حوار صحفي خيالي مع معتقل سياسي يساري في سنوات الرصاص ؟

مهدي مالك Ýí 2023-08-04


                                    

 

 

 

حوار صحفي خيالي مع معتقل سياسي يساري في سنوات الرصاص ؟

مقدمة متواضعة                                     

لقد عرف المغرب بعد حصوله على استقلاله الشكلي سنة 1956 احداث مؤلمة و ساخنة او ما تعرف بسنوات الرصاص التي تبدا رسميا منذ ذلك الحين الى سنة 1999 أي السنة التي توفي فيها الراحل الحسن الثاني الذي ترك وراءه اثر ثقيل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان من قبيل قمع الانتفاضات الشعبية بالمناطق المهمشة مثل منطقة الريف و منطقة الاطلس المتوسط و منطقة الجنوب الشرقي .

و منذ قمع اليسار المغربي بشكل صريح حيث ان موقفي منه هو واضح باعتباره زرع فكرة القومية العربية في مجتمعنا الامازيغي باغلبيته الساحقة منذ بدايات ستينات القرن الماضي كاي بلد عربي اخر في المشرق لان نظام الراحل جمال عبد الناصر قد استطاع تسويق لفكرة القومية العربية ضد الرجعية الإسلامية على صعيد شمال افريقيا و الشرق الأوسط.

و بالتالي فان النخب التقدمية وقتها داخل هذه المجالات الجغرافية قد تبنيت فكرة القومية العربية لتحرر من الاستعمار الغربي او من الأنظمة الشمولية التي تستعمل الدين استعمالا خطيرا ضد التقدم و ضد حقوق الانسان الخ..

و لهذا قرر المخزن ببلادنا محاربة قرى اليسار المغربي بشتى الطرق و الوسائل عبر الاعتقالات و الاغتيالات من قبيل اغتيال  المهدي بن بركة و اغتيال عمر بن جلون الذي كنت أرى اسمه مكتوبا على صدر جريدة الاتحاد الاشتراكي منذ 23 سنة أي منذ فترة مراهقتي الاستثنائية .

ان أخطاء اليسار المغربي طيلة تاريخه هي كثيرة و متعددة مثل تشجيع لفكرة القومية العربية و التعريب الهوياتي و عدم الانطلاق من خصوصيتنا الامازيغية نحو التحديث و الديمقراطية المحلية لان من الأسف الشديد ان يتجاهل هذا اليسار المغربي بكل احزابه و جمعياته هذا الرصيد الأصيل من القيم و المفاهيم التي يمكنها في تحديث الدولة و المجتمع حيث فعلا كانت سنوات الرصاص قاسية على الجميع باختلاف توجهاتهم الأيديولوجية و السياسية  .

لكن الان بعد كل المكاسب المحققة لصالح القضية الامازيغية لا اجد أي عذر موضوعي لتجاهل اليسار المغربي لعمق القضية الامازيغية الا و هو القيم التدبيرية من قبيل القوانين الوضعية الامازيغية الخ بمعنى ان الحركة الامازيغية عندما قررت الدخول للعمل السياسي القانوني عبر الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي فانها لم تجد أي بديل حقيقي داخل الأحزاب السياسية القائمة ببعدها اليساري او الإسلامي كما يسمى إعلاميا .

لكن رغم هذه المأخذ الكثيرة لا ننسى الدور الكبير الذي قام به حزب التقدم و الاشتراكية ذو الأصول الشيوعية لصالح الثقافة الامازيغية منذ سبعينات القرن الماضي مع العلم انني بعيد كل البعد عن الشيوعية و الالحاد لانني امازيغي مسلم الحمد لله........

الى صلب الحوار الخيالي                    

يشرفني ان استضيف في هذا الحوار الصحفي الأستاذ محمد بن المحجوب بصفته معتقل يساري سابق في معتقل درب مولاي الشريف بالدار البيضاء منذ سنة 1975 الى سنة 1995 أي 20 سنة من العذاب و التعذيب بمختلف انواعه و اساليبه .........

السؤال 1 من هو محمد بن المحجوب ؟                                           

الجواب انني من مواليد سنة 1949 في مدينة الدار البيضاء حيث وجدت نفسي في عائلة متحررة الى ابعد الحدود حيث كان الوالد مثقف له كتب باللغة الفرنسية حول الشيوعية و الثورة ضد الأنظمة الشمولية و بسبب كتاباته الشاذة عن التيار العام وقتها دخل الوالد الى السجن منذ سنة 1959  .

اما الوالدة فانها فرنسية من باريس و هي مثل الوالد في الأفكار و المعتقدات و هكذا كبرت في هذا الوسط الذي كان يتجاهل الإسلام او أي دين أخر بشكل مطلق الله يغفر للوالدين وقتها لان الله هو واسع المغفرة و الرحمة....

لقد  تعلمت في احدى مدارس البعثات الفرنسية في الدار البيضاء حتى سنة 1967 ثم انتقلت للعيش في مدينة تنغير عند عمي عمر الذي كان يعمل مدرس للغة الفرنسية في احدى المدارس الابتدائية بهذه المدينة بالنهار و كان ناشط بإحدى المنظمات اليسارية السرية بالليل...

السؤال 2 ماذا تفعل في مدينة تنغير وقتها ؟                                        

الجواب كنت اساعد عمي عمر في قسمه على تصحيح دفاتر التلاميذ و أحيانا كثيرة أقوم بعمله علما انني اجهل اللهجة الامازيغية وقتها على الاطلاق و كنت اجهل قواعد الإسلام كذلك حيث كان عمي متدين لكنه يساري و كان يقول لي ان من الأفضل ان تؤمن بشيء خيرا من عدم ايمان باي  شيء و الناس هنا هم المسلمين في اغلبيتهم مع اقلية يهودية .

و هكذا علمني عمي عمر قواعد الإسلام و قيمه و احترام عادات المجتمع و تقاليده.

لقد عشت  على هذا الإيقاع مع عمي لمدة سنة حيث كنت احضر معه في اجتماعات المنظمة اليسارية السرية في بيت احد الرموز بالمدينة و هو مدرس في اللغة العربية و شيوعي قومي حيث يقول لنا دائما وقتها ما فائدة الإسلام في ظل استبداد المخزن على خيرات الشعب المادية و الرمزية و على عقول العامة ثم  تساءل هذا المدرس لماذا لا نتحرر من هذه الثقافة الفاسدة التي تعلم الركوع للملك و تقبيل يده الخ من كلامه الذي يقال سرا وقتها في أواخر ستينات القرن الماضي ..

و كنا نقوم بتوزيع منشوراتنا التي تتضمن على افكارنا على المنازل قبل اذان صلاة الصبح لان الدرك الملكي مازال نائما حيث كنا نحرص على عدم النوم بالليل و ننام بالنهار حتى العصر و كان اغلب الناس لا يهتمون بمنشوراتنا على الاطلاق بحكم الامية و الجهل بمعنى ان وقتها لا نتوفر على أي شيء الا على الة الكتابة .

السؤال 3 هل رجعت الى الدار البيضاء ؟                                     

الجواب نعم رجعت الى الدار البيضاء صيف 1968 لرؤية الوالدين فوجدت ان الوالد قد مات مقتولا في مستشفى السجن بسبب كان مريضا و وجدت الوالدة في ثياب الحزن حيث قالت لي كم اشتقت اليك يا ابني الحبيب حيث ان المخزن هو من قتل ابوك باعتباره قد اصدر كتابا في فرنسا انتقد فيه الأوضاع العامة بالمغرب سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا الخ..

و لن اكذب عليكم حيث كم تألمت من فقدان ابي بهذه الطريقة الحقيرة و هذا كله جعلنني افقد عقلي أحيانا كثيرة بالبكاء و الصراخ في رحاب منزلنا المتواضع .

و بعد 40 يوم من هذا المصاب الجلال استطعت الخروج الى الشارع العام بالدار البيضاء فدخلت الى احدى الحانات الليلية قصد نسيان ما حدث لي .

و بعد يوم خرجت للبحث على احدى المنظمات اليسارية السرية فساءلت بعض معارف الوالد فارشدوني  الى بيت  مجهور خارج الدار البيضاء حيث تجتمع فيه منظمة الى الامام 23 مارس بشكل سري لتدارس واقع المغرب الراهن آنذاك و كنت احضر في هذه الاجتماعات المثيرة للاهتمام بصفتي ابن الراحل و ابن الفرنسية .

السؤال 4 ما حدث بعد ذلك بالنسبة لك ؟                                      

الجواب لقد وجدت عملا في احد المقاهي في الدار البيضاء في يناير سنة 1970 حيث كنت اقدم الطلبات للزبائن حيث يأتي الى المقهى مختلف فئات المجتمع .

و في الليل كنت اذهب مقر المنظمة للاجتماع حيث تعرفت هناك على أصدقاء و السيدات الموقرات و كان خطاب المنظمة يعتمد على القومية العربية  أي اننا بلد عربي يعاني من استبداد المخزن كاننا مازلنا نعيش في القرون الوسطى و على الشيوعية كما تعلمون.

و مع مرور الأيام و الشهور و الاحداث العظمى من قبيل محاولتان للانقلاب على الحسن الثاني زادت مظاهر التوتر و الاعتقالات بالجملة و المحاكمات الصورية حيث كنا على اعصابنا في الوقوع في ايادي رجال الامن و لدى هربت الى عمي عمر بتنغير لبعض الوقت لكن تم اعتقالي هناك في دجنبر سنة 1975 أي في عز البرد القارس ثم ارسلوني الى سجن درب مولاي الشريف الشهير بالدار البيضاء و هناك عالم اخر حيث حكم علي ب20 سنة بتهمة الانتماء الى منظمة غير قانونية حاولت المساس بالنظام العام ..

السؤال 5 كيف قضيت 20 عام من عمرك في سجن درب مولاي الشريف ؟

الجواب كاي مناضل من اجل هذا الوطن باختلاف توجهاتنا الفكرية و السياسية و الأيديولوجية حيث تعرضت لأنواع من العذاب و التعذيب و الكلام الساقط مثل ابن العاهرة و ابن مسخوط المخزن الخ من هذه النعوت الحقيرة .

لقد وجدت داخل السجن معتقلين سياسيين مثلي من قبيل  معتقلي تنظيمات الإسلام السياسي و الحركة الجمعوية الامازيغية انذاك و خصوصا في منطقة الريف و الجنوب الشرقي .

لقد كان اليوم يمر علينا هناك مثل 1000 عام من سوء المعاملة و الاحتقار و الضرب بالسياط حيث كنا نتألم بصوت عالي يسمعه ما في السجن من المسؤولين  و الموظفين و عمال النظافة حيث كان معتقل محسوب على تيار الإسلام السياسي يقول اين هو امير المؤمنين الملك الحسن الثاني ليرى حالنا في هذا الجحيم حيث لا يسمح لنا بالوضوء او الصلاة و تلاوة القران الكريم الخ كاننا في بلد اخر غير المغرب.

 و رد عليه معتقل اخر من اليسار الجذري ليس هناك من امير المؤمنين الا في عقول السلفيين و الإسلاميين منذ 14 قرنا الخ من كلامه المسيئ للاسلام.

ثم رد عليهم معتقل من الحركة الجمعوية الامازيغية بالله عليكم هل هذا الوقت المناسب لتصفية حساباتهم الأيديولوجية و الدينية حيث نحن الان في سجن درب مولاي الشريف للتذكير و كل واحد منا له منظوره للوطن و كيفية الدفاع عليه بطريقته الخاصة بدون اية اساءات لديانات الناس  ....

السؤال 6 متى خرجت من السجن؟                                                

الجواب لقد خرجت من هذا الجحيم الرهيب يوم 2 مارس 1996 مع معتقلي اليسار الجذري و الإسلام السياسي و الحركة الجمعوية الامازيغية .

و كنت يومها سعيدا بحريتي بعد 20 سنة من الاعتقال حيث وجدت امي قد ماتت في فرنسا سنة 1980 و وجدت بيتنا مهجورا و مليئا بالتراب و بالاوساخ في كل اركانه الا خزانة الوالد و غرفة نومه الكبيرة في عقلي عندما كنت صغيرا .

اما آنذاك فوجدتها صغيرة للغاية بها جميع ملابسه و اغراضه الخاصة و كتبه التي كان يكتبها بقلمه الأسود او بالة الكتابة.

و في اليوم الموالي أي 3 مارس عيد العرش وقتها قمت بزيارة الى صديق الوالد بالرباط و كان منذ 20 عام قيادي كبير في حزب الشيوعي المغربي المحظور في ستينات القرن الماضي..

 و خلاصة القول ان صديق الوالد قد رحب بي احسن الترحاب بالشاي و بالحلويات و تبادلنا  اطراف الحديث حول الأحوال السياسية الراهنة بالبلاد بعد حدوث انفراج سياسي و حقوقي نسبي منذ بدايات التسعينات و شرح لي ان المخزن قد سمح لحزبهم بالوجود القانوني و ممارسة نشاطه السياسي تحت اسم حزب التقدم و الاشتراكية قبل المسيرة الخضراء و قيادة حزبهم كانت متشبثة بتقاليد المغاربة الدينية رغم طبيعة الحزب الشيوعية .

ثم اقترح علي ان أكون عضو في مكتبهم السياسي و كاتب في جريدتهم الناطقة بالفرنسية ثم قبلت هذا العرض الرائع باعتباري قد خرجت للتو من الاعتقال لمدة 20 سنة و لست احمقا لترك هذه الفرصة الذهبية تضيع بين يدي...

السؤال 7 ماذا بعد هذا اللقاء التاريخي ؟                                      

الجواب قبل كل شيء قد سافرت الى مدينة تنغير لزيارة عمي عمر الذي وجدته قد اخذ التقاعد من التعليم و لم يتزوج اطلاقا لاسبابه الشخصية مع انه انسان متدين الخ فقررت اخذه معي للعيش معي في مدينة الرباط قرب مسجد حسان .

لقد بدات مهامي الجديدة سواء في الحزب او في الجريدة في ماي 1996 حيث كنت احضر اجتماعات الحزب في مختلف مناطق المغرب و خارج حدوده في فرنسا و كنت اكتب مقالي الأسبوعي في جريدة الحزب الناطقة بالفرنسية حول مختلف القضايا الوطنية و القومية مثل القضية الفلسطينية و قضية غزو العراق من طرف الولايات المتحدة الامريكية سنة 2003 .

السؤال 8 كيف استقبلت احداث 16 ماي 2003 الإرهابية ؟                   

الجواب عندما كنت صغير وجدت الوالدين غير مؤمنين باي دين على الاطلاق الله يغفر لهما  و عندما كبرت  و سافرت الى مدينة تنغير عند عمي عمر اكتشفت الإسلام المغربي و انتم تقولون الإسلام الامازيغي على اية حال .

لقد اكتشفت هذا الدين من خلال معاملة الناس الطيبة معي كدخيل عليهم لا يعرف لغتهم او تقاليدهم الدينية بشهر رمضان و عيد الفطر و عيد الأضحى الخ..

 و بالإضافة الى عمي الذي علمني الدين كاركان و كقيم او كما قال الله تعالى في كتابه العزيز ما على الرسول الا البلاغ المبين...

و حتى عندما كنت في السجن كنت اسمع اراء معتقلي الإسلام السياسي المتطرفة و كنت اسمع اراء معتقلي اليسار الجذري المتطرفة  كذلك لدى توصلت الى قناعة راسخة الا و هي ان الإسلام هو احد اركان مجتمعنا المغربي منذ 14 قرن خلت بدون ادنى شك ...

لقد استقبلت خبر احداث 16 ماي 2003 الإرهابية بالدار البيضاء بحزن و الم كبيرين لكنني  لم استغرب ذلك باعتباري  كنت اصلي صلاة الجمعة بمساجد الرباط و الدار البيضاء منذ سنة 2000 حيث كنت اسمع مع افواه الخطباء خطاب يحرض على الجهاد ضد الكفار من اليهود و النصارى و ضرب المراة الخ من هذه المسائل التي تتعارض مع مبادئ حزبنا المبنية على حقوق الانسان و المساواة بين الرجال و النساء الخ.

السؤال 9 ما هو رايك في العهد الجديد ؟                                            

الجواب قد حقق المغرب منذ جلوس الملك محمد السادس على عرش  المملكة المغربية صيف سنة 1999 الى الان العديد من المشاريع و التراكمات الإيجابية في شتى المجالات و الميادين .

السؤال 10 ما رايك في تجربة حكومة التناوب التوافقي ؟                      

الجواب انها تجربة سياسية لها ما لها و عليها ما عليها لكن الجميل فيها هو ان اليسار المغربي بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد استطاع تدبير المرحلة بنجاح نسبي .

السؤال الأخير ماهية كلمتك الأخيرة                                          

 

 

 

شكرا لكم

توقيع المهدي مالك

اجمالي القراءات 780

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-12-04
مقالات منشورة : 261
اجمالي القراءات : 1,250,641
تعليقات له : 27
تعليقات عليه : 29
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco