آحمد صبحي منصور Ýí 2014-01-10
كتاب الميراث : الباب الأول : تشريع الميراث فى القرآن الكريم
الفصل الثانى : مقاربة إصطلاحية : مفهوم : وصّى .
مقدمة : التوصية هى تأكيد للأمر أو الطلب أو الفرض . حين تأمر إنسانا بفعل شىء أو تنهاه عن فعل شىء ، فهذه هى الدرجة البسيطة من الأوامر والنواهى . أما حين ( توصّيه ) فهذا تأكيد وتغليظ للأمر والنهى . ولذا ترتبط الوصية وفعل ( وصّى ) و مشتقاته بالكليات الكبرى فى التشريع ، وبالأوامر النهائية ( عند الموت ). ونعطى التفصيل :
أولا : الوصايا أثناء الحياة :
1 ـ الأوامر الالهية فى كل الرسالات السماوية : تمّ إجمالها وإختصارها فى قوله جل وعلا : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )(13) الشورى). فالشريعة النابعة من الدين الالهى الذى نزلت به كل الرسالات السماوية تتلخّص فى شيئين : إقامة الدين ، وعدم التفرق فى الدين . والشرح يطول . فكل الأنبياء من نوح الى ابرهيم وموسى وعيسى وخاتم النبيين تتفق شرائعهم فى إقامة الدين ( إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وتطبيق العدل والاحسان وكل الأوامر الالهية ) وألا يتفرق المؤمنون شيعا وأحزابا ، لأن التفرق فى الدين يعنى تأسيس ديانات أرضية وإختراع أحاديث بوحى كاذب . هذه الشريعة المشتركة قد أوصى الله جل وعلا بها كل الأنبياء . لم يقل جل وعلا (أمر ــ أمرنا ) بل ( وصّى ) ( وصّينا ) . هذا يوضح لنا الفرق بين ( الأمر والنهى ) وبين ( التوصية )
2 ـ ونحو ذلك فى الايجاز والإعجاز ودقّة التعبير قوله جل وعلا :( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ ) النساء 131 ). الشرح القرآنى لهذا المقطع من الآية الكريمة يحتاج الى مراجعة الأمر بالتقوى فى قصص الأنبياء فى القرآن الكريم وفى خطابه جل وعلا للمؤمنين ولخاتم النبيين ، ومعانى التقوى وجزاء المتقين . كل هذا تم تركيزه وتلخيصه فى أن الله جل وعلا ( وصّانا ) نحن وأهل الكتاب بالتقوى . لم يقل جل وعلا ( ولقد أمرنا الذين أوقوا الكتاب وإياكم بالتقوى ) لأن الأوامر تكاثفت وتكاثرت ، فجاء التأكيد عنها بالتوصية .
3 ـ وتكررت الأوامر والنواهى لنا بلا اله إلا الله والاحسان للوالدين وعدم القتل وعدم الاقتراب من الفواحش وعدم الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن والوفاء بالكيل والميزان والعدل فى القول والوفاء بالعهد والتمسك بالكتاب وحده . جاء هذا مركّزا ومؤكدا فى ( الوصايا العشر ) فى الرسالة الخاتمة، يقول جل وعلا :( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)الانعام ). هذه الأوامر والنواهى التى تكررت فى القرآن الكريم جاء هنا تكثيفها وتأكيدها فى ثلاث آيات ، تنتهى كل آية بالتوصية :( ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)) (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)) (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)).
ثانيا : الوصية عند الموت :
مطلوب من الانسان وهى يسعى فى الأرض أن يطبّق هذه الوصايا فى حياته . ثم مطلوب منه عند الاحتضار أن يوصّى قبل الموت . ولأنها الأوامر الأخيرة والنهائية التى يقولها فهى هنا ليست مجرد أوامر بل ( وصايا ) . وهذه الوصايا نوعان : وصية وعظية ، ووصية مالية .
1 ـ الوصية الوعظية بالدين الحقّ : عند موت ابراهيم عليه السلام إجتمع عند فراشه ابناؤه فأوصاهم . وعند موت يعقوب إجتمع عند فراشه أبناؤه فأوصاهم . وكانت وصية يعقوب هى نفس وصية جده ابراهيم عليهم السلام . يقول جل وعلا :( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) البقرة ). كلاهما أوصى أولاده بالتمسك بالاسلام . يعقوب عليه السلام فى وصيته لأبنائه وهو يحتضر سألهم عن الاله الذى سيعبدونه ، فأجابوه بما أحبّ أن يسمع : ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) البقرة ). قيل هذا ليس باللغة العربية ولكن باللغة المتعارف عليها وقتئذ . فكل الرسالات السماوية نزلت بالاسلام ، ولكن كل رسالة نطقت بلسان كل رسول وقومه : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) (4) ابراهيم ). فلكى ( يبيّن ) لهم لا بد أن يكون منهم متكلما بلسانهم . وبهذا فكل الوصايا فى كل رسالة ولكل رسول كانت بلسان القوم . يستحيل عقلا أن يأتى رسول يكلم قومه بغير لسانهم . ومطلوب من المؤمن عند الاحتضار أن يوصى أهله وأولاده بالتمسك بالاسلام الحق ، وأن يعظهم ويوصيهم بالتقوى والأخلاق الاسلامية السامية .
2 ـ الوصية الخاصة بالتركة: ومفروض عليه ايضا أن يوصّى بجزء من ماله للوالدين والأقربين ، تنفيذا لقوله جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) البقرة ).
وهذا الفرض بالوصية المالية واجب حين يحتضر المؤمن فى السفر والغُربة بعيدا عن الأهل . وعندها لا بد أن يودع وصيته لدى شاهدين ، يقومان بتوصيل الشهادة للأهل تحت رقابة السلطة الاجتماعية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) المائدة ). مفهوم هنا وجوب الوصية المالية فى كل الأحوال عند الموت .
3 ـ ولارتباطها بالميراث فقد تخللت الوصية تشريعات الميراث ، كما جاء الأمر التشريعى بالميراث بصيغة التوصية دلالة على التأكيد على الأمر . يقول جل وعلا : ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ )(11) ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)( النساء ).
لخطورة تشريع الميراث لم يقل جل وعلا ( يأمركم الله ) بل قال فى بداية التشريع بتوزيع التركة:( يُوصِيكُمْ اللَّهُ ).وفى نهاية التشريع لم يقل ( أمر من الله ) بل قال جل وعلا : (وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ). وقبل توزيع الميراث فقد أوجب الله جل وعلا تنفيذ وصية المتوفى قبل توزيع التركة : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ) (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ).
4 ـ وبصيغة ( الوصية ) أوجب رب العزة على من يحضره الموت أن يوصى لزوجته بأن تبقى فى البيت عاما بلا إخراج . هذا بالاضافة الى حقها فى التركة . فإذا خرجت من البيت قبل العام تريد الزواج فلا حرج عليها . يقول جل وعلا فى مُتعة الأرملة : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) البقرة ). ثم يقول جل وعلا بعدها عن مُتعة المطلقة : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) البقرة ).
ودائما : صدق الله العظيم .
حين تأمر إنسانا بفعل شىء أو تنهاه عن فعل شىء ، فهذه هى الدرجة البسيطة من الأوامر والنواهى . أما حين ( توصّيه ) فهذا تأكيد وتغليظ للأمر والنهى . ولذا ترتبط الوصية وفعل ( وصّى ) و مشتقاته بالكليات الكبرى فى التشريع ، وبالأوامر النهائية ( عند الموت ). ونعطى التفصيل :الوصايا أثناء الحياة :1 ـ الأوامر الالهية فى كل الرسالات السماوية : تمّ إجمالها وإختصارها فى قوله جل وعلا : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )(13) الشورى). فالشريعة النابعة من الدين الالهى الذى نزلت به كل الرسالات السماوية تتلخّص فى شيئين : إقامة الدين ، وعدم التفرق فى الدين . والشرح يطول . فكل الأنبياء من نوح الى ابرهيم وموسى وعيسى وخاتم النبيين تتفق شرائعهم فى إقامة الدين ( إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وتطبيق العدل والاحسان وكل الأوامر الالهية ) وألا يتفرق المؤمنون شيعا وأحزابا ، لأن التفرق فى الدين يعنى تأسيس ديانات أرضية وإختراع أحاديث بوحى كاذب . هذه الشريعة المشتركة قد أوصى الله جل وعلا بها كل الأنبياء . لم يقل جل وعلا (أمر ــ أمرنا ) بل ( وصّى ) ( وصّينا ) . هذا يوضح لنا الفرق بين ( الأمر والنهى ) وبين ( التوصية ) 2 ـ ونحو ذلك فى الايجاز والإعجاز ودقّة التعبير قوله جل وعلا :( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ ) النساء 131 ). الشرح القرآنى لهذا المقطع من الآية الكريمة يحتاج الى مراجعة الأمر بالتقوى فى قصص الأنبياء فى القرآن الكريم وفى خطابه جل وعلا للمؤمنين ولخاتم النبيين ، ومعانى التقوى وجزاء المتقين . كل هذا تم تركيزه وتلخيصه فى أن الله جل وعلا ( وصّانا ) نحن وأهل الكتاب بالتقوى . لم يقل جل وعلا ( ولقد أمرنا الذين أوقوا الكتاب وإياكم بالتقوى ) لأن الأوامر تكاثفت وتكاثرت ، فجاء التأكيد عنها بالتوصية .3 ـ وتكررت الأوامر والنواهى لنا بلا اله إلا الله والاحسان للوالدين وعدم القتل وعدم الاقتراب من الفواحش وعدم الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن والوفاء بالكيل والميزان والعدل فى القول والوفاء بالعهد والتمسك بالكتاب وحده . جاء هذا مركّزا ومؤكدا فى ( الوصايا العشر ) فى الرسالة الخاتمة، يقول جل وعلا :( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)الانعام ).
مطلوب من الانسان وهى يسعى فى الأرض أن يطبّق هذه الوصايا فى حياته . ثم مطلوب منه عند الاحتضار أن يوصّى قبل الموت . ولأنها الأوامر الأخيرة والنهائية التى يقولها فهى هنا ليست مجرد أوامر بل ( وصايا ) . وهذه الوصايا نوعان : وصية وعظية ، ووصية مالية . 1 ـ الوصية الوعظية بالدين الحقّ : عند موت ابراهيم عليه السلام إجتمع عند فراشه ابناؤه فأوصاهم . وعند موت يعقوب إجتمع عند فراشه أبناؤه فأوصاهم . وكانت وصية يعقوب هى نفس وصية جده ابراهيم عليهم السلام . يقول جل وعلا :( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) البقرة ). كلاهما أوصى أولاده بالتمسك بالاسلام . يعقوب عليه السلام فى وصيته لأبنائه وهو يحتضر سألهم عن الاله الذى سيعبدونه ، فأجابوه بما أحبّ أن يسمع : ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) البقرة ). قيل هذا ليس باللغة العربية ولكن باللغة المتعارف عليها وقتئذ . فكل الرسالات السماوية نزلت بالاسلام ، ولكن كل رسالة نطقت بلسان كل رسول وقومه : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) (4) ابراهيم ). فلكى ( يبيّن ) لهم لا بد أن يكون منهم متكلما بلسانهم . وبهذا فكل الوصايا فى كل رسالة ولكل رسول كانت بلسان القوم . يستحيل عقلا أن يأتى رسول يكلم قومه بغير لسانهم . ومطلوب من المؤمن عند الاحتضار أن يوصى أهله وأولاده بالتمسك بالاسلام الحق ، وأن يعظهم ويوصيهم بالتقوى والأخلاق الاسلامية السامية .2 ـ الوصية الخاصة بالتركة: ومفروض عليه ايضا أن يوصّى بجزء من ماله للوالدين والأقربين ، تنفيذا لقوله جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) البقرة ).وهذا الفرض بالوصية المالية واجب حين يحتضر المؤمن فى السفر والغُربة بعيدا عن الأهل . وعندها لا بد أن يودع وصيته لدى شاهدين ، يقومان بتوصيل الشهادة للأهل تحت رقابة السلطة الاجتماعية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ (106
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,056,882 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
دعوة للتبرع
الاستفهام البلاغى : معروف فى القرآ ن الكري م أن الشيط ان هو...
انتشار الالحاد: أتكلم عن الارت داد والال حاد فى الدول...
أبو حنيفة: إستم عت للمنا ظرة بين طارق حجي و يوسف...
لا طقوس فى الاسلام : هل جائز بأن نقول للصلا ة:طقس ...
شريعة المصالح : ما مدى صحة هذه القاع دة وخاصة جماعة الإخو ان ...
more
جزاك الله خير جزاء أستاذي احمد منصور
توضيحكم للفرق بين الوصية و الامر يجعل المسلم ان يفكر مليا في مسالة النصيب بين الذكر و الانثى. وكما وضحتم في مقال سابق الحكمة الالهية في للذكر مثل حظ الانثيين حيث ان الذكر قوام على الانثى من ناحية الانفاق و المسوولية المرماة على عاتقه. في عصرنا الحالي هذه المسوولية اصبحت في غالب الاحيان ملقاة على الذكر كماهي ملقاة على الانثى. بل انه في بلداننا نجد ان الانثى تعول عائلة باكملها حيث الذكور عاطلين بلا عمل، بالطبع ان هذه القاعدة لن تجوز في هذه الحال. ربنا الحكيم وصانا ولم يامرنا في القاعدة بل ترك لنا المجال في المساواة مع العدل بين الذكر و الانثى طبقا لما يوافق المسووليات الفردية.
جزاكم الله خير الجزاء.