الانتفاضة تشتعل في الجابون.. والسعودية قد تكون أكبر الخاسرين منها

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٩ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


الانتفاضة تشتعل في الجابون.. والسعودية قد تكون أكبر الخاسرين منها

آثار الحريق بادية على المباني، ووسائل الاتصال عبر الإنترنت معطلة. إذا ذهبت إلى الجابون الآن، سترى بقايا المتاريس المنتشرة في الشوارع، وستلاحظ آثار العنف الدامي، الذي شهدته البلاد خلال الأيام الماضية، والتي وصلت إلى حد قصف مقر حزب زعيم المعارضة بالطائرات، ومحاولة إحراق البرلمان الحكومي من قبل المعارضة، واعتقال ألف مواطن جابوني، ومقتل سبعة أفراد من بينهم ضابط شرطة، في حين لم يُعرف عدد المصابين جراء ما حدث حتى الآن.

ستتوقع بسهولة أن أحداث عنف مهولة قد شهدتها هذه البلاد، بالرغم من أن المتاجر قد بدأت في فتح أبوابها بالتدريج من جديد، وأن حركة المرور قد عادت نسبيًا إلى الشوارع، تزامنًا مع سعي الحكومة لاستعادة الاستقرار، عبر القيام بحملات اعتقال جماعية، وعبر التواجد الأمني المكثف.

اندلعت الأحداث، التي اشتملت على خروج مكثف للشباب والنساء ضد الدولة من جانب، وأعمال نهب وسرقات مهولة من جانب آخر، منذ أن أُعلن عن نتائج الانتخابات الرئاسية.

وأعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية، يوم الأربعاء، 31 أغسطس (آب) المنصرم، عن فوز الرئيس «علي بونجو»، بولاية ثانية، لمدة سبع سنوات، بعد حصوله على نسبة أصوات بلغت 49.8%، متفوقًا على منافسه «جان بينج» الذي حصل وفق النتائج المعلنة على 48.23% من الأصوات. واتهم بينج السلطات بتزوير الانتخابات، مُعتبرًا نفسه الرئيس الشرعي للبلاد، ومن ثم وقعت كل أعمال العنف التي وصفتها العديد من التقارير الأجنبية بأنها حرب أهلية.

Getty Images

بدأت المؤسسات الدولية في الاهتمام بالشأن الجابوني بسبب الأحداث؛ إذ أعرب مجلس الأمن الدولي، عن قلقه إزاء أعمال العنف التي تشهدها البلاد، ودعا أعضاء المجلس كل المرشحين في الجابون ومناصريهم، وكل الأحزاب السياسية، وبقية الأطراف الفاعلين في الجابون، إلى التزام الهدوء، وتجنب الوقوع في العنف، وإلى حل أي خلاف محتمل من خلال الآليات الدستورية والقانونية، مع التشديد على أهمية وجود عملية انتخابات نزيهة وشفافة في البلاد.

وبدأت الصحف حول العالم في محاولة الاقتراب من الشأن الجابوني عن قرب بعد الأحداث، لكن حينما حاولت الاقتراب وتحليل ما يحدث، لم تجد المادة العلمية والوثائقية الكافية للتحليل، واكتفت برصد أعمال العنف بصورة ضبابية؛ لأن الجابون طوال السنوات الأخيرة احتفظت بدرجة ما من الهدوء، أبعدت عن تحليل شؤونها السياسية اهتمام وسائل الإعلام، وفجأة ظهرت البلاد على سطح الصحافة العالمية مجددًا، في ظل حالة ضبابية؛ بسبب نقص المادة التحليلية المسبقة، جعلت أغلب وسائل الإعلام تتناول الأحداث من سطحها؛ بسبب الغياب الطويل عن توثيق حالة الصراع، وطبيعة المصالح المتنازعة في الأراضي الجابونية.

هل ما يحدث في الجابون ثورة ضد الاستبداد؟

ربما ستندهش، إذا ما عرفتَ أن الجابون هي واحدة من أغنى البلاد الإفريقية، بفضل ثرواتها الطبيعية، ويصل دخل الفرد فيها إلى أربعة أضعاف دخل الفرد في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تتمتع البلاد بإنتاج ضخم من النفط البحري، ويصل احتياطي المنجنيز فيها إلى حوالي 2200 مليون طن، أي ما يعادل ربع الاحتياطي المعروف على كوكب الأرض.

 

 

 

 

 

 

 

 

بالرغم من ذلك، يعيش ثلث سكان الجابون في الفقر المدقع؛ إذ تتركز أغلب الثروة الناتجة عن الموارد الطبيعية الضخمة في البلاد، بأيدي نخبة قليلة من الأثرياء. والجابون لديها واحد من أعلى معدلات وفيات الأطفال في العالم.

تحكم أسرة بونجو البلاد منذ عام 1967؛ إذ حكم «عمر بونجو» حتى وفاته في عام 2009، وتولى من بعده «علي بونجو» حكم البلاد، بعد أن تقلد منصب وزير الدفاع في فترة حكم أبيه من عام 1999 إلى عام 2009، وهو المنصب الذي يرى العديد من المراقبين، أنه لعب دورًا كبيرًا في تحييد المؤسسة العسكرية، وتعبيد الطريق لبونجو الابن، ليتولى السلطة بعد أبيه، دون أي تدخل من الجيش الجابوني.

دخل عمر وعلي الدين الإسلامي في عام 1973، وغير عمر اسمه من «آلين برنارد بونجو» إلى عمر بونجو، علمًا بأن المسلمين يشكلون في الجابون 12% من عدد السكان.

خلال فترة حكم الأب بونجو، اتُهم كثيرًا بالفساد، وبنهب ثروات البلاد الضخمة لحسابه الخاص، وبالعمالة للمؤسسات الأمريكية والفرنسية، ضد مصالح الشعب الجابوني، وقد رأى العديد من المحللين في تولي علي للحكم من بعده عقب انتخابات رئاسية، نوعًا من أنواع توريث الحكم، واستمرارًا لمسلسل الاستبداد في البلاد.

في الواقع لا يمثل «بينج»، المولود لأب صيني )رجل أعمال( وأم جابونية، الوجه المعكوس للنظام القائم، فقد خدم بينج بإخلاص في هذا النظام لمدة عشر سنوات في مناصب وزارية مختلفة، في عهد الرئيس عمر بونجو، وكان من أقرب المقربين للرئيس، وكان مديرًا لديوانه الرئاسي أيضًا، إلى أن تخلى نظام علي بونجو عن دعم ترشح بينج لولاية ثانية في رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي عام 2012، فتحول بينج إلى معارض سياسي للنظام. ليس هذا فحسب؛ فبينج هو زوج ابنة عمر بونجو »باسكالين«، وهي وزيرة خارجية سابقة، وأنجب منها طفلين.

واشتهر بينج وزوجته بنمط حياة مترفة للغاية، لا تختلف كثيرًا عن حياة علي بونجو اليومية، بالتالي فإن بينج لا يحمل برنامجًا انتخابيًا راديكاليًا، يختلف بشكل جذري عما يقوم به بونجو، ومع ذلك يرى الشباب والنساء الذين خرجوا في المظاهرات بعد الانتخابات الرئاسية، معلنين غضبهم الشديد مما يرونه تزويرًا للانتخابات، أن وجود رئيس جديد في البلاد، لا يحمل اسم بونجو، المحتكر للسلطة منذ عام 1967، هو تقدم إيجابي في حد ذاته، نحو بناء دولة ديمقراطية وعادلة.

على جانب آخر، فإن الكثير من فقراء العاصمة «ليبرفيل»، والمدن التي اجتاحتها موجات العنف بين السلطة والمعارضة، لا يريدون سوى عودة الأمور إلى طبيعتها، في ظل الصعوبات التي تسبب فيها إغلاق المتاجر والأسواق جراء الأحداث. يقول أحد المواطنين الجابونيين الفقراء، لـ«رويترز»، ويدعى «أليكس ندونج» (42 عامًا) ويعمل ميكانيكي سيارات، إن »الأيام القليلة الماضية كانت صعبة فعلًا بالنسبة لنا. حقيقة أن حركة المرور بدأت تتحرك مهمة جدًا؛ لأن عائلاتنا عانت فعلًا. أتمنى عودة كل شيء إلى طبيعته بأسرع ما يمكن«.

يعلم هؤلاء الفقراء في أعماق نفوسهم، أنه لا فرق حقيقي بين بونجو وبينج، أو على الأقل إذا وجد فرق، فهو لن يتعلق بالسياسات الاقتصادية، المرتبطة بأوضاعهم الصعبة التي ألفوها وورثوها عن آبائهم وأجدادهم. فكلا المرشحين في نظر العديد من المراقبين، يبني أحلامه في الحكم بشكل أساسي، على فهم طبيعة مصالح القوى الدولية في الجابون، لا على الاهتمام بالطبقات الشعبية والفقراء.

فرنسا اللاعب الأكبر

ليس أدل على طبيعة العلاقة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، من القول بأن الجابون هي واحدة من 14 دولة إفريقية، ملزمة بإيداع احتياطاتها القومية من النقد في البنك المركزي الفرنسي، منذ أن نالت استقلالها، الذي يراه بعض المراقبين صوريًا.

وظلت فرنسا إلى يومنا هذا، اللاعب الأقوى في الجابون منذ الاستقلال، وقد قامت العلاقات الفرنسية الجابونية بشكل رئيس طوال عقود طويلة، على دعم باريس للسلطة مهما كانت ديكتاتورية في الجابون وقامعة لحقوق الإنسان، مقابل الحصول على الامتيازات الاقتصادية في البلاد؛ متمثلة بالأساس في الموارد الطبيعية، وخاصة اليورانيوم، والنفوذ، والقواعد العسكرية.

 

كانت فرنسا حاضرة عسكريًا بقوة، ضد محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس الذي كرس كل السلطات في يده، «ليون إمبا»، وهو أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال، فأعادت إمبا إلى الحكم بعد يومين فقط من اندلاع الانقلاب، وفي فترة حكم عمر بونجو الطويلة، والذي كان نائبًا لإمبا من قبل، كانت فرنسا هي الداعم الرئيس له، والمثبت الأساسي لدعائم حكمه، في مقابل أن يرعى مصالحها في بلاده، وقد أطاحت فرنسا ببعض وزرائها في مرات عدة، تلبيًة لرغبات عمر بونجو، حيث كان هؤلاء الوزراء يعادونه، ويشنعون على حكمه، بأنه حكم دكتاتوري يقمع فيه عمر شعبه، وتظهر الوثائق أن النظام الجابوني في عهد عمر بونجو، الذي ظل يحكم شعبًا يعاني من مشاكل اقتصادية عنيفة، كان يمول بمبالغ طائلة، حملات انتخابية لمرشحين للرئاسة الفرنسية بعينهم، بغية أن يحافظ النظام الجابوني على دعم باريس، بعد أن يصل هؤلاء المرشحون الذين مولهم إلى كرسي الرئاسة.

تمتلك فرنسا أيضًا قاعدة عسكرية في الجابون منذ استقلالها عام 1960، وبالرغم من أن التواجد العسكري الفرنسي في الجابون قد انخفض في عام 2010، من 850 جندي إلى 450 جندي فقط، لكن تبقى فرنسا هي الأقدر على توجيه دفة الرياح في البلاد لصالحها، أكثر من أي قوة أخرى؛ نظرًا لأنها تمتلك قوة عسكرية فعلية على الأراضي الجابونية.

http://embed-cdn.gettyimages.com/images/225/gi-logo.png

Getty ImagesGetty Images

على صعيد آخر، عندما عانى الاقتصاد الجابوني من تسديد ديون البلاد الخارجية في تسعينات القرن العشرين، بسبب انخفاض قيمة الفرنك، قامت فرنسا مع صندوق النقد الدولي بإعطاء البلاد المزيد من القروض والمساعدات، في مقابل تنفيذ تغيير هيكلي في الاقتصاد، يؤدي بحسب بعض المراقبين إلى جعل الاقتصاد الجابوني تابعًا أكثر وأكثر، ويفقد مساحات أكبر من استقلاليته، التي كانت مفقودة إلى حد كبير، حتى قبل تلك الإصلاحات.

السلطة والمعارضة و«الزواج الكاثوليكي» من باريس

منذ أن تولى علي بونجو السلطة، بدا أنه لم يستطع الحفاظ على علاقات متينة مع فرنسا، كالتي وطدها والده، حيث ساءت العلاقات، وبدا أن الصين قد سحبت البساط الجابوني من تحت أقدام باريس، حيث استطاعت الصين أن تقيم علاقات اقتصادية قوية مع الجابون، وقد تراجع مستوى العلاقات التجارية بين باريس والجابون بالفعل مقارنًة مع العقود السابقة لحساب الصين، وبحسب الموقع الرسمي لوزارة المالية الفرنسية فإن حصة فرنسا في السوق الجابوني قد تقلصت من 32.5 % عام 2001، إلى 21% في عام 2014، وإن كان الرئيس الفرنسي «فرانسوا أولاند»، قد استطاع بشكل كبير الحفاظ على مصالح اقتصادية كثيرة لفرنسا في الجابون، وسط توتر العلاقات؛ ولا تزال الهيمنة على السوق بنسبة قدرها 21% هي نسبة كبيرة للغاية، تبين المكانة الهامة لباريس في الجابون.

 

منذ عصر بونجو الأب، كانت العلاقات مع الصين تقوم على مبدأ الواقعية، ومع الوقت استطاعت بكين أكثر فأكثر أن تحصل على علاقة دافئة للغاية مع الجابون، تؤّمن من خلالها مصادر للموارد الطبيعية، وبدأ المراقبون في القول بأن الصين قد انتصرت على فرنسا في الجابون، واقتربت من أن يصبح لها النفوذ الأكبر والكلمة العليا هناك.

لكن مع حلول عام 2013، تبين أن الجابون لم تخرج، على الرغم من كل التوتر الظاهر على السطح، عن مناطق النفوذ الفرنسي، وتبين مع الأحداث اللاحقة أن البوصلة الرئيسة للنخبة السياسية الجابونية هي باريس؛ مع العلم أن المتنافسين حاليًا على الحكم، علي بونجو وبينج، كليهما قد تلقى تعليمه في فرنسا. في عام 2013، بدأت الجابون في تضييق الخناق على التواجد الاقتصادي في أراضيها؛ في ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام، فقدت شركة التعدين الصينية العملاقة «Comibel» ترخيصها في الجابون، الذي يمكنها من واحد من أكبر المساحات التي تحتوي على احتياطيات خام الحديد في العالم، تحديدًا في «بيلينغا»، وعقب ذلك فوجئت الاستثمارات الصينية في الجابون بالعديد من الضربات القاصمة، حيث بدأت تخوض نزاعات قضائية ضخمة في الجابون، للحفاظ على وجودها.

في الواقع تبيّن اقتصاديًا منذ عام 2013، أن الجابون كانت تقيم علاقة مؤقتة مع الصين في السنوات السابقة، بغية تحسين موقفها التفاوضي مع فرنسا وبروكسل (الاتحاد الأوروبي)، اللتان ترى النخبة السياسية في البلاد، أن العلاقة معهما كاثوليكية، إن جاز التعبير، وقد استفادت الجابون من تلك السنوات الصينية استفادة كبيرة للغاية، حيث قامت بكين ببناء ملاعب لكرة القدم في الجابون، وبناء برلمان البلاد، ومشاريع الواجهات البحرية.

وإن كان بعض الأكاديميين والاقتصاديين الأفارقة، كانوا يرون أن نظام علي بونجو كان جادًا في محاولة الخروج من العباءة الفرنسية، وأن بونجو الابن حاول بحزم أن يستفيد من التجربة الرواندية في تقليص النفوذ الفرنسي بالبلاد، وإن كان هؤلاء الأكاديميون أنفسهم، كانوا يؤكدون آنذاك، على أن النظام الجابوني لا يستطيع البقاء بدون الدعم الفرنسي، وهو ما يبدو أن بونجو قد اقتنع به بعد ذلك، منذ عام 2013.

وعليه فإن النظام في الجابون، ورغم كل التوتر الذي ظهر، هو لا يملك عداء للمصالح الفرنسية في بلاده الآن، ولا يمثل خطرًا عليها. والواقع أن بونجو كان قد اقتنع أكثر في العامين الأخيرين بخطورة السخط الفرنسي، فحين أوقفت السلطات الفرنسية مدير ديوانه على أراضيها، بتهمة تلقي رشا من شركة أجنبية، مقابل منحها صفقة وامتيازات في الجابون، بادر بونجو نفسه بالذهاب في زيارة رسمية إلى فرنسا، بالرغم من أنه كان الطرف المتضرر، حيث فهم بونجو رسالة فرنسا بتوقيف مدير ديوانه، على أنها تحذير شديد اللهجة من باريس، بأنها صاحبة النفوذ الأول في الجابون، وكانت زيارة بونجو تأكيدًا واضحًا منه، على عدم القدرة على الاستغناء عن غطاء الدعم الفرنسي لنظامه.

 

على الجانب الآخر، فإن المعارضة الجابونية، وبالرغم من أن زعيمها هو ابن لرجل أعمال صيني، وبالرغم من كل ما يقال عن أن بينج هو رجل الصين في إفريقيا، الذي رتب زيارة رئيس الصين للجابون في 2004، لكنها تربط كل آمالها بفرنسا أيضًا. ودائمًا حين يتحدث المعارضون للصحافة الأجنبية يقولون »نريد من الحكومة الفرنسية التدخل رسميًا لحماية شعب الجابون من التعرض للقتل على أيدي مرتزقة النظام«، على حد تعبير أحد المحتجين. حيث يرى حتى المحتجين الشباب، أن فرنسا هي التي تملك طوق النجاة، للتخلص من حكم عائلة بونجو، الذي يأخذ في مضمونه شكل الحكم الملكي الاستبدادي، من وجهة نظرهم.

إزاء الانتخابات الأخيرة، طالبت فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، بنشر نتائج التصويت في كل مكاتب الاقتراع بالجابون، والتي يصل عددها إلى 2500 مكتب، كي يتم التأكد من النتائج المشكوك فيها.

ليس هذا فحسب، فقد اقترح رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس، إعادة فرز أصوات انتخابات الرئاسة في الجابون، مؤكدًا على كثرة الانتقادات والاعتراضات والشكوك، التي نقلها المراقبون الأوروبيون لعملية الانتخابات، وهو بهذا الاقتراح يتفق مع المطلب الرئيسي الذي يحمله بينج، الداعي إلى إضراب عام في البلاد من أجل شل الاقتصاد، حتى يقبل النظام بإعادة فرز الأصوات، بعد كل ما نقله المراقبون حول افتقار العملية الانتخابية للنزاهة المطلوبة. علمًا بأن بينج يؤكد دائمًا على أن المراقبين الأوروبيين للانتخابات الأخيرة، يعرفون أنه هو الفائز الحقيقي لولا التزوير، بحسب قوله، كما أن الحزب الاشتراكي الفرنسي، قد أشار إلى أن النتائج المبكرة، كانت تشير إلى فوز بينج.

في الواقع، وزير العدل الجابوني نفسه، «سيرافن موندونجا»، كان قد قدم استقالته من منصبه، بسبب عدم إعداة فرز الأصوات، الذي قد يؤدي إلى حرب طائفية في البلاد، من وجهة نظره، بين نظام الرئيس »المسلم«، الذي تتحدث التقارير والشهادات، عن أن انتصاره لم يكتس بالشفافية والنزاهة الكافية، وبين المعارضة.

ونظرًا لأن فرنسا باتت تلوح من بعيد برغبتها في إعادة فرز الأصوات، وهو ما يرفضه نظام بونجو تمامًا، تعللًا بأن هذا غير وارد في قانون الانتخابات، وأن الفيصل هو المحكمة الدستورية، فإن مناصري الرئيس بونجو بدأوا يتهمون فرنسا بمحاولة »فرنسة الجابون«، وأنها ما زالت تملك أجندتها الاستعمارية حيالها، وتريد وضع زعماء إفريقيا تحت سيطرة عاصمتها.

من أجل كل هذه المؤشرات، فإن البعض يميل إلى القول بأن فرنسا هي المتسبب الأساسي في أعمال العنف المتزادية بالجابون، لأنها تنتظر وتراقب من بعيد، وتصدر تلميحاتها من بعيد، بغية أن تقدم السلطة والمعارضة أكبر عدد من أوراق الولاء لها ولمصالحها، لتتدخل بعد ذلك في النهاية، لاختيار السيناريو الذي يناسب مصالحها في الجابون في الفترة القادمة، بعد أن تختار فرس الرهان لها في المرحلة القادمة، بين بونجو الذي انقض على المصالح الصينية من سنتين، وأعاد بلاده إلى قبلة باريس وبروكسل تدريجيًا، وبين بينج ومن حوله مناصريه، الذين يطالبون فرنسا بالتدخل العسكري، من أجل حماية الشعب الجابوني.

وحذر العديد من الأكاديميين السياسيين الأفارقة، في السنوات الماضية، من أن فرنسا لا يمكن أن تستغنى عن حد أدنى من النفوذ، في نطاق إفريقيا الاستوائية.

وكان المفكر الأكاديمي السنغالي، سيرين عثمان باي، أستاذ الاقتصاد بجامعة »الشيخ أنتا ديوب«، بالعاصمة السنغالية داكار، قد تنبه منذ عامين، إلى أن باريس تتوجه لدعم بعض المعارضين الجابونيين، وتقلص علاقتها مع نظام بونجو، وتعمل على تجهيز بدائل له، يتوافقون مع نظرتها الجديدة لمصالحها في الجابون، التي تعمل على تشكيلها وسط تشكيل استراتيجيتها الجديدة في إفريقيا، وكان سيرين قد أكد أن فرنسا تفعل ذلك بحذر بالغ، لتستفيد من كل الخيارات في الجابون.

فما علاقة السعودية بما يحدث في الجابون؟

http://embed-cdn.gettyimages.com/images/225/gi-logo.png

تفيد أوراق بحثية، بأن المملكة العربية السعودية، كانت ترى في نظام الرئيس المسلم علي بونجو حليفًا مهمًا، لمواجهة ما تسميه بالإرهاب في إفريقيا، وظهير قوي لاستراتيجيتها في القارة، وهو ما جعلها تعبد الطريق للجابون، للعودة إلى منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في هذا العام، لتصبح أصغر المنتجين في المنظمة، ويرتفع عدد أعضاء المنظمة إلى 14 دولة، عقب عودة إندونيسيا العام الماضي بعد مغادرتها في 2008. حيث كانت الجابون قد انضمت إلى أوبك عام 1975، ثم تركتها في 1995، بسبب رفض المنظمة قبول طلبها بتقليص مساهماتها السنوية لتتماشى مع صغر حجم إنتاجها، آنذاك.

 

وفي حين تقف فرنسا في الموقف الجابوني باعتبارها صاحب النفوذ الأكبر، الذي ربما يصبح له الكلمة الأخيرة في تحديد الفائز من الصراع، فإذا كان الخاسر الأخير هو علي بونجو، الرئيس المسلم الذي تعتمد عليه السعودية في استراتيجيتها بالمنطقة، وجاء رئيس آخر ينتمي لدين الأغلبية، فربما تفقد السعودية ركيزة مهمة في تلك المنطقة، كانت ستعتمد عليها في إطار محاربة جذور ما يُسمى بـ«الإرهاب» في إفريقيا، بالصورة التي تريدها، ومحاربة المد الشيعي في القارة السمراء، بخلاف عديد المصالح في إطار صراعها مع طهران وبعض الحركات الإسلامية السنية في القارة. حيث سيكون من الصعب أن يتبنى رئيس غير مسلم في الجابون نفس الرؤية ونفس فلسفة المصالح، كما أنه إن تبناها، فلن يملك نفس القدرة على الإقناع والتأثير، في القطاعات الإسلامية بتلك المنطقة بالقارة، التي من الممكن أن يمتلكها نظام يقوده رجل مسلم الديانة، في الدولة الأفريقية التي يتصارع عليها عديد الأقطاب.

وحثت منظمة التعاون الإسلامي، التي يقع مقرها في جدة بالمملكة العربية السعوية، بعد الأحداث الأخيرة، المعارضة الجابونية، على احترام سيادة القانون واللجوء إلى الوسائل القانونية والدستورية لتسوية الأمر؛ وهو النداء الذي يحمل في باطنه طبيعة انحياز المملكة وقلقها مما يجري.

اجمالي القراءات 1370
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق