لماذا يعشق المسلمون الأحاديث الدينية؟
لماذا يعشق المسلمون الأحاديث الدينية؟
إذا أردتَ الحديثَ في الدينِ أو عن الدينِ فلا تحتاج لثقافةٍ أو كتابٍ أو علومٍ إنسانيةٍ أو الإيمان بحريةِ الفكر؛ إنما يمكنك أنْ تخرج مباشرةً من غُرْزة مخدرات للأمّيين، وتبدأ في مناقشةِ من قضى عشراتِ السنين من حياتِه يتعلم، ويقرأ، ويتعقّل، ويتدبّر!
اكتشف الطواغيتُ منذ زمن بعيد أن إشغالَ المسلمين بالفتاوى والحوارات الدينية لا يقل تأثيرا عن المخدرات بكافة أنواعها.
ليست المرة الأولى التي أنشر عن كراهيتي لتغطية وجه المرأة المسلمة، وفي كل مرة يبدو الأمر كأنني أيقظت المسلمين من سُباتهم العميق، فيدخلون ساحة الوغى النتـّية كأنهم سيفتحون بلاد الغال في ساعة أو بعض الساعة.
كل الإشارات والإيضاحات العقلية والموضوعية والقريبة من روح السماء، وعبقرية التنظيم الإسلامي لمجتمع صحي، لم يُشر إليها أحد، فالمسلمون لا يكترثون للمخدرات، والتحرش، وانتهاك عِرض الطفل، وقتل اخوانهم في كمائن الإرهاب ضد الشرطة، والجيش، وتهريب الأسلحة، والخيانة الزوجية.
وقارئو مقالي يلهثون تعباً بعد السطر الثالث، ثم يشمّرون عن سواعدهم للردّ، والاتهام بالجهل الديني، واللجوء إلى دعاة، وشيوخ غسلوا أدمغتَهم، واعتبار الإسلام آراء الأئمة الأربعة و.. معهم البخاري ومسلم.
وكل هؤلاء المتيقظين والمدافعين عن وجهات نظر محشورة بين كُتب عاصرتْ الديناصورات؛ يعودون للنوم مرة أخرى إذا كتبت عن السجون، والمعتقلات، وحرية الرأي، والجهر به أمام أي مستبد، وعن التأخر الحضاري والعلمي، والخطاب الديني الداعشي، والتسامح، وكرامة المواطن، وعن التزوير، وحُكْم الفرد الواحد، وآلاف من جرائم تخجل منها السماوات السبع ومن فيهن.
كان من السهل على أيّ ملعون طاغية، مثل جعفر نميري، وعمر البشير، والقذافي، وضياء الحق في باكستان، وعيدي أمين دادا في أوغندا، وكل التيارات الدينية المتوحشة، تخدير الشعوب بآيات قرآنية على عكس معناها المقدس والسامي، واستخراج هراءات بفضل شيوخ الجنس الذين نبتوا، شيطانيا،ً في الخمسين عاماً المنصرمة.
وتمكنتْ هذه القوى من فصل الدين عن السلوك، ونقل الإيمان الهشّ من الصدور إلى الألسنة بغير المرور على العقل، فأصبح العالم الإسلامي مكتظاً بملايين الفتاوى، والآراء التي يذوب كل منها إذا خرج من اللسان، فظهر عالــَــمٌ لا يَمُتّ لإسلامنا الحنيف بِصِلــَة أمْتَن من بيت العنكبوت، فلدينا الفساد، والتحرش، والخيانة، وفينا متعاونون مع أجهزة الأمن ضد أبناءِ بلدنا، وفينا متعصبون حجزوا تذاكر درجة أولى في جنة مليئة بالحور العين، والغلمان، وفينا قسوة وغِلــْـظة، ومنــّا أميون صامتون، وأنصاف أميين يعتلون المنابر.
أسلافُنا الذين التهمهم دودُ الأرض منذ مئات السنين يتحكمون في مأكلنا، ومشربنا، وعلومنا، وآرائنا عن طريق دعاة، وشيوخ الجهل الذين ملأوا الدنيا حكايات، ومروياتٍ، إنْ قصصتها على ضفدعةٍ تحتضر لنقنقتْ، وضحكتْ حتى تموت.
كراهية المسلم الحديث للعقل أدتْ بنا إلى ذيل ركب الأمم، لكننا نتحدث عن انتصاراتنا الهزلية، وانتقامنا من الغرب الذي استعمرنا فارتمينا في أحضان الاستعمار الصهيوني.
المسلمون لم يتعلموا بعد أن اللهَ أكبر من الاهتمام بصغائرهم، وعراكهم، وتفاهاتهم، واللهُ لم يطلب، رغم التفسيرات الدينية الملتوية، أن يلعب المسلمون والمسلمات (الاستغماية) طوال حياتهم لئلا تنفجر الشهوة الجنسية إذا رأى مسلمٌ وجهَ ابنة عمِّه، أو ابنة خاله، أو زميلته في الجامعة، أو في مظاهرة ضد حاكم مستبد!
طرحت موضوع تغطية وجه المرأة من منطلق معرفتي لأكثر من خمسين عاما بديني، وبشهادة شخصية من عشرات من رجال الفكر والفقه، لكن الفيسبوكيين ظنوا أنهم وارثو الدين البخاري والمذهبي العتيق، ورفضوا أهم مصدر للمعرفة في تاريخ الجنس البشري، حيث تأتيك المعلومة، والفكرة، والإجابة، والرأي، والتفسير من شاشة صغيرة أمامك لو رآها عفريت في مصباح علاء الدين لرفض الخروج من عنق المصباح.
مشكلتي ليست في الطرح، ولكن في أن سبعة من كل عشرة قُرّاء لموضوعات دينية أو سياسية يكتفون بثلاثة أسطر لتبدأ معركة التهكم والشتائم الجنسية( خاصة التي تنال من الأم)، ثم يذهب صاحبنا ليقف أمام الله أو.. يعود إلى الغُرزة.
إسلامي الذي عرفته من الكتاب لأكثر من نصف القرن، ومن مئات العلماء، آخذه اليوم من الوحي الجديد، أي ما تستريح إليه نفسي ويطمئن إليه عقلي، ولا يتعارض مع إيماني، فلوحة المفاتيح تأتيك بأضعاف ما أبحث عنه، ولست في حاجة لقيادة من علماء بعينهم، ماتوا و.. شبعوا موتاً.
ولا يزال رأيي النهائي، والفصل، والذي كتبت عنه من منطلق إنساني، وإسلامي، ووطني أن تغطية وجه المرأة( وقد تكون رجلا) حرام.. حرام.. حرام!
أنا أضع رأسي على الوسادة قبل النوم، وأفكر بأن الله راضٍ عن غضبي، ومطارحاتي، وتفسيراتي، وآرائي، الخطأ منها والصواب، وغيري يضع رأسه على حِجْر محمد حسّان، ووجدي غنيم، وعُمر عبد الكافي، والحويني، ومحمود المصري، وحسين يعقوب، ومصطفى حسني، وعمرو خالد، وأبي إسلام، وياسر برهامي فيجعلونه يكره الدنيا، والمخالفين له؛ وينتظر، أو يُقتــَـل في سبيل سبعين حورية ينتظرن موتَه في لهفة.
أليس هذا ما قاله داعشي عندما وصف لحظات مفارقة زميله الحياة بعد عملية إرهابية ضد مستشفى في بلد عربي: لقد سمعت الشهيد بنفسي وهو ينادي على الحوريات، أقبلن.. أقبلن! فالشهيد سيمارس الجِماع فور مقتله، سواء في القبر بجوار الدود، أو في البرزخ، أما تفسيره( وكل إنسان ألزمناه طائرَه في عنقِه، ونُخْرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً).
تغطية وجهِ نصف المجتمع لئلا يفتنه الجَمال(وماذا عن القُبْح) هي أُم الجرائم، ولن يقتنع بها إلا من عادتْ إليه جثةُ أخيه من الجبهة، أو من قسم الشرطة بعد عملية إرهابية لمجهول كان يرتدي نقاب امرأة، أو يقتنع بعدما انتهك عِرضَ ابنه حيوان مفترس يرتدي نقاباً في الحارة المجاورة للبيت، أو يرى بأم عينيه خائناً لجارِه يتسلل بالنقاب إلى زوجة الجار الغائب، أو تقوم الشرطة بالقبض على مهرب للسلاح، أو للهيروين تَخَفَّى خلف نقاب.
سيقولون: هل لديك دليل شرعي؟
أليست كل هذه الشواهد أدلةً شرعية؟
كل الأنظمة الديكتاتورية كانت تأتيكم بآيات بينات، وأحاديث بخارية، ومن حكايات أبي هريرة، وتزعم أنها أدلة شرعية؛ فلبثتم في سجون الوطن عشرات السنين، فالدعاة وأجهزة القبضة الأمنية أشقاء توائم لا ينفصلون.
بالمناسبة فأنا لا أردّ على التهكم، والشتائم، والغباء، إنما أقوم بالحظر الفوري كما حظرت أكثر من أربعة آلاف فيسبوكي في السنوات القليلة الماضية.
والسلام على من تفكّر، وتدبّر، وتعقّل وآمن أن الله أكبر.
وشكراً خالصاً لكل من احترم كتاباتي حتى لو خالفها تماما!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج
اجمالي القراءات
3163