محمد عبد المجيد Ýí 2011-10-16
عندما نحاولُ الغوصَ في أسبابِ أكثر الخلافاتِ المذهبيةِ والمعتقدات الدينية وتوجّهات الأحزاب وصراع أفراد، ثم ندلف إلىَ عالــَم الكراهية والبغضاء والنزاعات، ومن ثم نتسلل إلىَ أعماق النفوس والقلوب والصدور في محاولة للإطـّلاع علىَ المشهد الداخلي للإنسان فلا ريب في أننا سنعثر علىَ تراكماتٍ لا نهائية من التأليه والتقديس.
القداسةُ هي رفع شخص إلىَ مرتبةٍ تجعله أعلىَ وأرفع وأسمىَ مما هو في حقيقته.
إخفاءٌ تام لكل صور الضعف والوهن والعجز، لهذا كان عجباً في نظر مُشركي قريش أن يرسل اللهُ، عز وجل، رجلا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
عندما يغترب المرءُ ردحاً طويلا من الزمن يبدأ في صناعة ماضيه، فيحذف منه ويضيف إليه ويتلاعب بذاكرته عن غير وعيٍّ منه، وفي النهاية ينتهي من رسم لوحةٍ لماضيه، طفولته وشبابه، ليست مطابقة تماما للصورة الحقيقيـة، وفور وصول المغترب إلى مرحلة تصديق ماضٍ من صُـنع خياله يصبح على استعداد أن ينافح عنه بكل ما أوتي من قوة.
هناك حالة مشابهة رغم أنها معاكسة تماما وهي تلك التي يقوم آخرون فيها بصناعة ماضي الغير، حذفاً وإضافة ورتقاً وتزييناً وتلويناً رغم أن الفارق الزمنيَّ والمكانيَّ قد يكون عقوداً و .. قروناً.
المجهول هو القوة الدافعة لصناعة القداسة، والإنسان مولع بالبطل المصنوع من قوىَ خيالية أو دينية أو وطنية أو خرافية بحيث يصعب التحقق من صحة مواصفات بطلـِنا!
لو أنك كنت تقيم في الصين الشعبية إبان الثورة الثقافية وقلت لأحد بأن ماوتسي تونج رجل فيه من الضعف والقوة ما يماثل غيره، بل إنه كان يتحرش بالفتيات الصغيرات، وهو كغيره يتألم، ويتلوّع، ويطارد الأرَقُ جفونــَه، ويصيبه إسهالٌ وإمساكٌ، وربما نوبات من البكاء لا يعلم عنها أحد شيئاً.
لو همست بهذا لكانت رصاصة شيوعية أصابت مـَقـْدَمَ رأسك كما كانت تصيب الأسرى الفيتناميين رصاصات سايجونية خلال حرب اليانكي ضد الفقراء الصُفر المدافعين عن وطنهم الأحمر في هانوي.
إذا ارتدى مخبول ملابس رثة، وأطلق لحيته، وحمل بخوراً، وجلس في أرض جدباء خربة بالقرب من ضواحي مدينة كلـْكـُتـّا الهندية، ثم زعم أنه آخر أنبياء الهند فسيبصق عليه الناس في اليوم الأول، ويؤمن به ثلاثة في الأسبوع الرابع، ويصبحون ثلاثين في بداية العام التالي، وبعد عشرين عاما من الصمود وتحمـّل التهكم والصبر على السخرية تعلن الحكومة البريطانية أنها بصدد الموافقة على السماح ببناء معبد في برايتون لتلك الطائفة المضطهـَدة في الهند.
يمكنك أن تطلق شائعة عن فقيه من نسج خيالك يدعى، مثلا، " الهيثم بن البحر" كان يعيش في اليمن، وكان إذا قرأ القرآن الكريم سمع حفيف أوراق الكتابة فيفهم أن سبعين ألفا من الملائكة يكتبون حسناته بسرعة الصوت.
إذا قصصت هذه الحكاية على أشخاص مختلفين عدة مرات في أوقات مختلفة وأماكن متعددة فإنني على يقين من أنك ستقرأ الحكاية بعد عشرين عاماً في كتاب موثـَّق بقلم كاتب مشهود له بالتدقيق والتصحيح والمراجعة، وسيؤكد لك يوم مولد ووفاة " الهيثم بن البحر" الذي اخترعته قريحتك في جلسة مزاج عال.
ما نفرت في حياتي بعد نفوري من الطغاة كما أفعل مع القداسة.
الاحترام والتقدير والمحبة والإعجاب كلها مشاعر تظل في إطار الحس الإنساني الذي لا غبار عليه، أما تنزيه شخص ووضعه في دائرة المعصومين، ثم إحاطته بهالة من القداسة فإن نفسي تشمئز من تلك العلاقة المريضة بين الاستعلاء المصطنع و .. الدونية الموهومة.
تاريخنا كلـُّه مليءٌ بشخصياتٍ خرافيةٍ ألـَّهناها، وعملقناها، ورفعناها فوق رؤوسـِنا، ثم صدَّقنا ما وضعناه على ألسنتــِها!
قابلتُ كثيراً من الحاصلين علىَ أعلىَ الدرجات العلمية لكنهم يتلذذون بمشاعر الدونية نحو شخصيات تاريخية أو دينية أو وطنية كما يشعر الجندي الريفي في أول أيام الخدمة العسكرية وهو يقف أمام قائد المعسكر!
عندما يقف شيخٌ أو قـِسٌّ أو حاخام أمام المؤمنين فإنَّ رهبةَ المجهول في الدين تسري بسرعةٍ عجيبةٍ من المنبر إلىَ فؤاد المتلقي ويبدو كأنه تنويمٌ مغناطيسي، ونفس الأمر ينسحب علىَ العلاقة مع الحاكم أو الزعيم أو الديكتاتور، فسكانُ أديس أبابا كانوا يظنون أنَّ الإمبراطور هيلاسلاسي يراقب أحلامــَهم، وكوابيسـَهم، ويعرف ما يـُخفون في صدورِهم، لذا غاب عن الاثيوبيين أن إمبراطورَهم مشكوك في قدرته على القراءة والكتابة!
هذه الشخصيات التاريخية والوطنية والزعامات الدينية تقوم في حياتـِها ومماتـِها بالسيطرة على عقولـِنا وقلوبـِنا، أو بالأحرى نمنحها نحن مُقًدراتنا!
لو يعلم أيُّ عاقلٍ أنَّ الثقوبَ في الثوب المـُقـَدّس أكثر من المساحات السليمة لنفـَضَ عن نفسـِه عبادةَ الأشخاص.
يتملـَّكني غضبٌ شديدٌ مـَشوبٌ باشفاقٍ عندما أرى الإنسانَ الذي خلقه اللهُ، ونعَّـمـَه، وكـَرَّمَه، ونفخ فيه من روحـِه وقد تحوَّل إلىَ حشرةٍ أو أدنىَ. يــُقــَبـِّل أيدي المـُلوك والشيوخ والعلماء،يطيع رجالا لو رآهم في لحظات ضعفهم للطم وجهه على ما فرط في كرامته وإنسانيته.
يستشهد بآراءٍ وأفكارٍ وحكاياتٍ نقلها له عنعنيون فظن أنها قبسٌ من نور الذِكـْر الحكيم أو تنزيلٌ من التنزيل.
يأكل الدودُ صاحبــَنا الذي لا نعرف عنه إلا القليل، وبعد مئات الأعوام نكاد نركع أمام أقوالـِه، ونتقاتل لنثبت صحتـَها، ونقاتل من يشكك في أي حرفٍ منها.
كلهم رجالٌ مثلــُنا، منهم من مات وشبع موتاً، ومنهم من لم يأخذ حفـَّارُ القبور أجراً علىَ دفنــِه بعد.
لا غضاضة أو اعتراض أو عــِتاب في أن نحترم شيخَ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية وبابا الفاتيكان وآيات الله في قُم والنجف وكربلاء وحاخام اليهود وزعماء الدروز والبهائيين والبابيين والأحمديين والسيخ والهندوس والبوذيين .
وجميل أن تكون حريصاً علىَ آراءٍ وأفكار وأعمال ومؤلـَّفات وتراث دين أو معتقد أو مذهب أو زعيم وطني أو قائد ثورة ثقافية أو شيوعية أو مُحرِّر أمة من سيمون بوليفار إلى بسمارك، ومن أتاتورك إلى محمد علي، ومن مارتن لوثر كينج إلى جيفارا، ومن الأئمة الأربعة إلى القدّيسين وكهنة الأديرة ومُفسـّري الكــُتـُب المقدسة والوضعية.
لكن كل الذين نتمنى أنهم من تـُراب الأرض جاءوا وإلى تراب الأرض ودودِه عادوا ينبغي أن يظلوا في دائرة إنسانية بكل ضعفها وقوتها، فقد كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويمرضون، ويقضون حاجتهم، وتنبعث منهم روائح كريهة، ويُصابون بالضعف النفسي والجنسي والشره والتخمة والإدمان و .. الزهايمار، ويتلعثمون، وتهاجمهم كوابيس، ويجهشون بالبكاء في الخلوة.
عندما ينصحك المتلذذون بالدونيــّة بطاعة وليّ الأمر مهما كان ظالماً وشريراً ومستبداً فلا تنصت إليهم، فأولو الأمر أيضا أناسٌ ليسوا أعلىَ من أدنانا، أو أقوىَ من أضعفـِنا، أو أذكى من أغبانا!
طريقُ الإصلاح يبدأ من هنا .. من حيث نزع القداسة عن أيّ إنسان ما لم نؤمن أنَّ اللهَ أوحىَ إليه، أو اصطفاه، أو كـَلــَّمـَه، أو نـَزَّل عليه الروحَ الأمين.
عندما تنتقد، وتـُشكـّك، وتتفحص، وتغوص في الأعماق، وتقرأ ما وراء السطور، وتقف على قـَدَم المساواة الإنسانية مع أي شخص في الدنيا فأنت على الصراط المستقيم.
كبارُنا صغارٌ، وعلماؤنا خلقـَهم اللهُ ضــِعافاً، وزعماؤنا التاريخيون أو الذين لم يقم مــَلــَكُ الموت بزيارتـِهم بـَعْدُ لو اطـَّلعتَ عليهم بين جدرانٍ أربعة لبكيتَ على كل لحظة خفضت رأسـَك أمامهم، حُضورا أو غياباً!
حديثي هذا لا ينتقص قيدَ شعرة من أي صورة من صور الاحترام، لكنه دعوةٌ لإعادة تحطيم الأصنام التي في الصدور.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 13 أكتوبر 2011
Taeralshmal@gmail.com
أستطيع أن أقول أن هذه المقالة فى المقام الأول ضمن مقالات الإصلاح الدينى قبل أن تكون من مقالات الإصلاح السياسى للأستاذ محمد عبدالمجيد . وإسمح لى أن اقول أن تعقيبا على ماورد بالفقرة التالية من مقالتكم (طريقُ الإصلاح يبدأ من هنا .. من حيث نزع القداسة عن أيّ إنسان ما لم نؤمن أنَّ اللهَ أوحىَ إليه، أو اصطفاه، أو كـَلــَّمـَه، أو نـَزَّل عليه الروحَ الأمين.) ،حتى هؤلاء أيضا لا قداسة لهم استاذ عبدالمجيد ،ولكن لهم التقدير والتوقير والإحترام والطاعة فيما أمر الله به . لأنه لا قداسة إلا للواحد الأحد القدوس سبحانه وتعالى ،وليست لأحد من خلقه ،سواء كانوا ملائكة أو رسل أو أنبياء ،بل كلهم عباد مُكرمون .... فالقداسة شىء ،والتكريم والتوقير شىء آخر ،والفرق بينهما كما الفرق بين الخالق والمخلوق ....
وشكرا لك على مقالاتك الغصلاحية العظيمة ....وتقبل تحيات سلمى على ....
أخى رضا - عظيم أن تُعلم تلاميذك قيمة إحترام الذات ،ولكن أرجو أن تعلم أن قيام الطلاب للمدرس ،ليست لشخصه فى حد ذاته ولكن لما يحمله من علم ،ولقيمة هذا العلم الذى جاءهم يعلمهم إياه . فأرجو أن تزرع فيهم قيمة إحترام العلم العالية ومن خلاله إحترام المُعلم .
أخي الفاضل الدكتور عثمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دمت بخير وأسرتك الكريمة
أتفق تماما مع حضرتك على أهمية احترام التلاميذ او الطلاب لمدرس ولما يحمله من علم وكذلك احترام قيمة هذا العلم ، ولا خلاف هنا على هذا
لكن سبب رئيسي في ما قلته وما أحاول تعليمه للطلاب ورفضى بأن يقفوا للمدرس هو لسبب قوي جدا وهو أن معظم المدرسين والعاملين في التعليم يعتبرون أن وقوف التلاميذ للمدرس لا علاقة له بالعلم ولكن ينظرون إليه على أنه فرض وحق مكتسب نابع من تقديس شخص المدرس واعتباره فوق مستوى البشر بالنسبة للطلاب ، ولذلك يغضبون جدا عندما يدخل المدرس للفصل ولا يستجيب الطلاب بالوقوف ويظهر هنا حقيقة ما أشير إليه ، وأنا مع حضرتك تماما في أهمية ترسيخ الاحترام داخل الطلاب للعلم والعلماء لأن أي مجتمع لن ينهض إلا باحترام العلم والعلماء وهذا ما أشرت إليه لكن يبدو أنى لم أوضحه بصورة كافية وهو أنني احاول أن أعلم التلاميذ الاحترام الحقيقي الداخلى المبني على الصدق الاحترام الفعلي لا الشكلى لأن حياتنا للأسف الشديد تحولت الى شكليات وأمور ظاهرية ولابد من تغيير هذه الثقافة وتنمية ثقافة الصدق والأمانة والعمل والفعل ، ونبذ الشكليات التي لا تبنى على اي اساس لأن نفس الطلاب الذين يقفون للمدرس من الممكن ان يضحكوا عليه أو يسخروا منه أو يشمئزوا منه ومن طريقته بسبب ضعف امكاناته أو بسبب قصور معين في كونه مدرسا أو بسبب فشل العملية التعليمية كلها في خلق مواطن صالح ..
أصارحك بأننى قرأت مقالك هذا منشورا فى (الحوار المتمدن ) قبل أن تنشره عندنا فشعرت بغصة ، ثم استرحت عندما تألق المقال عندنا . مقالاتك كلها رائعة ونابضة بالاصلاح ومفعمة بالمشاعر الفياضة ، ولكن القليل منها هو الذى يدخل فى إطار عملنا الأصلى وهو الاصلاح الدينى . وهذا المقال من أروع مقالات الاصلاح الدينى . نحن بالطبع متفقان فى الدعوة الى الاصلاح ونعانى فى سبيله ، ولكنك تركز على الاصلاح السياسى ، ونحن نركز على الاصلاح الدينى ، وهما مقترنان ، وقد أوضحت ببساطة و وضوح ارتباطهما . ننتظر منك المزيد ، جزاك الله تعالى خير الجزاء
الاستاذ الفاضل محمد عبد المجيد تحية طيبة
إن من أخطر أنواع القداسة هو تقديس النفس ، وللأسف يوجد الكثير من البشر يقدسون انفسهم وهم لا يشعرون وأحيانا يشعرون ولا يجدون مانع من ذلك ، فتقديسهم للبشر نابع من تقديسهم لأنفسهم ، فحب النفس والانانية وتفضيل الذات عن الغير حتى لو كان هذا الغير من أقرب المقربين لهو من انواع تقديس النفس ، وهناك من يؤله فكره وعقيدته بل وآرائه الشخصية ويظن بأنها عين الحقيقة وكل ما دونها باطل ، وهذا من اخطر انواع تقديس النفس لأنه ارتبط بالعقيدة والفكر وبالتالى يوجب على الباقين تقديس عقيدته وأفكاره ومن يكفر بها يعد كافر من وجهة نظره ، ومن هنا سادت فكرة تكفير الآخر المختلف فى الرأى أو الفكر.
فإذا اردنا نزع القداسة عن البشر فيجب اولا أن ننزع القداسة عن انفسنا ، ولنعمل بمقولة أبدأ بنفسك أولا ، فلو نظر كل من يقدسون البشر إلى انفسهم أولا ونزعوا القداسة عن أنفسهم لنزعوا القداسة عمن يقدسونهم من البشر ولعلموا ان القداسة لله وحده لا شريك له .
أخي العزيز الأستاذ رضا عبد الرحمن،
أمل أن أقرأ قريبا مقالك عن الأصل الواحد للإنسان، وأننا كلنا اخوة، وأن عوامل مختلفة هي التي جعلت الإنسان أبيضا أو أسودا أو قصيرا أو ذا عينين ضيقتين أو مولودا وفقا لعقيدة أبويه ...
مهمتك كبيرة في التدريس والتعليم والتربية، فكم من معلم أطاح بطموحات تلميذ، وكم من معلم قام بصناعة بطل للمستقبل!
وتقبل محبتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
أخي الأستاذ عثمان محمد علي،
تسعة من كل عشرة مؤمنين بالدين يقدسون أشياء وأشخاصا وخيالات، وهؤلاء سينصتون على مضض لحديثي عن عدم تقديس الأفراد، ولكن إذا قلت لهم بأن الأنبياء والملائكة والرسل لا ينسحب عليهم سحبك القداسة من غيرهم فقد خسرت المعركة، لأنهم مرتبطون بالنص المقدس.
المهم أن تنزع في بداية المعركة الطويلة القداسة عن العنعنيين، فإذا قضيت على الخرافات والأكاذيب يمكنك أن تحاور وتجادل وتناقش في أمور حقيقية أتى بها الأنبياء، فتسأل عن سبب قتل موسى لرجل لا يعرفه، وعن عصبيته تجاه أخيه فأخذ برأسه، وعن قصر الفترة التي قام المسيح خلالها بدعوته فهي لا تمكن أي نبي من توسعة نطاق تعاليمه، وعن عدم تعلم نبينا ( عليهم جميعا السلام) القراءة والكتابة بدلا من كتبة الوحي لثلاث وعشرين سنة.
الاصلاحي لا يدخل كل المعارك دفعة واحدة، لكن يعطي الصدمات رويدا .. رويداً.
وتقبل محبتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو
أخي الاستاذ محمود مرسي،
هذا أيضا طريق طويل، ففي النرويج مثلا انتهت الألقاب نهائيا، حتى الطبيب تناديه باسمه الأول وكذلك المدرس ومدير المدرسة وأستاذ الجامعة والوزير ورئيس الوزراء، ويحتفظ الملك والملكة بلقب الجلالة ولكن بدون تفخيم، وكذلك القس في الكنيسة أو في الخارج إذا كان مرتديا ملابس رجل الدين.
أما في عالمنا العربي فالطريق طويل بطول عدة أجيال، وأذكر أنني كنت على موعد مع وزير عربي ، وسألني مساعد سكرتيره ( وهو مصري) عن الكيسة البلاستيك المكتوب عليها مطار أوسلو ، فقلت له بأن بها هدية للوزير تذكار من النرويج، لكنه طلب مني أن أتركها في المكتب لئلا( يرى معالي الوزير منظراً لا يليق) رغم أن كل هيئتي آنئذ تشي بالوقار والأناقة باستثناء تلك ( الكيسة البلاستيك) . ودخلت رغم امتعاض ابن بلدنا الذي يريد أن يحدد ما تراه عينا الوزير!
وتقبل محبتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
أخي الحبيب جد سلمى،
رغم سعادتي بتلك ( الغصة ) التي شعرت بها عندما رأيت مقالي في ( الحوار المتمدن) قبل موقعكم الرائع، ورغم شكري العميق على تفضلك بفتح صفحات ( أهل القرآن ) دون أي تحفظ، أو حتى إشارة خفية لعدم الرضا على بعض كتاباتي، ورغم شجاعتك في قبول كل مقالاتي التي تردد الكثيرون في قبولها إثر تشديد قبضة الأمن على المواقع والمنتديات وأصحابها، إلا أنني أجدني مختلفا معك هذه المرة!
مقالاتي في الإصلاح الديني حتى لو أرتدت عباءة سياسية، وهي في الإصلاح السياسي ولو اختفت خلف قناع ديني، وهي في الاجتماعيات حتى لو بدت بعيدة بعد المشرقين.
تقول بأن الاصلاح الديني لم يأخذ حظه كثيرا في كتاباتي، ولكن نظرة واحدة على عشرات المقالات ستجدها تسير جنبا إلى جنب مع ما يصبو إليه أستاذنا الدكتور أحمد صبحي منصور.
أليس ( الخطاب الأول لرئيس سلفي) و ( حوار بين علماني وسلفي) و ( النقاب حرام ) و ( العروسة باربي تغطي وجهها) و ( حرمة تحريم الموسيقى والغناء ) و ( لماذا يهتم المتدينون بالتفاهات ) و ( لماذا يرتبط الدين بالقسوة والجنس؟ ) و ( حيرة الصائمين مع شمس منتصف الليل ) و ( نعم، أنا مسلم رغم أنفك ) و ( لكنني لا أعرف هذا الإلــَه!) و ( الخروف والهلال والزعيم ) و غيرها العشرات تنضوي تحت الإصلاح الديني؟
ثم إن كتاباتي التي ينصب معظمها على مقارعة الطغاة ، أليست مرتبطة بخيط لا تراه العين المجردة بالدين والفتاوى والتعاليم السامية والتسامح والحرية ؟
كل طرق الإصلاح، أخي الحبيب الدكتور أحمد صبحي منصور، متداخلة ومتشابكة كلعبة السلم والثعبان، ويمكن أن تدخل من باب فتلتقي مع فكرة تسللت من نافذة، وتكتب عن ظلم الأحكام الجائرة فيظنها المرء سياسة فإذا هي إصلاح ديني، ويحسبها آخر إصلاحاً اجتماعيا، لكنها تدخل في صميم السياسة.
على كل حال فقلمي معكم في معركتكم ضد قوى البغي أينما كانت، وضد جمود العقل، ومناهضا للمستبدين في كل صورهم.
وتقبل محبتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
نزع القداسة تعبير جديد في استعماله ، لكنه يؤدي المعنى المطلوب بكل براعة ،فالجميع يشكوا الما مبرحا خاصا به ، يبدوا أحيانا ويختفي أخرى ، لكنه يظل ألمه والألم الذي ابتليت به الأمم هو تقديسها للبشر ! وعلو مكانة بعض البشر عندهم لتصل لمكانة رب البشر دون ان يجدوا في ذلك غضاضة !! فإذا جاء الأستاذ محمد عبدالمجيد ولخص المشكلة المزمنة بتعبير أشبه بالتعبير السحري " نزع القدسية " فإن ذلك يعد توصيفا رائعا وحلا رائعا بسيطا وسهلا ، ما هو : النزع ، والحقيقة انني قرات مقالا رائعا لك يااستاذ عبد المجيد وهوعلى ما أذكر :" حوار بين منقبتين "لكني لا اجده في هذه الصفحة ولا أعرف السبب ، كان يتحدث عن حديث خاص بين منقبتين ـ وكان منذ فترة طويلة ، وفعلا مقالاتك تجمع بين الإصلاح السياسي والديني ، ولكن من سلاسلة الأسلوب والوصول إلى المعنى بأقل لفظ " الايجاز " نتمى ان تكون منصبة كالمقال الذي بين أيدينا الآن .. فسلمت يداك ..
الأخت العزيزة عائشة حسين،
شكرا جزيلا لاهتمامك الكريم بمقالاتي، وعلى مداخلتك المهة.
مقال ( حوار بين منقبتين .. ) لا يزال موجودا في ( أهل القرآن)
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=2175
تحياتي الطيبة
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
الأخت العزيزة نعمة علم الدين،
تقديس النفس لا ينفع معه النصيحة، ولكن هناك ظروف وأسباب خارجة عن إرادة الإنسان تجعله يعيد النظر في تقديس نفسه مثل ( بدلة السجن الزرقاء لحبيب العادلي ) أو ( حياة عيدي أمين دادا في جدة بعد الانقلاب واضطراره إلى انتظار المرتب الشهري من الحكومة السعودية).
المرض والشيخوخة والفقر وغيرها أمور تجعل من قام بتقديس نفسه مضطرا لاعادة النظر إلى الذات التي لم يكن أحد يقترب منها، وكان منجستو هيلامريام متغطرسا ومستبدا حتى أنه دفن الامبراطور هيلاسلاسي تحت مكتبه في القصر الجمهوري، ومع ذلك فعندما كان لاجئاً في هراري كان يستجدي لقاء الرئيس موجابي.
الاذلال والمهانة والمسكنة كلها أمور لا تأتي بالنصيحة، فمن يقدس نفسه لا يعطي أذنه للغير.
مع تحياتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو
دعوة للتبرع
المواجهة هى الحل: عمري 16 طالب في المدر سة الثان وية والمش كلة ...
شريعة المصالح : ما مدى صحة هذه القاع دة وخاصة جماعة الإخو ان ...
عن الارهابيين: الفاض ل اوضحت م في كتابا تكم كيف يجب...
ثلاثة أسئلة: السؤ ال الأول تقول إن فى اسرائ يل ...
ليس ظلاما للعبيد: ما معنى ( ظلام للعبي د ) ؟ إن كلمة ( ظلام ) صيغة...
more
السلام عليكم ورحمة الله أستاذنا الفاضل والرائع دائما / محمد عبد المجيد
قرأت المقال بلا توقف لسهولته وبساطته وقوته وتأثيره وتشوقي لمعرفة المزيد والاحاطة بكل كلمة فيه
فهو مقال كالعادة رائع وهادف وهذا ليس غريبا على حضرتك
الإصلاح يبدأ من نزع القداية وهذه حقيقة لا جدال فيها ، وهذه الحقيقة تضعنا على المحك مع ثقافة قرون طويلة سادت في البلاد العربية وتوارثها العرب المسلمون خصوصا ، فبنيت حياتهم على تقديس الأشياء ، حتى أصبح ضمن مكونات الشخصية العربية انها لا يمكن أن تعيش بدون تقديس شيء معين إنسان أو جماد أو حيوان أو كتاب أو ميت ، أصبح تقديس الأشياء ثقافة تنتقل من جيل إلى جيل منذ عقود مضت وترسخت هذه الثقافة في عقول ووجدان العرب خصوصا ، أعلم أن المقال يتحدث بنظرة أكبر وأشمل من العرب والمسلمين ، لكنى اتحدث عن حدود ثقافتي الشخصية على الأقل ، وأجد المقال ينطبق تماما على حالة المواطن العربي المسلم الذي لا يستطيع العيش بلا تقديس أو بلا مقدس
ــ بداية الإصلاح هي في خلاص هذه الشعوب من تقديس الأشياء ، وهذا العمل يحتاج لكفاح وشغل جاد ومجهود كبير جدا يجب أن تتكاتف فيه جهات ومؤسسات وأفراد بحيث تتحول الثقافة العامة والسائدة في المجتمع من تقديس الاشخاص الى احترام الاشخاص ، مع العلم والتأكيد على حقيقة هامة جدا وهي أن جميع البشر مكوناتهم الجسدية واحدة ولا فرق بينهم جميعا فكلهم قد خلقوا من نفس واحدة وأصلهم جميعا واحد فلا مجال هنا لتقديس شخص ورفعه فوق مستوى البشر لأن البشر كلهم اخوة في الانسانية
وجدير بالذكر هنا ـ هذه الأيام أقوم بكتابة مقال يهدف إلى نشر فكرة أن البشر كلهم اخوة مهما اختلفوا في اللون أو الجنس او الدين لأن أصلهم واحد ومنشأهم واحد ولا فضل لأحد على أحد ، وهو يتناول جانب مما أشرت إليه حضرت في نزع التقديس من على الأشخاص ، لأننا طالما كلنا اخوة وأصلنا واحد فما هو الدافع لتقديس بعضنا لبعض .؟
ــ نقطة أخيرة :
أنا أعمل مدرس تربية رياضية ، ومنذ أن تم تعييني حين ادخل الفصل يسارع الطلاب أو التلاميذ بالقيام ، أرفض ذلك تماما وأقول لهم أنا لا أحب ان يقف أحدا عند دخولي الفصل ، لأني لست أفضل منكم ، وأنا أحب أن يكون احترامكم لي داخليا وأطلب منهم في رجاء ألا يكرروا الوقوف ثانية عند دخولى الفصل ، ودائما أحاول الإشارة أمامهم أننا جميعا بشر نخطيء ونصيب ونتعلم من بعضنا ولا مانع أبدا أن اتعلم من أحدكم واستفيد منه بفكرة جديدة لم أكن أعرفها ، ولا مانع أبدا أن أخطيء واعتذر عن الخطأ ، أحاول جاهدا ترسيخ هذه الصفات في التلاميذ على الرغم من صعوبة هذا لكني أصر عليه ومؤمن به ولن أتوقف عن نشر هذا الفكر وهذه الروح وهذه الثقافة ببين أبناء هذا الوطن الذين سيرسمون مستقبله بإذن الله
وأعتذر جدا على الاطالة
وأشكر حضرتك مرة ثانية