الباب الثانى: الهجص السّنى فى الميراث:
هجص توريث من لا يستحق

آحمد صبحي منصور Ýí 2014-01-30


الباب الثانى: الهجص السّنى فى الميراث

الفصل الثالث : هجص توريث من لا يستحق

مقدمة

قلنا إن فقهاء الدين السُّنى لم ينتبهوا للفوارق بين ( الأقربين ) و ( ذى القربى ) فى قوله جل وعلا : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء ) . وواضح أن الميراث ينحصر فى الوالدين والأقربين ، بينما يكون من حق ذى القربى الحصول على صدقة من الورثة إذا حضروا تقسيم التركة . وقلنا أيضا أن أولى القربى مع الوالدين هم أصحاب الوصية:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ) حيث تقوم الوصية للوالدين والمختارين من الورثة بربط توزيع الميراث بالعدل تبعا للظروف التى تستدعى ذلك . بسبب جهل فقهاء السُّنّة بذلك أضافوا للورثة ما ليس فيهم ،وحذفوا من الورثة أصحاب الحق ، كما سبق . نتوقف الآن مع من أضافوه للورثة بغير حق ، وبالاعتداء على التشريع الالهى فى الميراث ، وهو ما نطلق عليه ( الهجص). وهذا الهجص بإضافة من لا يستحق من الورثة له أنواع . نتوقف معها هنا :

أولا : هجص بسبب إعتبارهم ذى القربى ورثة :

يتجلى هذا فى إضافة الأقارب العصب من ناحية الأب كالعم وابن العم . وقد قلنا تبعا لما جاء فى آيتى الميراث أن الأقربين الورثة هم الوالدان والأولاد والأخ والاخوة و الزوج والزوجة . وبعد الأخ الأقرب بالعصبة لا حق لمن بعده كالعم وابن العم . ولكن أئمة السُّنة يجعلون العم ثم ابن العم من الورثة فى عدم وجود الوالد والأولاد والأخ وابن الأخ ، بل ينفرد أقربهم بكل التركة .

ثانيا : هجص بسبب عدم فهمهم للتساوى بين الأب والأم فى الميراث

وقد تعرضنا لهذه المساواة بين الأب والأم فى الميراث والوصية وسائر الحقوق ، والتى جهلها أئمة السنيين ، وضربنا مثلا لأثر هذا الجهل فى تغيير ميراث الأب بأن يصير أحيانا أقل من الأم . ولكن نشير هنا الى خطأ افدح مترتب على هذه التفرقة بين الأب والأم فى الميراث ، وهو أنهم يجعلون الأخ لأم وارثا ، دون الأخ الشقيق المولود من نفس الأم  فى حالة موت الأخ . وهذه كوميديا هزلية لأنهم جميعا من أم واحدة ، ولكن للشقيق الأقرب فقط حق الارث من الأخ المتوفى  ، فكيف للأخ من الأم أن يحجب الأخ الشقيق فى حالة موت الأخ ؟  

ثالثا : هجص بسبب تأثرهم بثقافة الاستعباد فى العصور الوسطى ( إعتبار سكان البلاد الأصليين موالى )

طبقا لتشريع رب العزة فى الميراث فإن المتوفى له ( تركتان ) ، فهو ( يترك ) ثروة يرثها الوالدان والأقربون ، و( يترك ) أيضا مسئولية يتحملها الورثة ، فهناك ( موالى ) أى أتباع من الأقارب الفقراء والضعاف والخدم كانوا محل رعاية المتوفى ، وبعد أن ( يتركهم ) يجب أن يتحمل الورثة رعايتهم . وهذا معنى قوله جل وعلا : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء ).

بالفتوحات التى إرتدّ بها الخلفاء الراشدون عن الاسلام أصبح أصحاب البلاد المفتوحة فى درجة أقل من العرب ، بين الاسترقاق الصريح والحرية المقيدة ، وجاء التعبير عن هذا بوصفهم ( موالى ) اى أتباعا وخدما واشياء من ( سقط المتاع ) . كان هذا عاما لكل الشعوب التى خضغت للإحتلال العربى . وتفضّل العرب على من يعتنق الاسلام على يد شخص عربى بأن يكون ( مولى ) له ويحمل ( الولاء ) لقبيلة هذا العربى . وقد إستمر هذا من عصر الخلفاء الراشدين الى أواخر القرن الثالث الهجرى . ومثلا فإن إبن برزدويه ( البخارى ) يحمل ولاءا عربيا هو ( الجعفى ) إذ  أسلم جده المجوسى على يدي اليمان الجعفي والي بخارى ، فحمل الولاء للجعفى هو وذريته . وكذلك الامام مسلم القشيرى   وهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري ، فهو من نيسابور ، وحمل ولاء قبيلة قشير العربية . مقابل هذا الولاء صاغ أئمة الفقه السُّنى حقا للعربى صاحب الولاء على المولى الذى ينتسب اليه بالتبعية ، وهذا الحق هو أن يرث العربى مال المولى ، أى يكون ( الولاء ) من عوامل الآرث مع النسب ( الوالدان والأولاد ) و ( الزواج ) . وصنعوا فى ذلك حديثا يقول (الولاء لحمة كلحمة النسب ). وطبعا هو حق لطرف واحد ، هو العربى فقط على المولى ، وليس على العربى أى حق ، فلا يرث المولى سيده العربى . وهنا يتحقق الاتناقض التام بين تشريع القرآن فى قوله جل وعلا : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33)النساء ). وبين هجص أئمة السّنّة فى ( الولاء ) .

رابعا : نماذج من هجص السُّنّة :

يطول الحديث لو تعرضنا لهجص مالك فى (الموطأ ) وهجص الشافعى فى ( الأم )، فهذا فوق الاحتمال ، خصوصا مع الثرثرة والاعادة والتكرار والتناقض . نكتفى بفقهاء الوهابية فى عصرنا البائس وهم ينقلون هذا الهجص ، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا .  نذكر بعض ما ذكره سيد سابق فى ( فقه السُّنّة ) والتويجرى فى ( موسوعة الفقه ) . يقولون :

1 ـ  أسباب الارث ثلاثة :  النسب الحقيقي   و النسب الحكمي  وهو الولاء : - لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " الولاء لحمة كلحمة النسب "   والزواج الصحيح . أى جعلوا الولاء من أسباب الارث .

2 ـ وأصحاب الفروض اثنا عشر : أربعة من الذكور وهم الاب والجد الصحيح وإن علا والاخ لام والزوج . وثمان من الاناث وهن الزوجة والبنت والاخت الشقيقة والاخت والاخت لام الابن والام والجدة الصحيحة وإن علت . هنا يجعلون الأخ لأم مميزا ، ومن اصحاب الفروض .

3 ـ معلوم أن اصحاب العصبية الذين يأخذون كل التركة إذا إنفردوا بها أو يأخذون الباقى كالابن والأخ ، ولكن قسموهم ـ خلافا للقرآن ـ الى  : عصبة بالنفس:وجعلوهم : ( كل وارث من الذكور إلا الزوج والأخ لأم، وهم: الابن، وابن الابن وإن نزل، والأب، والجد وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق وإن نزل، وابن الأخ لأب وإن نزل، والعم الشقيق، والعم لأب، وابن العم الشقيق وإن نزل، وابن العم لأب وإن نزل، والمعتِق.) هنا أضافوا الولاء ، أو المعتق . وأضافوا العم وابن العم . وقالوا إن  ( جهات التعصيب ) هى :( البنوة. ثم الأبوة. ثم الإخوة وبنوهم..ثم الأعمام وبنوهم. ثم الولاء.). وقالوا إن جهات التعصيب بعضها أقرب من بعض وهي خمس على الترتيب:البنوة.. ثم الأبوة.. ثم الإخوة وبنوهم.. ثم الأعمام وبنوهم.. ثم الولاء.فإذا وُجدت جهة البنوة أخذت المال، فإن لم توجد انتقلت التركة إلى جهة الأبوة، فإن لم توجد جهة الأبوة انتقلت التركة إلى الإخوة، فإن لم توجد انتقلت إلى العمومة، فإن لم توجد انتقلت إلى الولاء. وقالوا إن عدد الوارثين من الرجال 15 ، وهم :الابن وابنه وإن سفل بمحض الذكور .والأب، والجد من قبل الأب وإن علا بمحض الذكور.والأخ الشقيق، والأخ لأب، والأخ لأم.وابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب وإن نزلا بمحض الذكور.والعم الشقيق وإن علا، والعم لأب وإن علا.وابن العم الشقيق، وابن العم لأب وإن نزلا بمحض الذكور.والزوج، والمعتق وعصبته.) وقالوا عمن يرث بالفرض فقط،: ( وهم سبعة:الزوج، والزوجة، والأم، والجدة من جهة الأم، والجدة من جهة الأب، والأخ لأم، والأخت لأم ). هكذا تلاعبوا فى مستحقى الميراث فأضافوا لهم من جهة العصبية العم وابن العم ، ومن جهة الفروض الأخ لأم ، وجعلوا الولاء ـ أو العتق ـ سببا للإرث .

4 ـ المضحك هنا أن مالك والشافعى والشيبانى وابن حنبل كانوا يعبرون عن ظاهرة إجتماعية سياسية موجودة وهى ( الولاء ) . وقد إندثرت هذه الظاهرة بالتدريج منذ القرن الرابع الهجرى ، وأنمحت تماما منذ القرن السابع الهجرى ولم يكن لها وجود فى العصر المملوكى  . وبالتالى اصبحت مقطوعة الصلة تماما فى عصرنا الراهن ، فإذا كانت هجصا فى عصرها فكيف يكتبها أئمة السلفية المعاصرون فى التشريع السّنى لعصرنا ؟ هل يوجد الآن مصريون يدينون بالولاء لأفراد فى الجزيرة العربية ؟ وهل قام أحد الأعراب بعتق شخص من ايران فيستحق أن يرثه ؟ هذا يوضح أن ائمة السلفية فى عصرنا غائبون تماما عن عصرنا . وعاجزون تماما عن الاجتهاد بما يوافق عصرنا . هم فقط يجترُّون المكتوب فى العصر العباسى بحذافيره وبأحاديثه وبأكاذيبه ، ويرفعون لواء تطبيقه علينا .

أرحم بنا وبهم أن نجمعهم جميعا فى كيس زبالة ونلقى بهم على الحدود المصرية الليبية السودانية ..!

أخيرا : هجص ترتب على هجص

1 ـ بكثرة المُضافين للورثة تكاثرت حالات ( العول )

2 ـ و بكثرة المُضافين للورثة إزداد الخلاف فى الردّ ، أى ما يتبقى من التركة ، فجعلوه للعم وابن العم ولبيت المال ، على إختلاف شديد فيما بينهم .

كان السهل والأكثر عدلا التمسك بشرع الله جل وعلا فى الميراث . 

اجمالي القراءات 12159

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الجمعة ٣١ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[73732]

مشاركة .


اخى العزيز استاذ خالد . هذه ليست إجابة عن استاذى الدكتور منصور - اكرمه واكرمكم الله. ولكن اقول لكم ما فهمته مما تريد الأغستفسار عنه . قوله (هم ) تعنى الفقهاء السابقين .



أما معنى وإن نزل (إبن الإبن ،وإبنإبن الإبن وهكذا ) فمثلا . (انا إسمى - عثمان محمد على ) فجدى هو (على ) وإبنه (محمد ) وإبن إبنه (عثمان) وإبنى انا (نادر ) وهكذا . إى من الجد إلى سلالته وإمتدادها من الذكور ) .. أما من الإناث فهى تنتسب إلى عائلة أخرى .فلا ترث . فمثلا بنتى  ترث أما بنتها فلا لأنها من سلالة أخرى غير إمتداد جدها (على أو محمد ) ..  وكلمة وإن علا . هى عملية عكسية .



فنادر ،ثم عثمان ،ثم محمد ،ثم على ، وهكذا ..



 



- الفقهاء ورثو كل من يحمل نفس فصيلة دم الجد الأكبر وإن نزل . اما الإخوة من الأم فلا يرثون لأنهم نتاج سلالة أخرى (وفصيلة دم أخرى أو بصمة وراثية أخرى ) ... والله أعلم إن كان فهمى صحيحا ام لا ؟؟


2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   السبت ٠١ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[73739]

جزاكما الله جل وعلا خيرا دعثمان واستاذ خالد اللهيب


عبارة  ( وإن علا ) يعنى الأب والجد ، و(إن نزل ) يعنى الابن والحفيد ، كما شرح د عثمان ، وهو أزهرى مثلى . وهذا التعبير ( وإن علا وأن نزل ) تراثى فقهى . 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4980
اجمالي القراءات : 53,332,502
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,621
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي