رقم ( 13 ) : القسم الثانى : قراءة فى مقدمة ابن خلدون
الفصل الخامس : الفصل الخامس : تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 –

 

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

الفصل الخامس  : الفصل الخامس  : تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 ): 

مقالات متعلقة :

 

 

لمحة عن ظروف إقامة الدولة السعودية الأولى وفقا لنظرية العصبية الخلدونية 

أولا :

1 ـ لا مجال لتحقيق وتطبيق النظرية الخلدونية فى مجتمه نهرى كمصر والهند والرافدين والصين . مجالها حيث جاء وعاش وكتب ابن خلدون تجربته ، فى شمال أفريقيا ، أى فى المجتمعات الصحراوية والقبيلية ( من القبيلة ). وتتشابه الصحراء الكبرى ( فى أفريقيا ) مع صحراء الجزيرة العربية ، ولهذا كان التفكير فى إضافة فصل فى هذه الطبعة من الكتاب عن تحقيق النظرية الخلدونية فى قيام الدولة السعودية (الأولى ) 1745 ، بعد موت ابن خلدون فى مصر ب 350 عاما. ودون أن يعرف من أقامها ( ابن سعود وابن عبد الوهاب ) أى شىء عن ابن خلدون ومقدمته ونظريته .

2 ـ ولقد جاء قيام الدولة السعودية نتيجة تحالف الشيخ والأمير على اقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق المنهج السني الذي أرساه الحنابلة فى العصر العباسى الثانى ، وبه دمر الحنابلة العراق وقتها . إذ كانوا جماعات أو عصابات تخريبية تناوىء السلطة العباسية الضعيفة وتخيفها . الفارق هنا أن الدولة السعودية هى التى تطبق هذا الأمر بالمعروف وإزالة المنكر طبقا لمصالحاها ولرؤيتها الخاصة لما هو معروف وما هو منكر ، وتستخدمه للتوسع بالغزو والاحتلال ، بوصف الجيران بالكفر وأنهم ( مُنكر ) يجب إزالته ( شرعا ) ويجب الجهاد ضده ( شرعا ) ، والاستلهام هنا من حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) والذى إخترعه الحنابلة أبان فتنة ( أحمد بن نصر الخزاعى ) وفتنة القول بخلق القرآن ، وقد فصلنا هذا فى كتاب منشور هنا عن ( الحنبلية ـ أم الوهابية ــ وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) . على أن الاستلهام الأكبر للحركة الوهابية التوسعية بالغزو والاحتلال جاء من ( فتوحات الصحابة ) و السيرة التى كتبها ابن إسحاق ، وصوّر فيها النبى محمدا عليه السلام بصورة دموية ، تتناقض معه حقيقيته عليه السلام ، وهو الذى ارسله ربه جل وعلا رحمة للعالمين ، وليس لغزو العالمين كما يزعم البخارى فى حديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا  ... ).

3 ــ وجاء أيضا- قيام الدولة السعودية نتيجة تحالف بين عصبية قبلية يمثلها الأمير محمد بن سعود مع دعوة دينية يمثلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب  تنشد إقامة دولة صحراوية ، تجدد ما سبق من إقامة دول متحركة فى المنطقة ، تحاول التوسع فى العراق ، كما حاولت حركة الزنج وحركة القرامطة ، وكان لكل منهما دعوة دينية ترفعها وتتمسح بها ، وبها يختلف طبيعة السلب والنهب والغارات فيها عن المُتعارف عليه بين القبائل التى إعتادت قطع الطريق على قوافل الحجاج بلا شعار دينى . هنا يكون الغزو والاغارة  والسلب والنهب والسبى والاسترقاق والقتل يحمل شعار الجهاد ، وله مبرراته وتشريعاته السُّنّية المُتعارف عليها من قرون من قبل .

ولكن هناك إختلاف بين الدعوة الوهابية من نا حية ودعوتى الزنج والقرامطة.
فى حركة الزنج أعراب نجد للثورة مرة أخرى فى العصر العباسى بعد أن ملوا من الإغارة الروتينية على الحجاج، ووجدوا الغطاء الدينى فى دعوة المغامر على بن محمد فاتبعوه، مع أغلبية من الرقيق الزنوج فيما عرف بثورة الزنج التى خربت جنوب العراق طوال خمس عشر سنة (255-270) هـ الى أن تم اخمادها بصعوبة بالغة. وفى حركة الزنج قتل الثائرون ثلاثين ألفاً حين استولوا على مدينة الأبلة فى العراق سنة 256 هـ، وفى العام التالى دخل البصرة زعيم الزنج بعد أن أعطى أهلها الأمان، ولكنه نكث بعهده فقتل أهلها وسبى نساءها وأطفالها وأحرق مسجدها الجامع، وكان من بين سباياه نساء من الأشراف، وقد فرقهن على عسكره من الزنوج، وكانت السبايا العلويات تباع الشريفة منهن فى معسكره بدرهمين وثلاثة، وحين استجارت به إحداهن ليعتقها أو ينقذها من ظلم سيدها الزنجى قال لها: "هو مولاك وأولى بك من غيره".( تاريخ الطبرى: 9، 472، 481، والمسعودى: مروج الذهب 4 : 146 ). مع هذه الوحشية فإن قائد حركة الزنج كان مجهول النسب وأيضا مجهول الهوية الدينية ، إذ تردد بين دعوة الخوارج وبين دعوة الشيعة . وربما لهذا السبب لم تعمر حركته طويلا ، وتم القضاء عليها سريعا . كانت بمثابة نفثة غضب إنعالية ضد الفساد العباسى .

ثم ما لبث أعراب نجد أن اشتعلت ثورتهم هادرة تحت اسم القرامطة وفى دعوة شيعية إسماعيلية فى الأغلب.  وامتدت غاراتهم إلى العراق والشام والحدود المصرية، ولم تنج الكعبة من تدميرهم، وقد سبقوا المغول فى سياسة الأرض المحروقة، أو إبادة كل الأحياء فى المدن التى يستولون عليها، وقد شهد المؤرخ الطبرى جانباً من فظائعهم وسجلها فى الجزء العاشر والأخير من تاريخه فيما بين (286-302) هـ واستمرت فظائعهم بعد الطبرى بقرنين تقريباً حتى تغلب عليهم أعراب المنتفق. وكان القرامطة أكثر وحشية فى استباحة الدماء والأعراض، ومن موقع المعاصرة والمشاهدة روى الطبرى بعض أخبار زعيمهم ، منها أنه خصص غلاماً عنده لقتل الأسرى المسلمين، وأنه استأصل أهل حماة ومعرة النعمان وقتل فيهما النساء والأطفال، ثم سار بعلبك قتل عامة أهلها، وسار إلى سلمية وأعطاهم الأمان ففتحوا له الأبواب فقتل من بها من بنى هاشم ثم اختتم بقتل أهل البلد أجمعين بما فيهم صبيان الكتاتيب، ثم خرج عن المدينة وليس فيها عين تطرف، ونشر الخراب والدماء فى القرى المحيطة. أما ما فعله فى الكعبة وقتل الحجاج فيها وإلقاء الجثث فى زمزم، واقتلاع الحجر الأسود، فذلك ما استفاضت فيه الأخبار، وهذه الوحشية فى قتل الأبرياء كانت تقوم على منهج فكرى أشار إليه النويرى فى حديثه عن التربية الفكرية لشباب القرامطة، كما أشار إليها الطبرى فى قصة واقعية لشاب اقتنع بالدين القرامطى وهجر أمه وأسرته مقتنعاً بالدين الجديد معتقداً استحلال الدماء.  (أخبار القرامطة فى تاريخ الطبرى: 10، 71، 77، 86، 94، 99، 107، 115، 116، 121، 128، 130، 135، 148، وفى نهاية الأرب للنويرى 25، 195: 227 وما بعدها ).

 - وبعد القرامطة عاد أعراب نجد إلى ما اعتادوه من قطع الطريق على الحجاج والاقتتال فيما بينهم، إلى أن ظهر فيهم محمد بن عبد الوهاب بدعوته الدينية وتحالف مع ابن سعود، وكان أهم بند فى التحالف بينهما (الدم الدم، الهدم الهدم)، وأعطاه ابن عبد الوهاب تشريع الاستحلال بعد أن اتهم كل المسلمين الآخرين بالكفر وجعل ذلك الاتهام مبررا دينياً للغزو والتوسع، وبذلك قامت الدولة السعودية الأولى، ونشرت السلب والنهب وسفك الدماء فى الجزيرة العربية وحول الخليج وفى العراق والشام، إلى أن اضطرت الدولة العثمانية للاستعانة بواليها على مصر "محمد على باشا" فقضى على الدولة السعودية ودمر عاصمتها "الدرعية" سنة 1818 م.

ولا تختلف مذابح الخوارج والزنج والقرامطة – وقادتهم من أعراب نجد أساسا- عن المذابح التى قام بها النجديون الوهابيون السعوديون فى تأسيس الدولة السعودية الأولى ، والدولة السعودية الثالثة الحالية، وقد  وصلت تلك المذابح الى العراق والشام والبيت الحرام وسائر مدن الحجاز ، وكان أكثر الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ . .

ولا تختلف هذه المدرسة الفكرية التى كان يعدها القرامطة لغسيل مخ الشباب عن الاعداد الفكرى الذى كان فقهاء الوهابية يعدونه لشباب الأعراب النجديين فى العقد الثانى من القرن العشرين والذى يتحول به الشاب الاعرابى الى مقاتل عنيد يرى الجهاد فى استحلال قتل كل من ليس وهابيا، وعن طريق هذا الاعداد الثقافى تكون "الاخوان " جنود عبد العزيز آل سعود الأشداء الذين أسسوا الدولة السعودية الحالية، وكانت سمعتهم فى القتل والتدمير ترعب قرى الشام والعراق، كما لايختلف عن الاعداد الثقافى الذى تقوم به جماعات الاخوان وبقية التنظيمات العلنية والسرية فى تاريخنا المعاصر والذى يجعل الشاب المصرى المسالم يستسهل تفجير الشوارع والمبانى معتقداً أن ذلك جهاد فى سبيل الله. كما لا يختلف ذلك عن الوحشية الهائلة التى يتعامل بها المتطرفون فى الجزائر مع أبناء الشعب المسالم من نساء وأطفال، وما حركة طالبان عن ذلك ببعيدة، فهم الذين تشربوا الفكر السلفى.

الوهابية هنا تتميز عن حركتى الزنج والقرامطة بمنهج سنى حنبلى واضح ، يعتمد على ثوابت الدين السّنى ، ويقوم الشيخ ابن عبد الوهاب بتأطيره فى رسائله الكثيرة ، فى وقت إختراع وإنتشار الطباعة . ولا تزال رسائله حتى الآن هى مصدر الهام لشيوخ الوهابية ، وقوة تأثيرها تتمثل فى إعتمادها على الأحاديث السنية والسيرة ( النبوية ) التى كتبها ابن اسحق والتى أصبحت بين المحمديين  كالأناجيل الأربعة للمسيحيين ، والتى سجلت سيرة المسيح ، أو بمعنى أصح ( شوهت سيرة المسيح ) عليه السلام . وبهذا المنهج الذى أرساه ابن عبد الوهاب لا تزال الوهابية تتوسع تؤثر فى العالم ، وتحتكر لنفسه إسم الاسلام ، ولا أدل على ذلك من إطلاق إسم الاسلام عليها ، فيقال ( الاسلام السياسى ) و ( الاسلاميون ). .

 4 ـ وجاء أيضا- قيام الدولة السعودية نتيجة تحالف بين عصبية قبلية يمثلها الأمير محمد بن سعود مع دعوة دينية يمثلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب  ليمثّل حلقة من حلقات الصراع بين دين السنة الأرضى ودينى التصوف والتشيع . لقد ساد التصوف السنى ـ على أنقاض نفوذ الحنبلية السنيين المتطرفين ـ بدءا  من القرن السادس منذ أن قام بتأطيره أبو حامد الغزالى ت 505 ، وقام بفرضه وتطبيقه صلاح الدين الأيوبى ت 589 . وهذا التصوف السنى  (المعتدل ) كان يتسامح مع الشيعة طالما لا يكونون خطرا سياسيا ، فإنتشر التشيع دينيا فى مناطق فى الشام والعراق فى العصرين المملوكى والعثمانى ، وكان العثمانيون يعتنقون دين التصوف السنى ، الذى كان سائدا وقت تاسيس دولتهم . وتعرض ابن تيمية الحنبلى  للإضطهاد ، من المحاكمات الى السجن . وجاءت الحركة الوهابية السعودية فى دولتها الأولى على منهج ابن تيمية ولتطبق فتاويه الدموية التى كتبها حانقا على عصره وردا على إضطهاده .

5 ـ  وجاء أيضا- قيام الدولة السعودية نتيجة تحالف بين عصبية قبلية يمثلها الأمير محمد بن سعود مع دعوة دينية يمثلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب  ليكون رد فعل إيجابيا مبكرا ضد الاستعمار الغربى ونفوذه فى الدولة العثمانية التى دخلت وقتها فى طور الضعف . صحيح أن مواجهة الغرب المستعمر لم تكن واضحة فى فترة التأسيس للدولة السعودية الأولى والتحالف بين الشيخ والأمير، ولكن توسع هذه الدولة وإنتشار وهابيتها إستفاد بالعلو المضطرد للنفوذ الغربى البريطانى والفرنسى ، ثم حاليا فى مواجهة أمريكا التى جعلوها زعيمة الاستكبار الصليبى .

 

 

 

منطقة ( نجد ) بين كتابات الرحالة والمؤرخين

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

الفصل الخامس:الفصل الخامس: تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 ): 

    

ثانيا : منطقة ( نجد ) بين كتابات الرحالة والمؤرخين

 1 ـ  ومنطقة (نجد) هي المسرح الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى وتطورت، وبهذه الدولة السعودية برزت نجد على خريطة العالم وتاريخه منذ القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي 1158هـ 1745 م . هى نفس المنطقة التى كان أهلها من الأعراب جندا لحركة الزنج ، ثم لحركة القرامطة بعدهم . وقد أتاحت الوهابية لهم ان يكونوا قلب الحركة الجديدة ،وتأسيس أول دولة متحركة تتحدى الدولة العثمانية الراسخة العتيدة ، وتهاجم العراق وتحتل الحجاز والحرم ، وتعجز عن مواجهتها الامبراطورية العثمانية فتلجأ مُضطرة الى الوالى العثمانى الطموح فى مصر ( محمد على باشا ) والذى إستطاع بعناء شديد تدمير الدولة السعودية الأولى نهائيا وتدمير عاصمتها الدرعية وأسر أميرها عام 1818 . وارساله الى الآستانة ليلقى حتفه هناك .

2 ـ كانت ( نجد ) بؤرة المشاكل فى تاريخ المسلمين منذ حركة الردة وكان أكبرها حركة مسيلمة الكذاب الذى ظهر فى نفس المنطقة من ( نجد ) والتى نشأ فيها  ــ فيما بعد ـ محمد بن عبد الوهاب ، والتى إستمرت ( أى نجد ) ترسل كتائب التخريب ، ومنها ما وصل الى موطن ابن خلدون ، أى أعراب بنى هلال وبنى سليم الذين إستقدمهم الفاطميون ، وارسلوهم الى شمال أفريقيا فعاثوا فيها فسادا وتخريبا . مع ذلك التخصص ( النجدى ) فى الثورات والفتن وتصديرها الى الخارج من العراق والشام الى شمال أفريقيا ، فلم تحظ ( نجد ) بتفسير لوضعيتها هذه ، سوى حديث مشهور قيل فى تصوير ( نجد ) على أنها موطن الشيطان . وحتى ابن خلدون لم يتوقف مع ( نجد ) فى إستشهاداته فى المقدمة عن العرب ( الأعراب ) مع تعرضه لأعراب بنى هلال وبنى سليم .

3 ـ ولكن هذا البروز التاريخي الوهابى الحديث لمنطقة نجد ، أدخلها نوعا ما فى دائرة الضوء ، والأبحاث التاريخية . فقد حاول بعضهم تفسيرهذا البروز النجدى بعد حدوثه ،ونكتفي بمثلين الأول يمثل الرحالة الغربيين الذين جاءوا الى صحراء نجد يحاولون تفسير الظاهرة ،والثاني من الباحثين المسلمين في عصرنا الراهن .

 4 ـ  كتابات الرحالة بالذات تأتى بوصف غير معتاد للمناطق التى يزورها الرحالة . الرحالة عيناه مفتوحتان وهو فى دهشة مستمرة يسجل ما يراه ، ويقارن بوعى او بدون وعى بموطنه . وما يراه المؤرخ المحلى المعاصر عاديا لا يستحق التسجيل يراه الرحالة غرائب يسارع بتسجيلها . وإذا كان المؤرخ منهمكا فى التأريخ للسلطان وكبار القوم فإن الرحالة يهتم بتسجيل ما يراه فى الشارع والناس العاديين ،وهناك عادات اجتماعية سادت وازدهرت ثم بادت واندثرت دون ان تجد من يسجلها من مؤرخى عصرها لأنها كانت بالنسبة لهم شيئا عاديا لا يستحق التسجيل . ولو أدركها الرحالة لسجلوها وبقيت محفوظة فى ذاكرة التاريخ . والعادة أن تترك كتب الرحالة زادا رائعا للحياة الاجتماعية يغفل عنه ــ غالبا ـ المؤرخون المعاصرون .

5 ـ  ومنطقة نجد بالذات لم تجد نؤرخا فى داخلها يؤرخ لها قبل ظهور الوهابية فيها ، كما لم تجد مؤرخا باحثا مثل ابن خلدون يربط طبيعتها القاحلة موقعها الجغرافى بتخصصها الدموى فى الاغارة على القوافل خصوصا قوافل الحج ، وفى تحويل الاغارات الى جهاد دينى . تاريخ ( نجد ) فى العصور ( العباسى والمملوكى والعثمانى ) مجهول قبل الحركة الوهابية ، فقد دخلت فى عصر الظلمات ، ويسمع بها الناس فقط فى ثوراتها وغاراتها على الآخرين . أما الداخل النجدى فهو اسير الظلام . حتى لفتت نظر العالم بدولتها السعودية وحركتها الوهابية ، فبرزت نجد حتى فى عناوين الكتب مثل كتاب ( آن بلنت :رحلة الي نجد )  وكتاب عثمان بن بشر : (عنوان المجد في تاريخ نجد )، وسجل المؤرخ المصرى الجبرتى أحداث الدولة السعودية فى كتابه (عجائب الآثار  )، من خلال الأنباء التى كانت تصل اليه ، وكان الجبرتى يسجل شاهدا على عصره .  

6 ــ وحظيت ( نجد ) بدولتها السعودية ودعوتها الوهابية بإهتمام الغرب ، فقد توافد على نجد قناصل ورحالة أوروبيون، وكتبوا عنها ما يعكس رؤاهم السياسية، منها رحلة سادليير 1819 م وبيلي 1864 1865 ،وبركهايت 1814-1815 . ولكن الوحيدة التي كتبت بحياد وبعيدا عن الأهواء السياسية كانت رحلة الليدي آن بلنت 1879 ، فى وقت قيام الدولة السعودية الثانية ،وكان معها زوجها ويلفرد سكوين بلنت الذى كان  قنصلا إنجليزيا ، إلا أنه إشتهر بميله للعرب والمسلمين ،وقد قام مع زوجته برحلة الى نجد بعد اعتزاله العمل السياسي ،وسجلت الليدي آن الرحلة في كتاب (pilgrimage to nijd).ونقله الى العربيه محمد أنعم غالب وقدم له الشيخ حمد الجاسر .

7  ـ ويظهر في كتاب الليدي بلنت أمانتها في الوصف وإعجابها بالعرب وبلادهم وموضوعيتها في الرأي.  وقد عاصرت رحلتها في نجد الحرب الأهلية فى الدولة السعودية الثانية بين الأمير عبد الله وسعود الإمام فيصل ومبايعة الأمير عبد الرحمن بن فيصل على الرياض 1874 م وعلو نفوذ الأمير محمد بن الرشيد في حائل ونجد، وقد إستضافها محمد بن الرشيد، وتكلمت عنه كثيرا ،وقد كانت معلوماتها عن السعوديين والدعوة الوهابية مشوشة متأثرة باوضاعهم المضطربة في دولتهم  الثانية والدعاية المضادة للوهابية ، ومع ذلك فإنها رصدت بأمانة ما شاهدته دون انحياز مع او ضد الدولة السعودية .  

 وقد جاءت بوصف رائع لجغرافية نجد السياسية المتأثرة بظروفها الطبيعية ،وكان ذلك ضمن حديثها عن حكم إبن الرشيد المستتب في شمر وحائل . لقد وصفت الطبيعة القاحلة لنجد وندرة آبار المياة وتباعدها وحيث توجد الآبار تقوم عليها قرى متباعدة وتفصل بينها الصحراوات مما أعطى لكل (قرية ) شخصيتها المستقلة ،إلا أن الصحراء يتجول فيها البدو حيث يسيطرون على الطرق ، وهم الأقرب لتلك الطرق ، وهم الأكثر عددا من سكان تلك (القرى ) أو المدن الصحراوية . ولأن تلك المدن الصحراوية لا تستطيع الإكتفاء بنفسها وتعتمد على الإستيراد من الخارج فإن قوافلها  التجارية تحتاج إلى القبائل البدوية التي تتحكم في طرق القوافل والتي يمكن أن تُغيرَ على تلك المدن نفسها . ومن هنا فإن كل مدينة تضع نفسها تحت حماية شيخ بدوي في مقابل أتاوة سنوية تسمى (الأخاوة) . وحين يكون شيخ القبيلة قويا بدرجة كافية يقوم ببناء قلعة بالقرب من المدينة يعيش فيها بعد أن يصبح غنيا بما يجمعه من إتاوات ،ويعيش في تلك القلعة وقت الصيف، ثم إذا تطورت قوته أكثر تحول من حامي للمدنيين إلى صاحب سيادة عليهم ،ويتحول من شيخ للقبيلة إلى أمير . وإن تطورت قوته أكثر تحول إلي ملك على كل المدن التي تخضع له . وبهذا الوصف الرائع يمكن تفسير قيام الدول المتحركة والمؤقتة فى منطقة نجد وغيرها . ويمكن أن نفهم صحة النظرية الخلدونية فى العصبية البدوية القبلية ، وخصوصا إذا رفعت شعارا دينيا.

ثم تعرضت الليدي آن بلنت لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقيام الدولة السعودية دون أن تعطي تفسيرا للتغيرات الجديدة التي أتت بها الدعوة دينيا وسياسيا في منطقة نجد وما حولها،و دخلت سريعا في شرح لأحوال إبن الرشيد .[1]

8 ــ أما الدكتور أحمد شلبي صاحب موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ،فقد خصص الجزء السابع لتاريخ الجزيرة العربية والعراق منذ مطلع الإسلام وحتي الآن، وأعطى إهتماما خاصا بتاريخ نجد والمملكة السعودية، وأوضح فيما كتب أنه عاش في نجد باحثا في تضاريسها وتاريخها، يحاول الإجابة على ما أسماه بمفتاح تاريخ نجد الذي يفسر الغموض المحيط بتاريخها، إلى أن يقول (إن حياتي مع نجد باحثا وزائرا تجعلني أعتقد أن تاريخ نجد قبل قيام المملكة العربيةالسعودية ينضوي تحت ثلاثة محاور هي :1- الحياة القبلية ،2- زحف من الداخل تقوم به قبيلة ما وتسيطر على مجموعة من القبائل ،وكان هذا النوع قصير العمر ،ولم يكون دولة بالمعنى المعروف ،3- نفوذ أو زحف من الخارج يمتد من شرقي الجزيرة ومن غربها ..) ثم أخذ في تفسير المحاور الثلاثة معتمدا على رحلة الليدي آن بلنت وبعض المؤرخين النجديين دون أن يتوقف مع تأثير الدعوة الوهابية على طبيعة نجد السياسية والتاريخية .[2]

9 ــ والغريب أن يتفوق ـ من قبل ــ العلامة إبن خلدون في وضع التأصيل الذى ينطبق على التاريخ السعودي باعتباره كيانا سياسيا نشأ عن تحالف بين شيخ وأمير نتج عنه تأسيس دولة ، يجعلها ابن خلدون ضمن ما نطلق عليه الدولة الدينية التى تحكم بالشرع حسب قوله وتحمل الناس أى ترغمهم وتُكرههم بهذا الشرع وتكون مسئولة عن هدايتهم . وقد ناقشنا من قبل تناقض هذا مع الاسلام ودولته . 

10 ــ ويهمنا التذكير بأن إبن خلدون مات في القاهرة سنة 808 هـ أي قبل التحالف بين الشيخ والأمير بثلثمائة وخمسين عاما، بل إن إبن خلدون إعتكف في قلعة إبن سلامة في الجزائر في حماية أعراب بني عريف سنة 776 ،وفي عامين أكمل تاريخه المشهور ومقدمته التاريخية التي وضع فيها خبرته بالعرب والقبائل العربية وثقافته الموسوعية مع تفصيل لتاريخه الشخصي وتحركاته وعلاقاته السياسية فيما بين شمال أفريقيا والمغرب والأندلس في الجزء الأخير المسمى بالعبر ،ثم جاء بعدها  إلى مصر ،ثم قام بالحج سنة 789 هـ دون أن يمر على نجد، مع أن ما جاء في مقدمته ينطبق على نجد والدولة السعودية التي قامت فيها فيما يخص حديثه عن العصبية القبلية و العلاقات بين القبائل ،والتحالف بين أمير يمثل العصبية القبلية وشيخ يمثل الدعوة الدينية وما يثمر عنه هذا التحالف من إقامة ملك ديني يطبق الشرع السني .

فكيف تحدث إبن خلدون في مقدمته عن النموذج السعودي الوهابي ،هذا ما نتوقف معه في هذا الفصل عن

: تحقيق النظرية الخلدونية فى قيام الدولة السعودية  .   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 تحقيق ( النظرية الخلدونية )على ( نجد ) قبل قيام الدولة السعودية

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

 الفصل الخامس : تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 ): 

 

  تحقيق ( النظرية الخلدونية )على ( نجد )  قبل قيام الدولة السعودية.

اولا : كيف تحدث إبن خلدون عن العصبية القبلية والصراع القبلي والسياسي  في نجد؟

مع أن إبن خلدون لم ير صحراء نجد إلا أن خبرته التاريخية ومعيشته مع القبائل في الصحراء الكبري في شمال أفريقيا المماثلة لصحراء نجد جعلت رؤيته تنطبق على نجد ،ليس فقط في عصره في القرن الثامن الهجري ،ولكن أيضا قبيل وأثناء نشأة الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثاني عشر الهجري .

ونتتبع رؤية إبن خلدون على النحو الآتي :

بين الوحشية والقوة الحربية :

في البداية يضع إبن خلدون قاعدة هامة تقول أن نوعية الحيوان تحدد درجة التحضر لدي الرعاة ومدي تنقلهم ،فرعاة البقر والغنم لا ينتقلون كثيرا ولا يبتعدون عن المدن الحضارية ،أما رعاة الإبل فهم الأكثر والأبعد في التنقل ،حيث يمكن للإبل تحمل العطش والتوغل في الصحراء ،وحيث أن العرب قد تخصصوا في الإبل فقط فقد كانوا أكثر توغلا في الصحراء ،وأشد بأسا ،وأشد توحشا حسب قوله - .

ويربط إبن خلدون بين الوحشية أو (البأس ) والقدرة الحربية للقبيلة ،فيقول (إن أهل البداوة أكثر شجاعة وأقدر على هزيمة أهل الحضر ،ومن كان أعرق في البداوة والتوحش ،كان أقدر على التغلب على من سواه من القبائل التي تعيش بجانب المدن الحضارية ،وتزول عنها خشونتها واستبسالها ،واستشهد إبن خلدون بتغلب قبائل مُضَرْ الصحراوية على قبائل ربيعة التي استوطنت أرياف العراق ،ويؤكد على أنه إذا كانت الأمة وحشية (أي باسلة )كان ملكها أوسع [3].

رحلة الليدي آن تؤكد رؤية إبن خلدون :

وما قاله إبن خلدون ينطبق على نجد إذ أنه بعد خمس قرون نرى صدى الرؤية الخلدونية يتردد عبر مشاهدات وملاحظات الليدي آن في رحلتها (1297 هـ 1879 م) إذ تتحدث عن قبائل نجد التي تتجول في صحراء النفوذ وتسيطر على الطرق المؤدية للمدن وهم ميالون للحرب بطبيعتهم ،وتصف جبل شمر بأنها من أقفر الصحاري ،وتصف سكان القبائل بأنهم أشرس من في العالم ،ومع ذلك فإنها الأكثر أمنا بسبب سيطرة الأمير محمد بن الرشيد على المنطقة ،وهذا الأمير الذي قابلته الليدي آن ووصفته بدقة يحرص على خشونته البدوية ، إذ  يترك عاصمته ليقضي في الصحراء وقتا طويلا مع البدو،يعيش معهم مثلهم ، يخلع نعليه وكل ترف المدينة ويجوب معهم صحراء النفوذ ،ويفعل هذا في فصل الربيع وهو فصل الحروب ،وعندما تبلغ حرارة الصيف مداها يعود إلى حائل،وفي حائل يحرص إبن الرشيد على أن لا ينسيه ترف المدينة خشونة الصحراء ،لذا يشارك بنفسه في التدريب العسكري .وقد وصفت الليدي آن معركة مصطنعة أو مناورة حربية يشارك فيها إبن الرشيد بنفسه حيث كان يندفع كالآخرين وينسى هيبته وطباعه المدنية ويصبح بدويا حاسر الرأس تسيل ضفائره البدوية في الريح حافي القدمين عاري الساعدين ، يعدو هنا وهناك ، يطارد الآخرين ويطاردونه ،في معركة أو مناورة حربية كان فيها مثل أي شخص آخر من أتباعه [4] وبهذه الخشونة البدوية إتسع سلطان إبن الرشيد حيث لم يكن يملك دعوة دينية تمكنه من التوسع .

بين العصبية والقبلية :

يري إبن خلدون أن الأعراب يعيشون مع الإبل في تنقل داخل الصحراء لا يختلطون بغيرهم ،لذلك تظل أنسابهم نقية محفوظة ،أما عرب التلال القريبة من المدن فتختلط أنسابهم .وفي عرب الصحراء توجد أنساب خاصة أشد تماسكا من النسب المشترك العام ،وفيه تنحصر الرياسة ،وفيه توجد العصبية ،أو القلب التي تتجمع حوله باقي الأنساب ،ويحظي بانتماء باقي القبيلة إليه ،وهذا القلب هو موضع الرياسة أو الشرف .ويؤكد إبن خلدون على أن العصبية هي أساس حماية القبيلة وتماسكها ،لذا يقول أنه لا يسكن الصحراء إلا أصحاب النسب الواحد ،وتصبح العصبية أساس الحماية للدعوة السياسية أوالدينية ، خصوصا في قيامها على الإلتحام بالنسب والدفاع عن الأهل والعشيرة .

بين العصبية والملك :

ويري إبن خلدون أن العصبية تكون بها النصرة والحماية ،والبشرفي إجتماعهم يحتاجون إلى من يقوم بنصرة الضعيف ،أي يحتاجون إلى حاكم ،فلا بد للحاكم على عصبية تعينه على هذه المهمة ويتغلب بها على الناس ،وهذا التغلب هو الملك . وهكذا فالملك هو غاية العصبية ،وإذا بلغت العصبية قوتها حازت الملك ،إما بالإستبداد أو بمناصرة الملك المستبد والعمل معه. ويعطي إبن خلدون تفصيلات أكثر في أثر العصبية القبلية في تكوين الملك والدولة ،فيقول أنه في القبيلة الواحدة تتعدد العصبيات ويستلزم الأمر وجود عصبية أقوى تتغلب على الجميع وتلتحم بها كل العصبيات الأخرى ،وإلا وقع الإختلاف ، فإذا اشتدت عصبية القبيلة تطلعت إلى السيطرة على قبيلة أخرى أو عصبية أخرى ،فيحدث الإقتتال ،فإن غلبتها إلتحمت بها واتحدت معها ،وتضاعف طموحها ،وهكذا إلى أن تصبح دولة .وهكذا تؤدي العصبية القبلية إلى تكوين دولة يحكمها أمير أو ملك على أساس القوة أو القهر .

وبالتالي فإذا كانت العصبيات القبلية متكافئة إستحكم بينها الصراع القبلي ،وانتشر معه الدمار وسفك الدماء ،خصوصا مع قبائل شديدة البأس ،أو شديدة الوحشية حسب التعبير الخلدوني .وهنا نري أن إبن خلدون يتحدث على أن العرب إذا تمكنوا من أوطان أسرع أليها الخراب ،وهذا يعني أن تلك القبائل البدوية الصحراوية في تنافسها الصحراوي لاتجد ما تدمر ،حيث يعيشون في خيام ،أما إذا اشتد التنافس إلى السيطرة على المدن وتمكنوا من اقتحامها ،فإنه سرعان ما يصيبها الخراب [5].

 

ثانيا :مدي إنطباق الرؤية الخلدونية علي أحوال نجد قبيل وأثناء نشأة الدولة السعودية الأولي :

 

أدت الفتوحات العربية إلى تحرك الكثير من قبائل نجد من الجزيرة العربية ،إما على هيئة جنود في الجيوش أو كمجموعات إستقرت في البلاد المفتوحة .ومن هنا إختفت قبائل أسد وطيئ ،وبكر بن وائل،واستقر معظمها في العراق وسوريا .وفي منتصف القرن الثاني عشر الهجري حين ظهرت الدولة السعودية الأولى كان أهم القبائل في نجد هي عنزة وشمر والدواسر وسبيع وتميم وقحطان وظفير والصلة ،ويجاورهم في الأحساء آل مطير وبنو خالد والمناصير وعدنان وآل مرة وبني ياسر والعوازم والرشايدة [6].

ويمكن ترتيب العشائر والقبائل النجدية بوجه عام كالآتي:في الشمال شمر ،في الشمال الغربي عتيبة ،وفي الشمال الشرقي عنزة وحرب ،وفي الغرب سبيع ،وفي الشرق آل مرة وبنو خالد والعجمان وفي الجنوب والجنوب الشرقي قحطان .

والصراع لم يكن يتوقف بل كان يمتد داخل القبيلة الواحدة بل داخل البيت الحاكم فيها ،حيث يتقاتل أبناء العم والإخوة ،ويقتل الإبن أباه ،,قد أورد الشيخ إبراهيم إبن صالح بن عيسى في كتابه (تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ) الكثير من النماذج منها أن موسى بن ربيعة يحتال على قتل أبيه ربيعة بن مانع المريدي ويجرحه جراحات خطيرة ،ولكن يفلت الأب ويلجأ إلى رئيس العيينة يطلب حمايته ،ثم يندفع موسى بجنوده من المردة والموالفة ويهجم بهم على آل يزيد في النعيمة والوصيل ويقتل منهم أكثر من ثمانين رجلا ويستولي على منازلهم ويدمرها ،ويضرب في نجد بذلك المثل (صبّحهم فلان صباح الموالفة لآل اليزيد ) .ويزحف عريعر بن دجين على بريدة وعنيزة وينتصر عليهما ، ولكنه يموت بعد شهر فيتولى إبنه بطين ،فيقتله أخواه سعدون ودجين ،ويتولى دجين فيقتله سعدون .وفي 1081  تقع معركة الملتهبة وموقعة أكيتال بين قبائل الظفير والفضول ،وأمثلة أخرى عديدة للغارات على عنيزة والعيينية .[8]

وفي كتابه الذي تتبع به مدينة الرياض منذ أن كان إسمها حجر ،يذكر الشيخ حمد الجاسر نماذج للصراع القبلي الذي دار فيها وحولها، ونأخذ منها أمثلة سريعة : ففي عام 1033 قُتلَ أولاد مفرج بن ناصر صاحب بلدة مقرن ، وفي 1037 إستولى عليها آل مديرس ، وفي سنة 1056 مقتل محمد بن مهنة أمير مقرن ، ثم حكمها أبو زرعة 1099 ،وأطلق على مقرن إسم الرياض سنة 1049 ، واستمر آل زرعة يحكمون الرياض إلى أن  إستولى دهام بن دواس عليها وحكمها ثلاثين عاما ، ودخل في حروب مع آل سعود فيما بين 1159 : 1187 ، وحدثت فيها خمسة وثلاثون معركة، وكان ضحاياها من الفريقين حوالي  أربعة آلاف [9].

وظلت هذه هي طبيعة المنطقة بعد سقوط الدولة السعودية الأولى  ثم فى الدولة السعودية الثانية ودخول آل سعود في فترة الحروب الأهلية فيما بينهم  ،وبروز قوة محمد بن الرشيد . وتذكر الليدي آن بلنت سيرة آل الرشيد ووصول محمد بن الرشيد للحكم واغتياله للأمير محمد بن متعب ،وهو  إبن أخيه ،وبعد أن قتله إستولى على القلعة ،وقتل أطفال محمد بن متعب ،وجميع أبناء عمه ،وانفرد بالحكم [10].

وفي خلال هذا الصراع الذي يتسع بين القبائل ويضيق ليصل  إلى أبناء البيت الواحد ،لابد أن يصحبه الدمار ،ولعل ما أصاب مدينة الرياض على مر تاريخها خير شاهد على ذلك [11].

وبهذا تنطبق آراء إبن خلدون على منطقة نجد سكانها وحواضرها ،فإلى أي حد تنطبق على الدولة السعودية الأولى ؟.

 

 

 الرؤية الخلدونية فى : حاجة ابن سعود الى شرعية سنية من ابن عبد الوهاب 

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

 الفصل الخامس: تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 )   

الرؤية الخلدونية فى : حاجة ابن سعود الى شرعية سنية من ابن عبد الوهاب 

 

1 ـ لا نصدق الشائعات الرائجة والقائلة بأن الأسرة السعودية يهودية الأصل جاء عميدها من العراق واستقر فى نجد . لأن العكس هو الذى يحدث وهو هجرة العرب من الصحراء الى العراق والشام .

إن النسب أساس فى التعارف والتناصر والتحالف فى الصحراء ، والغريب فيها معروف ، وقد يُسمح له بالعيش فى حماية آخرين ، ولكن لا يمكن أن تصبح للغريب أسرة اصلها أجنبى وأن تصبح لهذه الأسرة عصبية تخضع لها وتقاتل من أجلها القبيلة بأسرها . لا يحدث هذا إلا إذا كانت هذه السرة فعلا من أصل هذه القبيلة .

2 ـ تنتسب الأسرة السعودية إلى قبيلة عنزة وهي من قبائل ربيعة التي تنتشر فروعها بين نجد والعراق وسوريا . وقد إستقر مقرن بن مرخان جد السعوديين في الدرعية سنة 1100 / 1682 بعد تجوال فيما بين القطيف ونجد ،واستطاع حفيده سعود بن محمد بن مقرن تثبيت نفوذه في الدرعية ،إذ بنى فيها إمارة ومد نفوذه إلى ما جاورها من واحات . ووصل الحكم إلى إبنه محمد بن سعود الذي تحالف مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1158 / 1745 .

3 ــ وفي هذا الوقت كان إقليم نجد مقسما إلى عدد من الإمارات الصغيرة المتشاحنة غير الخاضعة للإمارة  السعودية .ويقول حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز أنه قبل وفود الشيخ إبن عبد الوهاب لم يكن لآل سعود شأن كبير في نجد ،ولم يكن لهم تأثير يذكر في شأن الجزيرة العربية ،بل كان شأنهم شأن غيرهم من شيوخ المقاطعات النجدية ،وكانت الجزيرة العربية مقسمة إلى مناطق عدة ،لكل منطقة أمير يمتد أو يقصر نفوذه حسب قوته وكفاءته الشخصيه وهمته . وكان الأمراء البارزون في ذلك الوقت هم:  أشراف الحجاز ،وبنو خالد حكام الأحساء وما والاها من المنطقة الشرقية على الخليج العربي ،وآل معمر في العينية ، والسعدون في العراق ،وإمام صنعاء في اليمن ، والسادة في نجران والبوسعيد في مسقط وعمان [12].

4 ــ وبالتحالف بين الشيخ والأمير عرف العالم بالدرعية وآل سعود والدعوة  الوهابية لأول مرة ، ودخلت نجد وما حولها في منعطف تاريخي جديد أشارت إليه الرؤية الخلدونية قبل حدوثه بحوالي أربعة قرون، فى حديث إبن خلدون عن تحالف العصبية القبلية والدعوة الدينية .

5 ــ وبدون هذا التحالف لم يكن للأمير محمد بن سعود أن يواجه أقرانه من أمراء نجد فضلا عن الأمراء البارزين في الحجاز واليمن وفى الخليج .ومهما علا شأنه وعلى فرص نجاحه في هزيمة أقرانه في نجد فسيظل محاصرا داخل نجد ، وما كانت تعنيه نجد من صراع دموي مستمر لا يسمع به أحد خارجها ،وفي النهاية ستنتهي به طاحونة الصراع إلى بروز أمير آخر بقبيلة أخرى يحل محله ،وفق دوائر الصراع التي لا تنتهي فى نجد .

6 ــ ومن هنا فإن العصبية القبلية وحدها لا تصلح لتوسع ال سعود ،خصوصا وأنهم ليسوا الأكثر عددا والأكثر جندا. وفي وضعهم الحالي القائم على العصبية فقط  فإن أقصى ما يطمحون فيه هو الحفاظ على ملكهم في الدرعية أمام المنافسين من آل معمر وبنو خالد ودهام بن دواس .

وفي نفس الوقت فإن الشيخ إبن عبد الوهاب وهو يتعرض للإضطهاد بسبب دعوته الحنبلية المعادية للصوفية والشيعة يحتاج إلى أمير طموح يقوم بحمايته ويساعده في مهمته. وبهذا التحالف بين الشيخ والأمير قامت الدولة السعودية الأولى لتتحقق القاعدة الخلدونية في أن العرب لا يحصل لهم ملك إلا بدعوة دينية .

يقول إبن خلدون كأنما يتحدث عن أهل نجد بالذات أن العرب ويقصد بهم  الأعراب البدو هم أصعب قيادا بسبب توحشهم ،وما فيهم من الأنفة والمنافسه في الرياسة فيما بينهم ،فإذا كانت هناك دعوة دينية أذهبت من نفوسهم أخلاق الكبر والمنافسة .وإذا قام فيهم صاحب دعوة دينية ودعاهم بالدين وابتعد بهم عن الأخلاق الذميمة إستطاع تأليف كلمتهم وأرجعهم إلى الفطرة الأولى[13].

وعن طريق الدعوة السلفية السنية التي تحمل لواءها الإمارة السعودية الوليدة لم يكن صعبا أن يسير بعض أهل نجد خلف الراية السعودية الدينية . ولم يكن سهلا في نفس الوقت أن يقتنع معظم أهل نجد وما حولهم بترك التقديس للقبور والأوثان ،ومن هنا تحتمت الحرب وارتبط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحنبلى ( الوهابى ) بالقتال حسبما سبق التأصيل السني والفقهي في ذلك الموضوع .وبهذا وجدت الامارة السعودية فى الدعوة الوهابية شعارا تتوسع به في الجزيرة العربية ،تغزو وتحتل وتتحول من إمارة صغيرة مجهولة الى دولة تناطح الدولة العثمانية ، وهذه هى الدولة السعودية في دورها الأول (1158 1233)(1745-1818).

 عرض للرؤية الخلدونية :

1-تحت عنوان معنى الخلافة والإمامة يقول إبن خلدون أنه لما كان الملك يعني التغلب والقهر كانت أحكامه جائرة لأنه يرغم الناس على تحقيق أغراض السلطان مما يؤدي إلى الفتن والإضطرابات ،لذلك يجب الرجوع إلى قوانين السياسة التي يفرضها العقلاء .ثم قسّم  ابن خلدون السياسة إلى نوعين ،سياسة عقلية و سياسة شرعية إلاهية. وقسّم الملك إلى أنواع ثلاثة :الملك الطبيعي وهوقهر الناس بالغرض والشهوة ،والملك السياسي هو حمل الناس بالنظر العقلي لجلب المصانع الدنيوية ودفع المضار ،والملك الديني أو الخلافة ( أو الدولة الدينية ) وهو حمل الناس على مقتضى الشرع لرعاية مصالحهم الأخروية والدنيوية . وقال إن الملك الديني هو خلافة عن صاحب  الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين .وقال إنها الأفضل لأن الدنيا بدون دين مجرد عبث ،ولأن الدين هو طريق السعادة في الدارين .وأن أحكام السياسة العقلية عبارة عن نظر بغير نور الله وذلك مذموم.

ثم يؤكد على أن الخلافة تعني النيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا به ،ولهذا يطلق عليها الإمامة تشبيها بإمامة الصلاة من حيث الإقتداء ،ولهذا يقال عنها الامامة الكبرى .

ويرى إبن خلدون أن الشرع لم يذم الملك ،وإنما ذم المفاسد الناشئة عنه من القهر والظلم كما أثنى على العدل وإقامة معالم الدين ،وهي من توابع الملك ،وقد كان داوود وسليمان عليهما السلام من الملوك .وطالما يقول الملوك بإقامة أحكام الشريعة فهذا لا يحصل إلا بالعصبية أو الشوكة ،أي بسلطة الملك .

ويصل إبن خلدون إلى القول بأنه إذا نظرت إلى سر الله في الخلافة يتأكد لك أن الله جعل الخليفة نائبا عنه في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم ،وهو مخاطب بذلك ولا يخاطب بالأمر إلا من له القدرة عليه كما خوطب الرجال وكان النساء تبعا للرجال في الخطاب .

وعن إنقلاب الخلافة إلى ملك يرى إبن خلدون أن الملك هدف طبيعي للعصبية ،وبالعصبية تقام الشرائع على الناس. ولا حرج في الملك والعصبية إذا كانا في إقامة الشرع ،فالدنيا سبيل للآخرة ،وليس المراد إقتلاع العصبية أو الملك وإنما توجيههما لما فيه الخير والحق وإقامة الشرع.

ثم قام بتفسير تاريخ المسلمين السياسي من بدايته إلى نهاية الدولة العباسية وفق هذا المفهوم ،وانتهى إلى أن الأمر كان في بدايته خلافة يقع فيها الدين موقع الباعث والوازع ،وكانوا يؤثرونه على الدنيا ،ثم صار الأمر ملكا بعثت فيه معاني الخلافة في تحري الحق ،ولكن تغير الباعث أو الوازع فأصبحت العصبية مكان الدين ،وسار على ذلك الأمويون ثم العباسيون في بداية عهدهم .ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا إسمها وصار الأمر ملكا بحتا بالقهر والتغلب ،واستمر ذلك ببقاء عصبية العرب وقوتهم ،إلى أن تلاشت قوة العرب فأصبح الملك البحت في ملوك العجم وظل منصب الخلافة لمجرد التبرك [14].

أي أن إبن خلدون يرى أن الشرعية تنحصر في الملك الديني الذي يقوم على أساس إقامة الشرع وفق ما يفهمه الخليفة من هذا الشرع ، والذى يفهمه الخليفة هو الاستبداد بالأمر وطاعة ( الرعية ) له بإعتباره ممثل الشرع ، أو بتعبير القرون الوسطى المُناقض للاسلام: ( ظلُّ الله فى الأرض )، وبهذه الصفة يطبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو صاحب الحق فى تحديد ماهية المعروف وماهية المنكر ، وكيفية إزالة وتغيير المنكر . وحيث أن الشرع يتلخص في إفعل ولا تفعل فإن أوامر ( الإمام ) أى الحاكم المستبد بالمفهوم السلفى يجب على ( الرعية ) طاعتها . والذى يعصى فهو حلال الدم خارج عن الجماعة مستحق للقتل . وبهذا يجعل ابن خلدون ذلك الملك الديني (الخلافة ) نيابة عن الله تعالى في القيام بأمور عباده لحملهم على تطبيق معالم الشرع، ولا يهتم إبن خلدون بالمظهر الخارجي إذا كان خلافة أو ملكا ،لأن المهم هو إقامة الشرع ،وعلى ذلك فلا حرج في الملك أو الإعتماد على العصبية طالما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالمفهوم السلفى القائم على العنف ، وليس بالمفهوم الاسلامى القائم على مجرد الوعظ  . ومعلوم أن ( الشرع ) الذى يقصده ابن خلدون هنا هو صناعة بشرية ، وهو بالنسبة للدولة السعودية هو الفقه الحنبلى التيمى الوهابى .

2- وفي موضع آخر يتحدث إبن خلدون عن أثر العصبية القبلية في تدعيم الدولة فيقول تحت عنوان (الدولة العامة القوية أصلها دعوة دينية )إن الملك يتم بالغلبة والعصبية ،ولا يحدث ذلك إلا باتفاق القلوب على الإيمان بدعوة دينية والأمل في عون الله على إقامتها ،ويعلل ذلك بأن السبب إذا كان سياسيا دنيويا فقط حمل في داخله التنافس والخلاف ،أما إذا كان دينيا إتحدوا جميعا في سبيله .وفي الفصل التالي وتحت عنوان (الدعوة الدينية تزيد قوة الدولة على قوة عصبيتها )يؤكد ما قاله سابقا أن العصبية الدينية للدعوة تمنع التنافس المصاحب للعصبية وتجعلهم متحدين حول هدف واحد ،فإذا انتهت الصبغة الدينية وبقيت العصبية ينشأ الخلاف ويتغلب الاقوى .

ثم في الفصل التالي تحت عنوان (الدعوة الدينية لا تتم إلا بالعصبية) يقول إن كل أمر يتم فرضه على الناس لابد له من عصبية ،واستشهد لما حدث لبعض المصلحين الذين ضاعوا بسبب عدم وجود عصبية تحميهم، منهم الشيخ إبن قسي ،واستشهد بثورات الفقهاء الداعين إلى تغيير المنكر ويتبعهم العوام دون عصبية قوية وانتهوا إلى لا شئ ،ومنهم في العصر العباسي خالد الدربوس وأبو حاتم سنة 201 هـ .[15]

أي  يركز إبن خلدون على دور العصبية القبلية في تدعيم الدولة الدينية وإقامة الشرع ،وبدون هذه العصبية لا تقوم للدولة قائمة ،وبدونها يفشل الداعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .وفي نفس الوقت يؤكد على أهمية الدعوة الدينية وأثرها في إتحاد أهل الدولة ،بحيث أنه إذا ضعف تأثير الدولة الدينية وأصبحت الدولة قائمة على مجرد العصبية وحدها فإن الدولة تقع فريسة الإختلاف والشقاق .

وما قاله إبن خلدون ينطبق على الدولة السعودية ،سواء في مرحلتها الأولى أو في دورها الثاني حيث الإختلاف والشقاق  ..

  :التحالف في ضوء الرؤية الخلدونية :

1 ـ من الملفت للنظر أن إبن خلدون حين عرض للخلافة والعصبية والملك توقف عند نهاية الدولة العباسية وأشار إلى تحول الخلافة العباسية إلى مجرد رمز للتبرك في العصر المملوكي ،حيث كان الخليفة العباسي بالقاهرة ضمن حاشية السلطان المملوكي ،وهذا ما شهده إبن خلدون أثناء حياته في القاهرة ،ووصف هذا الوضع بتلاشي قوة العرب لحساب الملوك العجم المتحكمين ،وبالتالي ضاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .ولم يعرف إبن خلدون بأنه بعد موته بنحو ثلاثة قرون ونصف سيعقد تحالف بين إثنين من العرب أحدهما شيخ فقيه والآخر أمير صاحب عصبية في سبيل إقامة كيان سياسي يقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنهج السلفى و بمثل ما دعى إليه إبن خلدون .

 2 ـ لقد إنتهت المرحلة الأولى من جهاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعقده التحالف مع الأمير محمد بن سعود الذي شهده بيت أحمد بن سويلم ،حيث قضى فيه الشيخ إبن عبد الوهاب ليلته الأولى بالدرعية.

إذ أنه بناءا على مشورة مشاري بن سعود ،ذهب الأمير بنفسه إلى لقاء الشيخ ورحب به ،وقال له (أبشر  ببلاد خير من بلادك ،وأبشر بالعزة والمنعة ) .! فقال الشيخ (وأنا أبشرك بالعز والتمكين وهي كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد ،وهي كلمة التوحيد وأول ما دعت اليه الرسل من أولهم إلى آخرهم ). وخشي الأمير إبن سعود من أن يهجره الشيخ إلى مكان آخر ويستبدل به غيره أو أن يعارضه فيما يأخذه من ضرائب،  ولذلك قال (يا شيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لاشك فيه وأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به والجهاد لمن خالف التوحيد ،ولكن إشترط عليك إثنتين الأولى :نحن إذا قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا ، الثانية :إن لي على الدرعية قانونا آخذه منهم وقت الثمار وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئا ) .فأجاب الشيخ : (أيها الأمير أما الأولى فأبسط يدك، الدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثانية :فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها. )  ،ثم إن محمدا بسط يده وبايع الشيخ على دين الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وإقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فقام الشيخ ودخل معه اليد واستقر عنده )[16].

إن ما جاء في مفاوضات التحالف وبنوده يحقق رؤية إبن خلدون في إقامة دولة دينية سلفية تتمسح بالاسلام والجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لتغزو و ( تفتح ) وتحتل بلادا الآخرين بعد اتهامهم بالكفر ، ولتسلب وتنهب وتغتصب وتسبى  أناسا أبرياء ، على أن ذلك هو الاسلام . وهذا ما حققته الدولة السعودية الأولى التى نشرت المذابح فى الجزيرة العربية واحتلت جزءا كبيرا منها بما فيه الحجاز ومكة والمدينة ، وهاجمت العراق والشام ، وهى ترفع شهادة لا إله إلا الله والجهاد في سبيل الله وإقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . 

إن الشيخ الذي عانى الكثير من الإضطهاد أدرك أنه دخل مرحلة جديدة يستطيع فيها من خلال التحالف أن ينتقم من خصومه ،أو بتعبيره :الدم بالدم والهدم بالهدم ،ومعنى ذلك ،أنه سيواصل دعوته بالإكراه فى الدين والقتل والقتال والتدمير ، وهذا يعنى الكثير في مجتمع قبلي تتحول فيه الخلافات سريعا إلى معارك دامية ،ومن هنا تكون تلك المعارك سبيلا للتوسع السياسي للأمير الطموح محمد بن سعود ، وبدون ذلك لن يتميز عن أقرانه من أمراء نجد .

ويلاحظ بُعد نظر الأمير إبن سعود وتفكيره المستقبلي ،إذ يشترط على الشيخ أن يظل معه ولا يخرج عنه .أي يضمن لذريته وأسرته الملك الذي يستند على هذه الدعوة الدينية التي احتكرها في عصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،ومن المنتظر أن تقوم بها بعده ذريته في إطار الحكم السياسي لآل سعود .

ويلاحظ مرونة الشيخ والأمير في التفاوض ،فقد وافق الشيخ على شرط الأمير بأن يبقي معه ولا يرحل عنه وتنازل الأمير بناء على مطلب الشيخ عما كان يأخذه من ضرائب من أهل الدرعية ، مقابل الغنائم التى سيأخذها الأمير من غزو ( الكفار ) وإحتلال بلادهم . وهى مكافأة لأهل الدرعية ، وضع الضرائب عنهم مقابل وقوفهم مع الأمير فى تحقيق طموحه السياسى . والضحية هم العرب الآخرون الذين شاء سوء حظهم أن يجاوروا الدرعية فيتهمهم الأمير والشيخ بالكفر ويكون الاتهام بالكفر وسيلة لاستحلال دمائهم وسلب أوطانهم وأموالهم وسبى نسائهم . !.

ويلاحظ أخيرا أن التفاوض لم يأخذ وقتا طويلا منهما ،إذ كان كلاهما في حاجة للآخر، وكانت الظروف الزمانية والمكانية والتاريخية تتطلع إلى تغيير حقيقي بعد خمول زرعه التصوف السّنّى إستمر قرونا ، فأتى في أوانه . وهذا يفسر كل ما صحب الدولة السعودية الأولى من صخب سياسي وعسكري ودولي وثقافي على المستوي المحلي والإقليمي والدولي .

 

 

فى الدعاية : رسائل ابن عبد الوهاب كانت إعلانا بالحرب

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

الفصل الخامس: تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 )  

فى الدعاية :   رسائل ابن عبد الوهاب كانت إعلانا بالحرب

  1 ـ  كانت إقامة الشرع السنى الحنبلى أساس التحالف بين الشيخ والأمير ،وأساس الخلافة أو الإمامة أو الملك الذي يتحرى الشرع وفق ما قرره إبن خلدون .إلا أن ذلك لم يكن مجرد كلمات أو تصريحات سياسية ،وإنما كان سياسة ثابتة للدولة الوليدة في تعاملها مع الداخل والخارج .وعلى أساس هذه السياسة ثار الضجيج حولها داخل أو خارج الجزيرة العربية .

2 ـ إن ابن عبدالوهاب لم يأت بجديد في تقعيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهو لم يكن مجتهدا يأتى بالجديد ، بل هو أعاد للصدارة الفكر الحنبلى التيمى ، أو قام بتلخيصه فى رسائله ، وكان تلخيصه فى تلك الرسائل أقل جودة من الأصل الذى تأثر به ، وهو رسائل ابن تيميه . ولقد راعى مكانة ( الأمير ) فى موضوع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر،  مثل قوله في الرفق في الأمر والنهي (إن بعض أهل الدين ينكر منكرا وهو مصيب ،لكن يخطئ في تغليظ الأمور إلى شئ يوجب الفرقة بين الإخوان ،وأهل العلم يقولون الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يحتاج إلى ثلاث :أن يعرف ما يأمر به وينهي عنه ،ويكون رفيقا فيما يأمر به وينهي عنه ،صابرا على ما جاء من الأذى)وكقوله في نصح الأمير (إذا صدر المنكر من الأمير أو غيره ينصح برفق خفية .مايعلم أحد .فإن وافق وإلا أرسل له رجلا يقبل منه خفية ،فإن لم يفعل فيمكن الإنكار ظاهرا )[17]. 

ولكن تطبيقه للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى تعامله مع الآخر كان يعنى الحرب والفتح والغزو .

إلا أن عبقرية الشيخ ابن عبد الوهاب تبدو من فهمه لواقع المسلمين من حوله . كانوا فى غيابات الجهل الصوفى والشيعى فى تقديس القبور والاعتقاد فى خرافات الكرامات . وهذا التردى الصوفى الشيعى الواقعى يقوده شيوخ فى حضيض الجهل ، ومن السهل الانتصار عليهم بمقولات ابن تيمية . ولقد كانت لابن عبد الوهاب  تجربته فى مناظرتهم وتفوق عليهم فاضطهدوه .

وبتحالفه مع ابن سعود فى تطبيق الجهاد السلفى على أرض الواقع ــ  الرافض لفكر الشيخ ودعوته ــ    إستحدث آليه للتطبيق يمكن تلمس ملامحها فى اسلوبه فى الدعاية بإرسال الرسائل التى كانت بمثابة إعلان للحرب وتسويغ للإحتلال والفتح .  

3 ـ وهنا نلمس بعض التشابه والتأثر في أسلوب إبن تيميه في إرسال الرسائل والفتاوي ،غير أن إبن عبد الوهاب تميز بالدأب في كتابة الرسائل وفي المبادرة بتزويد الحجاج بها ليقوموا بتوصيلها إلى أوطانهم ،  مستغلا سلطته فى الدولة السعودية ، وهذا لم يكن مُتاحا لابن تيمية الذى عانى الاضطهاد فى دعوته .  ومن هنا وصلت رسائل ابن عبد الوهاب إلى كل من يعنيه الأمر، وأحدثت حركة في المياة الراكدة ،وأحيت الدعوة السنية الحنبلية التيميه ، وبعثتها من مرقدها مُعززة بالأحاديث السنية وسيرة ابن هشام وابن اسحاق والتى لا مجال للإعتراض عليها.

4 ــ  وحققت بهذا مكاسب ، منها : مواجهة الدعاية المضادة للوهابيين والتعتيم على وحشية الوهابيين فى الغزو وتسويغ وتشريع وتبرير إحتلالهم لبلاد الآخرين ، وإكتساب أنصار خارج الجزيرة العربية ،كان منهم المؤرخ المصري الجبرتي الذي تتبع تاريخ الحركة الوهابية وصراعها مع الوالي التركي محمد علي باشا وأعلن مناصرته لها ودفاعه عنها ،مما سبب العداء بينه وبين الوالي .

أثر الدعاية الوهابية فى المؤرخ المصرى : الجبرتى

1 ــ في دفاعه عن ابن عبد الوهاب يقول المؤرخ المصرى الشهير الجبرتى في أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1222 أن (أخبار الوهابي إضطربت بحسب الأغراض )أي تم تشويهها لحساب بعض الجهات ،ويقول أن الوهابي وزع كراسة يرد فيها على إتهامات المخالفين له ،أي أنه يخاطب الرأي المعاصر الإسلامي والعربي بعيدا عن السلطات العثمانية وأعوانها ،وهي بذلك أول محاولة لمخاطبة الرأي العام العربي بالكلمة المكتوبة في العصر الحديث . وأول منشور مكتوب على نطاق العالم العربي لشرح أهداف حركة دينية سياسية ،والعجيب أن تأتي من ( ظُلمات ) " نجد " لتخاطب الحواضر العربية فيما بين الخليج الي المغرب .

2 ــ وفي احداث 16 صفر سنة 1218 يكتب الجبرتي عن الوهابي الذي أصبح حديث القاهرة ،وينقل الجبرتي نص رسالة كاملة بعث بها الشيخ ابن عبد الوهاب مع شيخ ركب الحجاج المغربي ،وفيها يقول الشيخ ابن عبد الوهاب : (ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول (ص) فهذا هو الذي أوجب الإختلاف بيننا وبين الناس حتي آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتي نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم ،وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة ) إلى أن يقول (وندعوا الناس  إلي إقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام شهر رىضان وحج البيت الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ،كما قال تعالي (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ).

وبعد أن نقل الجبرتي هذا المنشور الوهابي بحذافيره قال عنه معجبا : (أقول إن كان كذلك فهذا ما ندين الله به نحن أيضا ،وهو خلاصة لباب التوحيد،وما علينا من المارقين والمتعصبين ،وقد بسط الكلام في ذلك إبن القيم في كتابه إغاثة اللهفان والحافظ ابن حجر والمقريزي في تجريد التوحيد ..الخ ).

3 ــ وكان الجبرتي أمينا مع نفسه فيما كتبه من قبل عن الوهابية وحركتها ،لم يكن قرأ من قبل ذلك رسائل الشيخ إبن عبد الوهاب لذا أكتفي بنقل ما يشاع في القاهرة عن الشيخ والدولة السعودية ،إذ يقول في حوادث الإثنين أول محرم سنة 1217 (ترادفت الأخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحية نجد ،  ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة ،وبث دعاته في أقاليم الأرض ، ويزعم أنه يدعو إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ، ويأمر بترك البدع التي إرتكبها الناس ومشوا عليها إلى غير ذلك .) . أي أنه في ذلك الخبر القصير عن الوهابية والسعودية يلخص الجبرتي طبيعة الدعوة والدولة ، ويشير إلى أن الشيخ بث دعاته في أقاليم الأرض . ولعل ذلك ما دفع الجبرتي إلى الحصول على منشور من المنشورات التي أرسلها الشيخ ، فلما قرأه تغيرت لهجته عن الدعوة ودولتها فلم يعد يقول (دخل في عقيدته )أو (يزعم ) ، وإنما أصبح مدافعا عنها  ضد الباشا العثماني ( محمد على ) نفسه .والتزم بهذا الموقف مدافعا إلى نهاية كتابه .

4 ــ ونجاح هذه المنشورات الوهابية في كسب الجبرتي إلى جانبها يدل على عبقرية الشيخ في إختيار آلية مناسبة للدعوة الوهابية يؤثر بها على النخبة المثقفة من العلماء والشيوخ .

5 ــ على أن عبقرية ابن عبد الوهاب لا تتجلى فقط فى إستشهاده فى منشوراته ورسائله بالأحاديث والسيرة النبوية وتمسكه بالثوابت السنية المتفق عليها ، وإنما فى إتهامه  ( كذبا ) للآخرين بأنهم الذين بدأوه بالقتال بسبب دعوته التى لاغُبار عليها ، يقول : (حتي آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتي نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم . ) على أنه سريعا يعود الى مشروعية قتاله وغزوه لمن يرفض دعوته ، فيقول : ( وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة  ). أى إن إقامة الحُجّة بارسال تلك المنشورات هى بمثابة إعلان الحرب . يرسل لهم المنشور فإن أذعنوا ودخلوا فى طاعته كفّ عنهم ، وإن رفضوا قاتلهم .

أى سار على ( السُّنّة ) التى ابتكرها أبوبكر فى الفتوحات ، أى تخيير البلاد بين واحد من ثلاث : الاسلام أو الجزية ، وإلّا فالحرب . ليس هذا تخييرا ، بل هو إكراه فى الدين وإرغام لأى بلد يحترم إستقلاله إما أن يرضى بذل الاحتلال ( والاستعمار ) وإما أن يدخل حربا ليس مستعدا لها ، ولكن تم فرضها عليه من جيش قادم للإعتداء يقف على حدود هذه الدولة يفرض عليها شروطه إما أن تدخل دينه أو تدفع له جزية ، وإلا يقاتلها ويحتلها  .

 لم يفعل هذا خاتم النبيين عليه السلام ، إكتفى فى أواخر عمره بارسال رسائل للدعوة لمجرد التبليغ ، ولم يدخل فى حرب هجومية ابدا ، بل كان يقاتل دفاعا فقط ملتزما بقول الله جل وعلا : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)  البقرة ) (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة  ).

ابن عبد الوهاب قام بتطبيق الشرع السنى فى جهاده السُّنّى ، والذى إستمد مشروعيته من الفتوحات العربية ، تلك الفتوحات التى تناقض الاسلام ، والتى كانت أكبر ردة عن الاسلام ، ومنها نبتت الأديان الأرضية للمحمديين ، من السّنة الى التشيع الى التصوف السّنّى . وكانت الوهابية هى الأكثر تعبيرا عن هذه الفتوحات العربية وما نتج عنها من الفتنة الكبرى والحروب الأهلية ، خصوصا وأن أعراب ( نجد ) كانوا جُند الفتوحات وأساس الفتنة الكبرى ، ثم بعدها بإثنى عشر قرنا أتى أحفاد الأعراب السابقين فى نفس المنطقة ( نجد) فكرروا نفس القصة فى نجد تحت دعوة دينية هى الوهابية. وهذا ما أشار اليه ابن خلدون   من قبل .

 

 

 

فى تطبيق الشرع الحنبلى الوهابى  

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

 الفصل الخامس: تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 )  

فى تطبيق الشرع الحنبلى 

 

فى هدم القبور المقدسة

1 ـ ابن عبد الوهاب فى تطبيق شرعه الحنبلى ( الوهابى ) ـ المخالف للإسلام ـكان يعلن راية الاسلام ، ولقد كان سهلا عليه إقامة الحجة على الخصم الذى يقدس القبور ، وكانت تلك إحدى آليات الدعوة ،والتي تسبق الغزو والقتال بحجة تطبيق الأمر بالمعروف وإزالة المنكر بالمنهج الحنبلى التيمى . ونستدل على ذلك مما رواه الجبرتي المتعصب للوهابية ، الذى ردد قول ابن عبد الوهاب بأن هدم القباب المبنية على القبور قد تم (بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية ،وإقامة الحجة عليهم بالأدلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتاب والسنة، وإذعانهم لذلك)،  أي أن خبر المناظرات وصل إلى علم الجبرتي في القاهرة مع حدوثها في الجزيرة العربية ، وذكرها الجبرتى فى تاريخه فى معرض الدعاية والدفاع عن الوهابية .

2 ـ ويقول الجبرتي في أحداث 14 رجب سنة 1220 (وردت الأخبار بأن الوهابيين إستولوا على المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم بعد حصارها نحو سنة ونصف بدون حر ب ،بل تحلقوا حولها وقطعوا عنها الوارد ..فلما اشتد بهم الضيق سلموها ودخلها الوهابيون، ولم يحدثوا بها حدثا غير منع المنكرات وشرب التنباك في الأسواق وهدم القباب ، ما عدا قبة الرسول صلي الله عليه وسلم ). لم يعلق الجبرتى على الحصار المشدد الذى إستمر عاما ونصف العام ، وألجأ اهل المدينة للتسليم. حاكم المدينة لم يهاجم الدولة السعودية ولم يحاصر عاصمتها الدرعية ، الوهابيون هم الذين حاصروا المدينة واحتلوا الحجاز ، وفرضوا شرعهم الحنبلى الوهابى فى تحريم الدخان وهدم القباب .

والله جل وعلا لم يأمر بهدم الأنصاب ( أى القبور المقدسة ) ولم يأمر بهدم الأوثان ، أمر فقط بإجتنابها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة ) (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج ). ليس العيب فى أحجار القبور والأوثان. العيب فى العقول ، ولو تعقّل الناس لرأوا تلك القبور المقدسة مجرد قبور عادية ،وتلك الأصنام مجرد تماثيل .

وابن عبد الوهاب أصدر قرارا بتحريم التبغ ( الدخان ) ، ولم يكن معروفا فى عصر الأئمة من مالك الى ابن تيمية ، والعادة فى فقهاء التقليد ـ ومنهم ابن عبد الوهاب ـ أن ما لم يأت فيه حكم فقهى سابق ولم يكن معروفا فى عصر الأئمة فالاسهل تحريمه طبقا لأصول الفقه المالكى والحنبلى : ( سد الذرائع ). أو التعبير المصرى ( الباب اللى ييجى منه الريح سدُّه واستريح ) . وإذا كان المبدأ الاسلامى فى التشريع هو التيسير ورفع الحرج وأن الأصل هو الاباحة وحصر التحريم فيما ورد فيه نصُّ الاهى فإن العكس فى الدين الوهابى ، وهو سهولة الحظر والمنع والتزمت والتحريم .

والغريب أن ابن عبد الوهاب يتطرف فى موضوع التبغ الى جعله من الكبائر ـ أسوة بالشّرك بالله جل وعلا . والأغرب أنه يستحلّ قتل الأبرياء بعد إتهامهم بالكفر ويحتل بلادهم ويسلب أموالهم ويسبى نساءهم ، ثم يحرّم حلالا لم يرد فيه نصُّ قرآنى بالتحريم . والتحريم حق لرب العزة جل وعلا وحده ، وحين حرّم النبى شيئا على نفسه نزل الوحى يلومه بقسوة ، قال له ربه جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ )(1) التحريم ). وابن عبد الوهاب أرسى هذا فى الدين الوهابى الحنبلى السُّنّى : تحريم الحلال وإستحلال الحرام .

فى موضوع المحمل :

1 ــ ونعطي مثلا آخر لتطبيق الشرع الحنبلى في موضوع شائك صاحب الدولة السعودية الأولى واستمر إلى عصر عبد العزيز يسبب مشاكل للسعوديين مع مصر وغيرها، وهو دخول الحجاج إلى الحرم بالمحمل . كان الحجاز تابعا لمصر من الدولة الطولونية ، وظل تابعا لها حتى وهى ولاية عثمانية . ومن مظاهر هذه التبعية قيام مصر بارسال ( المحمل ) بكسوة الكعبة ورواتب العاملين فى مكة والمدينة ، مع الصدقات . وكان من المعتاد أن يصحب المحمل فى سفره من القاهرة الى مكة قوة حربية وفرقة موسيقية . وكان هذا متسقا مع دين التصوف السنى السائد فى مصر بعد سقوط الدولة الفاطمية . بإحتلال السعوديين لمكة كان لا بد من فرض شرعهم الحنبلى الذى يمقت الغناء ، علاوة على أن المحمل يمثل السيطرة المصرية على الحجاز ، وشعيرة الحج ، وقد أصبح الحجاز تحت سيطرتهم . 

وعندما سيطر الأمير سعود الكبيرابن عبد العزيز بن محمد بن سعود  ( الذى حكم فيما بين 1803 : 1814 ) على مكة أرسل رسالة جافة إلى السلطان العثماني يخاطبه فيها بإسمه المجرد على خلاف البروتوكول ، ويقول له : (من سعود إلى سليم .أما بعد فقد دخلت مكة في الرابع من محرم سنة 1218 وأمّنت أهلها على أرواحهم وأموالهم ،بعد أن هدمت ما هناك من أشباه الوثنية ،وألغيت الضرائب إلا ما كان منها حقا ،وثبتُّ القاضي الذي وليته أنت طبقا للشرع ،فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجئ بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس ،فإن ذلك ليس من الدين في شيئ ،وعليك رحمة الله وبركاته ).

أي أنه يخبر السلطان بما فعله في مكة من إزالة المنكر ويأمره بعدم إرسال المحمل بالطبول والزمور لأنه   ( ليس من الدين فى شىء ) ، كما لو كان إحتلال البيت الحرام بالقوة ( هو الدين وكل شىء.) .!

الغناء العادى ليس حراما ، هو مباح . وحتى ما كان منه فاحشا فهو يدخل فى اللمم ، أى السيئات المحرمة ، وليس من الكبائر .وليس فى الاسلام منع للغناء أو مصادرة له .

الغناء الدينى أو الانشاد الدينى ومنه التغنى بالقرآن الكريم وتحويل الدعاء الى أغنية ، هو لهو ولعب وسخرية بالقرآن الكريم وإستهزاء برب العزة جل وعلا ، وهو كفر مقيت ( نحن نحكم بتكفير الفعل وليس الشخص )، والمفروض إجتناب ذلك الفعل والابتعاد عن مجالسه وليس التدخل بمنعه . هذا الغناء الدينى أو الانشاد الدينى هو السائد الآن عند الصوفية والشيعة ، وهو محرم عند السنيين وخصوصا الحنابلة . 

وقد كان هذا الخوض أو الغناء الدينى سائدا فى قريش ، ووصفهم رب العزة بأنهم إتخذوا دينهم لهوا ولعبا . وكانوا يعقدون مجالس اللهو هذه يخوضون فى آيات الله ، ويتسامرون ، قال جل وعلا عنهم : (  قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67)المؤمنون )  وكان النبى يحضرهذه المجالس ، فأمره ربه جل وعلا بالابتعاد عنها ، قال له ربه جل وعلا :  (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) الزخرف) (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) المعارج ) . واستمر عليه السلام فى حضورها فى مكة فقال له ربه جل وعلا مؤكدا ومذكرا  ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى معَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)الانعام ). أى لا بأس أن يقعد معهم فإذا خاضوا فى آيات الله فعليه أن يبتعد عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره . وفى دولة النبى فى المدينة استمر المنافقون فى عقد جلسان الخوض هذه ، فقال جل وعلا عنهم : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) التوبة  ) وقال جل وعلا بعدها للمؤمنين فى المدينة ينهاهم عن مشاركة المنافقين فى مجالس الخوض : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء) فى كل ما سبق لم ينزل الأمر بمنع هذا ، بل النهى عن حضور هذه المجالس ، والتأكيد على كفر يجب إجتنابه بمثل إجتناب الأوثان والأنصاب ( القبور المقدسة ).  وعليه فليس فى الاسلام ذلك التشريع الحنبلى بالمنع والحظر . والواضح أن الأمير سعود الكبير يلقى أوامر للسلطان العثمانى بلهجة متعالية لأنه ينظر اليه على انه كافر ، طبقا  للتشريع الوهابى فى تكفير من ليس وهابيا . ولو كان بمقدرة الأمير السعودى ارسال جيش للآستانة لحرب السلطان لفعل . فعل الأمير ما بوسعه وهو هذه الرسالة .

وكان فى وسع سعود الكبير التصرف فيما يستطيع ، وهو منع المحمل المصرى .

ويثبت الجبرتي في يوميات شهر جمادي الاخر 1221 أنه قابل مصطفي جاويش القائم على المحمل المصري فأخبره (المذكور ) أنه لما ذهب إلى مكة إجتمع به (الوهابي ) وقال له: ما هذه العويدات التي تأتون بها وتعظمونها بينكم ، يشير إلى المحمل ،فقال له مصطفي جاويش (جرت العادة من قديم الزمان بها، يجعلونها علامة وإشارة لإجتماع الحجاج .فقال له :لا تفعلوا ذلك ولا تأتوا به بعد هذه المرة وإن أتيتم به مرة أخرى فإني اكسره ).

ثم يعود الجبرتي فيثبت واقعة منع المحمل في يوميات شهر صفر مع عودة الحجاج المغاربة الذين جاؤوا بعد عودة أمير الحج السابق ،حيث عاد مصطفي جاويش سريعا ليبلغ خبر منع الدخول للمحمل ويؤكد الجبرتي على أن الحجاج المغاربة حجوا وقضوا مناسكهم ،وأن الملك (مسعود الوهابي ) على حد قول الجبرتى وصل إلى مكة بجيش كثيف دخل به مكة ، وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر مع رخاء الأسعار ، ويسجل الجبرتي على الركب الشامي أنهم إمتنعوا عن الحج (ولم يمتنعوا عن مناكيرهم ) حين طلب منهم (سعود الكبير) أن يتخلوا عن (الزمر والطبل والأسلحة وكل ما كان مخالفا للشرع ). اى يستحدم الجبرتى نفس تعبيرات الوهابية  مؤيدا لهم .

وعن أهم أحداث سنة 1223 يقول الجبرتي أن منها (إنقطاع الحج الشامي والمصري معتلين ) بمنع الوهابي الناس عن الحج . أى قام سعود الكبير بصدّ الناس عن المسجد الحرام لأنهم على غير دين الوهابية . ومع ذلك يدافع الجبرتي عن الوهابيين والسعوديين ،فيقول (والحال ليس كذلك ،فإنه لم يمنع أحدا يأتي إلى الحج على الطريقة المشروعة ،وإنما من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الأسلحة ،وقد وصلت طائفة من الحجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وقبله ولم يتعرض أحد لهم بشئ ).

 وأرغم الأمير السعودى شريف مكة على تطبيق الشرع الحنبلى ، يقول الجبرتي في أحداث يوم السبت آخر محرم 1221 (وصلت الأخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين ولم يسعه إلا الدخول في طاعته وسلوك طريقته ،وأخذ العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة، وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الأراجيل بالتنباك في المسعي وبين الصفا والمروة ،وبالملازمة على الصلوات الجامعة ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات وإبطال المكوس والمظالم) .وليس فى الاسلام إرغام على تأدية الصلاة ، وليس فيه تحريم للحرير .

ثم يصف الجبرتي ناحية إيجابية فى الحكم السعودى وهى كف مظالم الأشراف فى الحجاز ومكة ، فيقول عن حكم أوظلم الأشراف : ( وكانوا قد خرجوا عن الحدود في ذلك حتى أن الميت يأخذون عنه خمسة فرانسة أو عشرة بحسب حاله ،وإن لم يدفع أهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه ،ولا يتقرب إليه العامل ليغسله حتى يأتيه الإذن ،وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي أحدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري ،ومصادرات الناس في أموالهم ودورهم ،فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه إلا والأعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ويقولون (سيد الجميع يحتاج إليها )،فأما أن يخرج منها جملة وتصير من أملاك الشريف، وإما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر ،فعاهده (أي عاهد الشريف الأمير السعودي ) على ترك ذلك كله واتباع ما أمر الله تعالي به في كتابه العزيز من إخلاص التوحيد لله وحده ،واتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والائمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث .)[18]

والواضح هنا لمن يدرس مظالم العصر المملوكي أن مظالم العصر العثماني قد تفوقت عليها بحيث يجرؤ شريف مكة على ممارستها لتصبح إحدى ممارسات السلطة السياسية العادية ،ويستلزم الأمر مجيئ الأمير سعود الكبير ليأخذ العهد على الشريف بإزالتها ضمن المنكرات الدينية الأخرى وليأمره بإقامة الصلاة وشرائع الدين . ولكن نُذكّر بأنه ليس فى الاسلام إرغام على تادية الصلاة وغيرها من العبادات ، كما أنه ليس فى الاسلام إكراه فى الدين عموما .

وهناك شهادة أخرى لمبعوث نابليون الذي تخفي تحت إسم الحاج علي العباسي ،وإسمه الحقيقي دومنجو باديا أي لبليخ ،وكانت مهمته أن يسبر غور الدولة السعودية الجديدة ،وقد وصل إلى مكة في 14 ذو القعدة 1221 وشهد دخول السعوديين إلى مكة وسجل أعمالهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها هدم بعض المزارات والقبور وتعيين الشرطة لحض الناس على الصلاة .[19]  .

وهذا يذكرنا بما قاله ابن خلدون من وظيفة الامام أو الحاكم الدينى فى ( حمل الناس ) على تنفيذ الشرع ، إى إكراههم فى الدين .

 

 

 

 

فى نتائج التطبيق للشرع الوهابى :( الحزم فى الداخل والحرب مع الخارج )

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

الفصل الخامس  : تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 ): 

فى نتائج التطبيق للشرع الوهابى :( الحزم فى الداخل والحرب مع الخارج )

أولا : الحزم الوهابى فى الداخل :

بين السىء الوهابى والأسوأ العثمانى  :

  كان الإختبار بين السىء الوهابى والأسوأ العثمانى .الحكم العثمانى وفى داخله حكم الأشراف وصل الى حضيض الفساد  ، والبديل الوهابى السعودى كان أقل فسادا بتطبيقه الجهاد والأمر بالمعروف وإزالة المنكر بالمفهوم الحنبلى . 

السىء الوهابى

1 ــ قام الحاكم السعودى فى الدولة السعودية الأولى بفرض هيبة الدولة باسم الشرع الحنبلى فأرهب الأعراب ، ومنعهم من السلب داخل الدولة ، خصوصا وقد وجهت الدولة شوكتهم الحربية للخارج ، وبحرب الخارج انهالت عليهم الغنائم خصوصا من سلب ونهب المدن وثروات المشاهد المقدسة للشيعة والصوفية . وبتحقيق الأمن فى الداخل ازدهرت الزراعة وانتعشت التجارة .

2 ــ وقد زعم الشيخ عثمان بن سند البصري الفيلكاوي ــ وهو من خصوم الوهابيين ــ أن الأمن الذي حققه الحاكم السعودي كان دسيسة خدع بها السعوديون العوام، إلا أن الشيخ عثمان حلل القضية تحليلا رائعا حين يقول ،إن تحقيق الأمن يدفع الناس للإشتغال بالزراعة والتجارة وتربية الماشية للتكسب ،فإذا اشتغلوا بالكسب الحلال فلا ينهبون ولا يسرقون ولا يقتلون ،فمتي وجد الأمان إرتفع السارق والقاتل لاشتغالهم بالمعاش الحلال ،ومتى إشتغلوا به وُجد َالأمان ..أي أن الأمن والرخاء مقترنان ،يقوم أحدهما بالآخر .

أما في داخل الدولة العثمانية فكان الحال على النقيض ،يقول الشيخ عثمان  نفسه : (ذهب الأمن وبطلت المعايش وتدهور الوطن العثماني إلى ما هو معروف .)ويضطر بالقول بأن من محاسن الوهابية (أنهم أماتوا البدع ومحوها ومن محاسنهم أنهم أمّنوا البلاد التي ملكوها ،وصار كل ما تحت حكمهم من هذه البراري والقفار يسلكها الرجل وحده ..خصوصا بين الحرمين الشريفين ،ومنعوا غزو الأعراب بعضهم لبعض ،وصار جميع العرب على اختلاف قبائلهم من حضرموت إلى الشام كأنهم إخوان أولاد رجل واحد ،إلى أن عَدُمَ الشرُّ في زمان إبن سعود ،وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية ،تجد في بعض الأراضي المخصبة :هذا بيت غزي وبجانبه بيت عتيبي وبقربه بيت حربي وكلهم يرتعون كأنهم إخوان ،ورأيت لهم عقيدة منظومة يحفظها حتى رعاة غنمهم ،منها:

        وما الدين إلا أن تقام شعائر                    وتأمن سبل بيننا وشعاب .

فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركنا من أركان الدين )[20].

3 ــ ونأخذ شهادة أخرى من مبعوث نابليون المتنكر الذي شهد دخول السعوديون إلى مكة يؤددون المناسك في 45 ألف مجاهد من جيش سعود الكبير ،بينما اختفي شريف مكة وتجمد جنوده خوفا فوق أسلحتهم ،وقد سجل دومنجو باديا أي البليخ أو الحاج علي العباسي هذا المشهد وسلوك السعوديين بما نفهم سر توطيد الأمن في المناطق التي يسيطرون عليها ،يقول(لم يلبث الذعر أن اجتاح الجبل وما حوله ،عندما احتلته جموع الوهابيين وكان مشهدهم يملؤ النفوس ذعرا للوهلة الأولى ،ولكن ما أن يزول هذا الإنطباع حتي يكتشف المرء خصالهم الحميدة فهم لا يسرقون قط ،لا عن طريق القوة ولا عن طريق الحيلة إلا إذا اعتقدوا أن المتاع يخص عدوا أوكافرا ،وهم يؤدون ثمن كل ما يشترونه وأجور كل الخدمات التي تقدم لهم ..). أى يكتفون بسلب العدو ـ أى الغنائم .

الأسوأ العثمانى

1 ــ وقتها كانت الدولة العثمانية (الإسلامية ) فى عصر إنحلالها وإضمحلالها ، وكان جيشها وحامياتها العسكرية عنوان الفساد والإنحلال في كل عاصمة يحكمونها . كانوا همجا لا يعرفون سوى السلب والنهب والعربدة والسبى . والواقع ان الوالى محمد على أرسل بهم لحرب الوهابيين ليتخلص منهم لأنه كان يريد  تأسيس جيش عصرى مدرب تدريبا حديثا ، وقد رفضوا هذا التدريب الحديث وخاف من شغبهم فكان الحل ان يتخلص منهم فى صحراء الجزيرة العربية.  وبعدها أنشأ جيشا مصريا عصريا قامت حوله نهضة صناعية وتعليمية .

2 ــ وإذا رجعنا الي الجبرتي وهو يسجل إستعداد محمد علي لغزو الدولة السعودية نجد أن أول حملة كانت تحت قيادة طاهر باشا أخذت في السلب والنهب من المصريين بحجة تسهيل العسكر المسافر للخوارج أي السعوديين ،وانتهت بأن لم تسافر ، واكتفت بنهب المصريين.

أما الحملة التي وصلت إلى الحجاز لأنقاذه من (الخوارج ) فقد نزلت إلى (ينبع ) ، ولم يكن بها أحد من (الخوارج ) ومع ذلك فقد عاثت فيها فسادا ،يقول الجبرتي (نهبت ما كان بالينبع من الودائع والأموال والأقمشة والبن ،وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر ،وأخذوهن أسرى يبيعونهن لبعضهن البعض ..) ، ثم إذا واجهوا السعوديين على أرض المعركة الحقيقية ينهزمون بقائدهم طوسون هزيمة منكرة ..

3 ــ وفي تفسير هذه الهزيمة يعترف أحد القادة للجبرتي وقد صقلته المواجهة مع الجيش السعودي فاستيقظ ضميره، قال : ( أين لنا النصر وأكثر عساكرنا على غير الملة ،وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبا ،وصحبتنا صناديق المسكرات ،ولايسمع في عرضينا (أي نواحي الجيش )آذان ولا تقام به فريضة ،ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين ،والقوم (الوهابيون ) إذا دخل الوقت أذّنَ المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع ،وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذّن المؤذنون وصلوا صلاة الخوف ، فتقوم طائفة للحرب وتتأخر الإخرى للصلاة ،وعسكرنا يتعجبون لأنهم لم يسمعوا به أصلا ).  ثم يقول عما فعله جيش طوسون عندما وصل إلى بدر (ولما وصلوا بدرا واستولوا عليها وعلى القري و بها خيار الناس وبها أهل العلم والصلحاء نهبوا وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم فكانوا يفعلون فيهم ويبيعونهم لبعضهم البعض ،ويقول عنهم هؤلاء الكفار الخوارج . حتى إتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته ،فقال تبيت معي الليلة ،وأعطيها لك في الغد .[21]

ثانيا : الحرب مع الخارج

1 ــ كانت الحرب حتمية بين القوتين السعودية والعثمانية خصوصا عندما إحتل السعوديون الحجاز وسيطروا على فريضة الحج التى كانت شعار الخلافة العثمانية . وقد أرسل الصدر الأعظم ( بمثابة رئيس الوزراء فى الامبراطورية العثمانية ) إلى شريف مكة يبلغه بحسن ظن الدولة به، وتأكد محمد علي من إنحياز الشريف له ،وكاتب الباب العالي يخبرهم بميل الشريف إليهم ورغبته في التعامل معهم [22] أى  رغبته في خيانة الدولة السعودية التي أرغمته على أن يكون تابعا لها .

وقد استمرت الحرب بين جيوش محمد علي والدولة السعودية فيما بين 1811 1818 ،وقاد الحرب فيها طوسون ثم محمد علي نفسه ،ثم إبراهيم باشا ،ومن الجانب السعودي شهدت السنوات الاخيرة من حكم سعود الكبير مع حكم إبنه عبد الله (1814-1818 ). وتخللها فترات من الهدنة ومحاولات الصلح .

2 ــ وفي مراسالات الصلح هذه كان الأمير عبد الله بن سعود يؤكد على أن هدف دولته إقامة شرائع الإسلام ،أي يتهم ضمنيا الخلافة العثمانية بأنها لا تقيم شرائع الاسلام .   

3 ــ ونتذكر الرسالة المتعالية التى أرسلها الأمير سعود الكبير الى السلطان سليم العثمانى ، يقول فيها له : ( من سعود إلى سليم .أما بعد فقد دخلت مكة في الرابع من محرم سنة 1218 وأمّنت أهلها على أرواحهم وأموالهم ،بعد أن هدمت ما هناك من أشباه الوثنية ،وألغيت الضرائب إلا ما كان منها حقا ،وثبتُّ القاضي الذي وليته أنت طبقا للشرع ،فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجئ بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس ،فإن ذلك ليس من الدين في شيئ ،وعليك رحمة الله وبركاته ).

إختلفت اللهجة فى خطابات الأمير السعودى للسلطان العثمانى يبرر فيها أفعاله متمسحا بالاسلام . وهذا حين اضطر لطلب الصلح سنة 1815 ، وتبودلت الرسائل بينه وبين محمد علي باشا يطلب فيها الأمان له ولقومه في مقابل إعترافه بالتبعية للدولة العثمانية ،ولم تفلح المفاوضات حينئذ ، ولكن من بين سطور رسائل الأمير عبد الله يقول فيها عن نفسه (من المسلمين الذي لا ينفكون عن آداء شروط الإسلام التي هي إعلاء كلمة الشهادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام ومنع الظلمة من الإضرار بالناس وكف أيديهم والحث والحض على تأدية الواجبات التي هي حقوق الله تعالي ومفروضاته ) إلى أن يقول عن شريف مكة أنه حسده بسبب ذلك )[23]

وفي رسالة أخرى إلى محمد علي باشا يقول له الأمير عبد الله بن سعود (إنما جاهدنا الأعراب حتى أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وألزمناهم صيام رمضان وحج بيت الله الحرام ومنعناهم من ظلم العباد  والسعي في الأرض بالفساد وعن قطع سبيل المسلمين والتعرض لحجاج بيت الله الحرام من الوافدين ،وعند ذلك شكوا إلى والي مكة ورمونا بالكذب والبهتان وخرّجونا (أي إتهمونا بأننا خوارج ) وبدّعونا (أي إتهمونا بأننا مبتدعون )وقالوا فينا ما نحن منه براء، فسير علينا بأجناد وعدد وعدة فأعجزه الله وله الحمد والمنة ،فقاتلناهم دفعا لشره ومقابلة لفعله القبيح ومكره ،فرده الله بغيظه ،لم ينل خيرا ،واستولينا على الحرمين الشريفين وحده وينبع ،فلما تمكنا من أوطانه فعلنا معه كل جميل ..)

وفي رسالة أخرى منه إلى محمد علي باشا يكرر ما سبق من عمله على إقامة شعائر الإسلام ،ومن ذلك قوله (ولما كانت لنا قدرة عليهم أمرناهم بإقامة شعائر الإسلام والتزام سائر الإحكام من عبادة الله وحده لا شريك له ،إقامة الصلوات الخمس ، وصوم شهر مضان ،وحج بيت الله الحرام فانحسم بذلك  مواد شرهم وفسادهم لأن أكثرهم مفسدون في الأرض ..بل أكثرهم للطرق قاطعون وجملتهم للبعث منكرون فلما كانت لنا القدرة عليهم وجب علينا أن نحملهم على الشرع الشريف عملا بقوله تعالي (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر )[24]

ثالثا : نتيجة الحرب : سقوط الدولة السعودية الاولى واستمرار الوهابية

1 ـ لم تقم الدولة السعودية الأولى بتطبيق الشرع الاسلامى ، بل الشرع الحنبلى الوهابى الذى كان لا يخلو وقتها من بعض ملامح إيجابية فى مقارنة بالأسوأ العثمانى ،  ولكن انتصر الأسوأ العثمانى وأسقط الدولة السعودية . اسقطها حربيا ولكن لم يستطع القضاء على الوهابية دينيا وفكريا ، لأن هذا يستلزم إجتهادا فكريا إسلاميا يوضح الفارق بين الشرع الاسلامى الحقيقى والشرع السنى الحنبلى التيمى الوهابى . ولقد كانت الغلبة للوهابية فى الجدل مع الصوفية والشيعة ، وبالتالى كان مستحيلا وجود إجتهاد صوفى أو شيعى يؤسس التناقض بين الاسلام الحقيقى والوهابية ، لأن هذا الاجتهاد الاسلامى نفسه سيطيح بالتصوف والتشيع أيضا .

2 ــ ظلت الوهابية منتصرة فكريا على التصوف والتشيع ، لذا إستمرت حية فى ( نجد ) بعد سقوط الدولة السعودية الأولى . وعندما قامت دولة آل الرشيد ،وهم من  أعوان الأسرة السعودية بقيت آثار من ملامح الأمن وتطبيق بعض مظاهر الشرع الوهابى ،نلاحظ هذا فيما تحدثت عنه الليدي آن بلنت في رحلتها إلى نجد وما يتمتع به جبل شمر من أمن في عهد محمد بن الرشيد ،نذكر ما أسمته بأولى علامات الوهابية حين نودي لصلاة الظهر وجاء رجل يحث القاعدين على الصلاة وبعده إثنان من المطوعين، بل إنها تذكر أن المسافرين من المسلمين إلى نجد  خلال صحراء النفوذ يستعدون لإقامة الصلاة ،تقول (يريدون أن يتمرنوا من إجل نجد حيث تسود الوهابية  وحيث الصلاة أمر محبوب مرهوب )[25].  .

3 ــ  بل إن جذوة الوهابية هى التى ساعدت فى إقامة الدولة السعودية الثانية ، ثم الدولة السعودية الثالثة الراهنة .

 

 

 

 

 

فى تزاوج السلطة السياسية والدينية فى الدولة السعودية الأولى

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

الفصل الخامس: تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 )

 

  فى تزاوج السلطة السياسية والدينية فى الدولة السعودية الأولى :

أولا :  فى الرؤية الخلدونية

 

1 ـ في فصل عن الخطط الدينية أو الوظائف في دولة الخلافة يرى إبن خلدون أنها تتركز في إمامة الصلاة والفتيا والقضاء وصاحب الشرطة والشهادة والحسبة وسك النقود، ومن خلال تفصيلاته عن هذه الوظائف نعرف أن العلماء ( الفقها ء ) أو ( المؤسسة الدينية ) ينوبون عن الخليفة في إمامة الصلاة وفي الإفتاء وهم أهل الفتوى والقضاء ،كما يشارك العلماء في وظائف الشهادة والحسبة .

2 ــ ويكرر إبن خلدون ما سبق قوله من أن الخلافة نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا به ،فصاحب الشرع متصرف في الدين (التكاليف الشرعية وحمل الناس عليها )وفي الدنيا برعاية مصالح الناس في العمران البشري .والأحكام الشرعية أكمل في تحقيق مصالح العمران البشري ،وبها يتحول الملك العادي إلى ملك إسلامي يندرج تحت الخلافة [29].

ومن هنا لابد من تدعيم دور العلماء ( الفقهاء ) في الدولة الدينية،

ثانيا : التطبيق فى الدولة السعودية الأولى

ونرى ملامح الرؤية الخلدونية في علاقة العلماء بالأمير في الدولة السعودية الأولى على النحو التالى :

1 ــ في البداية كان للشيخ عبد الوهاب دوره السياسي ،إذ كان له مطلق الحرية في التصرف في الغنائم والزكاة، وكان في عهد محمد بن سعود يجهز الجيوش ويكاتب أهل البلدان ويكاتبونه، وبعد موت محمد بن سعود كان الشيخ ابن عبد الوهاب على رأس من بايع عبد العزيز بن محمد بن سعود. وبعده أمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب جميع أهل نجد بمبايعة سعود بن عبد العزيز وليا لعهد أبيه فبايعوه جميعا في حياة أبيه عبد العزيز وبإذنه حسبما يقول إبن بشر وغيره . وتأسّس مبكرا معنى التحالف فى أن تكون المؤسسة الدينية ممثلة فى الشيخ وأسرته من بعده ، مؤيدة ومؤكدة للسلطة السياسية للأمير السعودى من ذرية محمد بن سعود.

2 ــ ومبكرا بعد تحالفه مع الشيخ ابن عبد الوهاب أصبح محمد بن سعود الحاكم الوحيد في نجد التي تسير إمارته وفق أحكام الشرع الوهابى الحنبلى . وباستكمال معالم الدولة السعودية الأولى برز دور العلماء ( الفقهاء ) التابعين لأسرة الشيخ ابن عبد الوهاب  في الشوري والقضاء والتعليم ،وكانت تلك المؤسسة الدينية الوهابية عضدا لجكم آل سعود . ثم ازداد تقيد الدولة السعودية بأحكام الشرع الوهابى مع ازدياد توسعها ،فأصبح الحاكم السعودي يحمل لقب ( الإمام ) طبقا للمتعارف عليه فى الفقه التراثى  السُّنّى . على عادة نظم الحكم السنية إسلامية .

3 ـ واضطر (الإمام ) أى الحاكم السعودي إلى إيجاد هيئات حكومية تسند إليها بعض اختصاصاته ،ومن الطبيعي أن يعتمد فيها على العلماء والأمراء .

4 ــ ومع أن الحاكم السعودي  أو الإمام كانت له سلطاته في الإشراف الإداري على شؤون الدولة وشؤون الأمن وشؤون المالية والحربية والتعليمية ،إلا أن الملامح الدينية تبدو في ممارسته هذه السلطات ،فحين يرسل الكتب إلى عمال الأقاليم يوصيهم بتقوى الله ويحضهم على الجهاد وينهاهم عن المنكرات والمحظورات ،ويستشهد بأدلة من الكتاب والسنة.  وكان إذا استشكل عليه أمر يستشير الأمراء ورؤوس القبائل وشيوخ العلم ،ومن الطبيعي أن يتزود الأمير الحاكم بالثقافة التراثية السنية ،ومن هنا كان حرص أمير الدرعية وأبنائه على حضور مجالس العلم والمشاركة في مناقشاتها والإهتمام بالمخصصات  المالية للعلم والتعليم والعلماء .

5 ــ ومع حصول البيت السعودي على ثقافة تراثية سنية ومع توسع الدولة وتعقد شؤونها بدأ التخصص في توزيع المهام .

ويلاحظ ذلك اثناء حياة الشيخ إبن عيد الوهاب نفسه ،فقد كان للشيخ مشاركته السياسية بالإضافة إلى دوره الديني والإرشادي ،فلما اتسعت أملاك الدولة في عهد عبد العزيز بن محمد إنقطع الشيخ للأمور الدينية ،إلا أن عبد العزيز لم يكن في مقدوره أن يبت في كل الأمور بمفرده ، فظل يستشير إبن عبد الوهاب والأمراء والعلماء وأصحاب الرأي . وفي عهد  سعود بن عبد العزيز  وزيادة مهام الحكم وتعقد شؤون الإدارة تم تنظيم مراحل للشورى ،حيث تبدأ برؤساء البوادي ،ثم أصحاب الرأي من أهل الدرعية بما فيهم الأمراء ،وفي النهاية إستشارة أبناء الشيخ وأهل العلم  ،وبناء على هذه الشورى يتخذ القرار المناسب ،أي كان العلماء حاضرين على مستوى الشورى في قاعدة الحكم ،وكان لهم حضور  في الأقاليم حيث كان الحكام من المؤمنين بالدعوة السلفية المخلصين لها ،وكان إلى جانب حكام الأقاليم أصناف من العلماء يقومون بوظائف القضاء وإصدار الفتاوي ،والإشراف على تنفيذ أحكام الدين في الإقليم ،وجمع الزكاة طبقا لأحكام الشرع [31].

ونخلص من هذا إلى وجود الملاح الدينية في دور الحاكم السعودي الذي أصبح إماما بالإضافة إلى دور العلماء الذي أصبح مشاركة على مستوى العاصمة والأقاليم ،وأن ذلك بدأ بدور الشيخ ابن عيد الوهاب ،ثم اتسع مع إتساع الدولة.  وبالإضافة إلى ما سبق كإن للعلماء دورهم الخاص  بحكم تخصصهم في القضاء والتعليم .  

كان القضاء في الدولة السعودية يسير وفقا لأحكام الفقه الحنبلى التيمى بتفسيراته الوهابية تحت شعار القرآن والسنة واجتهادات السلف. لذا كان يشترط فيمن يتولي القضاء أن يكون عالما ذا خبرة طويلة بعلوم الشرع .

6 ــ وكان عبد العزيز بن محمد بن سعود أول من أرسل قضاة إلى الأقاليم واختارهم من أقدر رجاله ،وأعد لهم راتبا سنويا من بيت المال ومنعهم من أخذ الرشاوي من الأطراف المتنازعة للشكوي [32].

وقيل إن هؤلاء القضاة في تطبيقهم للشرع والمعاملات كانوا لا يفرقون بين أمير وفقير ،ورفيع ووضيع حتى بلغ من تأثير ذلك على الناس مبلغا لا يحتاج معه إلى تنفيذ كثير من الحدود لاجتناب الناس لأسباب الحكم منها [33]. وهو قول فيه الكثير من المبالغة ومجافاة الواقع .

 

7 ــ  و في الجدول الآتي بيان بأسماء القضاة فى الدولة السعودية الأولى :

اسماء القضاة

الرقم

الاقليم

قضاة عبد العزيز

 

قضاة  سعود

 

قضاة عبد الله

 

1-

الدرعية

 

الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم إبنه حسين و عبد الله بن الشيخ عبد الرحمن بن خميس

 

عبد الله بن الشيخ ، علي بن حسين بن الشيخ ، عبد الرحمن بن حسين بن الشيخ ، سليمان بن عبد الله ، أحمد بن ناصر بن عثمان بن معمربن عبد الرحمن بن بن الخميس

 

عبدالله بن الشيخ علي بن حسن ، عبد الرحمن بن حسن ، سليمان بن عبد الله ، عبد الله بن أحمد الوهبي

 

2-

الأحساء

 

 

محمد بن سلطان الموسجي ثم عبد الرحمن بن نامي

 

عبد الرحمن بن نامي

 

3-

عُمان

 

 

إبراهيم بن سيف

 

عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين

 

4-

القطيف

 

 

محمود الفارس

 

محمود الفارس

 

5-

الخرج

 

محمد بن سويلم

 

 

علي بن حامد بن راشد العريني

 

6-

الحوطة

 

سعيد بن حجي

 

 

رشيد الدوسر

 

7-

سدير

 

حامد بن راشد العريني

 

علي بن ساعد

 

إبراهيم بن سيف

 

8-

منيخ

 

محمد بن عثمان بن شبانة

 

عثمان بن عبد الجبار بن شبانة

 

عثمان بن عبد الجبار بن شبانة

 

9-

الوشم

 

عبد العزيز بن عبدالله بن الحصين

 

عبد العزيز بن عبدالله بن الحصين

 

عبد العزيز بن عبدالله بن الحصين

 

10-

المحمل

 

 

عبد الرحمن أبا الحسين

 

محمد بن مقرن العوسجي

 

11-

القصيم

 

عبد العزيز بن سويلم

 

عبد العزيز بن سويلم

 

عبد العزيز بن سويلم

 

12-

جبل شمر

 

 

عبد الله بن سليمان بن عبيد

 

عبد الله بن سليمان بن عبيد

 

13-

تهامة

 

 

أحمد الحفظي

 

تحت الحكم المصري

 

14-

اليمن

 

 

حسن بن خالد الشريف

 

تحت الحكم المصري

 

15-

الطائف

 

 

عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين

 

تحت الحكم المصري

 

16-

حريملا

 

 

عبد الرحمن أبا حسين

 

عبد الرحمن أبا حسين

 

17-

المدينة

 

 

أحمد الياس الإسطنبولي ، أحمد بن رشيد الحنبلي

 

تحت الحكم المصري

 

18-

مكة

 

 

سليمان بن عبد الله بن الشيخ عبد الوهاب

 

تحت الحكم ا لمصري

 

* الأقاليم التي لم يذكر أمامها إسم قاض إما لأنها لم تكن قد خضعت بعد للدولة أو لأن قاضيها كان يغير كل عام[34].

8 ـ   و نضع بعض الملاحظات على الجدول السابق :-

 8 / 1 -تركز مناصب القضاة في أُسَرٍ بعينها ، أشهرها أسرة الشيخ إبن عبد الوهاب الذي تولي هو و أبناؤه و أحفاده قضاء الدرعية ، و منها أسرة آل خميس ، و حامد بن راشد العريني .. و آل شبانة.

8/ 2 -و هناك قضاة ترسخوا في منصب القضاء في إقليم محدد ، مثل إبن نامي في الأحساء و عبد العزيز آل حسين في الوشم و إبن سويلم في القصيم ، و إبن عبيد في شمر، و أبو حسين في حريملا، و محمود الفارس في القطيف .

8/ 3 -و هناك قضاة ينتقلون من إقليم إلى آخر مثل أبا بطين الذي كان في الطائف في عهد سعود ثم انتقل إلى عُمان في عهد عبدالله .

8 / 4 :   و المستفاد من الملاحظات السابقة أن العلم كان يتركز في أُسَرٍ معينة فتتوارث و تتخصص في منصب القضاء فإذا كان لهذه العائلات نفوذ و عصبية في الإقليم كان سهلا أن تحتكر منصب القضاء في إقليمها ، حيث تجتمع العصبية القبلية مع التخصص العلمي الفقهي الذي اقتصر و قتها على المذهب الحنبلي و الدعوة الوهابية.

9 ــ وقامت الحركة التعليمية في الدولة السعودية الأولى على أكتاف العلماء ،وبسبب ظروف (نجد) ،فلم يكن فيها التعليم عصريا ،خصوصا وأن مصر ذاتها كانت تسير على التعليم التقليدي إلى أن بعث محمد علي البعوث إلى أوروبا .

وفي (نجد) لم يكن الطلاب يدرسون في مدارس نظامية ببرامج دراسية محددة في وقت معين ،وإنما اقتصر التعليم على علوم الدين من التفسير والحديث والفقه الحنبلي ،وأهم الكتب التي كان يتدارسها الطلاب والإمام السعودي نفسه هي تفسير الطبري ،وتفسير إبن كثير ،وصحيح البخاري ورياض الصالحين ،وكتب الشيخ إبن عبد الوهاب وكتب إبن تيمية .

وكان الذين يقومون بالإشراف على شؤون التعليم في الدرعية أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أبيهم وعبد الله بن حماد والقاضي عبد الرحمن بن خميس ،أما في الأقاليم فكان القضاة يقومون بدور المعلمين .

وكانت المساجد وبيوت المعلمين هي أماكن الدراسة، وإذا أتم الطالب دروسه وأتقنها واقتنع به الشيخ أجازه ،أي أعطاه شهادة يكون بها مدرسا ،ويحق له التصدي للإفتاء والقضاء .وتكفلت الدولة بالإنفاق على التعليم ،وكان الإمام عبد العزيز يمنح المكافآت التشجيعية للطلاب المتفوقين [35].

وبهذا تخرج علماء( فقهاء وهابيون )  ساعدوا الدولة في وظائفها الدينية التي تهدف في النهاية إلى إقامة الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الشرع السنى الحنبلى التيمى الوهابى .

 

الرؤية الخلدونية وسقوط الدولة السعوديةالأولى والثانية

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

الفصل الخامس : تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 ): 

 الرؤية الخلدونية وسقوط الدولة السعودية الأولى والثانية :-

أولا :

وضع إبن خلدون بعض القواعد التي يمكن في إطارها تفسير إضمحلال وسقوط الدول منها ما هو قريب الصلة بالدولة السعودية  .

 1 ـ الدولة السعودية الأولى قد وصلت إلى أقصي توسع لها حسب الإمكانيات المتاحة ،وهذا ما قرره إبن خلدون  فى قاعدتين ،أن عظم الدولة واتساعها بقدر نسبة القائمين عليها ،والقاعدة الثانية   أن كل دولة لها حصة من الممالك والأوطان لا تزيد عليها .[36].

وبالتالي فإن العصبية السعودية وقوتها قد تحددت داخل الجزيرة العربية ولا يمكن أن تتوسع خارجها ،وعندما إستولت على الحجاز كان في ذلك نهاية أمرها ،حيث توقف وصول الحجاج بعد منع المحمل ،وبالتالي نضب مورد الرزق الذي يعيش عليه أهل الحجاز من بدو وحضر ،ومن ناحية أخرى كان ضم الحجاز تحديا للدولة العثمانية ،فجاء التدخل الخارجي ردا على هذا ليقضي على الدولة بعد أن وصلت إلى أقصى إتساع لها داخل الجزيرة العربية .

2 ــ وفي موضع آخر يقول إبن خلدون أن الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تتحكم فيها دولة [37].

والجزيرة العربية كثيرة القبائل والعصبيات ،وصحيح أن أكثر قبائل نجد وعصبياتها قد اقتنعت بالدعوة السلفية وصارت عضدا لها ،وتوسعت بها في الجزيرة العربية ولكن حين توسعت أكثر وضمت الحجاز دخلت في الدولة قبائل لم يكتمل إقتناعها بالدعوة ،مما سهل على محمد علي أن يستميلهم بالمال ،خصوصا و قد فقدوا موارد رزقهم بانقطاع قوافل الحجاج ،هذا بالإضافة إلى دور الأشراف ،وبهذا يمكن القول أن الجزيرة العربية بقبائلها الكثيرة قل أن تتحكم فيها دولة موحدة لمدة طويلة من الزمن حسبما يري إبن خلدون .

3 ــ وبمناسبة الزمن نجد أن إبن خلدون قد وضع قواعد لمراحل الدولة من بدايتها إلى نهايتها ،يقول أن نهاية الحسب ، أي النفوذ ،في العقب الواحد( أي الأسرة) هو أربع أبناء ،وقال أن الغالب أن ينتهي الشرف في الأسرة بالجيل الرابع ،وإذا كانت هذه الأسرة حاكمة فإن دولتها لا تزيد على ثلاثة أجيال إلا في ظروف إستثنائية ،وهذا ما أكده تحت عنوان (الدولة لها أعمار طبيعية كالأشخاص )وقد إعتبر الجيل أربعين عاما وجعل عمر الدولة مائة وعشرين عاما في أغلب الأحوال .

وتحت عنوان أطوار الدولة واختلاف أحوالها باختلاف الأطوار يجعل للدولة خمسة أطوار تبدأ بالإستيلاء على الحكم ،ثم الإنفراد به ،ثم التمتع به ،ثم القنوع والمسالمة وتقليد السلف ،ثم الإسراف والترف والتبذير ،وهي نهاية الدولة ،وأشار في مواضع أخرى إلى أثر الترف في إسقاط الدولة [38].

غير أن هذه القاعدة الخلدونية لا تنطبق على الدولة السعودية الأولى فلم تعمر سوي 75 عاما هجريا وسقطت في عز شبابها قبل أن تعرف الترف ،وسقطت بفعل عامل خارجي وليس لأسباب داخلية ..

4 ــ ولأنها سقطت بسبب تدخل حربي خارجي ،فلنستطلع رأي إبن خلدون في الحروب ،

لقد إستعرض إبن خلدون أسباب الحروب وأنواعها وتكتيكاتها القتالية المعروفة حتى عصره . ويرى أن أسباب النصر تتمثل في عدد الجيش وقوته ووفرة الأسلحة وجودتها وشجاعة الجند وترتيب وتنظيم الخطة الحربية والصبر في القتال وجودة الخداع والمهارات والتجسس ،واختيار المرتفعات عند الهجوم ،وإقامة الكمائن المفاجئة ،ويجعل ذلك كله من الأسباب الجلية الواضحة ولكنه يؤكد على الأسباب الخفية وهي إمكانية النصر بالحظ والنصيب [39].

وبالأسباب الجلية الواضحة نستطيع أن نفهم إنتصار السعوديين على أقرانهم داخل الجزيرة العربية ، ونستطيع أيضا أن نفهم هزيمتهم أمام جيش يفوقهم في العتاد ويستخدم أسلحة أحدث ،ولعل هذا هو السبب الحقيقي الذي كان ينقص الدولة السعودية الأولى ،أن تقرن دعوتها الدينية بتطور يواكب العصر . وربما فهم الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة الراهنة هذا الدرس ووعاه.  وكان التحديث واستعمال التليفون والموتوسيكل ومخترعات العصر ضمن اسباب خلافه مع الأخوان بعد قرن من سقوط الدولة السعودية الأولي .وبذلك نربط بين الدولتين السعوديتين الأولى والثالثة .

ثانيا :

1-وفي الطور الثاني للدولة السعودية توارت الدعوة الدينية ، بقدر ما برزت العصبية القبلية، فتحول السعوديون  غالبا في هذا الدور إلى مجرد عصبية تتحارب مع غيرها من العصبيات في الخارج ، بل    تدور الصراعات داخل البيت السعودي نفسه بما  يسفر احيانا عن قتل بعضهم لبعض ،إذ أنه بعد إبعاد عبد الله لإبن سعود سنة 1234 هـ إستولي إبن معمر على الدرعية ، ولكن وصل إليها مشاري بن سعود سنة 1235 هـ واستردها ،ثم إستردها منه إبن معمر ،ولكن تركي بن عبد الله بن سعود يقتل إبنه سعود ويحكم الدرعية فيما بين 1235 :1249 .وقد إسترد الرياض وأخضع نجد إلا أن إبن عمه شباري بن سعود قتله سنة 1249 ،ويتمكن فيصل بن تركي من قتل قاتل أبيه ،وحكم الرياض ،وكان فيصل بن تركي قد فر من مصر ووفد على أبيه وشاركه في حملاته ضد خصومه السعوديين وغيرهم .ثم حكم بعد أبيه من 1250 :1254  ، وأخضع معظم الجزيرة ما عدا الحجاز ، وأعاد الأمن مما جعل الأتراك يرسلون حملة عسكرية فيها خالد بن سعود، واستمرت الحرب الأهلية سجالا بين الفريقين إلى أن استسلم فيصل وعاد إلى مصر وبقي فيها من 1254 :1259 تاركا حربا أهلية بين الأمراء السعوديين ، منهم إبراهيم بن خالد بن سعود وعبد الله بن ثنيان آل سعود . ثم هرب فيصل من مصر واستعاد مملكته القديمه ، فيما عدا الحجاز خصوصا بعد إنسحاب الجيوش المصرية من البلاد العربية واتفاقه مع الأتراك على الإعتراف بسيادتهم الإسمية ، وفي فترة حكمه الثانية 1259 :1281 هـ أعاد الإمام فيصل التركي الأمن للجزيرة العربية ونشطت الدعوة السلفية في البلاد الخاضعة له إلا أنه توفي 1280 هـ 1886 م  وبموته إشتعلت الحرب الأهلية بين إبنيه عبد الله وسعود، وتدخل فيها أخوهم عبد الرحمن بن فيصل  وانتهت باندثار النفوذ السعودي ولجوء عبد الرحمن بن فيصل للكويت بعد ان يأس من إستعادة الرياض ..

ثم ينجح إبنه عبد العزيز في إستعادة الرياض وتأسيس الدولة السعودية  الثالثة [40].

2 ــ و هذا الطور الثاني للدولة السعودية ينطبق عليه حديث إبن خلدون عن الصراع السائر بين العصبيات القبلية في الصحراء والذي يصل إلى درجة الإقتتال بين الإخوة وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، وهو شبيه بالصراعات العادية بين أمراء نجد والتى تصل الى تقاتل الأخوة  .  

3 ــ إلا أن إبن خلدون يعطي بعض الإشارات التي تتفق  بعض الشئ مع حال السعوديين في الطور الثاني ،إذ يحدد طريقتين لتسرب الخلل إلى الدولة، من جهة الجند ومن جهة المال ،كما يشير إلى نوعين من إنهيار الدولة ،إما إستقلال أمراء الأطراف فتقوم دول مستقلة أو خروج ثائر من الخارج بدعوة دينية أو دعوة عصبية ،كما أنه يشير إلى أن الملك إذا ذهب عن العائلة الملكية أمكن أن يعود إليها طالما أنه لديهم عصبية [41].

 وفي كل هذه الإشارات الخلدونية بعض السمات التي صاحبت الدولة السعودية في سقوطها سنة 1818 وفي طورها الثاني .

4 ــ إلا أن أهم ما ينطبق عليها هو ما سبقت الإشارة إليه من أقوال إبن خلدون عن أهمية الدعوة في جمع القلوب على هدف واحد بعيد عن الخلافات والأطماع السياسية، وهكذا نري رؤى إبن خلدون في المقدمة تصاحب الدولة السعودية في أطوارها الثلاثة سواء كانت تجسيدا وتمسكا بدعوتها الدينية السلفية أم إبتعدت عنها فوقعت في الخلاف والحروب الأهلية ،ومن الغريب أن عهد الإمام فيصل بن تركي في فترتي حكمه إقترن تمسكه بالدعوة السلفية الوهابية بنجاحه سياسيا وعسكريا وتوطيده للأمن ،والعكس صحيح في من كان قبله أو بعده من الأمراء المتنازعين.

 

الهوامش :

1-       آن بلنت :رحلة الي نجد ،205 : 211 ،ترجمة محمد انعم غالب :تقديم حمد الجاسر .دار اليمامة .المملكة السعودية .الطبعة الثانية 1389-1978 .

2-       د.احمد شلبي :موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية .ج 7 /52-،98 .مكتبة النهضة المصرية .الطبعة الثانية 1982 .

إبن خلدون المقدمة :الباب الثاني :الفصل 2 ،الفصل 16 ،الفصل 21 .

3-              رحلة الليدي آن بلنت 207-208 ،216 ،220 ،232 .

4-       مقدمة إبن خلدون :الباب الثاني :الفصل 7 ،الفصل 8 ،الفصل 9 ،الفصل 11 ،الفصل 12 ،الفصل 17 ،الفصل 26 .

5-              د.محمود طه :جغرافية شبه الجزيرة العربية :1/144 :145 .ط القاهرة 1965 .

6-              د.أحمد شلبي :المرجع السابق 46 .

7-       إبراهيم بن صالح بن عيسي :تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد :37 ،115 ،70 ،85 ،119 ،236 ،35 ،نقلا عن د.أحمد شلبي .المرجع السابق 48 :50 ،64 ،76.

8-              حمد الجاسر :مدينة الرياض :90 :96 ،منشورات اليمامة .السعودية .1386 هـ.

9-              رحلة الليدي آن بلنت :المرجع السابق 159 :166 .

10-          حمد الجاسر :مدينة الرياض ،المرجع السابق 87 .

11-          حافظ وهبة :جزيرة العرب في القرن العشرين :215 .

           حمد الجاسر :المرجع السابق 85 .

13-مقدمة إبن خلدون .الباب الثاني ،الفصل 27 .

14-مقدمة إبن خلدون :الباب الثالث ،الفصول 25 ،26 ،28 .

15-مقدمة إبن خلدون :الباب الثالث ،فصول 4،5،6.

16-عثمان بن بشر :عنوان المجد في تاريخ نجد :1 /11:  12 .ط.مكة المكرمة 1930

        حسين بن غنام :تاريخ نجد :تحقيق د.ناصر الأسد :81 ،ط.1961 /1381 هـ

17-من رسالة الشيخ إلى أهل سدير ،نقلا عن كشك :السعوديون والحل الإسلامي ..القاهرة .

18-،19 تاريخ الجبرتي في عجائب الآثار .ط.بولاق .المرجع السابق .

        جلال كشك :السعوديون والحل الإسلامي :المرجع السابق 178 ،170 ،168 ،131                 ،                        ،174 ،139 ،175 ،178 ،173 .

20-نقلا عن كشك :المرجع السابق 132 .

21- عجائب الآثار (تاريخ الجبرتي : المرجع السابق ،كشك :المرجع السابق 130 ،173،180 .

22- عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم :الدولة السعودية الأولى :289 : 290 .ط. القاهرة 1969 معهد البحوث والدراسات العربية .

23،24- عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم:المرجع السابق 311 -،391 ،-394،398.

25- رحلة الليدي آن بلنت :156 ،214، 66 ،139 : 140 .

 

29-المقدمة :المرجع السابق :الباب الثالث .الفصل 31 .

30 إبن بشر :المرجع السابق 83 ،49 ،176 .

     إبن غنام .المرجع السابق 125 ،169 ،170 .

     حافظ وهبة :جزيرة العرب في القرن العشرين :218 .

31 إبن بشر :المرجع السابق 127 ،166 ،168 ،169 ،174 ،125 ،129 ،175 .

32- لمع الشهاب :مؤلف مجهول :50 .

33- محب الدين الخطيب :الوهابية :مجلة الزهراء :مجلد 3 صفر 1345 ص 83 .

34- نقلا عن د.عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم :الدولة السعودية الأولى:226 :227 .

35 إبن بشر :المرجع السابق 169 :170 ،127 .د.عبد الرحيم ،المرجع السابق

           237 : 238 .

36- المقدمة الباب الثالث .فصل 8 ،فصل 7 .

37- المقدمة الباب الثالث .فصل 9 .

38 المقدمة الباب الثاني فصول 15 ،14 ،17 ،11 ،12 ،13 .

39 المقدمة .الباب الثالث .الفصل 38 .

40 وهبة :جزيرة العرب في القرن العشرين ،227- .

41 المقدمة الباب الثالث .فصل 48 ،49 ،الباب الثاني فصل 22 .

كتاب ( مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية )
كتاب ( مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية )
تم نشر هذا الكتاب فى القاهرة عام 1998 ، وهو تحليل أصولى تاريخى لمقدمة ابن خلدون وتاريخه وعقليته ، ونعيد نشره هنا مع بعض تعديل وإضافة فصل جديد .
more




مقالات من الارشيف
more