مبارك كان وراء مقتل أشرف مروان
تساؤلات عديدة مازالت تحيط بقضية أشرف مروان وهل هو جاسوس إسرائيلي أم عميل مصري أم عميل مزدوج؟ والغموض مازال يحيط سيرة أشرف مروان ولكن وثائق جديدة ظهرت تميط اللثام عن الحقيقة الغائبة حيث ظهرت مستندات جديدة وشهادات وحكم قضائي لمحكمة السلام الإسرائيلية في (بتاح تقفا) رقم 2145/08 وخطاب سري من مجلس العموم البريطاني صدر في 13 فبراير 1997 ومستند حديث أفرجت عنه المخابرات الإسرائيلية وقرار اتهام صدر في إسرائيل في 18 يوليو 2008 ضد "إيلي زاعيرا" رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية الأسبق بتهمة التسبب في الكشف عن ملف العميل "بابل" وكلها وقائع وتوثيقات عديدة وجديدة تقلب الموازين في ملف مقتل "أشرف مروان" أو كما يسميه الموساد "الجاسوس الأخير".
ومن مستندات سكوتلاند يارد التي ننفرد بنشرها في ملف أشرف مروان نجد خطاباً صدر لمجلس العموم البريطاني بتاريخ 13 فبراير 1997 ربما كان أول من حذر من تلك النهاية الدموية للعميل بابل، ففيه فجر عضو مجلس العموم المخضرم السير "أندرو بودن" أول مرة أسرار عمليات تجارة السلاح التي أدارها أشرف مروان انطلاقا من بريطانيا وحقيقة تورطه مع نظام العقيد القذافي في تجارة السلاح وعمله كما يزعم مع الموساد الإسرائيلي وقال عنه بودن: "عندما يتعلق الأمر بالعمل معه فهو غير جدير بالثقة" وفي عرضه لخطابه لمجلس العموم حذر بودن من الصراع الرهيب بين رجل الأعمال المصري "محمد الفايد" وأشرف مروان وطلب بودن حلا لهما، وفي الخطاب فجر عضو العموم اسرار علاقة مروان بمؤسسة "أر دبليو رولاند" التي تظهر في كل شراكات مروان الغامضة وأكد أنها مؤسسة ينطلق معها مروان لبيع السلاح لإفريقيا المتصارعة.
في إسرائيل كان صراع شرس دارت فصوله القانونية إستنادا لوثائق سرية علي مدي أشهر طويلة في المحكمة الإسرائيلية بين أشهر ضابطين في تاريخ أجهزة المخابرات الإسرائيلية علي من تسبب في الكشف عما ادعته العميل أشرف مروان مما أدي لاغتياله أولهما وهو المتهم اللواء "إيلي زاعيرا" رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية المعروفة باسم (أمان) من سبتمبر 1972 حتي 1 أبريل 1974 والثاني وهو المدعي اللواء "تسفي زامير" رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي من 1 سبتمبر 1968 حتي 1 أبريل 1974 ومؤخرا أسدل القاضي "تيودور أور" الستار علي النهاية بحكم محكمة يزعم أن "أشرف مروان" كان جاسوسا إسرائيليا خالصا ولم يكن لمصر فيه أي نصيب وأن "محمد حسني مبارك" وقف وراء قتله بشكل مباشر وأن إيلي زاعيرا يستحق المحاكمة لما تسبب فيه.
وبالعودة إلي الجملة المقتضبة التي أعلنها الرئيس المخلوع حسني مبارك عقب تشييع جنازة أشرف مروان بالقاهرة في صباح الأحد الموافق 1 يوليو 2007 ومنها: "أشرف مروان كان شخصية مصرية وطنية" وفي المشهد يسير أمام الجنازة نجله "جمال مبارك" وبجانبه رئيس حزبه "صفوت الشريف".
مبارك قالها ونقلتها بحذر وسائل الإعلام العالمية وسخرت منها تل أبيب، وفيلم وثائقي سري عن عملية أشرف مروان بث في 21 ديسمبر 2007 كانت أول جملة فيه علي لسان "تسفي زامير" رئيس جهاز الموساد وصف فيها مروان بقوله: "لقد فقدنا أهم وأفضل مصدر كان لنا علي مر التاريخ وكان بسبب قصد إجرامي بعد أن كشف "إيلي زاعيرا" شخصية مروان للمصريين".
في المحكمة كانت القضية طويلة عنيفة موثقة وخطيرة مملة في أحيان كثيرة ومخيبة للآمال المصرية، في النهاية شهد فيها العشرات من ضباط الموساد الإسرائيلي وقدمت فيها أجهزة المخابرات الإسرائيلية مئات الوثائق من ملف تشغيل العميل أشرف مروان منذ أن عرض خدماته علي الملحق العسكري و"شمولي جورن" رئيس فرع الموساد في أوروبا في ربيع عام 1969 كلها تثبت حقيقة واحدة أن العميل "بابل" أو أشرف مروان كما يعرف قد كان أهم جاسوس عرفته إسرائيل كما تزعم ذلك تحقيقات مطولة تقوم بها حاليا أجهزة المخابرات الإنجليزية مع جهاز "سكوتلاند يارد" الذي يحقق أصلاً في ملف مقتل مروان والغموض الذي أحاط بمقتله طائرا من غرفة شقته بالدور الرابع ببناية "كارلتون هاوس تيراس" اللندنية وشاهد عيان رئيسي يسكن في الدور الثالث في بناية مقابلة لشرفة شقة أشرف مروان يدلي مؤخرا بشهادة موثقة ومفصلة تثبت أن مروان قتله رجلان وقفا علي سور الشرفة ووقف ثالث علي الأرض داخل الشرفة حيث شكلوا شكل مثلث حول مروان وكان الرجل الواقف في الخلف يقيد ذراعي مروان من الخلف ونظرا لتقدم عمره ومرضه ووزنه الخفيف وجسده الضئيل يرفعه من الأرض رفعا ليسلمه للرجلين في المقدمة وقد ارتفعت قدماه عن الأرض وهو في لحظاته الأخيرة يتمتم بكلمات غير مفهومه وقد استسلم للنهاية التي بدت له محتومة فيرفعاه كل من جهة وهما يحافظان علي تقييد يديه بجانبه وفي ثوانٍ والشاهد يقف مذهولاً بما يحدث أمامه يقذفان به بعيداً عن الشرفة في خط أفقي مستقيم، فيطير جسد مروان بزاوية عندما حسبتها سكوتلاند يارد في مكان سقوطه وإستقرار جسده علي الأرض بعشرة أمتار كاملة كانت كفيلة بأن تحسم مسألة مقتله وليس انتحاره كما أشيع.
معلومات جديدة دقيقة انتهت إليها المخابرات الإنجليزية "إم آي 6" ومعها سكوتلاند يارد بعد أن زال شبح مبارك ونظامه، وكم هو غريب عندما نعلم ربما لأول مرة أن ذلك الديكتاتور كان مخيفا بالنسبة لأجهزة الدول الأوربية وكانت يداه طائلة في الخفاء منعت تقدم التحقيقات علي الأقل في أهم قضيتين وقعتا بلندن في عهده في غموض غريب بدأ يتكشف لنا الآن.
بعد إلقائه شاهد الرجلان الواقفان علي الشرفة الشاهد فنظرا إليه نظرة طويلة شهد أنها مرعبة وكأنهما يهددانه بمصير مشابه ثم هرولا تاركين الشرفة والمكان قبل أن يجد في نفسه الشجاعة لإبلاغ السلطات بالحادثة، وقد وصفهما بهيئة شرقية كاملة ومن ملف التحقيق الأخير نعلم أن الشاهد كان صديقاً لأشرف مروان غير أنه خاف علي حياته وأجل بيانات كثيرة شجعه في كشفها الآن انهيار النظام المصري ليكشف الرجل، ربما لأول مرة، أن مروان كان قد أخبره في أحد لقاءاتهما الأخيرة بأن مبارك ربما يقتله قريبا وعندما ضحك الشاهد أكد له مروان أنه لا يمزح فلقد كشف رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية الأسبق "إيلي زاعيرا" شخصيته وملف عمليته لحساب الموساد بالكامل.
ذات القصة نجدها في أقوال "مني عبدالناصر" زوجة أشرف مروان فقد شهدت بشكل رسمي أن مروان كان قد أخبرها قبل وفاته بأسابيع أن هناك جهة ما، علي حد شهادتها، سوف تغتاله وربما حذفت مني عبدالناصر اسم تلك الجهة مع أنها كانت قد صرحت لصحيفة "الأوبزرفر" اللندنية في 11 يوليو 2010 أن الموساد هو من قتل زوجها.
حقيقة متضاربة عما كشفه مروان لصديقه "شاهد سكوتلاند يارد السري" الذي شهد لحظات مروان الأخيرة قبل أن يستقر جسده علي أرضية حديقة البناية الخلفية صباح يوم 27 يونيو 2007 بلندن وهي ذات الشهادة التي قدمها المؤرخ الإسرائيلي "أهرون بيرجمان" آخر شخص تحدث مروان معه في التليفون والذي كان يعد عن مروان كتابا كاملا وقد أقر له مروان في لقاءاتهما الأخيرة بمخاوفه.
في الواقع ما بين 5 شارع الحكماء بحي مصر الجديدة حيث ولد مروان و24 كارلتون هاوس تيراس حيث قتل زمن قدره 63 عاما عاشها الرجل في غموض تركنا فيه إلي الآن وقد زاد الموقف شبهة خروج حسني مبارك الفاعل من الأحداث، كما توصفه جنائيا وتحدده أوراق المحكمة الإسرائيلية بتنحيه ودخوله السجن وبين طيات الملف شهادة موثقة لرئيس المخابرات الفلسطينية الأسبق "أمين الهندي" الذي شهد أن مروان في 6 سبتمبر 1973 بعد أن خطط وأمد المجموعة الفدائية الفلسطينية التي قادها الهندي بالصواريخ لتنفيذ عملية ضد طائرة لشركة العال الإسرائيلية في مطار روما، قام مروان بالإبلاغ عن أعضاء العملية فقبضت السلطات الإيطالية عليهم.
أما المفاجآت التي ترتبت علي القضية الإسرائيلية فأولا مقتل أشرف مروان بعد أسبوعين فقط من بداية تناول المحكمة رسميا للقضية، ثانيا ظهور "مائير سامي مائيروف" أو كما تعرفه المخابرات المصرية باسم "مائير مائير" وهو رئيس قسم مصر في المخابرات الحربية الإسرائيلية أمان خلال حرب أكتوبر 1973، ومن المستندات التي ننفرد بنشرها ولد مائير مائير في 4 يناير ببلغاريا عام 1928 وكان هو ضابط تشغيل العميل "أشرف مروان"، وقد قدم مائير مائير شهادة مفصلة عن تلك اللقاءات المنفردة بينه وبين مروان في المنزل الآمن التابع للموساد الإسرائيلي في لندن وحكي عن نص محادثات ومعلومات وقدم وثائق حصول مروان علي مئات الآلاف من الدولارات عبر الأعوام من 1969 إلي 1981 عندما توقف مروان عن العمل لحساب إسرائيل طبقا لما جاء في شهادة الموساد الإسرائيلي بالمحكمة وبالوثائق.
أما الوثيقة (الأم)، كما يطلقون عليها، فربما تكون فاصلة في أمر مروان وننشرها هنا كما هي من واقع الملفات ومكتوب عليها الفرع السادس (وهي كنية فرع مصر بالموساد حتي الآن) التاريخ 6 أكتوبر 1973 الساعة 0730 الرقم 429 النسخ 11 وعنوان الوثيقة التي جاءت في شكل معلومات خام أرسلها رئيس الموساد الإسرائيلي "تسفي زامير" الذي تقابل مع أشرف مروان في مساء يوم 5 أكتوبر 1973 بلندن حيث طلب مروان لقاء عاجلا مع الموساد لأنه علي حد رسالته سيخبرهم بموعد الحرب.
تسفي زامير يأخذ أول طائرة ليقابل العميل مروان وجها لوجه دون ثالث بينهما، وفي اللقاء يسلمه مروان الخطط المصرية المحدثة بعد تعديلها ويكشف مروان أن الحرب ستقوم خلال يوم 6 أكتوبر لكنه عكس ما زعمه البعض بدون علم أو تدقيق لم يحدد الساعة ومن الوثيقة التي كتبها تسفي زامير بنفسه في الأصل في نصف صفحة بالقلم الرصاص يرسلها لتل أبيب في تمام الساعة الثانية من صباح يوم 6 أكتوبر بعد أن جلس ساعات طويلة مع مروان يحاول أن يستخلص منه أدق التفاصيل.
لقد حذر أشرف مروان إسرائيل بقرب شن الجيش المصري حرباً ضدها مرتين الأولي في ديسمبر 1972 والثانية في أبريل 1973 ومن ملف المحكمة نجده قد سلم الموساد في 16 إبريل 1972 عدد 40 صفحة كاملة مع عدد آخر من الخرائط المصرية العسكرية التي تحصل عليها وكشفت عن الخطة المصرية للمعركة وهي تلك التي كان السادات يحرص بشكل دوري مع قادة الجيش المصري بتعديلها، أما أهم ما قدمه مروان لإسرائيل كما شهدوا فقد كان نص لقاء دار بين الرئيس الراحل أنور السادات والزعيم الروسي "ليونيد إيليتش بريجينيف" وفيه يخبر السادات الزعيم الروسي بأنه بدون طائرات وصواريخ حديثة لن يدخل الحرب.
في الواقع لقد كشفت لجنة القاضي الإسرائيلي الدكتور "شيمعون إجرانت" التي شكلت في 21 نوفمبر 1973 حقيقة ما حدث (سمح بنشر 130 صفحة أصلية في 7 أكتوبر 2008)- وتناولت يومها سرا دفينا هو ملف عملية تشغيل العميل بابل أو "أشرف مروان" وفي عام 1993 نشر "إيلي زاعيرا" مذكراته عن الحرب باسم (الواقع يحطم الأسطورة) وفيه ذكر بخبث شديد أول معلومة عن العميل "بابل" دون أن يكشف اسم مروان غير أنه في حوار له مع الصحفي الأمريكي "هيوارد بلوم" سأله مباشرة عمن قصده بالعميل بابل نصحه زاعيرا بأن يقرأ الصفحة رقم 200 من مذكرات الفريق "سعد الدين الشاذلي" وفي تلك الصفحة كان اسم أشرف مروان.
اجمالي القراءات
13643