التخلف الفكري مرافق للتخلف الاقتصادي
زمن الإحياء الثاني لعلم الحديث الذي بدأ في القرن السابع وانتهى في القرن العاشر هو الذي أنتج الثقافة الحالية للعرب..
أكثر من 90% من فتاوى شيوخ هذا الزمان تعتمد على رموز هذا الزمن المتخلف..قدس فيها العوام كل أئمة هذه الحقبة المظلمة بدءاً من ابن تيمية وابن القيم مروراً بالنووي وابن حجر والذهبي انتهاءً بالسيوطي..
هؤلاء هم شيوخ المماليك بالأساس وكانوا فقهاء سلطان عند الأمراء المماليك والجراكسة، تلاحظ حتى من فتاويهم التي نشرت الخنوع للحاكم وإن ضرب ظهرك، يقصدون بها طاعة الأمير المملوكي..وعندما انتصر سليم الأول العثماني على المماليك انتقلوا من الدعاية إلى بني مملوك إلى الدعاية إلى بني عثمان..!
هكذا هم رجال الدين في الأعم الأغلب مجرد (كهنة) يعملون لصالح الطاغية أيا كان وحملة مباخر له أيا كان فعله، وتذكر أن هؤلاء الذين يشعلون الفتنة المذهبية الآن بحجة الشيعة والروافض..هم أنفسهم الذين أمروا الناس بطاعة الخليفة الفاطمي وهو شيعي أيضا..!
في كتاب حوادث الدهور لابن تغري أن أكثر من 12 ثورة شعبية قام بها الفلاحون والفقراء المصريون على المماليك في الفترة ما بين القرنين السابع والعاشر الهجريين، أي في فترة نبوغ ولمعان هؤلاء الأئمة ..وفي عز انتشار مذهب أهل الحديث -الذي عن طريقه نشر الأئمة مذهب طاعة الحاكم الظالم- كان الفقراء يئنون من الجوع والفقر والظلم بسبب الإقطاعيين من المماليك الذين احتكروا القمح والمحاصيل لأنفسهم.
كانت ثورات المصريين متركزة في الصعيد والشرقية والغربية والبحيرة، وجميعها مناطق أرياف وفلاحين فقراء.. مذكورة جميعها في تواريخ ابن إياس وصبح الأعشى للقلقشندي، وانتبه جيدا أن مؤرخي مصر وقتها كانوا أكثر نزاهة من فقهائها، لأنهم نقلوا ما حدث للشعب من مظالم وفقر وجوع حتى وصلتنا أخبارهم في عصر التكنولوجيا، بينما الفقهاء غطوا على تلك الأخبار واستبدلوها بفتاوى متشددة ومتخلفة ومليئة بروح النفاق والتزلف للسلطان المملوكي.
وبحسبة بسيطة تستنتج أن شيوع الظلم والفقر يومها لم يكن فقط بسبب المستبد المملوكي ولا فشل إدارته ولكن أيضا بنفاق المشايخ الذي داهنوا السلطان القوي على حساب الفلاح الضعيف.
أكرر أن أي تخلف فكري دائما يرافقه تخلف اقتصادي وشيوع للظلم والفقر، في وقت نعيش فيه الآن أجواء شبيهة بتلك الحقبة المظلمة، الشيوخ والمستبدين يريدون إرجاعنا لتلك الأجواء بسرعة حتى بدون أي مقدمات..فتجد شيوخ الأزهر مع السلفية يحرمون معارضة السيسي، وفي السعودية يكفرون معارضة آل سعود..
وبمجرد فلاش باك سريع لزمن ابن تيمية والمماليك تجد أن الأسماء تبدلت..فشيخ الأزهر هو ابن حجر، وحسان والحويني هما ابن تيمية وابن القيم..مع الفارق العلمي طبعا..فشيوخ الأمس -مع تخلفهم- كانوا أكثر عقل ونظر من شيوخ اليوم، على الأقل امتلك ابن تيمية الجرأة لمخالفة الأئمة الأربعة..وابن القيم لإنكار أحاديث في الصحيحين..لكن شيوخ اليوم مجرد أصنام..لا ترى لا تسمع لا تعقل..مجرد بيادق في أيدي السلطان..وكأنهم لم يأخذوا من شيوخ الأمس سوى الجهل والنفاق ولم يروا بعد ميزة النظر..
اجمالي القراءات
7746