البحث عن أتاتورك

د. عمارعرب   في الجمعة ٠٨ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً


مقالتي الجديدة على موقع السلطة الرابعة 
البحث عن أتاتورك: 
أعرف و نعرف جميعا أن تطبيق الديمقراطية على أسس علمانية حقيقية في سوريا أمر صعب جدا و بحاجة إلى وعي شعبي و جهد تثقيفي كبير وقد يعد الحديث عن هذا الموضوع هو ضرب من الجنون في أيامنا هذه و خاصة في ظل سيطرة الأفكار المذهبية المتطرفة التي تدعم إقامة نظام ديني تيوقراطي شمولي على الساحة حاليا أو الأفكار القومية المتطرفة التي تدعم إقامة دكتاتوريات شمولية مافيوية قومية بالمقلب الآخر للمشهد السياسي الهزلي والبائس الذي نمر فيه اليوم ولو أردنا أن نفتح الباب على تجارب الشعوب الأخرى التي بنت ديمقراطيات علمانية و سمحت بتطور نظم إقتصادية متقدمة مسايرة دعمت نجاح هذه الديمقراطيات و خاصة التي مرت بتجارب حرب مماثلة دمرت كل شيء فدعونا نناقش التجارب التالية جدليا : 
و لنبدأ بألمانيا .. فصحيح أن مشروع مارشال الاقتصادي الرأسمالي الأمريكي هو ما فرض كنتيجة نظام الحكم الديمقراطي الليبرالي الذي مازال موجودا حتى وقتنا الحاضر ولكن الثقافة العلمانية الديمقراطية كانت موجودة و أصيلة في ألمانيا قبل فترة حكم هتلر القصيرة وجاء هتلر وانقلب عليها.. و يذكر هنا أن رغم أن الهدف من مشروع مارشال كان السيطرة الإقتصادية على أوروبا من قبل الشركات الأمريكية ولكن ذكاء الألمان في اعتناق نظام مبتكر هو نظام السوق الأجتماعي قلل كثيرا من هذه السيطرة رغم وجودها و لم يسمح للنظام الرأسمالي الحر المتوحش بالتمدد دون ضوابط مجتمعية كما يريد حيث أبقت على الحد الأدنى من العدالة الإجتماعية و المركزية الإقتصادية التي تسمح للدولة أن تتدخل كلما دعت الحاجة لدعم السوق و الإقتصاد و المواطن و كما قوت استقلال النقابات التي تتدخل دائما لتحصيل مكاسب لصالح العاملين كي لا تسمح للشركات الكبرى بالتغول وهذا إنعكس إيجابا على نظام الحكم الديمقراطي فقواه ودعمه و بالتالي على الإقتصاد كنتيجة .. 
أما في تركيا لم تكن تركيا لتقوم وتصل إلى حالة الحداثة والتقدم النسبي من جديد لولا شخص واحد أسمه أتاتورك فتركيا بطريقة الحكم العثماني كانت لتكون دولة خارج التاريخ وخارج سكة الحضارة تماما وتخيلوا فقط لو كانت المدارس في تركيا لازالت على طريقة المدارس الدينية السطحية المسماة بال" كتاب " بتشديد التاء لغاية اليوم كما فرضت حتى في بلداننا العربية عدا مصر التي تمرد فيها محمد علي باشا على المدارس الدينية التابعة للأزهر وأسس مدارس حديثة على النمط الأوروبي بالإضافة لها ولذلك كانت مصر سابقة حضاريا في ذلك الوقت لكل الدول العربية قبل أن يعيدها الحكم الشمولي للعسكر إلى وضع متخلف حضاريا واقتصاديا من جديد و نأمل لها الإستقرار على نظام علماني ديمقراطي حر يخرج كهنة الأزهر والإخوان من التدخل بالشأن العام و حرية الفكر فهي في رأيي كانت ولا تزال محرك وقائد التغيير في الشرق العربي مهما بدا ذلك بعيدا .. 
وبالعودة إلى تركيا فقد نجح أتاتورك رغم بعض أخطائه في فرض النظام العلماني الديمقراطي الليبرالي على الأتراك الذين رفضوه في البداية رغم أنه هو نفسه حكم بطريقة دكتاتورية وقوى سيطرة العسكر بحجة حماية العلمانية والحياة المدنية... ورغم أن العسكر استفاد من هذه الميزة عدة مرات ليستبد بالحكم و يوجه الديمقراطية كيف يشاء سياسيا إلا أن الديمقراطيات العلمانية المستقرة قادرة دائما على إعادة تصحيح نفسها وكانت من إيجابياتها أن طوعت الحركات الدينية والتي هي في طبيعتها حركات عنصرية لتراجع أدبياتها وتقر بالنظام العلماني الديمقراطي كنظام لا يتعارض مع ما يسمونه الشريعة ورغم أن هذه الحركات كحزب العدالة والتنمية وصلت للحكم مستغلة الى حد ما الوتر الديني و المساجد و الناس سطحيي التدين لتدغدغ عواطفهم و تصل للحكم إلا أنها لازالت مقيدة بقانون قوي بنت أساساته الدولة العلمانية تمنعها من نشر عنصريتها الدينية لتصبح عقلا مجتمعيا جمعيا و سيؤدي بالضرورة عند فشل هذه الحركات في تأدية وظيفتها السياسية والإقتصادية إلى إزاحتها شعبيا عن الحكم .. مهما حاولت أن تغير القوانين لتستبد هي بدورها فباعتقادي أن شعبا عرف فوائد الدولة الديمقراطية العلمانية التي تسمح ببناء دولة مدنية حديثة لن يسمح لأي بدائة دكتاتور قومي أو ديني بإعادته إلى الخلف .
أما اليابان بعد الحرب العالمية الثانية فقد كان إمبراطورها هو تقريبا أتاتورك اليابان إن صح الكلام الذي قادها بضغط بسيط من الحلفاء لتغيير نمط الحكم الدكتاتوري إلى النمط العلماني الديمقراطي المدني الحر حتى صارت اليوم إحدى أرقى دول العالم قاطبة فهل ياترى يكون الحل في سوريا بعد الحرب بوجود قيادة سياسية جديدة تمارس إلى حد ما الأتاتوركية السياسية إلى أن نصل.كمجتمع إلى بر الأمان ..
أو هل يكون الحل بالبحث عن أتاتورك سوري مع العلم أن أتاتورك نفسه لم يكن خاليا من الأخطاء كما قلنا ولكن ما نقصده بالأتاتوركية هنا هي هذه الإرادة السياسية الجبارة الواعية والمثقفة التي مكنت أتاتورك من مواجهة جميع أعداء مشروعه الوطني الحضاري في الداخل والخارج بما فيهم المحتلين لأرضه ليطبق بشكل راديكالي نظاما حديثا أثبت فاعليته في إنهاض الأمم التي طبقته . 
أنا شخصيا لا أعرف الجواب . 

نائب رئيس تيار بناء الدولة السورية 
د. عمار عرب 23.06.2016

اجمالي القراءات 5591
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق