رضا البطاوى البطاوى Ýí 2019-04-15
نقد كتاب كشف الكربة في وصف أهل الغربة
الكتاب تأليف أبو الفرج ابن رجب الحنبلي وموضوعه هو جمع الروايات فى موضوع الغربة والغربة لا تعنى فى الكتاب سوى شىء واحد هو حديث بدأ الإسلام غريبا وفى البداية يذكر ابن رجب روايات الحديث وبعد ذلك يفسر ما جاء فيه من معنى الغربة ومن هم الغرباء
والخطأ هو أن الغرباء هم أحب عباد الله لله ويخالف هذا أن المجاهدون هم أحب عباد الله لله حيث يفضلهم على غيرهم لقوله بسورة النساء "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
وهو يناقض قولهم "أحب الناس إلى الله الغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله قال الفرارون بدينهم يجتمعون إلى عيسى بن مريم يوم القيامة الترمذى فالغرباء فى الأول النزاع من القبائل وفى الثانى الفرارون بدينهم لعيسى (ص) يوم القيامة وهو تناقض بين
خرج مسلم في " صحيحه " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء )
الخطأ هنا بدء الإسلام غريبا وهو لم يبدأ غريبا لأنه كان وحده فى البدء فآدم (ص)كان دينه وزوجه الإسلام ولم يكن أى دين ضال قد بدأ بعد فى الوجود فكيف يكون الإسلام غريبا ؟
ثم ذكر من هم الغرباء فى روايات الحديث فذكر التالى:
وخرجه الإمام أحمد وابن ماجة من حديث ابن مسعود بزيادة في آخره وهي : ( قيل : يا رسول الله ! ومن الغرباء ؟ قال : النزاع من القبائل )
هنا الغرباء النزاع من القبائل وهو ما يناقض كونهم الذين يصلحون إذا فسد الناس فى رواية:
وخرجه أبو بكر الآجري وعنده : ( قيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس )
والاثنان يناقض كون الغرباء الذين يفرون بدينهم من الفتن فى الرواية التالية:
وخرجه غيره وعنده : ( قال : الذين يفرون بدينهم من الفتن )
والثلاثة يناقضون كونهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة فى الرواية التالية:
وخرجه الترمذي من حديث كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الدين بدأ غريباً ، وسيرجع غريباً ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي )
والأربعة يناقضون كونهم الذين يصلحون حين فساد الناس فى الرواية التالية:
وخرجه الطبراني من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي حديثه : ( قيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : ( الذين يصلحون حين فساد الناس )
وخرجه أيضاً من حديث سهل بن سعد بنحوه وخرجه الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديثه : ( فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس )
والخمسة يناقضون كونهم قوم قليل في الناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم فى الرواية التالية:
خرج الإمام أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( طوبى للغرباء ، قلنا : ومن الغرباء ؟ قال : قوم قليل في الناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم )
والستة يناقضون كونهم الفرارون بدينهم يبعثهم الله تعالى مع عيسى بن مريم عليه السلام فى الرواية التالية:
وروي عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً وموقوفاً في هذا الحديث : ( قيل : ومن الغرباء ؟ قال : الفرارون بدينهم يبعثهم الله تعالى مع عيسى بن مريم عليه السلام )
الخطأ هنا أن الغرباء يجتمعون مع عيسى(ص)يوم القيامة والسؤال ولماذا عيسى(ص) إذا كان الله حرم بعث من هلكوا أى ماتوا فقال بسورة الأنبياء "وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون "وهو يناقض قولهم الخلق كلهم عيال الله فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله الطبرانى والبزار فهنا أحب الخلق لله النافعين لعياله بينما فى القول الفرارون بدينهم المجتمعين بعيسى (ص)يوم القيامة وهو تعارض بين
بعد أن ذكر ابن رجب الحنبلى روايات الحديث المختلف استهل شرح الحديث فقال :
"قوله : ( بدأ الإسلام غريباً ) يريد به أن الناس كانوا قبل مبعثه على ضلالة عامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عياض بن حمار الذي أخرجه مسلم : ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم ، عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب )
فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة ، وكان المستجيب له خائفاً من عشيرته وقبيلته ، يؤذى غاية الأذى ، وينال منه وهو صابر على ذلك في الله عز وجل ، وكان المسلون إذ ذاك مستضعفين يشردون كل مشرد ويهربون بدينهم إلى البلاد النائية كما هاجروا إلى الحبشة مرتين ثم هاجروا إلى المدينة ، وكان منهم من يعذب في الله ومنهم من يقتل ، فكان الداخلون في الإسلام حينئذ غرباء ، ثم ظهر الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة وعز وصار أهله ظاهرين كل الظهور ، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجاً ، وأكمل الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم ، وهم متعاضدون متناصرون ، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ثم أعمل الشيطان مكائده على المسلمين وألقى بأسهم بينهم ، وأفشى بينهم فتنة الشبهات والشهوات ، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئاً فشيئاً حتى استحكمت مكيدة الشيطان وأطاعه أكثر الخلق ، فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات ، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات ، ومنهم من جمع بينهما ، وكل ذلك مما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعه "
الخطأ فى التفسير هو أن غربة الإسلام كانت فى بداية البعثة المحمدية وهو كلام خاطىء لأن الإسلام كان دين كل الرسل(ص) ومن ثم فهو ليس غريبا خاصة فى حالة آدم(ص) حيث لم يكن هناك دين غيره كما أنه فى حالة بعض الأنبياء الأبناء(ص) لم يكن غريبا لأنه انتشر فى عهد الآباء كعهد سليمان(ص) ابن داود(ص)
وقال ابن رجب:
"فأما فتنة الشبهات : فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أن أُمته ستفترق على أزيد من سبعين فرقة على اختلاف في الروايات في عدد الزيادات على السبعين ، وأن جميع تلك الفرق في النار إلا فرقة واحدة ، وهي ما كانت على ما هو عليه وأصحابه صلى الله عليه وسلم "
الخطأ هنا افتراق الأمة والأمة الإسلامية لا تفترق لكونها واحدة مصداق لقوله تعالى بسورة المؤمنون "وإن هذه أمتكم أمة واحدة"
وأما قوله:
"وأما فتنة الشهوات : ففي " صحيح مسلم " عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كيف أنتم إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم ؟ قال عبد الرحمن بن عوف : نقول كما أمرنا الله قال : أو غير ذلك ؟ تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ) وفي " صحيح البخاري " عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) وفي " الصحيحين " من حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه أيضاً ولما فتحت كنوز كسرى على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكى فقال : إن هذا لم يفتح على قوم قط إلا جعل الله بأسهم بينهم أو كما قال
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى على أمته هاتين الفتنتين كما في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما أخشى عليكم الشهوات التي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن ) وفي رواية : ( ومضلات الفتن ) "
الخطأ هنا أن فارس والروم فتحتا بعد موت النبى(ص) وهو ما يخالف أن الأمم دخلت الإسلام فى عهد النبى(ص) برضاهم كما قال تعالى :
"ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا"
كما أن النبى(ص) غلب الروم فى عهده كما قال تعالى :
"غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله"
وقال الرجل مصرا على تقسيم الأمر بفتنة الشهوات وفتنة الشبهات :
"فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما أصبحوا متقاطعين متباغضين بعد أن كانوا إخواناً متحابين متواصلين ، فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق ففتنوا بالدنيا وزهرتها وصارت غاية قصدهم ، لها يطلبون ، وبها يرضون ، ولها يغضبون ، ولها يوالون ، وعليها يعادون ، فتقطعوا لذلك أرحامهم وسفكوا دماءهم وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعاً وكفر بعضهم بعضاً ، وأصبحوا أعداءً وفرقاً وأحزاباً بعد أن كانوا إخواناً قلوبهم على قلب رجل واحد ، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية ، وهم المذكورون في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ) "
وهو ما يخالف أن الفتن تحدث يوميا للكل وهى ليست فتن شر فقط وإنما فتن شر وخير كما قال تعالى :
"ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وفسر ابن الرجاء الغرباء بكل ما جاء فى الروايات من تفسيرات متناقضة فقال:
"وهم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث : الذين يُصلحون إذا فسد الناس ، وهم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من السنة ، وهم الذين يفرون بدينهم من الفتن ، وهم النزاع من القبائل ، لأنهم قلوا ، فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والاثنان ، وقد لا يوجد في بعض القبائل منهم أحدٌ كما كان الداخلون إلى الإسلام في أول الأمر كذلك ، وبهذا فسر الأئمة هذا الحديث قال الأوزاعي في قوله صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ) : أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد
ولهذا المعنى يوجد في كلام السلف كثيراً مدح السنة ووصفها بالغربة ووصف أهلها بالقلة ، فكان الحسن - رحمه الله - يقول لأصحابه : يا أهل السنة ! ترفقوا - رحمكم الله - فإنكم من أقل الناس وقال يونس بن عبيد : ليس شيء أغرب من السنة وأغرب منها من يعرفها وروي عنه أنه قال : أصبح من إذا عرف السنة فعرفها غريباً وأغرب منه من يعرفها وعن سفيان الثوري قال : استوصوا بأهل السنة فإنهم غرباء
ومراد هؤلاء الأئمة بالسنة : طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات ولهذا كان الفضيل بن عياض يقول : أهل السنة من عرف ما يدخل في بطنه من حلال وذلك لأن أكل الحلال من أعظم خصائل السنة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
ثم صار في عرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم السنة عبارة عما سَلِمَ من الشبهات في الاعتقادات خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وكذلك في مسائل القدر وفضائل الصحابة ، وصنفوا في هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم والمخالف فيه على شفا هلكة وأما السنة الكاملة فهي الطريق السالمة من الشبهات والشهوات كما قال الحسن ويونس بن عبيد وسفيان والفضيل وغيرهم ، ولهذا وُصِفَ أهلُها بالغربة في آخر الزمان لقلتهم وغربتهم فيه ، ولهذا ورد في بعض الروايات كما سبق في تفسير الغرباء : ( قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير ، من يعصهم أكثر ممن يطيعهم ) وفي هذا إشارة إلى قلة عددهم وقلة المستجيبين لهم والقابلين منهم وكثرة المخالفين لهم والعاصين لهم"
الرجل فسر الغرباء بكونهم أهل السنة رغم عدم وجود حديث صريح فى ذلك وتناسى نقل حديث أن أهل الله هم أهل القرآن دون ذكر السنة فى الحديث التالى:
وقسم ابن رجل الغرباء لنوعين أحدهما من يُصلح نفسه عند فساد الناس ، والثاني من يُصلح ما أفسد الناس فقال:
"ولهذا جاء في أحاديث متعددة مدح المتمسك بدينه في آخر الزمان وأنه كالقابض على الجمر ، وأن للعامل منهم أجر خمسين ممن قبلهم ، لأنهم لا يجدون أعواناً في الخير
وهؤلاء الغرباء قسمان : أحدهما من يُصلح نفسه عند فساد الناس ، والثاني من يُصلح ما أفسد الناس وهو أعلى القسمين وهو أفضلهما وقد خرج الطبراني وغيره بإسناد فيه نظر من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل شيء إقبالاً وإدباراً ، وإن من إقبال هذا الدين ما كنتم عليه من العمى والجهالة وما بعثني الله به ، وإن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها حتى لا يوجد فيها إلا الفاسق والفاسقان فهما مقهوران ذليلان ، إن تكلما قُمِعَا وقُهِرَا واضطُهدا ، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها حتى لا يُرى فيها إلا الفقيه والفقيهان فهما مقهوران ذليلان ، إن تكلما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر قُمعا واضطُهدا ، فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعواناً ولا أنصاراً ) "
وهذا التقسيم خاطىء فمن أصلح نفسه لابد أن يصلح بعض ما أفسد الناس من باب الواجب عليه من أمر بمعروف ونهى عن منكر وهو ما سماه الله الدعوة للخير والكلام عن إدبار الدين واقباله صحيح فهو تصديق بقوله تعالى :
"يعز من يشاء ويذل من يشاء"
وكرر الكلام عن غربة المؤمن فى المجتمع الكافر فقال:
"فوصف في هذا الحديث المؤمن العالم بالسنة الفقيه في الدين بأنه سيكون في آخر الزمان عند فساده مقهوراً ذليلاً لا يجد أعواناً ولا أنصاراً وخرج الطبراني بإسناد فيه ضعف عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل في ذكر أشراط الساعة قال : ( وإن من أشراطها أن يكون المؤمن في القبيلة أذل من النقد ) والنقد : هم الغنم الصغار وفي " مسند الإمام أحمد " عن عبادة بن الصامت أنه قال لرجلٍ من أصحابه : يُوشك إن طالت بك الحياة أن ترى الرجل قد قرأ القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فأعاده وأبداه وأحل حلاله وحرم حرامه ونزل عند منازله لا يحور فيكم إلا كم يحور رأس الحمار الميت ومثله قول ابن مسعود : يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأمة وإنما ذل المؤمن آخر الزمان لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات ، فكلهم يكرهه ويؤذيه لمخالفة طريقته لطريقتهم ومقصوده لمقصودهم ومباينته لما هم عليه ولما مات داود الطائي قال ابن السماك : إن داود نظر بقلبه إلى ما بين يديه فأعشى بقلبه بصر العيون فكأنه لم ينظر إلى ما أنتم إليه تنظرون وكأنكم لا تنظرون إلى ما إليه ينظر ، فأنتم منه تعجبون ، وهو منكم يعجب ، استوحش منكم ، إنه كان حياًّ وسط موتى ومنهم من كان يكرهه أهله وولده لاستنكار حاله ، سمع عمر بن عبد العزيز امرأته مرة تقول : أراحنا الله منك قال : آمين وقد كان السلف قديماً يصفون المؤمن بالغربة في زمانهم كما سبق مثله عن الحسن والأوزاعي وسفيان وغيرهم ومن كلام أحمد بن عاصم الأنطاكي - وكان من كبار العارفين في زمان أبي سليمان الداراني - يقول : إني أدركت من الأزمنة زماناً عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ ، وعاد وصفُ الحق فيه غريباً كما بدأ ، إن ترغب فيه إلى عالم وجدته مفتوناً بحب الدنيا ، يُحب التعظيم والرئاسة ، وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهلاً في عبادته مخدوعاً صريعاً غدره إبليس ، وقد صعد به إلى أعلى درجة من العبادة وهو جاهل بأدناها فكيف له بأعلاها ؟ وسائر ذلك من الرعاع ، همج عوج وذئاب مختلسة ، وسباع ضارية وثعالب ضوار ، هذا وصف عيون أهل زمانك من حملة العلم والقرآن ودعاة الحكمة خرجه أبو نعيم في " الحلية "
فهذا وصف أهل زمانه فكيف بما حدث بعده من العظائم والدواهي التي لم تخطر بباله ولم تدر في خياله ؟"
والخطأ فى الفقرة هو التفرقة بين العالم والعابد فلا عبادة بلا علم كما قال تعالى :
"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
فالعابد هو العالم بأحكام دينه التى ينفذها
وكرر الرجل ما ذكره سابقا من كون أجر الغريب أكبر من أجر المؤمن فى عهد عزة المسلمين فقال :
"وخرج الطبراني من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ) "
والقول يخالف أن الشهيد وهو نوع من نوعى المجاهدين أعلى من كل القاعدين عن الجهاد مهما فعلوا كما قال تعالى :
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ووضح ابن رجب أن الدين قد ضاع ولم يتبق منه إلا القليل فقال :
"وخرج أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن الحسن قال : لو أن رجلاً من الصدر الأول بُعِثَ اليوم ما عرف من الإسلام شيئاً إلا هذه الصلاة ثم قال : أما والله لئن عاش إلى المنكرات فرأى صاحب بدعة يدعو إلى بدعته أو صاحب دينا يدعو إلى دنياه فعصمه الله عز وجل وقلبه يحن إلى السلف الصالح فيتبع آثارهم ويستن بسنتهم ويتبع سبيلهم كان له أجر عظيم وروى ابن المبارك عن الفضيل عن الحسن أنه ذكر الغني المترف الذي له سلطان يأخذ المال ويدعي أنه لا عقاب فيه ، وذكر الضال الذي خرج بسيفه على المسلمين ثم قال : سنتكم - والذي لا إله إلا هو - بين الغالي والجافي والمترف والجاهل فاصبروا عليها ، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس ، الذين لم يأخذوا مع أهل الأتراف في أترافهم ، ولا مع أهل البدع في أهوائهم ، وصبروا على سنتهم حتى أتوا ربهم ، فكذلك إن شاء الله فكونوا ثم قال : والله لو أن رجلاً أدرك هذه المنكرات يقول هذا : هلم إليَّ ، ويقول هذا : هلم إليَّ ، فيقول : لا أريد إلا سنة محمد صلى الله عليه وسلم يطلبها ويسأل عنها ، إن هذا ليعرض له أجر عظيم ، فكذلك فكونوا إن شاء الله تعالى "
وناقض الرجل كلامه فى ضياع العلم وهو الدين فقال أن الدين لا يضيع حيث لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته وهو ما قاله فى الفقرة التالية:
ومن هذا المعنى ما رواه أبو نعيم وغيره عن كميل بن زياد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل صائح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، ثم ذكر كلاماً في فضل العلم إلى أن قال : هاه إن ههنا لعلماً جماً - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حمله ، بل أصيب لَقِناً غير مأمون عليه مستعملاً آلة الدين للدنيا ، ومستظهراً بنعم الله على عباده وبحججه على أوليائه أو منقاداً لحملة الحق لا بصيرة في أحنائه ، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة ، ألا لا ذا ولا ذلك ، أو منهوماً باللذة سلس القيادة للشهوة ، أو مغرماً بالجمع شيء شبهاً بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته ، وكم ذا وأين أولئك ؟ والله الأقلون عدداً والأعظمون عند الله قدراً ، يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هَجَم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما أستوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلقة بالمحل الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه ، آه آه شوقاً إلى رؤيتهم انصرف إذا شئت "
وبالقطع حفاظ العلماء على الدين يناقض كون الدين محفوظ بأمر الله كما قال تعالى :
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "
فالإسلام ليس بحاجة لحفظ البشر لأن الله حفظه فى الكتاب المطهر المكنون فى كعبته على الأرض حيث لا يستطيع أحد أن يقرر ذنبا فيها فضلا عن فعله لأنه يهلك من أراد أى شاء فيها ذنبا وهو قوله تعالى :
"من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"
وقسم الرجل حملة العلم على حسب ما نقل فقال :
فقسم أمير المؤمنين - رضي الله عنه - حملة العلم إلى ثلاثة أقسام : قسم هم أهل الشبهات وهم من لا بصيرة له من حملة العلم ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ، فتأخذه الشبهة فيقع في الحيرة والشكوك ، ويخرج من ذلك إلى البدع والضلالات وقسم هم أهل الشهوات وحظهم نوعان : أحدهما من يطلب الدنيا بنفس العلم ، فيجعل العلم آلة لكسب الدنيا ، والثاني من همه جمع الدنيا واكتنازها وادخارها ، وكل أولئك ليسوا من رعاة الدين وإنما هم كالأنعام ، ولهذا شبه الله تعالى من حُمَّل التوراة ثم لم يحملها بالحمار الذي يحمل أسفاراً ، وشبه عالم السوء الذي انسلخ من آيات الله وأخلد إلى الأرض واتبع هواه بالكلب ، والكلب والحمار أخس الأنعام وأضل سبيلاً والقسم الثالث من حملة العلم هم أهله وحملته ورعاته والقائمون بحجج الله وبيناته ، وذكر أنهم الأقلون عدداً ، الأعظمون عند الله قدراً ، إشارة إلى قلة هذا القسم وغربته من حملة أهل العلم وقد قسم الحسن البصري - رضي الله عنه - حملة القرآن إلى قريب من هذا التقسيم الذي قسمه علي رضي الله عنه لحملة القرآن
قال الحسن : قُراء القرآن ثلاثة أصناف : صنف اتخذوه بضاعة فيتأكلون به ، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستندوا به لطلب الولاية ، أكثر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله ، وضرب عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم فركدوا به في محاريبهم وحنوا به برانسهم واستشعروا الخوف ، وارتدوا الحزن ، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء ، والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن
فأخبر أن هذا القسم - وهم قراء القرآن - جعلوه دواء لقلوبهم فأثار لهم الخوف والحزن وأعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن
ووصف أمير المؤمنين - رضي الله عنه - هذا القسم من حملة العلم بصفاتٍ منها أنه هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، ومعنى ذلك أن العلم دلهم على المقصود الأعظم وهو معرفة الله فخافوه وأحبوه حتى سهل ذلك عليهم كما ما تعسر على غيرهم ، فلم يصل إلى ما وصلوا إليه ممن وقف مع الدنيا وزينتها وزهرتها واغتر بها ولم يباشر قلبه معرفة الله وعظمته وإجلاله ، واستلانوا ما استوعر منه المترفون ، فإن المترف الواقع مع شهوات الدنيا ولذاتها يصعب عليه ترك لذاتها وشهواتها لأنه لا عوض عنده من لذات الدنيا إذا تركها ، فهو لا يصبر على تركها ، فهؤلاء في قلوبهم العوض الأكبر بما وصلوا إليه من لذة معرفة الله ومحبته وإجلاله كما كان الحسن يقول : إن أحباء الله هم الذين ورثوا طيب الحياة وذاقوا نعيمها بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم وبما وجدوا من لذة حبه في قلوبهم من كلامٍ يطول ذكره في هذا المعنى ، وإنما أنس هؤلاء بما استوحش منه الجاهلون لأن الجاهلين بالله يستوحشون من ترك الدنيا وشهواتها لأنهم لا يعرفون سواها ، فهي أًنسهم ، وهؤلاء يستوحشون من ذلك ويستأنسون بالله وبذكره ومعرفته ومحبته وتلاوة كتابه ، والجاهلون بالله يستوحشون من ذلك ولا يجدون الأنس به ومن صفاتهم التي وصفهم بها أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - أنهم صحبوا الدينا بأبدان أرواحها معلقة بالنظر الأعلى ، وهذا إشارة إلى أنهم لم يتخذوها وطناً ولا رضوا بها إقامة ولا مسكناً ، إنما اتخذوها ممراً ولم يجعلوها مقراً ، وجميع الكتب والرسل أوصت بهذا ، وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن مؤمن آل فرعون أنه قال لقومه في وعظه لهم : { يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار } [ غافر : 39 ] "
وهذه التقسيمات تتعارض مع القرآن نفسه فحامل العلم إما كافر لعدم عمله به يستوى فى ذلك من يسخر لنفسه أو يسخره لغيره أو لا يريد تعلمه وإما مسلم يطيع العلم
والخطأ هو وصف الحمار والكلب بالأنعام وكونهم أضل سبيلا فالكلب والحمار ليسوا من الأنعام لأن الله حدد ألنعام بكونها البقر والغنم والإبل والماعز الذكر والأنثى فقال :
""ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل أالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبؤنى بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين"
والكلب والحمار من المسلمين وكل الأنواع مسلمة طوعا أو كرها عدا الإنس والجن كما قال تعالى :
"وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها"
وأما الحديث الثانى فى الغربة فهو:
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لاين عمر : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، فكأنك بالدنيا ولم تكن ، وبالآخرة ولم تزل )
وفي رواية : ( وعد نفسك من أهل القبور )
ومن وصايا المسيح المروية عنه عليه السلام أنه قال لأصحابه : اعبروها ولا تعمروها
وعنه عليه السلام أنه قال : من الذي يبني على موج البحر داراً ؟! تلك الدنيا فلا تتخذوها قراراً فالمؤمن في الدنيا كالغريب المجتاز ببلدة غير مستوطن فيها ، فهو يشتاق إلى بلده وهمه الرجوع إليه والتزود بما يوصله في طريقه إلى وطنه ، ولا يُنافس أهل ذلك البلد المستوطنين فيه في عزهم ، ولا يجزع مما أصابه عندهم من الذل
قال الفضيل بن عياض : المؤمن في الدنيا مهموم حزين همه مرمة جهازه
وقال الحسن : المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها ، ولا ينافس في عزها ، له شأن وللناس شأن وفي الحقيقة فالمؤمن في الدنيا غريب لأن أباه لما كان في دار البقاء ثم خرج منها فهمه الرجوع إلى مسكنه الأول ، فهو أبداً يحن إلى وطنه الذي أُخرج منه كما يقال : " حب الوطن من الإيمان " وكما قيل :
كم منزل في الأرض يألفه الفتي * وحنينه أبداً لأول منزل
ولبعض شيوخنا في هذا المعنى :
فحي على جنات عدن فأنها * منازلك الأولى وفيهم المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى * نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى * وشطت به أوطانه فهو مغرم
فأي اغتراب فوق غربتنا التي * لها أضحت الأعداء فينا تحكم"
مقولة غربة المسلم وحده فى الدنيا مقولة خاطئة فكلنا كفارا ومسلمين أغراب أى ضيوف على الدنيا لأن الكل مهما طالت حياته تاركها للخلود فى الجنة أو فى النار
كما أن مقولة عن المسلم فى الدنيا تتعارض مع كونه آمن مطمئن فيها يعبد الله كما قال تعالى :
"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا"
وقسم ابن رجب المؤمنين فى الفقرة التالية:
"والمؤمنون في هذا القسم أقسام : منهم من قلبه معلق بالجنة ، ومنهم من قلبه معلق عند خالقه وهم العارفون ، ولعل أمير المؤمنين - رضي الله عنه - إنما أشار إلى هذا القسم فالعارفون أبدانهم في الدنيا وقلوبهم عند المولى وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه : ( علامة الطهر أن يكون قلب العبد عندي معلقاً ، فإذا كان كذلك لم ينسني على كل حال ، وإن كان كذلك مننت عليه بالاشتغال بي كي لا ينساني ، فإذا لم ينسني حركت قلبه ، فإذا تكلم تكلم بي ، وإذا سكت سكت بي ، فذلك الذي تأتيه المعونة من عندي ) "
الخطأ أن المؤمنين منهم من قلبه معلق بالجنة ، ومنهم من قلبه معلق عند خالقه وهم العارفون وهو تخريف لأن التعلق بالله يعنى التعلق بجنته فالله لا يشبه خلقه حتى يتم التعلق بذاته فالذات منفصلة عن الكون والتعلق إنما هو أمر مكانى وهو أمر محال
وقسم ابن رجل الغربة عند أهل الطريقة وهم الصوفية لظاهرة وباطنة فقال :
"وأهل هذا الشأن هم غرباء الغرباء ، غربتهم أعز الغربة ، فإن الغربة عند أهل الطريقة غربتان : ظاهرة وباطنة فالظاهرة : غُربة أهل الصلاح بين الفساق ، وغربة الصادقين بين أهل الرياء والنفاق ، وغربة العلماء بين أهل الجهل وسوء الأخلاق ، وغربة علماء الآخرة بين علماء الدنيا الذين سُلبوا الخشية والإشفاق ، وغربة الزاهدين بين الراغبين فيما ينفد وليس بباق وأما الغربة الباطنة : فغربة الهمة ، وهي غربة العارفين بين الخلق كلهم حتى العلماء والعباد والزهاد ، فإن أولئك واقفون مع علمهم وعبادتهم وزهدهم ، وهؤلاء واقفون مع معبودهم لا يعرجون بقلوبهم عنه فكان أبو سليمان الداراني يقول في صفتهم : وهمتهم غير همة الناس وإرادتهم الآخرة غير إرادة الناس ، ودعاؤهم غير دعاء الناس وسُئل عن أفضل الأعمال فبكى وقال : أن يطلع على قلبك فلا يراك تريد من الدنيا والآخرة غيره وقال يحيى بن معاذ : الزاهد غريب الدنيا ، والعارف غريب الآخرة يشير إلى أن الزهد غريب بين أهل الدنيا ، والعارف غريب بين أهل الآخرة ، لا يعرفه العباد ولا الزهاد ، وإنما يعرفه من هو مثله وهمته كهمته
وربما اجتمعت للعارف هذه الغربات كلها أو كثير منها أو بعضها فلا يسأل عن غربته ، فالعارفون ظاهرون لأهل الدنيا والآخرة قال يحيى بن معاذ : العابد مشهور والعارف مستور ، وربما خفي حال العارف على نفسه لخفاء حالته وإساءة الظن بنفسه
وفي حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب العبد الخفي التقي )
وفي حديث معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب من عباده الأخفياء الأتقياء ، الذين إذا خضروا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفتقدوا ، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ) وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : طوبى لكل عبد لم يعرف الناس ولم تعرفه الناس ، وعرفه الله منه برضوان ، أولئك مصابيح الهدى ، تجلى عنهم كل فتنة مظلمة "
والأخطاء فى الفقرة ممثلة فى تقسيم الغربة لظاهرة وباطنة فالغربة النفسية واحدة والغربة المكانية واحدة
والخطأ ألهر هو وجود عابد وعارف وهى تقسيمات خاطئة لم ترد فى الوحى فالمسلمون كلهم عباد وكلهم عارفون بالله فلا يمكن أن يكون المسلم إلا عابد أى مطيع لله بناء على معرفته بوحى الله ولذا قال تعالى :
"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
وينقل الرجل أقوالا ما انزل الله بها من سلطان عن الصحابة والعارفين المزعومين فيقول:
"وقال ابن مسعود رضي الله عنه : كونوا جدد القلوب ، خلقان الثياب ، مصابيح الظلام ، تخفون على أهل الأرض وتعرفون في أهل السماء فهؤلاء أخص أهل الغربة ، وهم الفرارون بدينهم من الفتن ، وهم النزاع من القبائل الذين يُحشرون مع عيسى عليه السلام ، وهم بين أهل الآخرة أعز من الكبريت الأحمر ، فكيف يكون حالهم بين أهل الدنيا ، وتخفى حالهم غالباً على الفرقتين كما قال :
تواريت عن دهري بظل جناحه * فعيني ترى دهري وليس يراني
ولو تسئل الأيام ما اسمي ؟ لما درت * وأين مكاني ؟ ما فرعن مكاني
ومن ظهر منهم للناس فهو بينهم ببدنه ، وقلبه معلق بالنظر الأعلى كما قال أمير المؤمنين رضي الله عنه في وصفهم :
جسمي معي غير أن الروح عندكم * فالجسم في غربة والروح في وطن
وكانت رابعة العدوية - رحمها الله تعالى - تنشد في هذا المعنى :
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي * وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للحبيب مؤانس * وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
وأكثرهم لا يقوى على مخالطة الخلق فهو يفر إلى الخلوة ليستأنس بحبيبه ، ولهذا كان أكثرهم يطيل الوحدة وقيل لبعضهم : ألا تستوحش ؟ قال : كيف أستوحش وهو يقول : أنا جليس من ذكرني ؟وقال آخر : وهل يستوحش مع الله أحد ؟
وعن بعضهم : من استوحش من وحدته فذلك لقلة أنسه بربه وكان يحيى بن معاذ كثير العزلة والانفراد فعاتبه أخوه فقال له : إن كنت من الناس فلا بد لك من الناس ، فقال يحيى : إن كنت من الناس فلا بد لك من الله وقيل له : إذا هجرت الخلق مع من تعيش ؟ قال : مع من هجرتُهم له وأنشد إبراهيم بن أدهم :
هجرت الخلق طراً في هواكا * وأيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب إرباً * لما حن الفؤاد إلى سوكا
وعوتب ابن غزوان على خلوته فقال : إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي ولغربتهم من الناس ربما نُسب بعضهم إلى الجنون لبعد حاله من أحوال الناس كما كان أويس يُقال ذلك عنه وكان أبو مسلم الخولاني كثير اللهج بالذكر لا يفتر لسانه فقال رجل لجلسائه : أمجنون صاحبكم ؟ وقال : أبو مسلم : يا ابن أخي ! لكن هذا دواء الجنون وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذكروا الله حتى يقولوا مجنون ) وقال الحسن في وصفهم : إذا نظر إليهم الجاهل حسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ويقول : قد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم ، هيهات ، والله مشغول عن دنياكم وفي هذا المعنى قال :
وحرمة الود ما لي عنكم عوض * وليس لي في سواكم سادتي غرض
وقد شرطت على قوم صبحتهم * بأن قلبي لكم من دونهم فرضوا
ومن حديثي بهم قالوا به مرض * فقلت لا زال عني ذلك المرض
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى رجل فقال : ( استحي من الله كما تستحي من رجلين من صالحي عشيرتك لا يفارقانك ) وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت )
وفي حديث آخر أنه سئل صلى الله عليه وسلم : ما تزكيه النفس ؟ قال : ( أن يعلم أن الله معه حيث كان ) وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة في ظل الله يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم رجلا حيث توجه علم أن الله معه ) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه شئل عن الإحسان فقال : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ولأبي عبادي في هذا المعنى أبيات حسنة أساء بقولها في مخلوق ، وقلد أصلحت منها أبياتاً حتى استقامت على الطريقة :
كأن رقيباً منك يرعى خواطري * وآخر يرعى ناظري ولساني
فما بصرت عيناي بعدك منظراً * يسؤك إلا قلت قدره نفاني
ولا بدرت من في بعدك لفظة * لغيرك إلا قلت قد سمعاني
ولا خطرت من ذكر غيرك خطرة * على القلب إلا عرجاً بعناني
إذا ما تسلى القاعدون على الهوى * بذكر فلان أو كلام فلان
وجدت الذي يسلي سواي يشوقني * إلى قربكم حتى أمل مكاني
وإخوان صدق قد سئمت لقاءهم * وأغضيت طرفي عنهم ولساني
وما الغض أسلى عنهم غير أنني * أراك كما كل الجهات تراني"
الأشعار والأقوال هنا معظمها مخالف لكلام الله فالتحدث عن الله كأنه صاحب أو معشوق كلام لا يليق بالذات الإلهية كما أن الله لم يطلب مفارقة أهل أو أصحاب لذكره لأن من ذكره وهو طاعة حكمه أن نربى الأولاد ونجالس الأهل والصحاب وننفق عليهم وغير ذلك من الواجبات التى يتنصل منها الصوفية بزعم القرب من الله تعالى
والأغرب فى هذا الكتاب هو أن يكون مؤلفه حنبلى وصوفى فى نفس الوقت فالحنابلة معروف عنهم عداوتهم للصوفية وهم أشد المذاهب عداوة لهم وهو ما يرجح أن هذا الكتاب خاصة فى الثلث الأخير منه لم يكتبه ابن رجب وإنما أضيف له من أحد النساخ أو أن الكتاب كله ليس للرجل كما هو الحال فى معظم الكتب التى نسبت بغير مؤلفيها ترويجا للضلال
دعوة للتبرع
اليُسر والعُسر: السؤا ل : ما معنى هذا الارت باط بين اليُس ر ...
ترقيع غشاء البكارة : السلا م علىكم ، بصفتي طبيب أمراض نساء اود أن...
معنى آية : معنى هذه الآية : (كَان النَّ اسُ أُمَّ ةً ...
رؤية النبى مناما: أهلا دكتور أحمد صبحي منصور لدي إستفس ار حول...
الموت: كان عندي سؤال بخصوص قولة تعالي في اية " وَلَا...
more