مؤامرة لقلب نظام الحكم

آحمد صبحي منصور Ýí 2013-04-09


ننقل هذه الصفحة من كتاب ( العظات والعبر فى تاريخ مصر فى القرن التاسع عشر ..الهجرى ) للمؤرخ العلامة البحر الفهّامة أبى  حُميد الأصبحانى الحرايزى الشرقاوى الأزهرى . عليه سحائب الرحمة والرضوان . آمين أجمعين أكتعين أبصعين .

يقول تحت عنوان : ( مؤامرة لقلب نظام الحكم ):

( ودخلت سنه عشرين بعد المائة التاسعة عشر ، وفى غُرّة شهر المحرّم : صعد قُضاة القُضاة الأربعة لتهنئة أمير المسلمين ...والمّرشد العام للمسلمين ، وكان فى صُحبة القضاء شيخ الأزهر الامام الأكبر الشيخ عنبر ، ومفتى الديار الشيخ بكّار وناظر الأوقاف الشيخ أبو عفاف ، بينما تغيب متولى الحسبة لإصابته بالحصبة . فأجلسوهم بالبهو المقابل لقاعة الاجتماعات بالقصر ، حيث كان أمير المسلمين فى إجتماع خاص مع المرشد العام للمسلمين ، وسمعوهما يتناقشان بصوت مسموع مفجوع ، ثم تحولت الأصوات الى صراخ ، ينذر بسوء المناخ ، ووصلت الى أسماع المشايخ الحاضرين  ألفاظ فاحشة يندى لها الجبين ، يتبادلها المرشد العام وأمير المسلمين . وعلت وجوه المشايخ الحسرة ورأوا فى ذلك عبرة ، فكيف بعد صداقة سنين يلعب بهما ابليس اللعين ويختلفان حول بعض غنائم بالبلايين ؟

هذا ، قد اشتد الحال بأهل مصر بما لم يحدث من قبل فى أى عصر ، وانتشرت الفتن ، وساد الفقر والمحن ، وعظمت البليّة بين السنيّين  والصوفية ، بعد هجرة  الملايين من الطائفة المسيحية ، وبعد أن تهدمت أضرحة وكنائس ومساجد ومدارس . وقد انعدم الأمن وانتشر البلطجية ، وتسابقوا فى إلحاق الأذية بكل عجوز وشاب وصبية . وشاع خطف النسوان والبنات والغلمان ، وارتفع لهيب الأسعار مع كل ساعة بالليل والنهار . وقلّ المعروض من الرغيف وتقاتل الناس عليه فى كل شارع ورصيف . وصار شبح المجاعة يلوح فى كل وقت وأى ساعة . هذا بينما أمير المسلمين والمرشد العام فى شقاق وخصام ، وتبادل إتهام ، وبينهما بقية الأخوة فى انقسام . وقادة الجيش والشرطة منهمكون ، إذ هم يواجهون ، تيار الملتحين الساعى الى التمكين لتدعيم أمير المسلمين . وتيار الفلول مشغول بمصير الهالك ابن الهالكة.. ابن مبارك البقرة الضاحكة.

( ودخل شهر صفر من نفس العام . وقد ظهر ضباط ساخطون ، مخلصون وثوريون ، وعلى الأحوال ناقمون ، وكانوا فى حالة تربص وكمون ، والى ساعة الصفر ينتظرون . وهى عندما تصل الخصومة بين أمير المسلمين والمرشد الى منتهاها ، وهذا متوقع فى أى عشية أو ضحاها. )

( وفى ساعة هدوء وسكون وفى اليوم الميمون صحا المصريون ، وهم لا يصدقون ما يسمعون ، من الاذاعة والتليفزيون ، فقد قام إنقلاب عسكرى مجهول الهوية يرفع لواء القومية المصرية والسعى للاصلاح بعزيمة قوية . وبدأ باعلان الأحكام العرفية فى كل المدن والقرى المصرية . ووعد بتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية  خلال فترة إنتقالية . وطمأن البيان الرأى العام بأن القادة الجدد سيحافظون على حقوق الانسان وعلى علاقات مصر الدولية وعلى معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية . وطلب البيان من المصريين مساعدتهم فى اصلاح الحال بالتوقف عن الاشاعات والقيل والقال ، لتحقيق الاصلاح بكل ما لديهم من عزم مُتاح .

ومع ذلك إنتشرت الاشاعات برغم الاحكام العرفية ، ووصلت أنباء الى القنوات الفضائية والمواقع الاليكترونية بأن الضباط الثائرين  قد إعتقلوا المرشد وأمير المسلمين ، وكل أتباعهم الملاعين ، ثم جاء النبأ اليقين بإعدام المرشد وأمير المسلمين وكل القادة النافذين وكل الوعّاظ المشهورين واصحاب الافتاء منهم فى الدين . وفرح كل المصريين ، خصوصا الفقراء منهم والمساكين ، وحمدوا رب العالمين ، فقد تخلصوا من عدو لعين يقتل ويسرق وينهب باسم الدين . وبقتل أئمة النحس أصبح أتباعهم  جسدا بلا رأس ، وقطيعا من الأغنام بلا كبش . وكان عددهم مئات الألوف ما بين نعجة وخروف ، وتم تجميعهم من كل قرية ومدينة وهم فى حالة مهينة ، ثم نقلوهم الى معسكرات توطين ، فى حلايب وشلاتين ، وأصبح مطلوبا منهم الاقامة الجبرية لتعمير الصحراء وإقامة البنية التحتية بدلا من الانشغال بفقه ابن تيمية وابن قيم الجوزية .

ويقال بأن الضباط الثوريين الوطنيين قد درسوا ما فعله محمد على بالمماليك ، وعزموا على تنفيذ نفس الخطة مع أولئك الصعاليك .

وبعدها كلّف الضباط الثائرون حكومة خبراء بإصلاح الدستور والقانون ، لتأسيس دولة الحرية فى الرأى  والدين لكل المصريين ، ولاقامة العدل ورعاية الفقراء والمساكين . وخلال مدة معقولة  تمّ الاصلاح بسهولة . بعدها تم انتخاب مجلس للشعب ثم رئيس وحكومة لخدمة الشعب ، وأعلن الضباط الثائرون عودتهم للحياة العسكرية بعد أداء مهمتهم الوطنية وتخليص مصر من عار الأبدية . )

 ( ودخلت سنة واحد وعشرين بعد المائة التاسعة عشر ، بالشهر المحرم وأحوال مصر فى رخاء وإنبساط ، وقد عاد اليها مواطنوها المهاجرون الأقباط ، وتمتع الجميع بالمساواة والحرية ، بلا فارق فى الديانة أو الهوية . وأصبح التنافس فى الانتخابات ليس بالدين  ، بل فى مدى الكفاءة فى خدمة المواطنين . وبعد أن كانت مصر فى ذيل الدول عادت الى حجمها الطبيعى رائدة للأمم ، وبعد أن كان الرئيس يتسول ويسرق بالمليار من الجنيه والريال والدولار ويجلب لمصر البؤس والعار ، وتنتهى حياته بالعزل أو بالقتل اصبح الرئيس المصرى عزيز النفس عالى المقدار متمتعا باحترام الشعب ليل نهار ، وعندما تكتمل مدته تزداد محبته ، ويسير بين الناس كواحد من الناس ، ولكن متمتعا بالتقدير والحُبّ الكبير . )

( ودخلت سنة إثنتين وعشرين بعد المائة التاسعة عشر ، وقد تم اصلاح التعليم المصرى ليكون مصنع توليد الكفاءات ، ولكن ظهر العجز الأكبر فى اصلاح الأزهر ، لأنه إصلاحه يستلزم تغيير المناهج التراثية فى كتب التدريس الأزهرية ، وتحديثها ضرورى لتواكب إيقاع العصر ولتنهص بالوعى الدينى فى مصر . ولكن إصلاح هذه المناهج يستلزم كفاءات أزهرية ليست موجودة فى الحياة الواقعية ، ولا يمكن توافرها بالكاد بسبب عجز شيوخ الأزهر عن الاجتهاد . لذا رؤى أن يكون الأزهر رمزا فقط لسماحة الاسلام وللدفاع عن الحرية وحقوق الانسان ، بلا تدخل فى التعليم أو السياسة والاقتصاد او أى أمر من أمور العباد ، لأن الدين حرية ، ولأن الهداية مسئولية شخصية ، ولأنه ليس فى الاسلام أزهر أو هيئة كهنوتية . لذا ألحقوا كل مدارس الأزهر وجامعاته للتعليم العام ، وحوّلوا مؤسساته الأخرى الوعظية والبحثية الى منظمات أهلية بلا صفة رسمية . وجعلوا  التعليم المصرى كله تابعا للصبغة المدنية وليس الدينية ، إقتناعا بأن الاسلام هو دين العلمانية لا الكهنوتية .  ويكفى ما جرى لمصر من صراع السنية والصوفية والفتنة الطائفية والبلاوى الوهابية .)

( ودخلت سنة إثنتين وثلاثين بعد المائة التاسعة عشر ، وقد ظهر إنفضاض الأقباط عن الكنيسة المرقسية ، لإصرارها على التحكم فى حياة الأقباط  الدينية والاجتماعية . ولأن الكنيسة ترفض الاصلاح فقد رأى مصلحو الأقباط فى مصر أنه لا بد من إصلاح الكنيسة لتواكب العصر ، ولتحرير الأقباط المصريين  من تحكم رجال الدين كما تحرر أخوانهم من المصريين المسلمين . وتخصصت قنوات فضائية فى مناقشة القضية على أنها مسألة وطنية للنهوض بكل الأمة المصرية .  ويقال أنهم بصدد أصلاح يتخلص من الجمود والتقليد ويرسى معالم الحداثة والتجديد ، لتحرير الأقباط من تحكم رجال الدين أسوة باخوانهم المصريين المسلمين الذين تحرروا من أمير المسلمين والمرشد اللعين والشيوخ المجانين . )

انتهى النقل عن كتاب : ( العظات والعبر فى تاريخ مصر فى القرن التاسع عشر ..الهجرى ) للمؤرخ أبى حُميد الأصبحانى الحرايزى الشرقاوى الأزهرى .

اجمالي القراءات 9645

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   محمد وجيه     في   الثلاثاء ٠٩ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71534]

أستاذنا و معلمنا الفاضل د. أحمد...

فى البداية إسمح لى أن أشكركم على هذا المقال الرائع و أن أبدى إعجابى بأسلوبكم الشيق فيه. 


يبدو أن بقاء الإخوان فى السلطة مرهون باتفاقية ارتسمت ملامحها برعاية أمريكية مؤداها أن القدس تصبح عاصمة لإسرائيل عدا جزء بسيط منها فى الجانب الشرقى لتصبح عاصمة فلسطينية و بهذا تنتهى إلى الأبد المشكلة الفلسطينية و تعيش المنطقة عصرا جديدا من السلام. و لهذا الغرض ولا غيره يستمر الأمريكان فى دعم و مساندة الإخوان ليستمروا فى مقاعد الحكم، فحجم السخط عليهم فى الشارع المصرى مرتفع جدا لكن هذا السخط لابد و أن تصحبه آلة إعلامية عالمية تؤطر و تظهر حجم الغضب على الأرض ليتم التغيير. و هذا ما لا يحدث أبدا مهما ارتفعت سخونة الأحداث على الأرض.


كما يبدو كذلك أن القوات المسلحة تعلم هذه الحقائق و أيضا تتجنب أى صدام مع أى طرف، فانتهى بهم الأمر إلى موقف المتفرج على الرغم من  سخونة الأحداث التى كادت أن تحرك أبو الهول نفسه لكن لا حياة لمن تنادى. و على هذا، فإن المستقبل الذي استشرفته فى مقالك قد يبدو حلما جميلا و لكنه مجرد حلم فى النهاية.


رهان الإدارة الأمريكية سيبوء بالفشل لا محالة، لأن ببساطة هم يعاهدون الإخوان فى مصر و حماس فى فلسطين، و كلاهما لا عهد لهم ، و كلاهما يعلمون تمام العلم أن بانتهاء هذا الدور فى تأمين إسرائيل و عاصمتها لن يرتد إليهم طرفهم و هم فى مقاعد الحكم، و سيكونون جميعا خارج نطاق الخدمة أو ربما فى غياهب السجون. 


فى النهاية، وددت لو أخبرتنا مغزى المسميات الحرايزى و الشرقاوى.


تحياتى


 


 


2   تعليق بواسطة   محمد دندن     في   الثلاثاء ٠٩ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71536]

....أظن......

 للمؤرخ أبى حُميد الأصبحانى الحرايزى الشرقاوى الأزهرى


أبو حميد=أبو محمد


الأصبحاني=صبحي


الحرايزي=أبو حريز


الشرقاوي=الشرقية


الأزهري=جامعة الأزهر


....و فد أكون مخطئاً


3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الثلاثاء ٠٩ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71537]

شكرا للاستاذين دندن ووجيه ، وأقول

كلما عزمت على تجاهل ( مصر ) أعود اليها مرغما ، فهى وجع فى القلب .


بودى العثور على طبيب قلب يريحنى من هذا الوجع الذى لا سبيل للخلص منه إلا بعملية قلب مفتوح لأستريح ..!!


معك حق أخى الحبيب محمد دندن . أبوحريز هى قريتى ، هى العشق الأول وحياة الآلام فى المراهقة والشباب .  والشرقاوى نسبة لمحافظة الشرقية المشهورة بالطيبة والكرم . وبقية الرموز معروفة .


4   تعليق بواسطة   شكري السافي     في   الثلاثاء ٠٩ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71538]

وما ذلك على الله بعزيز

 اخي احمد العزيز


ان اهل مصر الحبيبة قادرون باذن الله على ذلك والله سبحانه قادر على نصرتهم فقط عليهم ان يعوا ان ثورتهم سرقت منهم وعليهم التمترس امام ثكنات الجيش ومطالبتهم بتحمل مسؤولية البلاد الى حين وقوفها على قدميها مع التنبيه على ان الشعب سيكون الرقيب الى حين استتباب الامور


المقال رائع  ذو لمسة ادبية عظيمة


5   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ١٠ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71540]

شكرا جزيلا للاستاذ شكرى الساقى ، وأقول

قاست مصر طوال تاريخها الطويل من كوارث طبيعية إعتادت عليها ، وكانت تحدث بصورة دورية ، تتمثل  فى فيضان النيل فيغرق الأراضى ، أو نقص النيل ، وفى الحالتين كانت تحدث المجاعات ، بسبب عدم انتظام الزراعة ،. وكانت هناك الأوبئة التى تحصد أحيانا نصف عدد السكان . وإعتادت مصر على هذا بحيث كان يتنافص سكانها ويزدادون أضعافا خلال عقود  من الزمان . وظلت مصر برغم ذلك من فجر التاريخ حتى الآن . ظهرت أمم واندثرت ، وقامت دول وانتقلت الى متحف التاريخ  فى العالم كله ، بل حكم مصر خلال تاريخها الطويل آلاف الملوك من شتى الأجناس ، بل حكمها المماليك ( الأرقاء ) .. وذهبوا جميعا بين سطور التاريخ ـ وبقيت مصر وشعبها ، وسيظل بعون الله جل وعلا ما بقى النيل يجرى .


ولكن المشكلة هنا جديدة وطارئة وهى تلك الملّة الوهابية التى غسلوا بها عقول العوام المصريين ، فتحولوا من تدينهم الثابت القائم على التسامح الى هذه الوهابية ( محور الشّر ) فى العالم . بها ذلّت مصر ، وصارت تابعة للأعراب الذين هم اشد الناس كفرا وأشدهم نفاقا .. تولى مصر حكام ما لحقارتهم مثيل ، هم مصريون بالميلاد ، ولكن يتعجب الباحث حين يرى حكاما أجانب سابقين كانوا أكثر حرصا على مصر واكثر عناية بها من هؤلاء ، خصوصا مبارك ومرسى ..هما نماذج للحقارة لا يستطيع قلمى التعبير عنها .


ومع هذا فإن الروح المصرية التى تجلت فى 25 يناير قادرة أن تتجلى ثانية ، لتتطهر مصر من وساخة الوهابية ورجس العسكر وتفاهة السياسيين المرتزقة .


مصر الآن فى مخاض .. وننتظر فجرا واعدا بعد ليل دامس استمر نصف قرن .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5117
اجمالي القراءات : 56,884,605
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي