عادل حمودة يكتب: عفواً مبارك إحنا اللي طِلعنا «لا فاش كيري»

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢١ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


عادل حمودة يكتب: عفواً مبارك إحنا اللي طِلعنا «لا فاش كيري»

 

عادل حمودة يكتب: عفواً مبارك إحنا اللي طِلعنا «لا فاش كيري»

 تاريخ ووقت النشر   15/08/2011 09:00:24 م

إرسل
 

 

عفواً مبارك    إحنا اللي  طِلعنا «لا فاش كيري»

  نجح مبارك في إخفاء مكره ودهائه وخبثه بأساليب مبتكرة كانت سر صعوده   تقرب من أحمد شفيق لأن حماه علي علاقة بالضباط الأحرار فاتخذه جسراً يصل به لعبدالناصر والمشير

 

ما إن ظهر حسني مبارك علي سطح الحياة السياسية نائبا للرئيس أنور السادات حتي أطلق عليه المصريون     لا فاش كيري     أو   البقرة الضاحكة     فقد بدا في عيونهم خفيف العقل   بطيء الفهم   يشي تدلي شفتيه بغباء يصعب إنكاره   حسب قواعد علم الفراسة  
وعلي الفور دارت ماكينة النكات الشعبية الحراقة   فقد التقطت له صورة في مزرعة أبقار، وكتب تحتها أنه الرابع علي اليمين في الصف الأول   كأن من الصعب تمييزه عمن حوله   وعندما سئل رؤساء مصر عن أصعب سنة مرت في حياتهم   قال عبدالناصر   سنة الهزيمة   وقال السادات   سنة السفر إلي إسرائيل   وقال مبارك   سنة الشهادة الابتدائية 
لكن    البقرة الضاحكة  التي جسدت سخرية المصريين حكمتهم نحو ثلاثين سنة   مدة أطول من كل الرؤساء السابقين المؤثرين   فمن كان الأولي باللقب   نحن أم هو؟  
لقد نجح مبارك في إخفاء مكره ودهائه وخبثه بأساليب مبتكرة كانت سر صعوده المتكرر علي سلم المناصب غير المتوقع توليها 
فهو لا يتردد في تنفيذ الأمر مهما خلا من الإنسانية   لقد ضرب جزيرة «أبا» السودانية بطائرات التوبولوف القاذفة   ولم يشغل ضميره بحجم الضحايا الذين قُتلوا   ولا بكميات الدماء التي اختلطت بمياه النهر   هناك 
وعندما قررت المخابرات الأمريكية تحرير رهائنها في إيران وضعت خطة هجوم عرفت باسم  تاباز    وانطلقت الطائرات من وادي قنا في مصر   وأشرف عليها مبارك   لكن   العملية فشلت   وتحولت من مغامرة إلي فضيحة 
ولا يطيق مبارك وجود منافس إلي جانبه   فكل من برز من زملائه في سلاح الطيران كان يطيح بهم بتقارير كان يرسلها إلي المجموعة        في المخابرات الحربية تصفهم بأنهم من الإخوان، ولو كانوا يحتسون الخمر ليل نهار ويسهرون في الكباريهات حتي الصباح 
وكان لا يثق في سكرتاريته   فسره لا يفارق صدره   وفي أوقات الطوارئ كان ينام في مكتبه كي يتلقي الاتصالات من قيادته دون وسيط   دون أن يعرف أحد ما قيل   فلم يكن ليسمح بفتح ثغرة ينفذ منها منافسوه 
وكان يختار من مساعديه الأضعف ويتخلص من الأشطر   لقد كان اللواء محمد عبد الرحمن يوصف بالرخ لجرأته وبراعته وشجاعته   وتوقع كل زملائه أن يعين قائدًا للقوات الجوية   لكن   مبارك حرمه من حقه   ونقله إلي هيئة التدريب في الجيش ليجلس في مكتب ضيق مع رتبة صغيرة   واختار للمنصب اللواء أحمد نصر الذي كان يهمس إليه بكل ما يجري حوله   وما يقال وراء ظهره  
ولم يطق اللواء محمد عبد الرحمن البقاء في الخدمة فاستقال وسافر إلي دبي ليعمل مستشارا عسكريا لحاكمها   لكن   مبارك لم يتركه في حاله   وفي إحدي زياراته للإمارات وهو رئيس سأل عنه   وعندما وجد شهادة منصفة في حقه قال وهو يتجه نحو طائرته     لو كان كويس مكناش سيبناه     وفي اليوم التالي فُسخ عقد اللواء محمد عبد الرحمن وعاد حزينا إلي القاهرة   فمبارك يسحق كل من يغضب عليه   ولا يتركه إلا بعد أن يطمئن علي تحطيمه 
 أما من يكون عجينة لينة في يده فيحصل علي كل ما لذ من مناصب وما طاب من مكاسب   لقد كافأ مجدي شعراوي بعد خروجه من قيادة الطيران بتعيينه سفيرا في سويسرا   ونسب للرجل قصة في حاجة إلي تحقيق أو توضيح   إنه حمل في حقيبة عدة ملايين من الدولارات وذهب لإيداعها في بنك هناك   لكن   البنك رفض   ولو صدقت الرواية فإن علامات الاستفهام تصبح أكثر حرجًا منها   لمن هذه الملايين؟   وكيف وصلت إليه؟   ومن طلب منه إيداعها؟   وما علاقة مبارك بها؟ 
والأطول عمرًا مع مبارك نموذج لا يتكرر كثيرًا مثل زكريا عزمي   رجل لا يحب أحداً   ولا يساعد أحداً   وهو مثله   يضحي بأقرب الناس إليه من أجل أن يظل طافيًا فوق نهر الحكم   وهو نسخة أخري منه   يطيح بالنبتة قبل أن تصبح شجرة   والحبة قبل أن تصبح قبة   والكلمة قبل أن تصبح معارضة  
وفي كل مرحلة من حياته العملية عرف مبارك كيف يتسلل لمراكز القوي الحاكمة   كي يضع نفسه في خدمتها   ويفوز برضاها   ويكسب من ورائها   لقد تقرب من أحمد شفيق لصلة حماه بتنظيم الضباط الأحرار   فكانت زياراته العائلية له جسرا يوصله إلي حماه ومنه إلي المشير عبد الحكيم عامر والرئيس جمال عبد الناصر   فالصلات والعلاقات سبقت في أولوياته المعاملات  
وعلي عكس ما هو متوقع يجيد مبارك التمثيل وتقمص دور المظلوم إذا ما كانت الرياح عاصفة 
ذات يوم استدعي أنور السادات إلي القصر الجمهوري منصور حسن وطلب منه أن يتولي وزارة شئون رئاسة الجمهورية   وشعر منصور حسن بالحرج خوفًا من تعارض صلاحياته مع صلاحيات النائب حسني مبارك   فذهب إليه ليستشيره في بيته ــ وكان شقة في حي مصر الجديدة يسكنها من قبل خبير سوفيتي ــ وهناك قادته زوجته سوزان ثابت إلي غرفة نومه   حيث كان راقدًا   يضع ساقه في الجبس   وقد بدت عليه إمارات الضعف والمسكنة 
حسب الشهادة التي سمعتها من طبيب العظام الدكتور محيي حماد فإن ساق مبارك كانت سليمة لكنه أراد جلب التعاطف معه بوضعها في الجبس   يضاف إلي ذلك أنه خشي رفض القرار ومواجهة السادات فأعطي نفسه فرصة بادعاء المرض 
قال مبارك لمنصور حسن  إنه يترك له كل الصلاحيات بما في ذلك تجميع التقارير الأمنية التي تصل إليه من جهاتها المختلفة   وهي أخطر ما في يد نائب الرئيس   لكن   منصور حسن أرجأ الحوار إلي ما بعد الشفاء   علي أن مبارك راح فيما بعد يشكو ويستعطف المقربين من السادات، وعلي رأسهم عثمان أحمد عثمان   فكان أن استجاب السادات وطلب من منصور وحسن وهما في ميت أبو الكوم أن يعيد لمبارك ما يريد من صلاحيات  
ويبدو أن مسرحية المرض تكررت في محاكمته   فقد دخل القاعة ممددًا علي ظهره   متصورا أن ذلك المشهد يثير التعاطف معه   لكن   مشاعر المصريين راحت تتأرجح بين الشماتة والشفقة حتي استقرت عند الرغبة في العدالة  
ورفض مبارك أن يعين نائباً له   كان يخشي أن يتآمر عليه كما تآمر هو علي السادات   لقد عاد من واشنطن قبل أيام قليلة من اغتيال السادات، وبعد أن التقي ريجان وسمع منه جملة لم تعد سرا   لقد فقد السادات صلاحيته وشعبيته ويجب أن يذهب  
ويبدو أن ثمن تولي مبارك السلطة كان معروفا مقدما   أن يضع بلاده في خدمة إسرائيل   أن يكون الصديق الوفي لها   ألا يمس مصالحها بسوء مهما كانت الضغوط والظروف   وهو ما جعل ويليام بيلد الصهيوني الذي أنتج فيلم قتل الأسري المصريين في سيناء يصفه بالكنز الاستراتيجي   ويعرض عليه اللجوء السياسي في بلاده   فلو كانت إسرائيل ارتكبت في حقنا جريمة القتل فإن مبارك ارتكب جريمة التستر علي القتلة   فلم يطلب تحقيقاً أو تعويضاً   بل ولم تخرج منه كلمة احتجاج واحدة  
وكان مبارك يقول ما لا يفعل   يطلق أعيرة صوت مدوية   ليبعد الأنظار عن تصرفاته   فلا أحد يعرف ما في ضميره 
بجرأة يحسد عليها قال     الكفن مالوش جيوب     وراح الإعلام يكرر نفس النغمة   لكنه   وقبل أن يتولي السلطة كان متورطاً في فضيحة شركة نقل السلاح الأمريكي إلي مصر   وهي شركة كونها حسين سالم ومنير ثابت وكمال حسن علي وغيرهم بمباركة المخابرات المركزية  الأمريكية  التي استخدمت بعضاً من أرباحها في تمويل العمليات السرية القذرة 
وأعلن مبارك في بداية حكمه أنه لن يجدد ترشحه للرئاسة   لكنه   سرعان ما توحد مع الكرسي   وأصبحا معًا كتلة واحدة يصعب فصلهما   ولا نذيع سرًا أنه لم يكن ينوي ترك السلطة إلا بعد أن يخرج من صدره النفس الأخير    وكان سيفاجئ زوجته وابنه بأنه سيواصل البقاء في مكانه   محطما كل آمالهما في التوريث   وتوقع مقربون منه أن ينقلبا عليه انقلابا عائليا سلميا لا يشعر به أحد   لكن   الثورة جاءت لتطيح بكل الأحلام والمؤامرات   وتضع الجميع في محاكمة واحدة 
وفي بداية حكمه أيضا غضب مبارك من مدح زوجته رافضا أن تلعب دورًا في الحياة العامة مثل جيهان السادات   لكنها   سرعان ما تجاوزت حدودها   وتدخلت في كل كبيرة وصغيرة   ووصل نفوذها وتأثيرها إلي حد توريث ابنها وتدمير النظام الجمهوري 
وكان واضحاً من سياق ما كان أنها عزلت مبارك عن عائلته وفرضت عليه التنكر لها   فقد أوصلت إليه إحساساً بأنها تنتمي لعائلة وضعته في موقف اجتماعي أفضل 
وأدار مبارك البلاد دون الاستعانة بمستشارين   كان يستخدم أشخاصاً بعينهم ليتصلوا بمن يشاء   وإبلاغه بما يريد   وكانت هذه الاتصالات غالبًا ما تكون سرية بعيدة عن المكاتب الرسمية 
وحكم مبارك مصر بشلة من رجاله   راحت تتقلص   فلم يبق منها سوي جمال عبد العزيز وزكريا عزمي الذي كان الأكثر تأثيرًا   والأشد خطورة   ولم يتردد في وضع أصدقائه في الأماكن المؤثرة 
إن سمير زاهر مثلاً كان صديقاً شخصيا له   شهد نادي هليوبوليس جلوسهما معاً علي مائدة واحدة نحو خمسين سنة   تحول خلالها اللاعب الفاشل إلي رئيس اتحاد الكرة   وأصبح عضوا في مجلس الشعب   وساعده زكريا عزمي في الحصول علي شقتين في عمارة الحرس الجمهوري تحولتا إلي مكتب تسهيلات لأصحاب الحاجات 
وشقيقة حسن صقر واسمها كوثر متزوجة من لواء طيار عبد المنعم الطويل الذي تزوجت ابنته جيلان من خال منير ثابت   فنحن أمام شبكة مصالح عائلية وسياسة سيطر بها مبارك في صمت علي مصر 
عفوا مبارك   نحن الذين كنا  لا فاش كيري   

اجمالي القراءات 3092
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق