جرائم الشرف ... والعودة إلى عصور الظلام..!!

صلاح الصيفي   في الأربعاء ٢٠ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



تحت مسمى كلمة "الشرف" تمارس ضد المرأة في العالم العربي والإسلامي أبشع الجرائم، والتي تدفع المرأة فيها حياتها، تلك الجرائم التى تعد مآثر ومفاخر القوم للذود عن شرفهم واراقة الدماء للدفاع عنه أو عدم المساس به وتنشد لهذا الحكايات الشعبية ويظهر فيها القاتل كبطل شعبى ويمتد هذا الفخر حد تقديمه لنفسه للسلطات واعترافه بالجريمة كطقس بطولى جليل مثال لذلك حكاية "شفيقة ومتولي" التى تباع منها آلاف الشرائط رغم قدم الحكاية او عدم التحقق من صدقها.




وهذه الظاهرة السيئة التي تشكل جزءا من التركيبة الشرقية للإنسان العربي، وتتأثر بمنظومة من القيم والمفاهيم الأخلاقية التي يتشربها الذكور الشرقيون منذ ولادتهم، والتمييز بينهم وبين أخواتهم، وهي تبين في حقيقتها جوهر ونوعية التقاليد والعادات التراثية، والتي تستمد جذورها من البيئة الاجتماعية الاقتصادية للمجتمع الشرقي.


إن الإنسان العربي على الرغم من التطور والتعلم الذي ناله، لا زال محكوما بالترابط الأسرى وتبعية الفرد للأسرة والعشيرة والقبيلة، التي تمتاز بالعصبية، ويصبح فيها الفرد مسؤلا عن عشيرته وقبيلته، يخضع للعادات والقيم العشائرية التي تتحول إلى دور القانون الذي يخضع له، وتتحكم في طبيعة العلاقات بين الرجل والمرأة، بينما سارع التحلل الأسرى في البلدان الغربية، باعتماد الفرد على ذاته عند بلوغه سن الرشد، وبتحمله شخصيا مسؤولية أفعاله، وهنا يلعب القانون دور المنظم لطبيعة العلاقات الاجتماعية.


المرأة في بداية التاريخ
وعند إلقاء نظرة على وضعية المرأة في العصور القديمة، وما وصل إليه حال المرأة المخزي في الدول العربية والإسلامية في العصر الحديث، نجد أنه في بدايات التاريخ كانت للمرأة مرتبة الآلهة يعبدها الذكر والأنثى ويتوسلون إليها طالبين الغفران والرحمة وشكلت وجودها رمزاً للإنتاج والخصوبة والخير، ولذلك كانت للمرأة علاقة حميمة مع الخلق، كما ارتبط وجودها مع الأرض المنتجة التي تطعم البشر من خيراتها.


أما في الشرائع القديمة فأخذت المرأة مكانة محفوظة في شريعة حمورابي حيث وجدت العديد من النصوص التي تنظم الأسرة وتحفظ بها مكانة ودور المرأة في الحياة الاجتماعية، فقد كان من حقها الطلاق من زوجها ورعاية أبنائها وممارسة العمل التجاري ولها أهلية قانونية وذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها ولها الحق في الرعاية والنفقة، كما وضعت عقوبات قاسية على الشخص الذي يسيء معاملة المرأة أو ينتهك حقاً من حقوقها الثابتة في قوانين حمورابي.


كما احتلت المرأة دورا متميزا ومكانة كبيرة في العهد الإغريقي وفي جمهورية أفلاطون، غير أن هذه المكانة لم تكن كذلك عند العرب قبل الإسلام حيث وجدت مشكلة وأد البنات في ذلك الوقت خوفا من الوقوع في الأسر أثناء الغزوات والحروب وأخذهن سبايا، فقد كانت من القيم الاجتماعية المهمة حينذاك هي أن لا تكون المرأة من السبايا لأنه يدل على ضعف الجماعة التي يتم سبي النساء منها وقت الغزوات وهو مما يشين ويحط من قيمه الجماعة ولأن الوضع الاجتماعي – الاقتصادي كان يعتمد على دور الرجل في الزراعة والحروب حتى ظهور الإسلام الذي حاول التخفيف من المشاكل الاجتماعية التي كانت موجودة آنذاك؛ إلا أن وضع المرأة اجتماعيا وحقوقيا واقتصاديا لم يتحسن بالشكل الذي يتناسب مع قيمتها الإنسانية ودورها الإنساني في الأسرة والمجتمع.


العصر الحديث
وفي العصر الحديث جاءت التشريعات القانونية لتنقص من حق هذا الكائن الإنسانى المنتهكة حقوقه أصلا، وذلك فى إنحياز تطبيق تلك القوانين كأحكام قضائية ضد المرأة والذى يتأكد بالتساهل مع الرجل الذي قتل امراة باسم الشرف، ويكفي الرجوع للأسباب التي تستند عليها الأحكام القضائية كدافع لقتل النساء باسم الشرف، وتلك الأسباب هى ترديد للموروثات الثقافية والاجتماعية التي لا تتدخل المنظومة القضائية في نقدها كما يجب أن يكون القضاء المستنير والذي يأخذ بأيدي المجتمع إلى آفاق التحضر والإنسانية، بل يقف القضاء في ذلك موقف الهجوم على الضحية الانثى بمبررات واهية.


ويأتي دور المؤسسة الإعلامية ليلعب دورا خطيرا في تلك المسألة سلبا أو إيجابا فى تغيير أو ترسيخ المفاهيم الاجتماعية الخاطئة، ويصبح الأمر مثيرا للدهشة والسخط معا حين تتحول تلك الانتهاكات إلى مجرد مادة يومية للإثارة ولزيادة المبيعات بدلا من إلقاء الضوء على مدى خطورة تلك الجرائم وضرورة نبذها والتصدى لمرتكبيها، بل يتعدى الأمر من خلال الصياغة فى الكثير من الأخبار التي تعلق على تلك الجرائم كأخبار حوادث إلى التشجيع على ارتكابها مثل "قتلها ليغسل عاره" أو "قتلها لشكه فى سلوكها" أو "تدس السم لابنتها لتتخلص من فضيحتها"، إلى حد أن قامت جريدة قومية بالحض على العنف والكراهية ضد المرأة المصرية وهى جريدة الجمهورية فى ملحقها الأسبوعى "دموع الندم" الصادر بتاريخ 25 ديسمبر 2004 بالمانشيت الرئيسى للعدد والمعبر عن رأى الجريدة تحت عنوان (التسامح فى ليلة الزفاف يتنافى مع الدين والأخلاق) حيث ادعت الجريدة فى افتتاحيتها ان التسامح مع المرأة يمثل أمرا يتنافى مع الدين، مما دعا جمعية المساعدة القانونية لإصدار بيانها تحت عنوان "وقفة نحو جرائم الشرف" تدعو فيه جريدة الجمهورية إلى مراجعة موقفها بشأن الحض على العنف والكراهية ضد المرأة المصرية وتدعو المجلس القومى للمرأة والطفولة وكافة منظمات المرأة بتبنى خطاب جاد وجرئ يتناسب وعمق حضارتنا الضاربة فى التاريخ ليصل بنا للأسباب والنتائج التى تؤدى إلى وقف العنف والحض على الكراهية للمرأة المصرية.


وجاءت الوسائط الإعلامية والفنية كالتليفزيون والسينما والإذاعة لتظهر المرأة دائما سببا دراميا أساسيا لتحريك الأحداث بعهرها أو غوايتها للرجال أو سوء سلوكها، فلا تخلو مشاهد السينما من ضرب أو قتل لأنثى، وكذلك المسلسلات التي تجد فى ضرب أو صفع الشخصيات النسائية مادة مثيرة لبداية المسلسل ولجذب الانتباه أن الدراما ساخنة وتستحق المشاهدة، فمن منا لا يتذكر هنادي فى فيلم "دعاء الكروان" وكيف انصاعت لقدرها دون اعتراض، ومن منا لم يلحظ عدم ادانة البطل "الباشمهندس" أو "الخال" الأول أغواها ونال لذته وأنكرها وألقى بها في طرقات النسيان والموت، والآخر ثار لشرف العائلة وقتلها دون رحمة وهو الذى شرد أسرتها وترك النساء دون حماية او رعاية وعاد لمحاسبتهن على جرمهن.


جرائم الشرف في أوروبا
وفي الفترة الأخيرة تناولت وسائل الإعلام الأوروبية بصورة مكثفة ازدياد معدلات جرائم الشرف في محيط المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا، فهناك حوالي 17 ألف جريمة شرف ترتكب ضد النساء سنوياً في بريطانيا، تتنوع تلك الجرائم لتنوع أسبابها بين الزواج القسري والخطف والاعتداء الجنسي والضرب وأخيراً القتل.


وترى هيئة الشرطة البريطانية أن الرقم لا يمثل حقيقة بل يمكن مضاعفته لنحو 35 مرة، حيث ترسل الأقليات (التي غالباً ما تعتنق الإسلام) الباكستانية، والهندية، والبنجلاديشية فتيات لا تتجاوز أعمارهن الـ 11 عاما للزواج في بلادهن الأصلية، في حين تستعيد السفارة البريطانية أسبوعياً ثلاث فتيات علي الأقل من إسلام آباد حيث تم تهريبهن.


ويقول ستيف آلن رئيس وحدة جرائم الشرف بالشرطة البريطانية أن الجرائم الوحشية تلك تفوق ما يحدث في بلاد الفتيات الأصلية حيث تعالج سنوياً 500 حالة للزواج القسري وذلك في حالة تلقيها بلاغات وهو ما يندر حدوثه حيث غالباً لا تبلغ الضحية عن الانتهاكات ضدها إلا بعد تعرضها لنحو 35 حادثة عنف في المتوسط، ويضيف: بحسبة بسيطة يمكن أن تتخيل الحجم الحقيقي للظاهرة.


وتعتبر الشرطة الألمانية أن جرائم الشرف تشكل جزءا من الواقع الاجتماعي الألماني، حيث أعلنت أن جرائم الشرف التي ارتكبت في المانيا تسببت بسقوط 48 قتيلا منذ شباط 1996 غالبيتهم من النساء وأقرت بحقيقة وجود هذا النوع من العنف بعد محاكمتين حظيتا بالتغطية الاعلامية.


وبحسب احصاءات الشرطة الجنائية فقد سقط 12 رجلا و36 امرأة ضحية جرائم تستند الى واجبات مفترضة تفرضها ثقافة اجتماعية وارتكبت ضمن الأسرة لمحو العار عنها بين عامي 1996، و 2005 م، وقد ارتكبت الغالبية العظمى لهذه الجرائم في صفوف المهاجرين من ذوي الأصول التركية، حيث تجد جرائم الشرف جذورها في محيط اجتماعي خاص، وتقول الشرطة أن غالبية الحالات تظهر تعلقا بالتركيبة الاقتصادية والاجتماعية لمجتمع ما قبل حداثي ومرتبط بتركيبة الأسرة الأبوية.


المجتمع الشرقي
وفي النهاية لابد أن نؤكد على أن جرائم القتل باسم الشرف هي إحدى قضايا حقوق الإنسان التي من واجب القانون أن يقف أمامها بحزم وصلابة وفي ظل الازدواجية التي يعاني منها المجتمع الشرقي برمته تنتج هذه الجرائم وهذه المحاولة في الأساس هي محاولة لدفع كل المهتمين والقائمين على مصالح المجتمع لحوار مفتوح حول هذه القضية التي تعاني منها النساء والمجتمع في الشرق بل ومختلف دول العالم.


إن التعامل مع المرأة فى مجتمعنا العربي يبدو متناقضا ففي حين يتم الإعتماد على المرأة فى الحياة والعمل وكسب الرزق يتم معاملتها بقدر متدني من الحرية فى الحركة والتعبير عن نفسها.
إن هذا المفهوم المتأصل فى ثقافتنا ووعينا الجمعي يؤكد ان المرأة فى مجتمعنا ما هى إلا ماكينة ووسيلة للتفريغ الجنسى أو آلة للإنجاب، فالمرأة والجنس هما مترادفان متلازمان، وتبعا لنظرة مجتمعنا للجنس والذى تتداخل النظرة إليه من حلال وحرام ومتعة وسرقة إخفاء وتفاخر إلى آخره من المواقف والأفكار المتناقضة، نتيجة للرياء الاجتماعي والتناقض العميق فى تكويناتنا الفكرية، نتيجة لكل هذا تصبح المرأة وعاءا لهذا التناقض بالتبعية فهي المشتهاة الملعونة والعشيقة الخائنة وسلة القمامة الجنسي.


وهناك العديد من التساؤلات تطرح نفسها بمجرد رؤية عابرة لبعض القوانين المطبقة في العالم العربي وهي .. ألم يحن الوقت لإعادة النظر بقانون يبيح قتل الإنسان؟ أليس من الأجدر محاسبة الأخ أو الأب وتطبيق أقسى العقوبة على من تسول له نفسه قتل نفس بشرية؟

اجمالي القراءات 7512
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق