الحوافز و المكافئات

الثلاثاء ٢٨ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
هل تعتبر شرعية تلك الحوافز والمكافئات التى يحصل عليها العاملون ؟
آحمد صبحي منصور :
لم تأت كلمة" الحوافز " ومشتقاتها في القرآن الكريم وإن كان معناها موجودا في تشريعات القرآن وحقائقه .
لا نتحدث هنا عن الحوافز والمكافئات الظالمة التى يحصل عليها من لا يستحق والتى يحرم منها من يستحق ، ولسنا نتحدث عن الحوافز التى تؤخذ كرشاوى . كل ذلك حرام وليس محلا للبحث.
الحوافز التى نناقشها هنا هى التى تقوم على أساس مكافئة الأصلح في عمله وتجازيه بما يساوي ما بذله زيادة على الآخرين .
الحوافز بهذا المفهوم تدخل فى تشريع القرآن الكريم في جزاء البشر على أعمالهم .
وبالطبع فأنه لا يمكن أن يتساوى في الأجر الكفار والمتقون وفي ذلك يقول تعالى " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " : السجدة 180 " إذ لا يمكن أن يتساوى أصحاب النار بأصحاب الجنة " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ، أصحاب الجنة هم الفائزون : الحشر 20 " .
والقضية ليست مجرد إيمان وكفر ، بل إن الأعمال تدخل في التقييم النهائي ، لذلك لابد مع الإيمان من عمل صالح حتى يستحق المؤمن دخول الجنة ، كما أن الشرك إذ تمكن في النفس سول لها الفساد في الأرض ، ومن هنا فلا يمكن أن يتساوى المؤمن الذي يعمل الصالحات بالمفسدين في الأرض " أم نجعل الذين أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ؟ أم نجعل المتقين كالفجار : ص 28 " . أم حسب الذين أجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون : الجاثية 21 " .
. وهناك تفاوت داخل أصحاب الجنة فأصحاب الجنة قسمان ، أصحاب اليمين ، ثم الأعلى درجة وهم السابقون المقربون . أي هناك متسع لمجازاة من يجتهد أكثر من غيره في الطاعات وعمل الصالحات والإيمان وذلك هو مفهوم الحوافز .
وقد يحصل المؤمن على هذه الحوافز مثلا إذا تعرض لإساءة فرد عليها ليس بسيئة مثلها وليس بحسنة وليس بالحسنى وإنما بالتي هي أحسن .
وتشريعات القرآن تبيح رد السيئة بمثلها " وجزاء سيئة سيئة مثلها " " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل : الشورى 40 ، 41 " ولكن أفضل من ذلك العفو والإصلاح " وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله " ، والأفضل من ذلك جميعه أن ترد على السيئة بالتي هي أحسن ، فذلك هو خلق الأنبياء " ادفع بالتي هي أحسن السيئة : المؤمنون 96 "
وبالطبع فلا يمكن أن يتساوى ذلك المؤمن الذي يرد السيئة بالسيئة بأخيه الذي يرد السيئة بالتي هي أحسن ، يقول تعالى " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم : فصلت 34 "
وهناك من يعبد الله تعالى على علم وعلى خشية يقوم الليل في عبادة وقنوت وهناك من يكتفي بأداء الطاعات وينام الليل ملء جفونه .. فهل يستحق نفس المثوبة أو الحوافز التي يستحقها قانت الليل " أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكر أولو الألباب : الزمر 9 "والعلم هنا يعني الخشية والعبادة الحقة .
وفي عصر النبي عليه السلام ذكر القرآن تفاوتا بين المؤمنين حسب أعمالهم ورتب على هذا التفاوت تفاوتا في المثوبة ، مع استحقاق الجميع لرضا الله تعالى ، فهناك من قعد منهم عن القتال والجهاد بالنفس والمال بدون عذر ، وهناك من جاهد بنفسه وماله ، ولا يمكن أن يستوي هذا بذلك يقول تعالى : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما " النساء 95 .
وذلك الأجر العظيم الذي يناله المجاهدون تفضيلا لهم على القاعدين هو بمفهومنا الاقتصادي " حوافز " وما أعظمها من حوافز .
وبعد فتح مكة وإسلام أهلها بدأوا في الجهاد مع المؤمنين بعد طول عداء وحرب للإسلام وصحيح أنهم بإسلامهم قد اكتسبوا رضا لله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن يكونوا على قدم المساواة مع الذين أعطوا الإسلام حياتهم وشبابهم صبرا وهجرة وحربا لذلك يقول تعالى " لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل ، أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا ، وكلا وعد الله الحسنى : الحديد 10 "
وكل ذلك حديث عن أجر الآخرة والفضل الزائد والدرجات العلا لمن يجتهد أكثر بين المؤمنين . والأجر في المعاملات الإسلامية ينطبق عليه نفس المبدأ .
. لقد ضرب الله تعالى مثلا برجلين ،أحدهما كان عبدا مملوكا لا يقدر على عمل شيء وبالتالي لا فائدة منه ، والآخر غني كريم ينفق من ماله على المحتاجين سرا وجهرا ، وضرب مثلا آخر برجلين أحدهما عاجز عالة على مولاه لا يستطيع أن ينفع نفسه أو غيره ، والآخر يأمر بالعدل ويسير بنفسه على أسس من العدل والاستقامة ، وقرر رب العزة أن الكريم لا يمكن أن يتساوى بالعبد المملوك الذي لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء ، كما أن الذي يأمر بالعدل ويمشي بالعدل لا يمكن أن يستوي بالعاجز معدوم النفع ..( النحل 75 : 76 ) وقد يكون الجميع مؤمنين وقد يقال إن العبد المملوك لا حيلة له في وضعه ولكن كل الأعذار لا تبيح له أن يستوي في " الحوافز " مع الكريم العادل المتفاعل مع مجتمعه بالخير والعدل .
من تلك التشريعات القرآنية نستنتج أن الحوافز و المكافئات العادلة شرعية ، وأنها تساعد على الاجتهاد فى العمل طالما ينالها المجتهدون و ليس (أصحاب الثقة ) المنافقين .


اجمالي القراءات 16207
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5229
اجمالي القراءات : 61,982,875
تعليقات له : 5,496
تعليقات عليه : 14,895
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


بثّ / يبثُّ: تكررت كلمة ( بثّ ) فى القرآ ن الكري م ، فهل لها...

المنهج البحثى : تحدثت عن المنه ج العلم ي الذى يجب على...

اسلوب المشاكلة : يقول الله تعالى فى سورة آل عمران (أم حسبتم أن...

قرآنى وسلفى وشيعى: ماحكم تصنيف الناس مثلا نقول: لان قرآني...

Salat prayers: Salam Dr. Mansour, I was reading some of your articles from the site and also...

زواجهم هل صحيح ؟: طبق اً للشرو ط التي سبق و ذكرتم وها ...

نصيحة مخلصة لنا: احببت اسلوب ك عندما تشرح من القرا ن . كما...

براءة / تبرّا : هل هناك فرق بين ( تبرأ ) و ( براءة )؟ ...

غير مسبوق: أستاذ ي الدكت ور أحمد صبحي منصور . أقدم...

إقرأ لنا : هل حقا مايقو له علماء الفضا ء عن كثرة وعظمة...

صيام صحيح غير مقبول : لو التزم ت بكل شروط الصيا م هل صيام مقبول عند...

يوم حصاده: أحد كبار التجا ر الملت حين الذين يتردد ون ...

شاكر وشكور: سؤالا ن : 1 ـ هل الله يشكر عباده ؟؟؟ 2 ـ هل ( شاكر...

الزواج العرفى: هل الزوا ج العرف ى حلال ؟ وهل تكفى ورقة عقد...

عمل الصالحات: اعمل في شركة دعاية وإعلا ن تتعام ل مع مختلف...

more