محمود دويكات Ýí 2008-03-02
كثر الكلام والمحاولات في تسيير فهم القرءان و ربطه بالعلم الحديث كمحاولات إما لإظهار فكرة الاعجاز العلمي في القرءان أو لإثبات أن هذا القرءان صالح لكل زمان وبإمكانه مخاطبة العقول بأية لغة كانت : علمية، انسانية ، اجتماعية أو غيرها. و الحقيقة أن تلك المحاولات اعتمدت على مبدأ تطويع كلمات القرءان لتتقارب مع مصطلحات العلم الحديث ، و بغض النظر عن مقدار هذا التطويع و عما إذا كان يصل الى مرتبة تشويه و تغيير كلمات الله ، فإن النظر الى كلام الله لا يجب أن يبقى جامدا و إن فهم ءايات الله يجب أن يراعي اختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها الى كلمات الله.
و في جملة ما قرأت على الانترنت بخصوص فهم كلام الله ، فقد استحسنت هذا المقال الذي أرفقه كاملا ههنا،و الحقيقة أن الهدف من عرض هذا المقال هنا هو توسيع الزاوية التي ينظر الى كلام الله من خلالها و عدم حصر التفكير في مجرد ترادف أو تفكيك ألغاز كلمات معينة. و فيه أيضا يمكن رؤية المشكلة التي قد تنجم عند محاولة فرض فهمنا البسيط لظاهرة معينة على كلمات الله و ادعاء أننا نعلم تماما ما يقصده الله في ءاياته .. فعندها و في كثير من الاحيان نقع ضحية اتباع السراب الذي سرعان ما ينجلي أنه باطل.
المقال مأخوذ من موقع جدل و بإمكانك أن تجده على http://www.jadal.org/news.php?go=fullnews&newsid=746 و أود أن أذكر هنا أن هذا المقال لا يعكس بالضرورة وجهة نظري بخصوص الفهم العلمي للقرءان و لكن وجدت فيه ايضاحا للفرق بين من يبحث عن مباديء و قواعد عريضة و شاملة في القرءان و بين من يبحث عن فهم تفاصيل تتغير بتغير الزمان و معطيات العلم. لذا أرجو لمن يقرأ هذا المقال أن يجد فيه متعة التفريق بين المباديء و الاسس و التفاصيل و الجزئيات.
ظافر المقدادي
مخاطر التأويل العلمي للقرآن الكريم..الذرة والثقوب السوداء نموذجاً
31 December 2007 01:57 pm
حوالي العام 450 ق.م قدّم الفيلسوف اليوناني هيراقليطيس مفهومه الفلسفي حول تركيب الكون، وهو ان المادة، والكون من حولنا، مبنية من لبنات او دقائق اساسية لا يمكن قطعها الى أجزاء اصغر منها، فاطلق عليها بلغته اليونانية كلمة (Atomos) اي (لامُنجزئ او لامُنقطع) للدلالة على انها الدقائق المادية الاساسية التي لا يمكن تفكيكها الى دقائق اصغر منها. والحق يقال ان هذا المفهوم الفلسفي لم يبدأ بديموقريطيس، وانما كان شائعا في اليونان القديمة وفي الهند قبلها بكثير، ولكن الفضل يعود الى ديموقريطيس في اشتقاق المصطلح (Atom) واعطاء هذه الدقائق الاساسية صفة اللاتقطّع واللاتجزّؤ، فالفكرة عنده كانت قائمة على اساس قابلية القطع او لا، وليست على اساس مدى صغر هذه الدقائق الاساسية، فلو اراد المعنى الثاني لاستخدم كلمة (موريو) اليونانية مثلاً، وتعني (مقدار ضئيل = ذرّة) ويقابلها بالانجليزية (Whit).
وكما هو معروف فقد درس الفلاسفة والعلماء العرب الفلسفة اليونانية وترجموها الى العربية، وناقشوها وطوروها. ومن بين الموضوعات التي ناقشوها موضوع تركيب الكون والدقائق الاساسية التي يتركب منها، اي (Atom) باليونانية، واطلقوا عليه مصطلح (الجوهر الفرد)، وهو حسب علم الكلام عند المسلمين مثل الاشعري والجويني والباقلاني: الجزء الذي لا يتجزأ. وفي بداية القرن التاسع عشر بدأ علماء الغرب، مثل دالتون وبراون، بالتعرف على اللامنجزئ في المختبرات، خاصة في تجارب ذوبان الغازات في السوائل. وفي نهاية القرن نفسه استطاع العالم ثومسون خلال تجربة اشعة الكاثود ان يكتشف (الالكترون) كجُسيم (Subatomic)، وبهذا انتهت اسطورة الـ(Atom) كدقيقة اساسية لا تتجزأ. لاحقا وفي بداية القرن العشرين جاء العالم رذرفورد ليضع مفهومه لهذا اللامنجزئ، الذي اصبح منجزئاً، على شكل نموذج تكون فيه النواة في المركز حيث الشحنة الموجبة وغالبية كتلة اللامنجزئ، أما الالكترونات السالبة فتدور حول هذه النواة. ولكن مفهوم الـ(Atom) تغير بعض الشيء بعد ان اصبح منجزئاً، اذ اصبح يعني (الوحدة الوظيفية)، كون الالكترونات والبروتونات والنيوترونات لا تستطيع بمفردها ان تدخل في تراكيب جزيئات اعلى منها، فالالكترون لو خرج خارج اللامنجزئ لأحدث تيارا كهربائيا، ولو تصادم مع بوزترون (الكترون مضاد) لمحق كل منهما الاخر ونتج عنهما فوتون.
عندما وصل هذا العلم الى البلاد العربية قام العلماء العرب بترجمة كلمة (Atom) الى (ذرة)، رغم ان كلمة ذرة لا تُطابق في المعنى كلمة (لامُنجزئ)، فالاولى تحيل على مقدار الصِغَر والثانية تحيل على عدم امكانية التجزئة، وقد ورد عن ابن عباس (رض) ان الذرة هي (النملة الحمراء وهي اصغر النمل). هذا هو معنى كلمة ذرة في المعاجم العربية وكتب التفسير. والمراد من كلمة ذرة بالمعنى المجازي، مثل ذرة غبار، هو (ضآلة حجمها). لقد كان الأولى بالمترجمين العرب الحفاظ على المعنى الفلسفي والعلمي للمصطلح (Atom) عند الترجمة، فالمعنى هنا يحمل في طياته عدم القدرة على التجزئة. ربما كان الاستعمال الواسع، الادبي والشعبي، لكلمة ذرة قد أغرى المترجمين، فاختاروا هذه الكلمة. ان فوضى ترجمة المصطلحات العلمية الاجنبية الى العربية امر معروف، ولكن ليس هذا موضوعنا الآن.
في النصف الثاني من القرن العشرين سطع نجم (التأويل العلمي للقرآن الكريم)، واخذ مشايخنا وعلماؤنا، حفظهم الله، بتأويل الآيات القرآنية لتتناسب مع اكتشاف علمي ما او ظاهرة علمية. ولا أدري ما هي الفائدة التي ستعود على العالم الاسلامي والبشرية من هذا التأويل (هل سيحصدون جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب؟). هل كانت هناك، من وجهة نظرهم، ضرورة لإثبات أن القرآن عبارة عن وحي من الله سبحانه وتعالى؟ ام انهم ارادوا اثبات ان القرآن صالح لكل زمان ومكان بما فيها زمان العلوم الحديثة؟ لقد دخل الناس في دين الله افواجاً خلال 14 قرناً من الزمان، وسيدخلون، وحفظ المسلمون القرآن في قلوبهم وصلواتهم وأدبهم وعمارتهم ولغتهم (بل هو الذي حفظ لهم لغتهم)، وتربع المسلمون على عرش العلوم والمعرفة في عصر الاسلام الذهبي، دون الحاجة الى هذه التأويلات العلمية للقرآن. لماذا لم يذهب ابن الهيثم وجابر بن حيان والرازي والفارابي وابن سينا وغيرهم الى القرآن ليجدوا فيه اجوبة علمية اثناء ابحاثهم العلمية؟ بل لماذا لم يستخدموا كلمة (ذرة)، الواردة في القرآن في اكثر من موضع، في حين استخدموا مصطلح (الجوهر الفرد)؟ أم ان مشايخنا يعتقدون بأنهم اكثر معرفة بعلوم القرآن منهم؟ هل نسي مشايخنا ان هؤلاء العلماء كانوا علماء في الدين واللغة قبل ان يكونوا علماء في الطبيعيات؟ وان غالبيتهم، ان لم يكن كلهم، كانوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب؟.
يقول الله تعالى في سورة سبأ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة، قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ، عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِين). هذه الآية تحمل معناها الديني الجميل والبليغ، ككل الآيات القرانية، فهي تعني ان الله سبحانه لا يغيب عنه معرفة اي شيء في هذا الكون مهما كان وزن ومقدار هذا الشيء، سواء كان وزن نملة صغيرة او ذرة غبار او اكبر منها او اصغر. انها آية تخبرنا عن (معرفة الله المطلقة). ولكن مشايخنا وجدوا في هذه الآية اعجازاً علمياً مفاده ان القرآن الكريم قد اخبرنا بالاسرار العلمية للذرة قبل ان يكتشفها الغرب. ونسي مشايخنا ان العلم الغربي الحديث لم يتحدث عن الذرة بل عن الـ(Atom)، ونسوا ان هذا الـ(Atom) قد ورد عند ديموقريطيس، وفي الهند قبله، ما يقارب الف عام قبل نزول الآية الكريمة، ونسوا ايضا ان الـ(Atom) تمت ترجمته الى العربية الى ذرة على يد مترجمين من البشر، وهذه الترجمة ليست أمينة، وكان امام هؤلاء المترجمين خيارات أخرى: ماذا لو ترجموا كلمة (Atom) الى (الجوهر الفرد) كما وردت في علم الكلام؟ او الى لامُنجزئ؟ هل كان بإمكان المؤولين رصد (التشابه اللفظي) بين كلمة ذرة الواردة في القرآن وبين الجوهر الفرد او اللامنجزيء؟.
لقد قام المؤولون بإقحام الآية القرآنية في مجال ليس من مقاصد القرآن، فهي عندهم أصبحت تتحدث عن اللامنجزيء، ولكن هذا اللامنجزيء اصبح منجزئاً الى دقائق اخرى غير منجزئة مثل: البروتونات والنيوترونات والكترونات، والبروتونات تتكون من كواركات، وهذه الكواركات لها كواركات مضادة، وكذلك الالكترونات المضادة، والنيوترينو الذي لم يستطع العلماء حتى عام 2007 تحديد كتلته، والنيوترينو المضاد، وماذا عن الميون والتايو والجليون والجرافيتون والفوتونات؟ فكل هذه دقائق أساسية لا تتجزأ. وهذه ليست نهاية العلم والمعرفة، فهناك المزيد. إننا الآن نطرق باباً في اعماق الجزيئات دون-الذرية إن إنفتح أمامنا سنمشي في الشوارع مثل المجانين نتحث مع أنفسنا.
ان الله سبحانه يستعمل كلمة ذرة في الايات القرآنية المختلفة حسب المفهوم العربي الثقافي لها، فهي ترد في القرآن في سور سبأ والنساء ويونس والزلزلة بنفس المعنى الواضح. ان القرآن الكريم (لسان عربي مبين) اي ذو بيان وفصاحة، فما الداعي لطمس هذا البيان بتأويلات علمية ليست من مقاصد القرآن؟ وتحويل القرآن الى طلاسم لا يستطيع فهمها سوى مشايخنا المؤولين؟. والمتابع لهذه النزعة من التأويل العلمي للقرآن الكريم يعرف الى اي مدى ذهب مشايخنا وكل من اراد ان يدلو بدلوه في تأويل الآيات. لقد اصبح عدد هذه الآيات كبيرا جدا. وما عليك سوى زيارة مواقع (موسوعات الاعجاز العلمي في القرآن والسنة) على الانترنت، وما أكثرها، حتى تأخذك الصدمة. الآيات القرآنية في هذه الموسوعات تحولت الى مقولات علمية تبحث في علوم التاريخ والكون والطبيعيات والصيدلة والطب والنبات والحيوانات وعلوم الارض والمياه والبيئة وغيرها. لقد تم طمس المعاني الدينية الجميلة والبليغة لمئات من الآيات القرآنية. وماذا تنتظرون بعد 10 سنوات من الآن؟ ان يصبح الذي بين أيديكم قرآناً غير القرآن الذي عرفه النبي (ص) واصحابه (رض) وعرفتوه انتم؟ كيف ستفهم الأجيال المسلمة القادمة القرآن الكريم؟ هل ستفهم قرآناً آخراً؟ وماذا عن الدين نفسه الذي يحتويه القرآن؟ هل سيضيع ويحل محله مادة علمية قرآنية؟. لا يوجد قواعد ولا ضوابط لهذه النزعة التأويلية، فهذا التأويل يعج بتحريف وتغيير مواضع الكَلِم. انه يقطع الآية القرآنية عن سياقها في النص القرآني ويفصلها عن (اسباب النزول). فوضى قائمة بلا احترام لقواعد علوم القرآن والحديث واللغة. تأويل قائم على مبادئ فلسفة العلم في القرن التاسع عشر (أرسطو- السببية- نيوتن)، وهذه الفلسفة إنتهت. إن وضع التأويل العلمي للآيات القرانية، كما يبدو لي، قد خرج عن السيطرة، خاصة في خضم فوضى الانترنت والفضائيات.
من أهم خصائص العلم أنه متغيّر وليس ثابتاً، فهو ينفي حقائقه وقوانينه باستمرار. لا يوجد في العلوم الطبيعية معارف مطلقة تعكس الحقيقة الموضوعية للظاهرة الطبيعية او الفيزيائية. ففي فلسفة العلوم اساساً يقوم العلماء بإعطاء (مفهومهم) للظاهرة الفيزيائية المدروسة، اي ان القضية قضية مفاهيم (Concepts) وليست قضية حقائق مطلقة. ان العالَم المحيط بنا نشكله نحن حسب فهمنا له، ولكنه ليس بالضرورة ان يكون كذلك موضوعياً. ودائما، وفي كل قانون فيزيائي، يوجد بعض من (ذاتية) الباحث او العالم، وكأن العالِم يترك بعض من ظله في الصورة/القانون العلمي. تاريخ البشرية هو تاريخ مفاهيم وليس حقائق نهائية. وسرعان ما تتغير هذه المفاهيم. لقد فهمنا الذرة، او بالاصح اللامنجزئ، بطريقة معينة، ثم غيرنا مفهومنا له لاحقاً، وغيرناه في ما بعد ايضا، وسنغيره في المستقبل. وما يصح على اللامنجزئ يصح على كل شيء في الكون من حولنا. في البحث العلمي نقوم بإختزال الظاهرة التي قيد البحث ونُبسّطها الى ابعد الحدود حتى يكون باستطاعتنا دراستها، وذلك باسقاط وتجاهل الكثير من العوامل التي تدخل في الظاهرة او تؤثر عليها (تجاهل الذي نعرفه، فما بالك بالذي لا نعرفه؟). بعد هذا التبسيط والاختزال والاسقاط والتجاهل نبني ما يسمى بالنموذج الدراسي، وغالبا ما يكون نموذجا رياضيا. وبعد الدراسة، إن نجحت، نخرج بنتائج وقوانين. يا ترى هل تعكس هذه القوانين حقيقة الظاهرة الموضوعية ام تعكس حقيقة نموذجنا البائس؟ هل تعتقدوا ان قوانين نيوتن وأوم وبيرنولي وغيرهم جاءت نتيجة دراسة نماذج رياضية تتطابق تماما مع الظاهرة المدروسة؟ ان حجم التبسيط لا يستهان به في هذه النماذج، ان هذه القوانين قوانين تقريبية ليس الا، لهذا هي تنهار حين تتعرض لاختبار غير مأخوذ في النموذج.
لقد تربع نيوتن على عرش العلوم 200 عام، وعندما آن أوان دراسة ظاهرة الضوء (الفوتونات) على اساس قوانينه، عجزت هذه القوانين. صُدمَ العلماء، فقد وصلوا الى طريق مسدود، ولا بد من ثورة في فلسفة العلوم والعلوم نفسها. جاءت الثورة على يد آينشتاين في النظرية النسبية الخاصة والعامة، واصبح نيوتن (آخر المشعوذين). يحق الآن لآينشتاين ان يتربع على العرش فقد اعتقد ان نظرياته وقوانينه شاملة لكل الظواهر الكبيرة والصغيرة، في الكون الفسيح وفي اعماق الذرة. الا ان قضية اشعاع الجسم الاسود، وما نتج عنها من ظهور علم جديد يبحث في الكمّات (Quanta) يسمى ميكانيكا الكم، جاءت لتطيح بآينشتاين الآن. لقد عجزت نظرياته عن تفسير سلوك الكمّات، واصبح آينشتاين (آخر الفيزيائيين الكلاسيكيين). وهذا العلم الجديد، ميكانيكا الكم وما تفرع منه، قائم على مبدأ الـ(لاتعيّن ولاتيقّن)، حيث تسلك هذه الكمّات سلوكاً غير يقيني، وتعمل حسب نظريات الاحتمالات. ان سلوكها احتمالي. صُعق آينشتاين عندما بادره العالم نيلز بوهر بالحقيقة، فرد آينشتاين: (لا أصدق أن الله يلعب النرد مع الكون)، فرد عليه بوهر: (لا تُملِ على الله ما يجب ان يفعله). الكون لا يسير حسب نظام محكم كما كنا نعتقد، وانما يعج بالفوضى. ان الكون سعيد بفوضاه. يبدو اننا الآن بحاجة الى ثورة في فلسفة العلوم، فسلوك الجُسيمات دون-الذرية أمر لا يُصدق، إنها تتحايل علينا وتكذب علينا، وتختفي حين تشاء وتظهر حين تشاء، وكأنها تشعر بخطر قربنا منها، وكأنها (تعي) وتفهم. هل نحن بحاجة لثورة جديدة في الفلسفة بعيدا عن فصل المادة عن الوعي؟ هل المادة والوعي هما وجهان لشيء ما نجهله ما زال مُحتجباً عنا هناك في قاع الكون العميق (Implicate Order)؟ ربما.. ان العلم الآن يبتعد عن فلسفة (أرسطو- السببية- نيوتن) التي إنطلق منها ويتجه بإتجاه الفلسفة البوذية والطاوية والصوفية الاسلامية وربما علم الكلام. فيا مشايخنا الأعزاء، اتركوا القرآن الكريم وشأنه، فالعلم يغير ملابسه عند كل لحظة انعطاف حضاري، والمضي في التأويل العلمي معناه نسخ معاني القرآن مرات ومرات ومرات. وهذا سيفقد القرآن مصداقيته في عيون الناس بمرور الزمن وكثرة التأويل.
سأتناول الآن مسألة تأويل الآيتين 15 و16 من سورة التكوير باعتبارهما تتحدثان عن الثقوب السوداء حسب مشايخنا المؤولين، كنموذج لمخاطر التأويل العلمي على الآيات القرآنية. ولكن قبل ذلك أود ان اشرح فهمي لآليات التأويل العلمي للقرآن الكريم حسب ما فهمته من مقالات المؤولين في هذا المجال. التأويل العلمي يبدأ اولاً عندما يلتقط المؤوّل لفظاً (او معنى) متشابهاً في القرآن وفي اكتشاف (او ظاهرة) علمية ما، ثم يعمل المؤول على (تقريب وجهات النظر) بين الآية القرآنية وبين الاكتشاف العلمي، وذلك بإرغام كليهما على (تقديم تنازلات) معينة، فالآية القرآنية تقدم تنازلاً لغوياً، أما الاكتشاف العلمي فيقدم تنازلاً علمياً، وبذلك تصبح الآية القرآنية والاكتشاف العلمي وكأنهما يصفان نفس الشيء.
يقول الله سبحانه في سورة التكوير: (فلا أقسمُ بالخُنّس، الجواري الكُنّس). هاتان الآيتان جاءتا في سياق نص القرآن في سورة التكوير التي تتحدث بمجملها عن وصف أهوال (يوم القيامة)، أما معنى هاتين الآيتين كما وصلنا من كتب التفسير الاسلامية واللغة فهو ان الله سبحانه يُقسم باحدى مظاهر خلقه الكونية وهي (الكواكب السيارة)، أي الخنّس الجواري الكنّس، لأنها اولاً: تخنس (اي تتأخر في طلوعها وظهورها)، وثانيا: تجري (اي تسير في فلكها)، وثالثاً: تكنس (اي تستتر كما تستتر الظباء في مكانسها او كُنُسها اي مغاورها). وهذه الكلمات الثلاثة جاءت على وزن جمع التكسير، فالخنّس جمع (خانس وخانسة)، والجواري جمع (جارية)، والكنّس جمع (كانس وكانسة). هذا المعنى أورده أصحاب التفاسير: فحسب ابن كثير هي (النجوم الدراري تخنس في حال طلوعها ثم هي تجري في فلكها ثم تغيب في كناسها). وحسب الطبري: (النجوم الدراري الخمسة، بَهرام (اي المريخ) وزحل وعطارد والزهرة والمشتري، تخنس في مجرتها فترجع، وتكنس فتستتر في بيوتها). أما القرطبي فيقول: (هي الكواكب الخمسة الدراري حسب ما ذكر أهل التفسير). ويبدو ان العرب عرفت هذه الكواكب السيارة الخمسة بهذا الاسم الاصطلاحي (الثقافي) اي الخنّس الجواري الكنّس، ولكن حسب التفسير ايضا فإن العرب عرفت الظباء بالخنّس الكنّس، فهي ايضا تخنس وتكنس، ولهذا اختلف الصحابة والتابعون بمن هو المعني في هذه الآيات: هل هي الكواكب السيارة ام الظباء. هذا الامر دفع الطبري لتحليل مفاده ان العرب، بسبب وجه الشبه بين حالتي الظباء والكواكب في خنسها وجريها وكنسها، قد اعطت الكواكب اسم الخنّس الجواري الكنّس تشبيها لها بالظباء، وبذلك وحسب رأي الطبري فإنه لا يمنع ان يكون المقصود في هذه الآيات الكواكب او الظباء. هذا بإختصار شديد ما ورد في معاجم اللغة العربية، مثل لسان العرب لإبن منظور، وأمهات كتب التفسير بخصوص هاتين الآيتين.
الآن دعونا نناقش قصة الثقوب السوداء علمياً. ولكن كي نعطي هذه الظاهرة حقها في فهم معناها العلمي يجب علينا العودة الى الوراء قليلاً. قبل آينشتاين، وحسب العلم النيوتني، فهم العلماء المكان والزمان كـ(خلفيتين مطلقتين) للكون، وبذلك تعاملوا معهما على اساس انهما منفصلين ومُطلقين (Constant)، اي ان مسافة مكانية ما (متر واحد مثلا) وفترة زمنية ما (60 دقيقة مثلا) تبقى ثابتة ولا تتغير بغض النظر عن مكان وسرعة المُراقب (اي الذي يقوم بالقياس)، فهي نفسها بالنسبة لهذا المراقب ان كان جالساً في بيته او كان يقود سيارته بسرعة 100 كم/الساعة او في الطائرة حيث يسير بسرعة اكبر. ولكن الوضع تغير بالنسبة لآينشتاين في نظرية النسبية الخاصة، ففيها اصبح المكان والزمان غير مُطلقين، أي نسبيين (Variables)، حيث ان المسافة المكانية والفترة الزمنية تتغيران بالنسبة لمراقب يقود مركبة فضائية بسرعة كبيرة جدا غير معهودة في عالمنا الارضي الطبيعي، اي ان مقدار المتر الواحد سيتغير وكذلك الـ60 دقيقة ستتغير. وبما ان السرعة هي النسبة بين المسافة والزمن، فإن السرعة ايضا نسبية، اما الشيء الوحيد في هذا الكون الذي يسير بسرعة مطلقة فهو الضوء. ولكن آينشتاين كان بحاجة الى (مرجع مطلق) ليكون خلفية لهذا الكون. هذا المرجع وجده آينشتاين حين أدخل المكان بأبعاده الثلاث (الطول والعرض والارتفاع) والزمان، في منظومة واحدة متصلة أصبحت تُعرف بنظام (الزمكان) ذي الابعاد الاربعة، وبذلك لم تعد الحركة هي انتقال شيء ما متموضع في ابعاده المكانية الثلاث (Position) عبر الزمن، وانما اصبحت تعني تغّير إحداثيات الحدث (Event) الزمكاني.
لاحقاً احتاج آينشتاين لإدخال المادة في هذا النظام الزمكاني ليدرس سلوكه وسلوكها ومدى تطابق نظامه الجديد مع ظواهر الكون. فقام بادخال الكتلة الى الزمكان لدراسة ظاهرة الجاذبية الناتجة عن هذه الكتلة، فتبين له ان الكتلة بدخولها على الزمكان قد أحدثت فيه تشوهاً (او تحدباً)، هذا التحدب غيّر احداثيات الحدث الزمكاني. وكلما زاد مقدار الكتلة زاد التحدب. مقدار هذا التحدب (التشوه الهندسي للزمكان) هو مقدار جاذبية هذه الكتلة في العلم النيوتني. ولفهم الصورة اكثر دعونا نتصور ان النظام الزمكاني هو شبكة مرنة كالتي تُستعمل في السيرك. في حالة سكون الشبكة تماما وخلوها من اي شيء تماما يكون سطحها افقيا تماما. الآن دعونا نضع عليها كرة كبيرة نوعاً ما، ماذا سيحصل؟ ستشوّه هذه الكرة سطح الشبكة وتقعرها في الموضع الموجودة فيه، ان مقدار هذا التقعر في هذه الشبكة هو مقدار جاذبية هذه الكرة. الآن دعونا نضع كرة أخرى صغيرة في موضع آخر قرب الكرة الكبيرة، ماذا سيحصل؟ ستشوه الكرة الصغير ايضا الشبكة ولكن بمقدار أقل، وسيكون مقدار هذا التشوه مكافئاً لكتلتها، وبما ان التشوه الناتج عنها اقل من التشوه الناتج عن الكرة الكبيرة ستندفع الصغيرة لترتطم بالكبيرة (اي تنجذب اليها بفعل الجاذبية الناتجة عن تشوه او تقعر هندسة الشبكة). الآن دعونا نتصور ان مثل هذه الشبكة الزمكانية موجودة في المجموعة الشمسية، عندها ستشوه كل من الشمس وجميع الكواكب والاقمار وغيرها من الكتل هذه الشبكة الزمكانية بمقادير تكافيء كتلها (اي ان لكل منها جاذبيته الخاصة به)، فتأخذ هذه الاجرام جميعا بالانجذاب باتجاه الشمس وباتجاه بعضها البعض وفقا لـ(مسارات التشوه) التي أحدثتها في الشبكة الزمكانية، الامر الذي يؤدي الى الحركة الموجودة فعلاً في نظامنا الشمسي. وهذا يصح ايضا بالنسبة للكون ككل اذا نُظر اليه كنظام زمكاني واحد. لقد أصبح الآن للجاذبية الكونية معنى. هذا المعنى لم يكن واضحا حسب قوانين نيوتن.
وهكذا ادخل آينشتاين باقي تجليات المادة، مثل الطاقة والعزم، الى نظامه الزمكاني، فأصبح يُعرف بالنظرية النسبية العامة. ووضع معادلاته الرياضية التي تصف هذه الحالات. وأثبتت الحسابات والدراسات ان النظرية دقيقة للغاية وانها استطاعت تفسير بعض الظواهر الكونية التي عجزت عنها نظريات نيوتن. هذه النظرية، التي نشرها آينشتاين في 1915، سرعان ما جذبت انتباه العلماء لإيجاد حلول لمعادلات آينشتاين، فهذه المعادلات هي معادلات تفاضلية غير خطية لا حلول لها، الا بالتعامل معها كحالات خاصة. قام الرياضي الألماني شوارتزفيلد بحل أبسط هذه المعادلات في عام 1916، وذلك بإفتراض ان النظام الزمكاني هو نظام (كروي مُتماثل لا يدور وغير مشحون) وذلك لتبسيط النموذج والحل بالتالي. بإمكاننا تصور نظام شوارتزفيلد على انه (الشمس) مثلاً، ولكنها كروية تماما وثابتة لا تدور. ان ازدياد الكتلة في هذا النظام الزمكاني ستزيد من مقدار تحدب الزمكان وبالتالي الجاذبية، وبما ان البعد الرابع (اي الزمان) في هذا النظام يتجه الى داخل النظام الكروي (Inward) بإتجاه المركز، فإنه عندما تصبح الجاذبية عالية لدرجة استحالة مقاومتها فإن الشكل الكروي (او الشمس) سينسحق الى الداخل (Inward collapse)، بحيث تحتفظ الشمس بكامل كتلتها، ولكن حجمها سيصبح ضئيلا جدا (وكأن الشمس بكامل كتلتها دخلت في ثقب الابرة). هذا سينتج عنه شمس ميتة ذات كثافة عالية جدا جدا. ولأن الكثافة عالية جدا فإن مجال جذبها سيكون هائلاً جدا لدرجة ان لا شيء يستطيع الهرب منها، حتى الضوء سيبقى في سجنها، اي انها ستصبح (معتمة) وسـ(تبتلع) كل شيء يقترب من مجالها الحيوي. أطلق العلماء على هكذا شموس، او نجوم، لقب النجوم المتجمدة. حتى الآن نحن أمام محاولات (نظرية) نتجت عن استحقاقات او تداعيات النظرية النسبية العامة، رغم ان هناك ما يؤيدها عمليا من ظواهر كونية، مثل موت النجوم، حيث تم رصد اشارات (تُرجح) حدوث مثل هذه الاشياء فعلاً، ولكن هذا لا يصل الى مستوى اليقين المطلق.
الآن، قد يتساءل القاريء: وما علاقة كل هذا العلم بآيتيْ (الخنّس الجواري الكنّس)؟. حسب رأيي لا علاقة، لولا ان شيئاً آخراً يفعله العلماء عادةً، وهو عندما يتحدثون الى عامة الناس عبر وسائل الاعلام فإنهم يستخدمون مصطلحات أدبية وصحفية (أسماء دلع) بدل المصطلحات العلمية للتسهيل على عامة الناس فهم الظاهرة. وفي حالتنا هذه قام احدهم باعطاء لقب (الثقوب السوداء) كإسم دلع للنتائج التي حصل عليها شوارتزفيلد نظرياً. ثم قام عالم آخر بوصف هذه الثقوب السوداء على أنها (مكانس كهربائية) تكنس السماء (وهذا اسم دلع آخر). هنا بالذات بدأت عملية التأويل العلمي للآيتين. لقد لاحظ احد المؤولين التشابه اللغوي بين كلمة (الكُنّس) القرآنية وبين اسم الدلع (مكانس كهربائية) للظاهرة الكونية. ثم قام لاحقاً بتطبيق الخطوة الثانية من آليات التأويل وهي تقريب وجهات النظر بين الكلمة (كُنّس) وبين الكلمة (مكانس). وهنا لم يكن امامه حل سوى تأويل معنى الكلمتين وذلك بالعودة الى اصول اللغة العربية. وبما أن الكلمتين مشتقتان لغوياً من نفس الجذر (كَنَسَ على وزن فَعَلَ)، وبما ان المعنى يحمل في طياته معنى الاختفاء والابتلاع، فإن تقديم تنازل بسيط من علم الصرف في العربية ومن الاكتشاف العلمي، سيجعل مدلول الحالتين، القرآنية والعلمية، واحداً، وهو ان الآيتين تتحدثان لا محالة عن الثقوب السوداء. التنازل العلمي واضح هنا، فالثقوب السوداء جاءت نتيجة احدى الحلول الخاصة (النظرية) لمعادلات النسبية العامة ضمن نموذج معين تم فيه بعض الافتراضات (افتراض شوارتزفيلد)، ولكنها بين يدي المؤول اصبحت حقيقة طبيعية يقينية تماما لا جدال فيها (وكأنه شاهدها بأم عينه). اما التنازل اللغوي فقد تم كما يلي:
كلمة (كُنّس)، وكذلك (خُنّس)، هي صيغة جمع تكسير على وزن (فُعّل) لإسم الفاعل (كانس) و(خانس)، وهو مشتق من الفعل الثلاثي اللازم (كَنَسَ) و(خَنَسَ) على وزن (فَعَلَ). أما لماذا جُمعت على وزن جمع التكسير (فُعّل) وليس على وزن جمع المذكر السالم (فاعلون) اي كانسون وخانسون؟ فلأن الفعل الثلاثي اللازم، حسب علم الصرف، يُجمع اسم فاعله على وزن (فُعّل) للدلالة على (طبع وطبائع) اسم الفاعل. أي ان الكَنس والخَنس هي طبائع كامنة في هذه الكواكب، تماما مثل المعنى الوارد في الكلمتين (سُجّد) و(رُكّع)، فالسجود والركوع هنا هي طبائع كامنة في اسماء الفاعلين الذين تتحدث عنهم الآيات القرآنية. فالقرآن يورد كلمتي (ساجدون وراكعون) ايضاً، ولكن (المعنى) يختلف تماماً، فهو في هذه الحالة معنى يفيد (الإجراء والتنفيذ) فقط، ولا يفيد ان هذا الاجراء نتجَ عن طبعٍ مُتأصلٍ وكامنٍ في اسم الفاعل. وهنا أود التنبيه الى الفرق الفلسفي بين الحالتين، فحالة الفُعّل (اي الطبع) تحمل معنى (الإطلاق)، أما حالة (فاعلون) فتحمل معنى (النسبية). اما كلمة (مكانس) فهي صيغة جمع تكسير لـ(إسم الآلة) وهي (مِكْنَسَة) على وزن (مِفعَلَة)، على شاكلة (مِسطرة) و(مِغسلة). ان اسم الآلة يحمل معنى (الوظيفة)، اي ان وظيفتها، وليس طبعها، مفهومة من إسمها. ولذلك تُشتق من فعل (متعدي) يتطلب مفعولاً به لكي نفهم هذه الوظيفة. فنقول مثلاً كَنَسَ الكانسُ القمامة او كَنَستْ المِكنسة القمامة او كَنَستُ بالمكنسة القمامة او (كَنَسَ الثقبُ الاسود النجومَ)، وكذلك غَسَلَ الغاسلُ الثياب او غَسَلتْ المِغسلة الثياب. وبهذا يصبح الفرق اللغوي والمفهومي بين الـ(الكُنّس) والـ(المكانس) واضحاً جدا مما لا يدع مجالاً للشك بأن الكلمتين مختلفتين، فالكُنّس هي (المختبئات والمستترات) لطبعٍ كامنٍ فيهن، والمكانس هي الآلات التي تقوم بوظيفة الكنس والتظيف. فلو أراد الله سبحانه بالخُنّس الكُنّس الثقوبَ السوداء، حسب ما يرى المؤولون، لكانت الآية: (فلا أقسم بالخانسين الجواري الكانسين) او (فلا أقسم بالمخانس الجواري المكانس). إن أهم قاعدة في اللغة العربية هي القائلة بأن (لكل مقامٍ مقالُ)، فأي تغيير في الكلمة او تركيب الجملة يغير المعنى بالكامل. وهذا ما لا يأخذه المؤولون بعين الاعتبار.
هذا جانب من جوانب عديدة في هذه المسألة التأويلية. الجانب الآخر هو ان المؤولين لا يتابعون الدراسات العلمية للظاهرة التي أوّلوا الآيات بإتجاهها، بل إنهم إنتقائيون في إنتقاء ما وافق تأويلهم. وفي مسألتنا هذه سنرى الآن باقي الحلول الرياضية النظرية لمعادلات النسبية العامة التي أسقطها المؤولون من حساباتهم. لقد قلنا ان النظام الزمكاني يختاره الرياضي ليبني نموذجه على اساسه. الآن دعونا نغيّر اتجاه البعد الرابع الزمني ليصبح متجهاً الى خارج نظام الثقب الاسود (Outward)، ما الذي سيحصل؟ ستندفع المادة الى الخارج ويتحول الثقب الاسود الى (قلب قاذف وابيض)، وهو ما اطلق عليه العلماء اسم الدلع (الثقب الابيض). وماذا لو إفترضنا ان النظام الزمكاني يدور في حركة دائرية ومشحون حسب نموذج (كير ونيومان)؟ عندها سنحصل على نظام يتضمن ثقباً أسوداً وثقباً ابيضاً في نفس الوقت. اي ان النظام سيبتلع الاجسام والضوء من مكان ما ولكنه سيقذف الاجسام والضوء من مكان آخر. والشيء الجميل في هذا النظام هو انك ان دخلت من الثقب الاسود قد تخرج من الابيض ولكن في زمن معاكس، اي ستخرج في (الماضي)، او ما يسميه اصحاب الخيال العلمي بـ(Time Machine). ان هذا النظام هو أقرب الى الواقع، رغم أنه خيالي، من الثقب الاسود البسيط (اي المكانس) الذي درسه شوارتزفيلد، وذلك لأن النجوم في الكون تدور حول نفسها، وعندما تموت وتنسحق تحافظ على دورانها بفضل قانون حفظ العزم الدوراني. وماذا عن نماذج أخرى لحل معادلات آينشتاين؟ هناك نموذج معروف بحل (فريدمان ورفاقه) الذي يفضي نظرياً الى فرضية الانفجار الاعظم والتوسع الكوني (Big Bang). وهذا أيضا أغرى المؤولين فقاموا بتأويل بعض الآيات القرآنية بإتجاهه. ولكن ماذا سيحصل اذا أدخلنا علم (ميكانيكا الكم) الى هذه النماذج من الثقوب؟ ستصبح هذه الثقوب ليست (مكانس سوداء) تماماً لأن كمية من الإشعاعات (Hawking Radiation) ستصدر عنها. وعلاقة كمية هذه الاشعاعات بكمية كتلة الثقب هي علاقة عكسية، اي انه مع مرور الزمن اثناء الاشعاع البسيط تقلّ الكتلة تدريجياً، وهذا سيزيد من كمية الاشعاعات، الامر الذي سيؤدي الى تناقص الكتلة، وهكذا حتى يتلاشى الثقب نهائياً. هذا ما يقوله العالم Hawking احد اهم العلماء حالياً في دراسة ميكانيكا الكم والثقوب السوداء.
جانب آخر للمسألة: هل وجد العلماء ثقباً اسوداً فعلاً؟ الجواب: لا ونعم. وذلك لأن الثقب الاسود يبتلع الضوء فكيف سنراه ونرصده؟ يقوم العلماء بإلتقاط اشارات صادرة من جهة ما في هذا الكون، فإن لاحظوا اشارات تدل على وجود مساحات سوداء، فإن هناك (احتمال) ان تكون ثقوبا سوداء، فيقوموا بدراسة سرعة دوران النجوم والغازات في تلك المنطقة، فإن كانت السرعة عالية جدا (يعني الكتلة او الكثافة السوداء عالية جدا) فإن الاحتمال الاكبر ان تكون ثقوبا سوداء، ولكنها يمكن ان تكون أشياء أخرى ما زلنا نجهلها. ولكن ماذا عن آخر المفاهيم العلمية لهذه الثقوب؟ هل ما زالت هذه الثقوب هي (المكانس الكهربائية) التي تنتظر كل شيء في الكون حيث يكون حتفه؟ لا. تبدو الامور مختلفة الآن، فالعلماء في عام 2007 يصرون على نظرية النشوء المرافق (Co-evolution) للثقوب السوداء، حيث انها تسبب نشوء المجرات. أي انها مكانس ومُولدات في آن. ولكن هذه النظرية مثل غيرها في مجال الثقوب السوداء ما زالت غير واضحة المعالم وغير يقينية مئة بالمئة.
هل يحتاج مشايخنا المؤولون لإعادة النظر في تأويل الآيتين في سورة التكوير؟ والى متى؟ وكم عدد من المرات؟ ان الآيات القرآنية هي كلام الله المعجز المتعبد بتلاوته، وكلام الله حقائق مطلقة، وليس فرضيات ونظريات مرحلية، وبالتالي لا يجوز حصر كلام الله في فرضيات ونظريات علمية لا يقينية لا تعرف صفة الثبات الأبدي، وإلا أصبحت هذه النظريات بمثابة (ثقوب سوداء تبتلع كلام الله وآياته وكتابه). القرآن ليس كتاباً علمياً، وما فيه من ذِكر ووصف وإشارات لبعض الظواهر الطبيعية إنما لأغراض دينية، إنها للإنسان الذي يعيش على هذه الارض لينظر حوله ويرى عظمة الخالق في خلقِه لكي يؤمن هذا الانسان ويهتدي ويتحلّى بالفضيلة.
وفي النهاية، اسمحوا لي ايها المشايخ المؤولين الافاضل ان اقول لكم ما قاله بوهر لآينشتاين: لا تُملوا على الله ما يجب ان يقوله.
جزاك الله خيرا أخي العزيز على ما تفضلت به
لقد قلت (انا) أن هذا المقال ليس مقالي و أنا اختلف مع بعض النقاط (الرئيسية) فيه كما اتفق مع الاتجاه العام فيه . و قد أشرت أن مشكلة معظم من يبحثون في الاعجاز العلمي في القرءان هو أنهم ينبهرون و ينقادون وراء تفاصيل لا تندرج تحت اي مبدأ يمكن استخدامه لإثبات تلك التفاصيل نفسها أو اشتقاق ما يكافئها على الاقل.
أما جهدك و ما قمت به من دراسة حول الاشارة الى الليزر في كتاب الله ، فقد كنت قد قرأت لك ذلك المقال في هذا الموقع و أعجبتني الفكرة جدا و الحقيقة استمتعت أكثر بقراءة ما كتبت أنت في ذلك الرابط التي وضعته - كما آلمني جدا كيف كان العزوف و الاعراض عن مساعدتك طوال رحلتك في إيصال و العمل على تحقيق أفكارك. و أرجو من الله أن يوفقك الى المزيد من التعمق و التثبت في ذلك المجال.
و أعود فأقول أن ما أردت إيصاله عبر هذا المقال (المنقول) هو أن يوسع المسلم المتدبر لكتاب الله مداركه و أن لا يعتقد للوهلة الاولى أن مطابقة بعض التفاصيل في كتاب الله مع بعض ما يظن أنه علما - أنه اعجاز علمي! بل يجب المزيد من التثبت و الاولى البحث عن الاسس و القواعد لتدعيم تلك التفاصيل.
وفقك الله أخي الكريم
أشكرك يا أخي شكرا جزيلا على ما تفضلتم به من تعقيب بموضوعية عالية قلما نجد مثلها عند أحد .
وأعتقد أننا جميعا نعمل من أجل نصرة دين الله دون أن ننتظر جزاء ولا شكورا ، يكفينا فضل الله علينا أن أنار لنا بصائرنا ، وهذا يدفعنا لبذل المزيد من الجهد حتى يوضع ذلك في ميزان حسناتنا .
وفقنا الله جميعا إلى ما فيه الخير .
الاسلام والايمان الجزء الثاني (أركان الإسلام)
أنا ونهرو نتحدث لغتين مختلفتين
دعوة للتبرع
هذا زنا وليس زواجا: انا عندى مشكله امى كانت م تجوزه من واحد لمده...
ثلاثة أسئلة: السؤ ال الأول : ما رأيك فيمن ينام معظم نهار...
تأييد ودعم: انا محامي مصري اعرف جيدا مصر المصر يين لقد...
مُتعة المتوفاة: ابنتى مُطلق ة ، ولها مُتعة طلاق مدة عام. ماتت...
مسجد الطور الأقصى: ماهو تدبرك م للايا ت الكري مة من سورة...
more
تحية وسلاما
شكرا جزيلا يا أخي على هذه المقالة الرائعة ، ولكن لي بعض الملاحظات منها :
ما المانع في أن يحصل أي إنسان على جائزة نوبل بدراسة تؤدي إلى تطبيق تكنولوجي من القرآن الكريم . ؟
وماذا ترى بخلاف التأويل ، كيف نتعامل مع القرآن الكريم .
أما مسألة التنازلات التي تتحدث عنها ، فالمسألة كما قلت سيادتك هى مفاهيم ، وليست توجهات نحوية ، والتي وضعت قواعدها بصورة إجتهادية تصيب وتخطئ .
أما عن رفض التفسيرات العلمية بديلا عن التفسيرات الخيالية التي نعمل من خلالها ، فهذا أمر غريب .
ولحسم المسألة أنظر في هذا الرابط resaletnour.8m.com لترى إكتشاف علمي يمكن تطبيقه تكنولوجيا من القرآن الكريم ، وأنا ليس لدي الإمكانات العلمية لتنفيذه ، وما عليك إلا المساهمة في إختبار المادة المشار إليها في الدراسة الموجودة على الرابط المشار إليه لنقطع الشك باليقين ، وقد دارت مناقشات كبيرة حول هذا الموضوع تحت عنوان " هل أشعة الليزر مثل نور الله " للأستاذ / فوزي .
حتى نصل إلى أحد طريقين :
إما العزوف عما يسمى بالإعجاز العلمي كما تقول
وإما مساهمة الجهود الرافضة لهذا الإتجاه ، وهى الأجدر على إثباته واستخراج كنوزه إن كان صحيجا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .