القرآن:
هل قوانين القرآن الكريم تقدمية أم رجعية؟

زهير قوطرش Ýí 2010-04-21


 

هل قوانين القرآن الكريم تقدمية أم رجعية؟

 

في البداية ,وقبل الإجابة على هذا التساؤل ,لا بد  لنا من أن نعرف ,ما معنى  قوانين تقدمية  أو رجعية .

بالمناسبة ,كملاحظة جانبية ,في سنوات الستينات من القرن المنصرم ,وعندما كنا في عنفوان الشباب الذي أخذ على عاتقه مهمة النضال الوطني والاجتماعي أنذاك  . كانت لذلك العصر  مفرداته التي كانت تحكم حركة الواقع   , وإذا لم تخني الذاكرة ,كنا نستخدم مصطلحات سياسية ,مثل تقدمي ,ر&cute; ,رجعي ,وطني ,عميل ,قومي ,أممي . اشتراكي ,برجوازي إقطاعي ...مسلم ,مسيحي ,يهودي ,ملحد .  

أما اليوم ,وبعد سقوط المنظومة الاشتراكية ,وهيمنة القطب الواحد ,سبحان الله فقد تغيرت حتى تلك المفردات  ,وصرنا نستخدم  مفردات عصر العولمة .ومفردات عصر التقسيم الطائفي والمذهبي البشع.

سني ,شيعي ,يزيدي ,بهائي ,طالبان ,قاعدة ,أخوان ,قرآني,هيئة علماء المسلمين ,التيار الصدري ,قائمة التحالف الإسلامي  ,القائمة الشيعية ,قائمة تحالف كردستان , جهادي,علماني ,قبطي ,كاثوليكي ,أرثوذكسي,........وهكذا .

نعود إلى التعريف.

قوانين تقدمية:هي القوانين التي لم تقف في حركة الحياة عند عصر قديم ,بل أخذت من القديم ما يناسبها ,وتعاملت مع الحاضر حسب شروطه الآنية والموضوعية ,ولها نظرة أيضاً مستقبلية.

قوانين رجعية .هي القوانين التي ثبتت حركة الحياة عند عصر ماضي معين ,وكلما تقدم وتطور الزمن ,تكون نظرتها إلى الخلف .لأن الماضي بالنسبة لها هو الأصل الثابت .

من هنا ,نستطيع القول ,أن تعاقب الأجيال ,والعصور ,وتقدم المجتمعات ,يجعل الاحتياج إلى القرآن في عصر التقدم أكثر ,ويصبح القرآن حاجة موضوعية للبشرية .ذلك لأن القوانين القرآنية ,لا تقف عند فهم عصر معين ,بل تتجاوزه إلى الحاضر ومن ثم إلى المستقبل.

المشكلة ,في المسلمين هي ما نردده باستمرار تكمن في هجرهم للقرآن ,ولا أغالي إذا قلت أن أكثر المسلمين ,وحتى العرب منهم لا يعرفون ألفاظه ,ولا يستطيعون تدبر آياته.وهذا المستوى ,جعل عملية تبليغ القرآن الكريم وحقائقه عملية محدودة ومعقدة .أما مشكلة الدعاة اليوم هي مشكلة كبيرة في حق كتاب الله ,كونهم أخذوا على عاتقهم ,تدريس السنة والتراث وخرافات البشر وأساطيرهم.وبذلك أصبحت القوانين القرآنية بمفهومهم قوانين رجعية ,كلما تقدم العصر ,ارتدوا وردوا معهم الملاين إلى تلك العصور التي لا يمكن أن تكون  مقياس لهذا العصر ,اللهم ما عدا القيم الأخلاقية المشتركة ما بين الحاضر والماضي.

الآيات القرآنية ,هي آيات صامتة ,مهمتنا أي مهمة المسلمين هي نقلها من حيز السكون إلى الحركة .وهذا يتطلب منا استنباط الأفكار والرؤى ,لتتفاعل مع حركة الواقع.

لنأخذ هذا المثال .

يقول الله عز وجل :

"وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" شورى 38

 

هذه الآية آية صامتة ,نزلت على رسول الله(ص) في عصر معين .

ماذا فعل رسول الله, قرأ الآية على الصحابة ,ومن ثم تم تدوينها ,وبعد ذلك حولوها من آية صامتة ,إلى منهج  يتعامل مع حركة الواقع وحركة الحياة.

عند تدبرهم لهذه الآية ,من المؤكد أنهم استغربوا في البداية ورود مفهوم الشورى ما بين مفهومي الصلاة والإنفاق.وهم من الذين استجابوا لربهم ,أمنوا به وأمنوا برسالة الرسول ,ومع ذلك لفت انتباههم أن التسليم والإيمان بالتوحيد لا يكفي  من أجل بناء مجتمع القسط والعدالة ,عندها انتبهوا إلى أن هذا المجتمع ,يجب أن يتميز بكونه مقيم لأهم ركن من أركان العبادة ,الصلاة ...لماذا الصلاة؟ لأن أداء الصلاة والصلة بشكلها الصحيح هي السبيل  إلى بناء الشخصية ,ومن ثم بناء الأسرة والمجتمع بشكل صحيح كما أراده الله عز وجل.

أما الأنفاق فهو السبيل لتقدم المجتمع وإقامة نظام اقتصادي أساسه العدل.

لكن بين الواجبين ذكر رب العالمين واجب الشورى ,والشورى هي البعد الثالث لبناء المجتمع ,بمعنى أخر هو البعد السياسي  والاجتماعي . وفعلاً بفهمهم للمعاني لهذه الآية

 ,تحولت الآية الصامتة ,في ذلك العهد النبوي إلى حركة حياة ,قرأوا ...تدبروا ...فعّلوا .

فأقاموا مجتمعاً موحداً لله ,عاش فيه كل من سالم ,أي  مجتمع العدل والقسط ,ومجتمع الشورى .

ولو نا قشنا هذه القوانين القرآنية ,من مقياس التقدمية والرجعية اليوم ,لوجدنا أن أصحاب الجمود والرجعيين ,عند قراءتهم لها ,يفعلوها ,بالعودة إلى ذلك العصر ,لتطبيق كيف تمت الشورى آنذاك ,وكيف كان المسلمون يدفعون الزكاة  من تمر وقمح ...,ويطالبون أن يكون التطبيق العملي مماثلاً لذلك العصر , بغض النظر عن التقدم الذي حصل,

أما الرؤية التقدمية ,فأنها تأخذ القانون  القرآني,وتفعله بشروط العصر ...الشورى من خلال الوسائل الديمقراطية ,الزكاة  تدفع  بشكل يتفق والقيمة النقدية الموازية وهكذا....

إذن من كل ذلك نستنتج أن في القرآن قوانين  تقدمية فقط , نستطيع تفعيلها في كل العصور ومع كل الأجيال ,بشرط فهمها وتدبرها وتفعليها على أرض الواقع  .وبالله المستعان.

اجمالي القراءات 14378

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   خـــالد ســالـم     في   الخميس ٢٢ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47335]

قوانين القرآن بالطبع تقدمية وتصلح لكل العصور : لكن العيب فى فهم الناس للقرآن

نشكر الأستاذ زهير قوطرش على هذا المقال الذي يضعنا فى حالة نشاط فكرى وفى حالة تدبر وتفكر فى كلماته المختصرة:


أود ان أقول أن القرآن الكريم كتاب لكل العصور الى قيام الساعة يحمل قوانين وتشريعات إلهية من خالق هذا الكون تصصح وتصدق كل ما جاء فى الكتب السماوية السابقة وتكفى لجميع البشر الى قيام الساعة لذلك كانت حكمة الله جل وعلا أن القرآن الكريم أخر الرسالات السماوية ونرجع بعد ذلك لسؤال الأستاذ زهير عن قوانين القرآن تقدمية او رجعية بالطبع وبكل تأكيد قوانين القرآن تقدمية ونستطيع ان نقول غاية فى الرقى والتحضر والتقدم ونستطيع ان نقول ان القرآن لو تم تطبيقه بمفاهيمه ومعانيه الحقيقية لتم بناء مجتمعات تقترب من المثالية بحيث يتوفر فيها العدل والمساواة والتسامح والحب والحرية وكل القوانين الانسانية الوضعية التى وضعها البشر لحفظ حقوق الانسان فى المجتمع ورغم هذا سيكون ما توصلنا اليه من فهم للقرآن هو جزء بسيط جدا من أسراره اللامتناهية إذن العيب يكون فى الانسان وفي طريقة فهمه للقرآن الكريم وفي طريقة تعامله ونظرته لآيات القرآن الكريم ولا يمكن أن نحمل القرآن كتاب الله خطأ فهم س او ص من البشر وعلى سبيل المثال معظم الدعاة وعلماء الاسلام يستشهدون بجزء من آية من سورة الحشر على صحة وجود الأحاديث ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) على الرغم ان الآية تتحدث عن شيء متختلف تماما عن موضوع الاحاديث إلا أن جميع علماء الاسلام الذين يدافعون عن الأحاديث يستدلون بهذا الجزء من هذه الآية اذن هل يمكن ان نتهم القرآن أنه يساعد فى تأكيد وجود الاحاديث بالطبع لا ولكن العيب فى اقتطاع الآيات الذي يقوم به البشر اذن العيب فى الطريقة التى ستعامل بها المسلمون مع القرآن الكريم وإلى يومنا هذا لم يحاول عالم أزهرى أو طالب أزهرى أو داعية إسلامي أو عالم مسلم اتباع طريقة منهجية يحترم فيها القرآن عندما يرد بحث اى موضوع لكنهم دائما ما يقومون بطريقة القص واللزق للضحك على الناس باقتطاع الآيات من سياقها المتكامل الذي يعبر عن الحقيقة الكالمة ، وما أريد التنويه اليه الآن فى موضوع خطير مثل موضوع الأحاديث يخاف علماء الاسلام أن يذكروا الآية كاملة فما بالك يا أستاذ زهير لو قام أحدهم بسرد جميع الآيات التى تتحدث عن القرآن وعن مصادر التشريع وتم توضيحها أمام المستمع أو المشاهد هل سيقتنع بكلام هذا العالم إذن هي نظرة البشر للقرآن وطريقة البشر فى التعامل مع القرآن هى التى تظهر اتهامهم له بالنقصان او الرجعية أو أن القرآن غير واضح ويحتاج لتفسير أو أن القرآن يحتاج للأحاديث لتكمل النقص الذي فيه هي صفات أو نظرات أو مفاهيم بشرية مرتبطة بكل إنسان أو كل عالم وما يرده من قراءته للقرآن


2   تعليق بواسطة   عبدالمجيد سالم     في   السبت ٢٤ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47369]

القرآن ينحاز دائما لكل ما هو متقدم في الفكر والعلم.

الأستاذ الفاضل زهير قوطرش نعم القرآن ينحاز دائما لكل ما هو متقدم في الفكر والعلم والمنطق ، ولكن المسلمون هم من هجروه ، هجروه لصالح مرويات متخلفة وتجعل من يتبعها أكثر تخلفا.


ولنأخذ مثالاً على اتفاق القرآن مع كل منجزات الإنسان في العلم عندما يقول الله سبحانه وتعالى {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ }القصص6.


ففرعون وهامان وجنودهما فرقوا بين المصريين وجعلوهم شيعا يستضعفون طائفة منهم ويذيقونها أشد أنواع العذاب ثم ينتقلون إلى طائفة أخرى يذيقونها أشد أنواع العذاب أيضا، فرعون وهامان مع قوتهما وجبروتهما إلا أنهم بنص القرآن كانوا يحذرون من أن ينقلب عليهم عملهم ، وهذا المسلك أثبته العلم الحديث حيث أن الظالم يعيش أثيرا لظلمه يخاف ممن يظلمهم فتراه يزداد قسوة وعنفا وتنكيلا بهم وهذا كا نلمحه في الحكام المستبدين ممن يستنون بسنة فرعون أمثال مبارك فإنهم ينادون بقتل المتظاهرين رميا بالرصاص وكذلك فعل النظام الإيراني مع المتظاهرين وأعدم بعضهم ، يفعل هذا المستبد لأنه يخاف من ظلمه وعذبه ونكل به،


3   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   السبت ٢٤ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47382]

من المحاور الثلاثة

من المحاور الثلاثة التي أشرت إليها محور الإنفاق ويكون مما رزقنا الله به كما قالت الآية الكريمة  وبمناسبة الإنفاق والفقراء فقد قرأت اليوم السبت  في جريدة  المصري اليوم صفجة كاملة عن الدكتور محمد يونس مؤسس بنك الفقراء ببنجلادش الذي أخذ على عاتقه محاربة الفقر ليس في بنجلاديش فقط بل في العالم كله من خلال الدعوة لمشروع بنك الفقراء وإلزام البنوك بأن تعطي للفقراء بدون ضمان وانتقد البنوك العربية في بلادنا بأنها لا تراعي الفقراء فقط لأن ما يهمها هو هامش الربح وقال إن نسبة الفقراء في تزايد لأن النظام الرأسمالي يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا وهو لا يناسب مجتمعاتنا وقد ضرب الجوع  بلاده عام 1974 ومنذ ذلك الحين وهو يحارب الفقر ويتبنى بنوك الفقراء ويدعو لمدن صناعية يوظف فيها الفقراء فقط وقد أجرى معه الصحفي من الإمارات الحديث وقد استفادت منه الإمارات من مشروعه  المبدع وعدد من البلاد الأخرى


4   تعليق بواسطة   احمد شعبان     في   الأحد ٢٥ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47408]

شكرا أستاذ زهير

لقد استمتعت كثيرا بقراءة هذا المقال الذي ينتقل بنا فكريا من الماضي إلى الحاضر سعيا إلى المستقبل .


وقد كتبت حول هذا المجال مقال بعنوان " البلاغ " أعتبره ممتعا يبين لنا فهم رسولنا الكريم للآيات القرآنية وفهمنا المعاصر كإجابة لتساؤل من أخي الأستاذ فوزي فراج .


وشكرا للمداخلات المليئة بلمحات فكرية مبهرة ، وقد كتبت أيضا حول قول الله " ما أتاكم الرسول فخذوه .... " في العديد من المداخلات .


أقول هذا لأدلل على أن الحقيقة واحدة ومتعددة الأوجه ، ولا تحتاج إلا إلى " تقوى الله " .


ونجد هذا في الصدق العلمي فيما يعرف بتوارد الخواطر ، والتي قد تأتي أحيانا في آن واحد أو على أزمان متفاوته ، وهذا ما يجعلني أنظر للوراء نتيجة لما أفهمه من معنى لفظ " التدبر " حيث من الممكن أن أجد من الأفكار ما يعينني على الفهم ، وهذا من فوائد قراءة التاريخ .


أخلص من هذا بوجوب قراءة التراث على أنه تراث ونتدبر ما فيه من لمحات فكرية عسى أن نفيد منها ، لا أن نعيشه ن وهذا ما أفهمة من " تعبير تنقية التراث " الذي فشل بسبب الإنتقائية التي تفيد مذهبيا دون اعتبار لأي شيء آخر .


شكرا لجميع المخلصين لدين الله ، والذين نجد أفكارهم تسير صوب الحقيقة عفويا .


احمد شعبان

 


5   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الإثنين ٢٦ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47414]

الأخوة الأعزاء

أشكركم جميعاً على مروركم الكريم ,وأعتقد أننا متفقون بأن القرآن الكريم ,بقوانينه ,وبكل مقاصده ,كتاب كشجرة الحياة في أخضرار دائم ,وقد اشرك من جعل منه صنماً ,يعبد من دون تدبر ,وعطل قوانينه التي هي للماضي والحاضر وللمستقبل .


شكراً لكم على كل كلمة مفيدة في تعليقاتكم التي تعبر عن مدى تطورنا جميعاً في فهم كتاب الله.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-02-25
مقالات منشورة : 275
اجمالي القراءات : 5,709,415
تعليقات له : 1,199
تعليقات عليه : 1,466
بلد الميلاد : syria
بلد الاقامة : slovakia