الخاتمة : كلمتى للساكتين عن الحق :
(عبد الله بن عمر بن الخطاب) الساكت عن قول الحق فى الفتنة الكبرى الثانية:
تاريخ النشر: 2010-06-29
أولا: موجز تاريخى:
1 ـ بعد موت خاتم المرسلين ـ عليهم جميعا السلام ـ عايش الصحابة ليس فتنة كبرى واحدة، بل إثنتين.
2 ـ المشهور منهما هى الفتنة الكبرى الأولى التى ترتبت على الفتوحات العربية ـ لا الاسلامية لأنها حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا ـ وفيها نهب العرب كنوز فارس ومصر وما بينهما وما بعدهما شرقا وغربا.
ثم اختلفوا فى توزيع المال المنهوب والأراضى الزراعية، إذ فازت قريش ـ والأمويون بالذات ـ بالنصيب الأكبر ، على حساب جند الفتوحات من قبائل نجد، فاحتج زعماء الأعراب ـ الذين كانوا مرتدين من قبل ، وواجه عثمان احتجاجهم بالاضطهاد ( عام 33 هجرية ) فتحول الاحتجاج الى ثورة احتل فيها الثوار المدينة وقتلوا عثمان عام 35، وعينوا عليا خليفة فى المدينة فأعطوا الفرصة لمعاوية للمطالبة بالثأر، محملا عليا المسئولية.
بينما ثار صحابة آخرون وتزعموا ثورة ضد (على ) وقادهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة، وهزمهم (على) فى موقعة الجمل، وهى أول حرب طاحنة بين الصحابة (عام 36).
ثم اضطر (على) لحرب معاوية، وكاد أن ينتصر عليه فى (صفين) (عام 37) لولا لجوء عمرو بن العاص الى خدعة التحكيم، أى الاحتكام الى كتاب الله، وأرغم أعراب (نجد) من شيعة وجند (على) (عليا) على قبول التحكيم، رغم تحذيره لهم بأنها خدعة، فأضاعوا الانتصار فى صفين، ثم أرغموا (عليا) على أن يعين مندوبا عنه فى مفاوضات التحكيم، وهو (أبوموسى الأشعرى) ليتفاوض مع مندوب معاوية وهو عمرو بن العاص، فأعطوا بذلك اعترافا صريحا بشرعية معاوية وكونه ندا (لعلى).
وانتهى التحكيم بمهزلة خداع عمرو لأبى موسى الأشعرى، فثار نفس الأعراب على (على) تحت شعار ( لا حكم الا لله)، وطلبوا من (على) أن يعترف بكفره ويتوب لأنه وافق على التحكيم، كما اعترفوا هم بكفرهم وتوبتهم حين أرغموه على قبول التحكيم. ورفض (على) فخرجوا عليه وحاربوه فهزمهم فى النهروان، فقتله أحدهم (ابن ملجم) عام 40..
واكتسبوا آخر ألقابهم وهو (الخوارج ). الخوارج أهم مظاهر ونتائج الفتنة الكبرى الأولى .
هؤلاء الصحابة كانوا فى البداية كفارا فأسلموا كيدا لقريش ، ثم ارتدوا حين عادت السيطرة لقريش بعد موت النبى محمد ، ولما هزمهم أبوبكر عادوا للاسلام، ثم بعدها مباشرة أصبحوا عماد الفتوحات ، ثم أصبحوا الثوار على عثمان، ثم شيعة على، وفى النهاية خرجوا عليه فأصبحوا (الخوارج).
ترتب على الفتنة الكبرى الأولى أيضا تأسيس معاوية للدولة الأموية.
فبعد قتل (على) بايع ابنه الحسن معاوية فيما سمى بعام الجماعة (40هجرية) ، وخرج على هذا الاجماع الخوارج فظلوا فى حرب مع معاوية وبقية خلفاء الدولة الأموية الى سقوطها عام 132 هجرية.
3 ـ بعد استتاب الأمر لمعاوية خطط لتوريث ابنه يزيد الخلافة ، فتولاها يزيد فى شهر رجب عام 60 بقوة السلاح ، فنشبت الفتنة الكبرى الثانية .
بدأت بثورة الحسين وقتل الحسين ومعظم اهله فى كربلاء عام 61 هجرية ، مما أدى الى ثورة المدينة فأرسل يزيد حملة عسكرية يقودها مسلم بن عقبة ، استطاعت هزيمة أهل المدينة واستحلالها وقتل معظم اهلها وهتك أعراض نسائها فى موقعة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام 63 .
وكان عبد الله بن الزبير قد استغل مذبحة كربلاء فأعلن نفسه خليفة فى مكة وبايعه أهل مكة والحجاز، ومات مسلم بن عقبة أثناء توجه الجيش الأموى للقضاء على تمرد ابن الزبير فى مكة ، فتولى القيادة الحصين بن نمير ، وحوصرت مكة والكعبة عام 64 ، وأثناء الحصار احترق البيت الحرام يوم السبت 3 ربيع الأول عام 64 ، وجاءت الأنباء بعدها بموت يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول ، فعرض قائد الجيش الأموى الحصين ابن نمير على عبد الله بن الزبير أن يعترف به خليفة مقابل أن يترك الحجاز ويأتى معه الى دمشق ، وكان رأيا صائبا ، ولكن رفضه ابن الزبير . وانفض حصار مكة ورجع الجيش الأموى خائبا .واعتزل الخليفة الجديد معاوية بن يزيد بن معاوية الحكم بعد حوالى شهر من ولايته متبرئا مما فعله أهله الأمويون فقتله أهله بالسم فمات وهو ابن 13 عاما . ودخل المسلمون فى فترة اضطراب كان أكثر المستفيدين منها عبد الله بن الزبير. أصبح موقف الأمويين عسيرا فى الشام ، إذ إختار العرب في مصر الانضمام الى ابن الزبير ، بل إن أنصار الأمويين فى الشام انفضوا عنهم وبايعوا ابن الزبيرمثلما فعل النعمان بن البشير فى حمص وزفر بن الحارث الكلابى فى قنسرين ، وجاءت الطامة الكبرى لبنى أمية بأن بايع الضحاك بن قيس الفهرى لابن الزبير وهو زعيم قبائل قيس المضرية فى الشام والمتولى أمر دمشق نفسها بعد انهيار الحكم الأموى فيها .
هذا الوضع المتردى للأمويين جعل كبيرهم مروان بن الحكم يفكر فى البيعة لابن الزبير ، ولكن أثناه عن ذلك الحصين بن النمير العائد من حصار الكعبة وقتال ابن الزبير. ووقف الى جانب الأمويين فى محنتهم حسان ابن بحدل الكلبى خال يزيد بن معاوية وزعيم قبائل كلب فى الشام . وكان ابن الزبير بغبائه قد طرد عائلات الأمويين فى الحجاز فأتاح لهم التجمع فى الشام . وعقدوا مع أنصارهم مؤتمر الجابية واتفقوا فيه على تولى الخلافة مروان بن الحكم شيخ الأمويين وقتها ، ثم يليه خالد بن يزيد بن معاوية ثم عمرو بن سعيد بن العاص .
وبدأ مروان باستخلاص الشام من أتباع ابن الزبير ، فهزم الضحاك بن قيس الفهرى وقتله فى موقعة مرج راهط ، عام 64 ، وفيها فقدت قبائل قيس الكثير من أشرافها والآلاف من أبنائها على يد أنصار الأمويين من قبائل كلب ، فأحدث هذا ثأرا داميا بين قيس وكلب استمر يتفاعل طيلة الدولة الأموية مما أسهم فى القضاء عليها .وليحمى ظهره بعدها سار مروان بن الحكم لاسترداد مصر من والى ابن الزبير ، وهو عبد الرحمن بن جحدم القرشى فقتله .
فى هذا العام 64 خرج العراق عن طاعة الأمويين ، إذ جاء للعراق مغامر اسمه المختار الثقفى سيطر على معظم العراق ، مرة بزعمه تبعيته لآل البيت ودعوته لمحمد بن على بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) أكبر أولاد (على ) والمقيم فى الحجاز تحت سيطرة ابن الزبير ، ومرة بزعمه التبعية لابن الزبير ، ولكن هواه كان أكثر مع الهاشميين . والمختار الثقفى هو الذى تتبع بالقتل كل من شارك فى مذبحة كربلاء بدءا من عبيد الله بن زياد والى العراق للأمويين الى الجند الذين شاركوا فى قتل الحسين وآله .
شهد عام 65 انصراف طائفة من الخوارج عن ابن الزبير ، وكانوا يساعدونه فى الدفاع عن الكعبة ، وقيام ابن الزبير بهدم الكعبة وإعادة بنائها ، ونقض مروان بن الحكم لاتفاق الجابية ، إذ عزل من ولاية العهد كلا من خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد ، وعهد لابنيه على التوالى عبد الملك ثم عبد العزيز.
ومات مروان فتولى ابنه عبد الملك بن مروان عام 65 .
وعبد الملك هو الذى أعاد تأسيس الدولة الأموية ، ووطّد أمورها . وبه انتهت الفتنة الكبرى الثانية ، التى شارك فيها الصحابة وأبناء كبار الصحابة مثل ابن الزبير وابن عباس والحسين والنعمان بن البشير،وغيرهم .
ولكن توطيد الحكم الأموى لم يوقف ثورات الخوارج فى عهد عبد الملك ، وبعده ، كما لم يوقف ثورات الشيعة و الموالى والأقباط والبربر ضد الدولة الأموية ، كما أن هذه الثورات المستمرة لم تمنع الدولة الأموية من استمرار توسعها فى الفتوحات شرقا فى أواسط آسيا وغربا الى حدود فرنسا مع السيطرة واحتلال جزر البحر المتوسط . كانت الدولة الأموية تقاتل خصومها فى الداخل وتتوسع فتوحاتها فى الخارج فى سابقة تاريخية عجيبة ، أسفرت عن سقوط الدولة الأموية فى ريعان شبابها دون ان تكمل قرنا من الزمان : (40 ـ 132 ).
ونعود لعبد الملك وكيف أنهى الفتنة الكبرى الثانية ووطّد دولته الأموية واستنقذها من ابن الزبير .
كان التحدى الأكبر أمام عبد الملك هو استرداد العراق لأنه يعنى استرداد ما وراء العراق من فارس وما بعدها . كان العراق يموج بحركات عسكرية وسياسية مختلفة أبرزها سيطرة المختار الثقفى على معظمه داعية باسم باسم محمد بن الحنفية ، أكبر من بقى حيا من أبناء (على ) ، ولكنه كان حريصا على ألاّ يأتى محمد بن الحنفية الى العراق حتى يظل فى سلطته بالعراق ، وكان فى نفس الوقت يخادع ابن الزبير يوهمه أنه على بيعته . وظهر لابن الزبير نفاقه حين هدد ابن الزبير باحراق كل بنى هاشم إن لم يبايعوا له ، بل جمعهم وكاد أن يشعل فيهم النار ، فبعثوا يستغيثون بالمختار فى العراق فارسل لهم فرقة من الجيش ، فهرب ابن الزبير وتم انقاذ محمد بن الحنفية وسائر بنى هاشم . وأصبح العداء علنيا بين المختار الثقفى وابن الزبير ، فأرسل ابن الزبير أخاه مصعب ـ وكان فارسا شجاعا شهما الى العراق ـ فهزم المختار وقتله عام 67 وضم العراق لأخيه . وجاء مصعب لأخيه عبد الله بن الزبير بالبشرى فما كان من ابن الزبير إلا أن عزل أخاه وحبسه وولّى العراق ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير واليا على العراق، وكان شابا قليل الخبرة خفيف العقل فاستخف به أهل العراق فاضطر ابن الزبير لعزل ابنه واعادة أخيه مصعب للعراق.
وهناك فى الشام مكث عبد الملك بن مروان يعد جيشه ويستعد للمواجهة الكبرى فى العراق تاركا مصعب بن الزبير يستنفذ قواه فى معارك متتالية مع المختار الثقفى ثم مع الخوارج الأزارقة وغيرهم ، وفى عام 71 كان جيش مصعب منهكا فزحف اليه عبد الملك بجيشه فهزم مصعب وقتله .
وبهذا حوصر عبد الله بن الزبير فى الحجاز حيث لا زرع ولا ضرع . وفى عام 72 بعث عبد الملك بجيش يقوده الحجاج بن يوسف فأعاد حصار مكة والحرم فى هلال ذى القعدة الشهر الحرام عام 72 ، واستمر الحصار ستة أشهر وسبع عشرة ليلة وقيل ثمانية أشهر ، فتفرق عن ابن الزبير معظم أتباعه وأهله ومنهم ابناه حمزة وخبيب ، إذ تسللا الى الحجاج وأخذا منه أمانا .وظل ابن الزبير يقاتل يأسا الى أن سقط صريعا ، فاحتزّ الحجاج رأسه وبعث بها الى عبد الملك فى دمشق .
وبايع الحجاز عبد الملك بالخلافة.
وانتهت الفتنة الكبرى الثانية ، لتبدأ فتنة ثالثة مختلفة بطلها الحجاج بن يوسف .
ثانيا :
1 ـ وفى موضوع وعظ السلاطين نتوقف فى هذه الفتنة الكبرى الثانية مع نماذج من الصحابة والتابعين ، ممّن شهد وعايش هذه الفتنة ، منهم من شارك فيها دفاعا عن الحق أو طلبا للثروة والسلطة ، ومنهم من أعرض عنها ساكتا عن الحق .
ونبدأ بعبد الله بن عمر بن الخطاب .. المعتزل للفتنة الساكت عن قول الحق أمام سلطان جائر .
ولمن أراد ترجمته كاملة فى الطبقات الكبرى لابن سعد فهى هنا :
عبد الله بن عمر بن الخطاب
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=185&CID=50
2 ـ ولقد نشرت لنا (جريدة الأحرار) فى سلسلة ( قال الراوي) تحليلا لشخصية عبد الله بن عمر تحت عنوان ( المشي جنب الحيط !!). أثار هذا المقال زوبعة من التكفير لنا قام بها جهلة الشيوخ فى جامعة الأزهر ، الذين لا يعرفون أن هذا المقال مبنى على تاريخ ابن عمر الذى كتبه محمد بن سعد فى الطبقات الكبرى . والعادة أنهم لا يعرفون ابن سعد أو ابن سعيد أو ابن سعدون .. لا يعرفون سوى التطاول على العلماء المجتهدين حتى فى أوقات العمل غير الرسمية .
كتبت هذا المقال وقتها تعليقا على أحوال مصر لأربط الماضى بالحاضر طلبا للعظة والاعتبار ،أو وعظا للسلطان الذى هو (الشعب المصرى) .
قلت فيه :
(الأغلبية الساحقة من المصريين ينتمون إلي حزب وحيد ، وليس هو الحزب الوطني بالتأكيد، وإنما هو حزب "المشي جنب الحيط"، حزب السلبية والأغلبية الساحقة التي تصفق أحيانا وتسخر حينا، لا تعتزل الحكومة مائة في المائة ولا تؤيدها علي طول الخط ، تحتج علي الحكومة في صوت خافت وتمد يدها للحكومة في أول كل شهر .
وحزب "المشي جنب الحيط" مفتوحة أبوابه دائما في كل زمان ومكان إلا أنه يسيطر علي المجتمع في عصور الاستياء والعنف الحكومي. والذي لا يعرفه المصريون أن حزب " المشي جنب الحيط" بدأ مبكرا في تاريخ المسلمين، وكان أول زعيم له هو الصحابي المشهور عبد الله بن عمر بن الخطاب.. وكان ذلك التحول الخطير في أواخر حياته في عصر سيطر فيه العنف الأموي وكانت الأغلبية الصامتة تتمني أن يقودها عبد الله بن عمر ، ولكنه بعد حياة حافلة بالتحرك الإيجابي "آثر أن يمشي جنب الحيط" فدفع الثمن من كرامته ومن حياته..
فكيف كان ذلك؟
إن حياة عبد الله بن عمر تنقسم قسمين: بدأ حياته بالإسلام والتحرك الإيجابي مع أبيه عمر بن الخطاب ، ثم آثر في الفتنة الكبرى والحكم الأموي أن يعتزل السياسة مع الحرص علي الاستفادة من الحكم القائم..
لقد أسلم عبد الله مع أبيه عمر بن الخطاب في مكة ولم يكن قد بلغ الحلم ، وحاول الاشتراك في غزوتي بدر وأحد ولكن رده الرسول لصغر سنه، واشترك في الغزوات حين استوي شابا ، وفي فتح مكة كان في مقدمة الجيش وهو في العشرين من عمره فأثني عليه النبي حسبما تقول الروايات ..
وواصل ابن عمر عطاءه الإيجابي في خلافة أبي بكر وعمر ، وحين طعن أبو لؤلؤة المجوسي الخليفة عمر قام عمر بترشيح ستة من كبار الصحابة وعهد إليهم باختيار أحدهم ، وجعل معهم ابنه ( عبد الله بن عمر) علي أن يكون له حق التصويت دون الترشيح، وجعل لصوته الفيصل النهائي إذا اختلفوا .. وبهذا بلغت إيجابية عبد الله بن عمر مداها ..
ثم بدأ ابن عمر في الاعتزال حين شعر باختلاف سياسة عثمان عن نهج عمر، ولقد أراد عثمان أن يجعله يقضي بين الناس فقال له : لا أقضي بين اثنين ولا أؤم اثنين ، ثم تطور الأمر إلي مقتل عثمان ودخول المسلمين في الفتنة الكبرى ، وقد شارك قسم من المسلمين فيها لنصرة الحق بقيادة ( علي) ومعه عمار بن ياسر ، واعتزل سعد بن أبي وقاص الفتنة نهائيا .
واكتفي ابن عمر بتأييد المنتصر القائم في الحكم وهو يعلم أنه ظالم ، وكانت تلك سياسته مع الأمويين يعتزل القتال ويؤيد المنتصر ويقبل هداياه ..
لقد رفض ابن عمر أن يكون زعيما في الفتنة ، قال له مروان ابن الحكم :هل نبايعك فإنك سيد العرب وابن سيدهم ، فقال له ابن عمر : كيف أصنع بأهل المشرق ؟ قال تضربهم حتى يبايعوا ، فقال ابن عمر : والله ما أحب أن تكون لي وأقتل في سبيلها رجلا واحدا.
واكتفي ابن عمر بمبايعة من يصل إلي الحكم ، وقد قال : ما بايعت صاحب فتنة ، ولذلك رفض مبايعة ابن الزبير.وحين غلب عبد الملك بن مروان بن الحكم واجتمع عليه الناس كتب إليه ابن عمر : " إني قد بايعت أمير المؤمنين بالسمع والطاعة .. وإن أولادي قد أقروا بذلك " ..
بل إنه بايع ـ من قبل ـ يزيد بن معاوية في حين رفض البيعة له الحسين وابن الزبير وابن عباس ، وحين بايعه ابن عمر قال : إن كان خيرا رضينا وإن كان بلاء صبرنا!! .
وحين ثارت المدينة علي يزيد جمع ابن عمر أولاده وحذرهم من نكث البيعة ليزيد وقال لهم " فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد ولا يسرعنّ أحد منكم في الثورة علي الأمويين " . ورأي ابن عمر انتهاك الأمويين للمدينة وشنائعهم فيها فاستمر علي عزلته ، دون احتجاج على ما يحدث فى بلده المدينة من قتل نهب واغتصاب . بل كان يصلي خلف الجميع وهم دونه في المنزلة ، وكان يقول " لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب "!!
وقيل عنه "إن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلي خلفه وأدي إليه زكاة أمواله " وقد قالوا له محتجّين :" أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا؟ فقال : من قال حي علي الصلاة أجبته ومن قال : حي علي قتل أخيك وأخذ ماله قلت : لا" ..
وفي نفس الوقت كان ابن عمر يقبل الأموال والهدايا من أصحاب الفتنة ، أي لم يعتزل تماما مثلما فعل سعد ابن أبي وقاص ، واشتهر عنه قوله " لا أسأل أحدا شيئا ولا أرد ما رزقني الله " . وقد بعث إليه عبد العزيز ابن مروان بأموال فقبلها وقت أن كانوا يحاربون ابن الزبير والخوارج ، و من قبل حين أراد معاوية البيعة لابنه يزيد بعث لابن عمر بمائة ألف دينار فأخذها، ولذلك بايع يزيد وتمسك ببيعته ..
وقد اتبع الأمويون معه سياسة العطاء وسياسة التهديد معا ، فكان معاوية يهدده بالقتل ليخيفه ، ثم ينكر أنه قال ذلك حين يعلم أن ابن عمر قد أصابه الرعب ، ثم توسع الأمويون في هذه السياسة حيث تولي الحجاج بن يوسف ولاية الحجاز لعبد الملك بن مروان .. فكانت نهاية ابن عمر علي يديه ..
كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، وكان من عادة الحجاج أن يؤخر الصلاة عن موعدها، خصوصا صلاة الجمعة، التى كان يعطلها أحيانا بتطويل خطبة الجمعة، فغضب ابن عمر ولم يحمل تضييع الصلاة فلم يعد يصلي خلف الحجاج، فاشتد عليه الحجاج وهدده قائلا: "لقد كنت هممت أن اضرب عنق ابن عمر"!!. وادعى الحجاج أن ابن الزبير قد حرف القرآن، فثار ابن عمر في وجه الحجاج، وقال له: كذبت ما يستطيع ذلك ولا أنت معه، فقال له الحجاج مهددا: "اسكت فإنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، يوشك شيخ أن يؤخذ فتضرب عنقه فيجرّ، وقد انتفخت خصيتاه، يطوف به صبيان البقيع"
وأدرك ابن عمر في النهاية أنه قد أخطا، فقد أدت سياسته في المشي جنب الحيط إلي شيوع الظلم الأموي وتضيع الصلاة واتهام القرآن، ثم أدت إلي استهانة الأمويين به.
وفى النهاية دسّ له الحجاج رجلا طعنه في الحرم برمح مسموم في قدمه، فسقط مريضا، وجاءه الحجاج يقول له: لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه، فقال له ابن عمر: أنت الذي أصبتني.
وخرج الحجاج يتندر عليه قائلا: إن هذا يزعم أنه يريد أن نأخذ بالعهد الأول... أي بعهد النبي عليه السلام!!
ابن عمر ـ وهو علي فراش الموت ـ ندم حيث لا ينفع الندم! قال: ما آسي من الدنيا إلا علي ثلاث: ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا!!).
هل وصلت الرسالة .. أيها القاعدون ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة
عزيزى القارىء
رجاء ألّا تنسى أن هذه المقالات تمت كتابتها ونشرها قبيل الثورة على مبارك . وتم تجميعها فى هذا الكتاب فى فبراير 2016 .
الفهرس
مقدمة :
الباب الأول التمهيدى
الباب الأول التمهيدى
الباب الثانى : وعظ السلاطين فى عصر الخلفاء الفاسقين ( م
الباب الثالث : وعظ حسنى مبارك ( اللعين ) قبيل الثورة المص
الخاتمة : كلمتى للساكتين عن الحق
دعوة للتبرع
توثيق تاريخ المسلمين: هل معتبر (موثق) عندكم تاريخ الاسل امي؟ ...
النجاح فى الاختبار: لماذا إستجا ب إبراه يم بمحاو لة ذبح إبنه ؟...
عن التطرف العقيدى: رسالة خاصة إلى أخى الدكت ور أحمد صبحى...
التطير : وردت كلمة التطي ر فى القرآ ن الكري م ، فماذا...
هل الزواج قسمة ونصيب: انار الله بصيرت كم للايم ان الحق انشاء...
more