحصلوا على السلاح من الخارج بالتهريب من سوريا والاردن والعراق،وكان ذلك السلاح من الاتحاد السوفيتى وتشيكوسلوفاكيا ،وقد اعتقلت السلطات السعودية خمسمائة رجل من مهربى الاسلحة بهذا الشأن .
2- ترتيبات ما قبل الاقتحام :استطاع تنظيم جهيمان الحصول على خرائط هندسية للحرم ودراستها لمعرفة المواقع الاستراتيجية الهامة وترتيب خطط الدفاع عنها ،مع توفير الاقنعه لمواجهة قنابل الغاز المسيلة للدموع ،ثم وصلت مجموعات المقتحمين الى المسجد قبل اسابيع من التنفيذ ،واعدت مستودعات الاغذية والذخيرة التى كانت تهرب اليها بمختلف الوسائل ومنها توابيت الموتى، وعن طريق التوابيت تم نقل الاسلحة الى داخل الحرم بالاضافة الى السيارات .
3- هل كان الاقتحام جزءا من عملية كبرى : اشارت الصحف وقتها الى انها جزء من انقلاب لم ينجح ، خصوصا وقد واكبها حوادث اخرى في مناطق متفرقة ، وردت السلطات السعودية عليها باجراءات شامله باغلاق المطارات وتعطيل الاتصالات وفرض حظر التجول فى عدة مدن ، واعتقال مئات من افراد الجماعة من الاحساء وتبوك والرياض والقصيم ومكة والمدينة وجدة والطائف ،واكتشفت الحكومة مخابىء عديدة للسلاح بالاضافة الى حدوث بعض الاشتباكات واعتراف الحكومة السعودية بوجود محاولة فاشلة للسيطرة على المسجد النبوى فى نفس اليوم 20 979.
4- ملاحظات عامة: ويلاحظ ان اغلب المقتحمين كانوا من الجزيرة العربية ،الا ان بعضا منهم جاء من مصر وتونس وباكستان والسودان وايران واليمن وتركيا ، وثار الجدال حول الرجل الثانى فى الحركة ، وهومحمد القحطانى ، فقيل انه مصرى الجنسية كما ذكر والده لصحيفة السفير اللبنانية ، وشارك بعض النساءفى العملية .وهناك تضارب فى عدد المقتحمين ؛ يقال انهم 400 ،وتراوحت التقديرات فى الصحف التى تابعت الموضوع فيما بين 600 الى 4000شخص .وقد حصلت الحركة على دعم مالى عن طريق جمع المعونات من حصيلة بيع الكتب الدينية والتبرعات حتى ممن لا يعرف اهدافهم على اعتبار انهم مسلمون اتقياء.
وقائع الاقتحام :
قبيل انبلاج الفجر يوم(1`0) هـ كانت اعداد كبيرة من السيارات تنزل ركابها فى الشارع المحيط بالمسجد الحرام ،واتجه مئات من الرجال والنساء والاطفال نحو البيت العتيق وهم يهتفون ( الله اكبر ) ودخلوا المسجد الذى كان ممتلئا بالمصلين والحجاج وسيطروا على ابواب الحرم واغلقوها ، ثم سيطروا على مكبرات الصوت واذاعة الحرم ،وفى ذلك الوقت انتهت صلاة الفجر فى المسجد تحت امامة الشيخ محمد بن شبل الامام الرسمى للصلاة فى المسجد الحرام.
بعدها خطب قائد المقتحمين ،وهو جهيمان العتيبى فأعلن رفضه للحكم السعودى واتهمه بمخالفة الشرع وهاجم الاسرة المالكة والامراء ، واوضح اهداف جماعته وآفكارها ومآخذها على البيت السعودى .
ودار مجمل الخطاب حول ثلاثة محاور 1-الخروج على الدولة السعودية 2- قطع العلاقات مع الغرب وحكوماته والنصارى عموما 3- القضاء على الانحراف والفساد فى المجتمع والتشديد فى تطبيق الشريعة.
وفى ختام الخطاب قدم المتحدث (جهيمان )للمستمعين زميله محمد بن عبد الله القحطانى على انه المهدى المنتظر وامام المسلمين، موضحا انطباق صفات المهدى المنتظر عليه ،وطالب المصلين بالتعرف عليه ومبايعته ان شاءوا ،وقد بايعه جميع افراد الجماعه .
وبعدها تم توزيع الاسلحة التى كانت مخزونه فى قبو المسجد ،واتخذ المدافعون مواقعهم فى منارات الحرم ومآذنه المرتفعه ،واستعدوا لموقف السلطات السعودية التى وصلتها الانباء بعد ثلاث ساعات من العملية .
موقف السلطات السعودية
بادرت باتخاذ اجراءات سريعة وقائية مثل تجريد معظم وحدات الجيش والشرطة من الذخيرة ،وتشديد الحراسة على الوزارت والمنشئات الحكومية الهامة ،ووضع الجيش والحرس الوطنى فى حالة تأهب قصوى ، واوكلت الامن الداخلى الى الحرس الوطنى المعروف بولائه للأسرة السعودية ،وحاصرت بعض وحداته ثكنات الجيش ،وفرضت حظر التجول فى مكة والمدينة والطائف بالاضافة الى المنطقة الشرقية اثر انتفاضتها التى رافقت احداث الحرم ، وحدث استنفار اعلامى للتغطية على الحدث مع تشديد الرقابة على المطبوعات والبريد ،واغلاق المطارات والحدود ومنع السفارات السعودية فى الخارج من اعطاء اى تأشيرات دخول للمملكة ،ثم بعد اعادة فتح المطارات والحدود شددت السلطات فى تفتيش القادمين ، وطردت السلطات اعدادا ضخمة من الاجانب ،سواء من المسلمين او العرب خصوصا الباكستانيين والايرنيين ونقلتهم الى بلادهم فى 26 طائرة ، وتعطيل الدراسة فى الجامعة الاسلامية بالمدينة وكلية الشريعة فى مكة حيث كان من طلابها مشاركون فى عملية الاقتحام، وقطع الامير عبدالله بن عبد العزيز –رئيس الحرس الوطنى وقتها –عطلته فى المغرب وعاد سريعا الى البلاد ، اما الامير فهد ولى العهد –وقتها- فقد كان فى تونس وظل فيها يتابع الاحداث، وتشددت السلطات فى التصريح للصحفيين ومراسلى الصحف الاجنبية بالدخول .وأصدر وزير الدفاع (سلطان بن عبد العزيز ) امرا بإغلاق مصانع السلاح والذخيرة ،وقامت السلطات بحركة اعتقالات واسعة فى المشتبه فيهم فى المدينة وجدة وساجر مسقط رأس جهيمان العتيبى ،وفى الاحساء والرياض ومكة وتبوك .
القرار بالاشتباك مع المقتحمين
اصدر وزير الداخلية ( نايف بن عبد العزيز ) البيان فى صبيحة اليوم التالى للعملية (21 979) فأشار الى ان السلطات اتخذت التدابير الكافية للسيطرة على الموقف بناء على فتوى العلماء جميعا لحماية ارواح المسلمين المتواجدين فى الحرم ،وبعد ان رفض المقتحمون عرض السلطات بالاستسلام بدأ العمل العسكرى ضدهم، ولم تكن فتوى العلماء التى اشار اليها بيان وزير الداخلية قد صدرت بعد .
فتوى العلماء:
وصدرت فتوى العلماء يوم 24 979 فى اليوم الخامس للعملية، ونشرتهاالصحف السعودية فى اليوم السادس ، الا انها صيغت على انها صدرت فى اليوم الاول ،وقد وقع عليها ثلاثون عالما ، إذ اجتمع الملك خالد بالعلماء المتواجدين فى الرياض بعد وقوع الحادث واعطاهم التصور الحكومى لما حدث ،ولما تكامل العلماء الى 30 اصدروا الفتوى وكتبوها بتاريخ اليوم الاول لعدم احراج الدولة السعودية التى بادرت بالاجراء العسكرى قبل اصدار الفتوى فعلا، وهكذا اصدرت الفتوى بتاريخ 24 979 ونشرت بتاريخ 25 979 على اساس انها حررت بتاريخ 20 979 …وهذا هو نص الفتوي :
[بسم الله الرحمن الرحيم :الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه ،وبعد :ففى يوم الثلاثاء ،اليوم الاول من شهر محرم عام اربعمائة والف من الهجرة ،دعانا نحن الموقعين ادناه ،جلالة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود ،لدى جلالته فى مكتبه فى المعذر ،واخبرنا ان جماعة فى فجر هذا اليوم بعد صلاة الفجر مباشرة ،دخلوا فى المسجد الحرام مسلحين ،واغلقوا باب الحرم ،وجعلوا عليها حراسا مسلحين ،واعلنوا طلب البيعة لمن سموه المهدى ،وبدأوا مبايعته ،ومنعوا الناس من الخروج من الحرم ،وقاتلوا من منعهم ،وأطلقوا النار على من مانعهم ،وأطلقوا النار على اناس داخل المسجد وخارجه ،وقتلوا بعض رجال الدولة ،وأصابوا غيرهم ،وانهم لا يزالون يطلقون النار على المسجد والناس ،واستفتانا فى شأنهم ومن يعمل معهم ،فأفتينا ان الواجب دعوتهم الى الاسلام ،ووضع السلاح ،فإن فعلوا قبل منهم وسجنوا حتى ينظر فى امرهم شرعا، وإن امتنعوا وجب اتخاذ كافة الوسائل للقبض عليهم ولو ادى الى قتالهم ،وقتل من لم يحصل القبض عليه منهم ويستسلم الا بذلك ،لقول الله تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ،فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين )ولقول النبى صلى الله عليه وسلم :( ومن آتاكم وامركم جميع يريد ان يفرق جماعتكم ويشق عصاكم فاضربوا عنقه)، رواه مسلم .. والاحاديث والايات فى هذا المعنى كثيرة ،ونسأل الله تعالى ان يعلى كلمته وينصر دينه وان يخذل من اراد للاسلام والمسلمين بسوء ،وان يشغله بنفسه ، انه سميع مجيب ،وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم )
تعليق على الفتوى:
1ـ ــ ان الفتوى لم تكن من جميع العلماء كما اشار بيان وزاة الداخلية الاول وانما من 30 عالما فقط ،وهناك عشرات غيرهم لم يوقعوا على الفتوى، اما لانهم معارضون لآل سعود او لانهم معارضون لنص الفتوى او لان آل سعود لم يستدعوهم للتوقيع !! ويلاحظ ان جميع الموقعين يعملون ضمن مؤسسات تابعة للدولة ، رغم أن منهم عددا يتعاطف مع جماعة جهيمان ،الامر الذى كشف عنه فهد واخوه نايف .
2 ـ ان الفتوى اصدرت على اساس ان المعلومات التى قدمها الملك خالد واخوته صحيحة اى كانت المعلومات من جهة الخصم . والجدير بالذكر ،ان مجموعة من المواطنين وجهت سؤالا الى عدد من العلماء الموقعين على الفتوى ، ولفتت انتباههم الى خطأ المعلومات التى استقوها من آل سعود ،والتى ثبت خطؤها .
3 ــ توضح صياغة الفتوى امرين :اولهما :_ان ضغطا حكوميا مورس بحق الموقعين ، وثانيهما :انها لم ترض آل سعود تماما …ومما يدلل على ذلك حذر العلماء فى بعض الجوانب، منها :ان الفتوى نسبت كل المعلومات الى الملك خالد ، مما يعنى انه واخوته الامراء كانوا يريدون من العلماء ان يصدروا شيئا يؤيدهم ، أي ان المعلومات التى قدمت كان هدفها ادانة الطرف المقابل بأية وسيلة ،وليس بهدف ابداء الرأى من اجل حل المشكلة .
4 -ان الفتوى لم تفتح الباب على مصراعيه امام آل سعود لاقتحام الحرم رغم ان الملك قال لهم ان الجماعة هم الذين بدأوا بالقتال ، بل لقد طالبوهم بالاستسلام بصورة تحفظ للحرم قدسيته ،بل وعرضوا علي الملك ان يقوموا بوساطه رفضها امامهم .. واشارت جريدة الوطن الكويتية فى اليوم الثالث للعملية –أى قبل صدور الفتوى بيومين –ان علماء الاسلام نصحوا بتجنب الدماء داخل الحرم المكى ،، وبالطبع كانت النصيحة موجهة الى اركان الحكم السعودى وليس الى داخل المحاصرين داخل الحرم .
5 ـ ويبدو أن آل سعود ضغطوا على العلماء لتبيان ان المعتصمين خارجون على الدين وانه يجوز قتالهم لأمرين :الاول :لانهم بدأوا القتال داخل الحرم ،وثانيا : لانهم خارجون على طاعة ولى الامر ..واذا كان العلماء قد سلموا بالامر الاول على مضض ،وبناء على معلومات الملك ، فأنهم تحفظوا على تسميتهم بالخوارج ، لذا جاءوا بالحديث :( من جاءكم وامركم جميع يريد ان يفرق جماعتكم ،ويشق عصاكم ,فاضربوا عنقه ).
6 ــ اشارت الفتوى الى محاكمة افراد الجماعة شرعا فى حال استسلامهم ،حيث جاء قولهم (فان فعلوا قبل منهم وسجنوا حتى ينظر فى امرهم شرعا ).. وكان تأكيد العلماء على المحاكمة الشرعية امرا هاما ، فالعلماء يعلمون هوية الجماعة ،ويعلمون انها لا تقر المحاكم غير الشرعية التى تأخذ بها جميع اجهزة الدولة ،والتى تستند على قوانين وضعية ،لذا قالوا شرعا ، وفى هذا القول رغم قسوته ، شيء من التعاطف مع الاخوان ، رغم عدم اقرارهم واتفاقهم على الوسيلة التى يلزم بها الاصلاح، وكان يمكنهم ان يقولوا( محاكمتهم ) بدون الحاجة الى ذكر اللفظ (شرعا) التى تعنى ان هناك احكاما غير شرعية ،وان وزارة الداخلية يلزم عليها ان تتركهم للعلماء كي يحاكموهم وليس لها ان تقر الحكم الذى تريده ، وهو الاعدام لحامل السلاح فى وجه الدولة .
وقائع المعركة:
في بدء القتال لم تقدر القوات السعودية جيدا قوة المقتحمين الذين استطاعوا افناء الفوج الاول من المهاجمين ،فعرفوا ان عددهم كبير وان خبراتهم القتالية جيدة ، لذا استدعيت الطائرات الهيلوكوبتر بعد ظهر الاربعاء 21/11/79 لتشارك في العملية العسكرية مع الدبابات .
ويذكر ان بعض الجنود السعوديين رفضوا القتال ،وتم اعدام بعضهم في ارض المعركة ،وبسبب تفشي التردد خصوصا بين الحرس الوطني فقد خطب فيهم الامير سلطان ،ولم يغن ذلك شيئا ،فأحضروا بعض الوعاظ من مكة فلم يستجب لهم الجنود ،واصروا علي ان يصدر الشيخ ابن باز فتوي بذلك ،وهو مالم يكن متوفرا في ذلك الوقت ،فعاد الامير سلطان يخطب فيهم ويمتدح شجاعتهم واخلاصهم واهمية ان يقاتلوا لكي يخلصوا البيت الحرام من الخوارج .واعلن عدد من الضباط الكبار تأييدهم له ،واصبح واضحا ان من يرفض القتال مصيره الي القتل او السجن ،ومع ذلك رفض بعضهم القتال ،ويقال ان بعضهم انضم الي المعسكر الاخر بحجة الحفاظ علي البيت الحرام ،وقدروا عددهم بألف جندي .واستمرت المعارك حتي استطاعت القوات السعودية اخيرا الانتصار علي المقتحمين (وتطهير الحرم وتهيئته للمصلين ) ، وهذا ما اعلنه وزير الداخلية السعودية اخيرا يوم (15/1/1400 ) ( 4/12/1979 ) اذ قال ( انه تم بعون الله وتوفيقه في الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الثلاثاء الموافق 15/4/1400 هـ تطهير قبو المسجد الحرام من جميع افراد الطغمة الفاسدة الخارجة عن الدين الاسلامي ممن كانوا فيه ،حيث اسر بعضهم وقتل البعض الاخر ) . وتم اعدام 63 شخصا من بقايا المقتحمين في صباح يوم الاربعاء 9/1/1980 ،فكانت اكبر عمليات الاعدام في تاريخ البلاد حسبما تقول جريدة النهار .وتوالي بعدها اعدام الاخرين .[6]
نتائج الحركة ودلالاتها السياسية:
1- اتبعت الدولة السعودية سياسة مزدوجة لارضاء المتدينين الوهابيين والعلمانيين المدنيين ،وهي التركيز في الخطاب الديني الرسمي علي ان الاسلام دين التوسط والاعتدال وإسلامية ال سعود وان عصيانهم غير مسموح به طالما يطبقون الشريعة ،وعلي هامش هذا الخطاب بدأ انتقاد التشدد والتعصب ،وفي نفس الوقت فرضت الدولة بعض القيود علي عمل المرأة وعلي الاجانب لكي يراعوا تقاليد المجتمع ،واغلقت نوادي الفيديو .ولتهدئة العلمانيين وعدت الدولة بتقديم دستور وتشكيل مجلس شوري ،وامر الملك خالد في 18/3/1980 بتشكيل لجنة يرأسها الامير نايف وزير الداخلية لاستكمال اعداد مشروع الدستور واعداد برنامج الشوري ، واتيح المجال للصحف كي تكتب في الموضوع وتوضح انه ميراث اسلامي ،ومع ان فيصل ذكر الدستور والشوري في برنامجه الاصلاحي ذي النقاط العشر ،الا انه لم يحقق ذلك .[7]
2-من ناحية اخري فبرغم الود المفقود بين جهيمان والشيعة ،الا ان الشيعة في المنطقة الشرقية قاموا بانتفاضة سياسية في نفس التوقيت مع جهيمان ،واشترك في هذه الانتفاضة اربعمائة الف شيعي بعد خمول سياسي استمر طويلا ،وسقط في هذه الانتفاضة عشرون قتيلا ، واعتقل المئات .وقد اندلعت الانتفاضة في الاحتفال الشيعي بعاشوراء الذي وافق 27 نوفمبر ،وكان سهلا في مثل هذا التجمع وفي تلك الظروف ان تتحول مسيرة عاشوراء الي مظاهرة سياسية ، وهذا ما حدث ،وتدفق عشرون الف جندي لفض المظاهرات ،الا ان المسيرات الشيعية استمرت طيلة الشهرين التاليين ..[8]
3- علي ان الدلالة الكبري لمأساة الحرم تتجلي في مشكلة الوهابية السلفية التى تتيح الفرصة للمزايدة السياسية والدينية ، وتعطى من يشاء التكلم باسم الشرع والخروج على الحاكم الوهابى . وواضح أن الدولة السعودية تحتاج الى إجتهاد دينى يخرج عن نطاق الوهابية ويستشرف القيم الاسلامية العليا ، وإلا ستكون تلك الدولة ضحية متجددة لوهابيتها . ولكن التمسك بالوهابية وتحريم وتجريم نقاشها ونقدها وإعتبارها الصورة الصحيحة الوحيدة للإسلام يعني اتاحة الفرصة للخروج علي الدولة من داخل ايدولوجيتها الدينية الوهابية ، كما حدث من قبل فى عهد عبد العزيز .
ثالثا : قراءة في الايدولوجية الوهابيية لجهيمان العتيبي من خلال رسائله :موقف الشيوخ الوهابين من جهيمان : رأي جهيمان في شيوخ عصره في المملكة :موقف جهيمان من الدولة السعودية :منهج جهيمان في رسائله .تعقيب علي منهج جهيمان في رسائله
موقف شيوخ الوهابية من جهيمان
بين ناصر السعيد وجهيمان
يلفت النظر في موضوع المقارنة بين ناصر السعيد وجهيمان العتيبي ان ناصر السعيد قد لا يحظي بالترحيب لدي الرأي العام السعودي بالمقارنة بجهيمان .مع ان ناصر السعيد كان مسالما في دعوته .صحيح انه كان حاد اللسان والقلم في نقد ال سعود الا انه لم يدع الي ثورة مسلحة عليهم ،في عصر كانت فيه الثورات والانقلابات اهم الانباء .اما جهيمان فقد اسفرت دعوته الدينية عن حركة مسلحة في اعظم الامكنة تقديسا لدي المسلمين وهي بيت الله تعالي الحرام الذي جعله الله تعالي مثابة للناس وامنا .والسبب في ذلك ان ناصر السعيد اعتمدت معارضته الدينية علي منهج ديني جديد يخالف الفكر الديني الوهابي السائد ،ولم يكن يخفي عداءه لرموز الفكر الوهابي ،بينما خرج جهيمان من عباءة ذلك الفكر نفسه وحاول باخوانه ان ينجح فيما فشل فيه الاخوان سابقا في عصر عبد العزيز.
وهكذا فانه اذا كان من السهل اتهام ناصر السعيد الذي كان يعيش مطاردا في المملكة ثم خارجها ، فلم يكن سهلا التشكيك في ايمان جهيمان العتيبي مع انتهاكه لحرمة البيت الحرام لانه يعتمد في كتاباته علي مؤلفات ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب ويستشهد بأحاديث نبوية سلفية وتفسيرات مأثورة للوهابية يقيم عليها المذهب الوهابي دعائمه .
وبذلك اتضحت اهم معالم شخصية جهيمان …انه ملتزم بالفكر الوهابي المجرد ويريد تطبيقه علي العصر ،او بمعني اخر حمل عصره علي تقبل الفكر الوهابي السلفي وفق مفهوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .وشأن أي داعية دينى متشدد فان جهيمان يعتقد انه علي الحق المطلق ومن يخالفه في الرأي يكون مستحقا للانكار ،حتي ولو كان من زملائه وشيوخه من علماء الدين .
وندخل بذلك علي العلاقة المعقدة بين جهيمان وعلماء الوهابية في وقته .
موقف الشيوخ الوهابيين من جهيمان :
يلاحظ تثاقل علماء الوهابية في تأييد السلطات السعودية ضد حركة جهيمان العتيبي برغم فظاعتها ، وبرغم حرص السلطات علي تعبئة علمائها لمواجهة تلك الكارثة التي احرجتها داخليا وخارجيا ..ولم تكن فتوي العلماء التي صدرت متأخرة اربعة ايام لترضي مطالب الحكم السعودي ،،مما دعا الامير نايف وفهد الي الاعتراف بوجود من يتعاطف مع جهيمان من الشيوخ .
واخطر مافي الفتوي قولهم (فان فعلوا قبل منهم وسجنوا حتي ينظر في امرهم شرعا )، وقد سبق التعليق علي هذه الفقرة وغيرها ،ولكن نضيف هنا ما يؤكد علي تعاطف الشيوخ مع جهيمان وهو ان الفتوي جعلت مصير جهيمان واعوانه امرا داخليا ،أي ان الذي يحكم عليه هو الشرع وليس القوانين الوضعية او العقوبات السياسية العسكرية ،وطالما تعلق الامر بالشرع فاولئك الشيوخ انفسهم هم القضاة ،وعندها يكون صعبا او مستحيلا ادانة جهيمان بالردة ،و كل مؤلفاته سلفية وهابية يحتج فيها علي علماء الدولة عدم التطبيق الحرفي والكامل للتقاليد السلفية كما قالها ابن تيميه وكما ارساها ابن عبد الوهاب .وحتي لو مارست السلطات ضغطا علي العلماء فان السوابق التاريخية في محاكمات العلماء هو العفو عن المتهم بحجة الجنون اذا كان زملاؤه من القضاة متعاطفين معه ،هذا بالاضافة الي ان محاكمة جهيمان وسماع اقواله من شأنها ان تتحول الي محاكمة للسلطات السعودية ذاتها .
وكان من الطبيعي ان تفوت السلطات السعودية علي العلماء هذه الفرصة ،فتم التحقيق مع جهيمان واعوانه بسرعة بعيدا عن العلماء ،واقترن التحقيق بدلائل للتعذيب واهانة المتهمين ،وظهر هذا علي شاشة التليفزيون السعودي نفسه ،وعكستها تعليقات بعض الصحف العربية والاجنبية ،ثم بعد التحقيق اعدمت السلطات (180 ) شخصا سرا وبدون اعلان وبدون محاكمة ،ولكن بالامر المباشر ،وبدأ ذلك بأمر الملك خالد لوزير الداخلية في 9/1/1980 باعدام 63 في ثمان مدن في المملكة في الساحات العامة ، وذكرت جريدة الدستور الاردنية في 10/12/1979 ان وزير الدفاع سلطان بن عبد العزيز قال ( انه طبقا للقرآن الكريم سوف تقطع رؤوسهم جميعا بغض النظر عن جنسياتهم)، أى نصب نفسه قاضيا وجلادا فى نفس الوقت . وكان هذا قبل استكمال التحقيق ،وتم التنفيذ بدون محاكمة .
وقد قدم وزير الداخلية مقترحات بشأن عقوبة الاعدام وغيرها الي الملك ،فوافق عليها الملك واصدر امرا ملكيا بتنفيذها ،وذلك بتاريخ 9/1/1980 م ..ومما جاء في الامر :
( فقد اطلعنا علي ما رفعتموه لنا من الاعترافات التي ادلي بها المجرمون الذين اعتدوا علي الحرم ،وادخلوا فيه السلاح والذخيرة ،واغلقوا ابوابه علي المسلمين الذين ادوا فيه صلاة الفجر في اليوم الاول من شهر محرم المنصرم عام 1400 هـ ،وقد روعوا المسلمين الذين في الحرم الذي جعله الله امنا للناس ،وسفكوا الدماء المحرمة ،وازهقوا الارواح البريئة بغير ذنب ،واجبروا الناس فى الحرم علي مبايعة احد افراد الفئة الضالة المفسدة زاعمين انه المهدي ،وهددوا من لم يستجيب بالسلاح ..
واستنادا الي فتوي من اصحاب الفضيلة العلماء ،ولأن هيئة كبار العلماء اصدرت في دورة مجلسهم الخامسة عشر بيانا استنكروا فيه هذه الجريمة الخطيرة. وهذا البيان يحتم علينا معاقبتهم عقوبة تزجر الفساد ،ونرضي بها الله سبحانه وتعالي ،ولأننا تلقينا الفتاوي التي تبين جزاء هؤلاء ،منها ما هو مشافهة من افواه العلماء ،ومنها ماهو محرر من عدد اخر من كبار العلماء ،وفيها قولهم عن هؤلاء المفسدين ما نصه :(نفيدكم سلمكم الله ان هؤلاء لهم حكم المحاربين الذي قال الله فيهم (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم )،ثم امر الملك ووزير داخليته (وعلي هذا فاعتمدوا قتل الاشخاص الموضحة اسماؤهم بالبيان المرفق ..اما الذين لم يكن جرمهم كجرم هؤلاء ،وانما كان لهم مشاركة في مساعدتهم المجرمين بتمويلهم وتوزيع الذخيرة والاسلحة عليهم او حراسة الابواب لهم ،هؤلاء لن يكون جزاءهم القتل ،وانما سيكون جزاءهم السجن ،وسنبلغكم بالتحديد مدة السجن لكل واحد منهم في وقت لاحق بعد تقرير العقوبة علي كل واحد حسب جرمه ،اما النساء اللاتي شاركن في مساعدة هذه الفئة الفاسدة بالخدمة وتقديم الماء والطعام وتوزيع الاسلحة والذخيرة ،فستسجن كل واحدة منهن سنتين ..واما الصبيان الذين شاركوا في الجريمة ولم يبلغوا الحلم ،فيدخلوا في دار للرعاية لاستصلاحهم وتعليمهم حتي يكونوا اعضاء صالحين في مجتمعهم الاسلامي ).
ويلاحظ ان فتوي العلماء الصادرة في اليوم السادس للاحداث (25/11/1979 ) لا يمكن الاستناد اليها في اطلاق حكم الاعدام ،لأنها لم تصدر عن محكمة ،وتخلو من أي امر بالاعدام ،بل ورد فيها مسألة المحاكمة الشرعية ،كما انها صدرت لاعطاء رأي في موضوع القتال داخل الحرم ،وليس لاعطاء حكم …وبيان هيئة كبار العلماء صدر قبل اسبوع من اطلاق الحكم ،وليس فيه اشارة الي اعدام المعتصمين ،لأن الموقعين ليسوا الجهة التي تولت المحاكمة والتحقيق ..وقد نشرت الصحف السعودية هذا البيان في 3/1/ 1980 ووقع عليه 16 من الشيوخ، وتضم سبع تهم لجهيمان واخوانه،ولكن ليس فيه اشارة لاعدامهم ،ويقول الملك انه تلقي فتاوي تبين جزاء المعتصمين مشافهة من بعض العلماء ،فكيف يأخذ برأي هؤلاء في موضوع حساس كهذا بالتليفون ودون محاكمة ؟! …ثم من هم هؤلاء العلماء الذين زعم الملك بأنهم اعطوه حكم الاعدام مشافهة ،او مراسلة ؟!! ،ثم لماذا لم يدع الحكم السعودي الامر لرجال الدين حتي يقرروا من يعدم ومن يسجن ،فهذه مهمة القضاة الشرعيين ،وليست مهمة الملوك .
ولا شك ان بعض الامراء كانوا يعلمون مقدار تعاطف العلماء مع الاخوان ،ولا ادل علي ذلك تصريحاتهم …فوزير الداخلية ضاق ذرعا بدفاع رجال الدين الذين كانوا يطالبون في فترات سابقة باطلاق سراح افراد الجماعة ،فقال في ندوة مع طلبة جامعة الرياض (الملك سعود ) :ان المعتدين كانوا معروفين لدي اجهزة الامن ،وقد سبق ان اوقفوا وقبض عليهم ،ولكن المشكلة انهم كانوا يستترون وراء الدين ،ويتصرفون باسم الاجتهاد والارشاد وخدعوا الكثير من الناس ..اننا كمسئولين كنا عندما نوقف احدا منهم ،نجد من يقول ان ليس وراءهم أي شئ .. ان تحركات المجموعة لم تكن خافية علي رجال الامن ابدا ،والدليل ان من بين المهاجمين من كان مقبوضا عليه قبل الحادث وافرج عنه نتيجة تعهدات اعطاها من كفله ).
بيد ان ولي العهدآنذاك (فهد ) اجاب بصراحة نفس اليوم ،فقال (وللامانة اذكر اننا اتخذنا في بعض الاحيان اجراءات ضدهم في السابق ،لكن رجال الدين وهم كثيرون عندنا كانوا يتدخلون للافراج عنهم ) وسأل سليم اللوزي ،نايف (يروي انكم حاولتم القبض علي السيد جهيمان العتيبي فلم تستطيعوا الامساك به ؟؟) اجاب : ( قبضنا عليه من قبل ،وتدخل بعض رجال الدين فافرجنا عنه وعن رفاقه )..
وبغض النظر عن صحة قول نايف بانه قبض علي جهيمان ام لا ،فأن من الواضح من اقوال ال سعود انهم متذمرون من رجال الدين الذين يدافعون عن الجماعة ..وقد قال اللوزي صراحة (الذي استطعت ان التقطه من افواه الناس في مكة ،ان حركة جهيمان ليست جديدة ،بل كانت معروفة وترجع الي ما قبل خمس سنوات ،لقد كان جيهمان يتردد علي الجامعة الاسلامية ،وكانت له اتصالات ومناقشات وصولات مع الشيخ عبد العزيز بن باز ،وهو احد اشهر علماء الدين في السعودية ،كفيف البصر ،يشغل منصب الافتاء في المملكة [9].
اذن تعاطف بعض الشيوخ مع جهيمان واخوانه قبل حركته وبعدها ،وهذا يستدعي تفسيرا اكبر من مجرد الاتفاق في الايدولوجية الوهابية ،لأن هذا التعاطف مع جهيمان كان يعني خذلانا للدولة وقت المحنة ،والمحنة هنا لا تقتصر علي الدولة السعودية حامية الحرم ،ولكن تصل الي كل مسلم يؤمن بقدسية البيت الحرام .
وتفسير هذا التعاطف يمكن فهمه من خلال عاملين متناقضين هما (علو ) المد السلفي منذ السبعينيات مع (خلو) هذا المد السلفي من التجديد الذي يواكب العصر ،والعاملان معا يفسران ازمة النظام السعودي مع ايدولوجيته الوهابية .
لقد سبقت الاشارة الي علو المد السلفي بسياسة الملك فيصل التي اتبعها خليفته خالد ،فالدولة السعودية كانت مع التحديث التكنولوجى دون التحديث الفكرى الدينى . ومع كثرة المؤسسات التعليمية والدينية العاملة في حقل الوهابية والمعتمدة على أجهزة العصر التكنولوجية ( بعكس عصر إخوان عبد العزيز منشىء الدولة ) الا انها لم تفرز عقلية مجتهدة ،وبالتالي فان هذا المد الهائل في التيار السلفي بعلمائه وشيوخه وانتاجه الثقافي ومؤسساته ونفوذه كان يعيش علي التقليد دون تجديد ،مما عمق الفجوة بين الدولة (التي تريد التحديث ولا تستغني عنه والتي لابد ان تعيش العصر وعلاقاته السياسية المعقدة ) وبين هذا التيار التقليدي صاحب النفوذ والذي لايزال ينظر للعصر من خلال اجتهادات الائمة السابقين في العصور السابقة .ومن هنا يضمر الانتقاد للدولة علي سياستها ،ولأنهم جميعا يعملون في اطار الدولة ولا يستطيعون معارضتها علنا فان المنتظر منهم ان يتعاطفوا مع من يتصدي لمواجهة الدولة راغبا عن التوظيف لديها ،بل يخرج عليها حاملا نفس النصوص والفتاوي التي يؤمن بها العلماء ومعلنا نفس الانتقادات التي يضمرها العلماء ،ويضحي بحياته في سبيلها .
وثمة ناحية اخري ،فالعادة في التوظيف السياسي للدين ان يكون الاكثر تشددا هو الاعلي صوتا وقد يحظي بتأييد القاعدين واحترامهم ، ومع خلو الساحة الدينية من الاجتهاد الديني الذي يساير العصر فان الاكثر تشددا يحظي بالاعجاب اذا وقف في خندق المعارضة ..وهكذا كان جهيمان بالنسبة لعلماء عصره ،فكيف نظر جهيمان لعلماء عصره ..؟
رأي جهيمان العتيبى في شيوخ عصره في المملكة :
برغم عدم موافقة العلماء لاقتحام جهيمان واخوانه الحرم ،فأن الفجوة استحكمت بين اغلبهم وبين السلطات السعودية . ليس فقط بشأن الفتاوي التي لم يوقع عليها كل العلماء التي لم ترض السلطة السعودية ،ولكن ايضا لرفض اولئك العلماء اساليب تعامل السلطات مع المتهمين وحكمها بالاعدام علي اغلبهم ،وكان ابن باز ممن وقف الي جانب جهيمان في دعوته قبل حادث الحرم ،وبنفوذه خففت السلطات السعودية وطأة التعذيب والملاحقة التي كان يشنها ال سعود ضد أتباع جهيمان .[10]
الا ان جهيمان في رسائله التي كتبها قبل الحادث يفيض كراهية للعلماء وبغضا لهم .ويمكن توضيح ذلك علي النحو الاتي :
1- هجومه علي العلماء وتحذيره منهم والنهي عن طاعتهم :
في هجومه عليهم يسيتشهد بحديث (غير الدجال اخوف علي امتي الائمة المضللون )ويعتبر المسيح الدجال اهون شرا من خصومه الحكام والعلماء ،يقول (فوالله للدجال اهون علينا منهم ،فأن الدجال ظاهر امره ،اما هؤلاء فملتبس امرهم علي كثير من الناس باسباب من يعيش تحت ايديهم من مشايخ المداهنة والمعاش والرواتب والمراتب )[11ٍ].
ومن ناحية اخري يري انه ينطبق عليهم قوله تعالي (واتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا فانسلح منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ،ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او ترتكه يلهث : الاعراف 175 :176 ) ،ويقول فلا تنخدع باسماء هؤلاء الذين يلقبون بكبار العلماء وغير ذلك ،وانظر الي اعمالهم بعد سماع القابهم فانك تجدهم قسمين الا ما شاء الله :القسم الاول :قد لحق بالسلاطين ،فتجدهم علي ابوابهم مثل شرطة السلاطين، واذا دخلت عليهم نظر احدهم اليك ليري مظهرك ،فان وجدك من الذين تعجب اجسادهم ويتبخترون في زينتهم القي اليك وجهه ووضع قلمه ولا ينكر عليك فيما رأي فيك من المخالفات . وان رآك رث الهيئة استمر في عمله ،وان اكترث عليه الالحاح تغير وجهه وربما دعا شرطيه لاخراجك وربما سجنك …اما القسم الثاني :فقد قنعوا بالشهادة (أي الشهادة العلمية الجامعية ) واقبلوا علي التجارة فتجد مجالسهم ليلا ونهارا عامرة بالبيع والشراء .وبعد فهل يقال لهؤلاء ورثة الانبياء ؟) .وفي نفس الصفحة يقول عنهم (العلماء الذين نافسوا السلاطين والتجارة والذين احدثوا للمجتمع الدمار ولم يرفعهم الله بكتابه وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم لانهم اخلدوا الي الارض واتبعوا اهواءهم )[12]
وتعليقا علي اتهامه بأنه خارجي من جانب بعض العلماء ،يقول (وهذا الصنف الاخير فيه شبه من احبار اليهود الذين يأكلون اموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله )[13].
وفي موضع اخر يصفهم بانهم دعاة الضلالة المذكورون في حديث خروج الدجال ،ويقول (فأنك تجد هذا الوصف منطبقا علي الناس اليوم ،فكم من الجماعات وكم من الدعاة الذين يدعون الناس ويهدون ولكن بغير هدي النبي صلي الله عليه وسلم ،ويستنون بغير سنته )[14].
وبالتالي يؤكد علي التحذير منهم يقول (فكل من تشبه بأهل النفاق او الكفر او البدع ،وشاق الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ،وكل من صد عن سبيل الله ،واتخذ من دونه اولياء وكل من سعي في الارض فسادا باي شكل من الاشكال ،وكل من صرف الناس عن الحق ولبّس عليهم دينهم ،وقال علي الله بغير علم يجب علي كل مسلم ان يرد الباطل ويحذر الناس من شره )[15]
ويقول محذرا من طاعتهم بعد ان جعلهم شرا من الدجال (وبعد هذا كله فهل تجب طاعة هؤلاء الائمة المضلين الذين هم اخطر من الدجال ؟)[16] وفي موضع اخر يستشهد بأقوال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في انواع الشرك الاكبر ،ومنها شرك الطاعة فيقول ( قلت :وتفسيرها طاعة العلماء والعباد في المعصية )ويستشهد بشرح الشيخ ابن عبد الوهاب في باب من اطاع العلماء والامراء في تحريم ما احل الله او تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم اربابا من دون الله .ويستشهد ايضا بأقوال ابن تيمية في نفس الموضوع مؤكدا انطباق ذلك علي خصومه من علماء عصره .وان طاعتهم من ضمن انواع الشرك بالله سبحانه وتعالي [17].
2- استثناؤه الشيخ ابن باز من الهجوم :
لم يصل هجوم جهيمان الي الشيخ ابن باز ،وان كان قد المح الي انتقاده حينا ،ودافع عنه احيانا ،وهو بذلك يعبر عن حيرة الشيخ ابن باز نفسه بين ولائه للفكر التقليدي الوهابي وولائه للنظام السعودي ووظيفتة الرسمية فيه .فالشيخ ابن باز مع افكار جهيمان الوهابية السلفية ،ولكنه لا يوافقه علي تخصيص هجومه بهذا الفكر علي الدولة السعودية .وجهيمان يتأثر بموقف الشيخ منه علميا او سياسيا ،الا ان جهيمان في كل ما يقول يعتبر الدولة السعودية المسئولة ويفردها بالهجوم في حديثه عن الشيخ ابن باز .
يقول جهيمان عن الحكام السعوديين (وقد رأينا حيثما ننصحهم انهم يحتجون علينا بالشيخ عبد العزيز ابن باز وامثاله ،فنقول: المعروف عن الشيخ حفظه الله وعافاه مما هو فيه ان انكاره غالبا انما هو جواب عن سؤال اذا سئل ،اما ان يبادر الي انكار المنكر مع انه ركن من اركان الدولة فذاك لوانهم ابقوا مكانته عالما يعلم الناس الخير ،لكن انما هو الان موظف اداري ويخدعونه بـ (ابونا ) و(والدنا )و ( شيخنا )وغير ذلك من اطراءات المنافقين ،وانما يأخدون منه ومن علمه ما وافق اهواءهم ،فاذا خالفهم في الحق لم يتحرجوا في مخالفته ورد الحق ،وهو يعلم ذلك جيدا ،نسأل الله ان يزيدنا واياه بصيرة ،ونحن نعلم انهم انما جعلوا في مثل هذه المنزلة الشيخ ابن باز وامثاله ممن يثق الناس بدينهم وعلمهم ،اختاروهم من غير المبصرين لئلا يروا كثيرا من المنكرات ،واذا لاقوهم تدهنوا بالطيب وقبلوا جباههم وداهنوا معهم ونافقوا حتي يزيلوا ما في انفسهم ان كان قد وصل اليهم شئ من اخبارهم السيئة .ولكن هذا من مداخل الشيطان التي يدخل بها علي من يقتدي الناس به من علماء المسلمين ليضلوا ويضلوا ).
وهنا يضع جهيمان اكثر المسئولية علي الحكام السعوديين الذين يقول في موضع اخر عنهم (فانهم علي الاقل لا يبالون بنصح ولا ناصح ،فخير من ينكر عليهم اليوم هو الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله ،ولكنه مستمر في الانكار وهم مستمرون في المنكر ،وهكذا فهم يلقون السفينة في الموج لتغرق ، وهو متعلق فيها ينادي بالنجاة، والسفينة لا تزداد الا اضطرابا )
الا ان هذا الاضطراب المشار اليه لا يلبث ان يلحق برأس جهيمان في موضع اخر من رسائله فيلمح بانتقاده بوضوح اكثر ،يقول عنه ( ثم نظرنا في الشيخ عبد العزيز بن باز فوجدنا رجلا عنده علم بالسنة ولكن لا يشنع علي من خالفها ،ويذكر مخالفات الدولة في كثير من المسائل ،ولكن كثيرا ما يعتذر عنها ويدعو لهم –أي لال سعود - .. واذا ذكر عند الشيخ من يخالف السنة قال في بعض الاحيان لا بأس ،واكبر ما يجعلنا ننفر منه تعلقه بهذه الدولة –السعودية –الملبسة ،حتي رأينا اثر ذلك عليه ،عافاه الله مما هو فيه ).
اذن تركز انتقاد جهيمان للشيخ ابن باز في علاقة الشيخ بالدولة وعدم انكاره الصريح عليها ،مع تسليم جهيمان بعلم الشيخ ابن باز بالسنة ومحافظته عليها .ويقول جهيمان انه عرض علي الشيخ ابن باز بعض رسائله ومنها السبع رسائل و(نصيحة الاخوان ) و(رفع الالتباس ) يقول جهيمان عن ابن باز (فما انكر شيئا الا التخصيص علي هذه الدولة –السعودية –بالذات ونحو ذلك …فلم نوافقه عليه لاعتقادنا انه حق يزول به اللبس عن كثير من الناس )[18].
أي ان جهيمان مع شدة هجومه علي العلماء فانه كان يعترف بعلم الشيخ ابن باز واتفاقه معه في الرأي ،ولكن يتمثل الخلاف بينهما في علاقة الشيخ بالدولة وعدم مسايرته لجهيمان في تخصيص هجومه السلفي عليها .وبالتالي يتضح ان اسباب كراهية جهيمان لخصومه من العلماء واسباب انتقاده لابن باز تتركز في عاملين يرتبط كل منهما الاخر ،وهو ولاء العلماء للدولة السعودية ،وعدم قيامهم بواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .وذلك يستلزم المزيد من التفصيل .
3- ولاء العلماء للدولة السعودية من اسباب كراهية جهيمان لهم :
خروج الاخوان علي المؤسس عبد العزيز هو المحرك الاساسي لجهيمان في معارضته للدولة السعودية ،وقد عرفنا ان جده المباشر قد لقي مصرعه في موقعة السبلة .وفي خصومته للعلماء المعاصرين له لا ينسي موقف العلماء الذين ناصروا عبد العزيز من قبل ضد الاخوان واتهموهم بأنهم خوارج ،خصوصا وان خصوم جهيمان في عصره اطلقوا عليه وعلي اخوانه نفس اللقب (الخوارج ) .
يقول جهيمان عن الحكام السعوديين (وان خالفتهم قتلوك بشبهه يسكتون بها الارنب ،فيقولون هو خارجي ) ثم حكي موقف الاخوان من عبد العزيز حين ثاروا عليه لرفضه محاربة الشيعة في العراق ،يقول عن عبد العزيز والعلماء وموقفهم من الاخوان (لقبهم هو ومشايخ الجهل الذين معه لقبوهم باسم يكرهه اهل الاسلام وهو الخوارج )[19].
وبالتالي امتدت كراهية جهيمان من الماضي الي الحاضر ،خصوصا وان خصومه من العلماء كانوا يتفانون في خدمة الحكام ،يقول عنهم ( مع اعتقادنا ان بقاءهم اليوم هدم لدين الله عز وجل ولو كانوا يدعون الاسلام ،نسأل الله ان يريحنا منهم اجمعين ) ثم بعد ذلك الحديث عن الحكام ينتقل ليعلن الكراهية لاتباعهم من العلماء فيقول ( اقول هذا مع شدة بغضنا لمن شد علي اعضادهم من اهل العلم خاصة ،ونعتقد انهم سبب الشر للحاكم والمحكوم ،لأنها لا تجتمع ولا تتفق طائفة حق وطائفة باطل ويسيرون صفا واحدا ولا تعمل احداهما علي ازالة الاخري الا بوجود من يجمع بينهما وذلك بمداهنة من فوقه والتلبيس علي من تحته ،فأن اراد شخص ان ينصح المحكوم قالوا :ما انت بأعلم من الشيخ فلان صاحب المنصب الفلاني ،وان اراد ان ينصح الحاكم قالوا عندنا من هو اعلم منك ،وعلي هذا استقام حكم اكثر الدول ،وامتازت دولتنا بقسط وافر من هذا التلبيس منها ومن علمائها )[20].
ويري جهيمان ان عملهم بالدولة هو الذي حملهم علي التقصير في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ويجعل ذلك من مداخل الشيطان التي يضل بها العلماء وقد (تعلقت نفوسهم بالوظائف الحكومية ورأت انها مصدر الرزق الوحيد ،مع انهم لا يعيشون فيها الا علي حساب الدين بالمداهنة وعدم انكار المنكر من جلسائهم ورؤسائهم والقوانين والمواد والانظمة التي يسيرون عليها )[21].
ويروي في ذلك شعرا عاميا يقول عن العلماء :
تشبهوا بالكفر في كل الاقطـــار ويبغوا رجال الدين مثل الكباشي
قوم تري ترك الوظائف من العار ولا ينكر المنكر اذا مر ماشــي
هم يحسبون الدين به قطف الثمار وملاعبة من تلبس الــغواشي[22]
والواضح ان اهمال فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تتخلل كراهية جهيمان للعلماء بسبب علاقتهم بالدولة ،وهذا يؤكد صعوبة الفصل بين العاملين في عقلية جهيمان ،اذ يكره الدولة لعدم اقامتها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يراه من فجوة بين النص والتطبيق ، وبالتالي يكره العلماء العاملين لدي الدولة في تقاعسهم عن هذا الواجب ..
وفي رسائل جهيمان تفصيلات اكثر توضح ان سبب نقمته علي العلماء تتجلي اساسا في تقاعسهم عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4- تقاعس العلماء عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب اساسي في كراهية جهيمان لهم :
وهنا جهيمان (ينكر ) علي خصومه العلماء ضعف او قلة او عدم انكارهم علي ما يستحق الانكار من وجهة نظره وتأثير ذلك الموقف علي سلوكياتهم وعلاقتهم بالسلطة وعلي الناس .
ونتوقف اولا مع (انكار ) جهيمان علي (انكار ) العلماء .
ونراه اولا يقسم رجال الدين الي صنفين يراهما سبب هدم دين الاسلام وصرف الناس عنه ،وهما الصوفية وعلماء السلطان ، ثم يلحق بهما المطاوعة والمرشدين ،ويقول عن المطاوعة (وهؤلاء اتخذوا من اهل المنكر بمنزلة الوالد فهم يخفضون له جناح الذل من المسكنة ،وتجد المنافقين يثنون عليهم ويسمعونهم الثناء ،ويقولون فلان دينه زين لأنه لا ينكر المنكر ،واما المرشدون فيتكلمون في العبادات كالصلاة والصوم والحج ،واما الاصل وهي ملة ابراهيم عليه السلام ومقاطعة اهل الباطل والتبري منهم وانكار المنكر فانهم لا يتطرقون اليه لانه يبين مخازيهم ومخازي من يعيشون تحت ايديهم .وان اخطأ من لا سلطة له شنعوا عليه .واما القضاة ومشايخ المحاكم فلا داعي للتطرق اليهم لأنهم قد لحقوا بالسلاطين )[23]أي انه ينكر علي كل اصناف العلماء .
وبين سطور رسائله ينكر علي العلماء الذين يقولون مالا يفعلون .يقول ان الكثير منهم انشغل بأمر العامة (يقضي جميع اوقاته فيقول هؤلاء فعلوا واحدثوا ،وفي المكان الفلاني فساد ،وفي المجلة الفلانية مقال كذا ،وفي وزراة كذا امر كذا ونهي عن كذا ،ويشتغل بتعداد المنكرات التي تنشرها الحكومة ،ثم احيانا يقول هؤلاء كفار ،وان كان يعمل عندهم قال هم مسلمون ويريدون الاصلاح ولكن الفساد من المسئولين ويجب علي الحكومة ان تفعل كذا ولابد ان يكون كذا وكذا …و…وهلم جرا ..من ضياع الاوقات والتلاوم ،مع انه يدري ان القوم عازمون علي ماهم عليه ،وانهم يمكنون باطلهم بالسيف ،ولو كان المخالف لهم اقرب قريب ،ولكنه يشغله الشيطان هكذا .وفي كل الاحوال تجده في احواله مقصرا قصورا كبيرا ،فلا يتعلم دينه العلم الثابت الصحيح ،وبيته ملئ بالصور لا يطمسها ،ويخالط الناس لا ينكر المنكر اذا رآه ،والقرآن مقصر فيه لا يتلوه ،وان تلا لا يتدبره ولا يتفقه فيه ، ولو فعل هذا واشتغل به وترك امر العامة لكان خيرا له ) ويقول في موضع اخر عن هذا الصنف من العلماء (وخلاصة حججه هذه كلها علي اختلافها ان يبرر موقفه حيث فعل بلا امر والقول بلا فعل ،يتجلي لك في كثير من الامور من اهمها قول الكثير من الناس نحن نغير المنكر ونحن نتبع السنة ونحن لا نرد الحق ونحن لا نطيع الحكومة في معصية الله ،وغير ذلك ،فاذا نظرت الي حقيقة اقوالهم وجدتهم يقولون مالايفعلون )[24].
وعقد جهيمان فصلا في بيان ملة ابراهيم ورأى انها تقوم علي اصلين هما اخلاص العبادة لله تعالي والتبرؤ من الشرك واهله واظهار العداوة لهم ،ثم يلتفت الي علماء عصره فيري منهم من ينكر علي الذين يقدسون القبور الصوفية واهل البدع ،ومنهم من ينشغل بالتعصب المذهبي وتنقية الحديث النبوي مما ادخل فيه ،وطائفة افتتنت بالرد علي الشيوعية واثبات وجود الخالق والسعي الجاد في السيطرة علي الحكم ،وهناك طوائف اخري لا داعي للخوض فيما هم فيه لأنها تقوم علي الجهل .ويري انهم جميعا ينكرون علي من ليست له سلطة في يده (وانهم سكتوا عن اصحاب السلطات فيما يقومون به من هدم لدين الله ) ويقول انهم يشبهون من يقيم الحد علي الضعيف ولا يقيمه علي القوي (ان اخطأ من لا سلطة في يده شددوا عليه وعادوه ،وان اخطأ اصحاب السلطان الذين يعيشون تحت ايديهم ويخافونهم ويرجونهم التمسوا لهم العذر ،فأن لم يجدوا لهم عذرا التمسوا لأنفسهم العذر بالضعف وعدم القدرة علي التغيير )[25].
وكما انكر جهيمان علي نوعية انكار العلماء نراه ينكر علي بعضهم سكوته عن الانكار .
فيقول ان بعضهم عاش تابعا للسلاطين (يبايعونهم ويسكتون عن باطلهم ،وربما اخذ شيئا من دنياهم وتبوأ بها رباطا او مسجدا حتي يقال بني علي نفقة الشيخ فلان ) ويري انهم ساروا علي غير سنة النبي فعاد امرهم في اخره (الي التراخي والمداهنة والسكوت عن المنكر حتي خلا المجال للشر واهله ) ويخاطبهم قائلا (هل قمتم بأمر النبي صلي الله عليه وسلم وهو ان تشهدوا علي المحسن بأنه محسن وعلي المسئ بأنه مسئ ؟)( هل قلت ايها الموظف للرئيس او الامير او الوزير او الملك انت مسئ في هذا العمل المخالف للشرع ؟وهل نهيتم بنهي النبي صلي الله عليه وسلم من كان يعمل شرطيا او اميرا او جابيا او خازنا عند امير يقرب شرار الناس ويؤخر الصلاة عن مواقيتها ؟ وهل عملتم بما جاء في الحديث عن المجاهدة باليد واللسان والقلب ) الي ان يقول (لكن والله لو فعلوا ما تركهم هؤلاء الامراء ..ليلة واحدة ،وهم تحت ايديهم في احسن المساكن وافخم المراكب )[26].
ويقول عنهم انهم ( سكتوا عن الشرك والبدع وتركوها تعمل امامهم ،ولكنه لا ينكر الا في خطبة الجمعة ،ومنذ عشرات السنين والشرك كما هو والبدع كما هي امامه ،ولكن الحق ان هذه ليست وظيفته ،انما وظيفته خطبة الجمعة والصلاة فقط ،وذاك من اختصاص الهيئة (أي هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) والهيئة نائمة او مضروب عليها بمطرقة من حديد افقدتها وعيها ،ولكن طالما ان المعاش ماشي فهم مستمرون في مسمي الوظيفة الصورية ،واذا جاء اخر الشهر استلموا المكافأة علي المداهنة والتغاضي عن المنكر ،فانا لله وانا اليه راجعون )[27].
ويلتفت جهيمان الي نوع اخر منهم يعتذر بانه يكتفي بالانكار القلبي يقول ( فهؤلاء تجدهم يقولون ننكر بقلوبنا ،وهذا لا يكفي ) [28].
وفي موضع اخر ينتقد جهيمان ما اعتبره مخازي العلماء في الدراسات العليا والجامعات واعتبر الجهل اهمها ،وحكي بعض الاقاصيص ،واستثني منهم الشيخ ابن باز والشيخ الشنقيطي ،وذكر قول احد المتخرجين له (وقال لي احد المتخرجين من دار الحديث والجامعة لما رأي ان لي رغبة في العلم قال لي :يا فلان والله لقد دخلت دار الحديث والجامعة وتخرجت منها ولم استفد من العلم شيئا ،وانما عرفت من طلبة العلم ومدرسيه انهم اناس متعوشة ،يقصد انهم يدرسون من اجل المعاش والشهادة التي يعيشون بها )[29].
ويلاحظ ان جهيمان اخطأ لغويا وهو ينكر عليهم الجهل ،اذ قال (المتخرجين من دار الحديث )والصحيح (تخرج في ) وليس (تخرج من ).
ويعطي جهيمان لمحات الي الاثار المترتبة علي ما سبق علي مستوي العلماء وعلي مستوي العامة ،فالارتزاق اورث جهل المتخرجين في الجامعة الدينية ودار الحديث ،حيث كان الهدف هو مجرد الحصول علي الشهادة العلمية وما وراءها من مكاسب .
وبالتالي فان المنتظر من هؤلاء العلماء ان يتصاغروا امام اصحاب السلطان ، يصف جهيمان المطاوعة يقول( فتري المطوع يسير خافضا رأسه عن مساوئهم (أي الحكام ) ويتظاهر ان خفضه رأسه من الدين والورع وهو في الحقيقة من الذل والمسكنة ) ويقول عن الدعاة ( ولذا تري اهل الذل والمسكنة الذين سلك مسلكهم كثير من الدعاة اليوم ،يريدون الدعوة الي الحق تسير بلا اذي وهذا باطل )ويقول عنهم جميعا (فتجدهم يظهرون الدين في ثوب المذلة والمهانة والاستهزاء والبدع كما تري في وزارة الحج والاوقاف ودار الافتاء وهيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة الاعلام بجميع وسائلها )أي انعكست احوالهم علي ما يقولون من احاديث دينية ،وبالتالي انعكس الوضع علي الناس في رؤيتهم للدين ،يقول جهيمان (وهذا هو السبب الذي صرف الكثير من الناس الذين يحبون العزة ويكرهون الذل عن الدين لما رأوا رجال الدين في هذه الذلة، والسلطة والقوة في ايدي غيرهم )[30].
ومن ناحية اخري اقتدي بهم الناس في عدم انكار المنكر ،اذ انتقل اليهم الخوف الذي يعيش فيه العلماء حسبما يري جهيمان ،الذي يلقي بالمسئولية علي الدولة ،يقول عن خوف العلماء من الدولة ( اذا اجبته بهذا وقطعت حجته ظهر لك الخافي منه وهو ضعف الايمان وضعف الخوف من الله عز وجل ،فيقول كلامك صحيح ولكن هذا النظام وايشي نسوي ومانقدر نخالف النظام ،فالي الله المشتكي كيف يخاف من مخالفة النظام ولا يخاف من مخالفة امر الله عز وجل ) الي ان يقول جهيمان عن الناس (والواقع الذي لا ينكر انك اذا سألت الواحد من هؤلاء الناس مادليلك علي هذا الفعل وهل عندك عليه امر من الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم احتج عليك بالحجج المختلفة مثل .كل الناس علي هذا ،او هكذا يفعل الشيخ فلان ،واكبر حجته ان يقول :الشيخ افتاني بهذا .)[31].
وهكذا يعطي جهيمان دون قصد بعض اللمحات التاريخية عن الحياة الاجتماعية لعصره مشفوعة بوجهة نظره وهي وجهات نظر، لا تخلو من تعمق في التحليل والتفسير حيث شغل عقله وحياته بالانكار علي سادة عصره وهم الحكام والعلماء ،وقدرأينا سبب كراهيته للعلماء ،فماذا عن الدولة ؟
موقف جهيمان من الدولة السعودية
جهيمان بين الاخوان النجديين والملك عبد العزيز :
سبق توضيح موقفه من الدولة من حيث قيمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ويبقي ان نتوقف مع ارائه الاخري السياسية وصلتها بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهو الاساس الذي قامت عليه الوهابية وفق المفهوم السلفى لامر بالمعروف وتغيير المنكر ، وهو الأساس الذى قامت عليه ( الدول السعودية ) ، والذى قام عليه فكر جهيمان ( الوهابى الثائر ) ،وفكر جهيمان استمرار لما ثار الاخوان من اجله من قبل في عهد عبد العزيز .
وفي البيئة التي عاش فيها جهيمان كان منتظرا ان يعايش الفكرة القائلة بأن الاخوان ،ومنهم جده المباشر هم الذين اقاموا ملك عبد العزيز ال سعود علي اساس الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فلما طالبوه باستمرار الجهاد حاربهم وانفرد دونهم بالسلطة والثروة .وهذه الفكرة تتردد بين سطور جهيمان ويحاول بمنهجية سلفية ان يدعمها .ونفس الفكرة هي التي حددت موقعه ضد الدولة السعودية ،وجعلته يعد نفسه لهذه الفكرة سياسيا وعسكريا ودينيا ،بالالتحاق بالحرس الوطني وبالجامعة والدراسات في الحديث والتراث السلفي.
ويؤكد نفس الفكرة ان الدولة السعودية منذ عهد الملك فيصل ازداد ارتباطها بالمعسكر الغربي الامريكي خصوصا بعد تدهور مكانة الاتحاد السوفيتي والتقارب السياسي بين مصر والسعودية .فأصبح هذا الوضع الجديد مقلقا لجهيمان ونذيرا له بقيام الساعة علي نحو ما حاول تأكيده في رسائله حين كان يحرص علي الدفاع عن الاخوان النجديين والهجوم علي الملك عبد العزيز .
يقول جهيمان عن عبد العزيز (ان مؤسس دولتهم الملك عبد العزيز والمشايخ الذين كانوا معه في سلطانه وهم مابين موافق له ومعزز له بما يشاء ،واخر ساكت عن باطله ،واخر التبس عليه الامر ،دعا الاخوان رحمهم الله الذين هاجروا في القري المختلفة هجرة لله عز وجل ،دعاهم الي بيعته علي الكتاب والسنة فكانوا يجاهدون ويفتحون البلاد ويرسلون له بما للامام من الغنائم والخمس والفئ ،ونحو ذلك علي انه امام المسلمين ،ثم لما استقر الامر له وحصل مقصوده والي النصاري ومنع الجهاد في سبيل الله خارج الجزيرة ،فلما خرجوا لقتال المشركين في العراق الذين يدعون عليا وفاطمة والحسن والحسين مع الله لقبهم هو ومشايخ الجهل الذين معه ،لقبوهم باسم يكرهه اهل الاسلام وهو الخوارج …مع ان الاخوان رحمهم الله –لم يخرجوا عليه ولم يخلعوا يد الطاعة وانما لم يطيعوه حينما نهاهم عن الجهاد ،وهذا هو الواجب لقول النبي صلي الله عليه وسلم (انما الطاعة في المعروف )متفق عليه ،وقوله ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )رواه احمد وهو حديث صحيح .فتبين ضلالتهم في حكمهم علي من خالفهم انه خارجي ،ولكنهم يلبسون علي عوام المسلمين الذين لا يتبصرون في دينهم ويجدون من مشايخ الضلال من يعطيهم الفتاوي بلا ورع ولا تقوي ، وليس لنا مراد في الخوض في الاموات ،فقد افضوا الي ما قدموا ،ولكن لأمرين :الامر الاول دفع الشبهة عن اخواننا الذين جاهدوا في سبيل الله وكانوا صادقين مع الله ثم مع ذلك تلبسهم هذه الدولة وعلماء السوء لباس الخوارج المارقين عن دين الاسلام ، حتي انك لتجد اليوم من اهل الخير الملتبس عليهم امرهم من لا يترحم عليهم (سبحانك هذا بهتان عظيم ) وانما هم –رحمهم الله –كما اشرنا لك الي طرف من اخبارهم .ولكن ان اردت المزيد من اخبارهم والتثبت من ذلك فستجد اليوم من هو علي قيد الحياة من اخوانهم الذين جاهدوا معهم ويعرفون حقيقتهم حتي لا تغتر بثناء الحكام علي انفسهم وتشنيعهم علي من خالفهم .ولا غرابة في ذلك من اهل ملك يريدون تثبيت ملكهم ،ولكن الغرابة ممن يدعي الي الصلاح والخير ثم يتهم المؤمنين بما هم منه ابرياء ..وبعد ما لقبهم –أي الملك عبد العزيز –بالخوارج وحمل اخوانهم الذين لم يخرجوا معهم علي قتالهم .فخرج بهم علي طريقهم وبدأهم بالقتال …وقبل ذلك ارسل الي الشريف حسين بكتاب يقول فيه (حسين يا خوي انت في نحورهم وانا في ظهورهم) فلما قتلهم وشتتهم واستقر سلطانه الجبري والي النصاري وعطل الجهاد في سبيل الله وانفتح من الشر ابواب مغلقة ، ثم واصل ابناؤه السير علي منهجه من بعده ..
الامر الثاني :حملنا علي الكلام في تاريخ هذه الدولة مع اهل الحق الصادقين وتلقيبهم بالخوارج تلبيسا علي العوام والجهال انه لا يزال الي اليوم من هو علي هذه الضلالة من مشايخ الجهل والضلال يعتقدون ان الاخوان الماضيين خوارج ،ويسمون من يدعو الي الحق الذي جاء في الكتاب والسنة اليوم خوارج ويفتون بقتله )[32].
وقد اضطررنا الي نقل هذا النص بطوله لأنه يعبر فيه جهيمان بوضوح عن رأيه في الدولة السعودية من عهد عبد العزيز ،وكيف انه ينحاز اساسا للاخوان ويعادي من اجلهم الدولة ،ويعادي من يساندهم من العلماء ،ويري استمرار الدولة في عداء الاخوان ومنهجهم واتهامها لهم بأنهم خوارج في نفس الوقت الذي توالي فيه الدولة النصاري ،أي الغرب ، وتسكت عن الشيعة (المشركين ).
وهذه الخلفية النفسية والثقافية لجهيمان لم تحدد فقط موقفه مع الاخوان وضد الملك عبد العزيز وابنائه من بعده ،ولكنها جعلت جهيمان يقوم بعمل عجز عنه الاخوان في عهد عبد العزيز ،وهو التبحر في الثقافة السلفية للهجوم علي الدولة السعودية من خلال ايدولوجيتها ،وتنوع هذا الهجوم ليكون فقهيا شرعيا يستعمل مصطلحات الفقه الحنبلى الوعظى : ( تعطيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تعطيل الجهاد ،موالاة النصاري )وليحمل معه هجوما فقهيا سياسيا يبحث في مشروعية النظام السعودي ومدي صحة البيعة والطاعة لهم ،ومشروعية العمل لدي الدولة وامكانية تكفير الحكام ،ونتعرض لهذه القضايا بالتفصيل والتحليل .
وصف الخليفة كما ينبغي ان يكون عند جهيمان :
يراه جهيمان متمتعا بصفتين ،انه يحكم بين الناس بالحق وانه لا يتبع الهوي ،ويقول (فأما من نبذ الحكم بالكتاب والسنة وراءه ظهريا واتبع هواه ولم يحكم بين الناس بشرع الله فقد ضل عن سبيل الله )[33] وفي موضع اخر يشترط في الخليفة ان يكون مسلما قرشيا مقيما للدين ،ويقول (وعلي هذا لا يجوز عقد البيعة لمن لا تتوفر فيه هذه الشروط [34].وإشتراط أن يكون قرشيا يؤكد رغبة جهيمان فى عدم شرعية حكم آل سعود .
ويقول جهيمان (واعلم انه انه قد جاء في الشرع انه لا يقوم علي المسلمين الا خليفة واحد ،فأن بويع لاخر قتل الاخر ) واستشهد بحديث سلفى إحتفل به ابن تيمية : ( اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما )[35] مع ان تاريخ المسلمين في معظمه يقوم علي تعدد الحكام في نفس الزمن ،وكل منهم كان يزعم نفسه الخليفة ،حدث هذا في التاريخ العباسي والتاريخ الفاطمي والتاريخ الاندلسي .
اما القرآن الكريم فيقول (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) الحجرات ) . ومفهوم من الآية الكريمة وجود طائفتين متنازعتين ،ولابد من وجود قائد لكل منهما .ثم تقوم طائفة اخري بالاصلاح .والطائفة هنا ذات الجيش والقيادة والمصالح تعني الدولة. اذن فالتشريع الاسلامي يتسع لوجود دول اسلامية متنازعة ،ويأمر بالتدخل الدولي من خلال تحكيم دولة مسلمة اخري في النزاع .وبالتالي فان المقولة السلفية بأنه لا يكون للمسلمين الا خليفة واحد ليست صحيحة علي اطلاقها .وقد تعني وفقا للحديث ان يكون ذلك في نفس الدولة ونفس المكان ونفس الزمان.
علي ان استشهاد جهيمان بذلك الحديث في معرض خصومته للدولة السعودية ليس في صالحه ،لأنه في وجود الحاكم السعودي الذي بايعته الاغلبية فان الحديث يحكم بقتل الذي بويع مؤخرا .أي اعدام القحطاني المهدي المنتظر الذي اقامه جهيمان .
ونعود الي وصف جهيمان للخليفة (المنتظر ) وقدرأيناه يتهم من لا يحكم بالشرع بالضلال .الا ان جهيمان عقد فصلا في المقارنة بين الخلافة الشرعية وما اسماه بالملك الجبري او الحكم المستبد .
بين الخلافة والملك الجبري :
يري جهيمان ان هناك خلافة علي منهج النبوة وملكا عضوضا وملكا جبريا .وانه بعد النبي عليه السلام جاءت خلافة علي منهاج النبوة ،ثم جاء الملك العضوض ،ثم جاء بعده الملك الجبري ،ويري طبقا لما جاء في احاديث الغيبيات السلفية ان المستقبل يحمل بشري طيبة بعودة الخلافة التي تقوم علي منهاج النبوة .وفي تلك الخلافة النبوية تكون البيعة علي قول الحق ولنصرة دين الله والجهاد عليه حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ،ويقول (وبلا شك ان هذا يستلزم قتل خيارهم ومفارقة الناس وعض السيوف ) ولعله يشير بذلك الي الاخوان في عصر عبد العزيز وفي عصره .لأنه بعد ذلك قال مباشرة (واذا نظرت اليوم في تطبيق هذا علي الواقع رأيت انا نعيش اليوم في الملك الجبري الذي ليس المسلمون فيه هم الذين يختارون الخليفة ،وانما هو الذي يفرض نفسه عليهم ثم يبايعونه بيعة مجبورين عليها ،ولا يترتب علي عدم رضاهم بهذا الخليفة انه ينعزل ،كلا، بل الامر جبري .وان حكام المسلمين اليوم لم يبايعوا الناس علي ما بايع عليه الصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم من القول بالحق حيثما كانوا ونصرة الدين ،بل علي نظام وقوانين ليس فيها من الشرع الا ما وافق الهوي ،واما ما خالف فلا .)
والمستخلص من كلامه ان الدولة السعودية تنتمي الي الملك الجبري المعتمد علي قوانين ليس فيها من الشرع الا ما وافق الهوي ،وبالتالي فان الوصول من الحكم الجبري الي استعادة الخلافة القائمة علي المنهاج النبوي يستلزم بيعة علي قول الحق ونصرة دين الله والجهاد عليه ،وهذا يستلزم قتل خيار الناس ومفارقة للاهل ومعاناة الحرب.
وقد اشار في السطور السابقة الي الاختلاف بين البيعة في الخلافة الشرعية والبيعة فيما اسماه بالملك الجبري ،ففي الاولي يختار المسلمون الخليفة بحريتهم ،أي ان الامة هي مصدر السلطات ، اما في الثانية فالملك هو الذي يفرض نفسه علي المسلمين بقوته .
ولأهمية موقع البيعة وما تستلزمه من طاعة الامام فانه يقول في نهاية حديثه (وهذه لفته عابرة الي ان هذا الملك (السعودي ) ليس علي منهاج النبوة ،واما وجوه البطلان لبيعتهم التي يترتب عليها عدم وجوب طاعتهم فتأتيك ان شاء الله )[36].
البيعة والطاعة بين الخلافة الشرعية والملك الجبري :
بعد ان ذكر شروط الخليفة الشرعية (ان يكون مسلما قرشيا مقيما للدين ) قال (وعلي هذا لا يجوز عقد البيعة لمن لا تتوفر لديه هذه الشروط ،وبهذه الشروط تتم البيعة الشرعية )[37 ].
وفي موضع اخر يقسم الامارة والخلافة والولاية الي قسمين :قسم يقود بكتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم ،ويقول ( فهذا لا خلاف في وجوب طاعته ،والقسم الاخر لا يقود بكتاب الله ولا يبايعهم علي نصرة دين الله وانما يقول ولا يفعل ولا يهتدي بهدي النبي صلي الله عليه وسلم ولا يستن بسنته ، وكثيرا ما يكون في الملك الجبري ،فهذا لا بيعة له ولا طاعة حتي ولو حكم له بالاسلام )[38].
أي يحصر الطاعة في الخلافة الشرعية ،اما الملك الجبري فلا يستحق عنده الطاعة حتى لو حكم بالاسلام .!.
ويعطي تفصيلات اكثر فيقول (واليوم انما يحكم المسلمون بالملك الجبري الذي ليس مبنيا علي البيعة ،وقد خالف شرع الله في عدة امور منها :( 1) ان الحكام فيه ليسوا من قريش (2) انهم لا يقيمون الدين بل يهدمونه ويحاربون اهله (3) انهم لا يأخذون البيعة من رعيتهم بصفقة اليد وثمرة القلب وطوعه واختياره ،بل بالجبر والقهر .وبهذا تعرف عدم وجوب بيعتهم وطاعتهم ) وفي موضع اخر يقول (وانما يعيش المسلمون تحت حكام جبريين لا يقيمون فيهم الدين ،اما من تحرج من الطاعة فانت تعرف ان الطاعة لا تجب الا لمن يقودنا بكتاب الله .اما من يقودنا بالانظمة المختلفة والقوانين ولا يأخذ من الدين الا ما وافق هواه فهذا لا سمع له ولا طاعة ،وقد عرفت بطلان بيعته ).
أي ان جهيمان يري بأنه لا بيعة ولا طاعة لال سعود ،وبالتالي يوجب اعتزالهم ،يقول ( وبهذا تعرف عدم وجوب بيعتهم وطاعتهم …والذي دل عليه الشرع هو اعتزالهم لأن وجودهم هلاك للدين وهدم للحق واحياء للبدعة واطفاء للسنة )، واستشهد بحديث (هلاك امتي علي مدي اغلمه من قريش :قالوا فما تأمرنا ؟ قالوا :لو ان الناس اعتزلوهم ..)[39].
فقه الاعتزال عند جهيمان :
يقول جهيمان (اما ولاة المسلمين في عصرنا فقد عرفنا ماعندهم وهي ثلاث خصال لا رابع لها :اما ان توافقهم وتسكت عن باطلهم فيدنوك ويقيمون بك سلطانهم باسم الدين ،ان تسكت عنهم فيسكتوا عنك ،ان تخالفهم وتبين الحق فسوف يسلكون فيك مسلك قريش مع النبي صلي الله عليه وسلم ،أي يقتلونك هم وعلماؤهم بالشبه التي يلبسون بها علي عامة المسلمين )
ويؤكد ذلك في موضع اخر فيقول عن الدولة السعودية بالذات (وتجد حكمهم وسلطانهم قائما علي ثلاث قواعد من حيث معاملة اهل العلم والدين ،ان وافقتهم وسكت عن باطلهم قربوك واتخذوك حجة علي من خالفهم ،وان سكت عنهم سكتوا عنك ،وربما زاروك وارسلوا لك الهدايا ،وذكروا في حقك الحديث ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وهي كلمة حق اريد بها باطل ،وان خالفتهم قتلوك بشبهة يسكتون بها الارنب ،فيقولون هو خارجي ).
وحدد جهيمان موقفه من الدولة السعودية علي هذا الاساس ،يقول ( اعود فأقول :هذه القواعد الثلاث هي التي يتخذونها مع اهل العلم والدين ،وهي ان توافقهم وتسكت عنهم أو يقتلونك ،وهذه هي الاسباب التي حملتني علي الا اواجههم وابين لهم الحق، لاني عرفت ما عندهم في من خالفهم ،وانهم لا يحبون الناصحين بل يقتلونهم ،وانا لا اريد قربهم ،ولا اريد السكوت عنهم وعن الحق ،فلم يبق الا الثالثة )[40]. وهي الاعتزال .
وخيار الاعتزال اكده جهيمان ،يقول ( ولذلك فالسلامة مع هؤلاء الحكام الذين يقولون بغير علم ويعملون بغير بصيرة هو الابتعاد عنهم ،واذا سئل عن شئ في الدين اجاب بالقول الصحيح ،ولا يعينهم علي الباطل او يسكت عنه ) الي ان يقول ( مع ان مخالطة الناس لابد فيها من انكار المنكر ،فان سكت وانت تستطيع ان تنكر فسكوتك منكر لا يجوز لك . وهذا يستلزم منك عدم حضور المنكر لئلا تراه وتسكت عنه فتقع في منكر وهو السكوت .ومن هنا نعرف ان من لا ينكر لا يجوز له حضور المنكر بل يجب عليه مفارقته لئلا يقع بنفسه في منكر )
ومن خيار الاعتزال جاء تحريم جهيمان للعمل مع الدولة ،واستشهد باية (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) النساء ) وبحديث ( يوشك ان يأتي علي الناس زمان خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ،ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ) وقال معلقا (واعلم ان هذا القول هو الذي كنت اقول به من قبل ويعكسه بعض الناس فيقول هو يحرم الوظائف ،فعفا الله عنا وعنهم ،,,فمنهم من قال في شأني وشأن الاخوان اقتلوهم فانهم خوارج وان لمن قتلهم اجرا عند الله تعالي، ومنهم من قال اسجنوهم فانهم متمردون، وغير ذلك مما هو معلوم )[41].
أي ان جهيمان قال بتحريم التوظيف ،فصدرت الفتاوي في شأنه من خصومه العلماء تحرض علي قتله اوسجنه لأنهم يحاربهم في رزقهم .
ويتردد في كتاباته صدي تحريمه للوظائف بالحكومة السعودية ،اذ انه يقنن ذلك في معرض احتجاجه علي علماء الدولة ،ويقول (وبهذا نعرف بطلان قول من يقول :نأخذ المناصب لنخدم بها الاسلام ونصلح الناس ،ويغالون في ذلك ،فيقول بعضهم لبعض اخواننا حينما ترك الدراسة والوظيفة :هذا من التولي يوم الزحف ،فألي الله المشتكي ،اذا كانت هذه مقالة من ينتسب الي العلم والصلاح ،وانما هذا من فرط الجهل وضعف البصيرة وقلة العلم ،فيا محنة الاسلام من كل جاهل ويا قلة الانصار من كل عالم )[42].
ويتوجه جهيمان بدعوته لتحريم التوظيف الي العاملين في الشرطة وغيرهم ويجتهد في ايراد الاحاديث وتفسيرها حسب هذا السياق الي ان يقول (واذا تبين لك هذا كله ونظرت في الاحاديث الباقية عرفت كيف ينطبق عليهم وماذا يجب علينا تجاههم .والموقف معهم :لا طاعة لمن عصي الله ..والموقف تحريم العمل عندهم عريفا أي اميرا او شرطيا او جابيا او خازنا ) وفي موضع اخر يقول (وفي الحديث الاخير تري كيف ينطبق هذا الوصف علي كثير من الامراء ،وهو انهم يقولون ويتكلمون بالباطل ولا يستطيع احد ان يرد عليهم لخوفهم وهيبتهم والرهبة منهم ،فاولئك يتهافتون في النار جزاءً وفاقا، نسأل الله العافية ،كما نخاف علي من يعمل في الشرطة اليوم من قول النبي صلي الله عليه وسلم (سيكون في اخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله )[43].
وبذلك نفهم عرض جهيمان السياسي من تثبيط الناس عن ولائهم للدولة السعودية ،خصوصا من كان في مواقع مؤثرة تتعلق بالقوة والاموال .وبذلك تكتسب دعوته للاعتزال بعدا سياسيا يتحول به الاعتزال الي عمل ايجابي يتصل عنده بمفهوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهو المحور الذي يدور حوله جهيمان في دعوته ،خصوصا وانه يري الانكار القلبي بالتصريح الايجابى وليس بالسكوت.
من الاعتزال الي الانكار :
يقول جهيمان بطاعة الحكام الذين يثبت لهم الاسلام ماداموا يقيمون الصلاة وان اظهروا الفسق والفجور ،ولكن يجب الانكار عليهم فيما يفعلون من الباطل علي مراتب الانكار الثلاثة باليد واللسان والقلب .أي ان المهم هو اقامة الشرع ثم الانكار علي الحاكم اذا تصرف شخصيا فيما يستوجب الانكار ، الا انه يقول عن حكام المسلمين اليوم انهم ليسوا ائمة (لأن امامتهم للمسلمين باطلة ومنكر يجب الانكارعليه كما تقدم ذلك بالادلة، لانهم ليسوا من قريش ولا يقيمون الدين ولم يجتمع عليهم المسلمون .وانما اصحاب ملك سخروا المسلمين لصالحهم ،بل جعلوا الدين وسيلة لتحقيق مصالحهم الدنيوية فعطلوا الجهاد ووالوا النصاري وجلبوا علي المسلمين كل شر وفساد ،نسأل الله ان يريح المسلمين منهم )[44].
وبذلك تتحول انظمة الحكم في بلاد المسلمين الي منكر يجب ازالته طبقا لحديث (من رأي منكم منكرا فليغيره ..) وبالتالي فان ذلك يحوي ضمنيا اتهاما لاولئك الحكام بالكفر .فهل كان جهيمان يحكم بكفر الحكام ؟..
من الاعتزال والانكار الي التكفير :
يعترف جهيمان بخطورة التكفير فيقول (واما مسألة التكفير فهي خطيرة ،واكثر من يخوض فيها ممن لا حظ له من العلم والتجرد الا القليل ،فهو يجعل الحكام الذين يظهرون الاسلام كفرعون والدجال ،والاخرون علي النقيض من ذلك تماما ،فهم يجعلون هؤلاء الحكام كابي بكر وعمر )[45] أي انهم يحكمون بالتكفير والايمان حسب الهوي والمواقف المتغيرة .فهل وقع جهيمان فيما اتهم به الاخرين ؟
الذي يبدو من خلال تحليل كتاباته تغير موقفه حسب الظروف المتغيرة .فيما بين البداية في رسائلة الاولي حيث كان يتحرج من التكفير لخصومه الحكام في الاغلب ،الي وقوعه في تكفيرهم في رسائله الاخيرة عندما تعمق خلافه مع الدولة السعودية .
في البداية كان يفصل بين بطلان بيعة الحكام السعوديين وعدم طاعتهم ،وبين الحكم بالكفر عليهم ،يقول (وبعد هذا كله والذي نعتقده في حكام المسلمين اليوم ..انهم ليس لهم علي المسلمين بيعة ولا تجب عليهم لهم طاعة ،ومع ذلك لا يلزم من هذا كله تكفيرهم ،بل من اظهر منهم الاسلام حكمنا له به حتي تثبت ردته فنحكم عليه بالكفر ،مع اعتقادنا ان بقاءهم هدم للدين ولو كانوا يدعون الي الاسلام .نسأل الله ان يريحنا منهم اجمعين ) ويقول( واما وجوه بطلان بيعتهم التي يترتب عليها عدم وجوب طاعتهم ..فلا يلزم من بطلانها تكفيرهم بل هم مسلمون –بيعتهم باطلة شرعا بالادلة والكتاب والسنة )ويقول عن حكام المسلمين ( ولا تستطيع ان تحكم لهم بغير الاسلام حتي يفعل الواحد منهم ما يرتد به عن دينه فيحكم له بالكفر ،اما من لم يظهر فيه ذلك فيحكم له بالاسلام كما يحكم للمنافقين بالاسلام مع انهم في الدرك الاسفل من النار ).
الا انه سرعان ما يتناقض مع نفسه حين يقول عن بعض الامراء (وفي الحديث الاخير تري كيف ينطبق هذا الوصف علي كثيرين من الامراء ،وهو انهم يقولون ويتكلمون بالباطل ولا يستطيع احد ان يرد عليهم لخوفهم وهيبتهم والرهبة منهم ،فاولئك يتهافتون في النار جزاءً وفاقا ،نسأل الله العافية )[46].وهنا حكم ضمني بالكفر علي كثير من الامراء مع انه لم يصرح بكفرهم .
وقد تحول هذا التلميح الي تصريح في رسائله الاخيرة .وقد سلك طريقة ذكية في تكفيره للحكام ،اذ كان يستعين علي ذلك بفتاوي الائمة ،ويراها تنطبق علي الحكام ،ونكتفي بمثال واحد .
ينقل جهيمان عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله (اعلم ان نواقض الاسلام عشرة ) ويعددها جهيمان ويري بعضها ينطبق علي حكام السعودية مثل قوله (من لم يكفر المشركين او شك في كفرهم او صحح مذهبهم كفر )يقول جهيمان معلقا (ونريد ان نقف هنا قليلا ونتساءل :لماذا لم يكفر اليوم من يدعو عليا وفاطمة رضي الله عنهما وكذلك من يدعو الرسول صلي الله عليه وسلم من دون الله ؟ ولماذا ترك العمل بقوله تعالي (انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) بل نري المشركين من الشيعة وامثالهم يملأون مكة والمدينة ويجاهرون بشركهم ؟ثم نتساءل :هل وجد في دين الاسلام من يأخذ الزكاة من الروافض (أي الشيعة ) ويعطيهم الاعانات ويعتبرهم من رعاياه كما يعامل اليوم رافضة الجنوب والاحساء )والمقصود من كلام جهيمان ان الحاكم السعودي حين يسمح للشيعة بالحج وحين يأخذ منهم الزكاة ويعطيهم الاعانات ويعتبرهم رعاياه فانه تنطبق عليه فتوي ابن عبد الوهاب فيمن لم يكفر المشركين فيكون مثلهم كافرا .ويضيف متسائلا عن موقف الحاكم السعودي من بعض زعماء المسلمين الذين افتي الشيخ ابن باز بكفرهم مثل بورقيبة وعبد الناصر ،يقول جهيمان (ونتساءل لماذا يسمي بورقيبة الزعيم المسلم ويهنئه باعياد المسلمين وقد اصدر الشيخ عبد العزيز ابن باز رسالة افتي فيها بكفره لزعمه ان القرآن متناقض …ثم لماذا صلي (أي الملك فيصل ) علي جمال عبد الناصر وندبه للعالم الاسلامي ،وقد افتي الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله بتكفيره ايضا ؟ ولم يصدر حتي الان تراجع الشيخ عن هذا ولا ذاك ؟)
ثم يدعو جهيمان الشيخ ابن باز لتكفير من لم يكفر بورقيبة وعبد الناصر ،يقول (اننا نناشد الشيخ عبد العزيز وفقه الله ان يعلن للمسلمين حقيقة هذه الامور الخطيرة، وان يبين موقفه وموقف غيره من ذلك، وان يتقي الله في عباد الله ).
وضغط جهيمان علي الشيخ ابن باز بالايات القرآنية محذرا اياه من ان يكون معهم في خندق واحد ،يقول (ونذكر الشيخ بآيات من كتاب الله نرجو ان يضعها نصب عينيه ان وفقه الله للاجابة وهي قوله تعالي : ( ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم ان الله لا يحب من كان خوانا اثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون مالا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطا ،هانتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا ،النساء 107- )[47].
أي انه تستر خلف ابن عبد الوهاب ثم ابن باز في اعلان التكفير للحكام المسلمين وخصوصا ال سعود ،وهو بذلك يقع فيما حذر منه سابقا وهو التكفير حسب الهوي ،لان الاسباب التي بني عليها تكفيره لال سعود ،مثل علاقتهم بالشيعة في المملكة ،او علاقتهم ببعض زعماء العرب لم تكن طارئة ،وانما كانت واضحة قبل ظهور جهيمان ،وكانت واضحة وهو يتوقف عن تكفيرهم قائلا (بل من اظهر منهم الاسلام حكمنا له به حتي تثبت ردته فنحكم عليه بالكفر )والعبارة الاخيرة يظهر منها اساس هام من اسس الفكر السلفي ،وهو التكفير، كما لو ان الله تعالي اعطاهم تفويضا بالحكم علي الناس في الدين قبل يوم الدين .
من التكفير الي التمرد العسكري واقتحام المسجد الحرام :
وفي ثقافة جهيمان السلفية فان التكفير يستدعي استحلال الدم ،كما ان النهوض لازالة المنكر يقترن بالجهاد ،واذا اعتبر الدولة نفسها منكرا يجب ازالته فان الحركة ضدها تصبح جهادا مشروعا ،واذا كان مستحيلا علي جهيمان باخوانه ان يواجه جيوش الدولة السعودية فانه اختار موضعا يسهل عليه اقتحامه ،كما يسهل عليه فيه الاعلان عن نفسه ومجموعته وجعل العالم كله يلتفت اليه ،ولعله فهم ان مصير حركته الي الفشل العسكري ،الا ان عمليته ستلفت الانتباه الي دعوته وفكره السلفي الذي يعتبر الدولة السعودية قد تجاهلته ، وبذلك يضمن لنفسه الانتصار الثقافي والفكري بعد الهزيمة العسكرية .واذا كان الاخوان في عصر عبد العزيز قد انهزموا عسكريا وانتهوا ثقافيا حيث لم يكونوا علي مستوي فقهي يماثل فقهاء عبد العزيز فان جهيمان بثقافته يستطيع ان يهزم خصومه من علماء الدولة السعودية ،حتي بعد فشله ومقتله .
ولا نزعم ان هذا التفكير قد عاش في عقل جهيمان منذ البداية في رسائله الاولي ..وقد رأيناه في رسائله الاولي يتحدث عن اختياره الاعتزال ،وهو اعتزال ايجابي لا يعني السكوت عن المنكر ،ولكن تجنب الصدام مع الدولة حتي لا ينتهي مصيره الي القتل .وفقه الاعتزال الذي اشرنا اليه في فكر جهيمان يخالف حركته الانتحارية في اقتحام المسجد الحرام ،وهذا يعني ان ثمة تغييرا جري في فكره ،انتقل فيه من تجنب الصدام الي صدام انتحاري يعرف نتيجتة سلفا .
وهذا يذكرنا بتغيير موقفه في قضية تكفير الحكام ،فبعد ان كان يثبت اسلامهم بدأ بحث ابن باز علي اعلان كفرهم ويستعين علي ذلك بنصوص وفتاوي من كتب ابن تيمية وابن كثير وابن عبد الوهاب ،وظهر هذا التغيير في رسائله الاخيرة .وصاحبه تغيير اخر في فقه الانكار فاصبح فيه جهيمان اكثر حدة حتي في اختيار العناوين ،كأن يقول (في فصل في بيان ان قيام الدين لا يكون بالمداهنة والسكوت بل الصدع بالحق والصبر علي الاذي) ( ليعلم دعاة اليوم انه لا يدرك النصر في الدنيا والجنة في الاخرة الا بما يتهربون منه …ولكن هناك صنف معوق يثبطون العزائم ويدعون الناس للبعد عن الايذاء والمشقة ..فأخذونا بالجانب الذي يرضي الظلمة به ويوافقونهم عليه )[48] ويتضح من كلامه ضيقه عمن يتكاسل عن النهوض معه ،وبالتالي فانه لن يستطيع هزيمة الدولة ،وليس امامه الا القيام بعملية انتحارية تجبر العالم علي الالتفات نحوه ،ونتابع جهيمان وهو يقول لرفاقه في الفكر الذين انفضوا عنه وهادنوا الدولة لينقضوا عليها بعد حين (وانتم تخالطون الناس وهم عندكم اسلام مما تعددت عقائدهم وطرقهم ومذاهبهم ،انما المهم ان يوافقوكم علي الاندماج في صفوف القوم واخذ الشهادات العالية والسيطرة علي المراكز للغدر بهم لاقامة دولتكم الاسلامية ،فالرسول صلي الله عليه وسلم بمنهجه الظاهر وتصريحه ومفارقته لهم ومقاطعته اياهم اقام دولة الاسلام ولم يقتل من اصحابه الا افراد معدودون ،واسر منهم القليل، بينما انتم تخفيتم واندسستم بين الصفوف واندمجتم وغدرتم،ولكنكم لم تقيموا دولتكم الاسلامية ،وقتل منكم الاف مؤلفة في حركات الغدر ) [49].وهذا كلام خطير يدل علي ان بعض رفاق جهيمان انفض عنه املا في وضع افضل يستطيعون به المكر بالدولة .
ولأن جهيمان اصبح محاصرا بين الرفاق القدامي الذين انضموا للسلطات وبين اجهزة السلطة التي تترصده فلم يعد امامه الا ان يتحرك قبل ان يحيق به الخطر .وجاءت حركته في اتجاه البيت الحرام .وحين قام بحركته العسكرية ضد الدولة السعودية كان يضيف فصلا في تاريخ الصراع بين الاخوان وال سعود . فالي أي حد تتشابه افكار جهيمان مع افكار الاخوان علي الدولة السعودية ..؟
بين انكار جهيمان وانكار الاخوان في عهد عبد العزيز :
اختلفت الظروف بين عصر عبد العزيز والاخوان وبين عصرجهيمان فأصبح التحديث قضية مسلما بها ، واصبح اعتي شيوخ السلف تقليدا يستعمل المخترعات الحديثة في المواصلات والاتصالات والثقافة والمعيشة، ولم تعد منتجات الغرب رجسا من عمل الشيطان كما كان يعتقد الاخوان في عهد عبد العزيز .
ومع التقليدية الشديدة في فكر جهيمان فأنه لم يتعرض بالانكار علي استيراد المنتجات الحديثة من الغرب النصراني ،الا انه اشار اكثر من مرة الي ضيقه من تعبير (الاسلام الحضاري ) الذي يعني التفاعل مع العالم ،والذي يعني ضمنا العلاقات والتسامح مع الغرب او بالمفهوم السلفي موالاة الغرب ،وتلك هي التهمة التي رفعها الاخوان سابقا ضد عبد العزيز .وهذا ما يتبقي في فكر جهيمان الذي يقول للقارئ ( اعلم ان الاسلام الذي يدعي اليه باسم الدول ولا يتعرض للاذي هذه الايام في جميع الدول بدون استثناء انما هو اسلام الحضارة ،الاسلام الذي بعث به محمد صلي الله عليه وسلم ،وهو الذي يقتضي مقاطعة المشركين ومفارقتهم واظهار العداوة لهم )،ويقول (والان نبين لك ملة ابراهيم عليه السلام لتكون علي بينة ،وليظهر لك انها فرق بين الحق والباطل ،خلافا لما يقول بعضهم ان الاسلام دين الحضارة ،ليختلطوا بالشرق والغرب ويتشبهوا بهم ويعيشوا معهم ) ثم يوضح ان ملة ابراهيم تقوم علي اخلاص العبادة لله سبحانه وتعالي وحده والتبري من الشرك واهله واظهار العداوة لهم [50]. وبالتالي فانه رغم الاختلاف في الظروف بين عصر العزيز وعصر جهيمان ،وبرغم ان جهيمان يعيش في مناخ يعتمد علي منتجات الغرب ومخترعاته والتي لم تعد تثير الاستنكار ،برغم ذلك كله تظل الفوارق منعدمة بين انكار الاخوان وانكار جهيمان علي الدولة السعودية ، كلاهما انكر علي ال سعود العلاقة بالنصاري (الغرب ) والتسامح مع الشيعة والقعود عن الجهاد ضدهما ،كما تناثرت بين سطور جهيمان انكارات منفصلة علي الثياب والمظهر وعلي التصوير، وهذا الانكار البسيط المتناثر مما يؤكد التطابق في الرأي بين جهيمان والاخوان .
والغريب ان جهيمان عندما يستنكر علي الدولة السعودية علاقتها بالغرب او بالشيعة فأنه يسترجع تاريخ عبد العزيز وموقف الاخوان منه ،لكي يؤكد انتماءه اليهم وسيره علي طريقتهم ،ويؤكد ذلك بمنهجية سلفية تعتمد علي احاديث الغيبيات ويراها تنطبق علي عصره وعلي خصومه ، منها حديث الدجال ،او خروج المسيح الدجال كأحدي علامات الساعة ،واحاديث اخري تذكر غدر الروم بالمسلمين ،وحدوث هدنة قبل الغدر ، وحديث اخر عن موعد خروج الدجال بعد فتنه الدهماء ( او العوام ) التي تكون بعد اصطلاح الناس علي رجل ،ويري جهيمان ان هذا الرجل المذكور في الحديث هو الملك عبد العزيز ،وبعد هذا الاصطلاح يأتي دعاة الضلالة ويصفهم الحديث بأنهم قوم( يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي ) ويري جهيمان هذا الوصف منطبقا علي علماء الدولة السعودية منذ عهد عبد العزيز ،يقول ( وهذه الصفة فيهم واضحة من حين استقر ملك عبد العزيز ) ويستشهد عليه بما فيه من ( دخن) أي عدم الصفاء ،ويري انها تنطبق علي سياسة عبد العزيز من (موالاة الكفار والمشركين ) (ومع هذا ترفع راية التوحيد ويقتل من اهل التوحيد (يقصد الاخوان ) من طالبوا بمواصلة الجهاد في سبيل الله )[51].
وينتقل جهيمان الي عصره فيخاطب العلماء الذين يكسبون الاموال من السلاطين (فنقول لهذا الشيخ من اين اكتسبت هذا المال ؟هل من الفتوحات واخراج الكفار من جزيرة العرب ؟ ام بالعكس ؟بادخال الكفار مع المسلمين ورفع اعلامهم في جزيرة العرب –يقصد السفارات الاجنبية –وقتال من يريد ان يطهر جزيرة العرب من المشركين (أي الشيعة ) ويريد منع الكفار (أي الغربيين ) من الدخول )[52].
وينتقل جهيمان الي حكام الدول الاسلامية ويتهمهم بالنفاق ويقول ( وما اشبه هؤلاء الحكام بالمنافقين فتراهم مع اظهارهم الاسلام يوالون الكفار والمشركين ،فطائفة والت وصالحت اليهود وطائفة والت وصالحت الشيوعية ،وطائفة والت وصالحت النصاري واوت المشركين من الشيعة والروافض ،فكل من هذه الدول الاسلامية له نصيب من اظهار الاسلام وله نصيب من مولاة الكفار ،وانما اختلفوا في اتجاهاتهم ،وكلهم متفقون علي محاربة الحق واهله اذا خالف سياستهم وسياسة من يوالونهم من اعداء الاسلام )[53].
وحظي الشيعة في المملكة بنصيب وافر من تكفير جهيمان ،ومن انكاره علي الدولة بسبب اهتمامها بهم ،وكان يقرنهم بالنصاري ،ويجعلهم مشركين الي جانب الغرب (الكفار ) ،يقول متهكما علي الدولة السعودية (وامتازت دولتنا بقسط وافر من هذا التلبيس منها ومن علمائها ، والتي تسمي نفسها اليوم دولة التوحيد ،وانما وحدت بين صفوف المسلمين والنصاري والمشركين ،واقرت كلا علي دينه كالروافض وحاربت من خالف ذلك (يقصد حربها للاخوان في عهد عبد العزيز ) وقاتلت من قاتل المشركين (يقصد الشيعة ) الذين يدعون عليا والحسين )[54].
وسبق انه حكم بكفر الحكم السعودي لسماحه للشيعة الذين يعتبرهم مشركين بالحج الي البيت الحرام [55].
وكما استنكر الاخوان ما لا يألفونه من الثياب والمظهر والمخترعات نجد جهيمان مع اختلاف العصر يسير علي نهجهم ،من استنكار التصوير والاعلام (التليفزيون ) وغيرها .ونستشهد ببعض ما جاء بين سطوره عن الاعلام ،يقول عن الفتن كأحدي علامات الساعة ( فتري ان اهل الباطل يخرجون علينا كل يوم بفتنة جديدة ،فيبسطونها في اول الامر ثم يتمادون فيها ،مثل الاذاعة ،اول ما انشئت كانت لا تبث الا القرآن والاخبار ،ولا يسمع فيها صوت امرأة ثم تطور الامر حتي اصبحت المرأة هي التي تذيع البرامج مع الرجال وتغني الاغاني الخليعة ،ثم اخرجوها سافرة علي شاشة التليفزيون ،وهكذا الصور وغيرها) [56].
ويستنكر وجود الصور علي العملة النقدية واقرار التعامل مع البنوك ،يقول (ومن ذلك ادعاؤهم الحكم بالكتاب والسنة ،ومع ذلك يقرون الربا في البنوك ويصدرون الانظمة المخالفة للشرع، ومن ذلك انه ثبت لدينا انه ذهب الي احدهم واحد من العلماء بشأن الصور التي في النقد فوعدوه بتغييرها وانها وقعت خطأ من غير قصد منهم ،واذا بهم يثبتونها في فئات اخري من العملة علي النقيض من وعدهم ) ،وقد عد جهيمان من الفتن التي اخبر بها النبي ( فتنة الصور الموجودة في النقد وغيره فما تكاد تجد بيتا في الغرب الا دخلته )[57].ومن الطبيعي ان نفهم كراهية جهيمان لصورة الملك عبد العزيز علي الريال السعودي حتي لو لم يكن الفقه السلفي يحظر التصوير ،وجهيمان في سلفيته المتشددة يحتج علي علماء عصره بأن احدهم يقول ( ما لا يفعل ) (وبيته ملئ بالصور لا يطمسها )[58].
ويقول عن بعضهم (تجد منهم من يحلق لحيته او قصر منها ،ويسبل ثوبه وهم يعلمون ان النبي صلي الله عليه وسلم قد حرم ذلك بقوله (اعفوا اللحية )وبقوله (ما اسفل الكعبين فهوفي النار )[59]. وهذا يذكرنا بانكار فيصل الدويش علي عبد العزيز طول ثوبه ،وكيف قصه بمقص .
اذن هب جهيمان يجدد طريقة الاخوان في المعارضة بعد القضاء عليهم بنحو نصف قرن ،ويكرر نفس بنود المعارضة ،ومع الاتفاق في الفكر الوهابي التقليدي فان الخلاف بينهما كان واضحا في طبيعة منها .كان الاخوان جنودا في الاصل لهم دراية بسيطة في الفقه السلفي ،اما جهيمان فكانت ثقافته الوهابية اعمق من اغلبية معاصريه ،وبالتالي كانت اعمق من الاخوان .
وبسبب تعمقه في الفكر السلفي فأنه استخدم منهجية محكمه في الكيد الفقهي لخصومه لا يستطيعون معارضتها او الافلات منها طالما يؤمنون بالتراث السلفي ويعجزون عن مناقشته .
وكل ما استطاع ابن باز ان يعترض عليه فيما اورده جهيمان انه صحيح ولكن لا يجوز تخصيص الدولة السعودية به ..وهو اعتراض ضعيف لمن يؤمن بالفكر السلفي ويقرؤه من خلاله رسائل جهيمان .
منهج جهيمان في رسائله : وتعقيب
كتب جهيمان رسائله في ظروف مختلفة اوجدت بعض التناقض في كتاباته فيما يخص علاقته بالسلطة كما سبقت الاشارة اليه ،الا ان السمة العامة علي رسائله تأثره الشديد بكتب الفقه الوعظي التي كتبها ائمة الفقه السلفي في الوعظ والتحذير من تلبيس ابليس ومكائد الشيطان ،كما فعل ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم الي ابن عبد الوهاب في رسائله التي حاول جهيمان محاكاتها .بل انه قام بتلخيص بعض رسائل ابن تيمية ونقل صفحات من رسائل ابن عبد الوهاب ،بالاضافة الي اعتماده علي غيرهم من فقهاء السلف .وانعكس هذا الاعتماد والنقل لكتب السلف علي اسلوب جهيمان ومفرداته اللغوية ،حتي حين كان يخاطب عصره ،ويتضح ذلك من النصوص التي سبق ايرادها ،الي درجة انه يصعب احيانا التفريق بين اسلوب جهيمان وبين ما ينقله عن الشيوخ والائمة لولا انه ينبه علي كلامه فيقول (قلت : ) وحتي هذا الاسلوب من تقاليد الكتابة التراثية ..
واستعان جهيمان بما ينقله من اقاويل الائمة في تدعيم وجهة نظره في الهجوم علي خصومه وكان ينقل تلك الاراء ثم يتبعها بما يؤكد انطباقها علي خصومه ،وهذا ما اعترض عليه ابن باز .اذ وافقه علي ما ينقل من كتب التراث السابقة الا انه خالفه في تطبيق ذلك علي الدولة السعودية ،الا ان اقاويل جهيمان عن عصره جاءت متسقة مع الفكر السلفي التقليدي الذي يحكم بكفر المخالفين له سواء كانوا مسلمين مثل الشيعة او من اهل الكتاب ،والذين يحظر الفكر السلفي التعامل معهم ويعتبره موالاة لهم ،والذين يعتبرهم جميعا اعداء يجب اعلان التبرؤ منهم .وقد افاض في ذلك ابن عبد الوهاب وابن تيمية .واتخذ جهيمان من اقوالهما حجة علي خصومه ورأينا مثلا من ذلك في تكفيره للحكام السعوديين مستعينا باراء ابن عبد الوهاب .
الا ان الخطورة الحقيقة في منهج جهيمان والتي ادت به الي انتهاك حرمة البيت الحرام هي اعتماده علي احاديث الغيبيات (التي تخبر عن علامات الساعة وغيب المستقبل ) وتوجيهها في ناحيتين ،الاولي :الهجوم علي خصومه ،والثانية لم يلتفت اليها احد في حينها ،وهي تمهيده بهذه الاحاديث لعمليته العسكرية في اقتحام البيت الحرام .وفي الناحيتين معا فأنه ليس في استطاعة الفكر السلفي انكار تلك الاحاديث او انكار العمل بمقتضاها .وهنا تكمن المنهجية السلفية المحكمة في رسائل جهيمان .
ومن تحليل رسائل جهيمان في جزئيها الاول والثاني يتضح انه مع ايمانه باحاديث الغيبيات الا انه لم يركز عليها كثيرافي البداية في رسائله الاولي التي اهتم فيها اساسا بالهجوم علي الحكام خصوصا في رسالته الاولي عن (الامارة والبيعة والطاعة وحكم تلبيس الحكام علي طلبة العلم والعوام ) وفيها تفصيل لارائه عن البيعه والطاعة ؛ وقد عرضنا لها ، الا انه استخدم الغيبيات في هذه الرسالة تحت عنوان جانبي يقول (فصل في اخبار النبي صلي الله عليه وسلم عن الحكام المضلين والسر الذى في آخر الزمان والمخرج من ذلك)
ثم في الرسالة الثالثة من الجزء الاول عن (النصيحة) وفي الرسالة الرابعة من نفس الجزء الاول عن ( الميزان في حياة الانسان )وبدأ يطبق احاديث الغيبيات علي الملك عبد العزيز والدولة السعودية علي ان ذلك من علامات الساعة وانه قد ان الاوان لظهور المهدي المنتظر .
ثم اكمل التفصيل في الرسالة الاولي من الجزء الثاني ،وعنوانها (الفتن واخبار المهدي ونزول عيسي عليه السلام واشراط الساعة) وهي اخطر رسائله ،وقد حاول فيها التمهيد لظهور المهدي المنتظر ،وتطبيق ما يقول علي الدولة السعودية منذ عهد عبد العزيز ،مما يقطع بأنه كان يمهد فكريا للحركة التي ازمع القيام بها ،والتي نعتقد انه كان يعد لها حينئذ عمليا وفكريا .
ونعطي امثلة.
في رسالته الاولي اضاف فصلا بعنوان (في اخبار النبي صلي الله عليه وسلم عن الحكام المضلين والسر الذي في اخر الزمان والمخرج من ذلك )ذكر فيه عدة احاديث منها حديث حذيفة ( كان الناس يسألون رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة ان يدركني )، وفي الحديث (قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر )(دعاة علي ابواب جهنم من اجابهم اليها قذفوه فيها )(هم من جلدتنا ويتكلمون بالسنتنا )(فاعتزل تلك الفرق كلها ..) وحديث اخر لحذيفة ايضا (تكون هدنة علي دخن ثم تكون دعاة الضلالة ..) وحديث (اعدد ستا بين يدي الساعة :موتي ،ثم فتح بيت المقدس ،ثم موتان (أي وباء ) يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتي يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ،ثم فتنة لا يبقي بيت من العرب الا دخلته ،ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الاصفر (أي الروم ) فيغدرونكم ..) ثم حديث فتنة الاحلاس (هي هرب وحرب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من اهل بيتي يزعم انه مني وليس مني …ثم يصطلح الناس علي رجل ..ثم فتنة الدهيماء لا تدع احدا من هذه الامة الا لطمته لطمة …فاذا كان ذلك فانتظروا الدجال …) ثم حديث (سيكون عليكم امراء يؤخرون الصلا ة عن مواقيتها …(الي ان يقول (…لا طاعة لمن عصي الله ) وذكر احاديث اخري عن قتال بين المسلمين وبين الروم ونصر المسلمين ونزول عيسي والدجال ،ويتوجه جهيمان بهذه الاحاديث الي الدولة السعودية وعلمائها ،بداية من عهد عبد العزيز ،فيقول مثلا ( وفتنة الدهيماء هي التي تكون بعد اصطلاح الناس علي هذا الرجل الذي هو الملك عبد العزيز …وبعد هذا الاصطلاح وهذه الهدنة تكون دعاة الضلالة )الي ان يقول ( فانك تجد هذا الوصف منطبقا علي الناس اليوم )(وهذه الصفة فيهم واضحة من حيث استقر حكم الملك عبد العزيز في الجزيرة )، وينتهي الي عنوان يقول ( الخلاصة مما تقدم ومجمل ما نعتقده في حكام المسلمين )، وفيه يؤكد علي عدم طاعتهم او البيعة لهم ،ويتعرض بالهجوم علي عبد العزيز والدفاع عن الاخوان الذين ثاروا عليه ،وينتهي الفصل بالدعوة الي ازالة انظمة الحكم في بلاد المسلمين باعتبارها منكرا .أي ان المخرج هو الثورة العامة علي كل الحكام المسلمين ..
وبمقارنة هذا الفصل الملحق بالرسالة الاولي بما جاء قبله في الرسالة الاولي نكتشف انه الحقه بالرسالة الاولي بعد ان كتب اخطر رسالة من رسائله في الجزء الثاني ،وهي رسالة ( الفتن واخبار المهدي المنتظر ونزول عيسي واشراط الساعة )بدليل انه يحيل القارئ لهذا الفصل الملحق الي رسالة الفتن ،يقول ص 77 (وقد ذكرنا الحديث الثالث والرابع في رسالة الفتن الموجودة في السبع رسائل )[60] أي في الجزء الثاني .وفيها يذكر تلك الاحاديث مع شروح وافية .
والمعني المستفاد من ذلك ان جهيمان في اخر تنقيح لرسائله اضاف اليها ذلك الفصل الاخير عن (اخبار النبي عن الحكام المضلين والسر الذي في اخر الزمان والمخرج من ذلك )ليكون المخرج من ذلك هو ظهور المهدي المنتظر الذي يعد جهيمان لاظهاره ،وختم ذلك الفصل بالدعوة للثورة العامة في بلاد المسلمين واختار ان تكون حركته في البيت الحرام بداية لهذه الثورة .
وفي هذه الرسالة الثالثة من الجزء الاول وعنوانها (النصيحة ) قدم النصيحة الي ولاة امور المسلمين وعامتهم ،وكرر فيها الاعتماد علي احاديث الغيبيات من الصراع بين المسلمين والروم وفتح بيت المقدس ،والهدنة وغدر الروم …ويتوجه بهذه الاحاديث للهجوم علي عبد العزيز ويري انه الذي عقد الصلح مع النصاري ويقول (فلم يبق الا ان يقاتل المسلمون والنصاري عدوا من ورائهم ثم يغدر النصاري بالمسلمين ويقع ما اخبر به النبي صلي الله عليه وسلم) [61].
وفي الرسالة الرابعة والاخيرة من الجزء الاول وعنوانها (الميزان في حياة الانسان ) يؤكد ما سبق في شرحه لنفس الاحاديث فيقول (ثم بعدها حصلت الهدنة بسبب تولي عبد العزيز بن سعود فانه صالح النصاري ،واقر كلا علي دينه ،وهذه هي الهدنة ، فلم يبق الا غدر النصاري )[62] وبعدها مباشرة تأتي الرسالة الاولي في الجزء الثاني (عن الفتن واخبار المهدي ) التي يمهد بها جهيمان فكريا ودعائيا لحركته العسكرية في الحرم الشريف .
وفي هذه الرسالة يبدأ جهيمان بالتأكيد علي ان علم النبي صلي الله عليه وسلم بالغيب يعد من دلائل نبوته، وانه عليه السلام ماترك شيئا يكون الي قيام الساعة الا اخبر به ،وان ما اخبر به النبي قد وقع فعلا .وبعد هذه المقدمات التي يتفق معه فيها فقهاء عصره السلفيون يسرد جهيمان احاديث المهدي المنتظر ،ولا ينسي ان يجعل من علامات صحتها ظهور عبد العزيز ال سعود الذي والي النصاري وفتح عهد الفتنة في رأي جهيمان ،وينتهز الفرصة فيدافع عن الاخوان ،ثم يعود الي التأكيد علي قرب ظهور المهدي المنتظر .
والقارئ السلفي لهذا الفصل من الصعب ان ينساه او يعترض عليه خصوصا وان جهيمان يبدأ رسالة الفتن بخطاب مؤثر للقارئ يقول فيه (وبعد فأسوة به صلي الله عليه وسلم ،في النصح للامة ،وارشادها للخير وتحذيرها من الشر ،بذلت وسعي في جمع احاديث مما صح من احاديث الفتن واشراط الساعة لعظم الحاجة اليها اليوم –وقمت بترتيبها حسب ازمنة وامكنة وقوعها ،مع الحرص علي التوفيق بين النصوص والجمع بينهما واخراجها في صورة متكاملة لتتم بذلك الفائدة ،مع العلم اني بدأت بأخبار الغيبيات لما فيها من الدلالة علي صدق نبوته صلي الله عليه وسلم ،وقد سبق الي الجمع والتأليف في هذا الموضوع اعني موضوع الفتن واشراط الساعة كثير من اهل العلم ،ولكني لاحظت فيما كتبوا امرين هامين : الاول عدم الاقتصار علي الصحيح من ذلك بل جمعوا بين الصحيح والضعيف، ومعلوم ان ديننا لابد ان يصح ثبوته لنعتقده ونعمل به ،الامر الثاني: عدم التوفيق والربط بين دلالتها وتطبيقها علي الواقع الذي وردت فيه، لذلك تجد القارئ في تلك الكتب يجد فيها شيئا من التعارض ،بل في بعض الاحيان لا يكاد ان يفقه ما دلت عليه –مع انهم يعذرون في عدم معرفة ذلك لأنهم لم يروا مارأينا –فاستخرت الله تعالي وجمعت في ذلك ما تيسر، وهو حسبي ونعم الوكيل ).
تعقيب علي منهج جهيمان في رسائله
من خلال المنهج السلفي نفسه يمكن اثبات خطأ جهيمان في اعتماده علي احاديث الغيبيات التي تتحدث عن علامات الساعة واحداثها ،وما يحدث يوم القيامة ،وقد اهتم جهيمان منها بما يخص المهدي المنتظر والفتن في اخر الزمان ،واتخذ منها مبررا فقهيا لحركته في اقتحام المسجد الحرام .
ان الامام ابن القيم الجوزية هو احد ائمة الفكر السلفي الموثقين ،وقد ولد سنة 691 /1292 م ومات سنة 751/1350 م وهو احد من اعتمد عليهم جهيمان في رسائله خصوصا ما كتبه ابن القيم في (التفسير القيم )و(طريق الهجرتين )و( الوابل الصيب )[64] كما يتضح تأثره الواضح بكتاب ابن القيم (اغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ) في الاسلوب وطريقة الفقه الوعظي مما يدل علي انه درس جيدا تراث ابن القيم خصوصا كتابه (المنار المنيف في الصحيح والضعيف ) الا ان جهيمان تجاهل ما جاء في كتاب (المنار المنيف ) فيما يخص احاديث الغيبيات .فماذا قال عنها ابن القيم ؟
ان ابن القيم في ذلك الكتاب يجعل من علامات الاحاديث الموضوعة :مخالفة صريح القرآن ،ويؤكد ابن القيم علي ان النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب ومتي تقوم الساعة ،واستشهد ابن القيم بالايات القرآنية التالية (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187 :الاعراف ) (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) لقمان 34) وقوله تعالي عن عدم علم النبي سرائر المنافقين (وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم :التوبة 101 ) وقوله تعالي للنبي (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ) (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ الانعام 50 ) (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)الاعراف ). ويستشهد ايضا ابن القيم بأحاديث (لا يعلم متي تقوم الساعة الا الله )وحديث ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) وقال ابن القيم انه لو كان النبي يعلم الغيب ما جري لأم المؤمنين عائشة ما جري ورماها اهل الافك بما رموها به ،لأنه لم يكن يعلم حقيقة الامر حتي جاء الوحي ببراءتها .ويري ابن القيم ان واضعي تلك الاحاديث من الغلاة ،الي ان يقول ( والمقصود ان هؤلاء يصدقون بالاحاديث المكذوبة الصريحة ويحرفون الاحاديث الصحيحة عن مواضعها لتروج معتقداتهم )..وكأن ابن القيم يشير بذلك الي جهيمان ،الا انه لا يعلم الغيب الا الله تعالي .
الا ان ابن القيم نفسه لم تكن تلك الحقيقة القرآنية واضحة لديه بما يكفي، لأنه يناقض نفسه وينسبب للنبي عليه الصلاة والسلام احاديث اخري في الغيبيات ،خصوصا عندما ناقش احاديث المهدي ونزول عيسي اخر الزمان ،وكان يمكن ان يطبق عليها حكم القرآن في تأكيده علي ان النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب وليس له ان يتحدث في الغيب خارج القرآن ،الا ان ابن القيم اجهد نفسه في الترجيح بين الروايات، منها ما اعتبره صحيحا ومنها ما اعتبره غريبا او موضوعا [65] الامر الذي يدل علي ان ابن القيم بدأ اول خطوة في الطريق الصحيح وهي الاحتكام للقرآن في الاحاديث المنسوبة للنبي ..الا انه لم يكمل المشوار ،وكان يجب علي من اتي بعده تكملة الطريق ..ولكن ذلك لم يحدث .بل حدث تراجع عن التصحيح والاجتهاد دفع المسلمون ثمنه غاليا فيما بين موت ابن القيم سنة 751 هـ 1292م الي موت جهيمان سنة 1400 هـ 1979 م ودفعت جزءا من هذا الثمن الدولة السعودية التي قامت علي الفكر السلفي دون ان تجتهد في تصحيحه وتطويره بالقرآن وبالعصر الراهن ..وستظل تلك المشكلة قائمة ،وكما افرزت جهيمان بالامس تفرز الان المسعري واخوانه …وستفرز اخرين مالم ينفتح باب الاجتهاد في التراث السلفي علي مصراعيه .
هوامشفصل :جهيمان العتيبى واحتلال الحرم عام 1979
1- الياسيني :الدين والدولة في السعودية : 131 ،165- ،169 : 170 ، 108 : 112 ،101 :102 ،147 :151 .
2- جريدة الجزيرة العربية :المقال الافتتاحي :اللمحات الجديدة في السياسة السعودية الخارجية : 1: 9 ،ومقال من صور الارهاب السعودي 73 –
3- الياسيني :المرجع السابق 173 .
4- جريدة الجزيرة الجديدة :دراسة حول الوضع الاجتماعي والسياسي في الجزيرة العربية السعودية 26 : 31 .
5- د.رفعت سيد احمد :مقدمة رسائل جهيمان 11 :13 . قديس الصحراء 65
الياسيني 195
6- التفصيلات في الصحف الاتية حسب ترتيبات الاحداث :
-جريدة السفير اللبنانية 6/2/1979،22/11/1979،9/1/1980 ،10/1/1980 ،29/11/1979 ،14/12/1979 ،2/12/1979 ،10/1/1980 ،20/1/1980 ،24/11/1979 ، 22/11/1979 ،29/11/1979 ،1/2/1980 ،21/12 /1979 .
-جريدة الاهرام المصرية 30/11/1979 ،25/11/1979 ،22/11/1979 ،24/11/1979 .
- الانوار اللبنانية 16/1/1980 ،24/11/1979 ،22/11/1979 .
- الرأي العام الكويتية 23/11/1979 ،24/11/197 ،28/11/1979 ،26/11/1979 ،25/11/1979 ،9/12/1979 .
- القبس الكويتية 18/12/1979 ،21/11/1979 .
- الدستور اللبنانية 30/11/1979 ،24/11/1979 .
- الحوادث اللبنانية 7/12/1979 ،18/1/1980 .
- نيوزويك 7/12/1979 .
- اللوموند 3/12/1979 ،22/11/1979 ،24/11/1979 .
- الرياض السعودية 22/11/1979 ،28/11/1979 ،4/12/1979 ،23/11/1979 ،25/11/1979 ،26/11/1979 ،29/11/1979 ،1/12/1979 .
- النهار اللبنانية 22/11/1979 ،25/11/1979 ،21/11/1979 ،10/1/1980 ،24/11/1979 ،30/11/1979 .
- الجزيرة السعودية 22/11/1979 ،27/11/1979 ،10/12/1979،11/12/1979 ،25/11/1979 .
- المدينة السعودية 26/11/1979 ،6/12/1979 ،2/12/1979 ،11/12/1979 .
- البلاد السعودية 24/11/1979 ،8/12/1979 ،11/12/1979 .
- مجلة الاسبوع العربي عدد 1058 في 21/1/1980 .
- الجمهورية القاهرية 24/11/1979 ، 27/11/19797 ،26/11/1979 .
- دير شبيجل 23/12/1979 .
- اخبار اليوم القاهرية 24/11/1979 .
- الايكونومست :15/12/1980 .
- الوطن الكويتية 22/11/1979 .
- الانباء الكويتية 22/11/1979 ،24/11/1979 ،25/11/1979 .
- اللواء اللبنانية 22/11/1979 .
- السياسة الكويتية 25/11/1979 .
- الشرق الاوسط السعودية 27/11/1979 .
- مجلة الوطن العربي عدد 147 .
- الجارديان 4/2/1980 .
- لوبوان 28/1/1980 .
7- الياسيني :المرجع السابق 201 :204 .
8- Hiro. Iran under the Ayatollahs . London 1985 p.p 335-336
رسائل جهيمان العتيبي :رفعت سيد احمد 43 –45 .
9- جريدة اليوم 9/1/1980 .السفير 9/1/1980 .الحوادث 18/1/1980 .
10- ملف الانتفاضة الاسلامية في الذكري السابعة لحادث الحرم .اصدار الثورة الاسلامية :ص 70 .
11- رسائل جهيمان 80 :الرسالة الاولي في الجزء الاول (الامارة والبيعة والطاعة وحكم تلبيس الحكام علي طلب العلم والعوام ).
12- نفس المرجع السابق 364 الرسالة السادسة في الجزء الثاني .اختصار رسالة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن تيمية .
13- نفس المرجع 61 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة …الخ .
14- نفس المرجع 78 ،79 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة …الخ.
15- نفس المرجع 342 :الرسالة الخامسة في الجزء الثاني :مداخل الشيطان لافساد القلوب .
16- نفس المرجع 80 الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة ..الخ
17- نفس المرجع 249 :252 :الرسالة الثانية في الجزء الثاني :بيان الشرك وخطره .
18- نفس المرجع 82 ،93 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة ..الخ
176 الرسالة الرابعة :في الجزء الاول :الميزان في حياة الانسان
255-256 :الرسالة الثانية في الجزء الثاني :بيان الشرك وخطره
ملف الانتفاضة :المرجع السابق 69 :70 .
19- نفس المرجع 89 :90 ،91 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة …الخ .
20- رسائل جهيمان نفس المرجع 88 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة …الخ
21- المرجع السابق 82 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة …الخ .
22- نفس المرجع 195 :الرسالة الرابعة في الجزء الاول :الميزان في حياة الانسان .
23- نفس المرجع 61،62 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة …الخ .
24- نفس المرجع 96 ،84 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة …الخ .
25- نفس المرجع 452 :455 الرسالة السابعة في الجزء الثاني :بيان وجوب معرفة الدليل .
26- نفس المرجع 80 :81 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة …الخ .
27- نفس المرجع 330 .الرسالة الخامسة في الجزء الثاني :مداخل الشيطان لافساد القلوب .
28- نفس المرجع 364 :الرسالة السادسة في الجزء الثاني :اختصار رسالة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن تيمية .
29- نفس المرجع 176 :الرسالة الرابعة من الجزء الاول :الميزان في حياة الانسان .
30- نفس المرجع 60 ،62،93،61 :الرسالة الاولي في الجزء الاول :الامارة والبيعة ..الخ .
31- نفس المرجع83 :الرسالة الاولي في الجزءالاول .
32- نفس المرجع 89 :91 الرسالة الاولي في الجزء الاول .
33- نفس المرجع 57 : الرسالة الاولي في الجزء الاول .
34- نفس المرجع 69 الرسالة الاولي الجزء الاول .
35- نفس المرجع 71 :الرسالة الاولي الجزء الاول.
36- نفس المرجع 67 :68 :الرسالة الاولي في الجزء الاول .
37- نفس المرجع 69 :70 الرسالة الاولي في الجزء الاول.
38- نفس المرجع 58 :59 الرسالة الاولي في الجزء الاول .
39- نفس المرجع 70 :71 الرسالة الاولي في الجزء الاول .
40- نفس المرجع 91 ،89 :الرسالة الاولي في الجزء الاول ،
190 الرسالة الرابعة في الجزء الاول :الميزان في حياة الانسان .
41- نفس المرجع 93،94 : الرسالة الاولي في الجزء الاول .
42- نفس المرجع 96 :الرسالة الاولي في الجزء الاول .
43- نفس المرجع 80 :81 ،84 :الرسالة الاولي في الجزء الاول .
44- نفس المرجع 159 الرسالة الرابعة في الجزء الاول :الميزان في حياة الانسان ،
99 الرسالة الاولي في الجزء الاول .
45- نفس المرجع 95 الرسالة الاولي في الجزء الاول .
46- نفس المرجع 88،86،71 ،84 :الرسالة الاولي الجزء الاول.
47- نفس المرجع 254 :256 الرسالة الثامنة في الجزء الثاني :بيان الشرك وخطره .
48- نفس المرجع 457 :الرسالة السابعة في الجزء الثاني :بيان وجوب معرفة الدليل .
49- نفس المرجع 457 :الرسالة السابعة في الجزء الثاني :بيان وجوب معرفة الدليل .
50- نفس المرجع 189 الرسالة الرابعة في الجزء الاول :الميزان في حياة الانسان ،451،452 الرسالة السابعة في الجزء الثاني :بيان وجوب معرفة الدليل .
51- نفس المرجع 79 :80 :الرسالة الاولي في الجزء الاول .
52- نفس المرجع 61 الرسالة الاولي في الجزء الاول.
53- نفس المرجع 71 الرسالة الاولي في الجزء الاول .
54- نفس المرجع 88 الرسالة الاولي في الجزء الاول .
55- نفس المرجع 255 :الرسالة الثانية من الجزء الثاني :بيان الشرك وخطره .
56- نفس المرجع 216 الرسالة الاولي في الجزء الثاني :الفتن واخبار المهدي ونزول عيسي واشراط الساعة .
57- نفس المرجع 160 :الرسالة الرابعة في الجزء الاول :الميزان في حياة الانسان ،214 الرسالة الاولي من الجزء الثاني الفتن واخبار المهدي .
58- نفس المرجع 96 الرسالة الاولي في الجزء الاول الامارة والبيعة …الخ .
59- نفس المرجع 135 الرسالة الثانية في الجزء الاول :التوحيد .
60- نفس المرجع 74-79-،88 :99 :الرسالة الاولي من الجزء الاول .
61- نفس المرجع 155 الرسالة الثالثة من الجزء الاول :النصيحة .
62- المرجع السابق 194 الرسالة الرابعة من الجزء الاول :الميزان في حياة الانسان .
63- المرجع السابق 202 :218 .الرسالة الاولي من الجزء الثاني :الفتن .
64- المرجع السابق 261 الرسالة الثانية من الجزء الثاني :بيان الشرك وخطره
322 –الرسالة الخامسة من الجزء الثاني :مداخل الشيطان لافساد القلوب .
65- ابن القيم :المنار المنيف في الصحيح والضعيف 140 :145 ،192 :208 تحقيق د. عبد الرءوف سعد .
مقدمة
التمهيد
الفصل الأول : تكوين الأخوان ودورهم في تأسيس ملك عبد الع
الفصل الثاني : معارضة الأخوان الوهابيين لعبد العزيز في
الفصل الثالث من القسم الأول: التكوين الأيديولوجي للإخو
الفصل الثالث من القسم الأول: التكوين الأيديولوجي للإخو
الفصل الرابع من القسم الأول : ملامح البناء الايدولوجي
الفصل الخامس من القسم الأول : تحليل سياسة عبد العزيز وت
الفصل الأول من القسم الثانى : معارضة ناصر السعيد
الفصل الثانى من القسم الثانى :جهيمان العتيبى واحتلال ا
الفصل الاول من القسم الثالث : المعارضة الوهابية التى أ
الفصل الثانى من القسم الثالث: تحليل الصراع بين اللجن
الفصل الثالث من القسم الثالث : الامر بالمعروف والنهي عن
( فصل مضاف ) الفصل الرابع من القسم الثالث :قراءة نقدية ل
الخاتمة
مصادر البحث
17
دعوة للتبرع
الجهر والتخافت: كيف يمكن تحديد الوسط بين الجهر بالصل اة ...
هجص الشيعة: ﴿ي َا أَيُّ هَا الرَّ سُولُ بَلِّ غْ ...
شكرا على يعقوب: الشي خ الأست اذ الدكت ور أحمد صبحي منصور...
اربعة أسئلة : السؤ ال الأول هل التنب ؤ فى الارص اد ...
عقوبة الزنا: لقد قرات لك مقالة عن "الزن " الذي وصفته...
more