آحمد صبحي منصور
:
نعم..
المفهوم أن الميراث شأن خاص بالورثة وحقوقهم في التركة التي لا يشاركهم فيها غيرهم .. إلا أن النظرة العامة للتشريع الإسلامي تؤكد الصلة العضوية بين الأسرة والمجتمع .
ونتوقف مع بعض اللمحات الاجتماعية في تشريع الميراث.
1ـ فالمجتمع من خلال السلطة القضائية هو الذي يتولى رعاية اليتيم الوارث وهو الذي يعين وصيا علي حراسة أمواله واستثمارها من أجله، والمجتمع هو الذى يحاسب ذلك الوصي ، والمجتمع هو الذي يختبر كفاءة اليتيم إذا بلغ الرشد فإذا تحقق من رشده وكفاءته أعطاه تركته، وإذا ظهر أنه سفيه استمر في الحجر عليه واستثمار المال مع إعطائه حقوقه في ريع التركة في جميع احتياجاته.
2ـ والقرآن الكريم يعطي اليتيم غير الوارث حقا في تركة الآخرين لمجرد حضوره تقسيم التركة ويشاركه في ذلك الحق عند الحضور المسكين الذي لا يجد القوت والأقارب من غير الورثة. أي أن هناك جانبا من التركة يذهب لغير الورثة إذا حضروا قسمة التركة يقول تعالي ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ) (النساء 8).
أي يأخذون المال ويتمتعون أيضا بالمعاملة الطيبةوقول المعروف . والمعني المقصود أن يكون التسامح والإيثار هو أساس التعامل إلي درجة الإحسان من التركة علي غير المستحقين إذا حضروا القسمة.
3ـ وقبل توزيع التركة لابد من تنفيذ الوصية وسداد الديون وبذلك أكد القرآن " من بعد وصية يوصي بها أو دين".
وهناك أثر اجتماعي واضح في الوصية للوالدين والأقربين .
يقول تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ( البقرة 180 ـ )والوصية للوالدين وهما من مستحقي الميراث أيضا فيه دلالة واضحة علي رعايتهما إذ يعني ذلك بلوغهما أو أحدهما أرذل العمر ، ولذا يستحقان مع الميراث وصية خاصة بهما ، وهي في النهاية ستعود سريعا بعد موتهما إلي نفس الورثة ولكنهما يتمتعان بالوصية والميراث فيما تبقي لهما من عمر، وهنا يقدم القرآن حلا تشريعيا مهما لمشكلة المسنين وكبار السن وحين يكون معهم المال سيجدون الكثيرين ممن يقدمون لهم الخدمة والرعاية أملا في الاستفادة الآجلة والعاجلة منهم ..
ثم إنه من غير المقبول أن يتقاسم الورثة التركة دون أن يسددوا ما عليها من ديون ولذلك أوجب القرآن سداد الديون قبل توزيع التركة.
4ـ والمجتمع الإسلامي يقوم علي العدل ..
وتفصيلات تشريع الميراث يتضح منها ميزان العدل في التوزيع والقسمة..
فالقاعدة العامة في القسمة أن للذكر مثل حظ الأنثيين وينطبق هذا علي الأبناء ، فالابن يرث ضعف ميراث البنت ، وينطبق علي الأخوة في حالة عدم وجود الأبناء ، فالأخ له ضعف نصيب أخته، كما أن للزوج ضعف الزوجة .
ولكن هذه القاعدة لا تسري علي الوالدين فكلاهما له الثلث إذا لم يكن للميت أولاد وأخوة وكلاهما له السدس إذا كان له أولاد أو أخوة ، وتلك ميزة تضاف إلي مميزات الوالدين في الميراث والوصية حتي لا يقهرهما أحد في أرذل العمر .. وحتى يتمتعا بالرعاية في الشيخوخة ..
والمعني المقصود أن الرجل يحوز علي ضعف نصيب المرأة إذا كان ابنا أو زوجا أو أخا ولكن يتساوى في نهاية العمر مع المرأة حيث أن المرأة قد بذلت عمرها في تربية ابنها ورعايته مع زوجها وبذلك تستحق المساواة بالرجل . ولقد تعود البشر علي هضم حقوق اليتيم، ولكن أنصفه تشريع الميراث فى القرآن الكريم ، كما أن المرأة كانت ولا تزال مهضومة الحق ولكن صان القرآن حقوقها ، ويكفي أن أول آية في تفصيلات الميراث تقول: " لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ سالْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) (النساء .. 7"). وفي نهاية تفصيلات الميراث يحذر رب العزة من تعدي حدوده التشريعية في الميراث: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (النساء 13، 14") أى هى حدود الله:" تلك حدود الله" .
إن الرجل في بداية حياته هو الذي يدفع الصداق ليتزوج وهو الذي يعمل ويتعب لينفق علي زوجته ولذلك فمن حقه أن يحصل علي ضعف المرأة إذا كان ابنا أو أخا أو زوجا ، والمرأة لها نصف الرجل بالإضافة إلي التزامه بالإنفاق عليها ورعايتها ، وهكذا فالعدل يتحقق هنا فيما فرضه الله تعالي لها في الميراث .
ولكن المرأة والرجل يتساويان في نهاية العمر في حقوقهما في ميراث الأبناء إذا لم تعد علي الرجل الأب أو الأم أو الجد أو الجدة التزامات بل أصبح لهم حقوق.
إن الأمر بالإحسان للوالدين يأتي تاليا للأمر بعبادة الله وحده وعدم الإشراك به (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء 23، 24". ومن الاحسان لهما فى الكبر فرض حق لهما فى الميراث وفى الوصية معا.
ويلحق الجد والجدة بالأب والأم .
مقالات متعلقة
بالفتوى
: