أكدت مذكرة أرسلها نادي قضاة مجلس الدولة برئاسة المستشار سمير يوسف البهي رئيس النادي وحملت تاريخ (28 مارس 2019) أن مقترحات التعديلات الدستورية تقضي على "ماتبقى للقضاء من استقلال، وتحيله مزعا مزقا، ومرفقا تديره السلطة التنفيذية".
وشرحت المذكرة باستفاضة كيف أن المقترحات أسرفت في هدم استقلال القضاء، وأفرطت في النيل منه، "على نحو يضحي معه التواني في دحضها مذموم، وذنبا غير مغفور".
وقال قضاة مجلس الدولة: "إنا لا نود الإيمان بما أخبر به البعض، وأشاعه، أن ما اقترح من تعديلات الدستور "هو مورد لامحيص عنه، وحال لابد مشهودة، إحكاما للسيطرة" وأنه - في ظل استمرار هذه المقترحات- يؤلمنا أن نصرح بأننا نستشعر عدم الاطمئنان والاستقلال في أداء رسالتنا
وشددت المذكرة على أن "القضاء المستقل لايوفر فقط للمواطن الطمأنينة على حريته وعرضه وماله، وإنما يؤمن الحاكم كذلك، ومن شأنه أن ينشر الأمن على ربوع البلاد، فيوفر للأمه فرص استمرار وجودها، ويصد عنها النكبات والكوارث"
وأوضح أن مقترح التعديلات الدستورية "يتجافى بالقضاء عن استقلاله، ويتراخى عن حيدته وتجرده، وهو الاستقلال الذي حرصت كل المباديء والقيم الدستورية على صونه، فلاعدل دون استقلال القضاء، والذي ليس هو أسبق من الأمن فحسب، بل هو سببه وأساس وجوده"
وقال قضاة مجلس الدولة "إن تعديل الدستور إنما يجب أن ينطلق من ضرورة اجتماعية وسياسية وقانونية، والتي تمثل قيدا على تعديله، وتستهدف مسايرة تطورات وأحداث استجدت بعد نفاده، أو معالجة مثالب أفرزها واقع تطبيقه، بغية كفالة العيش الكريم للمواطن، ومزيدا من الضمانات الأساسية للحريات ، وكفالة أداء المؤسسات الدستورية دورها تحقيقا لأهدافها، وإلا غابت كل حكمة من وراء التعديل، وأضحى دون هدف "مشروع".
وتساءلت المذكرة: "كيف للسيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا – وقد اصطفاه السيد رئيس الجمهورية أن يفصل في مدى دستورية قانون أصدره الأخير؟! وأنه من غير المستساغ أن يختار الشخص "رئيس الجمهورية" من يحاكمونه إذا اقتضى الحال!!"
وشدد القضاة على أن إلغاء "الموازنة المستقلة" لكل جهة أو هيئة قضائية، "يمثل ردة إلى الماضي، وإفساح المجال للسلطة التنفيذية للسيطرة على القضاء، ومصائر القضاة، إذ يسمح لها ويمكنها من تحديد كيفية معاملة القضاة ماليا، منحا ومنعا، وهو أمر يناهض استقلال السلطة القضائية، وأنه لم يكن بدعا استقلال السلطة القضائية بميزانيتها، أو الاستمرار في ذلك، كشأن السلطة التشريعية، ومؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة، والجهاز المركزي للمحاسبات، وغيرهم، بل السلطة القضائية أولى من كثير من هذه الجهات بهذا الاستقلال"
واعتبر أن التعديلات تتيح لغير مجلس الدولة الإفتاء في المسائل القانونية، كما و"أن عدم النص على اختصاص مجلس الدولة بمراجعة "العقود الإدارية" أمر يثير الدهشة والغرابة، فهو اختصاص يمارسه مجلس الدولة منذ نشأته عام 1946، أي مايربو على اثنين وسبعين عاما".
كما انتقدت المذكرة قصر دور مجلس الدولة في مراجعة القوانين التي تحال إليه فقط، بعد أن كان اختصاصه بالمراجعة ملزما، وهو أمر غير مبرر، بل يتصادم والصالح العام.
نص المذكرة بالكامل في العدد الجديد من المشهد الأسبوعي، الاثنين المقبل.