الحوار المسيحي ـ المسيحي.. هل يفسد اللاهوت للود قضية؟

اضيف الخبر في يوم السبت ٢١ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: البديلا


وسط حشد إعلامي كبير حضره شباب من الطوائف المسيحية الثلاث تحدث الأنبا بيشوي، القطب الأرثوذكسي الأبرز، منتقدا الدكتور إكرام لمعي، مدير كلية اللاهوت الإنجيلي سابقا، بسبب ـ ما سماه ـ تدخلا في تعديلات الائحة 38، ووجه الأنبا بيشوي الكلام بصورة مباشرة إلي الدكتور إكرام قائلا: "يا أخي إنت إنجيلي.. إيه دخلك في شأن الأرثوذكس"، الكلام بهذه الطريقة أثار غضب الحاضرين وفتح الباب لتساؤلات عدة حول الحوار الكنسي، وماذا حقق وتحقق منه؟ وسط مخاوف أن تكون هذه الواقعة إعلانا عن نسف الحوار اللاهوتي بين الطوائف المسيحية، خاصة أن ما قاله الأنبا بيشوي أعاد إلي الأذهان ذكريات عن خلافات وصدامات قديمة بين الكنائس الثلاث ظلت جذوتها مشتعلة تحت رماد الحوار.


الخلافات العقائدية بين الكنائس الثلاث قديمة قدم الكنائس نفسها، إلا أن هذه الخلافات لم تطف علي سطح الأحداث إلا في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وحتي عندما بدأ حوار جاد بين الكنائس الثلاث لم يخل الأمر من شد وجذب تحول بعد ذلك إلي حرب شرسة بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية حول عقائد فرعية مثل "المطهر" وهي عقيدة كاثوليكية لا يؤمن بها الأرثوذكس، ووصل الأمر إلي إصدار البابا شنودة كتابا بعنوان "لماذا نرفض المطهر؟" يهاجم فيه العقيدة الكاثوليكية بشكل صريح، ويصف الأرثوذكسية بأنها وسط بين الكاثوليك والبروتستانت.
وقتها لم تعلق الكنيسة القبطية الكاثوليكية علي هذا الكتاب، إلا أن القمص الكاثوليكي "مكسيموس كابس" تطوع للرد بشكل شخصي علي البابا شنودة بكتاب "لماذا نؤمن بالمطهر؟"، وتسبب هذا الشد والجذب في التأثير بالسلب علي مستقبل الحوار بين الطرفين.
لكن المطهر لم ـ ولن ـ يكون الخلاف الوحيد بين الكنيستين القديمتين فهناك أيضا "الحبل بلا دنس للسيدة مريم" والخلاف هنا أن الكنائس الكاثوليكية تعتقد أن السيدة العذراء جاءت كما جاء السيد المسيح، من دون علاقة جنسية بين زوجين، لكن الكنيسة الأرثوذكسية اعتبرت أن هذا غلو في تقديس السيدة العذراء، وأن السيد المسيح وحده هو الذي جاء من خلال علاقة بين الرب والسيدة العذراء.
ومن ضمن نقاط الاختلاف أيضا "الطبيعتان والشيئان للسيد المسيح" حيث تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بأن السيد المسيح له طبيعتان، الألوهية والتجسد، بينما تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأن السيد المسيح له "طبيعة واحدة وشيئية واحدة".
وهناك أيضا إيمان الكنيسة الكاثوليكية بأن انبثاق الروح القدس من الآب والابن، في الوقت الذي تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأن الروح القدس تنبثق من الآب فقط.
كما تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بأن البابا "معصوم" من الخطأ، ولا تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بهذا. وفي حين تمنع الكنيسة الكاثوليكية رجال الكهنوت من الزواج، تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأن الممنوع من الزواج هم طبقة الرهبان فقط.
أما بالنسبة للفروق بين الكنيسة الأرثوذكسية والبروتستانتية فهي كثيرة ومتعددة، أبرزها أن الكنيسة البروتستانتية لا تؤمن بالكهنوت، وبالتالي فهي لا تؤمن بأسرار الكنيسة التي تؤمن بها الكنيسة الأرثوذكسية، كما لا يؤمن البروتستانت بشفاعة القديسين والاتجاه للشرق والطقوس والأبوة الروحية، ويكاد يكون الأمر مقصورا علي الاعتراف بالكتاب المقدس فقط.
هذه الاختلافات كانت دائما موضوع حوار بين الطوائف الثلاث، وهذا الحوار كان دائما ينتهي من حيث بدأ، حتي أن المجامع المسكونية لم تستطع إنهاء تلك الخلافات التي تتضخم وتزداد خطورتها مع مرور الزمن، واقتصر التقدم الحادث في هذا الشأن علي النواحي الاجتماعية والمعاملة الإنسانية بين أبناء الطوائف المختلفة كبشر.
وتظل أبرز الشواهد علي فشل الحوار (المسيحي، المسيحي) هي مسائل العلاقات الإنسانية والزواج، فلا تزال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحرم زواج الأرثوذكسية من غير الأرثوذكسي، وعلي العريس أن تعاد معموديته مرة أخري ليصبح أرثوذكسياً حتي يتم الزواج، رغم وجود اتفاقية بين الكنائس الثلاث يطلق عليها اتفاقية "ليما" للقضاء علي إعادة المعمودية، والخطورة هنا أن المعمودية هي أحد أسرار الكنيسة السبعة، وبها يصبح الشخص مسيحياً وعدم الاعتراف بها يعني أن هذا الشخص "كافر"، وإعادة المعمودية هو عدم اعتراف ضمني "بمسيحية" الطائفة الأخري.
ومن اهم ملامح فشل الحوار بين الكنيستين هو الاتفاق الذي توصلتا اليه بشأن توحيد موعد الاحتفال بالأعياد الدينية خاصة عيدي الميلاد والقيامة، إذ تم الاتفاق بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية علي أن يتم الاحتفال بعيد القيامة حسب تقويم الكنيسة الأرثوذكسية وأن يتم الاحتفال بعيد الميلاد «الكريسماس» حسب تقويم الكنيسة الكاثوليكية ليصبح يوم 25 ديسمبر بدلا من 7 يناير، ويرجع الاختلاف إلي وجود تقويمين مختلفين، الأول هو «اليولياني» نسبة إلي يوليوس قيصر وتعمل به الكنيسة الأرثوذكسية، والثاني هو التقويم «الغريغوري» نسبة للقديس «غريغوريوس» الذي قام بحساب فروق التقويم، لذلك يسمي بالتقويم المصحح وتعمل به الكنيسة الكاثوليكية، ورغم أهمية هذا الاتفاق إلا أنه لم ير النور حتي الآن.
الاختلافات بين الكنائس ظلت دائما محصورة في إطار عدم تنفيذ الإتفاقات ولم تتعد إلي هجوم مباشر إلا في حالات قليلة أهمها وأحدثها كان في العام الماضي أثناء مؤتمر تثبيت العقيدة عندما قال الأنبا بيشوي إنه لن يدخل أحد من غير الأرثوذكس ملكوت الفردوس العظيم لأن الأرثوذكسية هي التعليم الصحيح الذي جاء به السيد المسيح، وهو الأمر الذي أثار ـ بطبيعة الحال ـ ضجة كبري آنذاك، واعتبره البعض نسفا لكل ما تم من حوارات بين الطوائف الثلاث.
الأنبا يوحنا قلتة، النائب السابق لبطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر، اعتبر أن النتيجة التي وصل اليها الحوار المسيحي ـ المسيحي و الحوار الإسلامي ـ المسيحي "كلها زي بعضها، يعني مفيش فرق بين بيض بسمنة.. وسمنة ببيض"، علي حد تعبيره، وأوضح قائلا إن الحوار- علي الصعيدين ـ ينشط ويقوي علي فترات متباعدة ويهدأ ويضعف في فترات عديدة، وهو ما يضعف فرصة الوصول إلي نتيجة ملموسة علي أرض الواقع.
الدكتور إكرام لمعي، مدير كلية اللاهوت الإنجيلية سابقا، أكد أن الحوار (المسيحي، المسيحي) موجود بالفعل، وأكد أيضا فشله لأن جميع الكنائس ـ كما يقول لمعي ـ شكلت لجانا بداخلها لاجراء حوار مع الكنائس الأخري، وجميعها تتحدث بشكل جميل، وسماحة مطلقة، وعلم واسع. وقد حدث أكثر من مرة أن يتم التوصل إلي صيغة موحدة في بعض الأمور العقائدية مثل الاتفاق الذي تم حول الصلاة الربانية، واتفاقية "ليما" التي أبرمت منذ أكثر من 20 عاما بين الكنائس الثلاث حول عدم إعادة المعمودية، والتي وقع عليها البابا شنودة شخصيا.
لكن علي ارض الواقع لم يتم الأخذ بأي شئ من هذا، وبقيت الكنائس الأرثوذكسية علي فكرها وعقيدتها بضرورة إعادة التعميد من جديد للمتحولين إليها.
ورغم وجود أنشطة كثيرة بين الكنائس الثلاث، إلا أن لمعي قال إن هذه الأنشطة لا يوجد لها مردود علي أرض الواقع خاصة في ظل وجود حالة من الخوف بين القيادات الكنسية من انتقال الأفراد بين الكنائس، بما يصوره البعض علي انه ضعف من قيادات الكنيسة، ولذا نجد تحذيرات كنسية دائمة للفتيات بعدم الزواج من طائفة غير الطائفة التي تنتمي إليها.
مؤكدا ضرورة الحوار، بدأ الباحث جمال أسعد كلامه مثلما فعل الأنبا يوحنا والدكتور إكرام، لكن المشكلة الكبري في رأي أسعد هي أن أيا من الحوار المسيحي ـ المسيحي أو الحوار السلامي ـ المسيحي تنقصه الجوانب الأساسية في أي حوار وهي دخول الحوار بغير موقف مسبق، بصحة ما أعتقد فيه في مواجهة ما يؤمن به الآخرون، فمن حق كل فرد أن يؤمن بما يشاء، وأن يتحاور من منطلق ما يؤمن به، حتي يكون ملتزمًا ومقتنعًا بما تم التوصل إليه، وأن يبدأ الحوار بدون تعال لطرف علي طرف آخر، وإسقاط الظروف التاريخية التي واكبت أي صراع أو خلاف بين الطرفين، وقناعة المتحاورين وإيمانهم بضرورة الوصول إلي اتفاق، وأن تلك النتيجة تتطلب بعض التنازلات من جميع الأطراف.
ويري "أسعد" أن الحوار المسيحي ـ المسيحي هو البداية الحقيقية لحوار مسيحي ـ إسلامي جاد، معتبرا أن جميع الحوارات التي تمت كانت بدافع مغازلة الرأي العام المسيحي والتأكيد للطرف المسلم أن الدين المسيحي يعمل العقل ويقبل الحوار، لكن حقيقة الأمر أن كل طرف يصر في داخله علي أنه الحق والأصح، ولذلك تفشل الحوارات، وأرجع أسعد سبب فشل الحوار المسيحي، المسيحي أيضا إلي أن الأنبا "بيشوي" هو الرجل الذي تؤول إليه مهمة الحوار مع الكنائس غير الأرثوذكسية، وأبدي أسعد تعجبه من تولي الأنبا بيشوي العديد من المناصب القيادية داخل الكنيسة حتي بات الأمر وكان الكنيسة لم تنجب غيره


------------------------------------

..والحوار المسيحي ــ الإخواني.. يانحلة لاتقرصيني ولا عايز منك عسل
رفيق حبيب: الإعلام والكنيسة والدولة أسباب توقف الحوار < أكرم الشاعر: الحوار فشل بسبب تدخل الحكومة التي تريد إقصاء
«الإخوان» < يوسف سيدهم: الحوار لم يفشل والهدف منه كان منع القطيعة < كمال زاخر: الحوار بين «الإخوان» والأقباط مكتوب عليه الفشل

تحقيق: يوسف عبدربه
بعد حصول الإخوان علي 88 مقعدا بمجلس الشعب في انتخابات 2005، دخل عدد من المفكرين الأقباط ورموز جماعة الإخوان المسلمين في حوار كانت أهدافه المعلنة التقليل من تخوفات الأقباط من موقف الجماعة منهم في حالة وصول الإخوان إلي الحكم.
لكن عددا غير قليل من المفكرين الأقباط رفضوا مثل هذا الحوار وحكموا عليه بالفشل حتي قبل أن يبدأ واعتبروه حوارا فاشلا بعد أن انتهي، لأن الفشل هو النهاية المنطقية للحوارات التي تنطلق من أرضية دينية، كما يقول كمال زاخر، أحد أهم المفكرين الأقباط الرافضين لهذه الحوارات.
زاخر دلل علي ذلك بتاريخ جماعة الإخوان المسلمين مع الأقباط، الذي قال إنه لم يشهد توافقا حول العديد من القضايا علي مدار 80 عاما، هي عمر الجماعة، ووصف الحوار بين جماعة الإخوان والأقباط بالإذعاني، واعتبره خطوة غير محسوبة لأن الحوارات بين الأديان عامة تزيد من الاحتقان.
ما قاله كمال زاخر اختلف معه، شكلا وموضوعا، المهندس يوسف سيدهم، رئيس تحرير جريدة وطني، وصاحب مبادرة الحوار مع الإخوان، لأن الحوار لم يفشل كما أكد سيدهم لأن الهدف منه كان فتح قنوات اتصال بين الجانبين وليس محاولة جذب كل منهما للآخر علي أرضيته التي يؤمن بها.
الحوار بدأ في صورة مجموعة من اللقاءات بين عدد من رموز الفكر من الجانبين في بيت الصحفي الإخواني محمد عبدالقدوس، في شهر ديسمبر 2005، وكان يمثل الجانب الإخواني في الحوار الدكتور عصام العريان، والدكتور محمد علي بشر، والجانب القبطي كان يمثله المهندس يوسف سيدهم، وأمين فهيم، ثم انتقل الحوار بعد ذلك إلي عدد من المحافظات.. وفجأة انقطع الحوار دون سابق إنذار ليصبح مجرد محاولة فاشلة -أخري- في التاريخ الطويل للحوارات بين الإخوان والأقباط.
لكن تاريخ الحوارات وأسباب الفشل له أسباب ورواية أخري عند الباحث القبطي دكتور رفيق حبيب الذي قال إن تاريخ الحوار الإخواني المسيحي قائم منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، عندما اكتسبت الجماعة ثقلا سياسيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وحرص الإمام حسن البنا- مؤسس الجماعة - علي مد جسور الحوار مع الأقباط، وعلي وجود بعض الرموز القبطية ضمن أعضاء المكتب السياسي للجماعة، لكن هذا الحوار انقطع عام 1954 حينما شن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر هجوما عنيفا علي رموز الجماعة وأفرادها وأودعهم المعتقلات وظل الحوار منقطعا حتي خرج الإخوان من المعتقلات عام 1974، لتبدأ مرحلة جديدة من الحوار بين الطرفين استمر قائما حتي عام 1992، ثم انقطع بعد الأحداث الإرهابية التي قامت بها الجماعات المتطرفة آنذاك، وعاد في صيف 2005 بعد انقطاع دام 12عاما نتيجة حصول الإخوان علي عدد كبير من المقاعد البرلمانية في الانتخابات البرلمانية الاخيرة وهو الفوز الذي أثار مخاوف الأقباط، خاصة أن موقف الإخوان من أقباط مصر لم يكن واضحا، وكذلك موقفهم من مسألة المساواة بين المواطنين والمواطنة والحقوق والواجبات والولاية العامة وتبوؤ الوظائف وبناء الكنائس الجديدة مما كان يتطلب حوارا جادا.
أما عن أسباب توقف حوار 2005 فأرجعها حبيب إلي الضغوط التي واجهها هذا الحوار، سواء كانت من الإعلام أو من الكنيسة ثم من الدولة بعد ذلك.
وفيما رفض الصحفي الإخواني "محمد عبدالقدوس" الحديث في هذا الموضوع قال الإخواني أكرم الشاعر، أحد المشاركين في الحوار و عضو مجلس الشعب، إن فشل الحوار الذي بدأ في عام 2005 يعود إلي تدخل الحكومة التي تريد أن تستأثر بهذا الحوار مع الأقباط لنفسها رغم فشلها في صناعة حوار جاد معهم حتي يومنا هذا، وأرجع الشاعر سعي الحكومة للقضاء علي هذا الحوار لأنه يأتي ضمن مساعيها الي عدم ظهور الإخوان علي الساحة خاصة بعد ما شهده الحوار من تقدم وتقارب في وجهات النظر بين الطرفين من أجل التعايش.
واختلف الشاعر مع ما قاله زاخر حول كون الحوار يدور علي أرضية دينية مؤكدا أنه كان علي ارضية مجتمعية خالصة

اجمالي القراءات 4185
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق