بعد أسبوع من الفيلم المثير عن حياته
الأتراك يبكون أتاتورك حتى بعد مرور 70 عاماً

أحمد البشري- إيلاف: في العاشر من نوفمبر كل عام، تحديداً في الساعة التاسعة وخمس دقائق صباحاً، تقف الحياة في تركيا لمدة دقيقة، وتبدا منبهات السيارات وانظمة السلامة، وإنذارات الحريق، وصفارات الإنذار بإصدار اصواتها، كل ذلك حداداً على مؤسس الدولة التركية الحديثة، وهو الوقت الذي كان فيه مصطفى كمال اتاتورك يلقي النظرة الاخيرة على قصره ( دولما بخشة ) في إسطنبول. وفي كل عام وفي ذات الوقت تنكس الاعلام التركية سواءً في داخل الاراضي التركية، او خارجها عبر سفراتها ومؤسساتها الرسمية.

مصطفى كمال اتاتورك، الذي يقال انه احب اسطنبول وخاف عليها، مما جعله يقر انقرة عاصمة بدلا منها، من اجل ان يحميها، وبحسب رؤية الاتراك فـ "اتاتورك" هو الاب الروحي، فالجميع في اهل اسطنبول، انقرة، قونيا، ازمير، ديار بكر، ماردين،بورصة، إزميت، وانطاليا وبقية المدن التركية، احييو هذا اليوم ذكراه، عبر الوقوف في الميادين العامة، كما ان العديد من الاتراك العاملين خارج الخريطة الجغرافية، شاركوا وجدانياً في هذا الحدث. حيث يقول المهندس (حسن جيلبي) وهو يعمل في احد الشركات التركية العاملة في السعودية: نحن نفعل ذلك لاننا نريد ان نفعل ذلك، لا قوه تجبرنا على ذلك إلا احترامنا لاتتاتورك، برغم كل شيء وكل ما قيل عنه إلا انه افضل ما حصل لتركيا منذ ضعف الإمبراطورية العثمانية.

ويعرف عن اتاتورك انه في 3 مارس 1924م الغى الخلافة العثمانية، وطرد الخليفة واسرته من البلاد، والغى وزارتي الاوقاف والمحاكم الشرعية، وحوّل المدارس الدينية إلى مدنية، واعلن ان تركيا دولة علمانية، واغلق بعض المساجد، وحوّل مسجد آيا صوفيا الشهير إلى متحف، وجعل الاذان باللغة التركية، واستخدم الابجدية اللاتينية في كتابة اللغة التركية بدلاً من الابجدية العربية.

وخلال الخمسة عشر عام التي امضاها اتاتورك في الرئاسة اورد نظاما سياسيا وقضائيا جديدا، محى الخلافة وانهاها و جعل كلا من الحكومة والتعليم علمانيا وحقق تقدما في الفنون والعلوم والزراعة والصناعة، حل برلمان اسطنبول المعارض له و استبدله ببرلمان انقرة. في عام 1934 عندما تم تبني قانون التسمية اعطاه البرلمان الجديد اسم اتاتورك (ابو الاتراك).

وإذا كان البعض يرون في اتاتورك ديكتاتوراً، يثمل اكثر مما يصحو، ويقضي وقتاً في احضان النساء اكثر مما يقضيه وهو يدير دفة قيادة البلد الذي خرج للتو من حرب عالمية، إلا ان الاغلبية يحترمون كل مافعله من اجلهم، ويرون بان تلك التفاصيل تخص حياته الشخصية، ويعتزون بمسماه الذي اطلق عليه في عام 1934 عندما تم تبني قانون التسمية، فاعطاه البرلمان الجديد اسم اتاتورك (ابو الاتراك).

الاتراك كما يصفون انفسهم بشهادة " نيهات شكري" احد الخبراء في مجال الطاقة، شعب فخور بكل مكتسباته، وكل صفاته، فخوراً بانه مسلم، وعلى وشك ان يكون اوربياً، وبفريقهم الوطني لكرة القدم، وبإسطنبول، وبالديمقراطية في بلاد الاناضول، ومؤخراً فخورين بالمسلسلات التركية ( قالها وهو يضحك)، ويرى شكري بان اتاتورك كان مفصلياً ومهماً بالنسبة للمنطقة، وهو يتفق معه في كل شيء، نيهات ذكر لـ "إيلاف" انه كان يود لو قام من كرسيه الوثير في الساعة التاسعة وخمسة دقائق حداداً على اتاتورك.

وياتي هذا التابين، او الاحتفال، في الوقت الذي اثار فيلم يتناول حياة "اب الاتراك" الجدل في تركيا حيث كشف للمرة الاولى عن الحياة الخاصة لذاك الرجل الاستثنائي ووقوفه وحيدا امام تحدي تحويل دولة مسلمة الى جمهورية علمانية.

وكان فيلم "مصطفى" الذي انتجه الصحافي جان دوندار، قد بدا العرض في 29 تشرين الاول/اكتوبر بمناسبة العيد ال85 لتاسيس الجمهورية التركية لكنه اثار جدلا في البلاد.

ويتطرق الفيلم للحديث عن عبقرية اتاتورك العسكرية ، وعن بعض تفاصيل الحياة الخاصة الغامضة لمصطفى كمال (1881-1938). وقد توافد اكثر من نصف مليون مشاهد الى صالات السينما في جميع انحاء البلاد في الايام الاولى للعرض.

ليكتشف الجمهور فور العرض، بعض طابع مصطفى كمال التي سلطت الضوء على بعض سلوكياته مثل إستهلاكه لثلاث علب من السجائر يوميا وحبه للكحول الذي سيقضي عليه نتيجه تليف الكبد وحزنه العميق في اواخر حياته الصاخبة التي عرف فيها العديد من النساء.

في الوقت الذي يعتبر الاتراك ، المساس بشخص اتاتورك جريمة تستوجب السجن، المهندس جيلبي يقول حول هذا الامر: إذا اراد اي تركي ان يرفع من اسهمه في تركيا فيجب على الحديث في الثالوث المحرم ( النيل من اتاتورك، وموافقة منظمة الحزب الكردساتني فكرياً، والاعتراف بالمجازر التي إتركبتها تركيا على مر العصور)

ودافع المخرج عن نفسه عبر شاشات التلفزيون بالقول ان "هذا الفيلم يقدم قائدا صادقا وحنونا. هذا هو اتاتورك الذي احب". واسف لان هذه البلاد التي اسسها القائد الاستثنائي لا تضم متحفا واحدا لذكراه.

واضاف دوندار ان استغلال الشغف الشعبي بشخصية اتاتورك وعلى الاخص في اخر انقلاب عسكري (1980) من الثلاثة التي نفذها الجيش التركي ادى الى تقليص فكره عبر تحويله الى عقيده وحال دون فهمه كاملا لا بل ادى الى تشويهه.

وطالب الكاتب التركي ايهان اقتار بفتح ارشيف رئاسة الاركان امام الباحثين للاطلاع علي مذكرات اتاتورك. و دعا الكاتب الرئيس التركي عبد الله غول الي حث الجهات المعنية للسماح للباحثين بالاطلاع علي هذه المذكرات.