الإخوان والعودة الميمونة
الإخوان والعودة الميمونة
كمال غبريال
عن موقع اليوم السابع| "الحماية المدنية: حريق 5 سيارات وإتلاف 3 آلاف أنبوبة بوتاجاز، حصاد حادث مستودع أنابيب البوتاجاز بالبراجيل. عامل بـ"مستودع البراجيل": 6 ملثمين قيدوا الخفير وأشعلوا النيران". . يرى (الحكماء) ومن يحركونهم بالريموت كنترول، أنه يجب سرعة المصالحة مع هذا الفصيل الوطني، وإلا سيحرقون مصر بمن فيها. ففي ظل مثل هذه الحوادث، وما أكثر منها بشاعة وإجراماً، تتوالى الآن في وسائل الإعلام والقنوات الفضائية المصرية، المبادرات والنقاشات عن التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين. وينحو النقاش دوماً إلى حصر مشكلة الإخوان في سوء إدارة القيادات المسجونة حالياً. ويركز على أن الرئيس القادم لمصر، عليه أن يجمع كل أطياف الشعب حوله. لا نظن أن الأمر على هذا النحو يأتي تلقائياً بمبادرات فردية، سواء من شخوص مقدمي المبادرات، أو من الإعلاميين وفرق إعداد برامجهم. فهناك احتمال لا نظنه ضئيلاً، أن وراء الأمر توجيهات وتوجهات من قمة السلطة في مصر الآن، تسابق الزمن لتحقيق الصلح المنشود، مع من أصدرنا قراراً وزارياً باعتبارهم جماعة إرهابية. ذلك قبيل أو بعيد الانتخابات الرئاسية الوشيكة. أيضاً تواجد ذئاب الظلام المتزايد الآن على القنوات الفضائية المصرية، ظاهرة ملفتة للنظر. ربما ترجع لمجرد استجلاب المشاهدة ومعها الإعلانات، نتيجة ما يتقيأه الضيوف غير الكرام من أفكار شاذة. وربما هي محاولة لاسترضاء هؤلاء، حتى ينخرطوا في "خارطة الطريق"، أي مسيرتنا المظفرة نحو المجهول. بل وربما هي أهم سمات العصر الراهن، أن يحدد هؤلاء لنا الخطوط الحمراء والسوداء.
هتاف الجماهير الأبرز في 30 يونيو، كان "يسقط حكم المرشد". وقد فهمه البعض على أنه يعني، المناداة بسقوط أيديولوجيا الحاكمية باسم الله، والمطالبة بدولة علمانية. وفهم ذات الهتاف بعض آخر، على أنه مناداة بسقوط شخوص هؤلاء الحكام تحديداً وحصرياً، مع استمرارية الرضى عن أيديولوجيتهم، مصحوباً برغبة أو استعداد، لمشاركة معتنقي هذه الأيديولوجية، في تحديد مصير ومسيرة البلاد. لا أعرف حقيقة أي القراءتين هي الأصح، بمعنى أيها كانت تقصد الملايين التي خرجت في ذلك اليوم. لكن الأرجح لدي، أن التفسير الثاني هو المعتمد الآن، لدى الممسكين بزمام السلطة. وأنهم هكذا يقودون البلاد في "سكة اللي يروح ما يرجعش"!!
إعادة الإخوان للساحة السياسية بعد خلعهم من السلطة، يؤكد أن ما حدث في 3 يوليو 2013 كان مجرد انقلاب. فما قد يعطي لهبة 30 يونيو 2013 قيمة ومسمى ثورة، هو أنها كانت رفضاً للحكم الديني ولأيديولوجيا الإخوان. أما أذا كان الأمر يقتصر على رفض سوء إدارة القيادات الإخوانية للبلاد، فإن ذلك كان يجب أن يتم عبر القنوات والإجراءات الديموقراطية، وليس بتدخل العسكر لاقتلاعهم من السلطة ووضعهم في السجون. وهذه هي رؤية العالم الغربي الحر للأمر، والتي في غمرة تفاؤلنا، وحماسنا لخلع أسوأ من حكم مصر طوال تاريخها، رأيناها موقفاً معادياً لتحرر الشعوب. كل ما يحدث الآن يتفق مع رؤية أن ما حدث كان مجرد انقلاب على الشرعية. وليس ثورة حقيقية، تقتلع من الساحة السياسية جذور التخلف والنازية والفاشية الدينية. ومحاولات مصالحة الإخوان الآن تعني السعي لإقناعهم بقبول الانقلاب وتبادل الكراسي مع العسكر، والعودة مع السلفيين للعيث في الشارع والدولة المصرية فساداً. ما يحدث في مصر إذن هو صراع على السلطة، وليس صراعاً حول المواقف، وشكل وطبيعة مستقبل الوطن. فيما يشكل فريق "الثورة مستمرة" و"العدالة الاجتماعية"، الخلفية والموسيقى التصويرية، في سيناريو صراع السلطة الدائر هذا!!
لا نقول لمن يمسكون الشعب المصري من عنقه الآن، مهددين إياه بعودة ذئاب الإخوان المسلمين لسدة الحكم، لن نقول لهم حيثيات لا تعنيهم، عن أن ما يفعلون يزيد البلاد غرقاً في مستنقع التخلف فكرياً واجتماعياً وسياسياً. فقط نقول لهم أن التاريخ القريب يكشف بجلاء، أن حصان التيار الإسلامي غير قابل للترويض. وأن كل من حاول ترويضه، أتى به هذا الحصان تحت حوافره. أو على الأقل تلقى بعضاً من ركلاته. تجاهل التاريخ مصيبة، وعدم القابلية للتعلم من التجارب الإنسانية مصيبة أعظم. هل نحتاج لتحذير الرئيس القادم من مصير السادات؟!!
هكذا يكون ما يحدث منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن، هو عملية تبادل للسلطة، عبر استخدام القوة، سواء قوة الحشود الجماهيرية، أو العنف باختلاف تصنيفاته. لا مجال هنا للحديث عن ثورة أو حرية أو ديموقراطية. فنحن مازلنا على ما نحن عليه طوال ستة عقود.
خاطرة عابرة:
في الإسكندرية على شاطئ البحر، ميدانان متجاوران. "ميدان القائد إبراهيم"، حيث يقع "جامع إبراهيم"، وهو الأصغر. و"ميدان سعد زغلول"، وهو المتسع، ويتصدره تمثال للزعيم التاريخي "سعد زغلول" قائد ثورة 1919. علاوة على "ميدان محطة مصر"، وهو بالغ الاتساع، ويعد ملتقى طرق مختلف أنحاء المدينة. منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن، تبدأ التجمعات الثورية باختلاف انتماءاتها السياسية من "ميدان القائد إبراهيم"، انطلاقاً من المسجد. فكرت في هذا الأمر كثيراً، على خلفية قناعتي أننا بإزاء ثورة وطنية، وليس ثورة دينية، ورأيت أن الميدان الأنسب رمزياً واتساعاً لتجمع الثوار هو "ميدان سعد زغلول". لكن الحال استمر على ذلك النحو، حتى بعد أن اتخذ الإخوان والسلفيون المسجد نقطة تمركز لحشود كانت تخرج لتشتبك مع ثوار القوى الوطنية الأخرى، المتواجدة حول المسجد. ربما علينا أن ننتظر المستقبل، فقد يشهد حشوداً ثورية لأجيال أخرى، تنطلق من خلفية الثورة الوطنية الحقيقية، بداية من تمثال الزعيم "سعد زغلول"!!
kghobrial@yahoo.com
المصدر ايلاف
Kamal Ghobrial
اجمالي القراءات
11718