رقم ( 4 )
ب 2 ف1

ب 2 ف1 ج 1 / المقال 1 : التربة التاريخية التى أنبتت الحديث الملعون (صوموا لرؤيته )    

كتاب ( رمضان والصيام بين الاسلام والدين السنى ) دراسة أصولية تاريخية

مقالات متعلقة :

  الباب الثانى  : الصيام ورمضان فى الدين السنى

 الفصل الأول : مقالان عن الحديث الملعون: ( صوموا لرؤيته.. ) الذى شوّش على التقويم الفلكى

لرمضان

 المقال 1 : التربة التاريخية التى أنبتت الحديث الملعون (صوموا لرؤيته )    

مقدمتان :

المقدمة الأولى :
1 ـ محققو الدين السنى قالوا بأنفسهم بان أحاديث الاحاد لا تفيد اليقين ، وتقوم على الشك ، وقال أغلبهم إن كل الأحاديث الموجودة لدينا هى أحاديث آحاد ، فكلها يعتمد على السند ، أى سلسلة من الرواة تنتهى الى النبى محمد عليه السلام. وذلك السند تم صنعه فى العصر العباسى.ونحن نقول ان ذلك السند باطل ، وأن الرسول عليه السلام برىء من قول كل تلك الأحاديث . أى كلها كاذبة من حيث السند . ولو أنصف أولئك الرواة لنسب كل منهم قوله لنفسه بدلا من أن ينسبه ظلما وزورا للرسول محمد عليه السلام.
و الحديث هو سند ومتن.ومن حيث المتن فبعض الأحاديث تقول شيئا لا بأس به ، أى لا تعارض القرآن الكريم ،أو ربما تتفق معه . هنا نقول انها كاذبة من حيث نسبتها للنبى محمد عليه السلام ، وليست جزءا من الاسلام حتى لو اتقفت مع القرآن الكريم الذى إكتمل به الاسلام . تظل الأحاديث كلها أقاويل تعبر عن ثقافة عصرها وقائلها وظروفها السياسية ، ومنها الحديث الكاذب الملعون :( صوموا لرؤيته) الذى قام بالتشويش على الحساب الفلكى فى الشهور العربية القمرية ، ومنها شهر رمضان .
2 ـ هذا الحديث منذ اختراعه وحتى الان وهو يسبب صداعا سنويا للمسلمين ، يفرقهم ويضيع صيامهم ، وتحاول الوهابية السلفية فرض هذا الحديث المتخلف على صيام المسلمين . لذا نقدم فى هذه الدراسة الأصولية التاريخية الموجزة ـ توضيحا لنشأة هذا الحديث وبعض ما سببه من مشاكل فى تاريخ المسلمين
لعل .. وعسى..

المقدمة الثانية :
الحساب الفلكى هو الأصل فى تحديد الشهور العربية:

1 ـ الثابت تاريخيا معرفة البشربالتقويم الشمسى والقمرى قبل نزول القرآن الكريم بقرون طويلة. عرف ذلك المصريون القدماء ، وعرفته حضارة الرافدين فى العراق ، بل وثبت أن الحساب الفلكى عرفته حضارات فى اقصى الشرق فى الصين وفى أقصى الغرب فى حضارة المايا المنقرضة فى امريكا قبل ان يكتشفها الأوربيون. وأقام الرومان التقويم الميلادى (الشمسى ) وفرضوه على مصر ، وللمصريين وقتها ـ وحتى الآن ـ تقويم قومى فرعونى بلغته ( القبطية ) ، ثم بعد الهجرة اقام المسلمون تقويمهم القمرى الهجرى طبقا للمتعارف عليه عندهم من ايثار التقويم القمرى.
2 ـ وعرف العرب كل هذا قبل نزول القرآن الكريم ، خصوصا قريش بعلاقاتها العالمية التى تحكمت فى تجارة الشرق والغرب بين الهند وأوربا فى رحلتى الشتاء و الصيف من اليمن الى الشام ، ولأن قريش هى التى هيمنت على شعيرة الحج ، وهو مرتبط بتحديد زمنى سنوى . وأكثر من هذا فان قريش كانت ـ بكهنوتها ـ مركز ما تبقى من ملة ابراهيم من شعائر لم تقتصر على الحج ولكن ضمت اليه صوم رمضان ، وأول آية فى صيام رمضان تشير الى معرفة العرب قبل القرآن بصيام رمضان ، ولذلك نزل تشريع الصيام بنفس ما كان مكتوبا على السابقين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 183) ثم جاءت فى الآيات التالية تيسيرات جديدة فى الصيام ( البقرة 184 ـ ).
3 ـ وحتى العرب فى تحريفاتهم الدينية فى ملة ابراهيم استخدموا فيها معرفتهم بالتقويم الفلكى ، فالنسىء مثلا لا بد فيه من معرفة أوائل الشهور العربية ليستبدلوا واحدا منها بالآخر ،أو ليستحلوا واحدا ويحرموا الآخر ، ويتضح هذا من قوله سبحانه وتعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) الى ان يقول سبحانه وتعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )( التوبة 36 ـ ).

4 ـ وعليه فان الآيات القرآنية التى تشير الى الحساب الفلكى كانت تشير ايضا الى معرفة به لدى العرب ،   وهم أول من قرأ القرآن وتحاور وتعامل معه ، وبمعنى آخر فان العرب كانوا أول من خوطبوا بتلك الايات القرآنية التى تشير الى الحساب الفلكى وارتباطه بآلاء الله جل وعلا فى الكون من حركة الشمس والقمر والأرض ، كقوله جل وعلا :

4 / 1 :(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً )( الاسراء 12 ) .

4 / 2 : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ( يونس 5 ) .

4 / 3 : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) (الرحمن 5 ) .

4 / 4 :(فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )(الانعام 96 ).
وواضح أن الله جل وعلا اتخذ من معرفتهم بالحساب الفلكى حجة عليهم ، ليذكرهم بأنه جل وعلا هو خالق هذا الكون الذى يسبر بحساب دقيق.

5 ـ والبيئة الصحراوية بليلها الصافى كانت مما يبعث على التفكر فى الكون والتأمل فى السماء ونجومها. والسير فى الصحراء ليلا جعل العرب يعتمدون على النجوم ، وانعكس هذا فى أشعارهم ، وفيما أطلقوا على النجوم من أسماء ، بل إن الله تعالى يشير الى معرفتهم بالنجوم واستخدام هذه المعرفة فى السير ليلا فقال تعالى عنهم (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) ( النحل 16 ). والاهتداء البدائى بالنجوم والذى عرفه العرب فى (الجاهلية ) أصبح الان مجالا من أهم مجالات الفضاء.
6 ـ وقد سأل بعض المؤمنين النبى محمدا عليه السلام عن الأهلة ، ونزل الوحى بالاجابة التى تؤكد المتعارف عليه من أن الأهلة هى مواقيت للناس والحج :(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (البقرة 189). وهنا تأكيد على معرفتهم بالحساب الفلكى واستعماله فى مواقيتهم وفى تحديد بداية الشهر الأربعة الحرم (أشهر الحج ). ولو كان الأمر مجرد (رؤية ) الهلال ما قال سبحانه وتعالى (هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ) فالمواقيت عامة للناس تعنى تفصيلات التقويم اليومى ولأيام الشهر القمرى ،أى الحساب الفلكى ـ و ليس مجرد رؤية الهلال.
7 ـ وهناك اختلاف بين التقويم القمرى والتقويم الشمسى ، وقد أشار الله جل وعلا له إشارة لطيفة فى قوله سبحانه وتعالى عن نوم اهل الكهف :(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)(الكهف 25 )، أى إنهم لبثوا 300 سنة بالتقويم الشمسى ، و309 سنة بالتقويم القمرى . وكان سائدا وقت نزول القرآن معرفة التقويمين والفروق بينهما وكيفية التحويل من هذا التقويم الى ذاك.
8 ـ نقول هذا لنؤكد على إن إشارات القرآن الكريم للحساب الفلكى لا تعنى فقط معرفة العرب بالحساب الفلكى واستعمالهم له ، ولكن ايضا قيام فرائض الاسلام التعبدية على ذلك الحساب الفلكى ، سواء كانت فريضة يومية كالصلاة أو سنوية كالصيام و الحج.

9 ـ ويلفت النظر هنا حديث القرآن الكريم عن مواعيد التسبيح التى تشى بمعرفة بالحساب الفلكى كقوله سبحانه وتعالى :

9 / 1 : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (الطور 48 ـ ) .

9 / 2 : (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ) (طه 130 )
10 ـ بل إن التعبير القرآنى عن وقت يقظة الانسان فى نهاره جاء مثقلا بثقافة الحساب الفلكى ، كقوله سبحانه وتعالى :

10 / 1 : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) (الاسراء 78 ) .

10 / 2 : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ) (هود 114 ) ففى تلك الأوقات من يقظة الانسان يجب عليه ان يراعى ربه فيه مقيما للصلاة محافظا عليها بالسلوك الحسن والتقوى. كان يمكن أن يقال مثلا ( حافظوا على الصلاة أو أقيموا الصلاة طالما لم تكن نائما ، أو طالما كنت يقظا ..)
11 ـ وبالتالى فان صيام رمضان كان يجرى طبقا للحساب الفلكى قبل وبعد نزول القرآن الكريم ، ليس مجرد الصيام بل ايضا تحديد أول يوم من رمضان . لم يكن هناك تحديد برؤية الهلال وانما بالحساب الفلكى الذى احتفل به القرآن الكريم وعرفه العرب قبل الاسلام. ثم اختلف الحال فى العصر العباسى الذى شهد صناعة ذلك الحديث الكاذب الملعون.ولو كان تحديد بدء الصيام وانتهائه برؤية الهلال لقال الله سبحانه وتعالى ذلك فى القرآن الكريم فى حديثه عن القمر و الشمس ، ولكن رأينا هذا الحديث مؤسسا على الحساب الفلكى وليس مجرد رؤية الهلال. ولو كان تحديد الصيام برؤية الهلال لذكر الله تعالى ذلك فى تشريع الصيام . ومنهج القرآن الكريم ألاّ يذكر الشىء المعروف المتعارف عليه من ملة ابراهيم ، وهذا واضح من الايات القليلة التى نزلت فى تشريع الصيام فى رمضان ،إذ أنه بعد الاشارة الى انه مكتوب عليهم بنفس الطريقة التى كانت على السابقين جاءت تفصيلات فى الجديد من تشريع الصوم تقوم على أساس التيسير ، دون أن توضح ما هو معروف للعرب مثل معنى الصيام ، وبدء شهر الصيام بالحساب الفلكى.
12 ـ وقد كان الحساب الفلكى من معالم ملة ابراهيم ، ولا ننسى أن ثقافة قوم ابراهيم الدينية كانت تحوى عبادة النجوم والكواكب مع عبادة الله جل وعلا، وأن ابراهيم عليه السلام فى بداية بحثه عن الحق ناقش مع نفسه عقم عبادة النجوم و الكواكب مع الله جل وعلا :( الانعام 75 ـ ).
13 ـ هنا يثور سؤال عن التربة التاريخية التى نبت فيها ذلك الحديث الملعون :(صوموا لرؤيته ) الذى قام بالتشويش على الحساب الفلكى ، والذى لا يزال يعمل حتى الآن ، مع إنه زيف مفترى . كان ذلك فى عصر الخليفة العباسى الثانى أبى جعفر المنصور.

 

التربة التاريخية التى أنبتت الحديث الملعون (صوموا لرؤيته )    
 أولا:
1ـ كتبنا كثيرا عن ارتبط صناعة الأحاديث الكاذبة بالصراع على السلطة منذ الفتنة الكبرى ، ثم تأكد ذلك فى الدولة الأموية ، وقدم الأمويين لنا أبا هريرة أقل الصحابة صحبة للنبي فجعلوه أكثر الصحابة رواية عن رسول الله ، وكذلك فعل العباسيون مع جدهم عبد الله بن عباس.

يقول  الامام السلفى ابن القيم الجوزية أن ابن عباس لم يبلغ ما سمعه من النبي عشرين حديثا !. وهذا قول خطير من ابن القيم. والواقع أن ابن عباس لم يدرك النبي إلا وهو دون الحلم، وقد قضى طفولته في مكة في حين كان النبي يومئذ بالمدينة،ولكن شاءت الدولة العباسية أن ترفع من شأن جدها ابن عباس فأصبح أكثر الصحابة علما، وتبارى الفقهاء في نسبة الأقوال والاجتهادات إليه في الحديث والتفسير والفرق المذهبية والفقه والأحكام.وإذا كان أبو هريرة بوقا للأمويين في الحديث والقصص فإن الكهنوت العباسي قد أضاف لابن عباس وغيره كثيرا من الأحاديث التي تتحدث عن ملك بني العباس وخلافتهم التي ستظل في أيديهم إلى يوم القيامة ، بل تتحدث عن الخلفاء العباسيين بالاسم واللقب.
2 ـ وقد عقد السيوطي في كتابه " تاريخ الخلفاء" فصلا بعنوان ( فصل في الأحاديث المبشرة بخلافة بني العباس ) ،  ومنها : أحاديث يرويها أبو هريرة، أن النبي قال للعباس فيكم النبوة والملك،أي أن العباسيين انتقموا من أبي هريرة بعد موته فوضعوا عليه ذلك الحديث رغم أنفه.وحديث آخر نسبوه لأبي هريرة أن النبي قال للعباس إن الله افتتح بي هذا الأمر وبذريتك يختمه " وحديث آخر " يكون من ولد العباس ملوك تكون أمراء أمتي" .ثم حديث ابن عباس يروي فيه أن أمه كانت حاملا فيه وقد أمرها النبي أن تأتي به إليه إذا ولدت ، هذا مع أن ابن عباس ولد بمكة ولم يكن بمقدور النبي وقتها أن يدخلها، وتمضي الرواية فتقول إن الأم جاءت بابنها عبد الله فأعطاه النبي الاسم وباركه وقال إنه سيكون أب الخلفاء حتى يكون منهم السفاح وحتى يكون منه المهدي ويكون منهم من يصلي بعيسى بن مريم،وهذه بشرى بأنهم سيظلون في الحكم إلى أن تقوم الساعة.وهناك حديث يرويه أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي يقول : حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس أن النبي قال للعباس إذا سكن بنوك السواد وكان شعبهم أهل خرسان لم يزل الأمر لهم حتى يدفعوه إلى عيسى بن مريم . وحديث آخر " الخلافة في ولد عمي أخو أبي حتى يسلموها إلى المسيح ، وحديث فيه مدح الخليفة المهدي المشهور بقتل الزنادقة، يقول إن النبي محمدا دعا الله تعالى ثلاثا يقول: اللهم انصر العباس ، ثم قال ياعم أما شعرت أن المهدي من ولدك سيكون موفقا راضيا مرضيا. "ووضعوا في السفاح أول الخلفاء العباسيين حديثاً يقول "يخرج رجل من العباسيين بعد انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثيثا" ، وواضح أن واضع الحديث كان حريصا على أن يصف الخليفة السفاح بالكرم لينال جزاء كثيراً.وقالوا إن ابن عباس روى عن النبي حديث "منا السفاح ومنا المنصور ومنا المهدى.." أي يفخر النبي بأولئك الخلفاء. وهناك أحاديث كثيرة عن الخليفة المهدى منها " المهدى من ولد العباس عمى " "المهدى يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبى".. وتعدى ذلك أن الخليفة بالاختيار الإلهي وأن الله يخلق الخلفاء بصورة متميزة عن باقي الخلق ، فيقول حديث منسوب إلى ابن عباس وأبى هريرة وأنس " إذا أراد الله أن يخلق خلقاً للخلافة مسح على ناصيته بيمينه".ومن الطبيعي بعد ذلك أن الاعتراض على الخليفة المنصوص على اسمه ولقبه إنما يكون اعتراضا على مشيئة الله وقراره الذي لابد من طاعته، ومن هنا تقترن الجبرية السياسية بالأحاديث التي نسبوها للنبي عليه السلام.
3 ـ وقد حرص الخلفاء العباسيون على تحصين الأحاديث بسياج من الإرهاب والتقديس حتى لا ينالها النقد واستعمال العقل ، يروي أبو معاوية الضرير أن رجلا من قريش استمع إلى حديث " احتج آدم وموسى " وذلك في مجلس الرشيد فتعجب القرشي قائلا: أين التقى موسى بآدم ؟!  فغضب الرشيد من ذلك التعليق وقال : " النطع والسيف.. زنديق يطعن في حديث النبي "، وما زالوا بالرشيد حتى عفا عن الرجل من القتل. والسبب واضح فإن باب الاعتراض على الأحاديث سيجر مشاكل كثيرة للملك العباسي القائم على الكهنوت الديني. والتفاصيل فى بحث ( حد الردة ) وبحث ( حرية الفكر بين الاسلام و المسلمين).
4 ـ باختصار فان صناعة الأحاديث بدأت مع الدعوة السرية للدعوة العباسية ، وكان لها جماعات سرية تؤلف الأحاديث وتبشر بقرب ظهور المهدى المنتظر الذى سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملأها الأمويون جورا . فلما أقيمت الدولة انتشرت صناعة الأحاديث وبدأ تدوينها ، خصوصا ما يخدم منها سياسة بنى العباس.
5 ـ وتشجع بعض مؤلفى الأحاديث للدولة العباسية على ان يؤلف أحاديث يطعن فيها فى الاسلام. وليس مستغربا ان تسكت عنهم الدولة العباسية ، فقد امتلأ ت قصور العباسيين بالملحدين من الكتبة الفرس و العرب الذين كانوا يتندرون على الاسلام والقرآن ، تعصبا منهم للفلسفة ، وكان بعضهم متخصصا فى الوضع فى الحديث . وقد عاشوا فى أمن فى رعاية الدولة العباسية ونجوا من الاتهام بالزندقة فى عصور الخلفاء المنصور و المهدى والهادى.
6  ـ وكان المنصور العباسى :

6 / 1 : أكثر جرأة فى سفك الدماء ، وقد إستقدم وإستأجر ( محمدا بن إسحاق ) ليكتب له سيرة للنبى محمد ، جعل فيها شخصية النبى على شاكلة أبى جعفر المنصور .

6 / 2 : أبو جعفر المنصور تفوّق فى سفك الدماء على أخيه الخليفة العباسى الأول (السفاح) مع ما يدل عليه لقب ( السفّاح ) الرسمى من الرعب ، وتميز ابو جعفر المنصور أيضا بنقض العهود وقتل من يعطيه الأمان . والأمثلة كثيرة ، منها عمه عبد الله بطل معركة الزاب التى هزم فيها مروان بن محمد الأموى ، و ( أبو مسلم الخراسانى ) المؤسس الحقيقى للدولة العباسية .

6 / 3 : وابو جعفر المنصور كان يقتل الرجل لمجرد كلمة يقولها ، ففى عام 141 كان الطاعون قد انتشر بالشام ثم هدأ واختفى ، فزار المنصور بيت المقدس ثم انحدر الى الرقة وخطب فيها فقال : " إحمدوا الله يا أهل الشام ، فقد رفع عنكم بولايتنا الطاعون ". فردّ عليه منصور بن جعونة : " الله أكرم من أن يجمعك علينا والطاعون "، فأمر المنصور بقتله.
6 / 4 : ولكنه فى نفس الوقت كان يتسامح مع الزنادقة ـ مهما قالوا ـ طالما يدينون له بالولاء ، ففى عصره علا شأن الرواندية ، وهم طائفة فارسية تؤمن بتناسخ الأرواح وقد أعلنوا ان ربهم الذى يطعمهم ويسقيهم هو الخليفة ابو جعفر المنصور . ولم يتعرض لهم الخليفة إلا عندما أحرجوه بطوافهم حول قصره وهم يقولون : هذا قصر ربنا . عندها اضطر لحبس بعضهم فغضب الآخرون وساروا الى الخليفة فلقيهم بلا حرس ، وهو يحسن الظن بهم باعتبار أنهم يؤلهونه ، ولكنهم أرادوا الفتك به فأنقذه معن بن زائدة . وحدث هذا فى نفس العام الذى قتل فيه المنصور ذلك الرجل فى الشام منصور بن جعونة.( المنتظم 8 : 29 : 30 )
6 / 5 : ومع تسامحه مع الزنادقة كان جبارا فى قتل ابناء عمه العلويين ، حتى من لم يشارك منهم فى ثورة محمد النفس الزكية ، قتلهم شر قتلة لمجرد أنهم أقارب الثائر عليه ، فعندما ثار محمد النفس الزكية بالمدينة كان يعيش بعض أقاربه الى جوار الخليفة المنصور ، وبمجرد أن جاءت للمنصور أنباء ثورة محمد النفس الزكية بادر بحبس ثلاثة عشر رجلا من ابناء عم محمد النفس الزكية ، وأمر بقتل بعضهم ببناء حائط عليه ، وأمر بضرب البعض الاخر بالسياط قبل قتله ( المنتظم 8 : 47 ـ ) وحبس آخرين منهم فى سجن المطبق تحت الأرض ، ولضيق المكان كان بعضهم يبول فوق البعض ، وظلوا مدفونين بالحياة فى هذه الحفرة الى أن ماتوا . وتسببت ثورة محمد النفس الزكية فى ضرب الامام مالك لمجرد فتوى ، وأكثر من هذا تسببت فتوى فى قتل الامام ابى حنيفة بالسم بعد حبس وأهانة .
7 ـ ونذكر بعض التفصيلات هنا عن ابى حنيفة الفقيه الليبرالى الحُرّ الكريم.
7 / 1 : فى حياته فى الدولة الأموية كان أبو حنيفة يناصر الثورات الشعبية العلوية ضدها ، ومنها ثورة زيد  بن على زين العابدين سنة 121 وانتبهت له الدولة الأموية . وأراد الوالى على العراق ابن هبيرة أن يختبر ولاءه للأمويين لأنه لم يكن لديه دليل واضح على اشتراكه الفعلى فى ثورات العلويين، وفى ذلك الوقت كان العراق يموج بقلاقل ضد الأمويين فجمع ابن هيبرة فقهاء العراق ومنهم أبو حنيفة وأسند لكل واحد منهم عملاً ، وجعل فى يد أبو حنيفة الخاتم أو السلطة على كل الفقهاء، فلا أمر إلا بإذنه، ووافق الفقهاء على خدمة الدولة ماعدا أبو حنيفة، فهدده ابن هيبرة بالضرب والعذاب فأبى، فقال له الفقهاء: "إنا ننشدك الله أن تهلك نفسك فإنا أخوتك وكلنا كارهون لذلك الأمر" فقال أبو حنيفة: "لو أرادنى أعد له أبواب مسجد واسط لم أدخل فى ذلك، فكيف وهو يريد منى أن يكتب دم رجل يضرب عنقه وأختم أنا على ذلك الكتاب؟ فوالله لا أدخل فى ذلك أبداً...!" وأمر ابن هيبرة بضرب أبى حنيفة وحبسه، فلما يأس منه أطلق سراحه، فهرب أبو حنيفة إلى مكة، وظل فيها مختفيا إلى أن قامت الدولة العباسية، فجاء للكوفة فى خلافة أبى جعفر المنصور.وكان طبعياً أن تحتفل به الدولة العباسية لمواقفه مع ( آل البيت ) ومقاومته للدولة الأموية وكونه من ضحاياها، لذلك قربه الخليفة المنصور وكان يستشيره، إلا أن محاولة المنصور استغلال أبى حنيفة وجبروت المنصور فى التنكيل ببنى عمه العلويين عند ثورة محمد النفس الزكية سنة 145 جعل العلاقة تسوء بين الخليفة السفاك والفقيه الحُرّ ُ.فقد اتهم المنصور أبا حنيفة بأنه يثبط القواد العباسيين عن حرب محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم، وراح المنصور يخطط للإيقاع بأبى حنيفة فى نفس الوقت الذى كان أبو حنيفة يفتى بما يعتقده حقاً وهو يعرف أن الخليفة لا يريد إلا الفتاوى التى تساعده فى حكمه..
7 / 2 : كان المنصور قد اشترط على أهل الموصل أنهم إذا ثاروا عليه فإن دماءهم حلال، وثار أهل الموصل سنة 148 فجمع المنصور الفقهاء وفيهم أبو حنيفة وقال لهم: " أهل الموصل قد شرطوا ألا يخرجوا علىّ ، وهاهم قد خرجوا وحلّت لى دماؤهم . "  فقال الفقهاء: " إن عفوت فأنت أهل للعفو وإن عاقبت فبما يستحقون. "، ولكن أبا حنيفة قال: " يا أمير المؤمنين ليس لك أن تشترط عليهم سفك دمائهم، أرأيت لو أن امرأة أباحت جسدها بغير عقد نكاح أيجوز لها ذلك ؟ ! " فقال الخليفة: لا. وأمر الخليفة بانصراف الفقهاء ثم قال لأبى حنيفة: " لا تُفت الناس بما هو شين على إمامك فتقوم الثورات وتبسط أيدى الخوارج." .

7 / 3 : ويلاحظ أن أولئك الفقهاء الذين نافقوا المنصور هم نفس الفقهاء الذين أبدوا استعدادهم لخدمة ابن أبى هبيرة والى العراق للأمويين من قبل ، وكان منهم ابن أبى ليلى وابن شبرمة وابن أبى هند، وكانوا أعلام الفقهاء فى العراق. ومن الطبيعى أن يحقدوا على أبى حنيفة استقلاله واستقامته لذلك استجابوا لدعوة أبى جعفر المنصور فانطلقوا يهاجمون أبى حنيفة ويتهمونه بإنكار الأحاديث، تلك الأحاديث التى اصطنعوها هم لخدمة السلطة العباسية، وتطرف ابن أبى ليلى فى النيل من أبى حنيفة حتى يقول فيه أبو حنيفة: "إن ابن أبى ليلى ليستحل منى مالا استحله من حيوان"!!. وأتت تلك الحملة ثمارها إذ هيأت الفرصة للمنصور فى اغتيال أبى حنيفة بالسم بعد أن سجنه وضربه مائة وعشرة أسواط سنة 150 هـ. ( التفاصيل فى كتابنا : حد الردة )
8ـ وأدت قسوة أبى جعفر المنصور فى عقاب العلويين الثائرين الى انهاء تام للتحالف الذى كان بين الشيعة والعباسيين . فالدعوة كانت أصلا لأبناء (على ) وليس لأبناء العباس تحت شعار (الرضى من آل محمد ) ولكن حدثت تطورات اسفرت عن انتقالها سرا الى العباسيين ، ولما ظهر علنا أن الخليفة صاحب الأمر من العباسيين نقم بعض الشيعة وتوقف بعضهم وثار البعض الاخر ، وجاءت قسوة أبى جعفر المنصور فى محاربة ذرية ( على ) من أقارب محمد النفس الزكية لتؤسس الانفصال التام بين الشيعة و العباسيين . وواكب هذا عصر التدوين ورواج الحرب الفكرية بالأحاديث.
ثانيا:
هذه هى التربة التاريخية التى نبت فيها ذلك النبات الشيطانى القائل عن هلال رمضان ( صوموا لرؤيته ).
كيف ؟

1 ـ فى عام 155 عزل الخليفة أبو جعفر المنصور ابن عمه محمد بن سليمان عن ولاية الكوفة .( أبو جعفر المنصور :اسمه عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب . وابن عمه المذكور هو : محمد بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب )، وإذن لا بد من سبب قوى يجعل الخليفة يعزل ابن عمه . نقرأ الخبر ثم نتوقف معه بالتحليل:
2 ـ يقول الخبر:
( وفيها‏:‏ عزل المنصور محمد بن سليمان بن علي عن الكوفة واستعمل مكانه عمرو بن زهير أخا المسيب بن زهير ‏.‏ واختلفوا في سبب عزله لمحمد بن سليمان ‏.‏ فقال بعضهم‏:‏ إنما عزله لأمور قبيحة بلغته عنه اتهمه فيها ‏.‏ وقال آخرون‏:‏ بل كان السبب أنه أتى في عمله على الكوفة بعبد الكريم بن أبي العوجاء وكان خال معن بن زائدة فكثر شفعاؤه إلى أبي جعفر ولم يشفع فيه إلا ظنين ، فأمر بالكتاب إلى محمد بن سليمان بالكف عنه إلى أن يأتيه رأيه فيه ‏.‏ فكلم ابن أبي العوجاء أبا الجبار فقال له‏:‏ " إن أخرني الأمير ثلاثة أيام فله مائة ألف درهم ولك كذا وكذا ." فأعلم أبو الجبار محمدًا فقال‏:‏ " أذكرتنيه والله كنت قد نسيته فإذا انصرفت من الجمعة فاذكرنيه "‏.‏ فلما انصرف أذكره إياه فأمر بضرب عنقه ، فلما أيقن أنه مقتول قال‏:‏" أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام، ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم "، فضربت عنقه ‏.‏ وورد محمد على رسول أبي جعفر بكتابه‏:‏ " إياك أن تحدث في ابن أبي العوجاء شيئًا فإنك إن فعلت فعلت بك وفعلت" ،  يتهدده ‏.‏ فقال للرسول‏:‏ " هذا رأس ابن أبي العوجاء وهذا بدنه مصلوبًا بالكناسة فأخبر أمير المؤمنين "‏.‏ فلما بلغ الرسول أبا جعفر رسالته تغيظ عليه وأمر بعزله ثم قال‏:‏ " والله لقد هممت أن أقيده به " .

ثم أرسل إلى عيسى بن علي فأتاه فقال‏:‏ " هذا عملك ، أنت أشرت بتولية هذا الغلام فوليته غلامًا جاهلًا لا علم له بنا ، يأتي يقدم على رجل فيقتله من غير أن ينتظر أمري ، وقد كتبت بعزله وبالله لأفعلن.". يتهدده ، فسكت عنه عيسى حتى سكن غضبه ثم قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن محمدًا إنما قتل هذا الرجل على الزندقة فإن كان قتله صوابًا فهو لك وإن كان خطأ فعلى محمد ...) ( تاريخ الطبرى 8 : 47 : 48 تاريخ المنتظم 8 : 184 : 185 ).
3 ـ ملخص الخبر:
أنه جىء لوالى الكوفة بعبد الكريم بن ابى العوجاء متهما بجريمة لا نعرفها ، ولم تفصح عنها الرواية . فجاءت الرسائل الى الخليفة فى بغداد تتشفع فى المتهم ، فارسل الخليفة الى ابن عمه الوالى باطلاق سراحه فى نفس الوقت الذى عرض فيه المتهم على الوالى رشوة قدرها مائة ألف درهم إن أجّل ميعاد قتله ثلاثة أيام ،أى الى أن تأتى رسالة الخليفة باطلاق سراحه. ولكن الوالى سارع بقتله، وقبل قتله قال ابن أبى العوجاء قولته المشهورة :(أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ، ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم) وقد غضب الخليفة بسبب قتل ابن ابى العوجاء مع علمه بأن الوالى قتله دون أن يعلم بعد برسالة الخليفة التى تطلب العفو عنه . وأراد الخليفة معاقبة ابن عمه بأكثر من العزل لولا تدخل عمه عيسى بن على.
4 ـ ونلاحظ الآتى:
 4 / 1  ـ إن ذلك الخليفة هو أبو جعفر المنصور الذى كان يقتل الناس بسبب كلمة أو بسبب قرابة لثائر عليه . نراه هنا يتقمص دور الخليفة عمر بن عبد العزيز فى حرصه على حقن الدماء.! فلماذا كل هذا الاهتمام بحياة ابن أبى العوجاء الذى عوقب بجريمة استحق بها الموت طبقا لتقدير الوالى العباسى والسياسة المعلنة للدولة العباسية ؟
4 / 2  ـ قوة نفوذ ابن ابى العوجاء ، ليس لأنه خال لمعن بن زائدة أحد كبار القادة العرب لبنى العباس ، لأن المنصور نفسه لم يأبه بمعن بن زائدة و غضب عليه واباح دمه فهرب معن واختفى ، ثم جاءته الفرصة ليرضى عنه الخليفة عندما انقذ الخليفة من الرواندية حين هموا بالفتك بأبى جعفر.
قوة نفوذ أبن أبى العوجاء تتضح فى الكثيرين من أتباعه ، وهم متهمون فى دينهم ،ابو بتعبير الرواية (فكثر شفعاؤه إلى أبي جعفر ولم يشفع فيه إلا ظنين ) أى أن أولئك المظنون أو المشكوك فى دينهم كانوا أصحاب حظوة لدى الخليفة ، تبعا لصاحبهم ابن أبى العوجاء ، ولو لم تكن لهم هذه الحظوة ما تجرءوا على التشفع فيه عند الخليفة السفّاك ، خصوصا وابن أبى العوجاء متهم بجريمة توجب قتله طبقا لتقدير الوالى الذى هو ابن عم الخليفة، ولو لم يكونوا واثقين من مكانته عند الخليفة ما جرءوا على ذلك ، بل لولم يكن أبن أبى العوجاء نفسه واثقا من تدخل الخليفة لحمايته ما عرض رشوة على الوالى نفسه ليؤجل قتله ثلاثة أيام الى أن تأتى رسالة الخليفة. والأكثر دلالة هو تحمس الخليفة لنجدته ، مع أنه ـ اى الخليفة ـ جبار بنى العباس وأكثرهم سفكا للدماء ، وبلغ من تحمس الخليفة لنجدته أن سارع بارسال الكتاب لانقاذه ، وكان يمكن انقاذه لولا تسرع الوالى فى قتله . واكبر دليل على مكانة ابن أبى العوجاء أن الخليفة يغضب على ابن عمه الوالى بشدة ، ويهم بعقابه بعد عزله لولا تدخل عمه عيسى بن على.
4 / 3 ـ ومع قوة نفوذه فلم يكن ابن أبى العوجاء مشهورا فى دولة أبى جعفر المنصور مما يدل على ان له عملا سريا يقوم به لصالح الخلافة العباسية ، لا يعلمه والى فى الكوفة نفسه، الذى هو ابن عم الخليفة.
ابن ابى العوجاء كان خال معن بن زائدة ، ولكن ابن أخته كان أشهر منه لأن معن كان ظاهرا كقائد حربى وكزعيم لقبائل اليمن فى عهده ، ومقصدا للشعراء يمدحونه. أما ابن أبى العوجاء فكان بنفوذه تحت السطح لم نعلم عنه شيئا إلا عندما قتله والى الكوفة فعوقب الوالى بالعزل.
4 / 4 : الجريمة التى قبض عليه الوالى بسببها كانت كبيرة استوجبت القتل ، ولكننا لا نعرفها ، ولكن المفهوم عموما أن أى صاحب نفوذ فى أى دولة استبدادية يستخدم نفوذه فى الاستطالة على الناس ، وربما كان هذا ما فعله ابن أبى العوجاء فاستوجب ان يحكم عليه الوالى بالقتل فى إطار السلطة المنوطة بالوالى العباسى دون مراجعة الخليفة، وهكذا كان يفعل الوالى الشاب فى الكوفة.
4 / 5 : وحق الوالى فى قتل من يشاء كان سنة متبعة بدأتها الدولة الأموية ـ فى العراق بالذات لأنه كان موطن المعارضة للأمويين ، لذا اشتهر الوالى زياد بن أبيه بأحكامه العرفية التى قتل بها الآلاف من اهل البصرة و الكوفة فى عهد معاوية ، ثم توسع فى القتل الوالى الحجاج بن يوسف ، وبعده خالد القسرى . وكلهم حكم العراق للأمويين . وجاءت الدولة العباسية فتفوق فيها الخليفة الأول السفاح وقواده على الأمويين فى سفك الدماء ، وتبعه المنصور وولاته فى القتل المخطط أو العشوائى ، والأدلة كثيرة ودامية..

4 / 6 : ولكن اختلف الحال مع ابن أبى العوجاء ، فهو صاحب نفوذ سرى لا يعلمه الوالى نفسه ، لذلك أخطأ الوالى عندما قتله ، ودفع الثمن عزلا من منصبه ،بل كاد أن يفقد حياته بيد الخليفة ابن عمه.

4 / 7 : ويلفت النظر هنا أن الخليفة فى ثورة غضبه على قتل ابن ابى العوجاء قال (والله لقد هممت أن أقيده به ) أى أن يقتل ابن عمه قصاصا . وهذا تصريح خطير يدل على مكانة ابن ابى العوجاء ذلك الرجل المجهول.
4 / 8 : وربما نستشف السبب فى قول الخليفة لعمه عيسى بن على يؤنبه:(هذا عملك أنت.. أشرت بتولية هذا الغلام فوليته غلامًا جاهلًا لا علم له بنا ) أى ان الوالى الشاب محمد بن سليمان لم يكن يعلم أسرار المخضرمين من أسرته مثل المنصور وأعمام المنصور أساطين الدعوة السرية قبل إقامة الدولة العباسية، ولا يعرف الجيش السرى للدعوة والذى كان ينشر الاشاعات ويخترع الأحاديث ويقوم بتجنيد الأتباع ، ومنهم ابن أبى العوجاء.لقد كان محمد بن سليمان فى العاشرة من عمره عندما أسقط أهله العباسيون الدولة الأموية ، وجرفه موكب ومظهر السلطان الجديد فلم يتعرف على الدعاة السريين الذين قامت وتقوم على أكتافهم الدولة الجديدة ؛ وعندما تولى الكوفة لم يعرف تنظيماتها السرية التى كونها أبو جعفر المنصور لتواجه الشيعة من الداخل دفاعا عن الخلافة العباسية ، لم يعرف قيمة عبد الكريم بن ابى العوجاء ، ولم يكن يعلم بأن له دورا ما مع أتباعه يلعبونه لصالح الخلافة العباسية فى الكوفة.وقد كانت الكوفة العاصمة الأولى للدعوة العباسية ثم للدولة العباسية ، فكانت موطن التشيع وبقيت فيها كثرة كاثرة من الشيعة الذين فوجئوا بأن الدعوة والخلافة لبنى العباس وليس لذرية (على بن أبى طالب) . ولأن الشيعة هم أساس الدعوة التى تم نقلها سرا للعباسيين ،ولأن الشيعة أساتذة فى التآمر والتقية فإن ثورة محمد النفس الزكية أخافت أبا جعفر المنصور من تعاون محتمل بين شيعة الكوفة ومحمد النفس الزكية الذى ثار فى مكة واخيه ابراهيم الذى ثار فى العراق . لذا لم يعد يأمن المنصورعلى وضعه بين شيعة الكوفة ، فأقام بغداد عاصمة جديدة له ، وانتقل من الكوفة الى بغداد ، وقد أقيمت مدينة بغداد عام 145 وهى نفس السنة التى ثار فيها محمد النفس الزكية.
4 / 9 : ترك المنصور الكوفة وفيها أتباعه العلنيون والسريون ليواجهوا أساطين الشيعة من ظهر منهم ومن بطن. ويمكن القول بأن الوالى السرى للكوفة بعد رحيل المنصور عنها كان ابن ابى العوجاء ، وربما استخدم ابن ابى العوجاء سلطته السرية تلك فى عمل لصالح ابى جعفر المنصور تخطى به سلطة الوالى (الظاهر ) الذى لم يكن له علم بذلك ، لذلك عاقب الوالى ابن أبى العوجاء بالقتل دون أن يعرف علاقته السرية بالخليفة فى بغداد.أى أن الوالى الشاب قتل نظيره فى خدمة الدولة العباسية فى وقت كان الخليفة المنصور أحوج ما يكون فيه الى خدمات ابن ابى العوجاء . لقد فتك الخليفة بثورة محمد النفس الزكية واهله وشيعته ، وهو يتوقع شرا من البقية المستترة من شيعة النفس الزكية الذين يكمنون له فى الكوفة مركز التشيع ، والدور الأكبر فى كشفهم وملاحقتهم هو لابن أبى العوجاء وفرقته السرية . لذا كان غضب الخليفة الكبير من ابن عمه الصغير..
5ـ لكن هل كان الخليفة ابو جعفر المنصور يعلم أن ابن أبى العوجاء قد تطرف فى مهنته أو مهمته بحيث لم يكتف بصنع أحاديث تؤيد العباسيين بل اضاف الى ذلك أحاديث تهدم الاسلام وشريعته ، أو على حد قوله :(أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم) ؟ .. لا أعتقد أن أبا جعفر المنصور كان يهتم بهذا لأن اهتمامه الأكبر كان فى توطيد سلطانه ، بل أعتقد أنه كان على علم بعمل ابن أبى العوجاء فى صناعة ونشر الأحاديث التى تطعن فى الاسلام ، فلو كانت هذه تهمة خطيرة فى نظر الخليفة المنصور لقتل ابن أبى العوجاء بدلا من غضبه على مقتله.
6 ـ ولقد كان للمنصور العباسى جهاز تجسس رفيع المستوى فاق المعروف فى عهده ، ولعب دورا فى إفشال ثورة محمد النفس الزكية ومتابعة الشيعة المعارضين ، وقتلهم بالزندقة. ومقدرة هذا الجهاز السرى على التجسس رويت فيها اخبار فى ثنايا أخبار ثورة محمد النفس الزكية ، ولكن الدليل الأكبر على تفوق هذا الجهاز السرى هو تلك الأسطورة التى تزعم أن مع ابى جعفر المنصور مرآة سحرية يرى فيها ما يحدث من أعدائه، يقول ابن الجوزى:( وكان عند أبى جعفر مرآة يرى بها ما فى الأرض جميعا ، يقال انها نزلت على آدم وصارت الى سليمان ابن داود ..) ويقول ان أبا جعفر المنصور استعمل تلك المرآة فى تعقب محمد النفس الزكية أثناء ثورته.(المنتظم 8 : 47 )  .المفهوم من تلك الرواية الخيالية مقدرة أبى جعفر المنصور فى العمل السرى ، ومعرفة الأخبار عن طريق شبكة من العملاء الذين نجحت بهم الدعوة للرضا من آل محمد ، ثم نجحت بهم فى اقامة وتوطيد الدولة العباسية ، ثم نجحت فى ملاحقة الشيعة الذين انقلبوا على العباسيين الذين إستأثروا بالخلافة دون أصحابها الحقيقيين من ذرية الامام (على ) .

وكان ابو جعفر هو حجر الزاوية فى الدعوة وفى اقامة الدولة . ومثله لا يخفى عليه أن واحدا من أتباعه السريين المكلفين بصناعة الأحاديث فى خدمة العباسيين قد تطرف فاخترع أحاديث تطعن فى الاسلام. ولأنها ليست جريمة عند المنصور فان المجرم ظل متمتعا بالحظوة عند الخليفة الى آخر لحظة فى حياته.
7 ـ قلنا إن الوحيد الذى لم يكن يعرف خطورة ابن أبى العوجاء كان الوالى الشاب محمد بن سليمان. لم يكن يعلم أنه عميل سرى للدولة العباسية له حصانة من القتل مهما أجرم ، ولم يكن يعلم دور ابن أبى العوجاء فى صناعة الأحاديث خدمة للعباسيين ،وأنه تعدى ذلك الى صناعة أحاديث تطعن فى شريعة الاسلام ، تحلل الحرام وتحرم الحلال.ولذلك فان ابن ابى العوجاء عندما يأس من تدخل الخليفة لانقاذه وأيقن بالموت أفشى ما كان يفعله لينفث عن حقده على الدولة التى خدمها و خدعها ، فان قتلته تلك الدولة فقد كاد لدينها (الرسمى)، فقال قبيل قتله :(أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ، ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم).
8 ـ ومن السذاجة ان نتساءل عن تلك الأحاديث التى رواها ابن أبى العوجاء . فليس منتظرا من أساطين الدعوات السرية وصانعى الاشاعات والأساطير والروايات أن يعلنوا أسماءهم فى سلاسل الرواة صراحة ، فقد كانوا يصنعون الأحاديث ويجعلون لكل منها سندا ورواة من السابقين الذين ماتوا فى العصور السابقة ثم يعطون تلك الأحاديث بأسانيدها ومتونها الى رواة مشهورين ليذيعوها بأسمائهم ولينسبوها لأنفسهم.

9 ـ كانت هناك سوق رائجة لرواية الحديث بتشجيع العباسيين ، وفيها رواة مشهورون فى ذلك الوقت مثل الأعمش و ابى نعيم الحضرمى وواهب بن عبد الله وسليمان بن ابى سليمان وداود بن هند وسلمة بن دينار وحميد بن هانىء وعاصم بن سليمان وسليمان بن طرخان و ويحيى بن سعيد الانصارى وخالد ابن يزيد وسعيد بن اياس ومجالد بن سعيد الهمدانى وهلال بن خباب وعمرو بن ميمون بن مهران واشعث ابن عبد الملك وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام ..الخ.وبعضهم كان عميلا للدولة العباسية، تأتيه الأحاديث مصنوعة جاهزة ويأتى مع كل حديث إسناده جاهزا بأن رواه فلان عن فلان الى النبى محمد عليه السلام. فيأخذ الراوى المشهور ذلك الحديث ويزعم أنه سمعه بنفسه من فلان عن فلان بنفس السند.
وبالتالى كان أبى العوجاء وبطانته السرية يصنع متن الحديث ثم يعطيه للرواة المشهورين فى وقته والمتعاملين معه فى خدمة الدولة العباسية ، فيروون تلك الأحاديث على أنهم هم الذين سمعوها، وبالتالى تتم رواية تلك الأحاديث وسندها الفخم يخلو من اسم صانعها الحقيقى ابن أبى العوجاء ، وتروج تلك الأحاديث وتنتشر بين الناس على أنها أحاديث قالها الرسول محمد عليه السلام فيعملون بها معتقدين صدقها ، وبذلك أفلح ذلك الجندى الشيطانى المجهول عبد الكريم بن أبى العوجاء فى أن يتلاعب بالمسلمين فى عهده ـ وحتى الآن ـ من خلال تلك الأحاديث التى صنعها فأصبحت سنة مقدسة ، بحيث يجعلها الشافعى (ت 204 ) فيما بعد حاكمة على القرآن أو بتعبيرهم ( تنسخ القرآن ) . ولذك نفهم نفسية ابن أبى العوجاء وهو يقولها حاقدا متشفيا فى المسلمين قبل قتله :(أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ، ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم).
10  ـ ولا يقال إن ابن أبى العوجاء قد فضح نفسه بهذا التصريح. بالعكس . لقد كان يتحداهم ونجح فى التحدى . فالأحاديث التى صنعها تناقلها الناس فى حياته وعملوا بها ـ ولا يزالون . وكان من المستحيل العثور على واحد من تلك الأحاديث التى افتراها ، فقد اختفت بصمته وظهر مكان إسمه اسماء شهيرة تتمتع بالعدالة والصُّدقية، ثم ان تلك الأحاديث بدأت تأخذ دورها فى التدوين. وفعلا بعد مقتل ابن أبى العوجاء تم تدوين أحاديثه فى موطأ مالك ،ثم فى (الأم ) للشافعى فى القرن الثانى الهجرى ، ثم فى البخارى وصحبه فى القرن الثالث الهجرى. والآن نقرأ أحاديث ابن ابى العوجاء على ألسنة رواة آخرين . ولا تزال شريعة مقدسة معمولا بها. ومنها أحاديث ( صوموا لرؤيته ).
11 ـ ويلفت النظر أن كلمة ابن أبى العوجاء الحاقدة تنقسم الى قسمين :الأول (أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ) والثانى (ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم).
 11 / 1 :  القسم الأول مفهوم ، فهو خلال عمره وقبل مقتله نجح فى هذا الوقت القصير أن يؤلف أربعة آلاف حديث يقلب فيها موازين الشرع يحرم الحلال ويحلل الحرام ، هذا بالاضافة الى أحاديثه السياسية فى خدمة بنى العباس.
 11 / 2 :  القسم الثانى يحتاج الى وقفة ، فالرجل الداهية لم يقل ووضعت فيكم أحاديث تقول كذا ، أو تجعلكم تصومون وقت الافطار وتفطرون وقت الصيام . لو قال ذلك لأمكن بسهولة التعرف على متون تلك الأحاديث ومحوها ، ولكنه صاغ جملته بطريقة ماهرة ، فقال : (ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم). ولم يصرح كيف فعل ذلك ، مع أنه يفخر بذلك الذى فعله بفريضة الصيام ،ولا شك أنه عاش هذا النجاح وهو يرى نفسه يتلاعب بالمسلمين يصومون فى وقت الافطار ويفطرون فى وقت رمضان.  ولذلك فان نجاحه فى صناعة بضعة أحاديث قليلة تفسد صوم رمضان يساوى عنده نجاحه فى صناعة أربعة آلاف حديث أخرى فى تحريم الحلال وتحليل الحرام.
12ـ ولكن ما معنى قوله (ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم)؟
المعنى هو أنه جعل السنيين يصومون فى فطرهم فى آخر يوم من شعبان ، ويفطرون فى وقت صيامهم آخر يوم من رمضان . بدلا من الحساب الفلكى الذى كان معمولا به فان ابن أبى العوجاء اخترع أحاديث تجعل الرؤية البصرية هى الأساس فى تحديد بدء شهر رمضان وتحديد انتهائه ، وأنهى فى الدين السنى   دور الحساب الفلكى الذى كان هو الأصل .والرؤية للهلال تعنى الاختلاف فيه ؛ هذا رآه وأولئك لم يروه ، وفى أغلب الأحوال فالرؤية خادعة حتى مع افتراض صدق الشهود الذين رأوا أم لم يروا الهلال ، وبالتالى صام السنيون فى آخر شعبان على أنه أول رمضان ، وأفطروا فى آخر رمضان على أنه عيد الفطر ، بل واختلفوا فى الاعتداد بالرائى للهلال أو الشاهد على رؤيته ، وانفتح المجال للتلاعب السياسى و الهوى فى تحديد فريضة الصيام ..ولا يزال الأمر ساريا حتى الان يشهد بنجاح ابن أبى العوجاء  وهو المخترع الحقيقى لحديث : ( صوموا لرؤيته ..)
13 ـ  وقد نجا الشيعة ـ خصوم العباسيين ـ من هذه المكيدة. فقد ظلوا على السنة الحقيقية التى ألغاها ابن أبى العوجاء. تمسك الشيعة بما كان عليه النبى محمد عليه السلام وآل بيته من التقيد بالحساب الفلكى . بينما وقع أهل ( السنة ) ضحايا لآبن ابى العوجاء.. ولا يزالون.
 14  ـ لم يكن ابن أبى العوجاء يحلم بأن تظل مفترياته سائدة مقدسة حتى اليوم تنشرها الفضائيات ويدافع عنها ملايين الفقهاء والدعاة والوعاظ من يوم مقتله حتى الآن . ولا يرجع الأمر الى عبقرية لابن أبى العوجاء بقدر ما يرجع الى غفلة أساطين الدين السّنى وتخلفهم العقلى ، فهم الذين رووا قصة ابن أبى العوجاء ، وهم الذين أوصلوها لنا ، وهم الذين تكاسلوا وغفلوا عن تدبرها ، كما غفلوا عن تتبع الأحاديث التى روجها ـ بل قاموا هم بترويجها.نتهمهم بالغفلة والتخلف أهون من انت ننعتهم بالتعمد والتبعية لعبد الكريم بن أبى العوجاء الملقب بعبد الكريم (الوضّاع ).!!

 

 

 

 

 

 


ب 2 ف1 ج 1 / المقال 2 : أحاديث عبد الكريم (الوضاع ) فى الأسفار السنية المقدسة

 كتاب ( رمضان والصيام بين الاسلام والدين السنى ) دراسة أصولية تاريخية

  الباب الثانى  : الصيام ورمضان فى الدين السنى

 الفصل الأول : ثلاث مقالات عن الحديث الملعون: ( صوموا لرؤيته.. ) الذى شوّش على التقويم الفلكى لرمضان 

 المقالالثانى : أحاديث عبد الكريم (الوضاع ) فى الأسفار السنية المقدسة

مقدمة: 

1ـ سبق الكلام عن اعتماد الاسلام على الحساب الفلكى فى تحديد بدء وانتهاء شهر رمضان ، وغيره من العبادات المرتبطة بمواقيت كالصلاة والحج. ثم جاء التفصيل التاريخى للمسرح الذى نبت فيه حديث (صوموا لرؤيته ) وأمثاله ، وكان ذلك فى عصر الخليفة أبى جعفر المنصور ، الذى شارك فى الدعوة لتأسيس الدولة العباسية ثم شارك فى إقامتها، ثم قضى فترة حكمه (21 عاما) فى توطيدها الى أن مات سنة 158.فى هذه الفترة حدث عن طريق الخطأ قتل عبد الكريم بن أبى العوجاء الذى تخصص فى  صناعة الأحاديث خدمة للعباسيين ، ولكنه كان يصنع أحاديث أخرى تطعن فى شريعة الاسلام ، وافتخر قبل مقتله قائلا : (‏ أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام، ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم ). قد حلل المقال الأول ظروف مقتله ودلالاته ، وكلمته تلك التى قالها ، ودلالتها على أنه هو المؤلف الحقيقى لأحاديث (صوموا لرؤيته ).
الأحاديث التى صنعها ابن أبى العوجاء وانتشرت فى العصر العباسى أتيح لها ولغبرها من الأحاديث المصنوعة أن تكتب بعد موت أبى جعفر المنصور( 158 ) خلال عصر الأئمة مالك (ت 189 )والشافعى (ت 204 ) . بتولى المتوكل عام 232 دخلت الخلافة العباسية فى طور جديد ،ودخلت معها صناعة الحديث فى مرحلة كبرى لا زلنا نعيش آثارها حتى الان ، فقد أخذ التطور مجراه لازدهار أكثر حين أعلن المتوكل من الأحاديث دينا وسنة ، فظهر أئمة السّنة يبنون على ما اختلقه ابن أبى العوجاء بتشجيع رسمى من المتوكل . وبعده ظهر أئمة السنة المشهورون مثل البخارى(ت 256 ) ومسلم( ت 261 ).
وهنا نتوقف بالتحليل مع أحاديث ( صوموا لرؤيته ) فى أسفار الدين السنى المقدسة.
حديث ( صوموا لرؤيته ) فى أسفار السنة المقدسة  :
أولا: جاء فى موطأ مالك رواية محمد بن الحسن الشيبانى ما يلى:
(أبواب الصيام : 1 ـ باب الصوم لرؤية الهلال والافطار لرؤيته:
346 ـ أخبرنا مالك ، حدثنا نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ،فإن غمّ عليكم فأقدروا له . قال محمد (ابن الحسن الشيبانى : وبهذا نأخذ ، وهو قول أبى حنيفة). (موطأ مالك . رواية محمد بن الحسن الشيبانى . تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف . الطبعة الثانية .المكتبة العلمية . القاهرة .)
التعليق: 

 1ـ مالك بن انس لم يكتب الموطأ ، ولكنه كان يروي الاحاديث ويسمعها منه تلاميذه ، ثم يكتبونها ، ولذا تعددت روايات الموطأ حتي بلغت نحو عشرين نسخة مختلفه ، وأشهرها نسخة او رواية محمد بن الحسن الشيباني القاضي العباسي المتوفي سنة 189 . أي توفى بعد مالك بعشر سنين..
و منهج محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الموطأ ان يقول (اخبرنا مالك ) ثم يذكر الرواة نقلا عن مالك ،ثم يذكر متن الحديث ثم يقول إن هذا هو رأى أبى حنيفة .وطبعا لا نعلم إن كان أبو حنيفة يرى ذلك أم لا . فهو يتكلم عن أبى حنيفة بعد موت أبى حنيفة . ولقد خالف تلميذا أبى حنيفة ( الشيبانى و أبو يوسف ) شيخهما أبا حنيفة ، وقد رأينا كيف عارض أبو حنيفة الخليفة أبا جعفر المنصور و فقهاءه فتعرض للسجن و السوط والموت بالسم ، وجاء تلميذا أبى حنيفة ( محمد بن الحسن الشيبانى و أبو يوسف ) فعملا فى خدمة الدولة العباسية التى قتلت شيخهما ، وبالتالى يحق لنا أن نشك فيما ينسبانه لاستاذهما بعد ان تنكبا طريقه ومنهجه الفقهى. ولنتذكر أن لأبى حنيفة موقفا صلبا من الأحاديث بينما يقوم تلميذه محمد بن الحسن الشيبانى برواية الموطأ عن مالك ، وهو كله أحاديث بعضها منسوب للنبى والآخر منسوب للصحابة والتابعين ، ويحرص الشيبانى على تأكيد الاتفاق بين الموطأ و رأى شيخه أبى حنيفة ،أى يجعل مالك متفقا مع ابى حنيفة وكلاهما يناقض الاخر فى المنهج والموقف من الأحاديث.
2 ـ متن الحديث متهالك ، فهو يزعم أن النبى محمدا عليه السلام كان يتحدث مع أصحابه وبينهم عبد الله ابن عمر فجاء ذكر رمضان فنهاهم عن صوم رمضان إلا بعد رؤية الهلال ونهاهم عن الافطار إلا بعد رؤيته ، فان جاء غيم من السحب منع رؤية الهلال فليقدروا له (أى بالحساب الفلكى).
لن نناقش قضية ان عبد الله بن عمر كان صبيا حين مات النبى محمد عليه السلام ،ولا يتفق هذا مع كل تلك الأحاديث التى نسبها له الرواة مثل ابن ابى العوجاء . ولكن نشير الى متن الحديث وهو يجعل تشريعا هاما للصوم يأتى عرضا فى إطار (دردشة ) مع النبى ، هذا لو كان من حق النبى أن يقوم بالتشريع أصلا ، فالرسول كان مبلغا للتشريع الالهى القرآنى فقط ، وكانوا إذا سألوه واستفتوه فكان ينتظر الوحى ليتنزل عليه بالاجابة قائلا ( يسألونك ..قل ) ، والتفاصيل فى كتابنا ( القرآن وكفى ).
3 ـ وعلى كل حال فان الفقيه العراقى محمد بن الحسن الشيبانى هو ابن للعراق الذى انتشرت فيه أحاديث ابن أبى العوجاء ، وكان سهلا على فقيه رسمى خادم للسلطة العباسية أن يكتب فى موطأ مالك ما يراه منتشرا فى العراق العباسى برعاية الدولة العباسية. وبالتالى فانه لم يذكر فى موطأ مالك تلك الفتوى التى قالها مالك فى تشجيع ثورة محمد النفس الزكية ، والتى تعرض بسببها للضرب بالسياط.
4 ـ جاءت رواية محمد بن الحسن الشيبانى هنا معتدلة ، فلم يذكر سوى حديث واحد ، وفيه إشارة الى الأخذ بالتقدير الفلكى أو الحساب الفلكى إذا جاء غيم يحجب الرؤية.
وهناك نسخة أخرى للموطأ نشرها على الانترنت موقع سلفى مشهور:
http://www.al-eman.com/hadeeth/viewchp.asp?BID=5&CID=47#s2
وفى هذه النسخة من الموطأ أربعة أحاديث عن رؤية الهلال فى رمضان ، وليس مجرد حديث واحد.
والاختلاف واضح بين النسختين دليلا على أن الجميع يكذبون على مالك ، أى كانوا يكتبون ما يشاءون ثم يقولون حدثنا مالك.
ننقل ماجاء فى النسخة ( السعودية ) لموطأ مالك عن هلال رمضان:
( كتاب الصيام 1 - باب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ
633 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ ‏"‏ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ‏"‏ ‏.‏
634 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ‏"‏ ‏.‏
635 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ ‏"‏ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ ‏"‏ ‏.‏
636 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْهِلاَلَ، رُئِيَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى أَمْسَى وَغَابَتِ الشَّمْسُ ‏.‏ قَالَ يَحْيَى سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي يَرَى هِلاَلَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ أَنَّهُ يَصُومُ لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ ‏.‏ قَالَ وَمَنْ رَأَى هِلاَلَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُفْطِرُ لأَنَّ النَّاسَ يَتَّهِمُونَ عَلَى أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا وَيَقُولُ أُولَئِكَ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَدْ رَأَيْنَا الْهِلاَلَ وَمَنْ رَأَى هِلاَلَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَلاَ يُفْطِرْ وَيُتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ هِلاَلُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي ‏.‏ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ إِذَا صَامَ النَّاسُ يَوْمَ الْفِطْرِ - وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ - فَجَاءَهُمْ ثَبَتٌ أَنَّ هِلاَلَ رَمَضَانَ قَدْ رُئِيَ قَبْلَ أَنْ يَصُومُوا بِيَوْمٍ وَأَنَّ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلاَثُونَ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيَّةَ سَاعَةٍ جَاءَهُمُ الْخَبَرُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ صَلاَةَ الْعِيدِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ‏.‏).
التعليق:
1 ـ يلاحظ هنا اختلاف العناوين بين النسختين ؛ ففى رواية الشيبانى (أبواب الصيام : 1 ـ باب الصوم لرؤية الهلال والافطار لرؤيته : ) بينما فى النسخة السعودية ( كتاب الصيام ـ 1 - باب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ )
2 ـ أن الحديث الوحيد الذى جاء عن الهلال فى رواية الشيبانى قد جاء برقم مختلف عن نفس الحديث فى النسخة السعودية . ففى رواية الشيبانى رقم الحديث 346 ، ونفس الحديث فى النسخة الأخرى جاء برقم 633 . أى إننا هنا أمام كتابين مختلفين فى عدد الأحاديث ،وكل منهما منسوب لمالك وتحت اسم (الموطأ ).
3 ـ مع إنه حديث واحد فى المتن إلا انه مختلف فى السند ، ففى رواية الشيبانى (أخبرنا مالك ، حدثنا نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ،فإن غمّ عليكم فأقدروا له ) هنا يقول الشيبانى أن مالك هو الذى قال له مباشرة أنه سمع من نافع وابن دينار عن ابن عمر، بينما يأتى السند فى النسخة الأخرى كالآتى : (حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ ‏"‏ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ‏"‏ ) أى أن الراوى لهذه النسخة من الموطأ لم يرو عن مالك ولم يسمع من مالك ، وإنما سمع من يحيى الذى سمع من مالك..
4 ـ بعدها جاءت النسخة السعودية للموطأ بثلاثة أحاديث إضافية عن رؤية الهلال ، ولم ترد تلك الأحاديث فى نسخة ورواية الشيبانى . والحديث رقم 634 فيه مصيبة كبرى إذ يزعم أن الشهر هو 29 يوما ، وهو تحديد حاسم وجازم ويستحق الشفقة ، فلم يخطر على بالهم أن الشهر القمرى قد يكون 30 يوما أيضا . والحديث رقم 635 هو تكرار للحديث الأول ولكن باسناد مختلف ، أما الحديث الأخير فليس مسندا للنبى ، ولكنه خليط من فتاوى و حكاية عن رمضان فى عصر الخليفة عثمان ، والمقصد منها هو تأكيد الزعم بوجود الرؤيا لهلال رمضان والاختلاف حولها بين صيام البعض وإفطار آخرين..
وفى كل ما سبق نرى أصابع ابن أبى العوجاء المقتول عام 155 ؛ فالأحاديث التى نشرها ابن أبى العوجاء مالبث أن وجدت طريقها للتدوين فى موطأ مالك بعد موت مالك عام 179، والشيبانى الذى مات عام 189 هو الذى كتب ما شاء من أحاديث منتشرة فى العراق فى موطأ مالك ونسبها لمالك ، وكتب آخرون نسخا من الموطأ زعم بعضهم أنه سمعها من تلميذ مالك وليس من مالك نفسه . و السلفيون فى عصرنا نشروا نسخة من الموطأ هى الأكثر تخريفا لتؤكد على حديث رؤيا الهلال ، والذى يعتبر سياسة عليا لهم فى فرض حديث (صوموا لرؤيته )على كل المسلمين ، ، دون أن يعرفوا أنهم يخدمون سيدهم عبد الكريم ابن أبى العوجاء.

ثانيا:

أحاديث ابن أبى العوجاء فى كتاب الأم للشافعى: ننقل هنا أيضا عن الموقع السلفى إياه: http://www.al-eman.com/feqh/viewchp.asp?BID=309&CID=21
ما جاء فى كتاب (الأم ) للشافعى فى نفس الموضوع:
( كتاب الصيام الصغير
باب الدخول في الصيام والخلاف عليه
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ‏(‏الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ‏)‏‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ، فَإِنْ لَمْ تَرَ الْعَامَّةُ هِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَرَآهُ رَجُلٌ عَدْلٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ وَالِاحْتِيَاطِ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَجُلاً شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه عَلَى رُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ فَصَامَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا، وَقَالَ‏:‏ أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ بَعْدُ لاَ يَجُوزُ عَلَى هِلاَلِ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لاَ أَقْبَلُ عَلَيْهِ إلَّا شَاهِدَيْنِ، وَهَذَا الْقِيَاسُ عَلَى كُلِّ مَعِيبٍ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ جَمَاعَةٌ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلاَ أَقْبَلُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلاَلِ الْفِطْرِ إلَّا شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَأَكْثَرَ، فَإِنْ صَامَ النَّاسُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ إلَّا أَنْ يَرَوْا الْهِلاَلَ أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَتِهِ فَيُفْطِرُوا، وَإِنْ غُمَّ الشَّهْرَانِ مَعًا فَصَامُوا ثَلاَثِينَ فَجَاءَتْهُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ شَعْبَانَ رُئِيَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ قَضَوْا يَوْمًا لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ‏.‏ وَإِنْ غُمَّا فَجَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُمْ صَامُوا يَوْمَ الْفِطْرِ أَفْطَرُوا أَيْ سَاعَةَ جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ صَلُّوا صَلاَةَ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُصَلُّوا صَلاَةَ الْعِيدِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِنَا‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَخَالَفَهُ فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ قَوْلَنَا وَقَالَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ بِهِمْ الْإِمَامُ مِنْ الْغَدِ وَلاَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ‏.‏).
التعليق: 

1 ـ يروى الشافعى حديثا وحيدا منسوبا للنبى محمد عليه السلام ، وهو نفس الحديث المعيب الذى روته من قبل النسخة السلفية فى الموطأ ، ولكن مع اختلاف فى الصيغة والمتن.
وننقل الحديثين معا : فى الموطأ (السعودى ):
634 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ‏"‏ ‏.‏ هنا يقول بالحساب الفلكى حين تحجب الغيوم القمر
وفى الأم للشافعى ( أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ‏(‏الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ‏)‏‏.‏ هنا إكمال شعبان ثلاثين يوما عند احتجاب القمر. وهنا أيضا يتناقض الحديث مع نفسه،إذ يقول مرة ان الشهر 29 يوما ثم يأمر باستكماله الى ثلاثين حين الغيم.
2 ـ وكما جاء الموطأ ( السعودى ) برواية عن رؤية الهلال فى عصر عثمان جاء الشافعى برؤية الهلال فى عصر (على بن أبى طالب )
3 ـ يسير الشافعى على منهج الشيبانى فى الموطأ ،إى يروى الحديث ثم يعلق عليه . فمثلا تجد فى الموطأ ( الشيبانى ) (أخبرنا مالك ، حدثنا نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ،فإن غمّ عليكم فأقدروا له . قال محمد (ابن الحسن الشيبانى) : وبهذا نأخذ ، وهو قول أبى حنيفة). أى يعلق الشيبانى بأنه يأخذ بهذا الحديث.
نفس الحال مع الشافعى ( أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ‏(‏الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ‏)‏‏.‏ [‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ، فَإِنْ لَمْ تَرَ الْعَامَّةُ هِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَرَآهُ رَجُلٌ عَدْلٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ وَالِاحْتِيَاطِ‏.‏ ).
4 ـ وكما أن كتاب الموطأ لم يكتبه مالك ولكن رواه وكتبه عنه آخرون فان الشافعى أيضا لم يكتب كتاب (الأم) بنفسه ، وفى النصوص السابقة تجد ان الراوى عن الشافعى هو الربيع..
5 ـ فى حرصه على الافتاء فان الشافعى لم ينج من التناقض حتى فى تلك النصوص القليلة، فالشافعى يقبل رواية الشاهد الواحد فى رؤية الهلال طالما كان عدلا :[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ، فَإِنْ لَمْ تَرَ الْعَامَّةُ هِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَرَآهُ رَجُلٌ عَدْلٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ وَالِاحْتِيَاطِ‏.‏) وبعدها يناقض نفسه فيوجب وجود شاهدين : ([‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ بَعْدُ لاَ يَجُوزُ عَلَى هِلاَلِ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ‏.‏) ثم يأخذ فى الاضطراب فى الروايات التالية.
6 ـ ومن الطبيعى أنه طالما يقوم الأمر على الرؤية و الشهادة بالرؤيا أن يتفاقم الاختلاف بين الناس .. وبين الفقهاء. وطالما كان الأساس زورا فالنتائج كلها تتناقض وتختلف ، ويشب الاختلاف بين الفقهاء ، بل حتى يتناقض الفقيه مع نفسه فى نفس الصفحة.

وهنيئا لابن أبى العوجاء ما فعل بأئمة الدين السنى.

ثالثا:
أحاديث ابن أبى العوجاء فى كتاب البخارى :

http://www.al-eman.com/hadeeth/viewchp.asp?BID=13&CID=61#s12
ـ باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا ‏"‏‏ وَقَالَ صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
1940 ـ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ ‏"‏ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ‏"‏‏.‏
1941 ـ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ ‏"‏‏.‏
1942 ـ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا ‏"‏‏.‏ وَخَنَسَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ‏.‏
1943 ـ حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ ‏"‏‏.‏
1944 ـ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضى الله عنها ـ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ شَهْرًا‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ‏"‏‏.‏
1945 ـ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ‏"‏‏.‏
التعليق :

 1 ـ  كرر البخارى الأحاديث السابقة مع اختلافات فى متن بعضها وفى اسنادها ، ولكنه أضاف ملمحين : الأول : الحكم بتحريم صوم يوم الشك ، وهى مجرد فتوى قالها صلة ، وقد ألصقها البخارى بحديث لتكتسب صدقية ، والثانية تتمثل فى ولع البخارى بانتهاك حرمة بيت النبى محمد عليه السلام والزج بامهات المؤمنين فى مواقف مختلفة مختلقة ، ولقد تعرضنا لهذا بالتفصيل فى كتابنا ( القرآن وكفى ) .

2 ـ ولكننا هنا نشير الى حديثين ضمن الأحاديث السبعة عن الصوم ، وقد سبق البخارى بصنعهما خصيصا لانتهاك البيت النبوى ، والحديثان يزعمان أن النبى عليه السلام آلى من نسائه ، والايلاء هو الامتناع عن النوم مع الزوجة ( جنسيا ) ، وقد زعم البخارى هذه القصة وكررها فى حديثين مختلفين لكى يؤكد على الكذبة التى تقول إن الشهر 29 يوما فحسب.

رابعا:
أحاديث ابن أبى العوجاء فى كتاب مسلم ننقلها مما جاء فى نفس الموقع السلفى:
http://www.al-eman.com/hadeeth/viewchp.asp?BID=1&CID=47#s3

( باب وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ وَأَنَّهُ إِذَا غُمَّ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ أُكْمِلَتْ عِدَّةُ الشَّهْرِ ثَلاَثِينَ يَوْمًا ‏.‏
2550 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ ‏"‏ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ‏"‏ ‏.‏
2551 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ ‏"‏ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ - فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ ‏"‏ ‏.‏
2552 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ ‏"‏ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا ثَلاَثِينَ ‏"‏ ‏.‏ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ ‏.‏
2553 - وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ فَقَالَ ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ‏"‏ ‏.‏ وَقَالَ ‏"‏ فَاقْدِرُوا لَهُ ‏"‏ ‏.‏ وَلَمْ يَقُلْ ‏"‏ ثَلاَثِينَ ‏"‏ ‏.‏
2554 - وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ‏"‏ ‏.‏
2555 - وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، - وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ - عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ‏"‏ ‏.‏
2556 - حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ‏"‏ ‏.‏
2557 - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ، حُجْرٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرُونَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ، دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ إِلاَّ أَنْ يُغَمَّ عَلَيْكُمْ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ‏"‏‏.‏
2558 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ‏"‏ ‏.‏ وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ ‏.‏
2559 - وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ الأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ‏"‏ ‏

 2560 - وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا عَشْرًا وَعَشْرًا وَتِسْعًا ‏"‏ ‏.‏
2561 - وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ، عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الشَّهْرُ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا ‏"‏ ‏.‏ وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ بِكُلِّ أَصَابِعِهِمَا وَنَقَصَ فِي الصَّفْقَةِ الثَّالِثَةِ إِبْهَامَ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى ‏.‏
2562 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُقْبَةَ، - وَهُوَ ابْنُ حُرَيْثٍ - قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ‏"‏ ‏.‏ وَطَبَّقَ شُعْبَةُ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ وَكَسَرَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ ‏.‏ قَالَ عُقْبَةُ وَأَحْسِبُهُ قَالَ ‏"‏ الشَّهْرُ ثَلاَثُونَ ‏"‏ وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ ‏.‏
2563 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - وَعَقَدَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ - وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ‏"‏ ‏.‏ يَعْنِي تَمَامَ ثَلاَثِينَ ‏.‏
2564 - وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلشَّهْرِ الثَّانِي ثَلاَثِينَ ‏.‏
2565 - حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ، اللَّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - رَجُلاً يَقُولُ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ النِّصْفِ فَقَالَ لَهُ مَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّيْلَةَ النِّصْفُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا ‏"‏ ‏.‏ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشْرِ مَرَّتَيْنِ ‏"‏ وَهَكَذَا ‏"‏ ‏.‏ فِي الثَّالِثَةِ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ كُلِّهَا وَحَبَسَ أَوْ خَنَسَ إِبْهَامَهُ ‏"‏ ‏.‏
2566 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ، الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا ‏"‏ ‏.‏
2567 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلاَّمٍ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، - يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدٍ، - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ‏"‏ ‏.‏
2568 - وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ ‏"‏ ‏.‏
2569 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ، عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضى الله عنه - قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْهِلاَلَ فَقَالَ ‏"‏ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ ‏.‏).
التعليق: 

1ـ مع أنه ذكر أكثر من عشرين حديثا ومع التكرار لنفس الأحاديث السابقة إلا إن مسلم يتناقض فى تحديد عدد أيام الشهر ، فيذكر مرة أنه 29 وأخرى أنه 30 .، وقد يأتى التناقض فى حديث واحد كقوله ( 2562 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُقْبَةَ، - وَهُوَ ابْنُ حُرَيْثٍ - قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، - رضى الله عنهما - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ‏"‏ ‏.‏ وَطَبَّقَ شُعْبَةُ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ وَكَسَرَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ ‏.‏ قَالَ عُقْبَةُ وَأَحْسِبُهُ قَالَ ‏"‏ الشَّهْرُ ثَلاَثُونَ ‏"‏ وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ ‏.‏ )
2 ـ بل يجعل مسلم هذا التناقض فى عناوين تالية : (باب الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ‏‏)  
2572 - حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْسَمَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا - قَالَ الزُّهْرِيُّ - فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً أَعُدُّهُنَّ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ بَدَأَ بِي - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ فَقَالَ ‏"‏ إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ‏"‏ ‏.‏) وذكر تحت هذا العنوان ثمانية احاديث ، وفيها أطنب فى ذكر أحاديث أخرى تنتهك خصوصية النبى محمد عليه السلام مع نسائه ، وتفترى أنه آلى على نسائه شهرا ثم فاء اليهن بعد 29 يوما.
3 ـ وجاء مسلم بتفصيلات أخرى لتؤكد ما صنعه شيخه البخارى. فالبخارى أفتى بتحريم يوم الشك نقلا عن بعضهم : ( وَقَالَ صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.) وجاء مسلم فافترى أحاديث أخرى تؤكد هذا الزعم ، وجعل لها عنوانا يقول :

 (- باب لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ ‏‏  

2570 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ، بْنِ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ‏"‏ ‏.‏
2571 - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، - يَعْنِي ابْنَ سَلاَّمٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ، مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ ‏.‏) والمهارة هنا أنه يحرم صوم يوم الشك وغيره بطريقة جديدة يمنع فيها من الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين.
4 ـ وبنفس الطريقة ـ اى اختراع حديث فى صورة فتوى ـ قال مسلم : (باب بَيَانِ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ بِبَلَدٍ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ لِمَا بَعُدَ عَنْهُمْ ) ( باب بَيَانِ أَنَّهُ لاَ اعْتِبَارَ بِكِبَرِ الْهِلاَلِ وَصِغَرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ ).
أخيرا: 

1ـ جاء البخارى ومسلم وقد تمهدت لهما ولغيرهما الساحة فقالا ما شاءا ونقلا عن السابقين ما أرادا.
قبل عصر البخارى ومسلم تعصب الخليفة المتوكل للسنة فاضطهد من أجلهم الآخرين من شيعة وصوفية ومعتزلة ويهود ونصارى .( المنتظم 11 : 206 ـ ، 222 ، 238 ن 265 ، 270 ، 283 .. مجرد أمثلة ..! ) باضطهاد المعتزلة ثم بالقضاء عليهم وخلو الساحة للفقهاء السنيين أفل وضاع ما تبقى من حيوية عقلية للمسلمين . تكاثر وضع المتاريس أمام حرية المسلم فى التفكير بعلو شأن الحنابلة (أصحاب الحديث ) حيث تحكموا فى الشارع العباسى فى عصر البخارى ومسلم وظل ذلك مستمرا ثلاثة قرون . ولم تمنع مكانة الطبرى وشيخوخته وإمامته للسنين من قيام الحنابلة بمحاصرته فى داره الى أن مات تحت أنقاض داره عام 310.وهذا بسبب إختلافهم معه .
2 ـ وبازدهار صناعة الأحاديث ونسبتها للنبى محمد عليه السلام ، اصبح صاحب الرأى يؤثر أن يضعه فى حديث ليحوطه بالتقديس و ليحصنه من النقد والتمحيص ، ومن الطبيعى ألا يلجأ لهذا سوى صاحب الرأى الضعيف العاجز المتهالك المحتاج الى (سند) للنبى يعتمد عليه فى بقائه . ولذا جاءت تلك الأحاديث تعكس تفاهة مخترعيها وتناقضهم ، ولكن نسبتها للنبى محمد عبر (السند ) كان يحجب العقل عن نقد ذلك الحديث.
3 ـ ومن الطبيعى أن اكثر الناس حاجة الى هذا السند و النسبة المزورة للنبى محمد عليه السلام هم أصحاب الهوى ، ممن هم على سنة ابن أبى (العوجاء) ، فهم فى سعيهم للصد عن سبيل الله جل وعلا واتخاذها (عوجا) وفى سعيهم لآيات الله جل وعلا معاجزين لابد لهم من سند دينى يرتكزون عليه ليحاربوا الاسلام باسم رسول الاسلام ، وهذا أصبح حرفة رائجة فى عصر الاستقرار والازدهار العباسى ، ثم أصبحت دينا رسميا منذ عهد المتوكل. ومن وقتها أصبح نجوم هذا الافك هم أئمة ألدين السنى ولا يزالون.
4 ـ ومن ثم أصبح انتقاد البخارى كفرا. كفرا بالدين السّنى يستوجب القتل بحد الردة أهم ملمح من ملامح الدين السّنى.
ولهذا لا يزال يعيش بيننا حديث ( صوموا لرؤيته ) ولا يزال ابن أبى العوجاء هو مصدر التشريع لدى ملايين المسلمين فى رمضان وغير رمضان.
وقديما قالها ابو الطيب المتنبى : ........... ...يا أمة ضحكت من جهلها الأمم..!!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ب 2 ف1 ج 1 / المقال 3 :  لمحة تاريخية عن الفساد المترتب على حديث (صوموا لرؤيته )

 كتاب ( رمضان والصيام بين الاسلام والدين السنى ) دراسة أصولية تاريخية

  الباب الثانى  : الصيام ورمضان فى الدين السنى

 الفصل الأول : ثلاث مقالات عن الحديث الملعون: ( صوموا لرؤيته.. ) الذى شوّش على التقويم الفلكى لرمضان 

 المقال الثالث :  لمحة تاريخية عن الفساد المترتب على حديث (صوموا لرؤيته )

 

من انواع الفساد المترتب على حديث رؤية الهلال:
بعد وقفة أصولية تاريخية مع حديث (صوموا لرؤيته) نأتى لنماذج من الفساد الناتج عن تطبيقه.


أولا :

الاختلاف فى تحديد أول رمضان ونهايته ، وتفرق المسلمين بين الافطار والصوم فيه:

 

   مثال من بغداد فى عصر الخلافة العباسية :

أمير عباسى يستغل رؤية الهلال سياسيا

1 ـ حدث هذا فى وقت اقتراب هلال شوال ـ آخر رمضان عام 448 . وكان وقت خلافة القائم بأمر الله العباسى . وطبقا لحديث (صوموا لرؤيته ) فقد كان فى يد الخلافة العباسية وحدها تحديد بداية ونهاية رمضان طبقا لما يشهد به شهودها ، أو طبقا لما تقتضيه مصلحة القائمين على الدولة ، أى يصوم الناس طبقا لأوامر السلطة القائمة. وهذا ما كان وهذا ما لا يزال ، فالسلطة تؤخر أو تقدم الصيام والفطر حسبما تريد رؤية الهلال ، ومع انعدام الاعتماد على الحساب الفلكى المحدد فقد أصبح صيام الناس طبقا لأوامر الحاكم وليس طبقا لأوامر الله جل وعلا الذى خلق الشمس والقمر بحسبان ولنعلم عدد السنين والحساب.
وبالتالى ارتبط تحديد بداية ونهاية رمضان بالاختلاف ، ومنه ما كان ممتزجا بعوامل سياسية ، نفهم هذا من ذلك الخبر الذى أورده ابن الجوزى فى أحداث عام 448 .

2 ـ نقرأ الخبر ثم نعلق على ما بين السطور:
(  وفي عشية يوم الثلاثاء سلخ رمضان‏:‏ خرج الناس لترائي هلال شوال فلم يروه، وصلى الناس التراويـح علـى عادتهـم ، ونـووا صـوم غدهـم ، فلمـا كـان بكـرة يوم الأربعاء جاء الشريف أبو الحسين بن المهتدي المعروف‏:‏ بالغريق الخطيب وقد لبس سواده وسيفه ومنطقته ووراءه المكبرون لابسين السواد على هيئته إلى جامع دار الخلافة، فرآه مغلقًا ففتحه ، ودخل وقال‏:‏ " اليوم يوم العيد وقد رؤي الهلال البارحة بباب البصرة "، ورام الصلاة فيه وجمع النـاس بـه.وعـرف رئيـس الرؤسـاء الخبر فغاظه ذلك، وأِحفظه أن لم يحضر الديوان العِزيز ويطالعه بما كان وما تجدد في رؤية الهلال، فراسله واستحضره ، فامتنع وقال‏:‏ " حتى أصلي وأعيّد ثـم نكفـي إلـى الديـوان" . فروجـع، وأحضـر ، وأنكـر عليـه إقدامـه علـى فتـح الجامـع وهـو مغلـق وقـد علـم أنه لا خبر للناس من هذا الأمر محقق ، وقال له‏:‏ " قد كان يحبب أن تحضر الديوان العزيز وتنهي الحال ليحيط به العلم الشريف ويتقـدم فيما يوجبه ويقتضيه‏.‏ " وأغلط له فيما خاطبه ، فاعتذر، وقال‏:‏" ما فعلت مما فعلته إلا ثقة بنفسي ، وبعد أن وضحت الصورة عندي، وكان قد حضرني البارحة ثمانية أنفس من جيراني أثق بقولهم فشهدوا عندي جميعًا بمشاهدة الهلال ، فقطعت بذلك وحكمـت وأفطـرت وأفطـر النـاس فـي بـاب البصرة وخرجوا اليوم قاصدين جامع المدنية، ولم أعلم أن هذا لم يشع ، فحضرت وأنكرت كون الجامع مغلقًا ، ثم جاء قوم فشهدوا برؤية الهلال‏".‏ فقال رئيس الرؤساء لقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني‏:‏ " ما عندك في هذا ؟ " فقـال‏:‏ " أمـا مذهـب أبي مذهب أبي حنيفة الذي هو مذهبي فلا تقبل مع مذهبي ، فلا تقبل مع صحو السماء وجواز ما يمنع من مشاهدة الهلال إلا قول العدد الكثير الذي يبلغ مائتين. وأما مذهـب الشافعـي رضـي اللـه عنـه الـذي هـو مذهـب هـذا الشريـف فإنـه يقطـع بشهادة اثنين في مثل هذا" .وطولع الخليفة بالحال فأمر بالنداء أن لا يفطر أحد ، فأمسك مـن كـان أكـل . وكـان والـد القاضـي أبـي الحسيـن قـد مضـى إلـى جامـع القطيعـة فصلـى بالنـاس وعيد وكذلك في جامع الحربية ولم يعملوا بما جرى)( المنتظم 16 : 6 عام 448).
التعليق:
1 ـ موجز الخبر أن أحد امراء العباسيين من نسل الخليفة المهتدى أعلن بدء يوم العيد وفتح الجامع الكبير فى بغداد وأقام فيه صلاة العيد ، فتحرك المسئولون فى الدولة العباسية بسرعة واستدعته وحققت معه بغلظة فتراجع . وجاء الأمر للناس بالصوم بعد أن أفطروا.
2 ـ وقتها كان المتحكم فى الخلافة العباسية والدولة العباسية هم الأتراك السلاجقة السنيون ، بينما احتفظ الخليفة العباسى بالسلطة الدينية ، وهنا تبرز أهمية التحكم فى العبادات ومنها الصوم، وهنا أيضا حاول هذا الأمير العباسى الشريف أبو الحسين بن المهتدي المعروف‏:‏ بالغريق الخطيب أن يؤكد دوره على حساب ابن عمه الخليفة القائم بأمر الله. وذلك الأمير العباسى ينتمى الى الخليفة المهتدى الذى حكم حوالى عام واحد( 255 : 256 ) ثم قتله القادة الأتراك وقتها، وقد اشتهر بالتشبه بالخليفة عمر بن عبد العزيز. جاء هذا الحفيد من نسل المهتدى بعد قرنين ليحاول الظهورسياسيا مستغلا سيرة جده المهتدى ومشتغلا بالخطابة ومضيفا لنفسه ألقابا مثل (الشريف أبو الحسين بن المهتدي المعروف‏:‏ بالغريق الخطيب ) ومضيفا ـ بعض الرتوش التى ذكرها ابن الجوزى : ( وقد لبس سواده وسيفه ومنطقته ووراءه المكبرون لابسين السواد على هيئته إلى جامع دار الخلافة ). هذه المظاهرة لم يغب الهدف منها على قصر الخليفة العباسى فاستدعوا الأمير فرفض ، فاغلظوا عليه فحضر ، ووجه بالغلظة فى التحقيق فاسترجع وخضع . وعادت الأمور الى نصابها وأمر الخليفة أن من أفطر فعليه أن يصوم الى نهاية اليوم . فالكهنوت العباسى هو الذى يتحكم فى الصوم يؤيده الفقه السنى و العسكر السلجوقى السنى.
3 ـ من الناحية الفقهية نرى القاضى وقتها لم يحسم الأمر بل رجع الى اختلاف المذاهب ، وفى المذهب الواحد تجد الشىء ونقيضه ، مما يعطى المتحكم فرصة لفرض رأيه ويجد رأيا فقهيا يؤيده ، ثم قد يغير رأيه بعدها متمسحا برأى فقهى آخر. وتلك طبيعة الدين الأرضى.


مثال من القاهرة فى اول عيد تشهده القاهرة بعد بنائها :

المصريون يصومون بالرؤية والفاطميون يفطرون بالحساب الفلكي:
1 ـ في 29 :30 رمضان سنة 358 هـ: كان جوهر الصقلي في مصر وقد فتحها لصالح سيده المعز لدين الله الفاطمي الذي كان لا يزال وقتها في عاصمته المهدية بالمغرب ،وأسس جوهر الصقلي مدينة القاهرة ، التي شهدت أول رمضان سنة 358 هـ.
وقتها كان غالب أهل مصر يعتنقون المذهب السني ويعتمدون على الرؤيا للهلال في تحديد أوائل الشهور العربية ،وقد وقف القاضي أبو طاهر فوق سطح الجامع العتيق ( جامع عمروبن العاص ) يلتمس رؤية الهلال يوم 29 رمضان فلم ير شيئاً ،وعندئذ اعتبر رمضان تاماً،وصام المصريون معه يوم الثلاثين منه.
أما جوهر الصقلي ومن معه من الشيعة والمغاربة والقادة الفاطميون فهم يعتمدون الحساب الفلكي في تحديد الأشهر العربية ، لذلك فقد أفطروا يوم الثلاثين من رمضان واعتبروه أول شوال وعيد الفطر، وصلى جوهر الصقلى صلاة العيد بالقاهرة عاصمته الجديدة ، وكان الخطيب في الصلاة هو علي بن الوليد الأشبيلي، ولم يصلِّ أحد من أهل مصر معهم إذ كانوا يعتبرونه آخر يوم في رمضان.
وفي اليوم التالي كان عيد الفطر عند المصريين فأفطروا وصلوا العيد، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها الإختلاف في تحديد عيد الفطر بين طائفتين ( مسلمتين ) في مصر ، وتصادف أن يكون ذلك في أول رمضان تشهده مدينة القاهرة.
2ــ وظل تحديد الأشهر العربية مثار خلاف بين أهل السنة والشيعة في مصر، وجاء الخليفة الحاكم بأمر الله المشهور بتقلبه وعجائبه فأصدر مرسوماً في رمضان سنة 399هـ يبيح للناس أن يصوموا حسب الرؤية أو بالحساب الفلكي ولا إجبار على أحد فى ذلك. أى أنه لم يفرض على المصريين الإلتزام بالحساب الفلكى المعتمد لدى السطة الفاطمية. ولكن الخليفة الحاكم الغريب الأطوار سرعان ما تراجع عن هذا القرار فأصدر قراراً مناقضاً سنة 401هـ قبيل حلول رمضان ، وفيه يأمر بإن يكون الصوم يوم الجمعة وأن يكون عيد الفطريوم الأحد ، أى حدد بداية شهر رمضان ونهايته بالحساب الفلكي دون اعتبار للرؤية. وكان معروفاً وقتها أن من يخالف ذلك الخليفة فمصيره الهلاك.

أمثلة من رمضان فى العصر المملوكى :

وقائع تاريخية غريبة في تحديد هلال رمضان وغيره بالرؤية
وانتهت الدولة الفاطمية وعادت المنطقة كلها تخضع للدين السّنى باعتماد رؤية الهلال طريقاً وحيداً لمعرفة بداية شهر رمضان وانتهائه ,ولكن كانت تحدث بعض الوقائع والمفارقات الغريبة أوردتها كتب الحوليات التاريخية..
1 ـ ففي سنة 696هـ في أول سلطنة المنصور قلاوون المملوكي صام الناس شهر رمضان يوم الجمعة على إختلاف شديد وشك كبير فيه.
2 ـ وحدث في نابلس سنة 702هـ إختلاف بين أهل المذاهب في تحديد رمضان، فالحنابلة صاموا شهر رمضان على عادتهم بالإحتياط ، واستكمل الشافعية وغيرهم شعبان ثلاثين يوماً ثم صاموا، فلما أتم الحنابلة ثلاثين يوماً أفطروا وصلوا صلاة العيد ولكن الهلال لم يره أحد، فصام الشافعية والجمهور ذلك النهار ، وأنكر الحاكم المملوكي في الشام على والي نابلس كيف لم يجتمع الناس على يوم واحد يصومونه.
3 ـ أما أهل غرناطة بالأندلس فقد صاموا هذا الشهر (رمضان 696هـ ) ستة وعشرون يوماً لأن الغيوم تراكمت عندهم عدة أشهر قبل رمضان ،فلما كانت ليلة السابع والعشرين طلعوا المأذنة لإنارتها فإذا بالغيوم قد انقشعت وظهر الهلال. فأفطروا واعتبروا ذلك أول شوال، ولم يكونوا قد صاموا إلا ستة وعشرين يوماً..!!
4 ـ وفي ليلة الثلاثين من شعبان سنة 796هـ لم ير أحد الهلال في القاهرة ومصر مع كثرة الباحثين عن رؤية الهلال ، فاجتمع الناس على أنه آخر شعبان اليوم التالي فأكلوا إلى الظهر ، فجاء الخبر بأن الهلال رؤى في بلبيس فنودى في مصر والقاهرة بالإمساك قبيل العصر..!!
5 ـ أما ما حدث في رمضان سنة 837هـ فهو أمر عجيب ، وقد كان المقريزي شاهد عيان عليه وذكر التفاصيل في تاريخه "السلوك" . يقول أنه في يوم 29شعبان اقتضى الحساب الفلكي أن يأتي هلال شهر رمضان مع جرم الشمس في ليلة السبت فلا يمكن رؤيته ، فلما غربت الشمس حاول السلطان والمماليك والعلماء والناس رؤية الهلال من فوق القلعة والمساجد والبيوت فلم ير أحد شيئاً فانفضوا وقد أظلم الليل ، وإذا برجل يأتي لقاضي القضاة الشافعي ويشهد بأنه رأى الهلال ، فأوصله القاضى الشافعي للسلطان ، وأمام السلطان المملوكي صمم الرجل على أنه رأى الهلال الذي لم يره أحد غيره،إلا أن ذلك الرجل كان من أقارب أحد ندماء السلطان ، فبالغ ذلك نديم السلطان في الثناء على قريبه الذى يشهد برؤية الهلال، فاعتمد السلطان شهادته ،وأعلن بإن الغد هو رمضان. يقول المقريزيي" فأصبح الناس صائمين والسنتهم تلهج بالوقيعة في القضاء والشهود فتوالت الكتب من بلاد مصر والشام بانهم حاولوا رؤية الهلال ليلة السبت فلم يروه وأنهم صاموا يوم الأحد ".. وهكذا صام الناس الثلاثين من شعبان على أنه أول رمضان طبقا لتوصية نديم السلطان فى مجالس الخمر.
ويبدو ان بعضهم أراد أن يجاري ذلك الرجل ويشهد هو شهادة اخرى حول نهاية نفس الشهر بقول المقريزي " فلما كانت ليلة الإثنين التي يزعم الناس أنها أول ليلة من شوال حاولوا رؤية الهلال فلم يروه وجاء بعض نواب القضاة وزعم أنه رآه ، وأنه شهد عنده برؤيته من أثبت بشهادته أن هلال شوال غداً يوم الإثنين ، فكانت حادثة لم ندرك قبلها مثلها ، وهى أن الهلال بعد الكمال عدة ثلاثين يوماً لايراه الجم الغفير الذين يريدون رؤيته ، وقد خلت السماء من الغيم ، وجرت العادة أن يتساوى الناس في رؤيته ، وأوجب ذلك تزايد الوقيعة في القضاة وسائر الفقهاء ، حتى لقد أنشد فى بعضهم لمحمود الوراق : ــ
كنا نفر من الولاة الجائرين إلى القضاة     فالآن نحن نفر من جور القضاة إلى الولاة. "
6 ـ وفي عصر قايتباى كانت المناسبات الدينية كلها للمسلمين،وكان تحديدها يتم وفقاً لرؤية الهلال ، بينما كانت أمور الزراعة والفيضان يحسبونها بالشهور القبطية. ونظراً للاعتماد على الرؤية البصرية في تحديد أول الشهور العربية فإنه كانت تحدث اختلافات طبقا لما ذكره المؤرخ القاضى ابن الصيرف فى تاريخه ( إنباء الهصر لأبناء العصر ) ، والذى يؤرخ فيه لعصر السلطان قايتباى بالشهر والحول وفق منهج الحوليات التاريخية .
وعلى سبيل المثال:
* فقد حدث يوم الخميس 27 ذى الحجة876 أن جاء المبشرون بقدوم الحجاج ووصلوا القاهرة وأخبروا أن الوقفة وقفة عيد الأضحى كانت يوم الاثنين ومتفقة بذلك مع التوقيت القاهري، وكان قد حدث اختلاف في مصر في تحديد أول شهر ذى الحجة 876 بين قائل بأن أوله الأحد وأخر يرى أنه السبت، وكان تلك قضية هامة يزيد في أهميتها ما اعتاده الأشياخ والقضاة من ذهاب لتهنئة السلطان في أول كل شهر عربي.
يقول مؤرخناً عن مطلع شهر ذى الحجة 876: ( أهل بيوم الأحد) ، ومعناه بدأ وظهر هلاله يوم الأحد، ونكمل معه ما كتبه: ( ويوافقه السادس عشر من بشنس القبطي، لأن ذا القعدة جاء تماماً، ثم ثبت بعد ذلك أن أوله السبت ، ووصل الخبر بذلك إلى المحلة في يوم الثلاثاء ثالثة بعد الظهر، وأخبر السلطان بذلك )
لم تكن هناك إذاعة لاسلكية تنشر الأخبار وقت حدوثها، لذلك علم السلطان ثالث يوم العيد أن أهل المحلة قد اعتبروا عيد الأضحى يوم السبت لا الأحد، وبالتالى فإن المسلمين في سائر الأقاليم والأقطار كانوا يختارون التوقيت في الأعياد حسبما يرون، وحسب الظروف، و كان أسهل عليهم لو اعتمدوا الحساب الفلكي الذى لا مجال فيه للخطأ.
* ونعود إلى مؤرخنا ابن الصيرفي وهو يتحدث عن صعود المشايخ لتهنئة السلطان بهلال أول الحجة وقد كان معهم، يقول فيه: ( صعد قضاة القضاة ومشايخ الإسلام لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وكنت صحبتهم) أى كان المؤرخ ابن الصيرفى القاضى معهم ،( وهنوه على المصطبة المستجدة أخر الحوش السلطانى ، فطلب قاضى القضاة الحنفي من السلطان عيوناً (أى نظارة للقراءة ) شغل الفرنج (أى من صنع الأوربيين ) التى ينظر بها للكتابة كانوا أحضروا له منها بعدة، فأجابه: هذا الذى طلبته مفضضاً (أى مطلى بالفضة ) وأنت ما يجوز لك استعمال ذلك، فما ساعه إلا السكوت (أى اضطر للسكوت ) ، وكلح من الرد عليه بحضور رفقته، فليت شعرى ما الملجئ في ذلك.(أى ما الداعى لذلك ) )
أى في اجتماعهم بالسلطان طلب قاضى القضاة الحنفي محب الدين بن الشحنة أن يعطيه السلطان نظارة وكان قد جيء للسلطان ببعض النظارات من بلاد الفرنجة، وعلم بذلك ابن الشحنة فطمع في الحصول على واحدة منها، ورفض السلطان أعطاءه ما يريد وأفحمه بأن تلك النظارات قد طلوها بالفضة، ولا يجوز للقاضى أن يرتدى الذهب والفضة، فاضطر صاحبنا للسكوت ولم يستطع الإجابة، ويعلق مؤرخنا على شيخه قاضى القضاة فيقول "كلح من الرد عليه بحضور رفقته، فليت شعرى ما الملجئ له في ذلك."
* ويقول مؤرخنا عن هلال شهر ربيع الأول 876: ( اختلف في إثباته اختلافاً زائدا ، فشهد جماعة من المؤقتين ( أى أصحاب التوقيت) عند القاضى الشافعي برؤيته ليلة الأحد فما قبلهم، (أى ما قبل شهادتهم )، وصعد يوم الاثنين لتهنئة السلطان بالشهر ورفقته قضاة القضاة وكنت معهم، فلما جلسوا وهنوه بالشهر ، قال له السلطان نصره الله، الشهر من البارح، فأخذ عنه القاضى الحنفي في الجواب فقال السلطان: أنا رأيته الليلة الماضية وهو كبير، فقال القاضى المالكي: الكبر ما هو شرط وانصرفوا، ثم أنى رأيت يوم الاثنين قصة بخط القاضى الشافعي مؤرخه بثالث ربيع الأول فعلمت أن القاضى الشافعي أثبت الشهر كما قال السلطان.) أى انهم وافقوا السلطان على قوله.
ويقول ابن إياس فى تاريخه ( بدائع الزهور ) عن بدء رمضان 882 إنه اضطربت القاهرة لمرور الثلاثين من شعبان دون رؤية الهلال .فأكل غالب الناس فى اول يوم من رمضان ، فأمر القاضى الشافعى بالامساك فثار عليه العوام ، فأثبتوا رؤية الهلال قريب الظهر،(ولكن فطر غالب الناس فى ذلك اليوم) (بدائع الزهور: تاريخ ابن اياس : ج3 : 136 )
وفى رمضان 898 يقول ابن إياس ( نودى بالصوم بعد ضحوة النهار ، وقد ثبت رؤية الهلال بعد طلوع الشمس بثلاثين درجة ، وقد أكل غالب الناس فى ذلك اليوم ، ولا سيما العوام ، فثقل عليهم الامساك فى ذلك اليوم بعد الافطار).( ج3 : 296 )
* الأكثر من هذا هو النسىء ، أوالتلاعب بموضوع الرؤية لخدمة السلطان.
ثانيا ـ

الفساد فى عودة النسىء في الأشهر العربية:
1 ـ فى العصر المملوكى ساد التصوف السنى ، ويعنى أن تكون العقيدة هى فى تقديس الأولياء الصوفية والاعتقاد فى كراماتهم بينما تكون العبادات على أساس الفقه السنى ، ومنها بالطبع رؤية الهلال بديلا عن الحساب الفلكى.
وعلى هامش التصوف انتشرت عقائد أخرى مثل الاعتقاد فى (الفأل ) أو"التفاؤل والتشاؤم" . وترتيبا على قول الشاعر :( ما طار طائر وارتفع إلا كما طار وقع) ، جاء الاعتقاد بأن السلطان إذا اكتمل سعده فقد آن أوان هبوطه وانحلال أمره . وكانت الخلافة العباسية قد انتقلت للقاهرة المملوكية بعد استيلاء المغول على بغداد . وأصبح الخليفة العباسى فى القاهرة ضمن أتباع السلطان المملوكى ، وإن كان ترتيبه الرسمى قبل السلطان لأن مهمته كانت إضفاء الشرعية على من يتغلب من العسكر المملوكى ويصبح سلطانا ، أى يتأمّر الأمير الفائز الغالب ، فيعقد القضاة الأربعة أمام الخليفة العباسى مجلسا ينادى بالمتغلب المملوكى سلطانا . ويتم بعدها بقية شعائر الاعتراف السياسى به، وأهمها الدعاء له على المنابر . ويظل الدعاء له على المنابر فى صلاة الجمعة وصلاة العيدين . وطبقا للاعتقاد السائد فان السلطان يكتمل سعده إذا تم الدعاء له فى خطبتين وليس خطبة واحدة ، وهذا يحدث عندما يأتى يوم العيد فى يوم جمعة. هنا تقام الخطبة فى صلاة العيد صباحا وفى الجمعة ظهرا ، ويتم الدعاء للسلطان مرتين.
وفى عصر يتحكم فيه العسكر ويصل للسلطة الأقوى منهم كان القلق على المستقبل هو سيد الموقف ، فالسلطان الحالى يمكن إغتياله فى اى وقت ، وممكن أن يخونه أقرب(خشداشيته) أى رفاقه فى السلاح ، ولذا كان الاعتقاد فى التفاؤل و التشاؤم يؤكده القلق السياسى وتقلب الأوضاع والصراع المستمر على السلطة بين كبار الأمراء المماليك . من هنا كان أشهر مظهر للتشاؤم بالنسبة للسلطان هو إقامة خطبتين للعيد والجمعة في يوم واحد حين يأتي يوم العيد في يوم جمعة حيث يدعون له فى خطبتين فى يوم واحد ، فيكون قد بلغ أوج سعده . لم يكن السلطان يحس بالسعد بل يتشاءم من هذا اليوم إذ كان يشجع الطموحين من الأمراء على الوثوب على السلطان لأن السلطان الحالى قد وصل الى نهاية سعده وآن وقت انحداره ومجيء سلطان جديد.
ولذلك كانت العادة أن يتقرب القضاة للسلطان بمنع شهادة من يرى الهلال إذا كان ذلك يعني مجيء العيد يوم جمعة.  وقد ذكر المؤرخون أحداثا من هذا النوع ،

 ذكرها ابن حجر في أحداث سنة840 هـ فقال فى تاريخه (إنباء الغمر بأبناء العمر ):( وامتنع جماعة من صيام يوم الجمعة اعتمادا على من شهد ، ويتهم من اتهم الذين لم يقبلوا الشهادة المذكورة بأنهم فعلوا ذلك محاباة للسلطان لما جرت العادة من تطيرهم (أى تشاؤمهم ) بخطبتين فى يوم ) .

ونفس الحادثة فى نفس العام 840 ذكرها أبو المحاسن في تاريخه " حوادث الدهور" وذكرها السخاوي في تاريخه "التبر المسبوك".
2 ـ ونقتطف بعض أمثلة ذكرها القاضى المؤرخ ابن الصيرفي في تاريخه " إنباء الهصر"

 *يقول عن ليلة الثلاثين من شهر رمضان سنة 875 هـ " توجه القضاة إلى المدرسة المنصورية قلاوون لرؤية هلال شهر شوال وتحديد أول يوم لعيد الفطر واتفقوا على أنهم لم يروا الهلال حتى لا تكون خطبتان يوم الجمعة " ويقول ابن الصيرفي يعلق على ذلك "ولم ير الهلال وهو المقصود الأعظم لئلا تكون خطبتان في يوم فيكون ذلك بزعمهم على السلطان غير مشكور. فلا قوة إلا بالله "، وعلى ذلك جعلوا هلال شوال يوم السبت وجعلوا عيد الفطر يوم السبت، وتلاعبوا بالصيام وشوال تقرباً للسلطان.!! ومع ذلك فلم يكن السلطان قايتباي يحترم أولئك القضاة !!بل حدث أن عزلهم جميعا  .
* وفي عيد الأضحى 885 تكرر نفس العمل، وثبت بعدها أن أول ذى الحجة كان ينبغى أن يكون يوم الأربعاء، ولكنهم لم يفعلوا ذلك حتى لا يكون عيد الأضحى يوم الجمعة، يقول صاحبنا "وثبت شهر تاريخه بعد ستة أيام أن أوله الأربعاء، وعلى هذا يكون عيد النحر يوم الجمعة ويخطب فيه بخطبتين". وذلك ما لم يحدث بالطبع.
3 ـ ونتابع ما قاله ابن إياس فى نفس الموضوع وخلال عصر السلطان قايتباى:
* ففى عيد الأضحى 887 لم يهتم قاضى القضاة الشافعى زكريا الانصارى بهذه المسألة فغضب عليه السلطان والعوام أيضا خوفا من وقوع فتن وصراعات مسلحة ، يقول ابن إياس : (وافق عيد النحر يوم جمعة ، فحنق السلطان قايتباى من القاضى زكريا ( الأنصارى ) وأشيع عزله .. وانطلقت ألسنة العامة على القاضى زكريا وسبوه مجهرا )( بدائع الزهور : ج 3 : 198 )
* وفى شوال 899 يقول ابن إياس : (وفى شوال كان عيد الفطر بالجمعة. ولهج غالب الناس بزوال ملك السلطان عن قريب ، وما ذاك إلا أن العيد إذا جاء يوم الجمعة يخطب فى ذلك اليوم خطبتين ، ويدعى للسلطان فى ذلك اليوم على المنابر مرتين ، فيلهجون الناس بأن فيه كمال سعد للسلطان ، وهو وجه العلة فى المسألة ، وقد جاءت فى أيام الأشرف قايتباى خمسة أعياد بالجمعة ولم يضره ذلك ، ومكث فى هذه المدة الطويلة ولم يؤثر فيه ذلك شيئا ، فمن ذلك عيد فطر بالجمعة سنة ثمان وسبعين وثماتمائة ، وعيد فطر آخر بالجمعة سنة ست وتسعين وثمانمائة ، وعيد فطر آخر بالجمعة سنة تسع و تسعين وثمانمائة ، فهذه خمسة أعياد وقد مرت عليه بالجمعة ، وهو ثابت فى مملكته لم يتزحزح منذ ثلاثين سنة). (ج 3 : 303 ) أى أن ابن إياس ينكر هذا الاعتقاد بناء على أحداث تاريخية ، ولكن رأيه لم يغير هذا الاعتقاد لأنه (سائد ).
3 ـ فأثناء مرض السلطان الأشرف قايتباى الأخير بويع ابنه الناصر فى يوم السبت 26 ذى القعدة 901 ، وتوفى قايتباى فى اليوم التالى. وكانت سلطنة ابنه الناصر محمد ابى السعادات قصيرة تخللها فتن الأمراء الكبار الطامعين فى العرش . وتأثرت رؤية الهلال بهذا الصراع على السلطة خصوصا مع قدوم أول رمضان على السلطان الشاب الجديد . وحدثت نادرة فى رمضان العام التالى ، ففى أول رمضان902 وقعت فتنة بين كبار الأمراء المتطلعين على السلطة، وكان واضحا أن الذى يفوز هو الذى سيتحكم فى السلطان الوارث للعرش توطئة لعزله . ولذلك ارتعب السلطان الشاب الجديد من مجىء عيد الفطر يوم جمعة فأمر بعمل عيد الفطر فى يوم الثلاثين من رمضان بدون رؤية الهلال . يقول المؤرخ ابن اياس ( ومن النوادر الغريبة أن فى يوم التاسع و العشرين من هذا الشهر (رمضان ) أمر السلطان بأن تدق الكوسات بالقلعة ، وقال : أنا أعمل العيد فى الغد من هذا الشهر إن رأوا الهلال أو لم يروا. ؛ فلما اشيع ذلك بين الناس ركب قاضى القضاة الشافعى زين الدين زكريا وطلع الى القلعة ، فاجتمع بالسلطان وعرّفه أن العيد لا يكون إلا إذا رؤى الهلال ن فشقّ ذلك على السلطان ، وهمّ بعزل القاضى فى ذلك اليوم ؛ فلما دخل الليل لم ير الهلال فى تلك الليلة ، وجاء العيد بالجمعة. وكان الناصر ( ابن السلطان قايتباى ) تطير (أى تشاءم ) من العيد بأن يجىء يوم الجمعة ، فكان ذلك اليوم على رغم أنفه . وفى شوال لم يخرج السلطان الى صلاة العيد ، ولا طلع الأتابكى تمراز ( قائد الجيش ) الى القلعة ، ولا بقية الأمراء المقدمين ، فبعث السلطان اليهم فى بيوتهم ..) ( بدائع الزهور :ج 3 : 360)
أخيرا:
1 ـ من تلك اللمحة التاريخية يتضح أن التطبيق العملى لذلك الحديث الكاذب الملعون أفسد موعد الصيام ، وجعل الصوم علاقة بين المسلم والسلطة و ليس بين المسلم وربه جل وعلا ، وأتاح للسلطة أن تستغله سياسيا فى الصراع السياسى،بل وصل الأمر الى النسىء بالتلاعب بالشهور الخمسة (شعبان ورمضان وشوال وذى القعدة وذى الحجة) حتى لا يقلق السلطان على مستقبله. ولو كان التحديد بالحساب الفلكى ما وقع كل هذا الفساد.
2 ـ ومع أننا نعيش عصر الفضاء و الثورة العلمية والمعلوماتية والاتصالات فلا يزال ذلك الحديث سائدا وساريا ومتحكما يضيع صيام المؤمنين ويثير السخرية بالاسلام والمسلمين. وكل ذلك بسبب الصحوة السلفية التى أرجعتنا الى الوراء ونحن فى القرن الحادى والعشرين.

( رمضان والصيام بين الاسلام والدين السنى ) دراسة أصولية تاريخية
كما يبدو من عنوانه فهذا الكتاب يوضح التناقض أصوليا بين الصيام فى الاسلام والدين السُّنى ، ويعطى الجذور التاريخية لهذا التناقض مع باب كامل عن رمضان فى التاريخ .
more